مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا اثْنَتَا عَشَرَةَ وَمِائَةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٦ / ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: دَنَا حِسَابُ النَّاسِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دُنْيَاهُمْ، وَنِعَمِهِمُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا، فِي أَبْدَانِهِمْ، وَأَجْسَامِهِمْ، وَمَطَاعِمِهِمْ، وَمَشَارِبِهِمْ، وَمَلَابِسِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَهُمْ، وَمَسْئَلَتُهُ إِيَّاهُمْ مَاذَا عَمِلُوا فِيهَا، وَهَلْ أَطَاعُوهُ فِيهَا، فَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِي جَمِيعَهَا، أَمْ عَصَوْهُ فَخَالَفُوا أَمْرَهُ فِيهَا؟ ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] يَقُولُ: وَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَنْ دُنُوِّ مُحَاسَبَتِهِ إِيَّاهُمْ مِنْهُمْ، وَاقْتِرَابِهِ لَهُمْ فِي سَهْو وَغَفْلَةٍ، وَقَدْ أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ، فَتَرَكُوا الْفِكْرَ فِيهِ، وَالِاسْتِعْدَادَ لَهُ وَالتَّأَهُّبَ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا هُمْ لَاقُوهُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ، وَشَدِيدِ الْأَهْوَالِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٦ / ٢٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ ⦗٢٢٢⦘ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ١] قَالَ: «فِي الدُّنْيَا»
١٦ / ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ تَنْزِيلِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ وَيُذَكِّرُهُمْ بِهِ، وَيَعِظُهُمْ، إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ﴾ [الأنبياء: ٢] . الْآيَةَ يَقُولُ: «مَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ»
١٦ / ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هل هذا إِلَّا بِشْرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] غَافِلَةً، يَقُولُ: مَا ⦗٢٢٣⦘ يَسْتَمِعُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَبُونَ، غَافِلَةً عَنْهُ قُلُوبُهُمْ، لَا يَتَدَبَّرُونَ حُكْمَهُ، وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ:
١٦ / ٢٢٢
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] يَقُولُ: «غَافِلَةً قُلُوبُهُمْ» وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنبياء: ٣] يَقُولُ: وَأَسَرَّ هَؤُلَاءِ النَّاسُ الَّذِينَ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ مِنْهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمُ النَّجْوَى بَيْنَهُمْ، يَقُولُ: وَأَظْهَرُوا الْمُنَاجَاةَ بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: هَلْ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴿إِلَّا بِشْرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [إبراهيم: ١١]؟ يَقُولُونَ: هَلْ هُوَ إِلَّا إِنْسَانٌ مِثْلُكُمْ فِي صُوَرِكُمْ وَخَلْقِكُمْ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ مُحَمَّدًا ﷺ. وَقَالَ: ﴿الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنبياء: ٣]، فَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ بِفِعْلِهِمْ، وَقِيلِهِمُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَقُولُونَ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالتَّكْذِيبِ بِرَسُولِهِ. وَلِ (الَّذِينَ) مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الأنبياء: ٣] فِي الِإْعِرَابِ وَجْهَانِ: الْخَفْضُ عَلَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١] وَالرَّفْعُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ [طه: ٦٢] مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، كَمَا قِيلَ: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٧١] . وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيَكُونَ مَعْنَاهُ: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى، ثُمَّ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا
١٦ / ٢٢٣
قَوْلُهُ: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣] يَقُولُ: وَأَظْهَرُوا هَذَا ⦗٢٢٤⦘ الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ النَّجْوَى الَّتِي أَسَرُّوهَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَقْبَلُونَ السِّحْرَ وَتُصَدِّقُونَ بِهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْرٌ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ:
١٦ / ٢٢٣
كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣] قَالَ: «قَالَهُ أَهْلُ الْكُفْرِ لِنَبِيِّهِمْ، لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرٌ، قَالُوا: أَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟»
١٦ / ٢٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنبياء: ٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَبِّي﴾ [الأنبياء: ٤] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (قُلْ رَبِّي) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿قَالَ رَبِّي﴾ [الأنبياء: ٤] عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ أَرَادُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣]: رَبِّي يَعْلَمُ قَوْلَ كُلِّ قَائِلٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِمَا يَقُولُونَ مِنَ الْكَذِبِ، الْعَلِيمُ بِصِدْقِي، وَحَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَبَاطِلٌ مَا تَقُولُونَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ أَرَادُوا: قَالَ مُحَمَّدٌ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ، خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَنْ جَوَابِ نَبِيِّهِ إِيَّاهُمْ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ
١٦ / ٢٢٤
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَجَاءَتْ بِهِمَا مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَ مُحَمَّدًا بِقِيلِ ذَلِكَ قَالَهُ، وَإِذَا قَالَهُ فَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ قَالَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَتِهِ
١٦ / ٢٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا صَدَّقُوا بِحِكْمَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ وَحْي أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَهَاوِيلُ رُؤْيَا رَآهَا فِي النَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فِرْيَةٌ وَاخْتِلَاقٌ افْتَرَاهُ، وَاخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مُحَمَّدٌ شَاعِرٌ، وَهَذَا الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ شِعرٌ. ﴿فَلْيَأْتِنَا﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ: قَالُوا: فَلْيَجِئْنَا مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَيْنَا، وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْنَا وَحْي مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيْنَا ﴿بِآيَةٍ﴾ [آل عمران: ٤٩] يَقُولُ: بِحُجَّةٍ، وَدِلَالَةٍ عَلَى حَقِيقَةِ مَا يَقُولُ وَيَدَّعِي، ﴿كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ: كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْأَوَّلُونَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْراءِ الْأَكْمَهِ، وَالْأَبْرَصِ، وَكَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ [يوسف: ٤٤] أَيْ فِعْلُ حَالِمٍ، إِنَّمَا هِيَ رُؤْيَا رَآهَا. ﴿بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ [الأنبياء: ٥] كُلُّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] يَقُولُ: كَمَا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ، وَمُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ، وَالرُّسُلُ
١٦ / ٢٢٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ [يوسف: ٤٤] قَالَ: مُشْتَبِهَةٌ
١٦ / ٢٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ﴾ [يوسف: ٤٤] قَالَ: أَهَاوِيلُهَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿بَلْ قَالُوا﴾ [الأنبياء: ٥] وَلَا جَحْدَ فِي الْكَلَامِ ظَاهِرٌ فَيُحَقَّقُ بِـ ” بَلْ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ أَهْلِ الْجُحُودِ وَالتَّكْذِيبِ، فَاجْتُزِيءَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا دَلَّ ⦗٢٢٧⦘ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ﴿بَلْ﴾ [الأنبياء: ٥] مِنْ ذِكْرِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا
١٦ / ٢٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفْهَمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا آمَنَ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مُحَمَّدًا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ الَّذِينَ قَالُوا: فَلْيَأْتِنَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ عَذَّبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا، إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولُنَا إِلَيْهِمْ بِآيَةٍ مُعْجِزَةٍ. ﴿أَفْهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦] يَقُولُ: أَفَهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا السَّائِلُوهُ الْآيَةَ يُؤْمِنُونَ بِهِ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَلَمْ تُؤْمِنْ قَبْلَهُمْ أَسْلَافُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِرُسُلِهَا مَعَ مَجِيئِهَا؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: أَهْلَكْنَاهَا أَفْهَمْ يُؤْمِنُونَ يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفْهَمْ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٦] أَيِ الرُّسُلَ كَانُوا إِذَا جَاءُوا قَوْمَهُمْ ⦗٢٢٨⦘ بِالْبَيِّنَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يُنْظَرُوا
١٦ / ٢٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَكَ رَسُولًا إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي خَلَتْ قَبْلَ أُمَّتِكَ إِلَّا رِجَالًا مَثَلَهُمْ، نُوحِي إِلَيْهِمْ مَا نُرِيدُ أَنْ نُوحِيَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، لَا مَلَائِكَةً، فَمَاذَا أَنْكَرُوا مِنْ إِرْسَالِنَا لَكَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْتَ رَجُلٌ كَسَائِرِ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلَكَ إِلَى أُمَمِهِمْ؟ وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] يَقُولُ لِلْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ ﷺ فِي تَنَاجِيهِمْ بَيْنَهُمْ: ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣] فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ وَجَهِلْتُمْ أَمْرَ الرُّسُلِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمْرَهُمْ إِنْسًا كَانُوا أَمْ مَلَائِكَةً، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الْكُتُبِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَا كَانُوا؟ يُخْبِرُوكُمْ عَنْهُمْ، كَمَا:
١٦ / ٢٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] يَقُولُ: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أُرَاهُ أَنَا قَالَ: يُخْبِرُوكُمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا رِجَالًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونْ فِي الْأَسْوَاقِ وَقِيلَ: أَهْلُ الذِّكْرِ: أَهْلُ الْقُرْآنِ
١٦ / ٢٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثني عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: ثني مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ عَلِيٌّ: نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ
١٦ / ٢٢٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ. وَقَرَأَ: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]
١٦ / ٢٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّسُلَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ قَبْلَكِ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أُمَّتِكَ، ﴿جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء: ٨] يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْهُمْ مَلَائِكَةً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ أَجْسَادًا مِثْلَكَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ:
١٦ / ٢٢٩
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء: ٨] يَقُولُ: «مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا إِلَّا لِيَأْكُلُوا الطَّعَامَ»
١٦ / ٢٢٩
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ
١٦ / ٢٢٩
الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ [الأنبياء: ٨] يَقُولُ: «لَمْ أَجْعَلْهُمْ جَسَدًا لَيْسَ فِيهِمْ أَرْوَاحٌ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا فِيهَا أَرْوَاحٌ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَالَ ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا﴾ [الأنبياء: ٨] فَوَحَّدَ ” الْجَسَدَ، وَجَعَلَهُ مُوَحَّدًا، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَسَدَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ خَلْقًا لَا يَأْكُلُونَ وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨] يَقُولُ: وَلَا كَانُوا أَرْبَابًا لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَفْنُونَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بَشَرًا أَجْسَادًا فَمَاتُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَمَا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا﴾ [الإسراء: ٩٠] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٩٢] قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى لَهُمْ: مَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ، فَنَفْعَلَ بِكُمْ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا نُوحِي إِلَيْهِ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٨] أَيْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْ يَمُوتُوا
١٦ / ٢٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ صَدَقْنَا رُسُلَنَا الَّذِينَ كَذَّبَتْهُمْ أُمَمُهُمْ وَسَأَلَتْهُمُ الْآيَاتِ، فَأَتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهَا، وَأَصَرُّوا عَلَى جُحُودِهِمْ نُبُوَّتَهَا بَعْدَ الَّذِي أَتَتْهُمْ بِهِ مِنْ آيَاتِ رَبِّهَا، وَعَدْنَا الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ مِنَ الْهَلَاكِ عَلَى إِقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِرَبِّهِمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ الَّتِي سَأَلُوا وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ١١٥] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ [هود: ٦٤] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِيدِ الَّتِي وُعِدَ الْأُمَمُ مَعَ مَجِيءِ الْآيَاتِ وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْجَيْنَا الرُّسُلَ عِنْدَ إِصْرَارِ أُمَمِهَا عَلَى تَكْذِيبِهَا بَعْدَ الْآيَاتِ ﴿وَمَنْ نَشَاءُ﴾ [الأنبياء: ٩] وَهُمُ أتْبَاعُهَا الَّذِينَ صَدَّقُوهَا، وَآمَنُوا بِهَا وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، كَمَا
١٦ / ٢٣١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأنبياء: ٩] وَالْمُسْرِفُونَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ
١٦ / ٢٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَقَدْ أَنْزَلْنَا ⦗٢٣٢⦘ إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ، فِيهِ حَدِيثُكُمْ
١٦ / ٢٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى،، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] قَالَ: «حَدِيثُكُمْ»
١٦ / ٢٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ [الأنبياء: ١٠] قَالَ: حَدِيثُكُمْ، ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠]، قَالَ فِي «قَدْ أَفْلَحَ»: ﴿بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [المؤمنون: ٧١]
١٦ / ٢٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ: نَزَلَ الْقُرْآنُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، أَلَمْ تَسْمَعْهُ يَقُولُ: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشُّرَفُ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ شَرَفُكُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَهُوَ نَحْوٌ مِمَّا قَالَ سُفْيَانُ الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَرَفٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ
١٦ / ٢٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا ⦗٢٣٣⦘ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [الأنبياء: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَثِيرًا قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ. وَالْقَصْمُ: أَصْلُهُ الْكَسْرُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَصَمْتُ ظَهْرَ فُلَانٍ إِذَا كَسَرْتُهُ، وَانْقَصَمَتْ سِنُّهُ: إِذَا انْكَسَرَتْ وَهُوَ هَهُنَا مَعْنِيُّ بِهِ: أَهْلَكْنَا، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا﴾ [الأنبياء: ١١] قَالَ: «أَهْلَكْنَا»
١٦ / ٢٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ١١] قَالَ: «أَهْلَكْنَاهَا» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ١١] قَالَ: بِالْيَمَنِ قَصَمْنَا، بِالسَّيْفِ أُهْلِكُوا
١٦ / ٢٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الأنبياء: ١١] قَالَ: قَصَمَهَا أَهْلُهَا وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ [الأنبياء: ١١] أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى الْقَرْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ. وَكَأَنَّ ظُلْمَهَا كُفْرُهَا بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبُهَا رُسُلَهُ وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الأنبياء: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَحْدَثْنَا بَعْدَ مَا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي قَصَمْنَاهَا بِظُلْمِهَا قَوْمًا
١٦ / ٢٣٣
آخَرِينَ سِوَاهُمْ وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ [الأنبياء: ١٢] يَقُولُ: فَلَمَّا عَايَنُوا عَذَابَنَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ وَرَأَوْهُ قَدْ وَجَدُوا مَسَّهُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَحْسَسْتُ مِنْ فُلَانٍ ضَعْفًا، وَأَحَسْتُهُ مِنْهُ ﴿إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ﴾ [الأنبياء: ١٢] يَقُولُ: إِذَا هُمْ مِمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا النَّازِلَ بِهِمْ يَهْرُبُونَ سِرَاعًا عَجْلَى يَعْدُونَ مُنْهَزِمِينَ، يُقَالُ مِنْهُ: رَكَضَ فُلَانٌ فَرَسَهُ: إِذَا كَدَّهُ بِسِيَاقَتِهِ
١٦ / ٢٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَهْرُبُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ: يَقُولُ: إِلَى مَا أُنْعِمْتُمْ فِيهِ مِنْ عِيشَتِكُمْ، وَمَسَاكِنِكُمْ،:
١٦ / ٢٣٤
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] يَعْنِي مَنْ نَزَلَ بِهِ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانَ يَعْصِي اللَّهَ مِنَ الْأُمَمِ
١٦ / ٢٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَرْكُضُوا﴾ [الأنبياء: ١٣] لَا تَفِرُّوا ⦗٢٣٥⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ
١٦ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ [الأنبياء: ١٣] يَقُولُ: ارْجِعُوا إِلَى دُنْيَاكُمُ الَّتِي أُتْرِفْتُمْ فِيهَا
١٦ / ٢٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ﴾ [الأنبياء: ١٣] قَالَ: إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ مِنْ دُنْيَاكُمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَعَلَّكُمْ تَفْقَهُونَ، وَتَفْهَمُونَ بِالْمَسْأَلَةِ
١٦ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] قَالَ: تَفْقَهُونَ
١٦ / ٢٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] قَالَ: تَفْقَهُونَ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ
١٦ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] اسْتِهْزَاءً بِهِمْ
١٦ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٣] مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ
١٦ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ بِظُلْمِهِمْ لَمَّا نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللَّهِ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ بِكُفْرِنَا بِرَبِّنَا، ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥] يَقُولُ: فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَاهُمْ، حِينَ أَتَاهُمْ بَأْسُ اللَّهِ، بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] حَتَّى قَتَلَهُمُ اللَّهُفَحَصَدَهُمْ بِالسَّيْفِ، كَمَا يُحْصَدُ الزَّرْعُ، وَيُسْتَأْصَلُ قَطْعًا بِالْمَنَاجِلِ. وَقَوْلُهُ ﴿خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] يَقُولُ: هَالِكِينَ، قَدِ انْطَفَأَتْ شَرَارَتُهُمْ، وَسَكَنَتْ حَرَكَتُهُمْ، فَصَارُوا هُمُودًا كَمَا تَخْمَدُ النَّارُ فَتُطْفَأُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ ⦗٢٣٧⦘ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥] الْآيَةَ فَلَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَعَايَنُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجِّيرَى إِلَّا قَوْلُهُمْ: ﴿يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٤] حَتَّى دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَهْلَكَهُمْ
١٦ / ٢٣٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] يَقُولُ: حَتَّى هَلَكُوا
١٦ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ،، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿حَصِيدًا﴾ [يونس: ٢٤] الْحَصَادُ، ﴿خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] خُمُودُ النَّارِ إِذَا طُفِئَتْ
١٦ / ٢٣٧
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حُصُونٍ، وَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلُوا نَبِيًّا لَهُمْ، فَحُصِدُوا بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١٥] بِالسَّيْفِ
١٦ / ٢٣٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا خُلِقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ [الأنبياء: ١٦] إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكُمْ أَيُّهَا ⦗٢٣٨⦘ النَّاسُ، وَلِتَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِيَ دَبَّرَهُ، وَخَلَقَهُ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا تَكُونُ الْأُلُوهَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَعِبًا
١٦ / ٢٣٧
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ١٦] يَقُولُ: مَا خَلَقْنَاهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا
١٦ / ٢٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ زَوْجَةً وَوَلَدًا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ مِنْ عِنْدَنَا، وَلَكِنَّا لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِعْلُهُ، وَلَا يَنْبَغِي، لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ، وَلَا صَاحِبَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلَانِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ مِسْكِينٍ، قَالَ: ثنا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ بِمَكَّةَ قَالَ: وَجَاءَهُ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ، فَسَأَلُوهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ﴾ [الأنبياء: ١٧] قَالَ الْحَسَنُ: اللَّهْوُ: الْمَرْأَةُ
١٦ / ٢٣٨
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ⦗٢٣٩⦘ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ [الأنبياء: ١٧] قَالَ: زَوْجَةً
١٦ / ٢٣٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ [الأنبياء: ١٧] الْآيَةَ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَلَا يَنْبَغِي. وَاللَّهْوُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ: الْمَرْأَةُ
١٦ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ [الأنبياء: ١٧] قَالَ: اللَّهْوُ فِي بَعْضِ لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ: الْمَرْأَةُ. ﴿لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ [الأنبياء: ١٧] وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧]
١٦ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧] يَقُولُ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ
١٦ / ٢٣٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالُوا مَرْيَمُ صَاحِبَتُهُ، وَعِيسَى وَلَدُهُ، فَقَالَ تبارك وتعالى: ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا﴾ [الأنبياء: ١٧] نِسَاءً وَوَلَدًا، ﴿لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٧]⦗٢٤٠⦘ قَالَ: مِنْ عِنْدِنَا، وَلَا خَلَقْنَا جَنَّةً، وَلَا نَارًا، وَلَا مَوْتًا، وَلَا بَعْثًا، وَلَا حِسَابًا
١٦ / ٢٣٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ [الأنبياء: ١٧] مِنْ عِنْدَنَا، وَمَا خَلَقْنَا جَنَّةً، وَلَا نَارًا، وَلَا مَوْتًا، وَلَا بَعْثًا
١٦ / ٢٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ نُنَزِّلُ الْحَقَّ مِنْ عِنْدَنَا، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ، وَتَنْزِيلُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَأَهْلِهِ، ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ [الأنبياء: ١٨] يَقُولُ: فَيُهْلِكُهُ، كَمَا يَدْمَغُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَشُجَّهُ عَلَى رَأْسِهِ شَجَّةً تَبْلُغُ الدِّمَاغَ، وَإِذَا بَلَغَتِ الشَّجَّةُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشْجُوجِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَهَا حَيَاةٌ وَقَوْلُهُ ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨] يَقُولُ: فَإِذَا هُوَ هَالِكٌ مُضْمَحِلٌّ
١٦ / ٢٤٠
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨] قَالَ: هَالِكٌ
١٦ / ٢٤٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨] قَالَ: ذَاهِبٌ ⦗٢٤١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨] وَالْحَقُّ كِتَابُ اللَّهِ الْقُرْآنُ، وَالْبَاطِلُ: إِبْلِيسُ، ﴿فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ [الأنبياء: ١٨] أَيْ ذَاهِبٌ
١٦ / ٢٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] يَقُولُ: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِنْ وَصْفِكُمْ رَبَّكُمْ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، وَقِيلِكُمْ إِنَّهُ اتَّخَذَ زَوْجَةً وَوَلَدًا، وَفِرْيَتِكُمْ عَلَيْهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى ﴿تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] تَكْذِبُونَ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تُشْرِكُونَ. وَذَلِكَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِ الْأَلْفَاظُ فَمُتَّفِقَةٌ مَعَانِيهِ، لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِأَنَّ لَهُ صَاحِبَةً فَقَدْ كَذَبَ فِي وَصْفِهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، وَأَشْرَكَ بِهِ، وَوَصَفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ. غَيْرَ أَنَّ أَوْلَى الْعِبَارَاتِ أَنْ يُعَبَّرَ بِهَا عَنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ أَقْرَبُهَا إِلَى فَهْمِ سَامِعِيهِ
١٦ / ٢٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] أَيْ تَكْذِبُونَ
١٦ / ٢٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨] قَالَ: تُشْرِكُونَ وَقَوْلُهُ ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] قَالَ: يُشْرِكُونَ، قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٩]، قَالَ: قَوْلُهُمُ الْكَذِبَ فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ اللَّهُ لَهْوًا، وَلَهُ مُلْكُ جَمِيعِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَلَا يَعْيَوْنَ مِنْ طُولِ خِدْمَتِهِمْ لَهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْبِدُ وَالِدٌ وَلَدَهُ، وَلَا صَاحِبَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدُهُ، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ صَاحِبَةٌ وَوَلَدٌ؟ يَقُولُ: أَوَ لَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَفْتَرُونَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَبِّكُمْ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] لَا يَرْجِعُونَ
١٦ / ٢٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢٤٣⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] لَا يَحْسَرُونَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] قَالَ: لَا يَعْيَوْنَ
١٦ / ٢٤٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] قَالَ: لَا يَعْيَوْنَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ
١٦ / ٢٤٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩] قَالَ: لَا يَسْتَحْسِرُونَ، لَا يَمَلُّونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْسَارَ، قَالَ: «وَلَا يَفْتُرُونَ، وَلَا يَسْأَمُونَ» هَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ، وَالْكَلَامُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعِيرٌ حَسِيرٌ: إِذَا أَعْيَا وَقَامَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ:
بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا … فَبِيضٌ، وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
بِهَا جِيَفُ الْحَسْرَى فَأَمَّا عِظَامُهَا … فَبِيضٌ، وَأَمَّا جِلْدُهَا فَصَلِيبُ
١٦ / ٢٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُسَبِّحُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ مَلَائِكَةِ رَبِّهِمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ إِيَّاهُ
١٦ / ٢٤٤
كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠]، وَ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨] فَقَالَ: هَلْ يَئُودُكَ طَرْفُكَ؟ هَلْ يَئُودُكَ نَفَسُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُمْ أُلْهِمُوا التَّسْبِيحَ، كَمَا أُلْهِمْتُمُ الطَّرْفَ وَالنَّفَسَ
١٦ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: قُلْتُ لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠] أَمَا يَشْغَلُهُمْ رِسَالَةٌ أَوْ عَمَلٌ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُمْ جُعِلَ لَهُمُ التَّسْبِيحُ كَمَا جُعِلَ لَكُمُ النَّفَسُ، أَلَسْتَ تَأْكُلُ وَتُشْرَبُ وَتَقُومُ وَتَقْعُدُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ وَأَنْتَ تَنَفَّسُ؟ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: فَكَذَلِكَ جُعِلَ لَهُمُ التَّسْبِيحُ
١٦ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو دَاوُدَ قَالَا: ثنا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ عَمْرٍو الْبِكَالِيِّ، ⦗٢٤٥⦘ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ الْمَلَائِكَةَ، وَجُزْءًا سَائِرَ الْخَلْقِ. وَجَزَّأَ الْمَلَائِكَةَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ، وَجُزْءًا لِرِسَالَتِهِ. وَجَزَّأَ الْخَلْقَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ الْجِنَّ، وَجُزْءًا سَائِرَ بَنِي آدَمَ. وَجَزَّأَ بَنِي آدَمَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ، وَجُزْءًا سَائِرَ بَنِي آدَمَ
١٦ / ٢٤٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٠] يَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْأَمُونَ فِيهَا. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ قَالَ: «تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟» قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: «إِنِّي لَأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ، وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ رَاحَةٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ» وَقَوْلُهُ: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿هُمْ﴾ [الأنبياء: ٢١]: الْآلِهَةَ. يَقُولُ: هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا، تُنْشِرُ الْأَمْوَاتَ، يَقُولُ: يُحْيُونَ الْأَمْوَاتَ؟ وَيُنْشِرُونَ الْخَلْقَ؟ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ.:
١٦ / ٢٤٥
كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى ح وَحَدَّثَنِي ⦗٢٤٦⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُنْشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١] يَقُولُ: يُحْيُونَ
١٦ / ٢٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٢١] يَقُولُ: أَفِي آلِهَتِهِمْ أَحَدٌ يُحْيِي ذَلِكَ، يُنْشِرُونَ؟ وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [يونس: ٣١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [الصافات: ١٥٤]
١٦ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ تَصْلُحُ لَهُمُ الْعِبَادَةُ سِوَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ، وَلَهُ الْعِبَادَةُ وَالْأُلُوهَةُ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ ﴿لَفَسَدَتَا﴾ [الأنبياء: ٢٢] يَقُولُ: لَفَسَدَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَتَنْزِيهٌ لِلَّهِ، وَتَبْرِئَةٌ لَهُ مِمَّا يَفْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ. كَمَا:
١٦ / ٢٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٢] يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ
١٦ / ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يُسْئِلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ ⦗٢٤٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا سَائِلَ يَسْأَلُ رَبَّ الْعَرْشِ عَنِ الَّذِي يَفْعَلُ بِخَلْقِهِ مِنْ تَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ حَيَاةٍ، وَمَوْتٍ، وَإِعْزَازٍ، وَإِذْلَالٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِمْ، لِأَنَّهُمْ خَلْقُهُ وَعَبِيدُهُ، وَجَمِيعُهُمْ فِي مِلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَالْحُكْمُ حُكْمُهُ، وَالْقَضَاءُ قَضَاؤُهُ، لَا شَيْءَ فَوْقَهُ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَفْعَلُ فَيَقُولُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ وَلِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ ﴿وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَمِيعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ عِبَادِهِ مَسْئُولُونَ عَنْ أَفْعَالِهِمْ، وَمُحَاسَبُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فَوْقَهُمْ وَمَالِكُهُمْ، وَهُمْ فِي سُلْطَانِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا يُسْئِلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ يَقُولُ: لَا يُسْئِلُ عَمَّا يَفْعَلُ بِعِبَادِهِ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ
١٦ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: ﴿لَا يُسْئِلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ قَالَ: لَا يُسْئِلُ الْخَالِقُ عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقِهِ، وَهُوَ يَسْأَلُ الْخَلْقَ عَنْ عَمَلِهِمْ
١٦ / ٢٤٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يُسْئِلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ قَالَ: لَا يُسْئِلُ ⦗٢٤٨⦘ الْخَالِقُ عَمَّا يَقْضِي فِي خَلْقِهِ، وَالْخَلْقُ مَسْئُولُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ
١٦ / ٢٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً تَنْفَعُ وَتَضُرُّ، وَتَخْلُقُ، وَتُحْيِي وَتُمِيتُ؟ . قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، يَعْنِي حُجَّتَكُمْ، يَقُولُ: هَاتُوا إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُحِقُّونَ فِي قِيلِكُمْ ذَلِكَ حُجَّةً وَدَلِيلًا عَلَى صِدْقِكُمْ.
١٦ / ٢٤٨
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: هَاتُوا بَيِّنَتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ
١٦ / ٢٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالتَّنْزِيلِ، ﴿ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: خَبَرُ مَنْ مَعِيَ مِمَّا لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِهِ، وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: وَخَبَرُ مَنْ قَبْلِي مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَفَتْ قَبْلِي، وَمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ ⦗٢٤٩⦘ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: هَذَا الْقُرْآنُ فِيهِ ذِكْرُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، ﴿وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: ذِكْرُ أَعْمَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَمَا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ وَإِلَى مَا صَارُوا
١٦ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، ﴿هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] قَالَ: حَدِيثُ مَنْ مَعِي، وَحَدِيثُ مَنْ قَبْلِي وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ﴾ [الأنبياء: ٢٤] يَقُولُ: بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ الصَّوَابَ فِيمَا يَقُولُونَ وَلَا فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ، فَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ جَهْلًا مِنْهُمْ بِهِ، وَقِلَّةَ فَهْمٍ وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٤٩
مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٤] عَنْ كِتَابِ اللَّهِ
١٦ / ٢٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكِ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لَهُ سِوَايَ ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] يَقُولُ: فَأَخْلِصُوا لِيَ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوا لِيَ الْأُلُوهَةَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكِ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] قَالَ: أَرْسَلْتُ الرُّسُلَ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَظُنُّهُ أَنَا قَالَ عَمَلٌ حَتَّى يَقُولُوهُ وَيُقِرُّوا بِهِ، وَالشَّرَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ، فِي التَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ شَرِيعَةُ حَلَالٍ وَحَرَامٍ. وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ، وَالتَّوْحِيدِ لَهُ
١٦ / ٢٥٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمُ: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتِعْظَامًا مِمَّا قَالُوا، وَتَبَرِّيًا مِمَّا وَصَفُوهُ بِهِ سُبْحَانَهُ، يَقُولُ تَنْزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ: مَا ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهِ، ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] يَقُولُ: مَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، يَقُولُ: أَكْرَمُهُمُ اللَّهُ.
١٦ / ٢٥٠
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى صَاهَرَ الْجِنَّ، فَكَانَتْ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةُ. قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى تَكْذِيبًا لَهُمْ، وَرَدًّا عَلَيْهِمْ: ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، إِنَّمَا هُمْ عِبَادٌ ⦗٢٥١⦘ أَكْرَمُهُمُ اللَّهُ بِعِبَادَتِهِ
١٦ / ٢٥٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ [مريم: ٨٨] قَالَتِ الْيَهُودُ وَطَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى خَاتَنَ إِلَى الْجِنِّ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنَ الْجِنِّ قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الأنبياء: ٢٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرَهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، وَلَا يَعْمَلُونَ عَمَلًا إِلَّا بِهِ
١٦ / ٢٥١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الأنبياء: ٢٧] يُثْنِي عَلَيْهِمْ ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٧]
١٦ / ٢٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨]⦗٢٥٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِي مَلَائِكَتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغُوهُ مَا هُوَ، وَمَا هُمْ فِيهِ قَائِلُونَ وَعَامِلُونَ، ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٥] يَقُولُ: وَمَا مَضَى مِنْ قَبْلِ الْيَوْمِ مِمَّا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْأَزْمَانِ وَالدُّهُورِ مَا عَمِلُوا فِيهِ، قَالُوا: ذَلِكَ كُلُّهُ مُحْصًى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٨] يَقُولُ: يَعْلَمُ مَا قَدَّمُوا، وَمَا أَضَاعُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] يَقُولُ: وَلَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لِمَنْ رضي الله عنه وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] يَقُولُ: الَّذِينَ ارْتَضَى لَهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
١٦ / ٢٥٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢٥٣⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ ﴿إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] قَالَ: لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنْ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] يَوْمَ الْقِيَامَةَ، ﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨]
١٦ / ٢٥٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ يَقُولُ: وَلَا يَشْفَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٨] يَقُولُ: وَهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَحِذَارِ عِقَابِهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مُشْفِقُونَ، يَقُولُ: حَذِرُونَ أَنْ يَعْصُوهُ، وَيُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ
١٦ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَقُلْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: إِنَّى إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، ﴿فَذَلِكَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] الَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ ﴿نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] يَقُولُ: نُثِيبُهُ عَلَى قِيلِهِ ذَلِكَ جَهَنَّمَ. ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [يوسف: ٧٥] يَقُولُ: كَمَا نَجْزِي مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ جَهَنَّمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي ذَلِكَ كُلَّ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ فَكَفَرَ بِاللَّهِ، وَعَبَدَ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ إِبْلِيسَ. وَقَالَ قَائِلُو ذَلِكَ: إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ مِنَ ⦗٢٥٤⦘ الْمَلَائِكَةِ قَالَ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ سِوَاهُ
١٦ / ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ [الأنبياء: ٢٩] قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَنْ يَقُلْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَلَمْ يَقُلْهُ إِلَّا إِبْلِيسُ، دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ فِي إِبْلِيسَ
١٦ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً لِعَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسَ، لَمَّا قَالَ مَا قَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَجَعَلَهُ رَجِيمًا، فَقَالَ: ﴿فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٢٩]
١٦ / ٢٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٢٩] قَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ لِإِبْلِيسَ
١٦ / ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الَّذِي كَفَرُوا بِاللَّهِ بِأَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ، فَيَرَوْا بِهَا، وَيَعْلَمُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا؟ يَقُولُ: لَيْسَ فِيهِمَا ثُقْبٌ، بَلْ كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَتَقَ فُلَانٌ الْفَتْقَ: إِذَا شَدَّهُ، فَهُوَ يَرْتُقُهُ رَتْقًا، وَرُتُوقًا، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي فَرْجُهَا مُلْتَحِمٌ: رَتْقَاءُ. وَوَحَّدَ الرَّتْقَ، ⦗٢٥٥⦘ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿كَانَتَا﴾ [النساء: ١٧٦] لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، مِثْلُ قَوْلِ الزُّورِ وَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
١٦ / ٢٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] يَقُولُ: فَصَدَعْنَاهُمَا، وَفَرَجْنَاهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى وَصْفِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالرَّتْقِ، وَكَيْفَ كَانَ الرَّتْقُ، وَبِأَيِّ مَعْنَى فُتِقَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِالْهَوَاءِ
١٦ / ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ يَقُولُ: مُلْتَصِقَتَيْنِ
١٦ / ٢٥٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ فَفَتَقْنَاهُمَا الْآيَةَ، يَقُولُ: كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ، فَرَفَعَ السَّمَاءَ، وَوَضَعَ الْأَرْضَ
١٦ / ٢٥٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَتَا مُلْتَزِقَتَيْنِ، فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ
١٦ / ٢٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾، قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يَقُولَانِ: كَانَتَا جَمِيعًا، فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُرْتَتِقَةً طَبَقَةً، فَفَتَقَهَا اللَّهُ فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ كَانَتْ كَذَلِكَ مُرْتَتِقَةً، فَفَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرَضِينَ
١٦ / ٢٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] مِنَ الْأَرْضِ سِتَّ أَرَضِينَ مَعَهَا، فَتِلْكَ سَبْعُ أَرَضِينَ مَعَهَا، وَمِنَ السَّمَاءِ سِتَّ سَمَاوَاتٍ مَعَهَا، فَتِلْكَ سَبْعُ سَمَاوَاتٍ مَعَهَا. قَالَ: وَلَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ مُتَمَاسَّتَيْنِ
١٦ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] قَالَ: فَتَقَهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، بَعْضُهُنَّ فَوْقَ بَعْضٍ، وَسَبْعَ أَرَضِينَ، بَعْضُهُنَّ تَحْتَ بَعْضٍ ⦗٢٥٧⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ
١٦ / ٢٥٦
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] قَالَ: كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقًا وَالسَّمَاوَاتُ رَتْقًا، فَفَتَقَ مِنَ السَّمَاءِ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَمِنَ الْأَرْضِ سَبْعَ أَرَضِينَ
١٦ / ٢٥٧
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: كَانَتْ سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنٍ، فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ جُمِعَ فِيهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ يَقُولُ: ﴿كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ كَذَلِكَ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ
١٦ / ٢٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَتَا «رَتْقًا لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَفَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ ⦗٢٥٨⦘: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ [الطارق: ١٢]»
١٦ / ٢٥٧
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَفَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَجَعَلَ مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ؟
١٦ / ٢٥٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ قَالَ: كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقًا لَا يَنْزِلُ مِنْهَا مَطَرٌ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا نَبَاتٌ، فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ، فَأَنْزَلَ مَطَرَ السَّمَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْضَ فَأَخْرَجَ نَبَاتَهَا. وَقَرَأَ: ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٠] وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ [الأنبياء: ٣٠] لِأَنَّ اللَّيْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ، فَفَتَقَ النَّهَارَ
١٦ / ٢٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خُلِقَ اللَّيْلُ قَبْلَ النَّهَارِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿كَانَتَا رَتْقًا﴾ [الأنبياء: ٣٠] فَفَتَقْنَاهُمَا ⦗٢٥٩⦘ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا مِنَ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ، فَفَتَقْنَا السَّمَاءَ بِالْغَيْثِ، وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَقِّبْ ذَلِكَ بِوَصْفِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا وَالَّذِي تَقَدَّمُهُ مِنْ ذِكْرِ أَسْبَابِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾، وَالْغَيْثُ إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، قَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ ﴿السَّمَوَاتِ﴾ وَالْمُرَادُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَتُجْمَعُ، لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سَمَاءٌ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخْلَاقٌ، وَقَمِيصٌ أَسْمَالٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ إِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا، فَالسَّمَاوَاتُ جَمْعٌ، وَحُكْمُ جَمْعِ الْإِنَاثِ أَنْ يُقَالَ فِي قَلِيلِهِ: (كُنَّ)، وَفِي كَثِيرِهِ (كَانَتْ)؟ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، فَالسَّمَاوَاتُ نَوْعٌ، وَالْأَرْضُ آخَرُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ:
[البحر الكامل] إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا … تُوفِي الْمَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سِوَادِي
فَقَالَ: كِلَاهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ، لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهِ عَنَى النَّوْعَيْنِ. ⦗٢٦٠⦘ وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَنْشَدَنِي غَالِبٌ النُّفَيْلِيُّ لِلْقَطَامِيِّ:
[البحر الوافر] أَلَمْ يَحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَيْسٍ وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَا
فَجَعَلَ حِبَالَ قَيْسٍ وَهِيَ جَمْعٌ وَحِبَالَ تَغْلِبَ وَهِيَ جَمْعٌ اثْنَيْنِ
[البحر الكامل] إِنَّ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ كِلَاهُمَا … تُوفِي الْمَخَارِمَ يَرْقُبَانِ سِوَادِي
فَقَالَ: كِلَاهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ، لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهِ عَنَى النَّوْعَيْنِ. ⦗٢٦٠⦘ وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَنْشَدَنِي غَالِبٌ النُّفَيْلِيُّ لِلْقَطَامِيِّ:
[البحر الوافر] أَلَمْ يَحْزُنْكَ أَنَّ حِبَالَ قَيْسٍ وَتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَا
فَجَعَلَ حِبَالَ قَيْسٍ وَهِيَ جَمْعٌ وَحِبَالَ تَغْلِبَ وَهِيَ جَمْعٌ اثْنَيْنِ
١٦ / ٢٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي نُنَزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ
١٦ / ٢٦٠
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَيٍّ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ خَصَّ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بِأَنَّهُ جُعِلَ مِنَ الْمَاءِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَحْيَا بِالْمَاءِ الزُّرُوعُ وَالنَّبَاتُ وَالْأَشْجَارُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَيَاةَ لَهُ، وَلَا يُقَالُ لَهُ حَيُّ وَلَا مَيِّتٌ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَلَهُ حَيَاةٌ وَمَوْتٌ، وَإِنْ خَالَفَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ مَعْنَى ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فِي أَنَّهُ لَا أَرْوَاحَ فِيهِنَّ، وَأَنَّ فِي ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَرْوَاحًا، فَلِذَلِكَ قِيلَ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠] وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٠] يَقُولُ: أَفَلَا يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ، وَيُقِرُّونَ بِأُلُوهَةِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيُفْرِدُونَهُ بِالْعِبَادَةِ؟
١٦ / ٢٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ أَيْضًا مِنْ حُجَجِنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِنَا، أَنَّا جَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ جِبَالًا رَاسِيَةً؟ وَالرَّوَاسِي: جَمْعُ رَاسِيَةٍ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ
١٦ / ٢٦١
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [الأنبياء: ٣١] أَيْ جِبَالًا
١٦ / ٢٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٣١] يَقُولُ: أَنْ لَا تَتَكَفَّأَ بِهِمْ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ هَذِهِ الرَّوَاسِيَ مِنَ الْجِبَالِ، فَثَبَّتْنَاهَا لِئَلَّا تَتَكَفَّأَ بِالنَّاسِ، وَلِيَقْدِرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَى ظَهْرِهَا
١٦ / ٢٦١
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانُوا عَلَى الْأَرْضِ تَمُورُ بِهِمْ لَا تَسْتَقِرُّ، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْجِبَالَ وَهِيَ الرَّوَاسِيَ أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ. ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا﴾ [الأنبياء: ٣١] يَعْنِي مَسَالِكَ، وَاحِدُهَا فَجٌّ
١٦ / ٢٦١
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا﴾ [الأنبياء: ٣١] أَيْ أَعْلَامًا
١٦ / ٢٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿سُبُلًا﴾ [طه: ٥٣] أَيْ طُرُقًا، وَهِيَ جَمْعُ السَّبِيلِ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا﴾ [الأنبياء: ٣١] وَجَعَلْنَا فِي الرَّوَاسِي، فَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ [الأنبياء: ٣١] مِنْ ذِكْرِ الرَّوَاسِي
١٦ / ٢٦٢
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا﴾ [الأنبياء: ٣١] قَالَ: بَيْنَ الْجِبَالِ وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الْآخَرَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلْنَا الْهَاءَ وَالْأَلِفَ مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِهَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ السَّهْلِ وَالْجَبَلِ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِجَاجًا سُبُلًا. وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ فِجَاجَ بَعْضِ الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ سُبُلًا دُونَ بَعْضٍ، فَالْعُمُومُ بِهَا أَوْلَى
١٦ / ٢٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: جَعَلْنَا هَذِهِ الْفِجَاجَ فِي الْأَرْضِ لِيَهْتَدُوا إِلَى السَّيْرِ فِيهَا
١٦ / ٢٦٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ⦗٢٦٣⦘ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] لِلْأَرْضِ مَسْمُوكًا. وَقَوْلُهُ: ﴿مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] يَقُولُ: حَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] قَالَ: مَرْفُوعًا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٦٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] الْآيَةَ: سَقْفًا مَرْفُوعًا، وَمَوْجًا مَكْفُوفًا
١٦ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢] يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ آيَاتِ السَّمَاءِ وَيَعْنِي بِآيَاتِهَا: شَمْسَهَا، وَقَمَرَهَا، وَنُجُومَهَا ﴿مُعْرِضُونَ﴾ [البقرة: ٨٣] يَقُولُ: يُعْرَضُونَ عَنِ التَّفَكُّرِ فِيهَا، وَتَدَبُّرِ مَا فِيهَا مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَدِلَالَتِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِمَنْ دَبَّرَهَا وَسَوَّاهَا، وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ ⦗٢٦٤⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا، مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢] قَالَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ آيَاتُ السَّمَاءِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ، وَحُجَّةً، وَدِلَالَةً عَلَى عَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَنَّ الْأُلُوهَةَ لَهُ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَهُمَا يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ لِصَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ، وَأُمُورِ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أَيْضًا ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفَلَكِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى
١٦ / ٢٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢٦٥⦘ قَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: فَلَكٌ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى
١٦ / ٢٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: فَلَكٌ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى
١٦ / ٢٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثني جَرِيرٌ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: فَلَكُ السَّمَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْفَلَكُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُرْعَةُ جَرْيِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَغَيْرِهَا
١٦ / ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] الْفَلَكُ: الْجَرْي وَالسُّرْعَةُ وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَلَكُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ فِيهِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْقُطْبُ الَّذِي تَدُورُ بِهِ النُّجُومُ. وَاسْتَشْهَدَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِ الرَّاجِزِ
[البحر الرجز] بَاتَتْ تُنَاجِي الْفَلَكَ الدَّوَّارَا … ⦗٢٦٦⦘ حَتَّى الصَّبَاحِ تَعْمَلُ الْأَقْتَارَا
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
[البحر الرجز] بَاتَتْ تُنَاجِي الْفَلَكَ الدَّوَّارَا … ⦗٢٦٦⦘ حَتَّى الصَّبَاحِ تَعْمَلُ الْأَقْتَارَا
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ
١٦ / ٢٦٥
مَا حَدَّثَنَا بِهِ، بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] أَيْ فِي فَلَكِ السَّمَاءِ
١٦ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: يَجْرِي فِي فَلَكِ السَّمَاءِ كَمَا رَأَيْتَ
١٦ / ٢٦٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: الْفَلَكُ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَجَارِي النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ. وَقَرَأَ: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ [الفرقان: ٦١]، وَقَالَ: تِلْكَ الْبُرُوجُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَيْسَتْ فِي الْأَرْضِ. ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: النُّجُومُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْفَلَكُ طَاحُونَةٌ كَهَيْئَةِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عز وجل: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَلَكُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ كَحَدِيدَةِ الرَّحَى، وَكَمَا ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ كَطَاحُونَةِ الرَّحَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَوْجًا مَكْفُوفًا، وَأَنْ يَكُونَ قُطْبَ السَّمَاءِ. وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ دَائِرٍ، فَجَمْعُهُ أَفْلَاكٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
[البحر الرجز]
١٦ / ٢٦٦
بَاتَتْ تُنَاجِي الْفَلَكَ الدَّوَّارَا
وَإِذْ كَانَ كُلُّ مَا دَارَ فِي كَلَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَمَّنْ يُقْطَعُ بِقَوْلِهِ الْعُذْرُ، دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ هُوَ مِنْ أَيٍّ، كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ مَا قَالَ، وَنَسْكُتَ عَمَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ. فَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي دَائِرٍ يَسْبَحُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَجْرُونَ
وَإِذْ كَانَ كُلُّ مَا دَارَ فِي كَلَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا عَمَّنْ يُقْطَعُ بِقَوْلِهِ الْعُذْرُ، دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ هُوَ مِنْ أَيٍّ، كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ مَا قَالَ، وَنَسْكُتَ عَمَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ. فَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي دَائِرٍ يَسْبَحُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَجْرُونَ
١٦ / ٢٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: يَجْرُونَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] قَالَ: يَجْرُونَ وَقِيلَ: ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٣] فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَخْرَجَ ⦗٢٦٨⦘ الْخَبَرِ عَنْ بَنِي آدَمَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وَلَمْ يَقُلْ: يَسْبَحْنَ، أَوْ تَسْبَحُ كَمَا قِيلَ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] لِأَنَّ السُّجُودَ مِنْ أَفْعَالِ بَنِي آدَمَ، فَلَمَّا وُصِفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِمِثْلِ أَفْعَالِهِمْ أَجْرَى الْخَبَرَ عَنْهُمَا مَجْرَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ
١٦ / ٢٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلَكِ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا خَلَّدْنَا أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَمَ يَا مُحَمَّدُ قَبْلَكَ فِي الدُّنْيَا فَنُخَلِّدَكَ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَمُوتَ كَمَا مَاتَ مِنْ قَبْلِكَ رُسُلُنَا يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ هُمُ الْخَالِدُونَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَكَ؟ لَا، مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَلْ هُمْ مَيِّتُونَ بِكُلِّ حَالٍ عِشْتَ أَوْ مِتَّ فَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِي (إِنَّ) وَهِيَ جَزَاءٌ، وَفِي جَوَابِهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَّصِلٌ بِكَلَامٍ قَبْلَهُ، وَدَخَلَتْ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ ﴿فَهُمُ﴾ [البقرة: ١٨] لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِلْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ ﴿فَهُمُ﴾ [البقرة: ١٨] الْفَاءُ جَازَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَحْذُوفَةً وَهِيَ مُرَادَةٌ. وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا تَقْدِيمُهَا إِلَى الْجَزَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْهَمُ الْخَالِدُونَ إِنْ مِتَّ وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: ١٨٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ خَلْقِهِ، مُعَالِجَةٌ غُصَصَ الْمَوْتِ، وَمُتَجَرِّعَةٌ كَأْسَهَا
١٦ / ٢٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَخْتَبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِالشَّرِّ وَهُوَ الشِّدَّةُ نَبْتَلِيكُمْ بِهَا، وَبِالْخَيْرِ وَهُوَ الرَّخَاءُ وَالسَّعَةُ الْعَافِيَةُ فَنَفْتِنَكُمْ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥] قَالَ: بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَكِلَاهُمَا بَلَاءٌ
١٦ / ٢٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾ [الأنبياء: ٣٥] يَقُولُ: نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ بَلَاءً، وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]
١٦ / ٢٦٩
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥] قَالَ: نَبْلُوهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَبِمَا يَكْرَهُونَ، نَخْتَبِرُهُمْ بِذَلِكَ لَنَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُمْ فِيمَا يُحِبُّونَ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ فِيمَا يَكْرَهُونَ
١٦ / ٢٦٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ [الأنبياء: ٣٥] يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسُّقْمِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةِ وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥] يَقُولُ: وَإِلَيْنَا يُرَدُّونَ فَيُجَازُونَ بِأَعْمَالِهِمْ، ⦗٢٧٠⦘ حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا
١٦ / ٢٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَإِذَا رَآكَ﴾ [الأنبياء: ٣٦] يَا مُحَمَّدُ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ٦] بِاللَّهِ ﴿إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ [الأنبياء: ٣٦] يَقُولُ: مَا يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا سُخْرِيًّا، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٦] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٦] بِسُوءٍ، وَيَعِيبُهَا، تَعَجُّبًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذِكْرِكَ يَا مُحَمَّدُ آلِهَتَهُمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ بِسُوءٍ. ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٣٦] الَّذِي خَلَقَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ نَفْعُهُمْ، وَبِيَدِهِ ضُرُّهُمْ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْهُمْ، أَنْ يَذْكُرُوهُ بِهِ ﴿كَافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٥] وَالْعَرَبُ تَضَعُ الذِّكْرَ مَوْضِعَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَيَقُولُونَ: سَمِعْنَا فُلَانًا يَذْكُرُ فُلَانًا، وَهُمْ يُرِيدُونَ سَمِعْنَاهُ يَذْكُرُهُ بِقَبِيحٍ، وَيَعِيبُهُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَنْتَرَةَ:
[البحر الكامل] لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْتُهُ … فَيَكُونَ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الْأَجْرَبِ
يَعْنِي بِذَلِكَ: لَا تَعِيبِي مُهْرِي وَسَمِعْنَاهُ يَذْكُرُ بِخَيْرٍ
[البحر الكامل] لَا تَذْكُرِي مُهْرِي وَمَا أَطْعَمْتُهُ … فَيَكُونَ جِلْدُكِ مِثْلَ جِلْدِ الْأَجْرَبِ
يَعْنِي بِذَلِكَ: لَا تَعِيبِي مُهْرِي وَسَمِعْنَاهُ يَذْكُرُ بِخَيْرٍ
١٦ / ٢٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنبياء: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ﴾ [النحل: ٤] يَعْنِي آدَمَ ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مِنْ عَجَلٍ فِي بنتيهِ، ⦗٢٧١⦘ وَخِلْقَتِهِ، كَانَ مِنَ الْعَجَلَةِ، وَعَلَى الْعَجَلَةِ
١٦ / ٢٧٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قَالَ: لَمَّا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ فِي رُكْبَتَيْهِ ذَهَبَ لِيَنْهَضَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧]
١٦ / ٢٧١
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: لَمَّا نُفِخَ فِيهِ يَعْنِي فِي آدَمَ الرُّوحُ، فَدَخَلَ فِي رَأْسِهِ عَطَسَ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: رَحِمَكَ رَبُّكَ فَلَمَّا دَخَلَ الرُّوحُ فِي عَيْنَيْهِ نَظَرَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَلَمَّا دَخَلَ فِي جَوْفِهِ اشْتَهَى الطَّعَامَ، فَوَثَبَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الرُّوحُ رِجْلَيْهِ عَجْلَانَ إِلَى ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] يَقُولُ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا
١٦ / ٢٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قَالَ: خُلِقَ عَجُولًا وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ، أَيْ مِنْ تَعْجِيلٍ فِي خَلْقِ اللَّهِ ⦗٢٧٢⦘ إِيَّاهُ، وَمِنْ سُرْعَةٍ فِيهِ، وَعَلَى عَجَلٍ. وَقَالُوا: خَلَقَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عَلَى عَجَلٍ فِي خَلْقِهِ إِيَّاهُ قَبْلَ مَغِيبِهَا
١٦ / ٢٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قَالَ: قَوْلُ آدَمَ حِينَ خُلِقَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ آخِرَ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ خُلِقَ الْخَلْقُ، فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوحُ عَيْنَيْهِ وَلِسَانَهُ وَرَأْسَهُ وَلَمْ تَبْلُغْ أَسْفَلَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي قَبْلَ غُرُوبِ بِالشَّمْسِ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٧٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قَالَ آدَمُ حِينَ خُلِقَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي فَقَدْ غَرُبَتِ الشَّمْسُ
١٦ / ٢٧٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] قَالَ: عَلَى عَجِلِ آدَمَ آخِرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ ذَيْنِكَ الْيَوْمَيْنِ، يُرِيدُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَخَلَقَهُ عَلَى عَجَلٍ، وَجَعَلَهُ عَجُولًا
١٦ / ٢٧٢
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِمَّنْ قَالَ نَحْوَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: إِنَّمَا قَالَ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَهُوَ يَعْنِي أَنَّهُ خَلَقَهُ مِنْ تَعْجِيلٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ﴾ [النحل: ٤٠] قَالَ: فَهَذَا الْعَجَلُ. وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] إِنِّي ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَعَلَى قَوْلِ صَاحِبِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ خُلِقَ عَلَى عَجَلٍ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خُلِقَ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: كُنْ، فَكَانَ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ خُصُوصِ الْإِنْسَانِ إِذًا بِذِكْرِ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ عَجَلٍ دُونَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَكُلُّهَا مَخْلُوقٌ مِنْ عَجَلٍ؟ وَفِي خُصُوصِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْإِنْسَانَ بِذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ، عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: هَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ، وَإِنَّمَا خُلِقَ الْعَجَلُ مِنَ الْإِنْسَانِ، وَخُلِقَتِ الْعَجَلَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ. وَقَالُوا: ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ﴾ [القصص: ٧٦]، إِنَّمَا هُوَ: لَتَنُوءُ الْعَصَبَةُ بِهَا مُتَثَاقِلَةً. وَقَالُوا: هَذَا وَمَا أَشْبَهُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ. قَالُوا: وَإِنَّمَا كُلِّمَ الْقَوْمُ بِمَا يَعْقِلُونَ. قَالُوا: وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ: عُرِضَتِ النَّاقَةُ، وَكَقَوْلِهِمْ: إِذَا طَلَعَتِ الشِّعْرَى، وَاسْتَوَتِ الْعُودُ عَلَى الْحِرْبَاءِ، أَيِ اسْتَوَتِ الْحِرْبَاءُ عَلَى الْعُودِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
[البحر الطويل]
١٦ / ٢٧٣
وَتَرْكَبُ خَيْلًا لَا هُوَادَةَ بَيْنَهَا … وَتَشْقَى الرِّمَاحُ بِالضَّيَاطِرَةِ الْحُمْرِ
وَكَقَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر البسيط] حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخُذُهُ … فَرْدًا يُجَرُّ عَلَى أَيْدِي الْمُفَدِّينَا
يُرِيدُ: حَسَرْتُ السِّرْبَالَ عَنْ كَفِّي، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقْلُوبِ. وَفِي إِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ الْكِفَايَةُ الْمُغْنِيَةُ عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ قَالَ مَعْنَاهُ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فِي خَلْقِهِ، أَيْ عَلَى عَجَلٍ وَسُرْعَةٍ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ بُودِرَ بِخَلْقِهِ مَغِيبَ الشَّمْسِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِدِلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] عَلَيَّ ذَلِكَ، وَأَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ:
وَكَقَوْلِ ابْنِ مُقْبِلٍ:
[البحر البسيط] حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخُذُهُ … فَرْدًا يُجَرُّ عَلَى أَيْدِي الْمُفَدِّينَا
يُرِيدُ: حَسَرْتُ السِّرْبَالَ عَنْ كَفِّي، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقْلُوبِ. وَفِي إِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى خِلَافِ هَذَا الْقَوْلِ الْكِفَايَةُ الْمُغْنِيَةُ عَنِ الِاسْتِشْهَادِ عَلَى فَسَادِهِ بِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَمَّنْ قَالَ مَعْنَاهُ: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ فِي خَلْقِهِ، أَيْ عَلَى عَجَلٍ وَسُرْعَةٍ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ بُودِرَ بِخَلْقِهِ مَغِيبَ الشَّمْسِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ نَهَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، لِدِلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] عَلَيَّ ذَلِكَ، وَأَنَّ أَبَا كُرَيْبٍ:
١٦ / ٢٧٤
حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً» يُقَلِّلُهَا قَالَ: «لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. قَالَ اللَّهُ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧]⦗٢٧٥⦘ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، وَعَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَأُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ وَذَكَرَ كَلَامَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ بِنَحْوِهِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ مَا قُلْنَا بِمَا بِهِ اسْتَشْهَدْنَا ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] وَلِذَلِكَ يَسْتَعْجِلُ رَبَّهُ بِالْعَذَابِ. ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] أَيُّهَا الْمُسْتَعْجِلُونَ رَبَّهُمْ بِالْآيَاتِ الْقَائِلُونَ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ: بَلْ هُوَ شَاعِرٌ، فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ، آيَاتِي كَمَا أَرَيْتُهَا مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِتَكْذِيبِهَا الرُّسُلَ، إِذْ أَتَتْهَا الْآيَاتُ: ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٧] يَقُولُ: فَلَا تَسْتَعْجِلُوا رَبَّكُمْ، فَإِنَّا سَنَأْتِيكُمْ بِهَا، وَنُرِيكُمُوهَا وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [الأنبياء: ٣٧] بِضَمِّ الْخَاءِ عَلَى مَذْهَبِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَقَرَأَهُ حُمَيْدٌ الْأَعْرَجُ: (خَلَقَ) بِفَتْحِهَا، بِمَعْنَى: خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، هِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا
١٦ / ٢٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلُونَ رَبَّهُمْ بِالْآيَاتِ وَالْعَذَابِ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ؟ يَقُولُ: مَتَى يَجِيئُنَا هَذَا الَّذِي تَعِدُنَا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ وَقِيلَ: ﴿هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] وَالْمَعْنَى: الْمَوْعُودُ، لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ. وَقِيلَ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] كَأَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ. وَ(مَتَى) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَيُّ وَقْتٍ هَذَا الْوَعْدُ، وَأَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ فَهُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ
١٦ / ٢٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الْمُسْتَعْجِلُونَ عَذَابَ رَبِّهِمْ مَاذَا لَهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ حِينَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ، وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ، فَلَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ الَّتِي تَلْفَحُهَا، وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ، فَيَدْفَعُونَهَا عَنْهَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴿وَلاَهُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يَقُولُ: وَلَا لَهُمْ نَاصِرٌ يَنْصُرُهُمْ، فَيَسْتَنْقِذُهُمْ حِينَئِذٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، لَمَا أَقَامُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَلَسَارَعُوا إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَلَمَا اسْتَعْجَلُوا لِأَنْفُسِهِمُ الْبَلَاءَ
١٦ / ٢٧٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَأْتِي هَذِهِ النَّارُ الَّتِي تَلْفَحُ وُجُوهَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ
١٦ / ٢٧٦
وَصَفَ أَمْرَهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ حِينَ تَأْتِيهِمْ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِوَقْتِهَا، وَلَكِنَّهَا تَأْتِيهِمْ مُفَاجَأَةً لَا يَشْعُرُونَ بِمَجِيئِهَا ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٠] يَقُولُ: فَتَغْشَاهُمْ فَجْأَةً، وَتَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ مُعَايَنَةً كَالرَّجُلِ يَبْهَتُ الرَّجُلَ فِي وَجْهِهِ بِالشَّيْءِ، حَتَّى يَبْقَى الْمَبْهُوتُ كَالْحَيْرَانِ مِنْهُ ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ [الأنبياء: ٤٠] يَقُولُ: فَلَا يُطِيقُونَ حِينَ تَبْغَتُهُمْ فَتَبْهَتُهُمْ دَفْعَهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: وَلَا هُمْ وَإِنْ لَمْ يُطِيقُوا دَفْعَهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ يُؤَخَّرُونَ بِالْعَذَابِ بِهَا لِتَوْبَةٍ يُحْدِثُونَهَا، وَإِنَابَةٍ يُنِيبُونَ، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَ عَمَلٍ، وَسَاعَةَ تَوْبَةٍ وإنابةٍ، بَلْ هِيَ سَاعَةُ مُجَازَاةٍ وَإِثَابَةٍ
١٦ / ٢٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: إِنْ يَتَّخِذُكَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ لَكَ: هَلْ هَذَا إِلَّا بِشْرٌ مِثْلَكُمْ، أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، إِذْ رَأَوْكَ هُزُوًا وَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ، كُفْرًا مِنْهُمْ بِاللَّهِ، وَاجْتِرَاءً عَلَيْهِ. فَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ رُسُلِنَا الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ قَبْلِكِ إِلَى أُمَمِهِمْ. يَقُولُ: فَوَجَبَ وَنَزَلَ بِالَّذِينَ اسْتَهْزَءُوا بِهِمْ، وَسَخِرُوا مِنْهُمْ مِنْ أُمَمِهِمْ ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الشعراء: ٦] . يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: حَلَّ بِهِمُ الَّذِي كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْعَذَابِ الَّذِي كَانَتْ رُسُلُهُمْ تُخَوِّفُهُمْ نُزُولَهُ بِهِمْ، ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الشعراء: ٦]: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَلَنْ يَعْدُوَ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئُونَ بِكَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا، فَيَنْزِلُ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِكَ نَظِيرُ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ
١٦ / ٢٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ ⦗٢٧٨⦘ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِيكَ بِالْعَذَابِ، الْقَائِلِينَ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿مَنْ يَكْلَؤُكُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٢] أَيُّهَا الْقَوْمُ، يَقُولُ: مَنْ يَحْفَظُكُمْ، وَيَحْرُسُكُمْ بِاللَّيْلِ إِذَا نِمْتُمْ، وَبِالنَّهَارِ إِذَا تَصَرَّفْتُمْ ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٤٥] يَقُولُ: مِنْ أَمْرِ الرَّحْمَنِ إِنْ نَزَلَ بِكُمْ، وَمِنْ عَذَابِهِ إِنْ حَلَّ بِكُمْ. وَتَرَكَ ذِكْرَ الْأَمْرِ، وَقِيلَ ﴿مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [مريم: ٤٥] اجْتِزَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ لِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٤٢] قَالَ: يَحْرُسُكُمْ
١٦ / ٢٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ [الأنبياء: ٤٢] قُلْ مَنْ يَحْفَظُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ يُقَالُ مِنْهُ: كَلَأْتُ الْقَوْمَ: إِذَا حَرَسْتُهُمْ، أَكْلَؤُهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ هَرْمَةَ:
[البحر المنسرح] إِنَّ سُلَيْمَى وَاللَّهُ يَكْلَؤُهَا … ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزَؤُهَا
⦗٢٧٩⦘ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٢] وَقَوْلُهُ: بَلْ: تَحْقِيقٌ لِجَحْدٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ظَاهِرًا وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا كَالِئَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِذَا هُوَ حَلَّ بِهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ مَوَاعِظِ رَبِّهِمْ، وَحُجَجِهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ مُعْرِضُونَ، لَا يَتَدَبَّرُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهِ، جَهْلًا مِنْهُمْ وَسَفَهًا
[البحر المنسرح] إِنَّ سُلَيْمَى وَاللَّهُ يَكْلَؤُهَا … ضَنَّتْ بِشَيْءٍ مَا كَانَ يَرْزَؤُهَا
⦗٢٧٩⦘ قَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٢] وَقَوْلُهُ: بَلْ: تَحْقِيقٌ لِجَحْدٍ قَدْ عَرَفَهُ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذَا الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ظَاهِرًا وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يَعْلَمُوا أَنَّهُ لَا كَالِئَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِذَا هُوَ حَلَّ بِهِمْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ مَوَاعِظِ رَبِّهِمْ، وَحُجَجِهِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا عَلَيْهِمْ مُعْرِضُونَ، لَا يَتَدَبَّرُونَ ذَلِكَ، فَلَا يَعْتَبِرُونَ بِهِ، جَهْلًا مِنْهُمْ وَسَفَهًا
١٦ / ٢٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِي رَبَّهُمْ بِالْعَذَابِ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ، إِنْ نَحْنُ أَحْلَلْنَا بِهِمْ عَذَابَنَا، وَأَنْزَلْنَا بِهِمْ بَأْسَنَا مِنْ دُونِنَا؟ وَمَعْنَاهُ: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ مِنْ دُونِنَا تَمْنَعُهُمْ مِنَّا؟ ثُمَّ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْآلِهَةَ بِالضَّعْفِ، وَالْمَهَانَةِ، وَمَا هِيَ بِهِ مِنْ صِفَتِهَا، فَقَالَ: وَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُونِنَا أَنْ تَمْنَعَهُمْ مِنَّا؟ وَهِيَ لَا تَسْتَطِيعُ نَصْرَ أَنْفُسِهَا وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِذَلِكَ، وَفِي مَعْنَى ﴿يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ الْآلِهَةَ، وَأَنَّهَا لَا تُصْحَبُ مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ
١٦ / ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٤٣] يَعْنِي الْآلِهَةَ ⦗٢٨٠⦘ ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] يَقُولُ: لَا يُصْحَبُونَ مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا هُمْ مِنَّا يُنْصَرُونَ
١٦ / ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] قَالَ: لَا يُنْصَرُونَ
١٦ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا﴾ [الأنبياء: ٤٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] قَالَ: يُنْصَرُونَ. قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَا هُمْ يَحْفَظُونَ
١٦ / ٢٨٠
حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] يُجَارُونَ
١٦ / ٢٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] يَقُولُ: وَلَا هُمْ مِنَّا يُجَارُونَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ [المؤمنون: ٨٨] يَعْنِي ⦗٢٨١⦘ الصَّاحِبَ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ يَكُونُ لَهُ خَفِيرٌ مِمَّا يَخَافُ، فَهُوَ قَوْلُهُ ﴿يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّ ﴿هُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٣] مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا هُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٣] مِنْ ذِكْرِ الْكُفَّارِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿يُصْحَبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٣] بِمَعْنَى: يُجَارُونَ، يُصْحَبُونَ بِالْجِوَارِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ مَحْكِيُّ عَنْهَا: أَنَا لَكَ جَارٌ مِنْ فُلَانٍ، وَصَاحِبٌ، بِمَعْنَى: أُجِيرُكَ، وَأَمْنَعُكَ، وَهُمْ إِذَا لَمْ يُصْحَبُوا بِالْجِوَارِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَانِعٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَعَ سَخَطِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يُصْحَبُوا بِخَيْرٍ، وَلَمْ يُنْصَرُوا
١٦ / ٢٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ آلِهَةٍ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا، وَلَا جَارٌ يُجِيرُهُمْ مِنْ عَذَابِنَا، إِذَا نَحْنُ أَرَدْنَا عَذَابَهُمْ، فَاتَّكَلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَعَصَوْا رُسُلَنَا اتِّكَالًا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّا مَتَّعْنَاهُمْ بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَآبَاءَهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ، وَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ مُقِيمُونَ، لَا تَأْتِيَهِمْ مِنَّا وَاعِظَةٌ مِنْ عَذَابٍ، وَلَا زَاجِرَةٌ مِنْ عِقَابٍ عَلَى كُفْرِهِمْ، وَخِلَافِهِمْ أَمْرَنَا، وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، فَنَسُوا عَهْدَنَا، وَجَهِلُوا مَوْقِعَ نِعْمَتِنَا عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْرِفُوا مَوْضِعَ الشُّكْرِ
١٦ / ٢٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَا يَرَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، السَّائِلُو مُحَمَّدًا ﷺ الْآيَاتِ، ⦗٢٨٢⦘ الْمُسْتَعْجِلُو بِالْعَذَابِ، أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نُخَرِّبُهَا مِنْ نَوَاحِيهَا، بِقَهْرِنَا أَهْلَهَا، وَغَلَبَتِنَاهُمْ، وَإِجْلَائِهِمْ عَنْهَا، وَقَتْلِهِمْ بِالسُّيُوفِ، فَيَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ، وَيَتَّعِظُوا بِهِ، وَيَحْذَرُوا مِنَّا أَنْ نُنْزِلَ مِنْ بَأْسِنَا بِهِمْ نَحْوَ الَّذِي قَدْ أَنْزَلْنَا بِمَنْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَطْرَافِ؟ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِنَا هَذَا، وَمُخَالِفِيهِ بِالرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٦ / ٢٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٤] يَقُولُ تبارك وتعالى: أَفَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُسْتَعْجِلُو مُحَمَّدًا بِالْعَذَابِ، الْغَالِبُونَا؟ وَقَدْ رَأَوْا قَهَرْنَا مَنْ أَحْلَلْنَا بِسَاحَتِهِ بَأْسَنَا فِي أَطْرَافِ الْأَرَضِينَ؟ لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَلْ نَحْنُ الْغَالِبُونَ. وَإِنَّمَا هَذَا تَقْرِيعٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ بِجَهْلِهِمْ، يَقُولُ: أَفَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ مُحَمَّدًا وَيَقْهَرُونَهُ، وَقَدْ قَهَرَ مَنْ نَاوَأَهُ مِنْ أَهْلِ أَطْرَافِ الْأَرْضِ غَيْرِهِمْ؟
١٦ / ٢٨٢
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿أَفْهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٤] يَقُولُ: لَيْسُوا بِغَالِبِينَ، وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ هُوَ الْغَالِبُ
١٦ / ٢٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ: إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ بِتَنْزِيلِ اللَّهِ الَّذِي يُوحِيهِ إِلَى مَنْ عِنْدَهُ، وَأُخَوِّفُكُمْ بِهِ بَأْسَهُ.
١٦ / ٢٨٢
كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ إِنَّمَا ⦗٢٨٣⦘ أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ [الأنبياء: ٤٥] أَيْ بِهَذَا الْقُرْآنِ
١٦ / ٢٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ﴾ [الأنبياء: ٤٥] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿وَلَا يَسْمَعُ﴾ [الأنبياء: ٤٥] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ (يَسْمَعُ)، بِمَعْنَى أَنَّهُ فِعْلٌ لِلصُّمِّ، وَالصُّمُّ حِينَئِذٍ مَرْفُوعُونَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (وَلَا تُسْمَعُ) بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، فَالصُّمُّ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مَرْفُوعَةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: (وَلَا تُسْمَعُ) لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَمَعْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: وَلَا يُسْمِعُ اللَّهُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا يُصْغِي الْكَافِرُ بِاللَّهِ بِسَمْعِ قَلْبِهِ إِلَى تَذَكُّرِ مَا فِي وَحْيِ اللَّهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَالذِّكْرِ، فَيَتَذَكَّرُ بِهِ وَيَعْتَبِرُ، فَيَنْزَجِرُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ مِنْ ضَلَالَةٍ إِذَا تُلِيَ عَلَيْهِ، وَأُرِيدَ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُعْرِضُ عَنِ الِاعْتِبَارِ بِهِ، وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ، فِعْلَ الْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ مَا يُقَالُ لَهُ فَيَعْمَلُ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يَسْمَعُ ⦗٢٨٤⦘ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٥] يَقُولُ: إِنَّ الْكَافِرَ قَدْ صُمَّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ لَا يَسْمَعُهُ، وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَعْقِلُهُ، كَمَا يَسْمَعْهُ الْمُؤْمِنُ وَأَهْلُ الْإِيمَانِ
١٦ / ٢٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ مَسَّتْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَعْجِلِينَ بِالْعَذَابِ يَا مُحَمَّدُ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ، يَعْنِي بِالنَّفْحَةِ النَّصِيبَ وَالْحَظَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَحَ فُلَانٌ لِفُلَانٍ مِنْ عَطَائِهِ: إِذَا أَعْطَاهُ قَسْمًا أَوْ نَصِيبًا مِنَ الْمَالِ كَمَا:
١٦ / ٢٨٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ﴾ [الأنبياء: ٤٦] . الْآيَةُ، يَقُولُ: لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ عُقُوبَةٌ
١٦ / ٢٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٦] يَقُولُ: لَئِنْ أَصَابَتْهُمْ هَذِهِ النَّفْحَةُ مِنْ عُقُوبَةِ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ بِتَكْذِيبِهِمْ بِكَ، وَكُفْرِهِمْ، لَيَعْلَمُنَّ حِينَئِذٍ غِبَّ تَكْذِيبِهِمْ بِكَ، وَلَيَعْتَرِفُنَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ، وَكُفْرَانِهِمْ أَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ، وَلَيَقُولُنَّ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فِي عِبَادَتِنَا الْآلِهَةَ وَالْأَنْدَادَ، وَتَرْكِنَا عِبَادَةَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَنَا، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا، وَوَضَعْنَا الْعِبَادَةَ غَيْرَ مَوْضِعِهَا
١٦ / ٢٨٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] الْعَدْلَ وَهُوَ ﴿الْقِسْطَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] .
١٦ / ٢٨٤
وَجَعَلَ الْقِسْطَ وَهُوَ مُوَحَّدٌ مِنْ نَعْتِ الْمَوَازِينَ، وَهُوَ جَمْعٌ، لِأَنَّهُ فِي مَذْهَبِ: عَدْلٍ وَرِضًا وَنَظَرٍ وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ: لِأَهْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ وَرَدَ عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ خَلْقِهِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ مَعْنَى ذَلِكَ إِلَى (فِي) كَأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَوْلُهُ ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ: فَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ نَفْسًا مِمَّنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْئًا بِأَنْ يُعَاقِبَهُ بِذَنْبٍ لَمْ يَعْمَلْهُ أَوْ يَبْخَسَهُ ثَوَابَ عَمَلٍ عَمِلَهُ، وَطَاعَةٍ أَطَاعَهُ بِهَا، وَلَكِنْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَلَا يُعَاقِبُ مُسِيئًا إِلَّا بِإِسَاءَتِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾ [الأعراف: ٨] يَعْنِي بِالْوَزْنِ: الْقِسْطَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ فِي الْأَعْمَالِ الْحَسَنَاتِ، وَالسَّيِّئَاتِ، فَمَنْ أَحَاطَتْ حَسَنَاتُهُ بِسَيِّئَاتِهِ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، يَقُولُ: أَذْهَبَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتِهِ، وَمَنْ أَحَاطَتْ سَيِّئَاتُهُ بِحَسَنَاتِهِ فَقَدْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ، وَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، يَقُولُ: أَذْهَبَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتِهِ
١٦ / ٢٨٥
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ ⦗٢٨٦⦘ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ، كَمَا يَجُوزُ الْوَزْنُ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَقُّ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: قَالَ لَيْثٌ: عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: الْعَدْلَ
١٦ / ٢٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي لَهُ مَنْ عَمَلِ الْحَسَنَاتِ، أَوْ عَلَيْهِ مِنَ السَّيِّئَاتِ وَزْنُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ: جِئْنَا بِهَا، فَأَحْضَرْنَاهَا إِيَّاهُ:
١٦ / ٢٨٦
كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: كَتَبْنَاهَا وَأَحْصَيْنَاهَا لَهُ وَعَلَيْهِ
١٦ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: يُؤْتَى بِهَا لَكَ وَعَلَيْكَ، ثُمَّ يَعْفُو إِنْ شَاءَ، أَوْ يَأْخُذُ، وَيَجْزِي بِمَا عُمِلَ لَهُ مِنْ طَاعَةٍ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٦ / ٢٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: جَازَيْنَا بِهَا
١٦ / ٢٨٦
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَانَ ⦗٢٨٧⦘ يَقُولُ: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلِ أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] قَالَ: جَازَيْنَا بِهَا وَقَالَ: ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] فَأَخْرَجَ قَوْلَهُ ﴿بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] مَخْرَجَ كِنَايَةِ الْمُؤَنَّثِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿مِثْقَالَ حَبَّةٍ﴾ [الأنبياء: ٤٧]، لِأَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] الْحَبَّةَ دُونَ الْمِثْقَالِ، وَلَوْ عَنَى بِهِ الْمِثْقَالَ لَقِيلَ (بِهِ) . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ مُجَاهِدًا إِنَّمَا تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ [الأنبياء: ٤٧] عَلَى مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ، لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (آتَيْنَا بِهَا) بِمَدِّ الْأَلِفِ
١٦ / ٢٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٧] يَقُولُ: وَحَسْبُ مَنْ شَهِدَ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ بِنَا حَاسِبِينَ، لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ أَعْلَمُ بِأَعْمَالِهِمْ وَمَا سَلَفَ فِي الدُّنَا مِنْ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ مِنَّا
١٦ / ٢٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ وَأَخَاهُ هَارُونَ الْفُرْقَانَ، يَعْنِي بِهِ الْكِتَابَ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَذَلِكَ هُوَ التَّوْرَاةُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ
١٦ / ٢٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] قَالَ الْكِتَابَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] الْفُرْقَانُ: التَّوْرَاةُ، حَلَالُهَا وَحَرَامُهَا، وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا:
١٦ / ٢٨٨
حَدَّثَنِي بِهِ، يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] قَالَ: الْفُرْقَانُ: الْحَقُّ آتَاهُ اللَّهُ مُوسَى وَهَارُونَ، فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ. وَقَرَأَ: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الأنفال: ٤١] قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ، وَذَلِكَ لِدُخُولِ الْوَاوِ فِي الضِّيَاءِ، وَلَوْ كَانَ الْفُرْقَانُ هُوَ التَّوْرَاةَ كَمَا قَالَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، لَكَانَ التَّنْزِيلُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ ضِيَاءً، لِأَنَّ الضِّيَاءَ الَّذِي آتَى اللَّهُ مُوسَى وَهَارُونَ هُوَ التَّوْرَاةُ الَّتِي أَضَاءَتْ لَهُمَا، وَلِمَنِ اتَّبَعَهُمَا أَمْرَ دِينِهِمْ، فَبَصَّرَهُمُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضِيَاءَ الْإِبْصَارِ. وَفِي دُخُولِ الْوَاوِ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَانَ غَيْرُ التَّوْرَاةِ الَّتِي هِيَ ضِيَاءٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ الضِّيَاءُ مِنْ نَعْتِ الْفُرْقَانِ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ وَاوٌ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ: وَضِيَاءً آتَيْنَاهُ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ ﴿بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبَ وَحِفْظًا﴾ [الصافات: ٧]؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ مَعَانِيهِ مَا قُلْنَا. وَالْوَاجِبُ أَنْ يُوَجَّهَ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ إِلَى الْأَغْلَبِ الْأَشْهَرِ مِنْ وُجُوهِهَا الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، مَا لَمْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مَا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ مِنْ حُجَّةِ خَبَرٍ، أَوْ عَقْلٍ
١٦ / ٢٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء: ٤٨] يَقُولُ: وَتَذْكِيرًا لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِطَاعَتِهِ، وَأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، ذَكَّرَهُمْ بِمَا آتَى مُوسَى وَهَارُونَ مِنَ التَّوْرَاةِ
١٦ / ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ، الذِّكْرَ الَّذِي آتَيْنَاهُمَا لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ، يَعْنِي فِي الدُّنْيَا أَنْ يُعَاقِبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِ بِتَضْيِيعِهِمْ مَا أَلْزَمُهُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ، فَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ يُحَافِظُونَ عَلَى حُدُودِهِ وَفَرَائِضِهِ، وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ الَّتِي تَقُومُ فِيهَا الْقِيَامَةُ مُشْفِقُونَ، حَذِرُونَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِمْ، فَيَرِدُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَدْ فَرَّطُوا فِي الْوَاجِبِ عَلَيْهِمْ لِلَّهِ، فَيُعَاقِبَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ بِمَا لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهِ
١٦ / ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَهَذَا الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ ذِكْرٌ لِمَنْ تَذَكَّرَ بِهِ، وَمَوْعِظَةٌ لِمَنِ اتَّعَظَ بِهِ ﴿مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ﴾ [الأنبياء: ٥٠] كَمَا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ لِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَى مُحَمَّدٍ مُنْكِرُونَ وَتَقُولُونَ: هُوَ ﴿أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء: ٥] وَإِنَّمَا الَّذِي آتَيْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ ذِكْرٌ لِلْمُتَّقِينَ، كَالَّذِي آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ﴾ [الأنبياء: ٥٠] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٠] أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ
١٦ / ٢٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] مُوسَى وَهَارُونَ، وَوَفَّقْنَاهُ لِلْحَقِّ، وَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ بَيْنِ قَوْمِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَعَلَى إِبْرَاهِيمَ فَأَنْقَذْنَاهُ مِنْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَهَدَيْنَاهُ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ تَوْفِيقًا مِنَّا لَهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، ح وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] قَالَ: هَدَيْنَاهُ صَغِيرًا
١٦ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٢٩١⦘ مُجَاهِدٍ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] قَالَ: هَدَاهُ صَغِيرًا
١٦ / ٢٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] قَالَ: هَدَاهُ صَغِيرًا
١٦ / ٢٩١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٥١] يَقُولُ: آتَيْنَاهُ هَدَاهُ وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥١] يَقُولُ: وَكُنَّا عَالِمِينَ بِهِ أَنَّهُ ذُو يَقِينٍ وَإِيمَانٍ بِاللَّهِ، وَتَوْحِيدٍ لَهُ، لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ [الأنبياء: ٥٢] يَعْنِي فِي وَقْتِ قِيلِهِ، وَحِينَ قِيلِهِ لَهُمْ: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] يَقُولُ: قَالَ لَهُمْ: أَيُّ شَيْءٍ هَذِهِ الصُّوَرُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا مُقِيمُونَ؟ وَكَانَتْ تِلْكَ التَّمَاثِيلُ أَصْنَامَهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا كَمَا:
١٦ / ٢٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٢] قَالَ: الْأَصْنَامُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ ⦗٢٩٢⦘ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْعَاكِفَ عَلَى الشَّيْءِ: الْمُقِيمُ عَلَيْهِ، بِشَوَاهِدِ ذَلِكَ، وَذَكَرَنَا الرِّوَايَةَ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُهُ لِإِبْرَاهِيمَ: وَجَدْنَا آبَاءَنَا لِهَذِهِ الْأَوْثَانِ عَابِدِينَ، فَنَحْنُ عَلَى مِلَّةِ آبَائِنَا نعَبُدُهَا كَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] إِبْرَاهِيمُ: ﴿لَقَدْ كُنْتُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ ﴿أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ [الأعراف: ٧١] بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهَا ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٧٤] يَقُولُ: فِي ذَهَابٍ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، وَجَوْرٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مُبِينٍ، يَقُولُ: بَيِّنٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِعَقْلٍ أَنَّكُمْ كَذَلِكَ فِي جَوْرٍ عَنِ الْحَقِّ ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء: ٥٥]؟ يَقُولُ: قَالَ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ لَهُ: أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَقُولُ ﴿أَمْ أَنْتَ﴾ [الأنبياء: ٥٥] هَازِلٌ لَاعِبٌ ﴿مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٥]
١٦ / ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ لَهُمْ: بَلْ جِئْتُكُمْ بِالْحَقِّ لَا اللَّعِبِ، رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنْ أَنَّ رَبَّكُمْ هُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ دُونَ التَّمَاثِيلِ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ، وَدُونَ كُلِّ أَحَدٍ سِوَاهُ شَاهِدٌ مِنَ الشَّاهِدِينَ، يَقُولُ: فَإِيَّاهُ فَاعَبْدوا، لَا هَذِهِ التَّمَاثِيلَ الَّتِي هِيَ خَلْقُهُ، الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ
١٦ / ٢٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيًرا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٨] ذَكَرَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَلَفَ بِهَذِهِ الْيَمِينِ فِي سِرٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَخَفَاءٍ، وَأَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ حِينَ قَالُوا ﴿مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٩] فَـ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠]
١٦ / ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] قَالَ: قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ حِينَ اسْتَتْبَعَهُ قَوْمُهُ إِلَى وَعِيدٍ لَهُمْ، فَأَبَى وَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، فَسَمِعَ مِنْهُ وَعِيدَ أَصْنَامِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمُ اسْتَأْخَرَ، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ: ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٧] قَالَ: نَرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْمَعُوهُ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ
١٦ / ٢٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَالْأَعْمَشِ وَالْكِسَائِيِّ ⦗٢٩٤⦘: (فَجَعَلَهُمْ جِذَاذًا) بِمَعْنَى جَمْعِ جَذِيذٍ، كَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ جَمْعَ جَذِيذٍ، وَجِذَاذٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْخَفِيفُ خِفَافٌ، وَالْكَرِيمُ كِرَامٌ، وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَهُ: ﴿جُذَاذًا﴾ [الأنبياء: ٥٨] بِضَمِّ الْجِيمِ، لِإِجْمَاعِ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ فَهُوَ الصَّوَابُ، وَهُوَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ مَصْدَرٌ مِثْلُ الرُّفَاتِ، وَالْفُتَاتِ، وَالدُّقَاقِ، لَا وَاحِدَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ كَسَرَ الْجِيمَ فَإِنَّهُ جَمْعٌ لِلْجَذِيذِ، وَالْجَذِيذُ: هُوَ فَعِيلٌ، صُرِفَ مِنْ مَجْذُوذٍ إِلَيْهِ، مِثْلُ كَسِيرٍ وَهَشِيمٍ، وَالْمَجْذُوذَةُ: الْمَكْسُورَةُ قِطَعًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ [الأنبياء: ٥٨] يَقُولُ: حُطَامًا
١٦ / ٢٩٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿جُذَاذًا﴾ [الأنبياء: ٥٨] كَالصَّرِيمِ ⦗٢٩٥⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٦ / ٢٩٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ [الأنبياء: ٥٨] أَيْ قِطَعًا وَكَانَ سَبَبَ فِعْلِ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِآلِهَةِ قَوْمِهِ ذَلِكَ كَمَا:
١٦ / ٢٩٥
حَدَّثَنَا مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ لَهُ أَبُوهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِنَّ لَنَا عِيدًا، لَوْ قَدْ خَرَجْتَ مَعَنَا إِلَيْهِ، قَدْ أَعْجَبَكَ دِينُنَا فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ، خَرَجَ مَعَهُمْ إِبْرَاهِيمُ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ أَلْقَى نَفْسَهُ وَقَالَ: إِنِّي سَقِيمٌ، يَقُولُ: أَشْتَكِي رِجْلِي. فَتَوَاطَئُوا رِجْلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ، فَلَمَّا مَضَوْا نَادَى فِي آخِرِهِمْ، وَقَدْ بَقِيَ ضَعْفَى النَّاسِ: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٧] فَسَمِعُوهَا مِنْهُ. ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى بَيْتِ الْآلِهَةِ، فَإِذَا هُنَّ فِي بَهْو عَظِيمٍ، مُسْتَقْبِلٌ بَابَ الْبَهْوِ صَنَمٌ عَظِيمٌ إِلَى جَنْبِهِ أَصْغَرُ مِنْهُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، كُلُّ صَنَمٍ يَلِيهِ أَصْغَرُ مِنْهُ، حَتَّى بَلَغُوا بَابَ الْبَهْوِ، وَإِذَا هُمْ قَدْ جَعَلُوا طَعَامًا، فَوَضَعُوهُ بَيْنَ أَيْدِي الْآلِهَةِ، قَالُوا: إِذَا كَانَ حِينَ نَرْجِعُ رَجَعْنَا وَقَدْ بَارَكَتِ الْآلِهَةُ فِي طَعَامِنَا فَأَكَلْنَا. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ إِبْرَاهِيمُ وَإِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنَ الطَّعَامِ ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ [الصافات: ٩١] فَلَمَّا لَمْ تُجِبْهُ قَالَ: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٩٣] فَأَخَذَ فَأْسَ حَدِيدٍ، فَنَقَرَ كُلَّ صَنَمٍ فِي حَافَتَيْهِ، ثُمَّ عَلَّقَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِ الصَّنَمِ الْأَكْبَرِ، ثُمَّ خَرَجَ. فَلَمَّا جَاءَ الْقَوْمُ إِلَى
١٦ / ٢٩٥
طَعَامِهِمْ نَظَرُوا إِلَى آلِهَتِهِمْ ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٥٩]
١٦ / ٢٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨] يَقُولُ: إِلَّا عَظِيمًا لِلْآلِهَةِ، فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْسِرْهُ، وَلَكِنَّهُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَّقَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٥٨] قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا عَظِيمًا لَهُمْ، عَظِيمُ آلِهَتِهِمْ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ الْفَأْسَ الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامَهُمْ مُسْنَدَةً إِلَى صَدْرِ كَبِيرِهِمُ الَّذِي تَرَكَ
١٦ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: جَعَلَ إِبْرَاهِيمُ الْفَأْسَ الَّتِي أَهْلَكَ بِهَا أَصْنَامَهُمْ مُسْنَدَةً إِلَى صَدْرِ كَبِيرِهِمُ الَّذِي تَرَكَ
١٦ / ٢٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ كَمَا قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٩٣] ثُمَّ جَعَلَ يَكْسِرُهُنَّ بِفَأْسٍ ⦗٢٩٧⦘ فِي يَدِهِ، حَتَّى إِذَا بَقِيَ أَعْظَمُ صَنَمٍ مِنْهَا رَبَطَ الْفَأْسَ بِيَدِهِ، ثُمَّ تَرَكَهُنَّ. فَلَمَّا رَجَعَ قَوْمُهُ، رَأَوْا مَا صَنَعَ بِأَصْنَامِهِمْ، فَرَاعَهُمْ ذَلِكَ، وَأَعْظَمُوهُ، وَقَالُوا: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا؟ إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ
١٦ / ٢٩٦
وَقَوْلُهُ ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٨] يَقُولُ: فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بِآلِهَتِهِمْ لِيَعْتَبِرُوا، وَيَعْلَمُوا أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَدْفَعْ عَنْ نَفْسِهَا مَا فَعَلَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، فَهِيَ مِنْ أَنْ تَدْفَعَ عَنْ غَيْرِهَا مَنْ أَرَادَهَا بِسُوءٍ أَبْعَدُ، فَيَرْجِعُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مُقِيمُونَ مِنْ عِبَادَتِهَا إِلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ وَتَوْحِيدِ اللَّهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٥٨] قَالَ: كَادَهُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أَوْ يُبْصِرُونَ
١٦ / ٢٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لِمَنْ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا رَأَوْا آلِهَتَهُمْ قَدْ جُذَّتْ، إِلَّا الَّذِي رَبَطَ بِهِ الْفَأْسَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا؟ إِنَّ الَّذِي فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا لِمَنْ الظَّالِمِينَ، أَيْ لَمِنَ الْفَاعِلِينَ بِهَا مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِعْلُهُ
١٦ / ٢٩٧
﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠]⦗٢٩٨⦘ يَقُولُ: قَالَ الَّذِينَ سَمِعُوهُ يَقُولُ ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٧] سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ بِعَيْبٍ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ كَمَا:
١٦ / ٢٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى، يَذْكُرُهُمْ﴾ [الأنبياء: ٦٠] قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَذْكُرُهُمْ: يَعِيبُهُمْ
١٦ / ٢٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَوْلُهُ: ﴿سَمِعْنَا فَتًى، يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾ [الأنبياء: ٦٠] سَمِعْنَاهُ يَسُبُّهَا، وَيَعِيبُهَا، وَيَسْتَهْزِئُ، بِهَا، لَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا يَقُولُ ذَلِكَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الَّذِي نَظُنُّ صَنَعَ هَذَا بِهَا
١٦ / ٢٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: فَأْتُوا بِالَّذِي فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا الَّذِي سَمِعْتُمُوهُ يَذْكُرُهَا بِعَيْبٍ، وَيَسُبُّهَا، وَيَذُمُّهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، فَقِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: بِأَعْيُنِ النَّاسِ وَمَرْأًى مِنْهُمْ، وَقَالُوا: إِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ: أَظْهِرُوا الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ إِذَا ظَهَرَ الْأَمْرُ وَشَهُرَ: كَانَ ذَلِكَ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ، يُرَادُ بِهِ كَانَ بِأَيْدِي النَّاسِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَعَلَّ النَّاسَ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، فَتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ عَلَيْهِ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِ وَقَالُوا إِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ
١٦ / ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ: ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] عَلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ
١٦ / ٢٩٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] قَالَ: كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ مَا يُعاقِبُونَهُ بِهِ فَيُعَايِنُونَهُ وَيَرَوْنَهُ
١٦ / ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: بَلَغَ مَا فَعَلَ إِبْرَاهِيمُ بِآلِهَةِ قَوْمِهِ نُمْرُودَ، وَأَشْرَافَ قَوْمِهِ، فَقَالُوا: ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٦١] أَيْ مَا يُصْنَعُ بِهِ وَأَظْهَرُ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ قَالُوا: فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ عُقُوبَتَنَا إِيَّاهُ، لِأَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ بِذَلِكَ: لِيَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ، كَانَ يُقَالُ: انْظُرُوا مَنْ شَهِدَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقُلْ: أَحْضِرُوهُ بِمَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ
١٦ / ٢٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا ⦗٣٠٠⦘ يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَتَوْا بِإِبْرَاهِيمَ، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِ قَالُوا لَهُ: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا مِنَ الْكِسَرِ بِهَا يَا إِبْرَاهِيمُ؟ فَأَجَابَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَعَظِيمُهُمْ، فَاسْأَلُوا الْآلِهَةَ: مَنْ فَعَلَ بِهَا ذَلِكَ وَكَسَرَهَا إِنْ كَانَتْ تَنْطِقُ أَوْ تُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِهِ وَاجْتَمَعَ لَهُ قَوْمُهُ عِنْدَ مَلِكِهِمْ نَمْرُودَ ﴿قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] غَضِبَ مِنْ أَنْ يَعْبُدُوا مَعَهُ هَذِهِ الصِّغَارَ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، فَكَسَّرَهُنَّ
١٦ / ٣٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] الْآيَةُ، وَهِيَ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَا يُصَدِّقُ بِالْآثَارِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنَ الْأَخْبَارِ إِلَّا مَا اسْتَفَاضَ بِهِ النَّقْلُ مِنَ الْعَوَامِّ، أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] إِنَّمَا هُوَ: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَاسْأَلُوهُمْ، أَيْ: إِنْ كَانَتِ الْآلِهَةُ الْمَكْسُورَةُ تَنْطِقُ، فَإِنَّ كَبِيرَهُمْ هُوَ الَّذِي كَسَّرَهُمْ وَهَذَا قَوْلٌ خِلَافُ مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكْذِبْ إِلَّا ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ، كُلُّهَا فِي اللَّهِ، قَوْلُهُ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣]
١٦ / ٣٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾ [الصافات: ٨٩] وَقَوْلُهُ لِسَارَةَ: هِيَ أُخْتِي. وَغَيْرُ مُسْتَحِيلٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَذِنَ لِخَلِيلِهِ فِي ذَلِكَ، لِيُقَرِّعَ قَوْمَهُ بِهِ، وَيَحْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَيُعَرِّفَهُمْ مَوْضِعَ خَطَئِهِمْ، وَسُوءَ نَظَرِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا قَالَ مُؤَذِّنُ يُوسُفَ لِإِخْوَتِهِ: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾ [يوسف: ٧٠]، وَلَمْ يَكُونُوا سَرَقُوا شَيْئًا
١٦ / ٣٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَذَكَرُوا حِينَ قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٣] فِي أَنْفُسِهِمْ، وَرَجَعُوا إِلَى عُقُولِهِمْ، وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْقَوْمِ الظَّالِمُونَ هَذَا الرَّجُلَ فِي مَسْأَلَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَقِيلِكُمْ لَهُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ وَهَذِهِ آلِهَتُكُمُ الَّتِي فُعِلَ بِهَا مَا فُعِلَ حَاضِرَتُكُمْ، فَاسْأَلُوهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٦ / ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٤] قَالَ: ارْعَوَوْا وَرَجَعُوا عَنْهُ يَعْنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ كَسْرِهِنَّ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالُوا: لَقَدْ ظَلَمْنَاهُ، وَمَا نَرَاهُ إِلَّا كَمَا قَالَ
١٦ / ٣٠١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ⦗٣٠٢⦘: ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنبياء: ٦٤] قَالَ: نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴿فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنبياء: ٦٤]