سُورَةُ الْأَحْزَابِ 4

وَأَنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، لِمَا قَدْ بَيْنَنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الَّذِي قَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾ [الأحزاب: ٥٢] لَا يَحِلُّ لَكَ الْيَهُودِيَّةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ وَالْكَافِرَةُ، قَوْلٌ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِذْا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] كَافِرَةً لَا مَعْنَى لَهُ، إِذْ كَانَ مِنَ الْمُسْلِمَاتِ مَنْ قَدْ حُرِّمَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾ [الأحزاب: ٥٢] الَّذِي دَلَّلْنَا عَلَيْهِ قَبْلُ وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، فَقَوْلٌ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّنْزِيلُ: وَلَا أَنْ تُبَادِلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ، أَوْ: وَلَا أَنْ تُبَدِّلَ بِهِنَّ بِضَمِّ التَّاءِ؛ وَلَكِنَّ الْقِرَاءَةَ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا ﴿وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] بِفَتْحِ التَّاءِ، بِمَعْنَى: وَلَا أَنْ تَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ، مَعَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرَ ابْنُ زَيْدٍ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي أُمَّةٍ نَعْلَمُهُ مِنَ الْأُمَمِ: أَنْ يُبَادِلَ الرَّجُلُ آخَرَ بِامْرَأَتِهِ الْحُرَّةِ، فَيُقَالُ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ فِعْلٍ مِثْلِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى نِسَائِهِ اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْدَهُ، فَيَكُونُ مُوَجِّهًا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ﴾ [الأحزاب: ٥٢] إِلَى مَا تَأَوَّلَتْ، أَوْ قَالَ: وَأَيْنَ ذَكَرَ أَزْوَاجَهُ اللَّوَاتِي كُنَّ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَتَكُونُ الْهَاءُ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] مِنْ ذِكْرِهِنَّ وَتَوَهَّمَ أَنَّ الْهَاءَ فِي ذَلِكَ عَائِدَةٌ عَلَى النِّسَاءِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾ [الأحزاب: ٥٢] قِيلَ: قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي كَانَ اللَّهُ
١٩ ‏/ ١٥٣
أَحَلَّهُنَّ لَهُ عَلَى نِسَائِهِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدَهُ يَوْمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَإِنَّمَا نُهِيَ ﷺ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُفَارِقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بِطَلَاقٍ أَرَادَ بِهِ اسْتِبْدَالَ غَيْرِهَا بِهَا، لِإِعْجَابِ حُسْنِ الْمُسْتَبْدَلَةِ لَهُ بِهَا إِيَّاهُ إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ جَعَلَهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالرِّضَا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ، فَحُرِّمْنَ عَلَى غَيْرِهِ بِذَلِكَ، وَمَنَعَ مِنْ فِرَاقِهِنَّ بِطَلَاقٍ؛ فَأَمَّا نِكَاحُ غَيْرِهِنَّ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ، بَلْ أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُقْبَضْ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ نِسَاءَ أَهْلِ الْأَرْضِ
١٩ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ؛ تَعْنِي أَهْلَ الْأَرْضِ»
١٩ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ»
١٩ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُعَلَّى، قَالَ: ثنا وهَيْبٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرِ اللَّيْثِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَا تُوِفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ»
١٩ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، ⦗١٥٥⦘ قَالَ: أَحْسِبُ عُبَيْدَ بْنِ عُمَيْرٍ حَدَّثَنِي قَالَ أَبُو زَيْدٍ، وَقَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ النِّسَاءَ» قَالَ: وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرٍ: شَهِدْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُهُ عَنْ عَطَاءٍ
١٩ ‏/ ١٥٤
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ طَلَاقَ نِسَائِهِ اللَّوَاتِي خَيَّرَهُنَّ فَاخْتَرْنَهُ، فَمَا وَجْهُ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ طَلَّقَ حَفْصَةَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَأَنَّهُ أَرَادَ طَلَاقَ سَوْدَةَ حَتَّى صَالَحَتْهُ عَلَى تَرْكِ طَلَاقِهِ إِيَّاهَا، وَوَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ؟ قِيلَ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا، مِنْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ طَلَاقَهُنَّ، الرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ مُعَاقِبَهَا حِينَ اعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ، كَانَ مِنْ قَيْلَةٍ لَهَا: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَلَّقَكِ، فَكَلَّمَتُهُ فَرَاجَعَكِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ طَلَّقَكِ، أَوَلَوْ كَانَ طَلَّقَكِ لَكَلَّمْتُهُ فِيكِ وَذَلِكَ لَا شَكَّ قَبْلَ نُزُولِ ⦗١٥٦⦘ آيَةِ التَّخْيِيرِ، لِأَنَّ آيَةَ التَّخْيِيرِ إِنَّمَا نَزَلَتْ حِينَ انْقَضَى وَقْتُ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى اعْتِزَالِهِنَّ وَأَمَّا أَمْرُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ أَمْرَ سَوْدَةَ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَمَرَ نَبِيَّهُ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ بَيْنَ فِرَاقِهِ وَالْمَقَامِ مَعَهُ عَلَى الرِّضَا بِأَنْ لَا قَسْمَ لَهُنَّ، وَأَنَّهُ يُرْجِي مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ، وَيُؤْوِي مِنْهُنَّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُؤْثِرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ عَلَى مَنْ شَاءَ، وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥١]، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَرَى عَلَى تَرْكِهَا يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ فِي حَالِ لَا يَوْمَ لَهَا مِنْهُ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهَا إِلَّا فِي حَالٍ كَانَ لَهَا مِنْهُ يَوْمٌ هُوَ لَهَا حَقٌّ كَانَ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَدَاؤُهُ إِلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ بَعْدَ التَّخْيِيرِ لِمَا قَدْ وَصَفْتُ قَبْلُ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: لَا يَحِلُّ لَكَ يَا مُحَمَّدُ النِّسَاءَ مِنْ بَعْدِ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ فِي الْآيَةٍ قَبْلُ، وَلَا أَنْ تُطَلِّقَ نِسَاءَكَ اللَّوَاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، فَتُبَدِّلُ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُ مَنْ أَرَدْتَ أَنْ تُبَدِّلَ بِهِ مِنْهُنَّ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ ﴿أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] رَفَعًا، لِأَنَّ مَعْنَاهَا: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ، وَلَا الِاسْتِبْدَالُ بِأَزْوَاجِكَ، وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ﴾ [الأحزاب: ٥٢] اسْتِثْنَاءُ مِنَ النِّسَاءِ وَمَعْنَى ذَلِكَ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدِ اللَّوَاتِي أَحْلَلْتُهُنَّ لَكَ، إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِنَ الْإِمَاءِ، فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَمْلِكَ مِنْ أَيِّ أَجْنَاسِ النَّاسِ شِئْتَ مِنَ الْإِمَاءِ
١٩ ‏/ ١٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾ [الأحزاب: ٥٢] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَا أَحَلَّ لَكَ، وَحَرَّمَ عَلَيْكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلَّهَا، حَفِيظًا لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَؤُودَهُ حِفْظُ ذَلِكَ كُلِّهِ
١٩ ‏/ ١٥٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ. ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا﴾ [الأحزاب: ٥٢] «أَيْ حَفِيظًا» فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ “
١٩ ‏/ ١٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ نَبِيِّ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تُدْعَوْا إِلَى طَعَامٍ تَطْعَمُونَهُ ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَعْنِي: غَيْرَ مُنْتَظِرِينَ إِدْرَاكَهُ وَبُلُوغَهُ؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَنَّى هَذَا الشَّيْءُ يَأْنِي إِنِّي وَأَنْيَا وَإِنَاءً؛ قَالَ الْحُطَيْئَةُ:
[البحر الوافر] وَآنَيْتَ الْعِشَاءَ إِلَى سُهَيْلٍ … أَوِ الشِّعْرَى فَطَالَ بِي الْأَنَاءُ
١٩ ‏/ ١٥٧
وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى، يُقَالُ: قَدْ آنَ لَكَ: أَيْ تَبَيَّنَ لَكَ أَيْنًا، وَنَالَ لَكَ، وَأَنَالَ لَكَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:
[البحر الرجز] هَاجَتْ وَمِثْلِي نَوْلُهُ أَنْ يَرْبَعَا … حَمَامَةٌ نَاخَتْ حَمَامًا سُجَّعَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: «مُتَحَيِّنِينَ نُضْجَهُ»
١٩ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: «غَيْرَ نَاظِرِينَ الطَّعَامَ أَنْ يُصْنَعَ»
١٩ ‏/ ١٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: «غَيْرَ مُتَحَيِّنِينَ طَعَامَهُ» حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ ⦗١٥٩⦘ وَنَصَبَ ﴿غَيْرَ﴾ [الأحزاب: ٥٣] فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] عَلَى الْحَالِ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا أَنْ يُؤَذَنَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣] لِأَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ مَعْرِفَةٌ وَغَيْرُ نَكِرَةٍ، وَهِيَ مِنْ صِفَةِ الْكَافِ وَالْمِيمِ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ فِي «غَيْرَ» الْجَرُّ عَلَى الطَّعَامِ، إِلَّا أَنْ تَقُولَ: أَنْتُمْ، وَيَقُولُ: أَلَا تَرَى أَنَّكَ لَوْ قُلْتُ: أَبْدَى لِعَبْدِ اللَّهِ عَلِيٌّ امْرَأَةً مُبْغِضًا لَهَا، لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا النَّصْبَ، إِلَّا أَنْ تَقُولَ: مُبْغِضٌ لَهَا هُوَ، لِأَنَّكَ إِذَا أَجْرَيْتَ صِفَتَهُ عَلَيْهَا، وَلَمْ تُظْهِرِ الضَّمِيرَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصِّفَةَ لَهُ لَمْ يَكُنْ كَلَامًا، لَوْ قُلْتَ: هَذَا رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ مُلَازِمَهَا، كَانَ لَحْنًا، حَتَّى تَرْفَعَ، فَتَقُولُ مُلَازِمُهَا، أَوْ تَقُولُ مُلَازِمِهَا هُوَ، فَتُجَرُّ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: لَوْ جَعَلْتَ «غَيْرَ» فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] خَفْضًا كَانَ صَوَابًا، لِأَنَّ قَبْلَهَا الطَّعَامَ وَهُوَ نَكِرَةٌ، فَيُجْعَلُ فِعْلَهُمْ تَابِعًا لِلطَّعَامِ، لِرُجُوعِ ذِكْرِ الطَّعَامِ فِي إِنَاهُ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: رَأَيْتُ زَيْدًا مَعَ امْرَأَةٍ مُحْسِنًا إِلَيْهَا وَمُحْسِنٌ إِلَيْهَا، فَمَنْ قَالَ مُحْسِنًا جَعَلَهُ مِنْ صِفَةِ زَيْدٍ، وَمَنْ خَفَضَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُهُ مَعَ الَّتِي يُحْسِنُ إِلَيْهَا؛ فَإِذَا صَارَتِ الصِّلَةُ لِلْنَكِرَةِ أَتْبَعْتَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِعْلًا لِغَيْرِ النَّكِرَةِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر المتقارب]فَقُلْتُ لَهُ هَذِهِ هَاتِهَا … إِلَيْنَا بِأَدْمَاءٍ مُقَتَادِهَا
فَجَعَلَ الْمُقْتَادَ تَابِعًا لِإِعْرَابِ بِأَدْمَاءَ، لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: بِأَدْمَاءَ تَقْتَادُهَا، فَخَفَضَهُ، لِأَنَّهُ صِلَةً لَهَا، قَالَ: وَيُنْشِدُ: «بِأَدْمَاءِ مُقْتَادِهَا» بِخَفْضِ الْأَدْمَاءِ ⦗١٦٠⦘ لِإِضَافَتِهَا إِلَى الْمُقْتَادِ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ: هَاتِهَا عَلَى يَدَيْ مَنِ اقْتَادَهَا وَأَنْشَدَ أَيْضًا:
[البحر الطويل]وَإِنَّ امْرَأً أَهْدَى إِلَيْكَ وَدُونَهُ … مِنَ الْأَرْضِ مَوْمَاةٌ وَبَيْدَاءُ فَيْهَقُ
لَمَحْقُوقَةٌ أَنْ تَسْتَجِيبِي لِصَوْتِهِ … وَأَنْ تَعْلَمِي أَنَّ الْمُعَانَ مُوَفَّقُ
وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ سَمَاعًا يَنْشُدُ:
[البحر الطويل]أَرَأَيْتَ إِذْ أَعْطَيْتُكَ الْوِدَّ كُلَّهُ … وَلَمْ يَكُ عِنْدِي إِنْ أَبَيْتِ إِبَاءُ
أَمُسْلِمَتِي لِلْمَوْتِ أَنْتِ فَمَيِّتٌ … وَهَلْ لِلنِّفُوسِ الْمُسْلِمَاتِ بَقَاءُ
وَلَمْ يَقُلْ: فَمَيِّتٌ أَنَا، وَقَالَ الْكِسَائِي: سَمِعْتُ الْعَرَبَ تَقُولُ: يَدَكَ بَاسِطُهَا، يُرِيدُونَ أَنْتَ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، قَالَ: فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ خَفْضُ «غَيْرَ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، الْقَوْلُ بِإِجَازَةِ جَرِّ «غَيْرَ» فِي «غَيْرِ نَاظِرِينَ» فِي الْكَلَامِ، لَا فِي الْقِرَاءَةِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَبْيَاتِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا؛ فَأَمَّا فِي الْقِرَاءَةِ فَغَيْرُ جَائِزٍ فِي «غَيْرَ» غَيْرَ النَّصْبِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى نَصْبِهَا

١٩ ‏/ ١٥٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: وَلَكِنْ إِذَا دَعَاكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَادْخُلُوا الْبَيْتَ الَّذِي أُذِنَ لَكُمْ بِدُخُولِهِ ﴿فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: فَإِذَا أَكَلْتُمُ الطَّعَامَ الَّذِي دُعِيتُمْ لِأَكْلِهِ فَانْتَشِرُوا، يَعْنِي فَتَفَرَّقُوا وَاخْرُجُوا مِنْ مَنْزِلِهِ ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] فَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا بِهِ عَلَى نَاظِرِينَ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: أَنْتَ غَيْرُ سَاكِتٍ وَلَا نَاطِقٍ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ
١٩ ‏/ ١٦٠
يُقَالَ: مُسْتَأْنِسِينَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَطْفًا عَلَى مَعْنَى نَاظِرِينَ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ لَا نَاظِرِينَ إِنَاهُ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٣] نَصْبًا حِينَئِذٍ، وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا حَالَتْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، فَتَرُدُّ أَحْيَانًا عَلَى لَفْظِ الْأَوَّلِ، وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا الْقَمْقَامِ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل] أَجِدْكَ لَسْتَ الدَّهْرَ رَائِيَ رَامَةٍ … وَلَا عَاقِلٍ إِلَّا وَأَنْتَ جَنِيبُ
وَلَا مُصْعِدٍ فِي الْمُصْعِدِينَ لَمِنْعَجٍ … وَلَا هَابِطًا مَا عِشْتُ هَضْبَ شَطِيبِ
فَرَدَّ مُصْعِدٌ عَلَى أَنَّ رَائِيَ فِيهِ بَاءٌ خَافِضَةٌ، إِذْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُصْعِدِ مِمَّا حَالَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْكَلَامِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] وَلَا مُتَحَدِّثِينَ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْ أَكَلِ الطَّعَامِ إِينَاسًا مِنْ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ بِهِ
١٩ ‏/ ١٦١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] «بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا» ⦗١٦٢⦘ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ بِسَبَبِ قَوْمٍ طَعِمُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي وَلِيمَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ فِي مَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَبِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِهِ حَاجَةٌ، فَمَنَعَهُ الْحَيَاءُ مِنْ أَمْرِهِمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ
١٩ ‏/ ١٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «بَنَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، فَبُعِثْتُ دَاعِيًا إِلَى الطَّعَامِ، فَدَعَوْتُ، فَيَجِيءُ الْقَوْمُ يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ ثُمَّ يَجِيءُ الْقَوْمُ يَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ دَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، قَالَ: «ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ»، وَإِنَّ زَيْنَبَ لَجَالِسَةٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، وَكَانَتْ قَدْ أُعْطِيَتْ جَمَالًا، وَبَقِيَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَقَالَ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ» فَقَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ قَالَ: فَأَتَى حُجَرَ نِسَائِهِ، فَقَالُوا مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ، فَإِذَا الثَّلَاثَةُ يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مُنْطَلِقًا نَحْوَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ، فَلَا أَدْرِي أَخْبَرَتْهُ، أَوْ أُخْبِرَ أَنَّ الرَّهْطَ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَهُ فِي أُسْكُفَّةٍ دَاخِلَ الْبَيْتِ، وَالْأُخْرَى خَارِجَهُ، إِذْ أَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأُنْزِلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ»
١٩ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ بِشْرُ بْنُ دِحْيَةَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ ⦗١٦٣⦘ مَالِكٍ، قَالَ: “سَأَلَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَنِ الْحِجَابِ، فَقُلْتُ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهِ، نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْنَبَ؛ أَوْلَمَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهُرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣]
١٩ ‏/ ١٦٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكِ: «أَنَّهُ كَانَ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ عِنْدَ مَقْدِمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَكُنْتُ أَعْلَمُ النَّاسَ بِشَأْنِ الْحِجَابِ حِينَ أَنْزَلَ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ؛ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِهَا عَرُوسًا، فَدَعَا الْقَوْمَ فَأَصَابُوا مِنَ الطَّعَامِ حَتَّى خَرَجُوا، وَبَقِيَ مِنْهُمْ رَهْطٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَطَالُوا الْمُكْثَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَخَرَجَ، وَخَرَجْتُ مَعَهُ لِكَيْ يَخْرُجُوا، فَمَشَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمَشَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى جَاءَ عُتْبَةُ حُجْرَةَ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ ظَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَرَجَعَ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ، فَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُومُوا، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَجَعْتُ مَعَهُ، فَإِذَا هُمْ قَدْ خَرَجُوا، فَضَرَبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا، وَأَنْزَلَ الْحِجَابَ»
١٩ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «دَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، صَبِيحَةَ بَنَى بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، ⦗١٦٤⦘ فَأَوْسَعَهُمْ خُبْزًا وَلَحْمًا، ثُمَّ رَجَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ، فَأَتَى حِجْرَ نِسَائِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، فَدَعَوْنَ لَهُ، وَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ وَأَنَا مَعَهُ؛ فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَابِ إِذَا رَجُلَانِ قَدْ جَرَى بِهِمَا الْحَدِيثُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَلَمَّا أَبْصَرَهُمَا وَلَّى رَاجِعًا؛ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ ﷺ وَلَّى عَنْ بَيْتِهِ، وَلَّيَا مُسْرِعَيْنِ، فَلَا أَدْرِي أَنَا أَخْبَرْتُهُ، أَوْ أُخْبِرَ فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ»
١٩ ‏/ ١٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ حُجِبْتُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ»
١٩ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، آيَةِ الْحِجَابِ؛ لَمَّا أُهْدِيَتْ زَيْنَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَنَعَ طَعَامًا، وَدَعَا الْقَوْمَ، فَجَاؤُوا فَدَخَلُوا وَزَيْنَبُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْبَيْتِ، وَجَعَلُوا يَتَحَدَّثُونَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَخْرُجُ ثُمَّ يَدْخُلُ وَهُمْ قُعُودٌ، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] . . . إِلَى: ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: فَقَامَ الْقَوْمُ وَضُرِبَ الْحِجَابُ “
١٩ ‏/ ١٦٤
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ بَيَانٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «بَنَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَنِي، فَدَعَوْتُ قَوْمًا إِلَى الطَّعَامِ؛ فَلَمَّا أَكَلُوا وَخَرَجُوا، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنْطَلِقًا قِبَلَ بَيْتِ عَائِشَةَ، فَرَأَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ، فَانْصَرَفَ رَاجِعًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥٣]»
١٩ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: ثنا الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ نَهْشَلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَمَرَ عُمَرُ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا، وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]
١٩ ‏/ ١٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: ثنا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «وَكُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ يَمُرُّ عَلَى نِسَائِهِ، قَالَ: فَأَتَى بِامْرَأَةٍ عَرُوسٍ، ثُمَّ جَاءَ وَعِنْدَهَا قَوْمٌ، فَانْطَلَقَ فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَاحْتَبَسَ وَعَادَ وَقَدْ خَرَجُوا؛ قَالَ: فَدَخَلَ فَأَرْخَى بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا» قَالَ: فَحَدَّثْتُ أَبَا طَلْحَةَ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ: لَيَنْزِلَنَّ فِي هَذَا شَيْءٌ، قَالَ: وَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ
١٩ ‏/ ١٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: «كَانَ هَذَا فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَ: أَكَلُوا، ثُمَّ أَطَالُوا الْحَدِيثَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَسْتَحْيِي مِنْهُمْ، وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ»
١٩ ‏/ ١٦٦
قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: «بَلَغَنَا أَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِالْحِجَابِ عِنْدَ ذَلِكَ»
١٩ ‏/ ١٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: إِنَّ دُخُولَكُمْ بُيُوتَ النَّبِيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، وَجُلُوسَكُمْ فِيهَا مُسْتَأْنِسِينَ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ فَرَاغِكُمْ مِنْ أَكَلِ الطَّعَامِ الَّذِي دُعِيتُمْ لَهُ، كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ، فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْهَا إِذَا قَعَدْتُمْ فِيهَا لِلْحَدِيثِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ، أَوْ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الدُّخُولِ إِذَا دَخَلْتُمْ بِغَيْرِ إِذْنٍ مَعَ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ مِنْكُمْ ﴿وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكُمْ، وَإِنِ اسْتَحْيَا نَبِيُّكُمْ فَلَمْ يُبَيِّنْ لَكُمْ كَرَاهِيَةَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنْكُمْ ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: وَإِذَا سَأَلْتُمْ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّوَاتِي لَسْنَ لَكُمْ بِأَزْوَاجٍ مَتَاعًا ﴿فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: مِنْ وَرَاءِ سِتْرٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُنَّ، وَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِنَّ بُيُوتَهُنَّ ﴿ذَلِكُمْ أَطْهُرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سُؤَالُكُمْ إِيَّاهُنَّ
١٩ ‏/ ١٦٦
الْمَتَاعَ إِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَطْهُرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ مِنْ عَوَارِضِ الْعَيْنِ فِيهَا الَّتِي تُعْرَضُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ، وَفِي صُدُورِ النِّسَاءِ مِنْ أَمْرِ الرِّجَالِ، وَأَحْرَى مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْكُمْ وَعَلْيهِنَّ سَبِيلٌ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ سَبَبَ أَمْرِ اللَّهِ النِّسَاءَ بِالْحِجَابِ، إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَائِشَةُ مَعَهُمَا، فَأَصَابَتْ يَدُهَا يَدَ الرَّجُلِ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
١٩ ‏/ ١٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَطْعَمُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَأَصَابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَةَ، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ» وَقِيلَ: نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَةِ عُمَرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ
١٩ ‏/ ١٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيَعْقُوبُ، قَالَا: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ أَنْ يَحْتَجِبْنَ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ» ⦗١٦٨⦘ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
١٩ ‏/ ١٦٧
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثني عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: ثني يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدٌ أَفْيَحُ، وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةَ، حِرْصًا أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ»
١٩ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجَتْ سَوْدَةُ لِحَاجَتِهَا بَعْدَمَا ضُرِبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ، وَكَانَتِ امْرَأَةً تَفْرَعُ النِّسَاءَ طَوْلًا، فَأَبْصَرَهَا عُمَرُ، فَنَادَاهَا: يَا سَوْدَةَ، إِنَّكِ وَاللَّهِ مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا، فَانْظُرِي كَيْفَ تَخْرُجِينَ، أَوْ كَيْفَ تَصْنَعِينَ؟ فَانْكَفَأَتْ فَرَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا كَانَ، وَمَا قَالَ لَهَا، وَإِنَّ فِي يَدِهِ لَعَرْقًا، فَأُوحِيَ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَ عَنْهُ، وَإِنَّ الْعَرْقَ لَفِي يَدِهِ، فَقَالَ: «لَقَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ»
١٩ ‏/ ١٦٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، قَالَ: ثنا هَمَّامٌ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «أَمَرَ عُمَرُ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْحِجَابِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، إِنَّكَ لَتَغَارُ عَلَيْنَا وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ فِي بُيُوتِنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَإِذْا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]»
١٩ ‏/ ١٦٩
حَدَّثَنِي أَبُو أَيُّوبَ النَّهْرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَ: ثني ابْنُ حَرْبٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ، كُنَّ يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ صَعِيدُ أَفْيَحٍ؛ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: احْجُبْ نِسَاءَكَ، فَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ، فَخَرَجَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي عِشَاءً، وَكَانَتِ امْرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ بِصَوْتِهِ الْأَعْلَى: قَدْ عَرَفْنَاكِ يَا سَوْدَةَ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْحِجَابَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا﴾ [الأحزاب: ٥٣] . . الْآيَةُ»
١٩ ‏/ ١٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا يَصْلُحُ ذَلِكَ لَكُمْ ﴿وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: وَمَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا لَأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُكُمْ، وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ نَزَلَ فِي رَجُلٍ كَانَ يَدْخُلُ قَبْلَ الْحِجَابِ، قَالَ: لَئِنْ مَاتَ مُحَمَّدٌ لَأَتَزَوَّجَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ سَمَّاهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى فِي ذَلِكَ ⦗١٧٠⦘: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣]
١٩ ‏/ ١٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] قَالَ: «رُبَّمَا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ أَنَّ الرَّجُلَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ تُوِفِّيَ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ مِنْ بَعْدِهِ، قَالَ: فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْذِي النَّبِيَّ ﷺ، فَنَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ﴾ [الأحزاب: ٥٣] . . الْآيَةُ»
١٩ ‏/ ١٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ مَاتَ، وَقَدْ مَلَكَ قَيْلَةَ بِنْتَ الْأَشْعَثِ، فَتَزَوَّجَهَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بَعْدَ ذَلِكَ، فَشَقَّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نِسَائِهِ إِنَّهَا لَمْ يُخَيِّرْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَحْجُبْهَا، وَقَدْ بَرَّأَهَا مِنْهُ بِالرِّدَّةِ الَّتِي ارْتَدَّتْ مَعَ قَوْمِهَا، فَاطْمَأَنَّ أَبُو بَكْرٍ وَسَكَنَ» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تُوِفِّيَ وَقَدْ مَلَكَ بِنْتَ الْأَشْعَثِ بْنَ قَيْسٍ، وَلَمْ يُجَامِعْهَا، ذَكَرَ نَحْوَهُ
١٩ ‏/ ١٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] يَقُولُ: إِنَّ أَذَاكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَنِكَاحَكُمْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الْإِثْمِ
١٩ ‏/ ١٧٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ تُظْهِرُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ شَيْئًا أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ مُرَاقَبَةِ النِّسَاءِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ أَوْ أَذًى لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِقَوْلٍ: لَأَتَزَوَّجَنَّ زَوْجَتَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، ﴿أَوْ تُخْفُوهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤] يَقُولُ: أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ فِي أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا، يَقُولُ: فَإِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ ذَلِكَ وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ وَأُمُورِ غَيْرِكُمْ، عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
١٩ ‏/ ١٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [الأحزاب: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا حَرَجَ عَلَى أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا إِثْمَ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحَ فِي هَؤُلَاءِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحَ فِي وَضْعِ جَلَابِيبِهِنَّ عِنْدَهُمْ
١٩ ‏/ ١٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا جُنَاحُ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] . . الْآيَةُ كُلُّهَا، قَالَ: «أَنْ تَضَعَ الْجِلْبَابَ»
١٩ ‏/ ١٧١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا جُنَاحُ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] «وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَنْ يَرُوهُنَّ» وَقَالَ آخَرُونَ: وَضَعَ عَنْهُنَّ الْجُنَاحَ فِيهِنَّ فِي تَرْكِ الِاحْتِجَابِ
١٩ ‏/ ١٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿لَا جُنَاحُ عَلَيْهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] . . إِلَى ﴿شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] «فَرَخَّصَ لِهَؤُلَاءِ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ وَضْعُ الْجُنَاجِ عَنْهُنَّ فِي هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عُقَيْبُ آيَةِ الْحِجَابِ، وَبَعْدَ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣] فَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] اسْتِثْنَاءً مِنْ جُمْلَةِ الَّذِينَ أُمِرُوا بِسُؤَالِهِنَّ الْمَتَاعَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِذَا سَأَلُوهُنَّ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَإٍ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: لَا إِثْمَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِذْنِهِنَّ لِآبَائِهِنَّ، وَتَرْكِ الْحِجَابِ مِنْهُنَّ، وَلَا لِأَبْنَائِهِنَّ وَلَا لِإِخْوَانِهِنَّ، وَلَا لِأَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَعُنِيَ بِإِخْوَانِهِنَّ وَأَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ إِخْوَتِهِنَّ وَأَبْنَاءِ إِخْوَتِهُنَّ وَخَرَجَ مَعَهُمْ جَمْعُ ذَلِكَ
١٩ ‏/ ١٧٢
مَخْرَجَ جَمْعِ فَتًى إِذَا جُمِعَ فُتْيَانَ، فَكَذَلِكَ جَمْعُ أَخٍ إِذَا جُمِعَ إِخْوَانٌ وَأَمَّا إِذَا جَمَعَ إِخْوَةً، فَذَلِكَ نَظِيرُ جَمْعِ فَتًى إِذَا جُمِعَ فِتْيَةٌ، وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ذَلِكَ الْعَمَّ عَلَى مَا قَالَ الشَّعْبِيُّ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَصِفَهُنَّ لِأَبْنَائِهِ
١٩ ‏/ ١٧٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] قُلْتُ: مَا شَأْنُ الْعَمِّ وَالْخَالِ لَمْ يَذْكُرَا؟ قَالَ: «لِأَنَّهُمَا يَنْعِتَانِهَا لِأَبْنَائِهِمَا، وَكَرِهَا أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عِنْدَ خَالِهَا وَعَمِّهَا» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا أَبُو الْوَلِيدِ، قَالَ: ثنا حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ نَحْوَهُ، غَيْرُ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ يَنْعَتَانِهَا
١٩ ‏/ ١٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا نِسَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] يَقُولُ: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ أَيْضًا فِي أَنْ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ
١٩ ‏/ ١٧٣
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا نِسَائِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] قَالَ: «نِسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِرِ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَرَيْنَ تِلْكَ الزِّينَةَ، قَالَ: وَإِنَّمَا هَذَا كُلَّهُ فِي الزِّينَةِ، قَالَ: وَلَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، قَالَ: وَلَوْ نَظَرَ الرَّجُلُ إِلَى فَخُذِ الرَّجُلِ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا، قَالَ: ﴿وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] فَلَيْسَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكَشِفَ قُرْطَهَا لِلرَّجُلِ، قَالَ: وَأَمَّا الْكُحْلُ ⦗١٧٤⦘ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، قَالَ: وَالزَّوْجُ لَهُ فَضْلٌ، وَالْآبَاءُ مِنْ وَرَاءِ الرَّجُلِ لَهُمْ فَضْلٌ. قَالَ: وَالْآخَرُونَ يَتَفَاضَلُونَ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ يَجْمَعُهُ مَا ظَهَرَ مِنَ الزِّينَةِ، قَالَ: وَكَانَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ لَا يَحْتَجِبْنَ مِنَ الْمَمَالِيكِ»
١٩ ‏/ ١٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٥] مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَقَالَ آخَرُونَ: مِنَ النِّسَاءِ
١٩ ‏/ ١٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقِينَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٥] يَقُولُ: وَخَفْنَ اللَّهَ أَيُّهَا النِّسَاءُ أَنْ تَتَعَدَّيْنَ مَا حَدَّ اللَّهُ لَكُنَّ، فَتُبْدِينَ مِنْ زِينَتِكُنَّ مَا لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُبْدِينَهُ، أَوْ تَتْرُكْنَ الْحِجَابَ الَّذِي أَمْرَكُنَّ اللَّهُ بِلُزُومِهِ، إِلَّا فِيمَا أَبَاحَ لَكُنَّ تَرْكُهُ، وَالْزَمْنَ طَاعَتَهُ ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَفْعَلُنَّهُ مِنَ احْتِجَابِكُنَّ، وَتَرْكِكُنَّ الْحِجَابَ لِمَنْ أَبَحْتُ لَكُنَّ تَرْكَ ذَلِكَ لَهُ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِكُنَّ؛ يَقُولُ: فَاتَّقِينَ اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُنَّ لَا تَلْقِينَ اللَّهَ، وَهُوَ شَاهِدٌ عَلَيْكُمْ بِمَعْصِيَتِهِ، وَخِلَافِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَتَهْلَكْنَ، فَإِنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ
١٩ ‏/ ١٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ
١٩ ‏/ ١٧٤
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٥٦] يَقُولُ: «يُبَارِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ» ⦗١٧٥⦘ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُ النَّبِيَّ، وَتَدْعُو لَهُ مَلَائِكَتُهُ وَيَسْتَغْفِرُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ غَيْرِ اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْعُوا لِنَبِيِّ اللَّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] يَقُولُ: وَحَيُّوهُ تَحِيَّةَ الْإِسْلَامِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتِ الْآثَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
١٩ ‏/ ١٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾ [الأحزاب: ٥٦] . . الْآيَةُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «قُلِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ»
١٩ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثنا يَعْلَى بْنُ الْأَجْلَحِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ ⦗١٧٦⦘ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] قُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «قُلِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ»
١٩ ‏/ ١٧٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْرَائِيلَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ قَالَ: خَطَبَنَا بِفَارِسَ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ﴾ [الأحزاب: ٥٦] الْآيَةُ، فَقَالَ: أَنْبَأَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هَكَذَا أُنْزِلَ، فَقُلْنَا: أَوْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ»
١٩ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ زِيَادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ﴾ [الأحزاب: ٥٦] . . الْآيَةَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ ⦗١٧٧⦘ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَقَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ»
١٩ ‏/ ١٧٦
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ قَدْ عَرَفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ»
١٩ ‏/ ١٧٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٦] قَالَ: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: «قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ» وَقَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتَكَ وَبَرَكَاتَكَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حُمَيْدٌ مَجِيدٌ “
١٩ ‏/ ١٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] يَعْنِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٧] إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَبَّهُمْ بِمَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَرُكُوبِهِمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ أَصْحَابَ التَّصَاوِيرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَرُومُونَ تَكْوِينَ خَلْقٍ مِثْلِ خَلْقِ اللَّهِ
١٩ ‏/ ١٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمْ أَصْحَابُ التَّصَاوِيرِ»
١٩ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٧] قَالَ: «يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا زَالَ أُنَاسٌ مِنْ جَهَلَةِ بَنِي آدَمَ حَتَّى تَعَاطَوْا أَذَى رَبِّهِمْ؛ وَأَمَّا أَذَاهُمْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَهُوَ طَعْنُهُمْ عَلَيْهِ فِي نِكَاحِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ فِيمَا ذُكِرَ»
١٩ ‏/ ١٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗١٧٩⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٧] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ طَعَنُوا عَلَى النَّبِيِّ ﷺ حِينَ اتَّخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ»
١٩ ‏/ ١٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَبْعَدُهُمُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا يَهِينُهُمْ فِيهِ بِالْخُلُودِ فِيهِ
١٩ ‏/ ١٧٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٨] كَانَ مُجَاهِدٌ يُوَجِّهُ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿يُؤْذُونَ﴾ [التوبة: ٦١] إِلَى يَقِفُونَ
١٩ ‏/ ١٧٩
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ عَنْهُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ﴾ [الأحزاب: ٥٨] قَالَ: يَقِفُونَ ” فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا قَالَ مُجَاهِدٍ: وَالَّذِينَ يَقِفُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَعِيبُونَهُمْ طَلَبًا لِشَيْنِهِمْ ﴿بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ [الأحزاب: ٥٨] يَقُولُ: بِغَيْرِ مَا عَمِلُوا
١٩ ‏/ ١٧٩
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗١٨٠⦘ فِي قَوْلِهِ: ﴿بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ [الأحزاب: ٥٨] قَالَ عَمِلُوا “
١٩ ‏/ ١٧٩
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَرَأَ ابْنُ عُمَرَ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] قَالَ: «فَكَيْفَ إِذَا أُوذِيَ بِالْمَعْرُوفِ، فَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَهُ الْعَذَابُ»
١٩ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ [الأحزاب: ٥٨] قَالَ: «كَيْفَ بِالَّذِي يَأْتِي إِلَيْهِمُ الْمَعْرُوفُ»
١٩ ‏/ ١٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] «فَإِيَّاكُمْ وَأَذَى الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَحُوطُهُ، وَيَغْضَبُ لَهُ»
١٩ ‏/ ١٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: ٥٨] يَقُولُ: فَقَدِ احْتَمَلُوا زُورًا وَكَذِبًا وَفِرْيَةً شَنِيعَةً؛ وَ﴿بُهْتَانًا﴾ [النساء: ٢٠]: أَفْحَشَ الْكَذِبِ ﴿وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ [النساء: ٢٠] يَقُولُ: وَإِثْمًا يَبِينُ لِسَامِعِهِ أَنَّهُ إِثْمٌ وَزُورٌ
١٩ ‏/ ١٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٥٩]⦗١٨١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ فِي لِبَاسِهِنَّ إِذَا هُنَّ خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ لِحَاجَتِهِنَّ، فَكَشَفْنَ شُعُورَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ، وَلَكِنْ لِيُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، لِئَلَّا يَعْرِضَ لَهُنَّ فَاسِقٌ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُنَّ حَرَائِرٌ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ الْإِدْنَاءِ الَّذِي أَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ، فَلَا يُبْدِينَ مِنْهُنَّ إِلَّا عَيْنًا وَاحِدَةً
١٩ ‏/ ١٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] «أَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِنَّ بِالْجَلَابِيبِ، وَيُبْدِينَ عَيْنًا وَاحِدَةً»
١٩ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُبَيْدَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] فَلَبِسَهَا عِنْدَنَا ابْنُ عَوْنٍ، قَالَ: وَلَبِسَهَا عِنْدَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَبِسَهَا عِنْدِي عُبَيْدَةُ؛ قَالَ ابْنُ عَوْنٍ بِرِدَائِهِ، فَتَقَنَّعَ بِهِ، فَغَطَّى أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ الْيُسْرَى، وَأَخْرَجَ عَيْنَهُ الْيُمْنَى، وَأَدْنَى رِدَاءَهُ مِنْ فَوْقٍ حَتَّى جَعَلَهُ قَرِيبًا مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ عَلَى الْحَاجِبِ “
١٩ ‏/ ١٨١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: سَأَلْتُ عُبَيْدَةَ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] قَالَ: «فَقَالَ بِثَوْبِهِ، فَغَطَّى رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ، وَأَبْرَزَ ثَوْبَهُ عَنْ إِحْدَى عَيْنَيْهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ أُمِرْنَ أَنْ يَشْدُدْنَ جَلَابِيبَهُنَّ عَلَى جِبَاهِهِنَّ
١٩ ‏/ ١٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] . . . . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦] قَالَ: «كَانَتِ الْحَرَّةُ تَلْبَسُ لِبَاسَ الْأَمَةِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ؛ وَإِدْنَاءُ الْجِلْبَابِ: أَنْ تَقَنَّعَ وَتَشُدَّ عَلَى جَبِينِهَا»
١٩ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٩] «أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ إِذَا خَرَجْنَ أَنْ يَقْنَعْنَ عَلَى الْحَوَاجِبِ ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: ٥٩] وَقَدْ كَانَتِ الْمَمْلُوكَةُ إِذَا مَرَّتْ تَنَاوَلُوهَا بِالْإِيذَاءِ، فَنَهَى اللَّهُ الْحَرَائِرَ أَنْ يَتَشَبَّهْنَ بِالْإِمَاءِ»
١٩ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] «يَتَجَلْبَبْنَ فَيُعْلَمُ أَنَّهُنَّ حَرَائِرٌ فَلَا يَعْرِضُ ⦗١٨٣⦘ لَهُنَّ فَاسِقٌ بِأَذًى مِنْ قَوْلٍ وَلَا رِيبَةٍ»
١٩ ‏/ ١٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: “قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ عَلَى غَيْرِ مَنْزِلٍ، فَكَانَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ﷺ وَغَيْرُهُنَّ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ يَقْضِينَ حَوَائِجَهُنَّ، وَكَانَ رِجَالٌ يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ لِلْغَزَلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٩] «يَقْنَعْنَ بِالْجِلْبَابِ حَتَّى تُعْرَفَ الْأُمَّةُ مِنَ الْحَرَّةِ»
١٩ ‏/ ١٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ [الأحزاب: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِدْنَاؤُهُنَّ جَلَابِيبَهُنَّ إِذَا أَدْنَيْنَهَا عَلَيْهِنَّ أَقْرَبُ وَأَحْرَى أَنْ يُعْرَفْنَ مِمَّنْ مَرَرْنَ بِهِ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُنَّ لَسْنَ بِإِمَاءَ، فَيَتَنَكَّبُوا عَنْ أَذَاهُنَّ بِقَوْلٍ مَكْرُوهٍ، أَوْ تُعَرَّضُ بِرِيبَةٍ ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٦] لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْكِهِنَّ إِدْنَاءَهُنَّ الْجَلَابِيبِ عَلَيْهِنَّ ﴿رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] بِهِنَّ أَنْ يُعَاقِبَهُنَّ بَعْدَ تَوْبَتِهِنَّ بِإِدْنَاءِ الْجَلَابِيبِ عَلَيْهِنَّ
١٩ ‏/ ١٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَهْلُ النِّفَاقِ، الَّذِينَ يَسْتَسِرُّونَ الْكُفْرَ، وَيُظْهَرُونَ الْإِيمَانَ ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأنفال: ٤٩] يَعْنِي: رِيبَةٌ مِنْ شَهْوَةِ الزِّنَا وَحُبِّ الْفُجُورِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٦٠] قَالَ: «هُمُ الزُّنَاةُ»
١٩ ‏/ ١٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأنفال: ٤٩] قَالَ: شَهْوَةُ الزِّنَا “
١٩ ‏/ ١٨٤
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ التَّمَّارُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [البقرة: ١٠] قَالَ: «شَهْوَةُ الزِّنَا»
١٩ ‏/ ١٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأنفال: ٤٩] قَالَ: «الزُّنَاةُ»
١٩ ‏/ ١٨٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٦٠] . . . الْآيَةَ، قَالَ: «هَؤُلَاءِ صِنْفٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ﴿وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأنفال: ٤٩] أَصْحَابُ الزِّنَا، قَالَ: أَهْلُ الزِّنَا مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ الَّذِينَ يَطْلُبُونَ النِّسَاءَ فَيَبْتَغُونَ الزِّنَا. وَقَرَأَ: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ⦗١٨٥⦘ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] قَالَ: وَالْمُنَافِقُونَ أَصْنَافٌ عَشَرَةٌ فِي بَرَاءَةٍ، قَالَ: فَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، صِنْفٌ مِنْهُمْ مَرِضَ مِنْ أَمْرِ النِّسَاءِ»
١٩ ‏/ ١٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٠] يَقُولُ: وَأَهْلُ الْإِرْجَافِ فِي الْمَدِينَةِ بِالْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ
١٩ ‏/ ١٨٥
وَكَانَ إِرْجَافِهِمْ فِيمَا ذُكِرَ كَالَّذِي: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٠] . . . . الْآيَةَ، «الْإِرْجَافُ: الْكَذِبُ الَّذِي كَانَ نَافَقَهُ أَهْلُ النِّفَاقِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: أَتَاكُمْ عَدَدٌ وَعُدَّةٌ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ أَرَادُوا أَنْ يُظْهِرُوا مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَوْلُهُ: ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٦٠] . . . . الْآيَةُ؛ فَلَمَّا أَوْعَدَهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَتَمُوا ذَلِكَ وَأَسَرُّوهُ»
١٩ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ﴾ [الأحزاب: ٦٠] «هُمْ أَهْلُ النِّفَاقِ أَيْضًا الَّذِينَ يَرْجِفُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِالْمُؤْمِنِينَ»
١٩ ‏/ ١٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦٠] يَقُولُ: لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ وَلَنُحْرِشَنَّكَ بِهِمْ ” وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦٠] يَقُولُ: «لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ»
١٩ ‏/ ١٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٦٠] «أَيْ لِنُحْمِلَنَّكَ عَلَيْهِمْ لِنُحَرِّشَنَّكَ بِهِمْ»
١٩ ‏/ ١٨٦
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٠] يَقُولُ: ثُمَّ لَنَنْفِيَنَّهُمْ عَنْ مَدِينَتِكَ فَلَا يَسْكُنُونَ مَعَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مِنَ الْمُدَّةِ وَالْأَجَلِ، حَتَّى تَنْفِيَهُمْ عَنْهَا، فَنُخْرِجَهُمْ مِنْهَا
١٩ ‏/ ١٨٦
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿ثُمَّ لَا يًجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٠] «أَيْ بِالْمَدِينَةِ»
١٩ ‏/ ١٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَطْرُودِينَ مَنْفِيِّينَ ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ [الأحزاب: ٦١] يَقُولُ: حَيْثُمَا لَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أُخِذُوا وَقُتِّلُوا لِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ تَقْتِيلًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿مَلْعُونِينَ﴾ [الأحزاب: ٦١] «عَلَى كُلِّ حَالٍ» ﴿أَيْنَمَا ثُقِفُوا﴾ [الأحزاب: ٦١] أُخِذُوا ﴿وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦١] «إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ» وَنَصَبَ قَوْلَهُ: ﴿مَلْعُونِينَ﴾ [الأحزاب: ٦١] عَلَى الشَّتْمِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَلِيلُ مِنْ صِفَةِ الْمَلْعُونِينَ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ مَلْعُونِينَ مَرْدُودًا عَلَى الْقَلِيلِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا أَقِلَّاءَ مَلْعُونِينَ يُقَتَّلُونَ حَيْثُ أُصِيبُوا
١٩ ‏/ ١٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا﴾ [الأحزاب: ٦٢] مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا﴾ [الأحزاب: ٣٨] مِنْ قَبْلُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَهُ مِنْ ضُرَبَاءِ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، إِذَا هُمْ أَظْهَرُوا نِفَاقَهُمْ أَنْ يَقْتُلُهُمْ تَقْتِيلًا، وَيَلْعَنُهُمْ لَعْنًا كَثِيرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قَوْلُنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ﴾ [الأحزاب: ٣٨] . . . الْآيَةَ، يَقُولُ: «هَكَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِيهِمْ إِذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ»
١٩ ‏/ ١٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَنْ تَجِدَ يَا مُحَمَّدُ لِسُنَّةِ اللَّهِ الَّتِي سَنَّهَا فِي خَلْقِهِ تَغْيِيرًا، فَأَيْقِنْ أَنَّهُ غَيْرُ مُغَيِّرٍ فِي هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ سُنَّتَهُ
١٩ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَسْأَلُكَ النَّاسُ يَا مُحَمَّدُ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى هِيَ قَائِمَةٌ؟ قُلْ لَهُمْ: إِنَّمَا عِلْمُ السَّاعَةِ ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٩] لَا يَعْلَمُ وَقْتَ قِيَامِهَا غَيْرُهُ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾ [الأحزاب: ٦٣] يَقُولُ: وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّ قِيَامَ السَّاعَةِ يَكُونُ ⦗١٨٨⦘ مِنْكَ قَرِيبًا، قَدْ قَرُبَ وَقْتَ قِيَامِهَا، وَدَنَا حِينَ مَجِيئِهَا
١٩ ‏/ ١٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ أَبْعَدَ الْكَافِرِينَ بِهِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَقْصَاهُمْ عَنْهُ ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٤] يَقُولُ: وَأَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ نَارًا تَتَّقِدُ وَتَتَسَعَّرُ لِيُصْلِيهِمُوهَا ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ [النساء: ٥٧] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِي السَّعِيرِ أَبَدًا، إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ ﴿لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا﴾ [الأحزاب: ٦٥] يَتَوَلَّاهُمْ، فَيَسْتَنْقِذَهُمْ مِنَ السَّعِيرِ الَّتِي أَصْلَاهُمُوهَا اللَّهُ ﴿وَلَا نَصِيرًا﴾ [النساء: ٨٩] يَنْصُرُهُمْ، فَيُنْجِيهِمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ
١٩ ‏/ ١٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ: يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ [الأحزاب: ٦٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَجِدُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا فِي يَوْمٍ تُقَلُّبَ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ ﴿يَقُولُونَ﴾ [البقرة: ٧٩] وَتِلْكَ حَالُهُمْ فِي النَّارِ: ﴿يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٦٦] فِي الدُّنْيَا وَأَطَعْنَا رَسُولَهُ، فِيمَا جَاءَنَا بِهِ عَنْهُ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَكُنَّا مَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، يَا لَهَا حَسْرَةً وَنَدَامَةً، مَا أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا
١٩ ‏/ ١٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الْكَافِرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ: رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا أَئِمَّتِنَا فِي الضَّلَالَةِ وَكُبَرَاءَنَا فِي الشِّرْكِ ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا﴾ [الأحزاب: ٦٧] يَقُولُ: فَأَزَالُونَا عَنْ ⦗١٨٩⦘ مَحَجَّةِ الْحَقِّ، وَطَرِيقِ الْهُدَى، وَالْإِيمَانِ بِكَ، وَالْإِقْرَارِ بِوَحْدَانِيَّتَكَ، وَإِخْلَاصِ طَاعَتِكَ فِي الدُّنْيَا ﴿رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [الأحزاب: ٦٨] يَقُولُ: عَذِّبْهُمْ مِنَ الْعَذَابِ مِثْلَ عَذَابِنَا الَّذِي تَعَذَّبْنَا ﴿وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٨] يَقُولُ: وَاخْزِهِمْ. خِزْيًا كَبِيرًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ١٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا﴾ [الأحزاب: ٦٧] «أَيْ رُءُوسَنَا فِي الشَّرِّ وَالشِّرْكِ»
١٩ ‏/ ١٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا﴾ [الأحزاب: ٦٧] قَالَ: «هُمْ رُءُوسُ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَضَلُّوهُمْ، قَالَ: سَادَتُنَا وَكُبَرَاؤُنَا وَاحِدٌ» وَقَرَأَتْ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿سَادَتَنَا﴾ [الأحزاب: ٦٧] وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: (سَادَاتِنَا) عَلَى الْجِمَاعِ، وَالتَّوْحِيدُ فِي ذَلِكَ هِيَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا، لِإِجْمَاعِ الْحِجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٨] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ بِالثَّاءِ: كَثِيرًا مِنَ الْكَثْرَةِ، سِوَى عَاصِمٍ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ ﴿لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: ٦٨] مِنَ ⦗١٩٠⦘ الْكِبْرِ وَالْقِرَاءَةُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالثَّاءِ لِإِجْمَاعِ الْحِجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا
١٩ ‏/ ١٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَصْحَابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ بِقَوْلٍ يَكْرَهُهُ مِنْكُمْ، وَلَا بِفِعْلٍ لَا يُحِبُّهُ مِنْكُمْ، وَلَا تَكُونُوا أَمْثَالَ الَّذِينَ آذَوْا مُوسَى نَبِيَّ اللَّهِ، فَرَمُوهُ بِعَيْبٍ كَذِبًا وَبَاطِلًا ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب: ٦٩] فِيهِ مِنَ الْكَذِبِ وَالزُّورِ بِمَا أَظْهَرَ مِنَ الْبُرْهَانِ عَلَى كِذْبِهِمْ ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩] يَقُولُ: وَكَانَ مُوسَى عِنْدَ اللَّهِ مُشَفَّعًا فِيمَا يَسْأَلُ، ذَا وَجْهٍ وَمَنْزِلَةٍ عِنْدَهُ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْأَذَى الَّذِي أُوذِيَ بِهِ مُوسَى الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: رَمَوْهُ بِأَنَّهُ آدَرُ وَرَوَى بِذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَبَرًا ذَكَرَ الرِّوَايَةَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ
١٩ ‏/ ١٩٠
وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] قَالَ: “قَالَ لَهُ قَوْمُهُ: إِنَّكَ آدَرُ، قَالَ: فَخَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَخَرَجَتِ الصَّخْرَةُ تَشْتَدُّ بِثِيَابِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُهَا عُرْيَانًا حَتَّى انْتَهَتْ بِهِ إِلَى مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: فَرَأَوْهُ لَيْسَ بِآدَرُ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ ⦗١٩١⦘: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب: ٦٩]
١٩ ‏/ ١٩٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] قَالَ: «قَالُوا: هُوَ آدَرُ»، قَالَ: «فَذَهَبَ مُوسَى يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجْرٍ، فَمَرَّ الْحَجَرُ بِثِيَابِهِ، فَتَبِعَ مُوسَى قَفَاهُ، فَقَالَ: ثِيَابِي حُجَرُ، فَمَرَّ بِمَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا» ﴿وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩]
١٩ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] . . . إِلَى ﴿وَجِيهًا﴾ [آل عمران: ٤٥] قَالَ: “كَانَ أَذَاهُمْ مُوسَى أَنَّهُمْ قَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَضَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، فَآذَى ذَلِكَ مُوسَى؛ فَبَيْنَمَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ يَغْتَسِلُ وَثَوْبُهُ عَلَى صَخْرَةٍ؛ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى غُسْلَهُ وَذَهَبَ إِلَى ثَوْبِهِ لِيَأْخُذَهُ، انْطَلَقَتِ الصَّخْرَةُ تَسْعَى بِثَوْبِهِ، وَانْطَلَقَ يَسْعَى فِي إِثْرِهَا حَتَّى مَرَّتْ عَلَى مَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُوَ يَطْلُبُهَا؛ فَلَمَّا رَأَوْا مُوسَى ﷺ مُتَجَرِّدًا لَا ثَوْبَ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَلِلَّهِ مَا نَرَى بِمُوسَى بَأْسًا، وَإِنَّهُ لَبَرِيءٌ مِمَّا كُنَّا نَقُولُ لَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩]
١٩ ‏/ ١٩١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] . . . الْآيَةَ، قَالَ: «كَانَ مُوسَى رَجُلًا شَدِيدَ ⦗١٩٢⦘ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَرْجِهُ وَثِيَابِهِ، قَالَ: فَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا عَيْبً فِي فَرْجِهِ يَكْرَهُ أَنْ يُرَى؛ فَقَامَ يَوْمًا يَغْتَسِلُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَاشْتَدَّتْ بِثِيَابِهِ، قَالَ: وَجَاءَ يَطْلُبُهَا عُرْيَانًا، حَتَّى اطُّلِعَ عَلَيْهِمْ عُرْيَانًا، فَرَأَوْهُ بَرِيئًا مِمَّا قَالُوا، وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا قَالَ: وَالْوَجِيهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْمُحَبُّ الْمَقْبُولُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ أَبْرَصُ
١٩ ‏/ ١٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ: إِنَّ مُوسَى آدَرُ؛ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ أَبْرَصُ مِنْ شِدَّةٍ تَسْتُرُهُ، وَكَانَ يَأْتِي كُلَّ يَوْمٍ عَيْنًا، فَيَغْتَسِلُ وَيَضَعُ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ عِنْدَهَا، فَعَدَتِ الصَّخْرَةُ بِثِيَابِهِ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَجْلِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَاءَ مُوسَى يَطْلُبُهَا؛ فَلَمَّا رَأَوْهُ عُرْيَانًا لَيْسَ بِهِ شَيْءٌ مِمَّا قَالُوا، لَبَسَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الصَّخْرَةِ يَضْرِبُهَا بِعَصَاهُ، فَأَثَّرَتِ الْعَصَا فِي الصَّخْرَةِ»
١٩ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عِبَادَةَ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا﴾ [الأحزاب: ٦٩] . . . الْآيَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا، لَا يَكَادُ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالُوا: مَا تُسَتِّرُ هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ فِي جِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ ⦗١٩٣⦘ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَوَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى حَجَرٍ، ثُمَّ اغْتَسَلَ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى ثَوْبِهِ لِيَأْخُذَهُ، وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَا وَطَلَبَ الْحَجَرَ، وَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حُجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا كَأَحْسَنِ النَّاسِ خَلْقًا، وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَإِنَّ الْحَجَرَ قَامَ، فَأَخَذَ ثَوْبَهُ وَلَبِسَهُ، فَطَفِقَ بِالْحَجَرِ ضَرْبًا بِذَلِكَ، فَوَاللَّهِ إِنَّ فِي الْحَجَرِ لَنَدَبًا مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا»
١٩ ‏/ ١٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كَانَ مُوسَى رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا» ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوًا مِنْهُ
١٩ ‏/ ١٩٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَ الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانُوا يَغْتَسِلُونَ وَهُمْ عُرَاةٌ، وَكَانَ نَبِيُّ اللَّهِ مُوسَى حَيِيًّا، فَكَانَ يَتَسَتَّرُ إِذَا اغْتَسَلَ، فَطَعَنُوا فِيهِ بِعَوْرَةٍ»، قَالَ: «فَبَيْنَا نَبِيُّ اللَّهِ يَغْتَسِلُ يَوْمًا، إِذْ وَضَعَ ثِيَابَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، فَانْطَلَقَتِ الصَّخْرَةُ وَأَتْبَعَهَا نَبِيُّ اللَّهِ ضَرْبًا بِعَصَاهُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَوْ تَوَسَّطَهُمْ، فَقَامَتْ، فَأَخَذَ نَبِيُّ اللَّهِ ⦗١٩٤⦘ ثِيَابَهُ، فَنَظَرُوا إِلَى أَحْسَنِ النَّاسِ خَلْقًا، وَأَعْدَلِهِ مُرُوءَةً، فَقَالَ الْمَلَأُ: قَاتَلَ اللَّهُ أَفَّاكِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَكَانَتْ بَرَاءَتَهُ الَّتِي بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ أَذَاهُمْ إِيَّاهُ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْلَ هَارُونَ أَخِيهِ
١٩ ‏/ ١٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا عَبَّادٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾ [الأحزاب: ٦٩] . . . الْآيَةَ، قَالَ: «صَعِدَ مُوسَى وَهَارُونُ الْجَبَلَ، فَمَاتَ هَارُونُ، فَقَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ: أَنْتَ قَتَلْتَهُ، وَكَانَ أَشَدَّ حُبًّا لَنَا مِنْكَ، وَأَلْيَنَ لَنَا مِنْكَ، فَآذَوهُ بِذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَحَمَلَتْهُ حَتَّى مُرُّوا بِهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَتَكَلَّمَتِ الْمَلَائِكَةُ بِمَوْتِهِ، حَتَّى عَرَفَ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَانْطَلَقُوا بِهِ فَدَفَنُوهُ، فَلَمْ يَطْلُعْ عَلَى قَبْرِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلَقِ اللَّهِ إِلَّا الرَّخَمَ، فَجَعَلَهُ اللَّهُ أَصَمَّ أَبْكَمَ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ آذَوْا نَبِيَّ اللَّهِ بِبَعْضِ ⦗١٩٥⦘ مَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُؤْذَى بِهِ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا آذَوْهُ بِهِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ قِيلَهُمْ إِنَّهُ أَبْرَصُ، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ ادِّعَاءَهُمْ عَلَيْهِ قَتْلَ أَخِيهِ هَارُونَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ كُلَّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ آذَوْهُ بِهِ، وَلَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِمَّا قَالَ اللَّهُ إِنَّهُمْ آذَوْا مُوسَى، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا
١٩ ‏/ ١٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، اتَّقُوا اللَّهَ أَنْ تَعْصُوهُ، فَتَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ عُقُوبَتَهُ
١٩ ‏/ ١٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] يَقُولُ: قُولُوا فِي رَسُولِ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَوْلًا قَاصِدًا غَيْرَ جَائِزٍ، حَقًّا غَيْرَ بَاطِلٍ
١٩ ‏/ ١٩٥
كَمَا: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] يَقُولُ: سِدَادًا “
١٩ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا عَنْبَسَةُ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] قَالَ: «صِدْقًا»
١٩ ‏/ ١٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] «أَيْ عَدْلًا»، قَالَ قَتَادَةُ: «يَعْنِي بِهِ فِي مَنْطِقِهِ وَفِي عَمَلِهِ كُلِّهِ، وَالسَّدِيدُ: الصِّدْقُ»
١٩ ‏/ ١٩٦
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ٧٠] «قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ»
١٩ ‏/ ١٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٧١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا السَّدَادَ مِنَ الْقَوْلِ يُوَفِّقْكُمْ لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، فَيُصْلِحْ أَعْمَالَكُمْ ﴿وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [آل عمران: ٣١] يَقُولُ: وَيَعْفُ لَكُمْ عَنْ ذُنُوبَكُمْ، فَلَا يُعَاقِبُكُمْ عَلَيْهَا ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [النساء: ١٣] فَيَعْمَلُ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَاهُ، وَيَقُلِ السَّدِيدَ ﴿فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧١] يَقُولُ: فَقَدْ ظَفَرَ بِالْكَرَامَةِ الْعُظْمَى مِنَ اللَّهِ
١٩ ‏/ ١٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ طَاعَتَهُ وَفَرَائِضَهُ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ عَلَى أَنَّهَا إِنَّ أَحْسَنَتْ أُثِيبَتْ وَجُوزِيَتْ، وَإِنْ ضَيَّعَتْ عُوقِبَتْ، فَأَبَتْ حَمْلَهَا شَفَقًا مِنْهَا أَنْ لَا تَقُومَ بِالْوَاجِبِ عَلَيْهَا، وَحَمَلَهَا آدَمُ ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] لِنَفْسِهِ ﴿جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] بِالَّذِي فِيهِ الْحَظُّ لَهُ
١٩ ‏/ ١٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ قَالَ: «الْأَمَانَةُ: الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ»
١٩ ‏/ ١٩٧
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا﴾ قَالَ: «الْأَمَانَةُ: الْفَرَائِضُ الَّتِي افْتَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ»
١٩ ‏/ ١٩٧
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، وَجُوَيْبِرٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ [الأحزاب: ٧٢] . . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] قَالَ: «الْأَمَانَةُ: الْفَرَائِضُ» قَالَ جُوَيْبِرٌ فِي حَدِيثِهِ: فَلَمَّا عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ وَمَا الْأَمَانَةُ؟ قَالَ: قِيلَ: إِنْ أَدَّيْتَهَا جُزِيتَ، وَإِنْ ضَيَّعْتَهَا عُوقِبْتَ، قَالَ: أَيْ رَبِّ حَمَلْتُهَا بِمَا فِيهَا، قَالَ: فَمَا مَكَثَ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْرِ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَتَّى عَمِلَ بِالْمَعْصِيَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْهَا “
١٩ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ [الأحزاب: ٧٢] قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: خُذْهَا بِمَا فِيهَا، فَإِنْ أَطَعْتَ غَفَرْتُ لَكَ، وَإِنْ عَصِيتَ عَذَّبْتُكَ، قَالَ: قَدْ قَبِلْتُ، فَمَا كَانَ إِلَّا قَدْرَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى أَصَابَ الْخَطِيئَةَ»
١٩ ‏/ ١٩٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ «إِنْ أَدَّوْهَا أَثَابَهُمْ، وَإِنْ ضَيَّعُوهَا عَذَّبَهُمْ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ، وَأَشْفَقُوا مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَلَكِنْ تَعْظِيمًا لِدَيْنِ اللَّهِ أَنْ لَا يَقُومُوا بِهَا، ثُمَّ عَرْضَهَا عَلَى آدَمَ، فَقَبِلَهَا بِمَا فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] غُرًّا بِأَمْرِ اللَّهِ»
١٩ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ [الأحزاب: ٧٢] ” الطَّاعَةَ عَرْضَهَا عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى آدَمَ، فَلَمْ تَطِقْهَا، فَقَالَ لِآدَمَ: يَا آدَمُ إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَلَمْ تَطِقْهَا، فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهَا بِمَا فِيهَا؟ فَقَالَ: يَا رَبِّ: وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ، فَأَخَذَهَا آدَمُ فَتَحَمَّلَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]
١٩ ‏/ ١٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ «قَالَ آدَمُ: قِيلَ لَهُ: خُذْهَا بِحَقِّهَا، قَالَ: وَمَا حَقُّهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ، فَمَا لَبِثَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ حَتَّى أُخْرِجَ مِنْهَا»
١٩ ‏/ ١٩٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ «فَلَمْ يَطِقْنَ حَمْلَهَا، فَهَلْ أَنْتَ يَا آدَمُ آخِذُهَا بِمَا فِيهَا، قَالَ آدَمُ: وَمَا فِيهَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُزِيتَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عُوقِبْتَ، فَقَالَ: تَحَمَّلْتُهَا، فَقَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: قَدْ حَمَّلْتُكَهَا؛ فَمَا مَكَثَ آدَمُ إِلَّا مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الْأُولَى إِلَى الْعَصْرِ حَتَّى أَخْرَجَهُ إِبْلِيسُ لَعَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ؛ وَالْأَمَانَةُ: الطَّاعَةُ»
١٩ ‏/ ١٩٩
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ، قَالَ: ثنا بَقِيَّةُ، قَالَ: ثني عِيسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِنَّ الْأَمَانَةَ وَالْوَفَاءُ نُزُلًا عَلَى ابْنِ آدَمَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، فَأُرْسِلُوا بِهِ، فَمِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ، وَمِنْهُمْ نَبِيٌّ رَسُولٌ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، وَنَزَلَتِ الْعَرَبِيَّةُ وَالْعَجَمِيَّةُ، فَعَلِمُوا أَمْرَ الْقُرْآنِ، وَعَلِمُوا أَمْرَ السُّنَنِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَلَمْ يَدَعِ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ مِمَّا يَأْتُونَ وَمِمَّا يَجْتَنِبُونَ، وَهِيَ الْحُجَجُ عَلَيْهِمْ، إِلَّا بَيِّنَةً لَهُمْ، فَلَيْسَ أَهْلَ لِسَانٍ إِلَّا وَهُمْ يَعْرِفُونَ الْحَسَنَ مِنَ الْقَبِيحِ ثُمَّ الْأَمَانَةُ أَوَّلُ شَيْءٍ يُرْفَعُ، وَيَبْقَى أَثَرُهَا فِي جُذُورِ قُلُوبِ النَّاسِ، ثُمَّ يَرْفَعُ الْوَفَاءَ وَالْعَهْدَ وَالذِّمَمَ، وَتَبْقَى الْكُتُبُ، فَعَالِمٌ يَعْمَلُ، وَجَاهِلٌ يَعْرِفُهَا وَيُنْكِرُهَا حَتَّى وَصَلَ إِلَيَّ وَإِلَى أُمَّتِي، فَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ، وَلَا يَغْفَلُهُ إِلَّا تَارِكٌ، وَالْحَذَرُ أَيُّهَا
١٩ ‏/ ١٩٩
النَّاسُ، وَإِيَّاكُمْ وَالْوِسْوَاسَ الْخَنَّاسَ، وَإِنَّمَا يَبْلُوكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا “
١٩ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: ثنا الْعَوَّامُ الْعَطَّارُ، قَالَ: ثنا قَتَادَةُ، وَأَبَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ خُلَيْدٍ الْعَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ مِنْ مَالِهِ طَيِّبَ النَّفْسِ بِهَا» وَكَانَ يَقُولُ: «وَايْمُ اللَّهِ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ» قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ: وَمَا الْأَمَانَةُ؟ قَالَ: الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمَنِ ابْنَ آدَمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دِينِهِ غَيْرَهُ “
١٩ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «مِنَ الْأَمَانَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ، اؤْتُمِنَتْ عَلَى فَرْجِهَا»
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّا ⦗٢٠١⦘ عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الْأَمَانَةَ أَنْ يَفْتَرِضَ عَلَيْهِنَّ الدِّينَ، وَيَجْعَلَ لَهُنَّ ثَوَابًا وَعِقَابًا، وَيَسْتَأْمِنَهُنَّ عَلَى الدِّينِ، فَقُلْنَ: لَا، نَحْنُ مُسَخَّرَاتٌ لِأَمْرِكَ، لَا نُرِيدُ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَعَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي»؛ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: أَمَا إِذْ تَحَمَّلْتَ هَذَا فَسَأُعِيِنُكَ، أَجْعَلْ لِبَصَرِكَ حِجَابًا، فَإِذَا خَشِيتَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ، فَأَرْخِ عَلَيْهِ حِجَابَهُ، وَاجْعَلْ لِلِسَانِكَ بَابًا وَغَلَقًا، فَإِذَا خَشِيتَ فَأَغْلِقْ، وَاجْعَلْ لِفَرْجِكَ لِبَاسًا، فَلَا تَكْشِفُهُ إِلَّا عَلَى مَا أَحْلَلْتُ لَكَ “
١٩ ‏/ ٢٠٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ «يَعْنِي بِهِ: الدِّينَ وَالْفَرَائِضَ وَالْحُدُودَ ﴿فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾ [الأحزاب: ٧٢] قِيلَ لَهُنَّ: احْمِلْنَهَا تُؤَدِّينَ حَقَّهَا، فَقُلْنَ: لَا نَطِيقُ ذَلِكَ ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] قِيلَ لَهُ: أَتَحَمِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: أَتُؤَدِّي حَقَّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ اللَّهُ: إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا عَنْ حَقِّهَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أَمَانَاتِ النَّاسِ
١٩ ‏/ ٢٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ⦗٢٠٢⦘ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ كُلَّهَا أَوْ قَالَ: يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْأَمَانَةَ؛ يُؤْتَى بِصَاحِبِ الْأَمَانَةِ، فَيُقَالُ لَهُ: أَدِّ أَمَانَتَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا، ثَلَاثًا؛ فَيُقَالُ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ، فَيُذْهَبُ بِهِ إِلَيْهَا، فَيَهْوِي فِيهَا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى قَعْرِهَا، فَيَجِدُهَا هُنَاكَ كَهَيْئَتِهَا، فَيَحْمِلَهَا، فَيَضَعُهَا عَلَى عَاتِقِهِ، فَيَصْعَدُ بِهَا إِلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ، حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ زَلَّتْ، فَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ» قَالُوا: وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ، وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ؛ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ ” فَلَقِيتُ الْبَرَاءَ فَقُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ عَبْدُ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «صَدَقَ» قَالَ شَرِيكٌ، وثني عَيَّاشٌ الْعَامِرِيُّ عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَمَانَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ
١٩ ‏/ ٢٠١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَرَضَ الْأَمَانَةَ عَلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَأَبَتْ؛ ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ الْأَرَضِينَ ثُمَّ الْجِبَالَ، ثُمَّ عَرَضَهَا عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، بَيْنَ أُذُنِي وَعَاتِقِي فَثَلَاثٌ آمُرُكَ بِهِنَّ، فَإِنَّهُنَّ لَكَ عَوْنٌ: إِنِّي جَعَلْتُ لَكَ لِسَانًا بَيْنَ لِحْيَيْنِ، فَكُفَّهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ نَهَيْتُكَ عَنْهُ؛ ⦗٢٠٣⦘ وَجَعَلْتُ لَكَ فَرْجًا وَوَارَيْتُهُ، فَلَا تَكْشِفْهُ إِلَى مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ إِنَّمَا عَنَى بِهِ ائْتِمَانَ آدَمَ ابْنَهُ قَابِيلَ عَلَى أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، وَخِيَانَةَ قَابِيلَ أَبَاهُ فِي قَتْلِهِ أَخَاهُ
١٩ ‏/ ٢٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ هَارُونَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ مُرَّةَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَنْ نَاسٍ، مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «كَانَ لَا يُولَدُ لِآدَمَ مَوْلُودٌ إِلَّا وُلِدَ مَعَهُ جَارِيَةٌ، فَكَانَ يُزَوِّجُ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَيُزَوَّجُ جَارِيَةَ هَذَا الْبَطْنِ غُلَامَ هَذَا الْبَطْنِ الْآخَرِ، حَتَّى وُلِدَ لَهُ اثْنَانِ، يُقَالُ لَهُمَا قَابِيلُ، وَهَابِيلُ؛ وَكَانَ قَابِيلُ صَاحِبَ زَرْعٍ، وَكَانَ هَابِيلُ صَاحِبَ ضَرْعٍ، وَكَانَ قَابِيلُ أَكْبَرَهُمَا، وَكَانَ لَهُ أُخْتٌ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِ هَابِيلَ، وَإِنَّ هَابِيلَ طَلَبَ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَ قَابِيلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ أُخْتِي وُلِدَتْ مَعِي، وَهِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِكَ، وَأَنَا أَحَقُّ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، فَأَمَرَهُ أَبُوهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا هَابِيلَ فَأَبَى، وَإِنَّهُمَا قَرَّبَا قُرْبَانًا إِلَى اللَّهِ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْجَارِيَةِ، وَكَانَ آدَمُ يَوْمَئِذٍ قَدْ غَابَ عَنْهُمَا، أَيْ بِمَكَّةَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، قَالَ اللَّهُ لِآدَمَ: يَا آدَمُ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ لِيَ بَيْتًا فِي الْأَرْضِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: إِنَّ لِي بَيْتًا بِمَكَّةَ فَأْتِهِ، فَقَالَ آدَمُ لِلسَّمَاءِ: احْفَظِي ⦗٢٠٤⦘ وَلَدِي بِالْأَمَانَةِ، فَأَبَتْ؛ وَقَالَ لِلْأَرْضِ، فَأَبَتْ؛ فَقَالَ لِلْجِبَالِ، فَأَبَتْ؛ فَقَالَ لِقَابِيلَ، فَقَالَ: نَعَمْ، تَذْهَبُ وَتَرْجِعُ وَتَجِدُ أَهْلَكَ كَمَا يَسُرُّكَ؛ فَلَمَّا انْطَلَقَ آدَمُ وَقَرَّبَا قُرْبَانًا، وَكَانَ قَابِيلُ يَفْخَرُ عَلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا مِنْكَ، هِيَ أُخْتِي، وَأَنَا أَكْبَرُ مِنْكَ، وَأَنَا وَصِيُّ وَالِدِي؛ فَلَمَّا قَرَّبَا، قَرَّبَ هَابِيلُ جَذَعَةً سَمِينَةً، وَقَرَّبَ قَابِيلُ حِزْمَةَ سُنْبُلٍ، فَوَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً عَظِيمَةً، فَفَرَكَهَا فَأَكَلَهَا، فَنَزَلَتِ النَّارَ فَأَكَلَتْ قُرْبَانَ هَابِيلَ، وَتَرَكَتْ قُرْبَانَ قَابِيلَ، فَغَضِبَ وَقَالَ: لَأَقْتُلَنَّكَ حَتَّى لَا تَنْكِحَ أُخْتِي، فَقَالَ هَابِيلُ ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٌ يَدِي إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٨] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: ٣٠] فَطَلَبَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَرَاغَ الْغُلَامُ مِنْهُ فِي رُؤُوسِ الْجِبَالَ؛ وَأَتَاهُ يَوْمًا مِنَ الْأَيَّامِ، وَهُوَ يَرْعَى غَنَمَهُ فِي جَبَلٍ، وَهُوَ نَائِمٌ، فَرَفَعَ صَخْرَةً، فَشَدَخَ بِهَا رَأْسَهُ، فَمَاتَ، وَتَرَكَهُ بِالْعَرَاءِ، وَلَا يَعْلَمُ كَيْفَ يُدْفَنْ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ، ثُمَّ حَثَا عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ﴿يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِي سَوْأَةَ أَخِي﴾ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ﴾ فَرَجَعَ آدَمُ فَوَجَدَ ابْنَهُ قَدْ قَتَلَ أَخَاهُ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ . . . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ عَنَى بِالْأَمَانَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: جَمِيعَ مَعَانِي الْأَمَانَاتِ فِي الدِّينِ، وَأَمَانَاتِ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخُصَّ ⦗٢٠٥⦘ بِقَوْلِهِ: ﴿عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ﴾ [الأحزاب: ٧٢] بَعْضَ مَعَانِي الْأَمَانَاتِ لِمَا وَصَفْنَا وَبِنَحْوِ قَوْلِنَا: قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]
١٩ ‏/ ٢٠٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ: ثنا عَمْرٌو، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] «يَعْنِي قَابِيلَ حِينَ حَمَلَ أَمَانَةَ آدَمَ لَمْ يَحْفَظْ لَهُ أَهْلَهُ»
١٩ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [الأحزاب: ٧٢] «قَالَ آدَمُ ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] قَالَ: ظَلُومًا لِنَفْسِهِ، جَهُولًا فِيمَا احْتَمَلَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ»
١٩ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] «غُرَّ بِأَمْرِ اللَّهِ»
١٩ ‏/ ٢٠٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] قَالَ: «ظَلُومًا لَهَا، يَعْنِي لِلْأَمَانَةِ، جَهُولًا عَنْ حَقِّهَا»
١٩ ‏/ ٢٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحَمَّلَ الْإِنْسَانَ الْأَمَانَةَ كَيْمَا يُعَذَّبُ اللَّهَ الْمُنَافِقِينَ فِيهَا
١٩ ‏/ ٢٠٥
الَّذِينَ يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يُؤَدُّونَ فَرَائِضَ اللَّهِ، مُؤْمِنِينَ بِهَا، وَهُمْ مُسْتَسِرُّونَ الْكُفْرَ بِهَا، ﴿وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [الأحزاب: ٧٣] بِاللَّهِ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، ﴿وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] يَرْجِعُ بِهِمْ إِلَى طَاعَتِهِ، وَأَدَاءَ الْأَمَانَاتِ الَّتِي أَلْزَمَهُمْ إِيَّاهَا حَتَّى يُؤَدُّوهَا ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا﴾ [النساء: ٩٦] لِذُنُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، بِسِتْرِهِ عَلَيْهَا، وَتَرْكِهِ عِقَابَهُمْ عَلَيْهَا ﴿رَحِيمًا﴾ [النساء: ١٦] أَنْ يُعَذِّبَهُمُ عَلَيْهَا بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ٢٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ﴾ حَتَّى يَنْتَهِي ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] فَيَقُولُ: «اللَّذَانِ خَانَاهَا، اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا: الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ»
١٩ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب: ٧٣] ” هَذَانِ اللَّذَانِ خَانَاهَا، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، هَذَانِ اللَّذَانِ أَدَّيَاهَا ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٩٦]
١٩ ‏/ ٢٠٦

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …