سُورَةُ النُّورِ 2

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها قَالَتْ: «لَمَّا ذُكِرَ مِنْ شَأْنِيَ الَّذِي ذُكِرَ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَطِيبًا وَمَا عَلِمْتُ، فَتَشَهَّدَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أُنَاسٍ أَبَنُوا أَهْلِيَ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي سُوءًا قَطُّ، وَأَبَنُوهُمْ بِمَنْ؟ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءًا قَطُّ، وَلَا دَخَلَ بَيْتِيَ قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ، وَلَا أَغِيبُ فِي سَفَرٍ إِلَّا غَابَ مَعِي» فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى أَنْ نَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانُوا مِنَ الْأَوْسِ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ تَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي الْمَسْجِدِ شَرٌّ؛ وَمَا عَلِمْتُ بِهِ. فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، خَرَجْتُ لِبَعْضِ حَاجَتِي، وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ، ⦗٢٠٧⦘ فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ: عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَسَكَتَتْ، ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّانِيَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ قُلْتُ: عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ فَسَكَتَتِ الثَّانِيَةَ. ثُمَّ عَثَرَتِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَانْتَهَرْتُهَا، وَقُلْتُ: عَلَامَ تَسُبِّينَ ابْنَكِ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ، قُلْتُ: فِي أَيِّ شَأْنِي، فَبَقَرَتْ لِيَ الْحَدِيثَ، فَقُلْتُ: وَقَدْ كَانَ هَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللَّهِ. قَالَتْ: فَرَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، فَكَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ لَهُ، وَلَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا. وَوعِكْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْسِلْنِي إِلَى بَيْتِ أَبِي فَأَرْسَلَ مَعِيَ الْغُلَامَ، فَدَخَلْتُ الدَّارَ فَإِذَا أَنَا بِأُمِّي أُمِّ رُومَانَ، قَالَتْ: مَا جَاءَ بِكِ يَا بُنَيَّةُ؟ فَأَخْبَرْتُهَا، فَقَالَتْ: خَفِّضِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا حَسَدْنَهَا، وَقُلْنَ فِيهَا. قُلْتُ: وَقَدْ عَلِمَ بِهَا أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَرَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَاسْتَعْبَرْتُ وَبَكَيْتُ، فَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ صَوْتِي وَهُوَ فَوْقَ الْبَيْتِ يَقْرَأُ، فَنَزَلَ فَقَالَ لِأُمِّي: مَا شَأْنُهَا؟ قَالَتْ: بَلَغَهَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَمْرِهَا. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ فَرَجَعْتُ فَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي، فَلَمْ يَزَالَا عِنْدِي حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيَّ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدِ اكْتَنَفَنِي أَبَوَايَ، عَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَتَشَهَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ ⦗٢٠٨⦘ سُوءًا أَوْ أَلْمَمْتِ فَتُوبِي إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ» . وَقَدْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهِيَ جَالِسَةٌ، فَقُلْتُ: أَلَا تَسْتَحِي مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا؟ فَقُلْتُ لِأَبِي: أَجِبْهُ فَقَالَ: أَقُولُ مَاذَا؟ قُلْتُ لِأُمِّي: أَجِيبِيهِ فَقَالَتْ: أَقُولُ مَاذَا؟ فَلَمَّا لَمْ يُجِيبَاهُ تَشَهَّدْتُ فَحَمِدْتُ اللَّهَ، وَأَثْنَيْتُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قُلْتُ: أَمَّا بَعْدُ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ مَاذَا بِنَافِعِي عِنْدَكُمْ؟ لَقَدْ تُكُلِّمَ بِهِ، وَأُشْرِبَتْهُ قُلُوبُكُمْ؛ وَإِنْ قُلْتُ: إِنِّي قَدْ فَعَلْتُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَفْعَلْ لَتَقُولُنَّ: قَدْ بَاءَتْ بِهِ عَلَى نَفْسِهَا، وَايْمُ اللَّهِ، مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا كَمَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمَا أَحْفَظُ اسْمَهُ: ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] . وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَتَئِذٍ، فَرُفِعَ عَنْهُ، وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ، وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ يَقُولُ: «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ، فَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ» فَكُنْتُ أَشَدَّ مَا كُنْتُ غَضَبًا، فَقَالَ لِي أَبَوَايَ: قَوْمِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُهُ، وَلَا أَحْمَدُكُمَا، لَقَدْ سَمِعْتُمُوهُ فَمَا أَنْكَرْتُمُوهُ، وَلَا غَيَّرْتُمُوهُ، وَلَكِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي. وَلَقَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْتِي، فَسَأَلَ الْجَارِيَةَ عَنِّي، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا عَيْبًا، إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَنَامُ حَتَّى كَانَتْ تَدْخُلُ الشَّاةُ فَتَأْكُلُ حَصِيرَهَا أَوْ عَجِينَهَا، فَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهَا: اصْدُقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ عُرْوَةُ: فَعَتَبَ عَلَى مَنْ قَالَهُ، فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ، مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ. وَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي قِيلَ لَهُ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ. فَقُتِلَ شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَتْ ⦗٢٠٩⦘ عَائِشَةُ: فَأَمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِدِينِهَا، فَلَمْ تَقُلْ إِلَّا خَيْرًا؛ وَأَمَّا حَمْنَةُ أُخْتُهَا، فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ. وَكَانَ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِ: الْمُنَافِقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ، وَكَانَ يَسْتَوْشِيهِ وَيَجْمَعُهُ، وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَمِسْطَحًا، وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، فَحَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ . يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ، ﴿أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ [النور: ٢٢] يَعْنِي: مِسْطَحًا، ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٢٢]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنَّا لَنُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَنَا وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ لمِسْطَحٍ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ بِهِ»
١٧ ‏/ ٢٠٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ، وَغَيْرِهِ، أَيْضًا، قَالَ: خَرَجَتْ عَائِشَةُ تُرِيدُ الْمَذْهَبَ، وَمَعَهَا أُمُّ مِسْطَحٍ. وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ مِمَّنْ قَالَ مَا قَالَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: «كَيْفَ تَرَوْنَ فِيمَنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي وَيَجْمَعُ فِي بَيْتِهِ مَنْ يُؤْذِينِي؟» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ كَانَ مِنَّا مَعْشَرَ الْأَوْسِ جَلَدْنَا رَأْسَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ، أَمَرْتَنَا فَأَطَعْنَاكَ. فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا ابْنَ مُعَاذٍ، وَاللَّهِ مَا بِكَ نُصْرَةُ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنَّهَا قَدْ كَانَتْ ضَغَائِنُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِحَنٌ لَمْ تَحْلِلْ لَنَا مِنْ صُدُورِكُمْ بَعْدُ ⦗٢١٠⦘ فَقَالَ ابْنُ مُعَاذٍ: اللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتُ. فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ عُبَادَةَ، إِنَّ سَعْدًا لَيْسَ شَدِيدًا، وَلَكِنَّكَ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ وَتَدْفَعُ عَنْهُمْ. وَكَثُرَ اللَّغَطُ فِي الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَمَا زَالَ النَّبِيُّ ﷺ يُومِئُ بِيَدِهِ إِلَى النَّاسِ هَاهُنَا، وَهَاهُنَا، حَتَّى هَدَأَ الصَّوْتُ وَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ، وَالَّذِي يَجْمَعُهُمْ فِي بَيْتِهِ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنَ سَلُولَ. قَالَتْ: فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَذْهَبِ وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ، فَعَثَرَتْ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، أَتَقُولِينَ هَذَا لِابْنِكِ، وَلِصَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، وَمَا شَعُرْتُ بِالَّذِي كَانَ. فَحَدَّثَتْ، فَذَهَبَ عَنِّي الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ، حَتَّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا. وَرَجَعْتُ عَلَى أَبَوَيَّ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمِّ رُومَانَ، فَقُلْتُ: أَمَا اتَّقَيْتُمَا اللَّهَ فِيَّ، وَمَا وَصَلْتُمَا رَحِمِي؟ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ الَّذِي قَالَ، وَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالَّذِي تَحَدَّثُوا بِهِ، وَلَمْ تُعْلِمَانِي فَأُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّةُ، وَاللَّهِ لَقَلَّمَا أَحَبَّ رَجُلٌ قَطُّ امْرَأَتَهُ إِلَّا قَالُوا لَهَا نَحْوَ الَّذِي قَالُوا لَكِ أَيْ بُنَيَّةُ ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ حَتَّى نَأْتِيَكِ فِيهِ فَرَجَعْتُ، وَارْتَكَبَنِي صَالِبٌ مِنْ حُمَّى، فَجَاءَ أَبَوَايَ فَدَخَلَا، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى جَلَسَ عَلَى سَرِيرِي وِجَاهِي، فَقَالَا: أَيْ بَيِّنَةُ، إِنْ كُنْتِ صَنَعْتِ مَا قَالَ النَّاسُ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ، وَإِنْ لَمْ تَكُونِي صَنَعْتِيهِ فَأَخْبِرِي رَسُولَ اللَّهِ بِعُذْرِكِ قُلْتُ: مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ إِلَّا كَأَبِي يُوسُفَ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ [يوسف: ١٨] . قَالَتْ: فَالْتَمَسْتُ اسْمَ يَعْقُوبَ، فَمَا قَدَرْتُ، أَوْ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ. فَشَخَصَ بَصَرُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى السَّقْفِ، وَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ وَجَدَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي ⦗٢١١⦘ عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥]، فَوَالَّذِي هُوَ أَكْرَمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، مَا زَالَ يَضْحَكُ حَتَّى إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى نَوَاجِذِهِ سُرُورًا، ثُمَّ مَسَحَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَبْشِرِي، قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَكِ» قُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ، لَا بِحَمْدِكَ، وَلَا بِحَمْدِ أَصْحَابِكَ. قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ﴾ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ. حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا بِنَافِعَةٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا رَحِمٌ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ﴾ . حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى، أَيْ رَبِّ فَعَادَ إِلَى الَّذِي كَانَ لمِسْطَحٍ ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . حَتَّى بَلَغَ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ . قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ كِتَابٌ، وَلَا أَطْمَعُ بِهِ، وَلَكِنْ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُؤْيَا تُذْهِبُ مَا فِي نَفْسِهِ. قَالَتْ: وَسَأَلَ الْجَارِيَةَ الْحَبَشِيَّةَ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَعَائِشَةُ أَطْيَبُ مِنْ طَيِّبِ الذَّهَبِ، وَمَا بِهَا عَيْبٌ إِلَّا أَنَّهَا تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا، وَلَئِنْ كَانَتْ صَنَعَتْ مَا قَالَ النَّاسُ لَيُخْبِرَنَّكَ اللَّهُ قَالَ: فَعَجِبَ النَّاسُ مِنْ فِقْهِهَا “
١٧ ‏/ ٢٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ ⦗٢١٢⦘ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] وَهَذَا عِتَابٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ إِرْجَافِ مَنْ أَرْجَفَ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ بِمَا أَرْجَفَ بِهِ. يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلَّا أَيُّهَا النَّاسُ إِذْ سَمِعْتُمْ مَا قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ فِي عَائِشَةَ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ مِنْكُمْ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا يَقُولُ: ظَنَنْتُمْ بِمَنْ قُرِفَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ خَيْرًا، وَلَمْ تَظُنُّوا بِهِ أَنَّهُ أَتَى الْفَاحِشَةَ. وَقَالَ ﴿بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الأنعام: ١٢٣] لِأَنَّ أَهْلَ الْإِسْلَامِ كُلَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ، رِجَالِ بَنِي النَّجَّارِ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ، خَالِدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ أَيُّوبَ: «أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي عَائِشَةَ؟ قَالَ: بَلَى، وَذَلِكَ الْكَذِبُ، أَكُنْتِ فَاعِلَةً ذَلِكَ يَا أُمَّ أَيُّوبَ؟ قَالَتْ: لَا وَاللَّهِ، مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَهُ. قَالَ: فَعَائِشَةُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِنْكِ. قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ الْقُرْآنُ، ذَكَرَ اللَّهُ مَنْ قَالَ فِي الْفَاحِشَةِ مَا قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ وَذَلِكَ حَسَّانُ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا، ثُمَّ قَالَ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [النور: ١٢] الْآيَةَ: أَيْ: كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَصَاحِبَتُهُ»
١٧ ‏/ ٢١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونِ، وَالْمُؤْمِنَاتُ، بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] مَا هَذَا الْخَيْرُ؟ ظَنَّ الْمُؤْمِنُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَمْ يَكُنْ لِيَفْجُرَ بِأُمِّهِ، وَأَنَّ الْأُمَّ لَمْ تَكُنْ لِتَفْجُرَ بِابْنِهَا، إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْجُرَ فَجَرَ بِغَيْرِ أُمِّهِ يَقُولُ: «إِنَّمَا كَانَتْ عَائِشَةُ أُمًّا، وَالْمُؤْمِنُونَ بَنُونَ لَهَا، مُحَرَّمًا عَلَيْهَا، وَقَرَأَ: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ الْآيَةَ»
١٧ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] قَالَ لَهُمْ خَيْرًا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَقُولُ: ﴿لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] . يَقُولُ: بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ قَالَ: يُسَلِّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ “
١٧ ‏/ ٢١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: ثنا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونِ، وَالْمُؤْمِنَاتُ، بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ١٢] يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ “
١٧ ‏/ ٢١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] يَقُولُ: وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ: هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِي رُمِيَ بِهِ عَائِشَةُ مِنَ الْفَاحِشَةِ: كَذِبٌ وَإِثْمٌ، يَبِينُ لِمَنْ عَقِلَ وَفَكَّرَ فِيهِ أَنَّهُ كَذِبٌ، وَإِثْمٌ، وَبُهْتَانٌ
١٧ ‏/ ٢١٣
كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا هَوْذَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿⦗٢١٤⦘ وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢] قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ إِلَّا مَنْ أَقَامَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً مِنَ الشُّهُودِ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا “
١٧ ‏/ ٢١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْعُصْبَةُ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ، وَرَمَوْا عَائِشَةَ بِالْبُهْتَانِ، بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَقَالَتِهِمْ فِيهَا، وَمَا رَمَوْهَا بِهِ فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا رَمَوْهَا بِهِ ﴿فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣] يَقُولُ: فَالْعُصْبَةُ الَّذِينَ رَمَوْهَا بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ فِيمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْإِفْكِ
١٧ ‏/ ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٨٣] أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ، الْمُشِيعُونَ فِيهَا الْكَذِبَ وَالْإِثْمَ، بِتَرْكِهِ تَعْجِيلَ عُقُوبَتِكُمْ ﴿وَرَحْمَتُهُ﴾ [البقرة: ٦٤] إِيَّاكُمْ، لِعَفْوِهِ عَنْكُمْ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [البقرة: ٢١٧] بِقَبُولِ تَوْبَتِكُمْ مِمَّا كَانَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ، ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا﴾ [الأنفال: ٦٨] خُضْتُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِهَا عَاجِلًا فِي الدُّنْيَا ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٧] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا ⦗٢١٥⦘ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ [النور: ١٠] هَذَا لِلَّذِينَ تَكَلَّمُوا فَنَشَرُوا ذَلِكَ الْكَلَامَ، ﴿لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٤]
١٧ ‏/ ٢١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ مِنْ شَأْنِ عَائِشَةَ عَذَابٌ عَظِيمٌ، حِينَ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ. وَ﴿إِذْ﴾ [البقرة: ١٣١] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٨] . وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور: ١٥] تَتَلَقَّوْنَ الْإِفْكَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْعُصْبَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ، فَتَقْبَلُونَهُ، وَيَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ؛ يُقَالُ: تَلَقَّيْتُ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ فُلَانٍ، بِمَعْنَى أَخَذْتُهُ مِنْهُ؛ وَقِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فِيمَا ذُكِرَ يَلْقَى آخَرَ فَيَقُولُ: أَوَ مَا بَلَغَكَ كَذَا وَكَذَا عَنْ عَائِشَةَ؟ لِيُشِيعَ عَلَيْهَا بِذَلِكَ الْفَاحِشَةَ. وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: «إِذْ تَتَلَقَّوْنَهُ» بِتَاءَيْنِ، وَعَلَيْهَا قِرَاءَةُ الْأَمْصَارِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا: ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور: ١٥] بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهَا كَذَلِكَ فِي مَصَاحِفِهِمْ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢١٥
مَا حَدَّثَنِي بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ نِزَارٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: «إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» تَقُولُ: «إِنَّمَا هُوَ وَلْقُ الْكَذِبِ، ⦗٢١٦⦘ وَتَقُولُ: إِنَّمَا كَانُوا يَلِقُونَ الْكَذِبَ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَهِيَ أَعْلَمُ بِمَا فِيهَا أُنْزِلَتْ. قَالَ نَافِعٌ: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: اللَّيْقُ: الْكَذِبُ»
١٧ ‏/ ٢١٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا «كانَتْ تَقْرَأُ: «إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ» وَهِيَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَفِيهَا أُنْزِلَتْ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: هُوَ مِنْ وَلْقِ الْكَذِبِ» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَأَنَّ عَائِشَةَ وَجَّهَتْ مَعْنَى ذَلِكَ بِقِرَاءَتِهَا «تَلِقُونَهُ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، إِلَى: إِذْ تَسْتَمِرُّونَ فِي كَذِبِكُمْ عَلَيْهَا، وَإِفْكِكِهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ، كَمَا يُقَالُ: وَلِقَ فُلَانٌ فِي السَّيْرِ فَهُوَ يَلِقُ: إِذَا اسْتَمَرَّ فِيهِ؛ وَكَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] إِنَّ الْجُلَيْدَ زَلِقٌ وَزُمَّلِقْ … جَاءَتْ بِهِ عَنْسٌ مِنَ الشَّأْمِ تَلِقْ
مُجَوَّعُ الْبَطْنِ كِلَابِيُّ الْخُلُقْ
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْعَرَبِ فِي الْوَلْقُ: الْكَذِبُ: الْأَلْقُ، وَالْإِلْقُ: بِفَتْحِ الْأَلِفِ ⦗٢١٧⦘ وَكَسْرِهَا، وَيُقَالُ فِي فَعَلْتُ مِنْهُ: أَلِقْتُ، فَأَنَا أَلِقُ؛ وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
[البحر الرجز] مِنْ لِيَ بِالْمُزَرَّرِ … الْيَلَامِقِ صَاحِبِ أَدْهَانٍ وَأَلْقٍ آلِقِ
وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور: ١٥] عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ [النور: ١٥] قَالَ: تَرْوُونَهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ “
١٧ ‏/ ٢١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ [النور: ١٥] قَالَ: «تَرْوُونَهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ»
١٧ ‏/ ٢١٧
قَوْلُهُ: ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ [النور: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي تَرْوُونَهُ، فَتَقُولُونَ: سَمِعْنَا أَنَّ عَائِشَةَ فَعَلَتْ كَذَا وَكَذَا، وَلَا تَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ ذَلِكَ، وَلَا صِحَّتَهُ. وَتَظُنُّونَ أَنَّ قَوْلَكُمْ ذَلِكَ وَرُوَايَتَكُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَتَلَقِّيَكُمُوهُ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ، هَيِّنٌ سَهْلٌ، لَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَا حَرَجٌ. ﴿وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيم﴾ [النور: ١٥] يَقُولُ: وَتَلَقِّيكُمْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُكُمُوهُ بِأَفْوَاهِكُمْ، عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ مِنَ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ تُؤْذُونَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَحَلِيلَتَهُ
١٧ ‏/ ٢١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَلَوْلَا﴾ [البقرة: ٦٤] أَيُّهَا الْخَائِضُونَ فِي الْإِفْكِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ، ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ [النور: ١٢] مِمَّنْ جَاءَ بِهِ، ﴿قُلْتُمْ﴾ [البقرة: ٥٥] مَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا، وَمَا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَفَوَّهَ بِهِ ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] تَنْزِيهًا لَكَ يَا رَبِّ، وَبَرَاءَةٌ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ؛ ﴿هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ١٦] يَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
١٧ ‏/ ٢١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُذَكِّرُكُمُ اللَّهُ، وَيَنْهَاكُمْ بِآيِ كِتَابِهِ، لِئَلَّا تَعُودُوا لِمِثْلِ فِعْلِكُمُ الَّذِي فَعَلْتُمُوهُ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ مِنْ تَلَقِّيكُمُ الْإِفْكَ الَّذِي رُوِيَ عَلَيْهَا بِأَلْسِنَتِكُمْ، وَقَوْلِكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فِيهَا أَبَدًا ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩١] . يَقُولُ: إِنْ كُنْتُمْ ⦗٢١٩⦘ تَتَّعِظُونَ بِعِظَاتِ اللَّهِ، وَتَأْتَمِرُونَ لِأَمْرِهِ، وَتَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [النور: ١٨] قَالَ: «وَالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَنَا مِنْ هَذَا، أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَنَا هَذَا لِكَيْلَا نَقَعَ فِيهِ، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَعْلَمَنَا لَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكَ الْقَوْمُ، أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: أَنَا سَمِعْتُهُ، وَلَمْ أَخْتَرِقْهُ، وَلَمْ أَتَقَوَّلْهُ، فَكَانَ خَيْرًا حِينَ أَعْلَمَنَاهُ اللَّهُ، لِئَلَّا نَدْخُلَ فِي مِثْلِهِ أَبَدًا، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ»
١٧ ‏/ ٢١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ [النور: ١٨] وَيُفَصِّلُ اللَّهُ لَكُمْ حُجَجَهُ عَلَيْكُمْ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، لِيَتَبَيَّنَ الْمُطِيعُ لَهُ مِنْكُمْ مِنَ الْعَاصِي، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِكُمْ، وَبِأَفْعَالِكُمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازٍ الْمُحْسِنَ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، حَكِيمٌ فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ، وَتَكْلِيفِهِ مَا كَلَّفَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَفَرْضِهِ مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَفْعَالِ
١٧ ‏/ ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النور: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ يَذِيعَ الزِّنَا فِي الَّذِينَ صَدَّقُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَظْهَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٩١] يَقُولُ: لَهُمْ عَذَابٌ وَجِيعٌ فِي الدُّنْيَا، بِالْحَدِّ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ حَدًّا لِرَامِي الْمُحْصَنَاتِ وَالْمُحْصَنِينَ إِذَا رَمَوْهُمْ بِذَلِكَ، وَفِي ⦗٢٢٠⦘ الْآخِرَةِ عَذَابُ جَهَنَّمَ إِنْ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى ذَلِكَ غَيْرَ تَائِبٍ
١٧ ‏/ ٢١٩
كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ [النور: ١٩] قَالَ: «تَظْهَرُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ»
١٧ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩] قَالَ: الْخَبِيثُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، الْمُنَافِقُ، الَّذِي أَشَاعَ عَلَى عَائِشَةَ مَا أَشَاعَ عَلَيْهَا مِنَ الْفِرْيَةِ، ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ١٩]
١٧ ‏/ ٢٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ [النور: ١٩] قَالَ: تَظْهَرُ؛ يَتَحَدَّثُ عَنْ شَأْنِ عَائِشَةَ “
١٧ ‏/ ٢٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ كَذِبَ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ مِنْ صِدْقِهِمْ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. يَقُولُ: فَلَا تَرْوُوا مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ مِنَ الْإِفْكِ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَلَا سِيَّمَا عَلَى حَلَائِلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَتَهْلِكُوا
١٧ ‏/ ٢٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ⦗٢٢١⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا أَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَرَحِمَكُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ ذُو رَأْفَةٍ، ذُو رَحْمَةٍ بِخَلْقِهِ، لَهَلَكْتُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ، وَعَاجَلَتْكُمْ مِنَ اللَّهِ الْعُقُوبَةُ. وَتَرَكَ ذِكْرَ الْجَوَابِ لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [النور: ٢١] . الْآيَةُ
١٧ ‏/ ٢٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [النور: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ بِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، لَا تَسْلُكُوا سَبِيلَ الشَّيْطَانِ وَطُرُقَهُ، وَلَا تَقْتَفُوا آثَارَهُ، بِإِشَاعَتِكُمُ الْفَاحِشَةَ فِي الَّذِينَ آمَنُوا، وَإِذَاعَتِكُمُوهَا فِيهِمْ، وَرِوَايَتِكُمْ ذَلِكَ عَمَّنْ جَاءَ بِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَهِيَ الزِّنَا وَالْمُنْكَرِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْخُطُوَاتِ وَالْفَحْشَاءِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدَ ذَلِكَ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٧ ‏/ ٢٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَرَحْمَتُهُ لَكُمْ، مَا تَطَهَّرَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِ وَشِرْكِهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُطَهِّرُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: ٢١] يَقُولُ: «مَا اهْتَدَى مِنْكُمْ مِنَ الْخَلَائِقِ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ يَنْفَعُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَمْ يَتَّقِ شَيْئًا مِنَ الشَّرِّ يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ»
١٧ ‏/ ٢٢٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ [النور: ٢١] قَالَ: «مَا زَكَى: مَا أَسْلَمَ» وَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ زَكَى أَوْ تَزَكَّى فَهُوَ الْإِسْلَامُ»
١٧ ‏/ ٢٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٤] يَقُولُ: وَاللَّهُ سُمَيْعٌ لِمَا تَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ، وَتَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِكُمْ، عَلِيمٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَبِغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِكُمْ، مُحِيطٌ بِهِ، مُحْصِيهِ عَلَيْكُمْ، لِيُجَازِيَكُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَحْلِفْ بِاللَّهِ ذَوُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ، يَعْنِي ذَوِي التَّفَضُّلِ وَالسَّعَةِ؛ يَقُولُ: وَذَوُو الْجِدَةِ.
١٧ ‏/ ٢٢٢
وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢]؛ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ. ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] بِمَعْنَى: يَفْتَعِلْ، مِنَ الْأَلِيَّةِ، وَهِيَ الْقَسَمُ بِاللَّهِ؛ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. فَإِنَّهُ ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَرَآ ذَلِكَ: (وَلَا يَتَأَلَّ) بِمَعْنَى: يَتَفَعَّلُ، مِنَ الْأَلِيَّةِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] بِمَعْنَى يَفْتَعِلُ، مِنَ الْأَلِيَّةِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ كَذَلِكَ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى مُخَالِفَةٌ خَطَّ الْمُصْحَفِ، فَاتِّبَاعُ الْمُصْحَفِ، مَعَ قِرَاءَةِ جَمَاعَةِ الْقُرَّاءِ، وَصِحَّةِ الْمَقْرُوءِ بِهِ أَوْلَى مِنْ خِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِنَّمَا عُنِيَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي حَلِفِهِ بِاللَّهِ، لَا يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَا يَحْلِفْ مَنْ كَانَ ذَا فَضْلٍ مِنْ مَالٍ وَسِعَةٍ مِنْكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، أَلَّا يُعْطُوا ذَوِي قَرَابَتِهِمْ فَيَصِلُوا بِهِ أَرْحَامَهُمْ، كَمِسْطَحٍ، وَهُوَ ابْنُ خَالَةِ أَبِي بَكْرٍ ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾ [البقرة: ٨٣] يَقُولُ: وَذَوِي خَلَّةِ الْحَاجَةِ، وَكَانَ مِسْطَحٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهُ كَانَ فَقِيرًا مُحْتَاجًا. ﴿وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢٢] وَهُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي جِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَكَانَ مِسْطَحٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَدْرًا ﴿وَلْيَعْفُوا﴾ [النور: ٢٢] يَقُولُ: وَلْيَعْفُوا عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ مِنْ جُرْمٍ، وَذَلِكَ كَجُرْمِ مِسْطَحٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي إِشَاعَتِهِ عَلَى ابْنَتَهِ عَائِشَةَ مَا أَشَاعَ مِنَ الْإِفْكِ ﴿وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢] يَقُولُ: وَلْيَتْرُكُوا عُقُوبَتَهُمْ عَلَى
١٧ ‏/ ٢٢٣
ذَلِكَ، بِحِرْمَانِهِمْ مَا كَانُوا يُؤْتُونَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَعُودُوا لَهُمْ إِلَى مِثْلِ الَّذِي كَانُوا لَهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِفْضَالِ عَلَيْهِمْ. ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٢] يَقُولُ: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَسْتُرَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُنُوبَكُمْ بِإِفْضَالِكُمْ عَلَيْهِمْ، فَيَتْرُكَ عُقُوبَتَكُمْ عَلَيْهَا. ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾ [البقرة: ٢١٨] لِذُنُوبِ مَنْ أَطَاعَهُ، وَاتَّبَعَ أَمْرَهُ، ﴿رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] رَحِيمٌ بِهِمْ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ مَعَ اتِّبَاعِهِمْ أَمْرَهُ، وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، عَلَى مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ زَلَّةٍ وَهَفْوَةٍ قَدِ اسْتَغْفَرُوهُ مِنْهَا، وَتَابُوا إِلَيْهِ مِنْ فِعْلِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: وَثَنِي ابْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَ هَذَا يَعْنِي قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ﴾ فِي عَائِشَةَ، وَفِيمَنْ قَالَ لَهَا مَا قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَحَاجَتِهِ: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا، وَلَا أَنْفَعُهُ بِنَفْعٍ أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا أَدْخَلَ قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ . الْآيَةَ. قَالَتْ: فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ نَفَقَتُهُ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: ⦗٢٢٥⦘ وَاللَّهِ لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا»
١٧ ‏/ ٢٢٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ يَقُولُ: «لَا تُقْسِمُوا أَلَّا تَنْفَعُوا أَحَدًا»
١٧ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: «كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدْ رَمَوْا عَائِشَةَ بِالْقَبِيحِ، وَأَفْشُوا ذَلِكَ، وَتَكَلَّمُوا بِهِ، فَأَقْسَمَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، أَلَّا يَتَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَا يَصِلُهُ، فَقَالَ: لَا يُقْسِمْ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يَصِلُوا أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يُعْطُوهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ. فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ، وَأَنْ يُعْفَى عَنْهُمْ»
١٧ ‏/ ٢٢٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عُذْرَ عَائِشَةَ مِنَ السَّمَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَآخَرُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: وَاللَّهِ لَا نَصِلُ رَجُلًا مِنْهُمْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ شَأْنِ عَائِشَةَ، وَلَا نَنْفَعُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ ⦗٢٢٦⦘ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ يَقُولُ: وَلَا يَحْلِفْ “
١٧ ‏/ ٢٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى﴾ قَالَ: «كَانَ مِسْطَحٌ ذَا قَرَابَةٍ. ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾ [النور: ٢٢] قَالَ: كَانَ مِسْكِينًا. ﴿وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [النور: ٢٢] كَانَ بَدْرِيًّا»
١٧ ‏/ ٢٢٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ﴾ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ كَانَ أَشَاعَ ذَلِكَ. فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ: بَلَى أَنَا أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَلَأَكُونَنَّ لِيَتِيمِي خَيْرَ مَا كُنْتُ لَهُ قَطُّ»
١٧ ‏/ ٢٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ﴾ [النور: ٢٣] بِالْفَاحِشَةِ ﴿الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] يَعْنِي الْعَفِيفَاتِ ﴿الْغَافِلَاتِ﴾ [النور: ٢٣] عَنِ الْفَوَاحِشِ ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النساء: ٢٥] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [النور: ٢٣] يَقُولُ: أُبْعِدُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ﴿وَلَهُمْ﴾ [البقرة: ٧] فِي الْآخِرَةِ ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٧] وَذَلِكَ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُحْصَنَاتِ اللَّاتِي هَذَا حُكْمُهُنَّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا ذَلِكَ لِعَائِشَةَ خَاصَّةً، وَحُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِيهَا وَفِيمَنْ رَمَاهَا، دُونَ سَائِرِ نِسَاءِ أُمَّةِ نَبِيِّنَا ﷺ
١٧ ‏/ ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: ثنا خُصَيْفٌ، قَالَ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «الزِّنَا أَشَدُّ أَمْ قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ؟ فَقَالَ: الزِّنَا. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . الْآيَةَ؟ قَالَ سَعِيدٌ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا لِعَائِشَةَ خَاصَّةً»
١٧ ‏/ ٢٢٧
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: “رُمِيتُ بِمَا رُمِيتُ بِهِ وَأَنَا غَافِلَةٌ، فَبَلَغَنِي بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَتْ: فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدِي جَالِسٌ، إِذْ أُوحِيَ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أُوحِيَ إِلَيْهِ أَخَذَهُ كَهَيْئَةِ السُّبَاتِ. وَإِنَّهُ أُوحِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدِي، ثُمَّ اسْتَوَى جَالِسًا يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَبْشِرِي» قَالَتْ: فَقُلْتُ: بِحَمْدِ اللَّهِ لَا بِحَمْدِكَ فَقَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . حَتَّى بَلَغَ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ النِّسَاءِ غَيْرَهُنَّ
١٧ ‏/ ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ⦗٢٢٨⦘ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] الْآيَةَ، أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً ” وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، وَعُنِيَ بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. قَالُوا: فَذَلِكَ حُكْمُ كُلِّ مَنْ رَمَى مُحْصَنَةً لَمْ تُقَارِفْ سُوءًا
١٧ ‏/ ٢٢٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، قَالَ: «سَأَلْتُ مَيْمُونًا، قُلْتُ: الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: ﴿الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [آل عمران: ٨٩] فَجَعَلَ فِي هَذِهِ تَوْبَةً، وَقَالَ فِي الْأُخْرَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] قَالَ مَيْمُونٌ: أَمَّا الْأُولَى، فَعَسَى أَنْ تَكُونَ قَدْ قَارَفَتْ، وَأَمَّا هَذِهِ، فَهِيَ الَّتِي لَمْ تُقَارِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ»
١٧ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ شَيْخٍ، مِنْ بَنِي أَسَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَسَّرَ سُورَةَ النُّورِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . الْآيَةَ قَالَ: هَذَا فِي شَأْنِ عَائِشَةَ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهِيَ مُبْهَمَةٌ، وَلَيْسَتْ لَهُمْ تَوْبَةٌ. ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ ⦗٢٢٩⦘ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [آل عمران: ٨٩] . الْآيَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ لِهَؤُلَاءِ تَوْبَةً، وَلَمْ يَجْعَلْ لِمَنْ قَذَفَ أُولَئِكَ تَوْبَةً. قَالَ: فَهَمَّ بَعْضُ الْقَوْمِ أَنْ يَقُومَ إِلَيْهِ فَيُقَبِّلَ رَأْسَهُ مِنْ حُسْنِ مَا فَسَّرَ سُورَةَ النُّورِ “
١٧ ‏/ ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] قَالَ: هَذَا فِي عَائِشَةَ، وَمَنْ صَنَعَ هَذَا الْيَوْمَ فِي الْمُسْلِمَاتِ فَلَهُ مَا قَالَ اللَّهُ، وَلَكِنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِمَامَ ذَلِكَ ” وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَأَوْجَبَ الْجَلْدَ، وَقَبِلَ التَّوْبَةَ.
١٧ ‏/ ٢٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] . إِلَى ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] يَعْنِي أَزْوَاجَ النَّبِيِّ ﷺ، رَمَاهُنَّ أَهْلُ النِّفَاقِ، فَأَوْجَبَ اللَّهُ لَهُمُ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ، وَبَاءُوا بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ، ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ [النور: ٤] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٩٢] فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْجَلْدَ وَالتَّوْبَةَ، فَالتَّوْبَةُ تُقْبَلُ، وَالشَّهَادَةُ تُرَدُّ ” ⦗٢٣٠⦘ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي شَأْنِ عَائِشَةَ، وَالْحُكْمُ بِهَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا فِيهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٢٣] كُلَّ مُحْصَنَةٍ غَافِلَةٍ مُؤْمِنَةٍ رَمَاهَا رَامٍ بِالْفَاحِشَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخُصَّ بِذَلِكَ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، فَكُلُّ رَامٍ مُحْصَنَةً بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَمَلْعُونٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَنْبِهِ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ دَلَّ بِاسْتِثْنَائِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا﴾ [آل عمران: ٨٩] عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حُكْمُ رَامِي كُلِّ مُحْصَنَةٍ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتِ الْمُحْصَنَةُ الْمُؤْمِنَةُ الْمَرْمِيَّةُ، وَعَلَى أَنَّ قَوْلُهُ: ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور: ٢٣] مَعْنَاهُ: لَهُمْ ذَلِكَ إِنْ هَلَكُوا وَلَمْ يَتُوبُوا
١٧ ‏/ ٢٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَشْهَدَ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] فَـ الْيَوْمُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾ [النور: ٢٤] مِنْ صِلَةِ قَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [البقرة: ٧] . وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ [النور: ٢٤] يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ وَذَلِكَ حِينَ يَجْحَدُ أَحَدُهُمَا مَا اكْتَسَبَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الذُّنُوبِ عِنْدَ تَقْرِيرِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِهَا، فَيَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ، وَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ حِينَ يُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ؟ قِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ أَلْسِنَةَ بَعْضِهِمْ تَشْهَدُ عَلَى بَعْضٍ، لَا أَنَّ أَلْسِنَتَهُمْ تَنْطِقُ وَقَدْ ⦗٢٣١⦘ خُتِمَ عَلَى الْأَفْوَاهِ
١٧ ‏/ ٢٣٠
وَقَدْ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو، عَنْ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عُرِّفَ الْكَافِرُ بِعَمَلِهِ، فَجَحَدَ وَخَاصَمَ، فَيُقَالُ لَهُ: هَؤُلَاءِ جِيرَانُكُ يَشْهَدُونَ عَلَيْكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا فَيَقُولُ: أَهْلُكَ وَعَشِيرَتُكَ، فَيَقُولُ: كَذَبُوا فَيَقُولُ: أَتَحْلِفُونَ؟ فَيَحْلِفُونَ. ثُمَّ يُصْمِتُهُمُ اللَّهُ، وَتَشْهَدُ أَلْسِنَتُهُمْ، ثُمَّ يُدْخِلُهُمُ النَّارَ»
١٧ ‏/ ٢٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النور: ٢٤] يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ حِسَابَهُمْ وَجَزَاءَهُمُ الْحَقَّ عَلَى أَعْمَالِهِمْ. وَالدِّينُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْحِسَابُ وَالْجَزَاءُ
١٧ ‏/ ٢٣١
كَمَا حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] يَقُولُ «حِسَابَهُمْ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ⦗٢٣٢⦘. ﴿دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] نَصْبًا عَلَى النَّعْتِ لِلدِّينِ، كَأَنَّهُ قَالَ: يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَقًّا. ثُمَّ أَدْخَلَ فِي الْحَقِّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ، فَنُصِبَ بِمَا نُصِبَ بِهِ الدِّينُ. وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ: «يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقُّ» بِرَفْعِ الْحَقِّ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ اللَّهِ
١٧ ‏/ ٢٣١
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ، أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «أَنَّهُ قَرَأَهَا» الْحَقُّ «بِالرَّفْعِ. قَالَ جَرِيرٌ. وَقَرَأْتُهَا فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ الْحَقَّ دِينَهُمْ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ نَصْبُ الْحَقِّ عَلَى إتِّبَاعِهِ إَعْرَابَ الدِّينِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ
١٧ ‏/ ٢٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ [النور: ٢٥] يَقُولُ: وَيَعْلَمُونَ يَوْمَئِذٍ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي يُبَيِّنُ لَهُمْ حَقَائِقَ مَا كَانَ يَعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْعَذَابِ، وَيَزُولُ حِينَئِذٍ الشَّكُّ فِيهِ عَنْ أَهْلِ النِّفَاقِ الَّذِينَ كَانُوا فِيمَا كَانَ يَعِدُهُمْ فِي الدُّنْيَا يَمْتَرُونَ
١٧ ‏/ ٢٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ
١٧ ‏/ ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ [النور: ٢٦] يَقُولُ: «الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ»
١٧ ‏/ ٢٣٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ﴾ [النور: ٢٦] يَقُولُ: الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَالُوا فِي زَوْجَةِ النَّبِيِّ ﷺ مَا قَالُوا مِنَ الْبُهْتَانِ. وَيُقَالُ: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ: الْأَعْمَالُ الْخَبِيثَةُ تَكُونُ لِلْخَبِيثِينَ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْأَعْمَالِ تَكُونُ لِلطَّيِّبِينَ
١٧ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى،؛ عَنِ ابْنِ أَبِي ⦗٢٣٤⦘ نَجِيحٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: الطَّيِّبَاتُ: الْقَوْلُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ مِنَ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ فَهُوَ لِلْمُؤْمِنِ؛ وَالْخَبِيثَاتُ: الْقَوْلُ الْخَبِيثُ يَخْرُجُ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَهُوَ لِلْكَافِرِ. ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَرَّأَ كِلَيْهِمَا مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَامِ “
١٧ ‏/ ٢٣٣
حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ: الْقَوْلُ السَّيِّئُ وَالْحَسَنُ؛ لِلْمُؤْمِنِينَ الْحَسَنُ، وَلِلْكَافِرِينَ السَّيِّئُ. ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ وَذَلِكَ بِأَنَّهُ مَا قَالَ الْكَافِرُونَ مِنْ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ فَهِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَمَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ فَهِيَ لِلْكَافِرِينَ، كُلٌّ بَرِيءٌ مِمَّا لَيْسَ بِحَقٍّ مِنَ الْكَلَامِ “
١٧ ‏/ ٢٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: «الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، ⦗٢٣٥⦘ وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْكَلَامِ» حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٣٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] . الْآيَةَ، يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ. فَهَذَا فِي الْكَلَامِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا لِعَائِشَةَ مَا قَالُوا، هُمُ الْخَبِيثُونَ. وَالطَّيِّبُونَ هُمُ الْمُبَرَّءُونَ مِمَّا قَالَ الْخَبِيثُونَ “
١٧ ‏/ ٢٣٥
حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ يَعْنِي ابْنَ نُبَيْطٍ الْأَشْجَعِيَّ، عَنِ الضَّحَّاكِ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: «الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ»
١٧ ‏/ ٢٣٥
قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَعُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْكَلَامِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ “
١٧ ‏/ ٢٣٥
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: «الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ»
١٧ ‏/ ٢٣٦
قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ مُقَدَّمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ “
١٧ ‏/ ٢٣٦
قَالَ: ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] يَقُولُ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ “
١٧ ‏/ ٢٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: “﴿⦗٢٣٧⦘ الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ، وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: «الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ، وَالْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الْخَبِيثَاتُ مِنَ النِّسَاءِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ الرِّجَالِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
١٧ ‏/ ٢٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦] قَالَ: «نَزَلَتْ فِي عَائِشَةَ حِينَ رَمَاهَا الْمُنَافِقُ بِالْبُهْتَانِ وَالْفِرْيَةِ، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَيٍّ هُوَ خَبِيثٌ، وَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ لَهُ الْخَبِيثَةُ وَيَكُونَ لَهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَيِّبًا، وَكَانَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ لَهُ الطَّيِّبَةُ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ الطَّيِّبَةَ، وَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهَا الطَّيِّبُ. ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ قَالَ: هَاهُنَا بُرِّئَتْ عَائِشَةُ. ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٤]» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِالْخَبِيثَاتِ: الْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ وَذَلِكَ قَبِيحُهُ وَسَيِّئُهُ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَالْخَبِيثُونَ مِنَ النَّاسِ لِلْخَبِيثَاتِ مِنَ الْقَوْلِ؛ هُمْ بِهَا أَوْلَى، لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا. وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ وَذَلِكَ حَسَنُهُ ⦗٢٣٨⦘ وَجَمِيلُهُ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ، وَالطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ لِلطَّيِّبَاتِ مِنَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُهَا وَأَحَقُّ بِهَا. وَإِنَّمَا قُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ الْآيَاتِ قَبْلَ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَتْ بِتَوْبِيخِ اللَّهِ لِلْقَائِلِينَ فِي عَائِشَةَ الْإِفْكَ، وَالرَّامِينَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَإِخْبَارِهِمْ مَا خَصَّهُمْ بِهِ عَلَى إِفْكِهِمْ، فَكَانَ خَتْمُ الْخَبَرِ عَنْ أَوْلَى الْفَرِيقَيْنِ بِالْإِفْكِ مِنَ الرَّامِي وَالْمَرْمِيِّ بِهِ أَشْبَهَ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ غَيْرِهِمْ
١٧ ‏/ ٢٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ﴾ يَقُولُ: الطَّيِّبُونَ مِنَ النَّاسِ مُبَرَّءُونَ مِنْ خَبِيثَاتِ الْقَوْلِ، إِنْ قَالُوهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَصْفَحُ لَهُمْ عَنْهَا، وَيَغْفِرُهَا لَهُمْ، وَإِنْ قِيلَتْ فِيهِمْ ضَرَّتْ قَائِلَهَا وَلَمْ تَضُرَّهُمْ، كَمَا لَوْ قَالَ الطَّيِّبَ مِنَ الْقَوْلِ الْخَبِيثُ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَتَقَبَّلُهُ، وَلَوْ قِيلَتْ لَهُ لَضَرَّتْهُ، لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ عَارُهَا فِي الدُّنْيَا، وَذُلُّهَا فِي الْآخِرَةِ
١٧ ‏/ ٢٣٨
كَمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ فَمَنْ كَانَ طَيِّبًا فَهُوَ مُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ خَبِيثٍ، يَقُولُ: يَغْفِرَهُ اللَّهُ؛ وَمَنْ كَانَ خَبِيثًا فَهُوَ مُبَرَّأٌ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ صَالِحٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ” وَقَدْ قِيلَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ عَائِشَةُ، وَصَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قِيلَ ﴿أُولَئِكَ﴾ [النور: ٢٦] فَجَمَعَ، وَالْمُرَادُ: ذَانِكَ، كَمَا قِيلَ: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾ [النساء: ١١]، وَالْمُرَادُ أَخَوَانِ
١٧ ‏/ ٢٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] يَقُولُ: لِهَؤُلَاءِ الطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ لِذُنُوبِهِمْ، وَالْخَبِيثِ مِنَ الْقَوْلِ إِنْ كَانَ مِنْهُمْ ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤] يَقُولُ: وَلَهُمْ أَيْضًا مَعَ الْمَغْفِرَةِ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ كَرِيمَةٌ، وَذَلِكَ الْجَنَّةُ، وَمَا أَعَدَّ لَهُمْ فِيهَا مِنَ الْكَرَامَةِ
١٧ ‏/ ٢٣٩
كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: ثنا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٧٤] مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِمْ، وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي الْجَنَّةِ “
١٧ ‏/ ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النور: ٢٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا
١٧ ‏/ ٢٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَأُ: «لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا» قَالَ: وَإِنَّمَا ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] وَهْمٌ مِنَ الْكُتَّابِ»
١٧ ‏/ ٢٣٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] وَقَالَ: إِنَّمَا هِيَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِمِثْلِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا» وَلَكِنَّهَا سَقْطٌ مِنَ الْكَاتِبِ
١٧ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: أَخْطَأَ الْكَاتِبُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» وَكَانَ يَقْرَؤُهَا عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ “
١٧ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، أَنَّهُ ” كَانَ يَقْرَؤُهَا: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا»
١٧ ‏/ ٢٤٠
قَالَ سُفْيَانُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ ” كَانَ يَقْرَؤُهَا: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا» وَقَالَ: إِنَّهَا خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ
١٧ ‏/ ٢٤٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «الِاسْتِئْنَاسُ: الِاسْتِئْذَانُ»
١٧ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: “فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا»
١٧ ‏/ ٢٤١
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ «كَانَ يَقْرَؤُهَا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا» قَالَ: وَإِنَّمَا ﴿تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] وَهْمٌ مِنَ الْكُتَّابِ»
١٧ ‏/ ٢٤١
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ،، قَالَ مُغِيرَةُ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «جَاءَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ حَاجَةٍ وَقَدْ آذَاهُ الرَّمْضَاءُ، فَأَتَى فُسْطَاطَ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ فَقَالَتِ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ فَأَعَادَ، فَأَعَادَتْ، وَهُوَ يُرَاوِحُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ قَالَ: قُولِي ادْخُلْ قَالَتِ: ادْخُلْ فَدَخَلَ»
١٧ ‏/ ٢٤١
قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الثَّقَفِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: أَلِجُ أَوْ أَنَلِجُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَمَةٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا رَوْضَةٌ «قُومِي إِلَى هَذَا فَكَلِّمِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يُحْسِنُ يَسْتَأْذِنُ، فَقُولِي لَهُ يَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟» فَسَمِعَهَا الرَّجُلُ، ⦗٢٤٢⦘ فَقَالَهَا، فَقَالَ: «ادْخُلْ»
١٧ ‏/ ٢٤١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: الِاسْتِئْذَانُ، ثُمَّ نُسِخَ، وَاسْتَثْنَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩]
١٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَوْلُهُ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا»
١٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا»
١٧ ‏/ ٢٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ كُرْدُوسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْتَأْذِنُوا عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ وَأَخَوَاتِكُمْ»
١٧ ‏/ ٢٤٢
قَالَ أشعتُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ: أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَكُونُ فِي مَنْزِلِي عَلَى الْحَالِ الَّتِي لَا أُحِبُّ أَنْ يَرَانِيَ أَحَدٌ عَلَيْهَا وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَزَالُ يَدْخُلُ عَلَيَّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي وَأَنَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ؟ قَالَ: فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى ⦗٢٤٣⦘ أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] . الْآيَةُ» وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: حَتَّى تُؤْنِسُوا أَهْلَ الْبَيْتِ بِالتَّنَحْنُحِ وَالتَّنَخُّمِ وَمَا أَشْبَهَهُ، حَتَّى يَعْلَمُوا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْهِمْ
١٧ ‏/ ٢٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «حَتَّى تَتَنَحْنَحُوا وَتَتَنَخَّمُوا» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «حَتَّى تُجَرِّسُوا وَتُسَلِّمُوا»
١٧ ‏/ ٢٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «تَنَحْنَحُوا وَتَنَخَّمُوا»
١٧ ‏/ ٢٤٣
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، يُخْبِرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «ثَلَاثُ آيَاتٍ قَدْ جَحَدَهُنَّ النَّاسُ، قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ ⦗٢٤٤⦘ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣] . قَالَ: وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُهُمْ شَأْنًا. قَالَ: وَالْإِذْنُ كُلُّهُ قَدْ جَحَدَهُ النَّاسُ؛ فَقُلْتُ لَهُ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أَخَوَاتِي؟ أَيْتَامٌ فِي حِجْرِي مَعِي فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَرَدَدْتُ عَلَى مَنْ حَضَرَنِي، فَأَبَى قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ فَرَاجَعْتُهُ أَيْضًا قَالَ: أَتُحِبُّ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَاسْتَأْذِنْ فَقَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّكَ لَتُرَدِّدُ عَلَيْهِ قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ يُرَخِّصَ لِي»
١٧ ‏/ ٢٤٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: “مَا مِنَ امْرَأَةَ أَكْرَهُ إِلَيَّ أَنْ أَرَى كَأَنَّهُ يَقُولُ: عُرْيَتَهَا أَوْ عُرْيَانَةً مِنْ ذَاتِ مَحْرَمٍ. قَالَ: وَكَانَ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢٤٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: “وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا، فَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ إِذَا احْتَلَمُوا أَنْ يَسْتَأْذِنُوا عَلَى مَنْ كَانَ مِنَ النَّاسِ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَوَاجِبٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَى أُمِّهِ، وَمَنْ وَرَاءَهَا مِنْ ذَاتِ قَرَابَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: أَبِرٌّ وَجَبَ؟ قَالَ قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ [النور: ٥٩]
١٧ ‏/ ٢٤٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ زِيَادٍ أَنَّ صَفْوَانَ مَوْلًى لِبَنِي زُهْرَةَ، أَخْبَرَهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ» . قَالَ: ⦗٢٤٥⦘ إِنَّهَا لَيْسَ لَهَا خَادِمٌ غَيْرِي، أَفَأَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا كُلَّمَا دَخَلْتُ؟ قَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟» قَالَ الرَّجُلُ: لَا. قَالَ: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا»
١٧ ‏/ ٢٤٤
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ الْأَوْدِيَّ الْأَعْمَى، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «عَلَيْكُمُ الْإِذْنُ عَلَى أُمَّهَاتِكُمْ»
١٧ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتِهِ؟ قَالَ: لَا»
١٧ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَخِي زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْنَبٍ، قَالَتْ: «كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ، تَنَحْنَحَ وَبَزَقَ، كَرَاهَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ»
١٧ ‏/ ٢٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] قَالَ: «الِاسْتِئْنَاسُ: التَّنَحْنُحُ وَالتَّجَرُّسُ، حَتَّى يَعْرِفُوا أَنْ قَدْ جَاءَهُمْ أحَدٌ. قَالَ: وَالتَّجَرُّسُ: كَلَامُهُ وَتَنَحْنُحُهُ» وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الِاسْتِئْنَاسَ: الِاسْتِفْعَالُ مِنَ
١٧ ‏/ ٢٤٥
الْأُنْسِ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ أَهْلَ الْبَيْتِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، مُخْبِرًا بِذَلِكَ مَنْ فِيهِ، وَهَلْ فِيهِ أحَدٌ؟ وَلْيُؤْذِنْهُمْ أَنَّهُ دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ، فَلْيَأْنَسْ إِلَى إِذْنِهِمْ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَيَأْنَسُوا إِلَى اسْتِئْذَانِهِ إِيَّاهُمْ وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: اذْهَبْ فَاسْتَأْنِسْ، هَلْ تَرَى أَحَدًا فِي الدَّارِ؟ بِمَعْنَى: انْظُرْ هَلْ تَرَى فِيهَا أَحَدًا؟ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا، وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، أَدْخُلُ؟ وَهُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، إِنَّمَا هُوَ: حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا، كَمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
١٧ ‏/ ٢٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٥٤] يَقُولُ: اسْتِئْنَاسُكُمْ وَتَسْلِيمُكُمْ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِي تُرِيدُونَ دُخُولَهُ، فَإِنَّ دُخُولَكُمُوهُ خَيْرٌ لَكُمْ؛ لِأَنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ أَنَّكُمْ إِذَا دَخَلْتُمُوهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ، عَلَى مَاذَا تَهْجُمُونَ؟ عَلَى مَا يَسُوءُكُمْ أَوْ يَسُرُّكُمْ؟ وَأَنْتُمْ إِذَا دَخَلْتُمْ بِإِذْنٍ، لَمْ تَدْخُلُوا عَلَى مَا تَكْرَهُونَ، وَأَدَّيْتُمْ بِذَلِكَ أَيْضًا حَقَّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فِي الِاسْتِئْذَانِ وَالسَّلَامِ
١٧ ‏/ ٢٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٢] يَقُولُ: لِتَتَذَكَّرُوا بِفِعْلِكُمْ ذَلِكَ أَوْ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَاللَّازِمَ لَكُمْ مِنْ طَاعَتِهِ، فَتُطِيعُوهُ
١٧ ‏/ ٢٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٢٨]
١٧ ‏/ ٢٤٦
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِي الْبُيُوتِ الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا أَحَدًا يَأْذَنُ لَكُمْ بِالدُّخُولِ إِلَيْهَا، فَلَا تَدْخُلُوهَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَكُمْ، فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ دُخُولُهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا، فَإِنْ أَذِنَ لَكُمْ أَرْبَابُهَا أَنْ تَدْخُلُوهَا فَادْخُلُوهَا. ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨] يَقُولُ: وَإِنْ قَالَ لَكُمْ أَهْلُ الْبُيُوتِ الَّتِي تَسْتَأْذِنُونَ فِيهَا: ارْجِعُوا فَلَا تَدْخُلُوهَا، فَارْجِعُوا عَنْهَا وَلَا تَدْخُلُوهَا؛ ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾ [النور: ٢٨] يَقُولُ: رُجُوعُكُمْ عَنْهَا إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَكُمْ بِالدُّخُولِ فِيهَا، أَطْهُرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: ﴿هُوَ﴾ [البقرة: ٢٩] كِنَايَةٌ مِنَ اسْمِ الْفِعْلِ، أَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨] . وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعِكُمْ بَعْدَ اسْتِئْذَانِكُمْ فِي بُيُوتِ غَيْرِكُمْ إِذَا قِيَلَ لَكُمُ ارْجِعُوا وَتَرْكِ رُجُوعِكُمْ عَنْهَا وَطَاعَتِكُمُ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ذُو عِلْمٍ مُحِيطٌ بِذَلِكَ كُلِّهِ مُحْصٍ جَمِيعَهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢٤٧
مَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا﴾ [النور: ٢٨] قَالَ: “إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاعٌ، فَلَا تَدْخُلُوهَا إِلَّا بِإِذْنٍ ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨] حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٤٧
قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُزَنِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ: «لَقَدْ طَلَبْتُ عُمْرِي كُلَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَمَا أَدْرَكْتُهَا: أَنْ أَسْتَأْذِنَ عَلَى بَعْضِ إِخْوَانِي، فَيَقُولَ لِي: ارْجِعْ، فَأَرْجِعَ وَأَنَا مُغْتَبِطٌ، لِقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾ [النور: ٢٨]» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا﴾ [النور: ٢٨] بِمَعْنَى: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ فِيهَا مَتَاعٌ، قَوْلٌ بَعِيدٌ مِنْ مَفْهُومِ كَلَامِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تَقُولُ: لَيْسَ بِمَكَانِ كَذَا أَحَدٌ، إِلَّا وَهِيَ تَعْنِي: لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ وَأَمَّا الْأَمْتِعَةُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ بَنِي آدَمَ وَمَنْ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَهُمْ، فَلَا تَقُولُ ذَلِكَ فِيهَا
١٧ ‏/ ٢٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٨٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ مِنْ رُجُوعِكُمْ بَعْدَ اسْتِئْذَانِكُمْ فِي بُيُوتِ غَيْرِكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا، وَتَرْكِ رُجُوعِكُمْ عَنْهَا، وَطَاعَتِكُمُ اللَّهَ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، ذُو عِلْمٍ مُحِيطٍ بِذَلِكَ كُلِّهِ، مُحْصٍ جَمِيعَهُ عَلَيْكُمْ، حَتَّى يُجَازِيَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢٤٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [النور: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِثْمٌ وَحَرَجٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا لَا سَاكِنَ بِهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: أَيُّ الْبُيُوتِ عَنَى؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهَا الْخَانَاتِ وَالْبُيُوتَ الْمَبْنِيَّةَ بِالطُّرُقِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا سُكَّانٌ مَعْرُوفُونَ، وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِمَارَّةِ الطَّرِيقِ وَالسَّابِلَةِ لِيَأْوُوا إِلَيْهَا، وَيُؤْوُوا إِلَيْهَا أَمْتِعَتَهُمْ
١٧ ‏/ ٢٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: هِيَ الْخَانَاتُ الَّتِي تَكُونُ فِي الطُّرُقِ “
١٧ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُسْلِمٌ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ فَرُّوخَ، قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ، يَقُولُ: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «هِيَ الْخَانَاتُ تَكُونُ لِأَهْلِ الْأَسْفَارِ»
١٧ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ فِي بُيُوتٍ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ مَتَاعًا وَأَقْتَابًا، فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا “
١٧ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «هِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي يَنْزِلُهَا السَّفْرُ، لَا يَسْكُنُهَا أَحَدٌ»
١٧ ‏/ ٢٤٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «كَانُوا يَصْنَعُونَ أَوْ يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَقْتَابًا، وَأَمْتِعَةً فِي بُيُوتٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، فَأُحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ؛ بِغَيْرِ شَكٍّ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ بِطَرِيقِ الْمَدِينَةِ أَقْتَابًا وَأَمْتِعَةً
١٧ ‏/ ٢٥٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩] هِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَهْلٌ، وَهِيَ الْبُيُوتُ الَّتِي تَكُونُ بِالطُّرُقِ وَالْخَرِبَةِ. ﴿فِيهَا مَتَاعٌ﴾ [النور: ٢٩] مَنْفَعَةٌ لِلْمُسَافِرِ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، يَأْوِي إِلَيْهَا ” وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ
١٧ ‏/ ٢٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَائِقٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، فِي: ﴿بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ [النور: ٢٩]⦗٢٥١⦘ قَالَ: «هِيَ بُيُوتُ مَكَّةَ» وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْبُيُوتُ الْخَرِبَةُ. وَالْمَتَاعُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا لَكُمْ: قَضَاءُ الْحَاجَةِ مِنَ الْخَلَاءِ وَالْبَوْلِ فِيهَا
١٧ ‏/ ٢٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً، يَقُولُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «الْخَلَاءُ وَالْبَوْلُ»
١٧ ‏/ ٢٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا حَسَنُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «التَّخَلِّي فِي الْخِرَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ بُيُوتَ التُّجَّارِ الَّتِي فِيهَا أَمْتِعَةُ النَّاسِ
١٧ ‏/ ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] قَالَ: «بُيُوتُ التُّجَّارِ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ، الْحَوَانِيتُ الَّتِي بِالْقَيْسَارِيَّاتِ وَالْأَسْوَاقِ. وَقَرَأَ: ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] مَتَاعٌ لِلنَّاسٍ، وَلِبَنِي آدَمَ»
١٧ ‏/ ٢٥١
وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] كُلَّ بَيْتٍ لَا سَاكِنَ بِهِ لَنَا فِيهِ مَتَاعٌ نَدْخُلُهُ بِغَيْرِ إِذْنٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ إِنَّمَا يَكُونُ لِيُؤْنِسَ الْمَأْذُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ لِيَأْذَنَ لِلدَّاخِلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالِكًا، أَوْ كَانَ فِيهِ سَاكِنًا. فَأَمَّا إِنْ كَانَ لَا مَالِكَ لَهُ، فَيُحْتَاجُ إِلَى إِذْنِهِ لِدُخُولِهِ وَلَا سَاكِنَ فِيهِ، فَيَحْتَاجُ الدَّاخِلُ إِلَى إِينَاسِهِ، وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ، لِئَلَّا يَهْجُمَ عَلَى مَا لَا يُحِبُّ رُؤْيَتَهُ مِنْهُ، فَلَا مَعْنَى لِلِاسْتِئْذَانِ فِيهِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَلَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، فَكُلُّ بَيْتٍ لَا مَالِكَ لَهُ وَلَا سَاكِنَ: مِنْ بَيْتٍ مَبْنِيٍّ بِبَعْضِ الطُّرُقِ لِلْمَارَّةِ وَالسَّابِلَةِ لِيَأْوُوا إِلَيْهِ، أَوْ بَيْتٍ خَرَابٍ قَدْ بَادَ أَهْلُهُ وَلَا سَاكِنَ فِيهِ، حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ، فَإِنَّ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، لِمَتَاعٍ لَهُ يُؤْوِيَهُ إِلَيْهِ، أَوْ لِلِاسْتِمْتَاعِ بِهِ لِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَأَمَّا بُيُوتُ التُّجَّارِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَرْبَابِهَا وَسُكَّانِهَا. فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ التَّاجِرَ إِذَا فَتَحَ دُكَّانَهُ، وَقَعَدَ لِلنَّاسِ، فَقَدْ أَذِنَ لِمَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي دُخُولِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ دُخُولُ مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَلْجَأَتْهُ إِلَيْهِ، أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ أَبَاحَ لَهُ دُخُولَهُ إِلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ مَتَاعٌ؛ فَإِنْ كَانَ التَّاجِرُ قَدْ عُرِفَ مِنْهُ أَنَّ فَتْحَهُ حَانُوتَهُ إِذْنٌ مِنْهُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ فِي الدُّخُولِ، فَذَلِكَ بَعْدُ رَجَعَ إِلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ مَنْ دَخَلَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ
١٧ ‏/ ٢٥٢
مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] فِي شَيْءٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الَّتِي وَضَعَ اللَّهُ عَنَّا الْجُنَاحَ فِي دُخُولِهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنَ الْبُيُوتِ، هِيَ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْكُونًا، إِذْ حَانُوتُ التَّاجِرِ لَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَسْكُونٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِمَّا عَنَى اللَّهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْزِلٍ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: هَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧]
١٧ ‏/ ٢٥٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ [النور: ٢٧] ثُمَّ نَسَخَ وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩]
١٧ ‏/ ٢٥٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧] . الْآيَةَ، فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ، وَاسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] ” وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ [النور: ٢٧]؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ فِي الْبُيُوتِ الَّتِي لَهَا سُكَّانٌ وَأَرْبَابٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] حُكْمٌ مِنْهُ فِي ⦗٢٥٤⦘ الْبُيُوتِ الَّتِي لَا سُكَّانَ لَهَا وَلَا أَرْبَابَ مَعْرُوفُونَ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحُكْمَيْنِ حُكِّمَ فِي مَعْنًى غَيْرِ مَعْنَى الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يُسْتَثْنَى الشَّيْءُ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ نَوْعِهِ فِي الْفِعْلِ أَوِ النَّفْسِ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِاسْتِثْنَائِهِ مِنْهُ
١٧ ‏/ ٢٥٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ [المائدة: ٩٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُظْهِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنَ الِاسْتِئْذَانِ إِذَا اسْتَأْذَنْتُمْ عَلَى أَهْلِ الْبُيُوتِ الْمَسْكُونَةِ، ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ [المائدة: ٩٩] يَقُولُ: وَمَا تُضْمِرُونَهُ فِي صُدُورِكُمْ عِنْدَ فِعْلِكُمْ ذَلِكَ مَا الَّذِي تَقْصِدُونَ بِهِ: إِطَاعَةُ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءُ إِلَى أَمْرِهِ، أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ؟
١٧ ‏/ ٢٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٣٠] بِاللَّهِ وَبِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ: يَكُفُّوا مِنْ نَظَرِهِمْ إِلَى مَا يَشْتَهُونَ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِمَّا قَدْ نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ. ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا، بِلُبْسِ مَا يَسْتُرُهَا عَنْ أَبْصَارِهِمْ. ﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ: فَإِنَّ غَضَّهَا مِنَ النَّظَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ وَحِفْظَ الْفَرْجِ عَنْ أَنْ يَظْهَرَ لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ أَطْهَرُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَفْضَلُ ﴿إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو خِبْرَةٍ بِمَا تَصْنَعُونَ أَيُّها النَّاسُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضِّ أَبْصَارِكُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ وَحِفْظِ فُرُوجِكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لَهُ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] قَالَ: «كُلُّ فَرْجٍ ذُكِرَ حِفْظُهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا، إِلَّا هَذِهِ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] فَإِنَّهُ يَعْنِي السِّتْرَ»
١٧ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ﴾ [النور: ٣١] مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ قَالَ: «يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ»
١٧ ‏/ ٢٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] قَالَ: «يَغُضُّ مِنْ بَصَرِهِ: أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، إِذَا رَأَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ غَضَّ مِنْ بَصَرِهِ، لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ كُلَّهُ، إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارَهِمْ﴾ [النور: ٣٠]»
١٧ ‏/ ٢٥٥
﴿ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ: فَإِنَّ غَضَّهَا مِنَ النَّظَرِ عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ، وَحِفْظَ الْفَرْجِ عَنْ أَنْ يَظْهَرَ لِأَبْصَارِ النَّاظِرِينَ، أَطْهُرُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأَفْضَلُ ﴿إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ [النور: ٣٠] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو خِبْرَةٍ بِمَا تَصْنَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ غَضِّ أَبْصَارِكُمْ عَمَّا أَمَرَكُمْ بِالْغَضِّ عَنْهُ، وَحِفْظِ فُرُوجِكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لِمَنْ نَهَاكُمْ عَنْ إِظْهَارِهَا لَهُ
١٧ ‏/ ٢٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ ⦗٢٥٦⦘ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿وَقُلْ﴾ [آل عمران: ٢٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿لِلْمُؤْمِنَاتِ﴾ [النور: ٣١] مِنْ أُمَّتِكَ ﴿يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] عَمَّا يَكْرَهُ اللَّهُ النَّظَرَ إِلَيْهِ مِمَّا نَهَاكُمْ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِ؛ ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ: وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ عَنْ أَنْ يَرَاهَا مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ رُؤْيَتُهَا، بِلُبْسِ مَا يَسْتُرُهَا عَنْ أَبْصَارِهِمْ
١٧ ‏/ ٢٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يُظْهِرْنَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ لَيْسُوا لَهُنَّ بِمَحْرَمٍ زِينَتَهُنَّ، وَهُمَا زِينَتَانِ: إِحْدَاهُمَا: مَا خَفِيَ، وَذَلِكَ كَالْخَلْخَالِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْقُرْطَيْنِ وَالْقَلَائِدِ وَالْأُخْرَى: مَا ظَهَرَ مِنْهَا، وَذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِي الْمَعْنَى مِنْهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: زِينَةُ الثِّيَابِ الظَّاهِرَةُ
١٧ ‏/ ٢٥٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الزِّينَةُ زِينَتَانِ: فَالظَّاهِرَةُ مِنْهَا الثِّيَابُ، وَمَا خَفِيَ: الْخَلْخَالَانِ، وَالْقُرْطَانِ، وَالسِّوَارَانِ»
١٧ ‏/ ٢٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هِيَ الثِّيَابُ»
١٧ ‏/ ٢٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الثِّيَابُ» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٥٧
قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الثِّيَابُ»
١٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَعْضُ، أَصْحَابِنَا إِمَّا يُونُسُ، وَإِمَّا غَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الثِّيَابُ»
١٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الثِّيَابُ» قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ [الأعراف: ٣١]؟
١٧ ‏/ ٢٥٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ ⦗٢٥٨⦘ مَسْعُودٍ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الرِّدَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الظَّاهِرُ مِنَ الزِّينَةِ الَّتِي أُبِيحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ: الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارَانِ، وَالْوَجْهُ
١٧ ‏/ ٢٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، قَالَ: ثنا مُسْلِمٌ الْمُلَائِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ
١٧ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ نَهْشَلٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «الظَّاهِرُ مِنْهَا: الْكُحْلُ وَالْخَدَّانِ»
١٧ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْوَجْهُ وَالْكَفُّ» حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ ⦗٢٥٩⦘ بْنِ هُرْمُزَ الْمَكِّيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٥٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْكَفَّانِ وَالْوَجْهُ»
١٧ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «الْكُحْلُ، وَالسُّورَانِ وَالْخَاتَمُ»
١٧ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «وَالزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ: الْوَجْهُ، وَكُحْلُ الْعَيْنِ، وَخِضَابُ الْكَفِّ، وَالْخَاتَمُ؛ فَهَذِهِ تَظْهَرُ فِي بَيْتِهَا لِمَنْ دَخَلَ مِنَ النَّاسِ عَلَيْهَا»
١٧ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْمَسَكَتَانِ وَالْخَاتَمُ وَالْكُحْلُ»
١٧ ‏/ ٢٥٩
قَالَ قَتَادَةُ: وَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُخْرِجَ يَدَهَا إِلَّا إِلَى هَاهُنَا» . وَقَبَضَ نِصْفَ الذِّرَاعِ “
١٧ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ ⦗٢٦٠⦘ رَجُلٍ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْقُلْبَيْنِ، وَالْخَاتَمَ، وَالْكُحْلَ: يَعْنِي السِّوَارَ»
١٧ ‏/ ٢٥٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْخَاتَمُ وَالْمَسَكَةُ»
١٧ ‏/ ٢٦٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: الْقُلْبُ وَالْفَتْخَةُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَتْ عَلَيَّ ابْنَةُ أَخِي لِأُمِّي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ مُزَيْنَةُ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ، فَأَعْرَضَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي وَجَارِيَةٌ. فَقَالَ: «إِذَا عَرَكَتِ الْمَرْأَةُ لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تُظْهِرَ إِلَّا وَجْهَهَا، وَإِلَّا مَا دُونَ هَذَا» وَقَبَضَ عَلَى ذِرَاعِ نَفْسِهِ، فَتَرَكَ بَيْنَ قَبْضَتِهِ وَبَيْنَ الْكَفِّ مِثْلَ قَبْضَةٍ أُخْرَى. وَأَشَارَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ
١٧ ‏/ ٢٦٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْكُحْلُ، وَالْخِضَابُ وَالْخَاتَمُ»
١٧ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَامِرٍ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ «الْكُحْلَ، وَالْخِضَابَ، وَالثِّيَابَ»
١٧ ‏/ ٢٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] مِنَ الزِّينَةِ الْكُحْلُ، وَالْخِضَابُ وَالْخَاتَمُ؛ هَكَذَا كَانُوا يَقُولُونَ، وَهَذَا يَرَاهُ النَّاسُ “
١٧ ‏/ ٢٦١
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: “سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْكَفَّيْنِ وَالْوَجْهَ»
١٧ ‏/ ٢٦١
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ بُنْدُقٍ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ «الْكَفَّ وَالْوَجْهَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهِ الْوَجْهَ وَالثِّيَابَ
١٧ ‏/ ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: قَالَ يُونُسُ ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ الْحَسَنُ: «الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ»
١٧ ‏/ ٢٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ، يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ الْكُحْلُ، وَالْخَاتَمُ، وَالسِّوَارُ، وَالْخِضَابُ ⦗٢٦٢⦘ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالتَّأْوِيلِ، لِإِجْمَاعِ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ عَلَى كُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ فِي صَلَاتِهِ، وَأَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا فِي صَلَاتِهَا، وَأَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تُسْتَرَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَبَاحَ لَهَا أَنْ تُبْدِيَهُ مِنْ ذِرَاعِهَا إِلَى قَدْرِ النِّصْفِ فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِهِمْ إِجْمَاعًا، كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ بَدَنِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً كَمَا ذَلِكَ لِلرِّجَالِ؛ لِأَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عَوْرَةً فَغَيْرُ حَرَامٍ إِظْهَارُهُ. وَإِذَا كَانَ لَهَا إِظْهَارُ ذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْهَا
١٧ ‏/ ٢٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَيُلْقِينَ خُمُرَهُنَّ، وَهِيَ جَمْعُ خِمَارٍ، عَلَى جُيُوبِهِنَّ، لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ، وَأَعْنَاقَهُنَّ وَقُرْطَهُنَّ
١٧ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ شَقَقْنَ الْبُرْدَ مِمَّا يَلِي الْحَوَاشِي، فَاخْتَمَرْنَ بِهِ»
١٧ ‏/ ٢٦٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَنَّ قُرَّةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَرْحَمُ اللَّهُ النِّسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] شَقَقْنَ ⦗٢٦٣⦘ أَكْثَفَ مُرُوطِهِنَّ، فَاخْتَمَرْنَ بِهِ»
١٧ ‏/ ٢٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] الَّتِي هِيَ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ بَلِ الْخَفِيَّةُ مِنْهَا، وَذَلِكَ الْخَلْخَالُ وَالْقُرْطُ وَالدُّمْلُجُ، وَمَا أُمِرَتْ بِتَغْطِيَتِهِ بِخِمَارِهَا مِنْ فَوْقِ الْجَيْبِ، وَمَا وَرَاءَ مَا أُبِيحَ لَهَا كَشْفُهُ، وَإِبْرَازُهُ فِي الصَّلَاةِ وَلِلْأَجْنَبِيِّينَ مِنَ النَّاسِ، وَالذِّرَاعَيْنِ إِلَى فَوْقِ ذَلِكَ، إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هَذِهِ مَا فَوْقَ الذِّرَاعِ»
١٧ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا، يُحَدِّثُ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: مَا فَوْقَ الْجَيْبِ قَالَ شُعْبَةُ: كَتَبَ بِهِ مَنْصُورٌ إِلَيَّ، وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ “
١٧ ‏/ ٢٦٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ «تُبْدِي لِهَؤُلَاءِ الرَّأْسَ»
١٧ ‏/ ٢٦٤
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] . إِلَى قَوْلِهِ: ﴿عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: الزِّينَةُ الَّتِي يُبْدِينَهَا لِهَؤُلَاءِ: قُرْطَاهَا وَقِلَادَتُهَا وَسِوَارُهَا، فَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا، وَنَحْرُهَا، وَشَعْرُهَا فَإِنَّهُ لَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِزَوْجِهَا “
١٧ ‏/ ٢٦٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الطَّوْقُ وَالْقُرْطَيْنِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ الْحَرَائِرِ لَا يُظْهِرْنَ هَذِهِ الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِالظَّاهِرَةِ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ، وَهُمْ أَزْوَاجُهُنَّ، وَاحِدُهُمْ: بَعْلٌ، أَوْ لِآبَائِهِنَّ، أَوْ لِأَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ، أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ، أَوْ لِبَنِي إِخْوَانِهِنَّ» وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿أَوْ إِخْوَانِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] أَوْ لِإِخْوَانِهِنَّ، أَوْ لِبَنِي إِخْوَانِهِنَّ، أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ، أَوْ نِسَائِهِمْ. قِيلَ: عُنِيَ بِذَلِكَ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ
١٧ ‏/ ٢٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهُنَّ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ، لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ أَنْ تَرَى مُشْرِكَةٌ عُرْيَتَهَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ أَمَةً لَهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١]»
١٧ ‏/ ٢٦٥
قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ الْغَازِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيٍّ: أَنَّهُ «كَرِهَ أَنْ تُقَبِّلَ النَّصْرَانِيَّةُ الْمُسْلِمَةَ، أَوْ تَرَى عَوْرَتَهَا، وَيَتَأَوَّلُ: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]»
١٧ ‏/ ٢٦٥
قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ «بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءً يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ وَمَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَامْنَعْ ذَلِكَ، وَحُلْ دُونَهُ قَالَ: ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مُبْتَهِلًا: اللَّهُمَّ أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا سَقَمٍ تُرِيدُ الْبَيَاضَ لِوَجْهِهَا، فَسَوِّدْ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوجُوهُ»
١٧ ‏/ ٢٦٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ مَمَالِيكُهُنَّ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْهَا أَنْ تُظْهِرَ لَهُمْ مِنْ زِينَتِهَا مَا تُظْهِرُهُ لِهَؤُلَاءِ
١٧ ‏/ ٢٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مَخْلَدٍ التَّمِيمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى: «أَيْمَانُكُمْ» وَقَالَ: آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنْ إِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَبْلُ مِنْ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ: ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] عَنَى بِهِنَّ النِّسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ دُونَ الْمُشْرِكَاتِ، ثُمَّ قَالَ: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ مِنَ الْإِمَاءِ الْمُشْرِكَاتِ
١٧ ‏/ ٢٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ يَتَّبِعُونَكُمْ لِطَعَامٍ يَأْكُلُونَهُ عِنْدَكُمْ، مِمَّنْ لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِنَّ، وَلَا يُرِيدُهُنَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يَتْبَعُ الرَّجُلَ فِي الزَّمَانِ الْأَوَّلِ لَا يَغَارُ عَلَيْهِ، وَلَا تَرْهَبُ الْمَرْأَةُ أَنْ تَضَعَ خِمَارَهَا عِنْدَهُ، وَهُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] فَهَذَا الرَّجُلُ يَتْبَعُ الْقَوْمَ، وَهُوَ مُغَفَّلٌ فِي عَقْلِهِ، لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ، وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ، فَالزِّينَةُ الَّتِي تُبْدِيهَا لِهَؤُلَاءِ: قُرْطَاهَا، وَقِلَادَتُهَا، وَسِوَارَاهَا؛ وَأَمَّا خَلْخَالَاهَا وَمِعْضَدَاهَا وَنَحْرُهَا وَشَعْرُهَا، فَإِنَّهَا لَا تُبْدِيهِ إِلَّا لِزَوْجِهَا “
١٧ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ التَّابِعُ يَتْبَعُكَ، يُصِيبُ مِنْ طَعَامِكَ»
١٧ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الَّذِي يُرِيدُ الطَّعَامَ وَلَا يُرِيدُ النِّسَاءَ» قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] الَّذِينَ لَا يَهُمُّهُمْ إِلَّا بُطُونُهُمْ، وَلَا يَخَافُونَ عَلَى النِّسَاءِ ” ⦗٢٦٨⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٦٧
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْأَبْلَهُ»
١٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الْأَبْلَهُ، الَّذِي لَا يَعْرِفُ شَيْئًا مِنَ النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] «الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ بِالنِّسَاءِ، مِثْلُ فُلَانٍ»
١٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الَّذِي لَا تَسْتَحْيِي مِنْهُ النِّسَاءُ»
١٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «مِنْ تَبَعِ الرَّجُلِ وَحَشَمِهِ؛ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ إِرْبَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةِ النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «الْمَعْتُوهُ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الْأَحْمَقُ، الَّذِي لَا هِمَّةَ لَهُ بِالنِّسَاءِ وَلَا أَرَبَ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
وَبِهِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ: «الْأَحْمَقُ، الَّذِي لَيْسَتْ لَهُ هِمَّةٌ فِي النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الَّذِي يَتْبَعُ الْقَوْمَ، حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ ونَشَأَ فِيهِمْ، وَلَيْسَ يَتْبَعُهُمْ لِإِرْبَةِ نِسَائِهِمْ، وَلَيْسَ لَهُ فِي نِسَائِهِمْ إِرْبَةٌ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُهُمْ لِإِرْفَاقِهِمْ إِيَّاهُ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَجُلٌ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا ⦗٢٧٠⦘ يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً، فَقَالَ: إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ أَقْبَلَتْ بِأَرْبَعٍ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَدْبَرَتْ بِثَمَانٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَاهُنَا، لَا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ» فَحَجَبُوهُ»
١٧ ‏/ ٢٦٩
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ زُبُّهُ» وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ﴾ [النور: ٣١] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الشَّامِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (غَيْرَ أُولِي الْإِرْبَةِ) بِنَصْبِ «غَيْرَ» وَلِنَصْبِ غَيْرَ هَاهُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَطْعِ مِنَ ﴿التَّابِعِينَ﴾ [النور: ٣١]، لِأَنَّ ﴿التَّابِعِينَ﴾ [النور: ٣١] مَعْرِفَةٌ وَغَيْرُ نَكِرَةٍ، وَالْآخَرُ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَتَوْجِيهُ غَيْرَ إِلَى مَعْنَى إِلَّا، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَّا. وَقَرَأَ غَيْرُ مَنْ ذَكَرْتُ بِخَفْضِ ﴿غَيْرِ﴾ [النور: ٣١] عَلَى أَنَّهَا نَعْتٌ لِلتَّابِعِينَ، وَجَازَ نَعْتُ التَّابِعِينَ بِـ «غَيْرِ» وَ«التَّابِعُونَ» مَعْرِفَةٌ وَغَيْرُ نَكِرَةٍ، لِأَنَّ التَّابِعِينَ مَعْرِفَةٌ غَيْرُ مُؤَقَّتَةٍ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: أَوِ الَّذِينَ هَذِهِ ⦗٢٧١⦘ صِفَتُهُمْ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، مُسْتَفِيضَةٌ الْقِرَاءَةُ بِهِمَا فِي الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْخَفْضَ فِي «غَيْرِ» أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، فَالْقِرَاءَةُ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ. وَالْإِرْبَةُ: الْفِعْلَةُ مِنَ الْأَرَبِ، مِثْلُ الْجِلْسَةِ مِنَ الْجُلُوسِ، وَالْمِشْيَةُ مِنَ الْمَشْي، وَهِيَ الْحَاجَةُ؛ يُقَالُ: لَا أَرَبَ لِي فِيكَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيكَ؛ وَكَذَا أَرِبْتُ لِكَذَا وَكَذَا، إِذَا احْتَجْتُ إِلَيْهِ، فَأَنَا آرَبُ لَهُ إِرْبًا. فَأَمَّا الْأُرْبَةُ، بِضَمِّ الْأَلِفِ: فَالْعُقْدَةُ
١٧ ‏/ ٢٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوِ الطِّفْلُ الَّذِينَ لَمْ يَكْشِفُوا عَنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِجِمَاعِهِنَّ فَيَظْهَرُوا عَلَيْهِنَّ لِصِغَرِهِنَّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «لَمْ يَدْرُوا مَا ثَمَّ، مِنَ الصِّغَرِ قَبْلَ الْحُلُمِ» ⦗٢٧٢⦘ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلُهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَا يَجْعَلْنَ فِي أَرْجُلِهِنَّ مِنَ الْحُلِيِّ مَا إِذَا مَشَيْنَ أَوْ حَرَّكْنَهُنَّ عَلِمَ النَّاسُ الَّذِينَ مَشَيْنَ بَيْنَهُمْ مَا يُخْفِينَ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: زَعَمَ حَضْرَمِيُّ أَنَّ امْرَأَةً، اتَّخَذَتْ بُرَتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ، وَاتَّخَذَتْ جَزَعًا، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ، فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا، فَوَقَعَ الْخَلْخَالُ عَلَى الْجَزَعِ، فَصَوَّتَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١]
١٧ ‏/ ٢٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «كَانَ فِي أَرْجُلِهِنَّ خَرَزٌ، فَكُنَّ إِذَا مَرَرْنَ بِالْمَجَالِسِ حَرَّكْنَ أَرْجُلَهُنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ»
١٧ ‏/ ٢٧٢
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] «فَهُوَ أَنْ تَقْرَعَ الْخَلْخَالَ بِالْآخَرِ عِنْدَ الرِّجَالِ، وَيَكُونَ فِي رِجْلَيْهَا خَلَاخِلُ فَتُحَرِّكَهُنَّ عِنْدَ الرِّجَالِ، فَنَهَى اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»
١٧ ‏/ ٢٧٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «هُوَ الْخَلْخَالُ، لَا تَضْرِبُ امْرَأَةٌ بِرِجْلِهَا، لَيُسْمَعَ صَوْتُ خَلْخَالِهَا»
١٧ ‏/ ٢٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] قَالَ: «الْأَجْرَاسُ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يَجْعَلْنَهَا فِي أَرْجُلِهِنَّ فِي مَكَانِ الْخَلَاخِلِ، فَنَهَاهُنَّ اللَّهُ أَنْ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِتُسْمَعَ تِلْكَ الْأَجْرَاسُ»
١٧ ‏/ ٢٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ [النور: ٣١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَارْجِعُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ، مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ، وَحِفْظِ الْفَرْجِ، وَتَرْكِ دُخُولِ بُيُوتٍ غَيْرِ بُيُوتِكُمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا تَسْلِيمٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١٨٩] يَقُولُ: لِتُفْلِحُوا وَتُدْرِكُوا طَلِبَاتِكُمْ لَدَيْهِ، إِذَا أَنْتُمْ أَطَعْتُمُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ
١٧ ‏/ ٢٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم﴾ [النور: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَوِّجُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، وَمِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ عَبِيدِكُمِ وَمَمَالِيكِكُمْ. وَالْأَيَامَى: جَمْعُ أَيِّمٍ، وَإِنَّمَا جُمِعَ أَيَامَى، لِأَنَّهَا فَعِيلَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَجُمِعَتْ كَذَلِكَ كَمَا جُمِعَتِ الْيَتِيمَةُ: يَتَامَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ جَمِيلٍ:
[البحر الطويل] أُحِبُّ الْأَيَامَى إِذْ بُثَيْنَةُ أَيِّمٌ … وَأَحْبَبْتُ لَمَّا أَنْ غَنِيتِ الْغَوَانِيَا
وَلَوْ جُمِعَتْ أَيَائِمَ كَانَ صَوَابًا. وَالْأَيِّمُ يُوصَفُ بِهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى، يُقَالُ: رَجُلٌ أَيِّمٌ، وَامْرَأَةٌ أَيِّمٌ وَأَيِّمَةٌ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] فَإِنْ تَنْكِحِي أَنْكِحْ وَإِنْ تَتَأَيَّمِي … وَإِنْ كُنْتُ أَفْتَى مِنْكُمُ أَتَأَيَّمِ
﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ﴾ [النور: ٣٢] يَقُولُ: إِنْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تُنْكِحُونَهُمْ مِنْ أَيَامَى رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ وَعَبِيدِكُمْ وَإِمَائِكُمْ أَهْلَ فَاقَةٍ وَفَقْرٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يُغْنِيهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ فَقْرُهُمْ مِنْ إِنْكَاحِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٧ ‏/ ٢٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٧٥⦘ قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمُ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢] قَالَ: «أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالنِّكَاحِ، وَرَغَّبَهُمْ فِيهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُزَوِّجُوا أَحْرَارَهُمْ وَعَبِيدَهُمْ، وَوَعَدَهُمْ فِي ذَلِكَ الْغِنَى، فَقَالَ: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢]»
١٧ ‏/ ٢٧٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا حَسَنٌ أَبُو الْحَسَنِ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ صُبَيْحٍ مَوْلَى هَذَا قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ الْوَلِيدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «الْتَمِسُوا الْغِنَى فِي النِّكَاحِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النور: ٣٢]»
١٧ ‏/ ٢٧٥
حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهَبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] قَالَ: «أَيَامَى النِّسَاءِ: اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ»
١٧ ‏/ ٢٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاللَّهُ وَاسِعُ الْفَضْلِ، جَوَادٌ بِعَطَايَاهُ، فَزَوِّجُوا إِمَاءَكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ يُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ. ﴿عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩] يَقُولُ: هُوَ ذُو عِلْمٍ بِالْفَقِيرِ مِنْهُمْ وَالْغَنِيُّ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ خَلْقِهِ فِي شَيْءٍ وَتَدْبِيرُهُمْ
١٧ ‏/ ٢٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيهَمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ﴾ [النور: ٣٣] مَا يَنْكِحُونَ بِهِ النِّسَاءَ عَنْ إِتْيَانِ ⦗٢٧٦⦘ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ، ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ﴾ [النور: ٣٣] سَعَةِ ﴿فَضْلِهِ﴾ [البقرة: ٩٠] وَيُوَسِّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ رِزْقِهِ
١٧ ‏/ ٢٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَالَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الْمُكَاتَبَةَ مِنْكُمْ مِنْ مَمَالِيكِكُمْ، ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وَجْهِ مُكَاتَبَةِ الرَّجُلِ عَبْدَهُ الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَهَلْ قَوْلُهُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] عَلَى وَجْهِ الْفَرْضِ، أَمْ هُوَ عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فُرِضَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ الَّذِي قَدْ عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا إِذَا سَأَلَهُ الْعَبْدُ ذَلِكَ
١٧ ‏/ ٢٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: «أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلَّا وَاجِبًا. وَقَالَهَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتُأْثِرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لَا»
١٧ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ سِيرِينَ، أَرَادَ أَنْ يُكَاتِبَهُ فَتَلَكَّأَ عَلَيْهِ» فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَتُكَاتِبَنَّهُ»
١٧ ‏/ ٢٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ الْمَمْلُوكُ الصَّالِحُ الَّذِي لَهُ ⦗٢٧٧⦘ الْمَالُ يُرِيدُ أَنْ يُكَاتِبَ أَلَّا يُكَاتِبَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا قَوْلُهُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ [النور: ٣٣] نَدْبٌ مِنَ اللَّهِ سَادَةَ الْعَبِيدِ إِلَى كِتَابَةِ مَنْ عُلِمَ فِيهِ مِنْهُمْ خَيْرٌ، لَا إِيجَابٌ
١٧ ‏/ ٢٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: «الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنْ لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا سَأَلَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ أَسْمَعْ بِأَحَدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَكْرَهَ أَحَدًا عَلَى أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ. وَقَدْ سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] يَتْلُو هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠]»، قَالَ مَالِكٌ: «فَإِنَّمَا ذَلِكَ أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لِلنَّاسِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَلْزَمُ أَحَدًا»
١٧ ‏/ ٢٧٧
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: «إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، فَإِنْ شَاءَ السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ كَاتَبَهُ، وَلَا يُجْبَرُ السَّيِّدُ عَلَى ذَلِكَ»
١٧ ‏/ ٢٧٧
حَدَّثَنِي بِذَلِكَ، عَلِيُّ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْهُ؛ وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ أَنْ يُكَاتِبَهُ، إِنَّمَا هَذَا أَمْرٌ أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَدَلِيلٌ» ⦗٢٧٨⦘ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: وَاجِبٌ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يُكَاتِبَهُ إِذَا عَلِمَ فِيهِ خَيْرًا، وَسَأَلَهُ الْعَبْدُ الْكِتَابَةَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ظَاهَرَ قَوْلُهُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ [النور: ٣٣] ظَاهِرُ أَمْرٍ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ الِانْتِهَاءُ إِلَيْهِ، مَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا مِنَ الْعِلَّةِ فِي كِتَابِنَا الْمُسَمَّى: الْبَيَانُ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ. وَأَمَّا الْخَيْرُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِكِتَابَةِ عَبِيدِهِمْ إِذَا عَلِمُوهُ فِيهِمْ، فَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاحْتِرَافِ وَالْكَسْبِ لِأَدَاءِ مَا كُوتِبُوا عَلَيْهِ
١٧ ‏/ ٢٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ «كَرِهَ أَنْ يُكَاتِبَ، مَمْلُوكَهُ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ حِرْفَةٌ»، قَالَ: «تُطْعِمَنِي أَوْسَاخَ النَّاسِ؟»
١٧ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ حِيلَةً، وَلَا تُلْقُوا مُؤْنَتَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ»
١٧ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَشْهَبُ، قَالَ: سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيُقَالَ: الْخَيْرُ ⦗٢٧٩⦘ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَدَاءِ»
١٧ ‏/ ٢٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَوْلُ اللَّهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «الْخَيْرُ: الْقُوَّةُ عَلَى ذَلِكَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَدَاءً
١٧ ‏/ ٢٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَدَاءً وَأَمَانَةً»
١٧ ‏/ ٢٧٩
قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَا: «مَالًا وَأَمَانَةً»
١٧ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «أَدَاءً وَأَمَانَةً»
١٧ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، ⦗٢٨٠⦘ قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «صِدْقًا وَوَفَاءً، أَوْ أَحَدَهُمَا»
١٧ ‏/ ٢٧٩
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «أَدَاءً وَمَالًا»
١٧ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ: عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: «أَحْسِبُهُ كُلَّ ذَلِكَ: الْمَالَ وَالصَّلَاحَ»
١٧ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] يَعْنِي: «صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَمَانَةً»
١٧ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا لِنَفْسِكَ، يُؤَدِّي إِلَيْكَ، وَيَصْدُقُكَ مَا حَدَّثَكَ، فَكَاتِبْهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا
١٧ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا»
١٧ ‏/ ٢٨٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «مَالًا»
١٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، وَابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَا: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «مَالًا» حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «لَهُمْ مَالًا، فَكَاتِبُوهُمْ» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «إِنْ عَلِمْتُمْ لَهُمْ مَالًا، كَائِنَةً أَخْلَاقُهُمْ وَأَدْيَانُهُمْ مَا كَانَتْ»
١٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣]⦗٢٨٢⦘ قَالَ: «مَالًا»
١٧ ‏/ ٢٨١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدَهُمْ مَالًا»
١٧ ‏/ ٢٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْيَافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، كَانَ يَقُولُ: «مَا نَرَاهُ إِلَّا الْمَالَ»، يَعْنِي قَوْلُهُ: ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: ثُمَّ تَلَا: «﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ [البقرة: ١٨٠]» وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ قُوَّةً عَلَى الِاحْتِرَافِ وَالِاكْتِسَابِ، وَوَفَاءً بِمَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْزَمَهَا، وَصِدْقَ لَهْجَةٍ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ هِيَ الْأَسْبَابُ الَّتِي بِمَوْلَى الْعَبْدِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا إِذَا كَاتَبَ عَبْدَهُ مِمَّا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ؛ فَأَمَّا الْمَالُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَهُ أَوْ لَهُ، لَا فِيهِ، وَاللَّهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ عَلَيْنَا مُكَاتَبَةَ الْعَبْدِ إِذَا عَلِمْنَا فِيهِ خَيْرًا، لَا إِذَا عَلِمْنَا عِنْدَهُ أَوْ لَهُ، فَلِذَلِكَ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ الْخَيْرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَعْنِيُّ بِهِ الْمَالُ
١٧ ‏/ ٢٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَعْطُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكُمْ. ⦗٢٨٣⦘ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَأْمُورِ بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُ مَنْ هُوَ؟ وَفِي الْمَالِ: أَيُّ الْأَمْوَالِ هُوَ؟ فَقَالَ: بَعْضُهُمُ: الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِإِعْطَاءِ الْمُكَاتَبِ مِنْ مَالِ اللَّهِ هُوَ مَوْلَى الْعَبْدِ الْمُكَاتَبِ، وَمَالُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَ بِإِعْطَائِهِ مِنْهُ هُوَ مَالُ الْكِتَابَةِ، وَالْقَدَرُ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يُعْطِيهَ مِنْهُ: الرُّبُعُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَا شَاءَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْلَى
١٧ ‏/ ٢٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: رُبُعُ «الْمُكَاتَبَةِ»
١٧ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «رُبُعُ الْكِتَابَةِ يَحُطُّهَا عَنْهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٣
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: الرُّبُعُ «مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ»
١٧ ‏/ ٢٨٣
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: ثنا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «الرُّبُعُ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ»
١٧ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: «كَاتَبَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ غُلَامًا فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُعَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُ الرُّبُعَ، مَا وَضَعْتُ لَكَ شَيْئًا»
١٧ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ: «أَنَّهُ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى أَلْفٍ وَمِئَتَيْنِ، فَتَرَكَ الرُّبُعَ، وَأَشْهَدَنِي، فَقَالَ لِي: كَانَ صَدِيقُكَ يَفْعَلُ هَذَا، يَعْنِي عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، يَتَأَوَّلُ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣]»
١٧ ‏/ ٢٨٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثني فَضَالَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَاتِبْنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَاسْتَقْرَضَ لِي مِنْ حَفْصَةَ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: أَلَا تَجْعَلُهَا فِي مُكَاتَبَتِي؟ قَالَ: إِنِّي لَا أَدْرِي: أُدْرِكُ ذَاكَ أَمْ لَا؟»
١٧ ‏/ ٢٨٤
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَهُ عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ: قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعِكْرِمَةَ، فَقَالَ: «هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣]»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «ضَعُوا عَنْهُمْ مِنْ مُكَاتَبَتِهِمْ»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «ضَعُوا عَنْهُمْ مِمَّا قَاطَعْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْهُمْ»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «آتِهِمْ مِمَّا فِي يَدَيْكَ»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَسْبَاطٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كَاتَبَتْنِي زَيْنَبُ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، فَتَرَكَتْ لِي أَلْفًا؛ وَكَانَتْ زَيْنَبُ قَدْ صَلَّتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ⦗٢٨٦⦘ الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا»
١٧ ‏/ ٢٨٥
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ: «كَاتِبْنِي أَبُو أُسَيْدٍ، عَلَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ مِائَةٍ، فَجِئْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا، وَرَدَّ عَلَيَّ مِئَتَيْنِ»
١٧ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: «كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا كَاتَبَ مُكَاتِبَهُ لَمْ يَضَعْ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ أَوَّلِ نُجُومِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَعْجِزَ فَتَرْجِعَ إِلَيْهِ صَدَقَتُهُ، وَلَكِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي آخِرِ مُكَاتَبَتِهِ وَضَعَ عَنْهُ مَا أَحَبَّ»
١٧ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَخْرَمَةُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: «كَاتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ شَرَفٌ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَوَضَعَ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافٍ. وَلَمْ يَذْكُرْ نَافِعٌ أَنَّهُ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الَّذِي وَضَعَ لَهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٦
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: سَمِعْتُ بَعْضَ، أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: «إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ، ثُمَّ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى. قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، وَعَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَعَمَلُ النَّاسِ عِنْدَنَا»
١٧ ‏/ ٢٨٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا زَيْدٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ: «أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُعْطِيهَ الرُّبُعَ، أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ وَأَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَسَنٌ»
١٧ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «هُوَ رُبُعُ الْمُكَاتَبَةِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ ذَلِكَ حَضٌّ مِنَ اللَّهِ أَهْلَ الْأَمْوَالِ عَلَى أَنْ يُعْطُوهُمُ سَهْمَهُمُ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠]، قَالَ: فَالرِّقَابُ الَّتِي جَعَلَ فِيهَا أَحَدَ سِهْمَانِ الصَّدَقَةِ الثَّمَانِيَةِ هُمُ الْمُكَاتَبُونَ، قَالَ: وَإِيَّاهُ عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] أَيْ سَهْمُهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ
١٧ ‏/ ٢٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، عَنِ ابْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «يَحُثُّ اللَّهُ عَلَيْهِ، يُعْطَوْنَهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثني ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «حَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ؛ مَوْلَاهُ وَغَيْرَهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «يُعْطِي مُكَاتَبَهُ وَغَيْرَهُ، حَثَّ النَّاسَ عَلَيْهِ»
١٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «أَمَرَ مَوْلَاهُ وَالنَّاسَ جَمِيعًا أَنْ يُعِينُوهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوهُمْ مِمَّا آتَاهُمُ اللَّهُ»
١٧ ‏/ ٢٨٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «ذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ عَلَى الْوُلَاةِ يُعْطُونَهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ، يَقُولُ اللَّهُ» ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠]
١٧ ‏/ ٢٨٨
قَالَ: ثني ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: “
١٧ ‏/ ٢٨٨
الْفَيْءُ وَالصَّدَقَاتُ. وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ﴾ [التوبة: ٦٠]، وَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ [التوبة: ٦٠] فَأَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُوَفُّوهَا مِنْهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ الْكِتَابَةِ. قَالَ: «وَكَانَ أَبِي يَقُولُ: مَالَهُ وَلِلْكِتَابَةِ؟ هُوَ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي فَرَضَ لَهُ فِيهِ نَصِيبًا» وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي الْقَوْلُ الثَّانِي، وَهُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى بِهِ إِيتَاءَهُمْ سَهْمَهُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّ قَوْلُهُ: ﴿وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ [النور: ٣٣] أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِإِيتَاءِ الْمَكَاتَبِينَ مِنْ مَالِهِ الَّذِي آتَى أَهْلَ الْأَمْوَالِ، وَأَمْرُ اللَّهِ فَرْضٌ عَلَى عِبَادِهِ الِانْتِهَاءُ إِلَيْهِ، مَا لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّ مُرَادَهُ النَّدْبُ، لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا. فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ أَنَّهُ نَدْبٌ، فَفَرْضٌ وَاجِبٌ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الْحُجَّةُ قَدْ قَامَتْ أَنْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِي مَالِ أَحَدٍ غَيْرِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا مَا أَوْجَبُهُ اللَّهُ لِأَهْلِ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ مِنْهُمْ، وَكَانَتِ الْكِتَابَةُ الَّتِي يَقْتَضِيهَا سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ مِنْ مُكَاتَبِهِ مَالًا مِنْ مَالِ سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ؛ فَيُفَادُ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ هُوَ مَا فَرَضَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي أَمْوَالِهِمْ لَهُ مِنَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، إِذْ كَانَ لَا حَقَّ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَحَدٍ سِوَاهَا
١٧ ‏/ ٢٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣]
١٧ ‏/ ٢٨٩
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: زَوِّجُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ، وَهُوَ الزِّنَا؛ ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: إِنْ أَرَدْنَ تَعَفُّفًا عَنِ الزِّنَا. ﴿لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: لِتَلْتَمِسُوا بِإِكْرَاهِكُمْ إِيَّاهُنَّ عَلَى الزِّنَا عَرَضَ الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ مَا تَعْرِضُ لَهُمْ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ مِنْ رِيَاشِهَا وَزِينَتِهَا، وَأَمْوَالِهَا. ﴿وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: وَمَنْ يُكْرِهْ فَتَيَاتِهِ عَلَى الْبِغَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِ إِيَّاهُنَّ عَلَى ذَلِكَ، لَهُمْ ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] وَوِزْرُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ دُونَهُنَّ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ حِينَ أَكْرَهَ أَمَتَهُ مُسَيْكَةَ عَلَى الزِّنَا
١٧ ‏/ ٢٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: ثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ: «جَاءَتْ مُسَيْكَةُ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدِي يُكْرِهُنِي عَلَى الزِّنَا فَنَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣]»
١٧ ‏/ ٢٩٠
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كَانَتْ جَارِيَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ يُقَالُ لَهَا مُسَيْكَةُ، فَآجَرَهَا أَوْ أَكْرَهَهَا الطَّبَرِيُّ شَكَّ فَأَتَتِ ⦗٢٩١⦘ النَّبِيَّ ﷺ، فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] يَعْنِي بِهِنَّ»
١٧ ‏/ ٢٩٠
حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: ثنا عَبْثَرٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تَفْجُرُ، فَلَمَّا أَسْلَمَتْ نَزَلَتْ هَذِهِ»
١٧ ‏/ ٢٩١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «جَاءَتْ جَارِيَةٌ لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: إِنَّ سَيِّدِي أَكْرَهَنِي عَلَى الْبِغَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣]»
١٧ ‏/ ٢٩١
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «أَمَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، أَمَرَهَا فَزَنَتْ، فَجَاءَتْ بِبُرْدٍ، فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي فَازْنِي قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ، إِنْ يَكُ هَذَا خَيْرًا فَقَدِ اسْتَكْثَرْتُ مِنْهُ، وَإِنْ يَكُ شَرًّا فَقَدْ آنَ لِيَ أَنْ أَدَعَهُ» قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَحْوَ ذَلِكَ، وَزَادَ قَالَ: الْبِغَاءُ الزِّنَا
١٧ ‏/ ٢٩١
﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٣] قَالَ: لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا، وَفِيهَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
١٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ رَجُلًا، مِنْ قُرَيْشٍ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَسَرَهُ، وَكَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ جَارِيَةٌ يُقَالُ: لَهَا مُعَاذَةُ، فَكَانَ الْقُرَشِيُّ الْأَسِيرُ يُرِيدُهَا عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ مُسْلِمَةً، فَكَانَتْ تَمْتَنِعُ مِنْهُ لِإِسْلَامِهَا، وَكَانَ ابْنُ أُبَيٍّ يُكْرِهُهَا عَلَى ذَلِكَ، وَيَضْرِبُهَا رَجَاءَ أَنْ تَحْمِلَ لِلْقُرَشِيِّ، فَيَطْلُبَ فِدَاءَ وَلَدِهِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] قَالَ الزُّهْرِيُّ: ﴿وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: غَفُورٌ لَهُنَّ مَا أُكْرِهْنَ عَلَيْهِ»
١٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ ” كَانَ يَقْرَأُ: «فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
١٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنَا عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «وَلَا تُكْرِهُوا إِمَاءَكُمْ عَلَى الزِّنَا، فَإِنْ فَعَلْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَإِثْمُهُنَّ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُنَّ»
١٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] . إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: “⦗٢٩٣⦘ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُكْرِهُونَ إِمَاءَهُمْ عَلَى الزِّنَا، يَأْخُذُونَ أُجُورَهُنَّ، فَقَالَ اللَّهُ: لَا تُكْرِهُوهُنَّ عَلَى الزِّنَا مِنْ أَجْلِ الْمَنَالَةِ فِي الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ؛ يَعْنِي: «إِذَا أُكْرِهْنَ»
١٧ ‏/ ٢٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] «عَلَى الزِّنَا» . قَالَ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ أَمَرَ أَمَةً لَهُ بِالزِّنَا، فَجَاءَتْهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِبُرْدٍ شَكَّ أَبُو عَاصِمٍ فَأَعْطَتْهُ، فَقَالَ: ارْجِعِي فَازْنِي بِآخَرَ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا أَنَا بِرَاجِعَةٍ، فَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا فَفِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ» حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: أَمَرَ أَمَةً لَهُ بِالزِّنَا، فَزَنَتْ، فَجَاءَتْهُ بِبُرْدٍ فَأَعْطَتْهُ. فَلَمْ يَشُكَّ
١٧ ‏/ ٢٩٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: عَلَى الزِّنَا. ﴿فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] يَقُولُ: «غَفُورٌ لَهُنَّ، لِلْمُكْرَهَاتِ عَلَى الزِّنَا»
١٧ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ ⦗٢٩٤⦘ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النور: ٣٣] قَالَ: «غَفُورٌ رَحِيمٌ لَهُنَّ حِينَ أُكْرِهْنَ وَقُسِرْنَ عَلَى ذَلِكَ»
١٧ ‏/ ٢٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانُوا يَأْمُرُونَ وَلَائِدَهُمْ يُبَاغِينَ، يَفْعَلْنَ ذَلِكَ، فَيُصِبْنَ، فَيَأْتِينَهُمْ بِكَسْبِهِنَّ، فَكَانَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ جَارِيَةٌ، فَكَانَتْ تُبَاغِي، فَكَرِهَتْ، وَحَلَفَتْ أَنْ لَا تَفْعَلَهُ، فَأَكْرَهَهَا أَهْلُهَا، فَانْطَلَقَتْ، فَبَاغَتْ بِبُرْدٍ أَخْضَرَ، فَأَتَتْهُمْ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ﴾ [النور: ٣٣] . الْآيَةَ»
١٧ ‏/ ٢٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ دِلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ؛ يَقُولُ: مُفَصِّلَاتٍ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَمُوَضِّحَاتٍ ذَلِكَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ: (مُبَيَّنَاتٍ) بِفَتْحِ الْيَاءِ: بِمَعْنَى مُفَصَّلَاتٍ، وَأَنَّ اللَّهَ فَصَّلَهُنَّ وَبَيَّنَهُنَّ لِعِبَادِهِ، فَهُنَّ مُفَصَّلَاتٌ مُبَيَّنَاتٌ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ [النور: ٣٤] بِكَسْرِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى أَنَّ الْآيَاتِ هُنَّ تُبَيِّنَّ الْحَقَّ وَالصَّوَابَ لِلنَّاسِ وَتَهْدِيهِمْ إِلَى الْحَقِّ.
١٧ ‏/ ٢٩٤
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذْ فَصَّلَهَا وَبَيَّنَهَا صَارَتْ مُبَيِّنَةً بِنَفْسِهَا الْحَقَّ لِمَنْ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِذَا بَيَّنَتْ ذَلِكَ لِمَنِ الْتَمَسَهُ مِنْ قِبَلِهَا، فَيُبَيِّنُ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهَا. فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ فِي قِرَاءَتِهِ الصَّوَابَ
١٧ ‏/ ٢٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [النور: ٣٤] مِنَ الْأُمَمِ، وَمَوْعِظَةً لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ، فَخَافَ عِقَابَهُ، وَخَشِيَ عَذَابَهُ
١٧ ‏/ ٢٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ هَادِي مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَهُمْ بِنُورِهِ إِلَى الْحَقِّ يَهْتَدُونَ، وَبُهُدَاهُ مِنْ حَيْرَةِ الضَّلَالَةِ يَعْتَصِمُونَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا
١٧ ‏/ ٢٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ «يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ⦗٢٩٦⦘ وَالْأَرْضِ»
١٧ ‏/ ٢٩٥
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: ثنا وَهْبُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ فَرْقَدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنَّ إِلَهِيَ يَقُولُ: نُورِي هُدَايَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: اللَّهُ مُدَبِّرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
١٧ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِيهِمَا: نُجُومَهُمَا وَشَمْسَهُمَا وَقَمَرَهُمَا» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ النُّورِ الضِّيَاءَ. وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: ضِيَاءُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
١٧ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا أَبُو جَعْفَرٍ ⦗٢٩٧⦘ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «فَبَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ، فَذَكَرَهُ، ثُمَّ ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عُقَيْبَ قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: ٣٤] فَكَانَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ مَوْقِعٍ يَقَعُ تَنْزِيلُهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَمَنْ مَدَحَ مَا ابْتَدَأَ بِذِكْرِ مَدْحِهِ، أَوْلَى وَأَشْبَهُ، مَا لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى انْقِضَاءِ الْخَبَرِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ ﴿وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: ٣٤] فَهَدَيْنَاكُمْ بِهَا، وَبَيَّنَّا لَكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ بِهَا، لِأَنِّي هَادِيَ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ. وَتَرَكَ وَصْلَ الْكَلَامِ بِاللَّامِ، وَابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَنْ هِدَايَةِ خَلْقِهِ ابْتِدَاءً، وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ، اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِهِ. ثُمَّ ابْتَدَأَ فِي الْخَبَرِ عَنْ مَثَلِ هِدَايَتِهِ خَلْقَهُ بِالْآيَاتِ الْمُبَيِّنَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] يَقُولُ: مَثَلُ مَا أَنَارَ مِنَ الْحَقِّ بِهَذَا التَّنْزِيلِ فِي بَيَانِهِ كَمِشْكَاةٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِالْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] عَلَامَ هِيَ عَائِدَةٌ؟ وَمِنْ ذِكْرِ مَا هِيَ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ مِنْ ذِكْرِ الْمُؤْمِنِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ مَثَلُ مِشْكَاةٍ
١٧ ‏/ ٢٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «ذَكَرَ نُورَ الْمُؤْمِنِ فَقَالَ: مَثَلُ نُورِهِ، يَقُولُ:»مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ. قَالَ: وَكَانَ أُبَيُّ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ» . قَالَ: هُوَ الْمُؤْمِنُ قَدْ جَعَلَ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ “
١٧ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ قَالَ: “بَدَأَ بِنُورِ نَفْسِهِ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] يَقُولُ: مَثَلُ نُورِ مَنْ آمَنَ بِهِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ، قَالَ: «هُوَ عَبْدٌ جَعَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ فِي صَدْرِهِ»
١٧ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ»
١٧ ‏/ ٢٩٨
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «نُورُ الْمُؤْمِنِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِالنُّورِ: مُحَمَّدٌ ﷺ، وَقَالُوا: الْهَاءُ الَّتِي قَوْلُهُ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] عَائِدَةٌ عَلَى اسْمِ اللَّهِ
١٧ ‏/ ٢٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ، عز وجل: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ . الْآيَةَ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ؛ مَثَلُ مُحَمَّدٍ ﷺ، كَمِشْكَاةٍ»
١٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: مُحَمَّدٌ ﷺ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ: هَدْي اللَّهِ وَبَيَانُهُ، وَهُوَ الْقُرْآنُ. قَالُوا: وَالْهَاءُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، قَالُوا: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: اللَّهُ هَادِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِآيَاتِهِ الْمُبَيِّنَاتِ، وَهِيَ النُّورُ الَّذِي اسْتَنَارَ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، مَثَلُ هَدَاهُ وَآيَاتِهِ الَّتِي هَدَى بِهَا خَلْقَهُ، وَوَعَظَهُمْ بِهَا فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ كَمِشْكَاةٍ
١٧ ‏/ ٢٩٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] «مَثَلُ هَدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ»
١٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي ⦗٣٠٠⦘ قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «مَثَلُ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْقَلْبِ كَمِشْكَاةٍ»
١٧ ‏/ ٢٩٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ [النور: ٣٥] «نُورُ الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ وَعِبَادِهِ، هَذَا مَثَلُ الْقُرْآنِ ﴿كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥]»
١٧ ‏/ ٣٠٠
قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ﴾ «وَنُورُهُ الَّذِي ذَكَرَ الْقُرْآنُ، وَمَثَلُهُ الَّذِي ضَرَبَ لَهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ مَثَلُ نُورِ اللَّهِ. وَقَالُوا: يَعْنِي بِالنُّورِ: الطَّاعَةَ
١٧ ‏/ ٣٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] «وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا لِمُحَمَّدٍ: كَيْفَ يَخْلُصُ نُورُ اللَّهِ مِنْ دُونِ السَّمَاءِ؟ فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَ ذَلِكَ لِنُورِهِ، فَقَالَ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِطَاعَتِهِ، فَسَمَّى طَاعَتَهُ نُورًا، ثُمَّ سَمَّاهَا أَنْوَارًا شَتَّى»
١٧ ‏/ ٣٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْمِشْكَاةِ، وَالْمِصْبَاحِ، وَمَا الْمُرَادُ بِذَلِكَ، وَبِالزُّجَاجَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمِشْكَاةُ كُلُّ كُوَّةٍ لَا مَنْفَذَ لَهَا، وَقَالُوا: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَقَلْبِ مُحَمَّدٍ ﷺ
١٧ ‏/ ٣٠١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ شِمْرٍ، قَالَ: جَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَقَالَ لَهُ: «حَدِّثْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥]» قَالَ: «الْمِشْكَاةُ وَهِيَ الْكَوَّةُ، ضَرَبَهَا اللَّهُ مَثَلًا لِمُحَمَّدٍ ﷺ، الْمِشْكَاةُ ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ﴾ [النور: ٣٥] قَلْبُهُ ﴿فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ﴾ [النور: ٣٥] صَدْرُهُ الزُّجَاجَةُ ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيُّ﴾ [النور: ٣٥] شَبَّهَ صَدْرَ النَّبِيِّ ﷺ بِالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ رَجَعَ الْمِصْبَاحُ إِلَى قَلْبِهِ، فَقَالَ: ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ [النور: ٣٥] لَمْ تَمَسَّهَا شَمْسُ الْمَشْرِقِ، وَلَا شَمْسُ الْمَغْرِبِ، ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ﴾ [النور: ٣٥] يَكَادُ مُحَمَّدٌ يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ، كَمَا يَكَادُ ذَلِكَ الزَّيْتُ يُضِيءُ ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ [النور: ٣٥]»
١٧ ‏/ ٣٠١
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥] يَقُولُ: «مَوْضِعُ الْفَتِيلَةِ»
١٧ ‏/ ٣٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ . إِلَى ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «الْمِشْكَاةُ: كُوَّةُ الْبَيْتِ» وَقَالَ: آخَرُونَ عَنَى بِالْمِشْكَاةِ: صَدْرَ الْمُؤْمِنِ، وَبِالْمِصْبَاحِ: الْقُرْآنَ وَالْإِيمَانَ، وَبِالزُّجَاجَةِ: قَلْبَهُ
١٧ ‏/ ٣٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلٍ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ قَدْ جَعَلَ الْإِيمَانَ وَالْقُرْآنَ فِي صَدْرِهِ كَمِشْكَاةٍ» قَالَ: «الْمِشْكَاةُ: صَدْرُهُ». ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «وَالْمِصْبَاحُ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ الَّذِي جُعِلَ فِي صَدْرِهِ» . ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «وَالزُّجَاجَةُ: قَلْبُهُ». ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «فَمَثَلُهُ مِمَّا اسْتَنَارَ فِيهِ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يَقُولُ: مُضِيءٌ. ﴿يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ [النور: ٣٥] وَالشَّجَرَةُ الْمُبَارَكَةُ، أَصْلُهُ الْمُبَارَكَةُ: الْإِخْلَاصُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَعِبَادَتُهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ. ﴿لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: فَمَثَلُهُ مَثَلُ شَجَرَةٍ الْتَفَّ بِهَا الشَّجَرُ، فَهِيَ خَضْرَاءُ نَاعِمَةٌ، لَا تُصِيبُهَا الشَّمْسُ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَتْ، لَا إِذَا طَلَعَتْ، وَلَا إِذَا غَرَبَتْ، وَكَذَلِكَ هَذَا الْمُؤْمِنُ قَدْ أُجِيرَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنَ الْغِيَرِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهَا فَثَبَّتَهُ ⦗٣٠٣⦘ اللَّهُ فِيهَا، فَهُوَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ: إِنْ أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِنِ ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِنْ حَكَمَ عَدَلَ، وَإِنْ قَالَ صَدَقَ؛ فَهُوَ فِي سَائِرِ النَّاسِ كَالرَّجُلِ الْحَيِّ يَمْشِي فِي قُبُورِ الْأَمْوَاتِ. قَالَ: ﴿نُورٌ عَلَى نُورٍ﴾ [النور: ٣٥] فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ النُّورِ: فَكَلَامُهُ نُورٌ، وَعَمَلُهُ نُورٌ، وَمَدْخَلُهُ نُورٌ، وَمَخْرَجُهُ نُورٌ، وَمَصِيرُهُ إِلَى النُّورِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْجَنَّةِ»
١٧ ‏/ ٣٠٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «الْمِشْكَاةُ: صَدْرُ الْمُؤْمِنِ» ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «الْقُرْآنُ» قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أُمِّ جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ
١٧ ‏/ ٣٠٣
حَدَّثَنِي عَلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ﴾ [النور: ٣٥] قَالَ: «مَثَلُ هَدَاهُ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ كَمَا يَكَادُ الزَّيْتُ الصَّافِي يُضِيءُ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُ النَّارُ، فَإِذَا مَسَّتْهُ النَّارُ ازْدَادَ ضَوْءًا عَلَى ضَوْءٍ، كَذَلِكَ يَكُونُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ يَعْمَلُ بِالْهُدَى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعِلْمُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْعِلْمُ ازْدَادَ هُدًى عَلَى هُدًى، وَنُورًا عَلَى نُورٍ، كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَجِيئَهُ الْمَعْرِفَةُ: قَالَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٦] حِينَ رَأَى الْكَوْكَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ أحَدٌ أَنَّ لَهُ رَبًّا، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ اللَّهُ أَنَّهُ رَبُّهُ ازْدَادَ هُدًى عَلَى ⦗٣٠٤⦘ هُدًى»
١٧ ‏/ ٣٠٣

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …