سُورَةُ الْأَحْزَابِ 2

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩]⦗٥٢⦘ فِي الْغَنِيمَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَصَفَهُمْ بِالشُّحِّ عَلَيْهِمْ بِالْخَيْرِ.
١٩ ‏/ ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] قَالَ: بِالْخَيْرِ، الْمُنَافِقُونَ». وَقَالَ غَيْرُهُ: مَعْنَاهُ: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ بِالنَّفَقَةِ عَلَى ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ بِالْجُبْنِ وَالشُّحِّ، وَلَمْ يُخَصِّصْ وَصْفَهُمْ مِنْ مَعَانِي الشُّحِّ، بِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، فَهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ أَشِحَّةً عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْغَنِيمَةِ وَالْخَيْرِ وَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَلَى أَهْلِ مَسْكَنَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَنُصِبَ قَوْلُهُ ﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] عَلَى الْحَالِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْمِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ﴾ [الأحزاب: ١٨]، كَأَنَّهُ قِيلَ: هُمْ جُبَنَاءُ عِنْدَ الْبَأْسِ، أَشِحَّاءُ عِنْدَ قَسَمِ الْغَنِيمَةِ بِالْغَنِيمَةِ. وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٨] فَيَكُونَ تَأْوِيلُهُ: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يُعَوِّقُونَ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ، وَيَشُحُّونَ عِنْدَ الْفَتْحِ بِالْغَنِيمَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا قَطْعًا مِنْ قَوْلِهِ: ﴿هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ [الأحزاب: ١٨] أَشِحَّةً، وَهُمْ هَكَذَا أَشِحَّةٌ. وَوَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَصَفُّهُمْ مِنَ الشُّحِّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ لَهُمْ
١٩ ‏/ ٥٢
مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالضِّغْنِ. كَمَا:
١٩ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] أَيْ لِلضِّغْنِ الَّذِي فِي أَنْفُسِهِمْ»
١٩ ‏/ ٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ﴾ [الأحزاب: ١٩] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا حَضَرَ الْبَأْسُ، وَجَاءَ الْقِتَالُ، خَافُوا الْهَلَاكَ وَالْقَتْلَ، رَأَيْتَهُمْ يَا مُحَمَّدُ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ لِوَاذًا بِكَ، تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ، خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ، وَفِرَارًا مِنْهُ. ﴿كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩] يَقُولُ: كَدَوَرَانِ عَيْنِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ النَّازِلِ بِهِ ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ﴾ [الأحزاب: ١٩] يَقُولُ: فَإِذَا انْقَطَعَتِ الْحَرْبُ وَاطْمَأَنُّوا ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] مِنَ الْخَوْفِ»
١٩ ‏/ ٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ «﴿فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾ [الأحزاب: ١٩] أَيْ إِعْظَامًا وَفَرَقًا مِنْهُ». ⦗٥٤⦘ وَأَمَّا قَوْلُهُ ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] فَإِنَّهُ يَقُولُ: عَضُّوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ ذَرِبَةٍ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ الْخَطِيبِ الذَّرِبِ اللِّسَانِ: خَطِيبٌ مِسْلَقٌ وَمِصْلَقٌ، وَخَطِيبٌ سَلَّاقٌ وَصَلَّاقٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ سَلْقُهُمْ إِيَّاهُمْ عِنْدَ الْغَنِيمَةِ بِمَسْأَلَتِهِمُ الْقَسَمَ لَهُمْ.
١٩ ‏/ ٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] أَمَّا عِنْدَ الْغَنِيمَةِ، فَأَشَحُّ قَوْمٍ، وَأَسْوَأُ مُقَاسَمَةٍ: أَعْطُونَا أَعْطُونَا، فَإِنَّا قَدْ شَهِدْنَا مَعَكُمْ. وَأَمَّا عِنْدَ الْبَأْسِ فَأَجْبَنُ قَوْمٍ، وَأَخْذَلُهُ لِلْحَقِّ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ سَلْقُهُمْ إِيَّاهُمْ بِالْأَذَى
١٩ ‏/ ٥٤
ذُكِرَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ «﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] قَالَ: اسْتَقْبَلُوكُمْ»
١٩ ‏/ ٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ «﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] قَالَ: كَلَّمُوكُمْ». ⦗٥٥⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَنَّهُمْ يَسْلُقُونَهُمْ مِنَ الْقَوْلِ بِمَا تُحِبُّونَ نِفَاقًا مِنْهُمْ.
١٩ ‏/ ٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] فِي الْقَوْلِ بِمَا تُحِبُّونَ، لِأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ آخِرَةً، وَلَا تَحْمِلُهُمْ حِسْبَةٌ، فَهُمْ يَهَابُونَ الْمَوْتَ هَيْبَةَ مَنْ لَا يَرْجُو مَا بَعْدَهُ». وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ [الأحزاب: ١٩] فَأَخْبَرَ أَنَّ سَلْقَهُمُ الْمُسْلِمِينَ شُحًّا مِنْهُمْ عَلَى الْغَنِيمَةِ وَالْخَيْرِ، فَمَعْلُومٌ إِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، أَنَّ ذَلِكَ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِطَلَبِ الْغَنِيمَةِ، دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: سَلَقُوكُمْ بِالْأَذَى، لِأَنَّ فِعْلَهُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَا شَكَّ أَنَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَذًى.
١٩ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ﴾ [الأحزاب: ١٩] يَقُولُ: أَشِحَّةً عَلَى الْغَنِيمَةِ، إِذَا ظَفَرَ الْمُؤْمِنُونَ
١٩ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفْتُ لَكَ صِفَتَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ لَمْ يَصْدُقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ. ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [الأحزاب: ١٩] يَقُولُ: فَأَذْهَبَ اللَّهُ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ وَأَبْطَلَهَا. وَذُكِرَ أَنَّ الَّذِيَ وُصِفَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ بَدْرِيًّا، فَأَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ.
١٩ ‏/ ٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ١٩] قَالَ: فَحَدَّثني أَبِي أَنَّهُ كَانَ ⦗٥٦⦘ بَدْرِيًّا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أَحْبَطَ اللَّهُ عَمَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ “
١٩ ‏/ ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ إِحْبَاطُ عَمَلِهِمُ الَّذِي كَانُوا عَمِلُوا قَبْلَ ارْتِدَادِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا.
١٩ ‏/ ٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا، وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ، وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَحْسِبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ الْأَحْزَابَ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ. كَمَا:
١٩ ‏/ ٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿يَحْسِبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ [الأحزاب: ٢٠] قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ»
١٩ ‏/ ٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَمْ يَذْهَبُوا﴾ [النور: ٦٢] يَقُولُ: لَمْ يَنْصَرِفُوا، وَإِنْ كَانُوا قَدِ انْصَرَفُوا جُبْنًا وَهَلَعًا مِنْهُمْ، وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا﴾ [الأحزاب: ٢٠] قَالَ: يَحْسَبُونَهُمْ قَرِيبًا». وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (يَحْسِبُونَ الْأَحْزَابَ قَدْ ذَهَبُوا، فَإِذَا ⦗٥٧⦘ وَجَدُوهُمْ لَمْ يَذْهَبُوا وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ)
١٩ ‏/ ٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ [الأحزاب: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنْ يَأْتِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْزَابُ وَهُمُ الْجَمَاعَةُ: وَاحِدُهُمْ حِزْبٌ ﴿يَوَدُّوا﴾ [الأحزاب: ٢٠] يَقُولُ: يَتَمَنَّوْا مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُبْنِ أَنَّهُمْ غُيَّبٌ عَنْكُمْ فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الْأَعْرَابِ خَوْفًا مِنَ الْقَتْلِ. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ﴾ [الأحزاب: ٢٠] تَقُولُ: قَدْ بَدَا فُلَانٌ إِذَا صَارَ فِي الْبَدْوِ فَهُوَ يَبْدُو، وَهُوَ بَادٍ؛ وَأَمَّا الْأَعْرَابُ: فَإِنَّهُمْ جَمْعُ أَعْرَابِيٍّ، وَوَاحِدُ الْعَرَبِ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّمَا قِيلَ أَعْرَابِيٌّ لِأَهْلِ الْبَدْوِ، فَرْقًا بَيْنَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَالْأَمْصَارِ، فَجَعَلَ الْأَعْرَابَ لِأَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَالْعَرَبَ لِأَهْلِ الْمِصْرِ.
١٩ ‏/ ٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٠] يَقُولُ: يَسْتَخْبِرُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النَّاسَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ، يَعْنِي عَنْ أَخْبَارِكُمْ بِالْبَادِيَةِ، هَلْ هَلَكَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ؟ نَقُولُ: يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَسْمَعُوا أَخْبَارَكُمْ بِهَلَاكِكُمْ، أَنْ لَا يَشْهَدُوا مَعَكُمْ مَشَاهِدَكُمْ. ﴿وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ: وَلَوْ كَانُوا أَيْضًا فِيكُمْ مَا نَفَعُوكُمْ، وَمَا قَاتَلُوا الْمُشْرِكِينَ إِلَّا قَلِيلًا. يَقُولُ: إِلَّا تَعْذِيرًا، لِأَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَهُمْ حِسْبَةً وَلَا رَجَاءَ ثَوَابٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٥٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ «﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٠] قَالَ: أَخْبَارِكُمْ». وَقَرَأَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ جَمِيعًا سِوَى عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ: ﴿يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٠] بِمَعْنَى: يَسْأَلُونَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّاسِ عَنْ أَنْبَاءِ عَسْكَرِكُمْ وَأَخْبَارِكُمْ، وَذُكِرَ عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ: (يَسَّاءَلُونَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ، بِمَعْنَى: يَتَسَاءَلُونَ: أَيْ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ ذَلِكَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ.
١٩ ‏/ ٥٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أُسْوَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (إِسْوَةٌ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ، خَلَا عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالضَّمِّ: ﴿أُسْوَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] وَكَانَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ يَقْرَأُ هَذِهِ بِالْكَسْرِ، وَيَقْرَأُ قَوْلَهُ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ﴾ [الممتحنة: ٦] بِالضَّمِّ، وَهُمَا لُغَتَانِ. وَذُكِرَ أَنَّ الْكَسْرَ فِي أَهْلِ
١٩ ‏/ ٥٨
الْحِجَازِ، وَالضَّمَّ فِي قَيْسٍ. يَقُولُونَ: أُسْوَةٌ، وَأُخْوَةٌ. وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَسْكَرِهِ بِالْمَدِينَةِ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ. يَقُولُ لَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، أَنْ تَتَأَسَّوْا بِهِ، وَتَكُونُوا مَعَهُ حَيْثُ كَانَ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُ. ﴿لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٢١] يَقُولُ: فَإِنَّ مَنْ يَرْجُو ثَوَابَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ فِي الْآخِرَةِ لَا يَرْغَبُ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ تَكُونُ لَهُ بِهِ أُسْوَةٌ فِي أَنْ يَكُونَ مَعَهُ حَيْثُ يَكُونُ هُوَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ [الأحزاب: ٢١] أَنْ لَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ مَكَانٍ هُوَ بِهِ ﴿وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢١] يَقُولُ: وَأَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ فِي الْخَوْفِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ»
١٩ ‏/ ٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾ [الأحزاب: ٢٢] يَقُولُ: وَلَمَّا عَايَنَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ جَمَاعَاتِ الْكُفَّارِ قَالُوا تَسْلِيمًا مِنْهُمْ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَإِيقَانًا مِنْهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنْجَازُ وَعْدِهِ لَهُمُ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مِثْلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٤] إِلَى قَوْلِهِ ﴿قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ١٨٦] هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ مِنْ يَقِينِهِمْ، وَتَسْلِيمِهِمْ لَأَمْرِهِ الثَّنَاءَ، فَقَالَ: وَمَا زَادَهُمُ اجْتِمَاعُ الْأَحْزَابِ عَلَيْهِمْ إِلَّا إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَسْلِيمًا لِقَضَائِهِ وَأَمْرِهِ، وَرَزَقَهُمْ بِهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ﴾ [الأحزاب: ٢٢] الْآيَةَ قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٢١٤] . . إِلَى قَوْلِهِ ﴿إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤] قَالَ: فَلَمَّا مَسَّهُمُ الْبَلَاءُ حَيْثُ رَابَطُوا الْأَحْزَابَ فِي الْخَنْدَقِ، تَأَوَّلَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، وَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا»
١٩ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، قَالَ: «ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤْمِنِينَ وَصِدْقَهُمْ وَتَصْدِيقَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْبَلَاءِ يَخْتَبِرُهُمْ بِهِ: ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢] أَيْ صَبْرًا عَلَى الْبَلَاءِ، وَتَسْلِيمًا لِلْقَضَاءِ، وَتَصْدِيقًا بِتَحْقِيقِ مَا كَانَ اللَّهُ وَعَدَهُمْ وَرَسُولُهُ»
١٩ ‏/ ٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ [الأحزاب: ٢٢] وَكَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَهُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مِثْلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ [البقرة: ٢١٤] خَيْرُهُمْ وَأَصْبَرُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ، أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: ٢١٤] هَذَا وَاللَّهِ الْبَلَاءُ وَالنَّقْصُ الشَّدِيدُ، وَإِنَّ أَصْحَابَ ⦗٦١⦘ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمَّا رَأَوْا مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْبَلَاءِ ﴿قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٢] وَتَصْدِيقًا بِمَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ، وَتَسْلِيمًا لِقَضَاءِ اللَّهِ»
١٩ ‏/ ٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ، وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا. لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ، وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء: ٩٥] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] يَقُولُ: أَوْفَوْا بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَحِينَ الْبَأْسِ ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] يَقُولُ: فَمِنْهُمْ مِنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي كَانَ نَذَرَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَاسْتُشْهِدَ بَعْضٌ يَوْمَ بَدْرٍ وَبَعْضٌ يَوْمَ أُحُدٍ وَبَعْضٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاطِنِ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَضَاءَهُ وَالْفَرَاغَ مِنْهُ، كَمَا قَضَى مَنْ مَضَى مِنْهُمْ عَلَى الْوَفَاءِ لِلَّهِ بِعَهْدِهِ، وَالنَّصْرَ مِنَ اللَّهِ، وَالظُّفَرَ عَلَى عَدُوِّهِ. وَالنَّحْبُ: النَّذْرُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَلِلنَّحْبِ أَيْضًا فِي كَلَامِهِمْ وجُوهٌ غَيْرُ ذَلِكَ، مِنْهَا الْمَوْتُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] قَضَى نَحْبَهُ فِي مُلْتَقَى الْقَوْمِ هَوْبَرُ
١٩ ‏/ ٦١
يَعْنِي: مَنِيَّتَهُ وَنَفْسَهُ؛ وَمِنْهَا الْخَطَرُ الْعَظِيمُ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
[البحر الطويل] بِطَخْفَةَ جَالَدْنَا الْمُلُوكَ وَخَيْلُنَا … عَشِيَّةَ بِسْطَامٍ جَرَيْنَ عَلَى نَحْبِ
أَيْ عَلَى خَطَرٍ عَظِيمٍ؛ وَمِنْهَا النَّحِيبُ، يُقَالُ: نَحَبَ فِي سَيْرِهِ يَوْمَهُ أَجْمَعَ: إِذَا مَدَّ فَلَمْ يَنْزِلْ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ؛ وَمِنْهَا التَّنْحِيبُ، وَهُوَ الْخَطَارُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] وَإِذْ نَحَّبَتْ كَلْبٌ عَلَى النَّاسِ أَيُّهُمْ … أَحَقُّ بِتَاجِ الْمَاجِدِ الْمُتَكَرِّمِ؟
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣] أَيْ وَفَّوُا اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] أَيْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ، كَمَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ أُحُدٍ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] مَا وَعَدَ اللَّهُ مِنْ نَصْرِهِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ»
١٩ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: عَهْدَهُ فَقُتِلَ أَوْ عَاشَ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣]⦗٦٣⦘ يَوْمًا فِيهِ جِهَادٌ، فَيَقْضِيَ نَحْبَهُ عَهْدَهُ، فَيُقْتَلُ أَوْ يَصْدُقُ فِي لِقَائِهِ»
١٩ ‏/ ٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: عَهْدَهُ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: يَوْمًا فِيهِ قِتَالٌ، فَيَصْدُقُ فِي اللِّقَاءِ»
١٩ ‏/ ٦٣
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: مَاتَ عَلَى الْعَهْدِ»
١٩ ‏/ ٦٣
قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُلَانٍ، قَدْ سَمَّاهُ، ذَهَبَ عَنِّي اسْمُهُ، عَنْ أَبِيهِ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: نَذْرَهُ»
١٩ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَمِّهِ، عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا، أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَسَأَلَهُ: مَنِ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَدَخَلَ طَلْحَةُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ: «هَذَا مِنَ الَّذِينَ قَضَوْا نَحْبَهُمْ»
١٩ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلَهُ «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: مَوْتُهُ عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ. ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ ⦗٦٤⦘ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] الْمَوْتُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ تَبْدِيلًا»
١٩ ‏/ ٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ قَالَ: النَّحْبُ: الْعَهْدُ»
١٩ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] عَلَى الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] مِنْ نَفْسِهِ الصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ»
١٩ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: مَاتَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] ذَلِكَ “
١٩ ‏/ ٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَاهُ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] قَالَ: الْمَوْتَ عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] الْمَوْتَ عَلَى مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ». وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ لَمْ يَشْهَدُوا بَدْرًا، فَعَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَفُوا قِتَالًا ⦗٦٥⦘ لِلْمُشْرِكِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى فَقَضَى نَحْبَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَدَّلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْفَى وَلَمْ يَقْضِ نَحْبَهُ، وَكَانَ مُنْتَظِرًا، عَلَى مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
١٩ ‏/ ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، لَئِنْ رَأَيْتُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَهُزِمَ النَّاسُ، لَقِيَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ، فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾ [الأحزاب: ٢٣]»
١٩ ‏/ ٦٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا حُمَيْدٌ، قَالَ: زَعَمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: «غَابَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرٍ عَنْ قِتَالِ يَوْمِ بَدْرٍ، فَقَالَ: غِبْتُ عَنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمُشْرِكِينَ، لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ؛ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ، فَمَشَى بِسَيْفِهِ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: أَيْ سَعْدُ، إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَوَجَدْنَاهُ بَيْنَ الْقَتْلَى بِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً، ⦗٦٦⦘ بَيْنَ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ، وَطَعْنَةٍ بِرُمْحٍ، وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ، فَمَا عَرَفْنَاهُ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ. قَالَ أَنَسٌ: فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] نَزَلَتْ فِيهِ، وَفِي أَصْحَابِهِ». حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدًا يُحَدِّثُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ غَابَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١٩ ‏/ ٦٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُوسَى، وَعِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَكَانُوا لَا يَجْرَءُونَ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، فَقَالُوا لِلْأَعْرَابِيِّ: سَلْهُ ﴿مَنْ قَضَى نَحْبَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٣] مَنْ هُوَ؟ فَسَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ دَخَلْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَعَلَيَّ ثِيَابٌ خُضْرٌ؛ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلِي عَمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ؟» قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «هَذَا مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ»
١٩ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى الطَّلْحِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، قَالَ: قَامَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ»
١٩ ‏/ ٦٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمَامٍ الْكَلْبِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَمِّهِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِيهِ طَلْحَةَ، قَالَ: لَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أُحُدٍ وَصِرْنَا بِالْمَدِينَةِ، صَعَدَ النَّبِيُّ ﷺ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ النَّاسَ وَعَزَّاهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [سورة: الأحزاب، آية رقم: ٢٣] . الْآيَةَ، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَالْتَفَتَ وَعَلَيَّ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، فَقَالَ: «أَيُّهَا السَّائِلُ، هَذَا مِنْهُمْ»
١٩ ‏/ ٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣] وَمَا غَيَّرُوا الْعَهْدَ الَّذِي عَاقَدُوا رَبَّهُمْ تَغْيِيرًا، كَمَا غَيَّرَهُ الْمُعَوِّقُونَ الْقَائِلُونَ لِإِخْوَانِهِمْ: هَلُمَّ إِلَيْنَا، وَالْقَائِلُونَ: إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٦٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣] يَقُولُ: مَا شَكَوْا وَمَا تَرَدَّدُوا فِي دِينِهِمْ، وَلَا اسْتَبْدَلُوا بِهِ غَيْرَهُ»
١٩ ‏/ ٦٧
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا ⦗٦٨⦘ بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٣] لَمْ يُغَيِّرُوا دِينَهُمْ كَمَا غَيَّرَ الْمُنَافِقُونَ»
١٩ ‏/ ٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]، ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤] يَقُولُ: لِيُثِيبَ اللَّهُ أَهْلَ الصِّدْقِ بِصِدْقِهِمُ اللَّهَ بِمَا عَاهَدُوهُ عَلَيْهِ، وَوَفَائِهِمْ لَهُ بِهِ ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ [الأحزاب: ٢٤] بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ وَنِفَاقِهِمْ ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [آل عمران: ١٢٨] مِنْ نِفَاقِهِمْ، فَيَهْدِيَهُمْ لِلْإِيمَانِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤] يَقُولُ: إِنْ شَاءَ أَخْرَجَهُمْ مِنَ النِّفَاقِ إِلَى الْإِيمَانِ». إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا وَجْهُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ٢٤] بِقَوْلِهِ: ﴿إِنْ شَاءَ﴾ [البقرة: ٧٠] وَالْمُنَافِقُ كَافِرٌ، وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَشَاءَ تَعْذِيبَ الْمُنَافِقِ، فَيُقَالُ: وَيُعَذِّبُهُ إِنْ شَاءَ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي تَوَهَّمْتَهُ. وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ: وَيُعَذِّبُ الْمُنَافِقِينَ بِأَنْ لَا يُوَفِّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ مِنْ نِفَاقِهِمْ حَتَّى يَمُوتُوا عَلَى كُفْرِهِمْ إِنْ شَاءَ، فَيَسْتَوْجِبُوا بِذَلِكَ الْعَذَابَ، فَالِاسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّوْفِيقِ لَا مِنَ الْعَذَابِ إِنْ مَاتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٤] فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذَنْ: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِذْ لَمْ يَهْدِهِمْ لِلتَّوْبَةِ، فَيُوَفِّقَهُمْ لَهَا، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَلَا يُعَذِّبُهُمْ.
١٩ ‏/ ٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ٢٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ كَانَ ذَا سَتْرٍ عَلَى ذُنُوبِ التَّائِبِينَ، رَحِيمًا بِالتَّائِبِينَ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
١٩ ‏/ ٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الأحزاب: ٢٥] بِهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ﴿بِغَيْظِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٥] يَقُولُ: بِكَرْبِهِمْ وَغَمِّهِمْ، بِفَوْتِهِمْ مَا أَمَّلُوا مِنَ الظُّفَرِ، وَخَيْبَتِهِمْ مِمَّا كَانُوا طَمِعُوا فِيهِ مِنَ الْغَلَبَةِ ﴿لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] يَقُولُ: لَمْ يُصِيبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَالًا وَلَا إِسَارًا ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: ٢٥] بِجُنُودٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالرِّيحِ الَّتِي بَعَثَهَا عَلَيْهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] الْأَحْزَابُ»
١٩ ‏/ ٦٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] وَذَلِكَ يَوْمُ أَبِي سُفْيَانَ وَالْأَحْزَابِ، رَدَّ اللَّهُ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ﴾ [الأحزاب: ٢٥] بِالْجُنُودِ مِنْ عِنْدِهِ وَالرِّيحِ الَّتِي بَعَثَ عَلَيْهِمْ»
١٩ ‏/ ٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ «﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] أَيْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ»
١٩ ‏/ ٧٠
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ، قَالَ: ثنا شَبَابَةُ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ وَلَا الْعَصْرَ، وَلَا الْمَغْرِبَ وَلَا الْعِشَاءَ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِهَوِيٍّ كُفِينَا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، وَصَلَّى الظُّهْرَ، فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا، كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ كَذَلِكَ، جَعَلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِقَامَةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ صَلَاةُ الْخَوْفِ ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة: ٢٣٩]». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ
١٩ ‏/ ٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] يَقُولُ: وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَلَى فِعْلِ مَا يَشَاءُ فِعَلَهُ بِخَلْقِهِ، فَيَنْصُرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ أَنْ يَخْذُلَهُ، ⦗٧١⦘ لَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ؛ ﴿عَزِيزًا﴾ [النساء: ٥٦] يَقُولُ: هُوَ شَدِيدٌ انْتِقَامُهُ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ مِنْ أَعْدَائِهِ. كَمَا:
١٩ ‏/ ٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾ [الأحزاب: ٢٥] قَوِيًّا فِي أَمْرِهِ، عَزِيزًا فِي نِقْمَتِهِ»
١٩ ‏/ ٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ الَّذِينَ أَعَانُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ هُوَ مُظَاهَرَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَعَنَى بِذَلِكَ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَاهَرُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَوْلُهُ ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [البقرة: ١٠٥] يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ، وَكَانُوا يَهُودَ: وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] يَعْنِي: مِنْ حُصُونِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٩ ‏/ ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [الأحزاب: ٢٦] قَالَ: قُرَيْظَةُ، يَقُولُ: أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ»
١٩ ‏/ ٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ” ﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [الأحزاب: ٢٦] وَهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ، ظَاهَرُوا أَبَا سُفْيَانَ وَرَاسَلُوهُ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَبِيِّ اللَّهِ. قَالَ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ، وَقَدْ غُسِلَتْ شِقُّهُ، إِذْ أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ ﷺ، فَقَالَ: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ سِلَاحَهَا مُنْذُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَانْهَضْ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَإِنِّي قَدْ قَطَعْتُ أَوْتَارَهُمْ، وَفَتَحْتُ أَبْوَابَهُمْ، وَتَرَكْتُهُمْ فِي زِلْزَالٍ وَبِلْبَالٍ؛ قَالَ: فَاسْتَلْأَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ سَلَكَ سِكَّةَ بَنِي غَنْمٍ، فَاتَّبَعَهُ النَّاسُ وَقَدْ عُصِبَ حَاجِبُهُ بِالتُّرَابِ؛ قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَحَاصَرُوهُمْ وَنَادَاهُمْ: «يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ»، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَحَّاشًا، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ ابْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قَوْمِهِ حِلْفٌ، فَرَجَوْا أَنْ تَأْخُذَهُ فِيهِمْ هَوَادَةٌ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَبُو لُبَابَةَ أَنَّهُ الذَّبْحُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنفال: ٢٧]، فَحَكَمَ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَأَنْ تُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ، وَأَنَّ عَقَارَهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ قَوْمُهُ وَعَشِيرَتُهُ: آثَرْتَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْعَقَارِ عَلَيْنَا؛ قَالَ: فَإِنَّكُمْ كُنْتُمْ ذَوِي عَقَّارٍ، وَإِنَّ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا لَا عَقَارَ لَهُمْ. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَبَّرَ وَقَالَ: «قَضَى فِيكُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ»
١٩ ‏/ ٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ
١٩ ‏/ ٧٢
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ، وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، فَلَمَّا كَانَتِ الظُّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ: «مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالُهُ، عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ؛ فَقَالَ: أَقَدْ وَضَعْتَ السِّلَاحَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ جِبْرِيلُ: مَا وَضَعَتِ الْمَلَائِكَةُ السِّلَاحَ بَعْدُ، مَا رَجَعْتُ الْآنَ إِلَّا مِنْ طَلَبِ الْقَوْمِ، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِالسَّيْرِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، وَأَنَا عَامِدٌ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُنَادِيًا، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ: «إِنَّ مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا فَلَا يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، وَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِرَايَتِهِ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَابْتَدَرَهَا النَّاسُ، فَسَارَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الْحُصُونِ، سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا عَلَيْكَ أَلَّا تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخْبَاثِ، قَالَ: «لِمَ؟ أَظُنُّكَ سَمِعْتَ لِي مِنْهُمْ أَذًى»، قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «لَوْ قَدْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا»، فَلَمَّا دَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ حُصُونِهِمْ قَالَ: «يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ، هَلْ أَخْزَاكُمُ اللَّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ؟»، قَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، مَا كُنْتَ جَهُولًا؛ وَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَصْحَابِهِ بِالصَّوْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: «هَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ مَرَّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالُهُ عَلَيْهَا قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:»ذَاكَ جِبْرَائِيلُ
١٩ ‏/ ٧٣
بُعِثَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفُ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ «، فَلَمَّا أَتَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْظَةَ؛ نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا فِي نَاحِيَةٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ أَنَا، فَتَلَاحَقَ بِهِ النَّاسُ، فَأَتَاهُ رِجَالٌ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ»، فَصَلَّوُا الْعَصْرَ فَمَا عَابَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا عَنَّفَهُمْ بِهِ رَسُولُهُ»
١٩ ‏/ ٧٤
وَالْحَدِيثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: «وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتَّى جَهِدَهُمُ الْحِصَارُ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ. وَقَدْ كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا أَيْقَنُوا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتَّى يُنَاجِزَهُمْ، قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيَّهَا؛ قَالُوا: وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: نُبَايِعُ هَذَا الرَّجُلَ وَنُصَدِّقَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَنَبِيُّ مُرْسَلٌ، وَإِنَّهُ الَّذِي كُنْتُمْ تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُوا عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ؛ قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَهَلُمَّ ⦗٧٥⦘ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، ثُمَّ نَخْرُجُ إِلَى مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصَلَّتِينَ بِالسُّيُوفِ، وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثِقَلًا يَهُمُّنَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ، فَإِنْ نَهْلَكْ نَهْلَكْ وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا شَيْئًا نَخْشَى عَلَيْهِ، وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي لَنَتَّخِذَنَّ النِّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ، قَالُوا: نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ، فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ؛ قَالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ هَذِهِ عَلَيَّ، فَإِنَّ اللَّيْلَةَ لَيْلَةَ السَّبْتِ، وَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَمِنُوا، فَانْزِلُوا لَعَلَّنَا أَنْ نَصِيبَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ غِرَّةً. قَالُوا: نُفْسِدُ سَبْتَنَا وَنُحْدِثُ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ أَحْدَثَ فِيهِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا؟ أَمَّا مَنْ قَدْ عَلِمْتَ فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْمَسْخِ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنَ الدَّهْرِ حَازِمًا، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَكَانُوا مِنْ حُلَفَاءِ الْأَوْسِ، نَسْتَشِيرُهُ فِي أَمْرِنَا؛ فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامَ إِلَيْهِ الرِّجَالُ، وَجَهَشَ إِلَيْهِ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ، فَرَقَّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا لُبَابَةَ، أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، إِنَّهُ الذَّبْحُ؛ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالَتْ قَدَمَايَ حَتَّى عَرَفْتُ أَنِّي قَدْ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ ثُمَّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى وَجْهِهِ، وَلَمْ يَأْتِ ⦗٧٦⦘ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَتَّى ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ: لَا أَبْرَحُ مَكَانِي حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيَّ مِمَّا صَنَعْتُ، وَعَاهَدَ اللَّهَ لَا يَطَأُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا وَلَا يَرَانِي اللَّهُ فِي بَلَدٍ خُنْتُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَبَرُهُ، وَكَانَ قَدِ اسْتَبْطَأَهُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُ. أَمَا إِذْ فَعَلَ مَا فَعَلَ، فَمَا أَنَا بِالَّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانَهُ حَتَّى يَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، ثُمَّ إِنَّ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأُسَيْدَ بْنَ سَعْيَةَ، وَأَسَدَ بْنَ عُبَيْدٍ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي هُذَيْلٍ لَيْسُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَلَا النَّضِيرِ، نَسَبُهُمْ فَوْقَ ذَلِكَ، هُمْ بَنُو عَمِّ الْقَوْمِ، أَسْلَمُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى الْقُرَظِيُّ، فَمَرَّ بِحَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَعَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ؛ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عَمْرُو بْنُ سُعْدَى؛ وَكَانَ عَمْرُو قَدْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي غَدْرِهِمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: لَا أَغْدِرُ بِمُحَمَّدٍ أَبَدًا، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حِينَ عَرَفَهُ: اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنِي إِقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ؛ فَخَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى بَاتَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ ذَهَبَ، فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا؛ فَذُكِرَ ⦗٧٧⦘ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَأْنَهُ، فَقَالَ: «ذَاكَ رَجُلٌ نَجَّاهُ اللَّهُ بِوَفَائِهِ»، قَالَ: وَبَعْضُ النَّاسِ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ كَانَ أُوثِقَ بُرْمَةً فِيمَنْ أُوثِقَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَصْبَحَتْ رِمَّتُهُ مُلْقَاةً، وَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الْمَقَالَةُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَوَاثَبَتِ الْأَوْسُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ مَوَالِينَا دُونَ الْخَزْرَجِ، وَقَدْ فَعَلْتَ فِي مَوَالِي الْخَزْرَجِ بِالْأَمْسِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ حَاصَرَ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ؛ فَلَمَّا كَلَّمَتْهُ الْأَوْسُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «فَذَاكَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ»، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَدْ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي خَيْمَةِ امْرَأَةٍ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهَا رُفَيْدَةُ فِي مَسْجِدِهِ، كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى، وَتَحْتَسِبْ بِنَفْسِهَا عَلَى خِدْمَةِ مَنْ كَانَتْ بِهِ ضَيْعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ أَصَابَهُ السَّهْمُ بِالْخَنْدَقِ: «اجْعَلُوهُ فِي خَيْمَةِ رُفَيْدَةَ حَتَّى أَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ»، فَلَمَّا حَكَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، أَتَاهُ قَوْمُهُ فَاحْتَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ، وَقَدْ وَطِئُوا لَهُ بِوِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا، ثُمَّ أَقْبَلُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُمْ يَقُولُونَ: يَا أَبَا عَمْرٍو أَحْسِنْ ⦗٧٨⦘ فِي مَوَالِيكَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلَّاكَ ذَلِكَ لِتُحْسِنَ فِيهِمْ؛ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ، قَالَ: قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَنْ لَا تَأْخُذَهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، فَرَجَعَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ، فَنَعَى إِلَيْهِمْ رِجَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مِنْ كَلِمَتِهِ الَّتِي سَمِعَ مِنْهُ؛ فَلَمَّا انْتَهَى سَعْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ، قَالَ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَمْرٍو، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَلَّاكَ مَوَالِيكَ لِتَحْكُمَ فِيهِمْ، فَقَالَ سَعْدٌ: عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ، إِنَّ الْحُكْمَ فِيهِمْ كَمَا حَكَمْتَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَعَلَى مَنْ هَهُنَا فِي النَّاحِيَةِ الَّتِي فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِجْلَالًا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «نَعَمْ»، قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ تُقْتَلَ الرِّجَالُ، وَتُقْسَمَ الْأَمْوَالُ، وَتُسْبَى الذَّرَارِيُّ وَالنِّسَاءُ»
١٩ ‏/ ٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ ⦗٧٩⦘ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ» ثُمَّ اسْتُنْزِلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ، امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ. ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ، الَّتِي هِيَ سُوقُهَا الْيَوْمَ، فَخَنْدَقَ بِهَا خَنَادِقَ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ فِي تِلْكَ الْخَنَادِقِ، يُخْرَجُ بِهِمْ إِلَيْهِ أَرْسَالًا، وَفِيهِمْ عَدُوُّ اللَّهِ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ رَأْسُ الْقَوْمِ، وَهُمْ سِتُّ مِئَةٍ أَوْ سَبْعُ مِئَةٍ، وَالْمُكْثِرُ مِنْهُمْ يَقُولُ: كَانُوا مِنَ الثَّمَانِ مِائَةِ إِلَى التِّسْعِ مِائَةِ، وَقَدْ قَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ وَهُمْ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْسَالًا: يَا كَعْبُ، مَا تَرَى مَا يُصْنَعُ بِنَا؟ فَقَالَ كَعْبٌ: أَفِي كُلِّ مَوْطِنٍ لَا تَعْقِلُونَ؟ أَلَا تَرَوْنَ الدَّاعِيَ لَا يَنْزِعُ، وَإِنَّهُ مَنْ يُذْهَبُ بِهِ مِنْكُمْ فَمَا يَرْجِعُ، هُوَ وَاللَّهِ الْقَتْلُ؛ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الدَّأْبُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأُتِيَ بِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ عَدُوِّ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ لَهُ فُقَّاحِيَّةٌ قَدْ شَقَّقَهَا عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ كَمَوْضِعِ الْأُنْمُلَةِ أُنْمُلَةٍ أُنْمُلَةٍ لِئَلَّا يُسْلَبَهَا؛ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلْ؛ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، وَمَلْحَمَةٌ قَدْ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَلَسَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ؛ فَقَالَ جَبَلُ بْنُ جَوَّالٍ الثَّعْلَبِيُّ:
[البحر الطويل] لَعَمْرُكَ مَا لَامَ ابْنُ أَخْطَبَ نَفْسَهُ … وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلِ
لَجَاهَدَ حَتَّى أَبْلَغَ النَّفْسَ عُذْرَهَا … وَقَلْقَلَ يَبْغِي الْعِزَّ كُلَّ مُقَلْقَلِ
١٩ ‏/ ٧٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمْ يُقْتَلْ مِنْ نِسَائِهِمْ إِلَّا ⦗٨٠⦘ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّهَا لَعِنْدِي تَحَدَّثُ مَعِي وَتَضْحَكُ ظَهْرًا، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْتُلُ رِجَالَهُمْ بِالسُّوقِ، إِذْ هَتَفَ هَاتِفٌ بِاسْمِهَا: أَيْنَ فُلَانَةُ؟ قَالَتْ: أَنَا وَاللَّهِ. قَالَتْ: قُلْتُ: وَيْلَكِ مَا لَكِ؟ قَالَتْ: أُقْتَلُ؟ قُلْتُ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِحَدَثٍ أَحْدَثْتُهُ؛ قَالَ: فَانْطُلِقَ بِهَا، فَضُرِبَتْ عُنُقُهَا، فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ: مَا أَنْسَى عَجَبِي مِنْهَا، طِيبُ نَفْسٍ، وَكَثْرَةُ ضَحِكٍ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تُقْتَلُ»
١٩ ‏/ ٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني زَيْدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] وَالصَّيَاصِي: الْحُصُونُ وَالْآطَامُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا ﴿وَقَذْفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب: ٢٦]»
١٩ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الْنُكْرِيُّ، قَالَ: ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] قَالَ: مِنْ حُصُونِهِمْ»
١٩ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] يَقُولُ: أَنْزَلَهُمْ مِنْ صَيَاصِيهِمْ، قَالَ: قُصُورُهُمْ»
١٩ ‏/ ٨٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ «﴿مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] أَيْ مِنْ حُصُونِهِمْ وَآطَامِهِمْ»
١٩ ‏/ ٨١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ﴾ [الأحزاب: ٢٦] قَالَ: الصَّيَاصِي: حُصُونُهُمُ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا مَانِعَتُهُمْ مِنَ اللَّهِ تبارك وتعالى». وَأَصْلُ الصَّيَاصِي: جَمْعُ صَيْصَةٍ؛ يُقَالُ: وَعَنَى بِهَا هَهُنَا: حُصُونَهُمْ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِطَرْفِ الْجَبَلِ: صَيْصَةٌ؛ وَيُقَالُ لِأَصْلِ الشَّيْءِ: صَيْصَةٌ؛ يُقَالُ: جَزَّ اللَّهُ صَيْصَةَ فُلَانٍ: أَيْ أَصْلَهُ؛ وَيُقَالُ لِشَوْكِ الْحَاكَةِ: صَيَاصِي، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] كَوَقْعِ الصَّيَاصِي فِي النَّسِيجِ الْمُمَدَّدِ
وَهِيَ شَوْكَتَا الدِّيكِ
١٩ ‏/ ٨١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب: ٢٦] يَقُولُ: وَأَلْقَى فِي قُلُوبِهِمُ الْخَوْفَ مِنْكُمْ ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [الأحزاب: ٢٦] يَقُولُ: تَقْتُلُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَهُمُ الَّذِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ حِينَ ظَهْرَ عَلَيْهِمْ ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ [الأحزاب: ٢٦] يَقُولُ: وَتَأْسِرُونَ مِنْهُمْ جَمَاعَةً، وَهُمْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمُ الَّذِينَ سُبُوا، ⦗٨٢⦘ كَمَا:
١٩ ‏/ ٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ [الأحزاب: ٢٦] الَّذِينَ ضَرَبْتَ أَعْنَاقَهُمْ ﴿وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ [الأحزاب: ٢٦] الَّذِينَ سُبُوا»
١٩ ‏/ ٨٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ، «﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ [الأحزاب: ٢٦] أَيْ قَتْلُ الرِّجَالِ وَسَبْيُ الذَّرَارِيِّ وَالنِّسَاءِ»
١٩ ‏/ ٨٢
﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] يَقُولُ: وَمَلَّكَكُمْ بَعْدَ مَهْلِكِهِمْ أَرْضَهُمْ، يَعْنِي مَزَارِعَهُمْ وَمَغَارِسَهُمْ ﴿وَدِيَارَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] يَقُولُ: وَمَسَاكِنَهُمْ ﴿وَأَمْوَالَهُمْ﴾ [التوبة: ١١١] يَعْنِي سَائِرَ الْأَمْوَالِ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالدُّورِ.
١٩ ‏/ ٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهَا، أَيُّ أَرْضٍ هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الرُّومُ وَفَارِسُ وَنَحْوُهَا مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي فَتَحَهَا اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
١٩ ‏/ ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «هِيَ الرُّومُ وَفَارِسُ، وَمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» . وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ مَكَّةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هِيَ خَيْبَرُ.
١٩ ‏/ ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثني يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ «﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ قَالَ: خَيْبَرُ»
١٩ ‏/ ٨٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] قَالَ: قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ أَهْلُ الْكِتَابِ، ﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ قَالَ: خَيْبَرُ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْضَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَرْضًا لَمْ يَطَئُوهَا يَوْمَئِذٍ وَلَمْ تَكُنْ مَكَّةُ وَلَا خَيْبَرُ، وَلَا أَرْضُ فَارِسَ وَالرُّومَ وَلَا الْيَمَنُ، مِمَّا كَانَ وَطِئُوهُ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ وَطِئُوا ذَلِكَ بَعْدُ، وَأَوْرَثَهُمُوهُ اللَّهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ ﴿وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا﴾ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ مِنْ ذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ.
١٩ ‏/ ٨٣
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى أَنْ أَوْرَثَ الْمُؤْمِنِينَ ذَلِكَ، وَعَلَى نَصْرِهِ إِيَّاهُمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ قُدْرَةً، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلَ شَيْءٍ حَاوَلَ فِعْلَهُ.
١٩ ‏/ ٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِنْ كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] يَقُولُ فَإِنِّي أُمَتِّعُكُنَّ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْمُتْعَةِ عِنْدَ فِرَاقِهِمْ إِيَّاهُنَّ بِالطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦] وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٨] يَقُولُ: وَأُطَلِّقْكُنَّ عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ بِهِ، وَأَدَّبَ بِهِ عِبَادَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١]، ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ [الأحزاب: ٢٩] يَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ رِضَا اللَّهِ وَرِضَا رَسُولِهِ وَطَاعَتَهُمَا فَأَطِعْنَهُمَا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٩] وَهُنَّ الْعَامِلَاتُ مِنْهُنَّ بِأَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠] وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَجْلِ أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا، إِمَّا زِيَادَةً فِي النَّفَقَةِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَاعْتَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِسَاءَهُ شَهْرًا فِيمَا ذُكِرَ، ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِمَا قُسِمَ لَهُنَّ وَالْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُمَتِّعَهُنَّ وَيُفَارِقَهُنَّ إِنْ لَمْ يَرْضَيْنَ بِالَّذِي يُقْسَمُ لَهُنَّ. وَقِيلَ: كَانَ سَبَبُ ذَلِكَ غَيْرَةٌ كَانَتْ عَائِشَةُ غَارَتْهَا.
١٩ ‏/ ٨٤
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ: كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ مِنَ النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَخْرُجْ صَلَوَاتٍ، فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ شِئْتُمْ لَأَعْلَمَنَّ لَكُمْ شَأْنَهُ؛ فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ، حَتَّى أَذِنَ لَهُ. قَالَ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ فِي نَفْسِي: أَيَّ شَيْءٍ أُكَلِّمُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَلَّهُ يَضْحَكُ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ رَأَيْتُ فُلَانَةَ وَسَأَلْتَنِي النَّفَقَةَ فَصَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَقَالَ: «ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنْكُمْ»؛ قَالَ: فَأَتَى حَفْصَةَ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، مَا كَانَتْ لَكِ مِنْ حَاجَةٍ فَإِلَيَّ؛ ثُمَّ تَتَبَّعَ نِسَاءَ النَّبِيِّ ﷺ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُنَّ، فَقَالَ لِعَائِشَةَ: أَيَغُرُّكِ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ، وَأَنَّ زَوْجَكِ يُحِبُّكِ؟ لَتَنْتَهِيَنَّ أَوْ لَيَنْزِلَنَّ فِيكِ الْقُرْآنُ قَالَ: فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَوَ مَا بَقِيَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ نِسَائِهِ، وَلَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ إِلَّا لِزَوْجِهَا قَالَ: وَنَزَلَ الْقُرْآنُ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠] قَالَ: فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ فَخَيَّرَهَا، وَقَرَأَ عَلَيْهَا الْقُرْآنَ، فَقَالَتْ: هَلْ بَدَأْتَ بِأَحَدٍ مِنْ نِسَائِكَ قَبْلِي؟ قَالَ: «لَا»، قَالَتْ: فَإِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا تُخْبِرْهُنَّ بِذَلِكَ؛ قَالَ: ثُمَّ تَتَبَّعَهُنَّ فَجَعَلَ يُخَيِّرُهُنَّ وَيَقْرَأُ عَلَيْهِنَّ الْقُرْآنَ، وَيُخْبِرُهُنَّ بِمَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ، فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ»
١٩ ‏/ ٨٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٨] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠] قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: «خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فِي شَيْءٍ كُنَّ أَرَدْنَهُ مِنَ الدُّنْيَا»
١٩ ‏/ ٨٦
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «فِي غَيْرَةٍ كَانَتْ غَارَتْهَا عَائِشَةُ، وَكَانَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ، خَمْسٌ مِنْ قُرَيْشٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ صَفِيَّةُ ابْنَةُ حُيَيٍّ الْخَيْبَرِيَّةُ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، فَلَمَّا اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، رُئِيَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَتَابَعْنَ كُلُّهُنَّ عَلَى ذَلِكَ وَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ»
١٩ ‏/ ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧] قَالَا: «أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ»
١٩ ‏/ ٨٦
قَالَ قَتَادَةُ: «وَهِيَ غَيْرَةٌ مِنْ عَائِشَةَ فِي شَيْءٍ أَرَادَتْهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَكَانَ تَحْتَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ: عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَأُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ، وَأُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ⦗٨٧⦘ الْهِلَالِيَّةُ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَصَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ؛ فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَحَبَّهُنَّ إِلَيْهِ؛ فَلَمَّا اخْتَارَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، رُئِيَ الْفَرَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَتَابَعْنَ عَلَى ذَلِكَ»
١٩ ‏/ ٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ قَالَ: «لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ شَكَرَهُنَّ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٢] فَقَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِنَّ، وَهُنَّ التِّسْعُ اللَّاتِي اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»
١٩ ‏/ ٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْغَيْرَةِ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءَ﴾ [الأحزاب: ٥١] الْآيَةَ، قَالَ: كَانَ أَزْوَاجُهُ قَدْ تَغَايَرْنَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَهَجَرَهُنَّ شَهْرًا، نَزَلَ التَّخْيِيرُ مِنَ اللَّهِ لَهُ فِيهِنَّ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَخْتَرْنَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُنَّ وَيُسَرِّحَهُنَّ، وَبَيْنَ أَنْ يُقِمْنَ إِنْ أَرَدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، لَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا، وَعَلَى أَنَّهُ يُؤْوِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْهُنَّ، لِمَنْ وَهَبَ نَفْسَهُ لَهُ ⦗٨٨⦘ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَيُرْجِي مَنْ يَشَاءُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، وَمَنِ ابْتَغَى مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ وَعَزَلَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ، ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ﴾ [الأحزاب: ٥١] أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قَضَائِي عَلَيْهِنَّ، إِيثَارُ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، أَدْنَى أَنْ يَرْضَيْنَ؛ قَالَ: ﴿وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ﴾ [الأحزاب: ٥١] مَنِ ابْتَغَى أَصَابَهُ، وَمَنْ عَزَلَ لَمْ يُصِبْهُ، فَخَيَّرَهُنَّ بَيْنَ أَنْ يَرْضَيْنَ بِهَذَا، أَوْ يُفَارِقَهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ بَدَوِيَّةٌ ذَهَبَتْ؛ وَكَانَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ شُرِطَ لَهُ هَذَا الشَّرْطُ، مَا زَالَ يَعْدِلُ بَيْنَهُنَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ»
١٩ ‏/ ٨٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: لَمَّا نَزَلَ الْخِيَارُ، قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَذْكُرَ لَكِ أَمْرًا، فَلَا تَقْضِي فِيهِ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»؛ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَرَدَّهُ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَقَرَأَ عَلَيْهِنَّ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: بَلْ نَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ قَالَتْ: فَفَرِحَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ “
١٩ ‏/ ٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ، بَدَأَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَائِشَةَ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكِ أَمْرًا فَلَا تَفْتَاتِي فِيهِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَعْرِضِيهِ عَلَى أَبَوَيْكِ، أَبِي بَكْرٍ وَأُمِّ رُومَانَ» فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ [الأحزاب: ٢٨] إِلَى ﴿عَظِيمًا﴾ [النساء: ٢٧]، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، وَلَا أُؤَامِرُ فِي ذَلِكَ أَبَوَيَّ أَبَا بَكْرٍ وَأُمَّ رُومَانَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْحُجَرَ فَقَالَ: «إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَا»، فَقُلْنَ: وَنَحْنُ نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ عَائِشَةُ»
١٩ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى الْأُمَوِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا نَزَلَ إِلَى نِسَائِهِ أُمِرَ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: «سَأَذْكُرُ لَكِ أَمْرًا وَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاكِ»، فَقُلْتُ: وَمَا هُوَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أُخَيِّرَكُنَّ»، وَتَلَا عَلَيْهَا آيَةَ التَّخْيِيرِ إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ؛ قَالَتْ: قُلْتُ: وَمَا الَّذِي تَقُولُ؟ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَاكِ، فَإِنِّي أَخْتَارُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؛ فَسُرَّ بِذَلِكَ، وَعَرَضَ عَلَى نِسَائِهِ، فَتَتَابَعْنَ كُلُّهُنَّ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ “
١٩ ‏/ ٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، وَيُونُسُ ⦗٩٠⦘ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: لَمَّا أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَخْيِيرِ أَزْوَاجِهِ، بَدَأَنِي، فَقَالَ: «إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا، فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ»؛ قَالَتْ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا لِيَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ؛ قَالَتْ: ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٢٨] قَالَتْ: فَقُلْتُ: فَفِي أَيِّ هَذَا أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ؟ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِينَ قَالَهُ لَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَاخْتَرْنَهُ طَلَاقًا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ اخْتَرْنَهُ “
١٩ ‏/ ٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ، وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ [الأحزاب: ٣٠] يَقُولُ: مِنْ يَزْنِ مِنْكُنَّ الزِّنَى الْمَعْرُوفَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ عَلَى فُجُورِهَا فِي الْآخِرَةِ ضِعْفَيْنِ عَلَى فُجُورِ أَزْوَاجِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ، كَمَا:
١٩ ‏/ ٩٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني
١٩ ‏/ ٩٠
أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣٠] قَالَ: يَعْنِي عَذَابَ الْآخِرَةِ». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ﴾ [الأحزاب: ٣٠] بِالْأَلْفِ، غَيْرُ أَبِي عَمْرٍو، فَإِنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: (يُضَعَّفْ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ تَأَوُّلًا مِنْهُ فِي قِرَاءَتِهِ ذَلِكَ أَنَّ يُضَعَّفُ، بِمَعْنَى: تَضْعِيفِ الشَّيْءِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الشَّيْءَ شَيْئَيْنٍ، فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُ: أَنْ يَجْعَلَ عَذَابَ مَنْ يَأْتِي مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مِثْلَيْ عَذَابِ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرِهِنَّ، وَيَقُولُ: إِنَّ ﴿يُضَاعَفْ﴾ [الأحزاب: ٣٠] بِمَعْنَى أَنْ يَجْعَلَ إِلَى الشَّيْءِ مِثْلَاهُ، حَتَّى يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِ فَكَأَنَّ مَعْنَى مَنْ قَرَأَ ﴿يُضَاعَفْ﴾ [الأحزاب: ٣٠] عِنْدَهُ كَانَ أَنَّ عَذَابَهَا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ عَذَابِ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ مِنْ غَيْرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلِذَلِكَ اخْتَارَ (يُضَعَّفْ) عَلَى ﴿يُضَاعَفْ﴾ [الأحزاب: ٣٠] . وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ ﴿يُضَاعَفْ﴾ [الأحزاب: ٣٠] مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: لَا نَعْلَمُ بَيْنَ يُضَاعَفْ وَيُضَعَّفْ فَرَقًا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَذَلِكَ ﴿يُضَاعَفُ﴾ [البقرة: ٢٦١] وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَمْرٍو، فَتَأْوِيلٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، وَغَيْرُ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَلَا يَجُوزُ خِلَافَ مَا جَاءَتْ بِهِ الْحُجَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ لَا بُرْهَانَ لَهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ.
١٩ ‏/ ٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَتْ مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْهُنَّ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٩ ‏/ ٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْكُنَّ، وَتَعْمَلْ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ ﴿نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣١] يَقُولُ: يُعْطِهَا اللَّهُ ثَوَابَ عَمَلِهَا، مِثَلَيْ ثَوَابِ عَمَلِ غَيْرِهِنَّ مِنْ سَائِرِ نِسَاءِ النَّاسِ ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣١] يَقُولُ: وَأَعْتَدْنَا لَهَا فِي الْآخِرَةِ عَيْشًا هَنِيئًا فِي الْجَنَّةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ٩٢
ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأحزاب: ٣١] . الْآيَةَ، يَعْنِي: «تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [الأحزاب: ٣١] تَصُومُ وَتُصَلِّي»
١٩ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَامِرًا عَنِ الْقُنُوتِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] قَالَ: «مُطِيعِينَ»؛ قَالَ: قُلْتُ ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأحزاب: ٣١] قَالَ: «يُطِعْنَ»
١٩ ‏/ ٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأحزاب: ٣١] أَيْ «مَنْ يُطِعْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» ﴿وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: ٣١]
١٩ ‏/ ٩٢
وَهِيَ الْجَنَّةُ ” وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَتَعْمَلْ صَالِحًا﴾ [الأحزاب: ٣١] فَقَرَأَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: ﴿وَتَعْمَلْ﴾ [الأحزاب: ٣١] بِالتَّاءِ رَدًّا عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ إِذْ جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿مِنْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٩] وَحَكَى بَعْضُهُمْ عَنِ الْعَرَبِ أَنَّهَا تَقُولُ: كَمْ بِيْعَ لَكَ جَارِيَةٌ؟ وَأَنَّهُمْ إِنْ قَدَّمُوا الْجَارِيَةَ قَالُوا: كَمْ جَارِيَةٌ بِيعَتْ لَكَ؟ فَأَنَّثُوا الْفِعْلَ بَعْدَ الْجَارِيَةِ، وَالْفِعْلُ فِي الْوَجْهَيْنِ لَكُمْ لَا لِلْجَارِيَةِ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ الْعَرَبِ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل] أَيَا أُمَّ عَمْرٍو مَنْ يَكُنْ عُقْرُ دَارِهِ … جَوَاءَ عَدِيٍّ يَأْكُلُ الْحَشَرَاتِ
وَيَسْوَدُّ مِنْ لَفْحِ السِّمُومِ جَبِينُهُ … وَيَعْرُو إِنْ كَانَ ذَوِي بَكَرَاتِ
فَقَالَ: وَإِنْ كَانُوا، وَلَمْ يَقُلْ: وَإِنْ كَانَ، وَهُوَ لِمَنْ، فَرَدَّهُ عَلَى الْمَعْنَى. وَأَمَّا أَهْلُ الْكُوفَةِ، فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّائِهَا: (وَيَعْمَلْ) بِالْيَاءِ عَطْفًا عَلَى يَقْنُتْ، إِذْ كَانَ الْجَمِيعُ عَلَى قِرَاءَةِ الْيَاءِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَلُغَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تُرَدُّ خَبَرَ «مَنْ» أَحْيَانًا عَلَى لَفْظِهَا، فَتُوَحِّدُ وَتُذَكِّرُ، وَأَحْيَانًا عَلَى مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مِنْ يَنْظُرُ
١٩ ‏/ ٩٣
إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٤٣] فَجَمَعَ مَرَّةً لِلْمَعْنَى، وَوَحَّدَ أُخْرَى لِلَّفْظِ
١٩ ‏/ ٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] مِنْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ﴿إِنَّ اتَّقَيْتُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٢] اللَّهَ فَأَطَعْتُنَّهُ فِيمَا أَمْرَكُنَّ وَنَهَاكُنَّ
١٩ ‏/ ٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] يَعْنِي «مِنْ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ»
١٩ ‏/ ٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] يَقُولُ: فَلَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ لِلرِّجَالِ فِيمَا يَبْتَغِيهِ أَهْلُ الْفَاحِشَةِ مِنْكُنَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٩ ‏/ ٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] يَقُولُ: «لَا تُرَخِّصْنَ بِالْقَوْلِ، وَلَا تَخْضَعْنَ بِالْكَلَامِ»
١٩ ‏/ ٩٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ [الأحزاب: ٣٢] قَالَ: «خَضَعَ الْقَوْلَ مَا يُكْرَهُ مِنْ قَوْلِ النِّسَاءِ لِلرِّجَالِ مِمَّا يَدْخُلُ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ»
١٩ ‏/ ٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] يَقُولُ: فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ ضَعْفٌ؛ فَهُوَ لِضَعْفِ إِيمَانِهِ فِي قَلْبِهِ، إِمَّا شَاكٌ فِي الْإِسْلَامِ مُنَافِقٌ، فَهُوَ لِذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ يَسْتَخِفُّ بِحُدُودِ اللَّهِ، وَإِمَّا مُتَهَاوِنٌ بِإِتْيَانِ الْفَوَاحِشِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا وَصَفَهُ بِأَنَّ فِي قَلْبِهِ مَرَضًا، لِأَنَّهُ مُنَافِقٌ
١٩ ‏/ ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] قَالَ: «نِفَاقٌ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَشْتَهُونَ إِتْيَانَ الْفَوَاحِشِ
١٩ ‏/ ٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ [الأحزاب: ٣٢] قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: «شَهْوَةُ الزِّنَا»
١٩ ‏/ ٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢] يَقُولُ: وَقُلْنَ قَوْلًا قَدْ أَذِنَ اللَّهُ لَكُمْ بِهِ وَأَبَاحَهُ
١٩ ‏/ ٩٥
كَمَا: حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [الأحزاب: ٣٢] قَالَ: «قَوْلًا جَمِيلًا حَسَنًا مَعْرُوفًا فِي الْخَيْرِ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَقَرْنَ﴾ [الأحزاب: ٣٣] بِفَتْحِ الْقَافِ، بِمَعْنَى: وَأَقْرَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ، وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَذَفَ الرَّاءِ الْأُولَى مِنْ أَقْرَرْنَ، وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ، ثُمَّ نَقَلَهَا إِلَى الْقَافِ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ وَهُوَ يُرِيدُ فَظَلِلْتُمْ، فَأُسْقِطَتِ اللَّامُ الْأُولَى. وَهِيَ مَكْسُورَةَ، ثُمَّ نُقِلَتْ كَسَرْتُهَا إِلَى الظَّاءِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ: (وَقِرْنَ) بِكَسْرِ الْقَافِ، بِمَعْنَى: كُنَّ أَهْلَ وَقَارٍ وَسَكِينَةٍ ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٣٣] وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ الْكِسَرُ فِي الْقَافِ أَوْلَى عِنْدَنَا بِالصِّوَابِ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنَ الْوَقَارِ عَلَى مَا اخْتَرْنَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: وَقَرَ فُلَانٌ فِي مَنْزِلِهِ فَهُوَ يَقِرُّ وُقُورًا، فَتُكْسَرُ الْقَافُ فِي تَفْعَلَ؛ فَإِذَا أُمِرَ مِنْهُ قِيلَ: قِرْ، كَمَا يُقَالُ مِنْ وَزْنِ: يَزِنُ زِنْ، وَمِنْ وَعَدَ: يُعِدُ عِدْ. وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقَرَارِ، فَإِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ: أَقْرَرْنَ، لِأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْعَرَبِ: ظِلْتُ أَفْعَلُ كَذَا، وَأَحِسْتُ بِكَذَا، فَأَسْقَطَ عَيْنَ الْفِعْلِ، وَحَوَّلَ حَرَكَتَهَا إِلَى فَائِهِ فِي فَعَلَ وَفَعَلْنَا وَفَعَلْتُمْ، لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، فَلَا يَقُولُ: ظِلْ قَائِمًا، وَلَا تَظِلْ
١٩ ‏/ ٩٦
قَائِمًا، فَلَيْسَ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنِ اعْتَلَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ، فِي ذَلِكَ يَقُولُ الْعَرَبُ فِي ظَلَلْتُ وَأَحْسَسْتُ ظَلْتُ، وَأَحَسْتُ بِعِلَّةِ تُوجِبُ صِحَّتَهُ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْعِلَّةِ. وَقَدْ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ سَمَاعًا مِنْهُ: يَنْحِطْنَ مِنَ الْجَبَلِ، وَهُوَ يُرِيدُ: يَنْحَطِطْنَ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّةً لِأَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مِنَ الْحُجَّةِ الْأُخْرَى
١٩ ‏/ ٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قِيلَ: إِنَّ التَّبَرُّجَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّبَخْتُرَ وَالتَّكَسُّرِ
١٩ ‏/ ٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] «أَيْ إِذَا خَرَجْتُنَّ مِنْ بُيُوتِكُنَّ؛ قَالَ: كَانَتْ لَهُنَّ مِشْيَةٌ وَتَكَسُّرٌ وَتَغَنُّجٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْجَاهِلِيَّةَ الْأُولَى فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ»
١٩ ‏/ ٩٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قَالَ: «التَّبَخْتُرُ» وَقِيلَ: إِنَّ التَّبَرُّجَ هُوَ إِظْهَارُ الزِّينَةِ، وَإِبْرَازُ الْمَرْأَةِ مَحَاسِنَهَا لِلرِّجَالِ وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عليهما السلام
١٩ ‏/ ٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قَالَ: «الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى: مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عليهما السلام» وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ
١٩ ‏/ ٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قَالَ: «وَكَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ ثَمَانِ مِائَةِ سَنَةٍ، فَكَانَ نِسَاؤُهُمْ مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنَ النِّسَاءِ، وَرِجَالُهُمْ حِسَانٌ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ الرَّجُلَ عَلَى نَفْسِهِ، فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣]» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ
١٩ ‏/ ٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْفُرَاتِ، قَالَ: ثنا عِلْبَاءُ بْنُ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قَالَ: «كَانَ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَإِدْرِيسَ، وَكَانَتْ أَلْفَ سَنَةٍ؛ وَإِنَّ بَطْنَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسْكُنُ السَّهْلَ، وَالْآخَرُ يَسْكُنُ الْجَبَلَ، وَكَانَ رِجَالُ الْجَبَلِ صُبَاحًا، وَفِي النِّسَاءِ دَمَامَةٌ، وَكَانَ نِسَاءُ السَّهْلِ ⦗٩٩⦘ صُبَاحًا، وَفِي الرِّجَالِ دَمَامَةٌ، وَإِنَّ إِبْلِيسَ أَتَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ السَّهْلِ فِي صُورَةِ غُلَامٍ، فَأَجَرَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يَخْدُمُهُ، وَاتَّخَذَ إِبْلِيسُ شَيْئًا مِثْلَ ذَلِكَ الَّذِي يَزْمُرُ فِيهِ الرِّعَاءُ، فَجَاءَ فِيهِ بِصوْتٍ لَمْ يُسْمَعْ مِثْلُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ حَوْلُهُمْ، فَانْتَابُوهُمْ يَسْمَعُونَ إِلَيْهِ، وَاتَّخَذُوا عِيدًا يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهِ فِي السَّنَةِ، فَيَتَبَرَّجُ الرِّجَالُ لِلنِّسَاءِ. قَالَ: وَيَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ، وَإِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي عِيدِهِمْ ذَلِكَ، فَرَأَى النِّسَاءَ، فَأَتَى أَصْحَابَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، فَتَحَوَّلُوا إِلَيْهِنَّ، فَنَزَلُوا مَعَهُنَّ، فَظَهَرَتِ الْفَاحِشَةُ فِيهِنَّ، فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣]» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى نِسَاءَ النَّبِيِّ أَنْ يَتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَعِيسَى، فَيَكُونُ مَعْنَى ذَلِكَ: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَوَفِي الْإِسْلَامِ جَاهِلِيَّةٌ حَتَّى يُقَالُ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] الَّتِي قَبْلَ الْإِسْلَامِ؟ قِيلَ: فِيهِ أَخْلَاقٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ
١٩ ‏/ ٩٨
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] قَالَ: يَقُولُ: الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، قَالَ: وَفِي الْإِسْلَامِ جَاهِلِيَّةٌ؟ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَقَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يُنَازِعُهُ: يَا ابْنَ فُلَانَةَ، لِأُمٍّ كَانَ يُعَيِّرُهُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا أَبَا ⦗١٠٠⦘ الدَّرْدَاءِ إِنَّ فِيكَ جَاهِلِيَّةً»، قَالَ: أَجَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ أَوْ إِسْلَامٍ؟ قَالَ: «بَلْ جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ»، قَالَ: فَتَمَنَّيْتُ أَنْ لَوْ كُنْتُ ابْتَدَأْتُ إِسْلَامِي يَوْمَئِذٍ. قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ثَلَاثٌ مِنْ عَمَلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الطَّعْنُ بِالْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِمْطَارَ بِالْكَوَاكِبِ، وَالنِّيَاحَةُ»
١٩ ‏/ ٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالِ، عَنْ ثَوْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: ٣٣] هَلْ كَانَتْ إِلَّا وَاحِدَةً، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهَلْ كَانَتْ مِنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ؟ فَقَالَ عُمَرُ: لِلَّهِ دَرُّكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ كَانَتْ مِنْ أُولَى إِلَّا وَلَهَا آخِرَةٌ؟ قَالَ: فَأْتِ بِتَصْدِيقِ مَا تَقُولُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ [الحج: ٧٨] كَمَا جَاهَدْتُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ عُمَرُ: فَمَنْ أَمَرَ بِالْجِهَادِ؟ قَالَ: قَبِيلَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: مَخْزُومُ، وَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ ” وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَا بَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ، فَتَكُونُ الْجَاهِلِيَّةُ الْآخِرَةُ مَا بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَمِلَهُ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ: إِنَّهُ نَهَى عَنْ تَبَرُّجِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى
١٩ ‏/ ١٠٠

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …