حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِالصَّرْحِ، وَقَدْ عَمِلَتْهُ لَهُ الشَّيَاطِينُ مِنْ زُجَاجٍ كَأَنَّهُ الْمَاءُ بَيَاضًا، ثُمَّ أَرْسَلَ الْمَاءَ تَحْتَهُ، ثُمَّ وَضَعَ لَهُ فِيهِ سَرِيرَهُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَعَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ [النمل: ٤٤] لِيُرِيهَا مُلْكًا هُوَ أَعَزُّ مِنْ مُلْكِهَا، وَسُلْطَانًا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ سُلْطَانِهَا ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ [النمل: ٤٤] لَا تَشُكُّ أَنَّهُ مَاءٌ تَخُوضُهُ، قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي، إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ؛ فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَى سُلَيْمَانَ دَعَاهَا إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَعَاتَبَهَا فِي عِبَادَتِهَا الشَّمْسَ دُونَ اللَّهِ، فَقَالَتْ بِقَوْلِ الزَّنَادِقَةِ، فَوَقَعَ سُلَيْمَانُ سَاجِدًا إِعْظَامًا لِمَا قَالَتْ، وَسَجَدَ مَعَهُ النَّاسُ؛ وَسَقَطَ فِي يَدَيْهَا حِينَ رَأَتْ سُلَيْمَانَ صَنَعَ مَا صَنَعَ؛ فَلَمَّا رَفَعَ سُلَيْمَانُ رَأْسَهُ قَالَ: وَيْحَكِ مَاذَا قُلْتِ؟ قَالَ: وَأُنْسِيَتْ مَا قَالَتْ، فَقَالَتْ: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] وَأَسْلَمَتْ، فَحَسُنَ إِسْلَامُهَا». وَقِيلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا أَمَرَ بِبِنَاءِ الصَّرْحِ عَلَى مَا وَصَفَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْجِنَّ خَافَتْ مِنْ سُلَيْمَانَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَأَرَادُوا أَنْ يُزَهِّدُوهُ فِيهَا، فَقَالُوا: إِنَّ رِجْلَهَا رِجْلُ حِمَارٍ، وَإِنَّ
١٨ / ٨١
أُمَّهَا كَانَتْ مِنَ الْجِنِّ، فَأَرَادَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ مَا أَخْبَرَتْهُ الْجِنُّ مِنْ ذَلِكَ.
١٨ / ٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: «قَالَتِ الْجِنُّ لِسُلَيْمَانَ تُزَهِّدُهُ فِي بِلْقِيسَ: إِنَّ رِجْلَهَا رِجْلُ حِمَارٍ، وَإِنَّ أُمَّهَا كَانَتْ مِنَ الْجِنِّ؛ فَأَمَرَ سُلَيْمَانُ بِالصَّرْحِ، فَعُمِلَ، فَسَجَنَ فِيهِ دَوَابَّ الْبَحْرِ: الْحِيتَانَ، وَالضَّفَادِعَ؛ فَلَمَّا بَصُرَتْ بِالصَّرْحِ قَالَتْ: مَا وَجَدَ ابْنُ دَاوُدَ عَذَابًا يَقْتُلُنِي بِهِ إِلَّا الْغَرَقَ فَ ﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ النَّاسِ سَاقًا وَقَدَمًا. قَالَ: فَضَنَّ سُلَيْمَانُ بِسَاقِهَا عَنِ الْمُوسَى، قَالَ: فَاتُّخِذَتِ النُّورَةُ بِذَلِكَ السَّبَبِ». وَجَائِزٌ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ أَمَرَ بِاتِّخَاذِ الصَّرْحِ لِلْأَمْرَيْنِ الَّذِي قَالَهُ وَهْبٌ، وَالَّذِي قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، لِيَخْتَبِرَ عَقْلَهَا، وَيَنْظُرَ إِلَى سَاقِهَا وَقَدَمِهَا، لِيَعْرِفَ صِحَّةَ مَا قِيلَ لَهُ فِيهَا.
١٨ / ٨٢
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي مَعْنَى الصَّرْحِ مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿الصَّرْحَ﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: بِرْكَةٌ مِنْ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا. قَالَ: وَكَانَتْ بِلْقِيسُ هَلْبَاءُ شَعْرَاءُ، قَدَمُهَا كَحَافِرِ الْحِمَارِ، وَكَانَتْ أُمُّهَا جِنِّيَّةٌ»
١٨ / ٨٢
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْ صَاحِبَةِ سَبَأٍ جِنِّيًّا» . قَالَ: ثنا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني الْوَلِيدُ، عنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ
١٨ / ٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ [النمل: ٤٤] يَقُولُ: فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ الصَّرْحَ حَسِبَتْهُ لِبَيَاضِهِ وَاضْطِرَابِ دَوَابِّ الْمَاءِ تَحْتَهُ لُجَّةَ بَحْرٍ كَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا لِتَخُوضَهُ إِلَى سُلَيْمَانَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: وَكَانَ مِنْ قَوَارِيرَ، وَكَانَ الْمَاءُ مِنْ خَلْفِهِ فَحَسِبَتْهُ لُجَّةً»
١٨ / ٨٣
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: بَحْرًا»
١٨ / ٨٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا ابْنُ سَوَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا﴾ [النمل: ٤٤] فَإِذَا هُمَا شَعْرَاوَانِ، فَقَالَ: أَلَا شَيْءَ يُذْهِبُ هَذَا؟ قَالُوا: الْمُوسَى، قَالَ: لَا، الْمُوسَى لَهُ أَثَرٌ، فَأَمَرَ بِالنُّورَةِ فَصُنِعَتْ»
١٨ / ٨٤
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَأَبِي صَالِحٍ قَالَا: «لَمَّا تَزَوَّجَ سُلَيْمَانُ بِلْقِيسَ قَالَتْ لَهُ: لَمْ تَمَسَّنِي حَدِيدَةٌ قَطُّ قَالَ سُلَيْمَانُ لِلشَّيَاطِينِ: انْظُرُوا مَا يُذْهِبُ الشَّعْرَ؟ قَالُوا: النُّورَةُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَنَعَ النُّورَةَ»
١٨ / ٨٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ [النمل: ٤٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ سُلَيْمَانُ لَهَا: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِبَحْرٍ، إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ، يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ مَبْنِيُّ مَشِيدٌ مِنْ قَوَارِيرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿مُمَرَّدٌ﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: مَشِيدٌ»
١٨ / ٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٤٤] . . الْآيَةَ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتِ الْمَرْأَةُ صَاحِبَةُ سَبَأٍ: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فِي عِبَادَتِي الشَّمْسَ، وَسُجُودِي لِمَا دُونِكَ ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ﴾ [النمل: ٤٤] تَقُولُ: وَانْقَدْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ مُذْعِنَةً لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، مُفْرِدَةً لَهُ بِالْأُلُوهَةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ دُونَ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ.
١٨ / ٨٥
وَكَانَ ابْنِ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي: «﴿حَسِبَتْهُ لُجَّةً﴾ [النمل: ٤٤] قَالَ: ﴿إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ [النمل: ٤٤] فَعَرَفَتْ أَنَّهَا قَدْ غُلِبَتْ ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤]»
١٨ / ٨٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ، فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ. قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ [النمل: ٤٥] وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا تَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ. ﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥] يَقُولُ: فَلَمَّا أَتَاهُمْ صَالِحٌ دَاعِيًا لَهُمْ إِلَى اللَّهِ صَارَ قَوْمُهُ مِنْ ثَمُودَ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ فَرِيقَيْنِ يَخْتَصِمُونَ، فَفَرِيقٌ مُصَدِّقٌ صَالِحًا مُؤْمِنٌ بِهِ، وَفَرِيقٌ مُكَذِّبٌ بِهِ كَافِرٌ بِمَا جَاءَ بِهِ. ⦗٨٦⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ / ٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥] قَالَ: مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، قَوْلُهُمْ صَالِحٌ مُرْسَلٌ، وَقَوْلُهُمْ صَالِحٌ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥] يَخْتَلِفُونَ»
١٨ / ٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ﴾ [النمل: ٤٥] قَالَ: مُؤْمِنٌ، وَكَافِرٌ»
١٨ / ٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ صَالِحٌ لِقَوْمِهِ: يَا قَوْمِ لِأَيِّ شَيْءٍ تَسْتَعْجِلُونَ بِعَذَابِ اللَّهِ قَبْلَ الرَّحْمَةِ.
١٨ / ٨٦
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ﴾ [النمل: ٤٦] قَالَ: السَّيِّئَةُ: الْعَذَابُ، قَبْلَ الْحَسَنَةِ: قَبْلَ الرَّحْمَةِ»
١٨ / ٨٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗٨٧⦘ مُجَاهِدٍ: «﴿قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [النمل: ٤٦] قَالَ بِالْعَذَابِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ، قَالَ: الْعَافِيَةِ»
١٨ / ٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [النمل: ٤٦] يَقُولُ: هَلَّا تَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ مِنْ كُفْرِكُمْ، فَيَغْفِرَ لَكُمْ رَبُّكُمْ عَظِيمَ جُرْمِكُمْ، يَصْفَحُ لَكُمْ عَنْ عُقُوبَتِهِ إِيَّاكُمْ عَلَى مَا قَدْ أَتَيْتُمْ مِنْ عَظِيمِ الْخَطِيئَةِ.
١٨ / ٨٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٣٢] يَقُولُ: لِيَرْحَمَكُمْ رَبُّكُمْ بِاسْتِغْفَارِكُمْ إِيَّاهُ مِنْ كُفْرِكُمْ.
١٨ / ٨٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ، قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ، بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ ثَمُودُ لِرَسُولِهَا صَالِحٍ ﴿اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ﴾ [النمل: ٤٧] أَيْ تَشَاءَمْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ مِنْ أَتْبَاعِنَا، وَزَجَرَنَا الطَّيْرُ بِأَنَّا سَيُصِيبُنَا بِكَ وَبِهِمُ الْمَكَارِهُ وَالْمَصَائِبُ. فَأَجَابَهُمْ صَالِحٌ فَقَالَ لَهُمْ ﴿طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٧] أَيْ مَا زَجَرْتُمْ مِنَ الطَّيْرِ لِمَا يُصِيبُكُمْ مِنَ الْمَكَارِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَلْمُهُ، لَا يَدْرِي أَيَّ ذَلِكَ كَائِنٌ، أَمَا تَظُنُّونَ مِنَ الْمَصَائِبِ أَوِ الْمَكَارِهِ، أَمْ مَا لَا تَرْجُونَهُ مِنَ الْعَافِيَةِ وَالرَّجَاءِ وَالْمَحَابِّ؟ . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٨٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٧] يَقُولُ: مَصَائِبُكُمْ»
١٨ / ٨٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٧] عِلْمُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ»
١٨ / ٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ﴾ [النمل: ٤٧] يَقُولُ: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُخْتَبَرُونَ، يَخْتَبِرُكُمْ رَبُّكُمْ إِذْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ، أَتُطِيعُونَهُ فَتَعْمَلُونَ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ، فَيَجْزِيَكُمُ الْجَزِيلَ مِنْ ثَوَابِهِ، أَمْ تَعْصُونَهُ فَتَعْمَلُونَ بِخِلَافِهِ، فَيَحِلَّ بِكُمْ عِقَابُهُ.
١٨ / ٨٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ. قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ فِي مَدِينَةِ صَالِحٍ، وَهِيَ حِجْرُ ثَمُودَ تِسْعَةُ أَنْفَسٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، وَكَانَ إِفْسَادُهُمْ فِي الْأَرْضِ كُفْرَهُمْ بِاللَّهِ وَمَعْصِيَتَهُمْ إِيَّاهُ، وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ الرَّهْطَ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ
١٨ / ٨٨
كَانُوا يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْكُفْرِ كُلُّهُمْ فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةَ هُمُ الَّذِينَ سَعَوْا فِيمَا بَلَغَنَا فِي عَقْرِ النَّاقَةِ، وَتَعَاوَنُوا عَلَيْهِ، وَتَحَالَفُوا عَلَى قَتْلِ صَالِحٍ مِنْ بَيْنِ قَوْمِ ثَمُودَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَصَصَهُمْ وَأَخْبَارَهُمْ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿تِسْعَةُ رَهْطٍ﴾ [النمل: ٤٨] قَالَ: مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٨٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ [النمل: ٤٨] هُمُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ، وَقَالُوا حِينَ عَقَرُوهَا: نُبَيِّتُ صَالِحًا وَأَهْلَهُ فَنَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ نَقُولُ لِأَوْلِيَاءِ صَالِحٍ: مَا شَهِدْنَا مِنْ هَذَا شَيْئًا، وَمَا لَنَا بِهِ ⦗٩٠⦘ عِلْمٌ، فَدَمَّرَهُمُ اللَّهُ أَجْمَعِينَ»
١٨ / ٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ [النمل: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةُ الرَّهْطُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي أَرْضِ حِجْرِ ثَمُودَ، وَلَا يُصْلِحُونَ، تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ: تَحَالَفُوا بِاللَّهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ، لِيَحْلِفْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ: لَنُبَيِّتَنَّ صَالِحًا وَأَهْلَهُ، فَلَنَقْتُلَنَّهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ: مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ﴾ [النمل: ٤٩] قَالَ: تَحَالَفُوا عَلَى إِهْلَاكِهِ، فَلَمْ يَصِلُوا إِلَيْهِ حَتَّى هَلَكُوا وَقَوْمُهُمْ أَجْمَعُونَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. وَيَتَوَجَّهُ قَوْلُهُ ﴿تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ﴾ [النمل: ٤٩] إِلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا النَّصْبُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: قَالُوا مُتَقَاسِمِينَ. وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَلَا ⦗٩١⦘ يُصْلِحُونَ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ» وَلَيْسَ فِيهَا «قَالُوا»، فَذَلِكَ مِنْ قِرَاءَتِهِ يَدُلُّ عَلَى وَجْهِ النَّصْبِ فِي «تَقَاسَمُوا» عَلَى مَا وَصَفْتُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: الْجَزْمُ، كَأَنَّهُمْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اقْسِمُوا بِاللَّهِ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّانِي تَصْلُحُ قِرَاءَةُ ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ [النمل: ٤٩] بِالْيَاءِ وَالنُّونِ، لِأَنَّ الْقَائِلَ لَهُمْ تَقَاسَمُوا وَإِنْ كَانَ هُوَ الْآمِرُ فَهُوَ فِيمَنْ أَقْسَمَ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: انْهَضُوا بِنَا نَمْضِ إِلَى فُلَانٍ، وَانْهَضُوا نَمْضِي إِلَيْهِ. وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ وَجْهُ النَّصَبِ الْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالنُّونِ أَفْصَحُ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: قَالُوا مُتَقَاسِمِينَ لَنُبَيِّتَنَّهُ، وَقَدْ تَجُوزُ الْيَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: قَالُوا لَنُكْرِمَنَّ أَبَاكَ، وَلِيُكْرِمَنَّ أَبَاكَ، وَبِالنُّونِ قَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ، وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ. وَأَمَّا الْأَغْلَبُ عَلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقِرَاءَتُهُ بِالْيَاءِ، وَضَمُّ التَّاءِ جَمِيعًا. وَأَمَّا بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ، فَقَرَأَهُ بِالْيَاءِ. وَأَعْجَبُ الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ إِلَيَّ النُّونُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ الْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ بَيَّنْتُ مِنَ النَّصْبِ وَالْجَزْمِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحًا غَيْرَ فَاسِدٍ لِمَا وَصَفْتُ، وَأَكْرَهُهَا إِلَيَّ الْقِرَاءَةُ بِهَا الْيَاءَ، لِقِلَّةِ قَارِئِ ذَلِكَ كَذَلِكَ. ⦗٩٢⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ [النمل: ٤٩] قَالَ: لَيُبَيِّتُنَّ صَالِحًا ثُمَّ يَفْتِكُوا بِهِ.
١٨ / ٩٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: «قَالَ التِّسْعَةُ الَّذِينَ عَقَرُوا النَّاقَةَ: هَلُمَّ فَلْنَقْتُلْ صَالِحًا، فَإِنْ كَانَ صَادِقًا، يَعْنِي فِيمَا وَعَدَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، عَجَّلْنَاهُ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا نَكُونُ قَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِنَاقَتِهِ. فَأَتَوْهُ لَيْلًا لِيُبَيِّتُوهُ فِي أَهْلِهِ، فَدَمَغَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْحِجَارَةِ؛ فَلَمَّا أَبْطَئُوا عَلَى أَصْحَابِهِمْ أَتَوْا مَنْزِلَ صَالِحٍ، فَوَجَدُوهُمْ مَشْدُوخِينَ قَدْ رُضِخُوا بِالْحِجَارَةِ»
١٨ / ٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [الأنعام: ١٤٦] نَقُولُ لِوَلِيِّهِ: وَإِنَّا لَصَادِقُونَ، أَنَّا مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ.
١٨ / ٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا، وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَغَدَرَ هَؤُلَاءِ التِّسْعَةُ الرَّهْطُ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بِصَالِحٍ بِمَسِيرِهِمْ إِلَيْهِ لَيْلًا لِيَقْتُلُوهُ وَأَهْلَهُ، وَصَالِحٌ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ ﴿وَمَكَرْنَا ⦗٩٣⦘ مَكْرًا﴾ [النمل: ٥٠] يَقُولُ: فَأَخَذْنَاهُمْ بِعُقُوبَتِنَا إِيَّاهُمْ، وَتَعْجِيلِنَا الْعَذَابَ لَهُمْ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] بِمَكْرِنَا. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مَعْنَى: مَكْرِ اللَّهِ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ، وَمَا وَجْهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَخْذَهُ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ عَلَى غِرَّةٍ، أَوِ اسْتِدْرَاجُهُ مِنْهُمْ مَنِ اسْتَدْرَجَ عَلَى كُفْرِهِ بِهِ وَمَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ، ثُمَّ إِحْلَالُهُ الْعُقُوبَةَ بِهِ عَلَى غِرَّةٍ وَغَفْلَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شِمْرِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: «الْمَكْرُ غَدْرٌ، وَالْغَدْرُ كُفْرٌ»
١٨ / ٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا﴾ [النمل: ٥٠] قَالَ: احْتَالُوا لِأَمْرِهِمْ، وَاحْتَالَ اللَّهُ لَهُمْ، مَكَرُوا بِصَالِحٍ مَكْرًا، وَمَكَرْنَا بِهِمْ مَكْرًا ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النمل: ٥٠] بِمَكْرِنَا، وَشَعَرْنَا بِمَكْرِهِمْ، قَالُوا: زَعَمَ صَالِحٌ أَنَّهُ يَفْرُغُ مِنَّا إِلَى ثَلَاثٍ فَنَحْنُ نَفْرُغُ مِنْهُ وَأَهْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ لَهُ مَسْجِدٌ فِي الْحِجْرِ فِي شِعْبٍ يُصَلِّي فِيهِ، فَخَرَجُوا إِلَى كَهْفٍ وَقَالُوا: إِذَا جَاءَ يُصَلِّي قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ رَجَعْنَا إِذَا فَرَغْنَا مِنْهُ إِلَى أَهْلِهِ، فَفَرَغْنَا مِنْهُمْ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ، ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ، وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ [النمل: ٤٩] فَبَعَثَ اللَّهُ صَخْرَةً مِنَ الْهَضْبِ حِيَالَهُمْ، فَخَشَوْا أَنْ تَشْدَخَهُمْ، فَبَادَرُوا الْغَارَ، فَطَبَقَتِ الصَّخْرَةُ عَلَيْهِمْ فَمَ ذَلِكَ الْغَارِ، فَلَا يَدْرِي قَوْمُهُمْ أَيْنَ هُمْ؟ ⦗٩٤⦘ وَلَا يَدْرُونَ مَا فُعِلَ بِقَوْمِهِمْ؟ فَعَذَّبَ اللَّهُ تبارك وتعالى هَؤُلَاءِ هَا هُنَا، وَهَؤُلَاءِ هُنَا، وَأَنْجَى اللَّهُ صَالِحًا وَمَنْ مَعَهُ»
١٨ / ٩٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا﴾ [النمل: ٥٠] قَالَ: فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَخْرَةً فَقَتَلَتْهُمْ»
١٨ / ٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ﴾ [النمل: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ إِلَى عَاقِبَةِ غَدْرِ ثَمُودَ بِنَبِيِّهِمْ صَالِحٍ، كَيْفَ كَانَتْ؟ وَمَا الَّذِي أَوْرَثَهَا اعْتِدَاؤُهُمْ وَطُغْيَانُهُمْ وَتَكْذِيبُهُمْ؟ فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّتُنَا فِيمَنْ كَذَّبَ رُسُلَنَا، وَطَغَى عَلَيْنَا مِنْ سَائِرِ الْخَلْقِ، فَحَذِّرْ قَوْمَكَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ يَنَالَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ مَا نَالَ ثَمُودَ بِتَكْذِيبِهِمْ صَالِحًا مِنَ الْمَثُلَاتِ.
١٨ / ٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [النمل: ٥١] يَقُولُ: إِنَّا دَمَّرْنَا التِّسْعَةَ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ وَقَوْمَهُمْ مِنْ ثَمُودَ أَجْمَعِينَ، فَلَمْ نُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (إِنَّا)، فَقَرَأَ بِكَسْرِهَا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ﴾ [النمل: ٥١]، بِفَتْحِ الْأَلْفِ. وَإِذَا فُتِحَتْ كَانَ فِي ﴿أَنَّا﴾ [البقرة: ٢٥٨] وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ: أَحَدُهُمَا الرَّفْعُ
١٨ / ٩٤
عَلَى رَدِّهَا عَلَى الْعَاقِبَةِ عَلَى الْإِتْبَاعِ لَهَا، وَالْآخَرُ النَّصْبُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَوْضِعِ كَيْفَ، لِأَنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ إِنْ شِئْتَ، وَإِنَّ شِئْتَ عَلَى تَكْرِيرِ كَانَ عَلَيْهَا عَلَى وَجْهٍ، فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ؟ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ تَدْمِيرَنَا إِيَّاهُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ / ٩٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [النمل: ٥٣] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً﴾ [النمل: ٥٢] فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ خَاوِيَةٌ خَالِيَةٌ مِنْهُمْ، لَيْسَ فِيهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَدْ أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ فَأَبَادَهُمْ. ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ بِشِرْكِهِمْ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُمْ. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي فِعْلِنَا بِثَمُودَ مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الْقِصَّةِ لَعِظَةً لِمَنْ يَعْلَمُ فِعْلَنَا بِهِمْ مَا فَعَلْنَا مِنْ قَوْمَكِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَكَ فِيمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ وَعِبْرَةً. ﴿وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [النمل: ٥٣] يَقُولُ: وَأَنْجَيْنَا مِنْ نِقْمَتِنَا وَعَذَابِنَا الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ بِثَمُودَ رَسُولَنَا صَالِحًا وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ. ﴿وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦٣] يَقُولُ: وَكَانُوا يَتَّقُونَ بِإِيمَانِهِمْ، وَبِتَصْدِيقِهِمْ صَالِحًا الَّذِي حَلَّ بِقَوْمِهِمْ مِنْ ثَمُودَ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، فَكَذَلِكَ نُنَجِّيكَ يَا مُحَمَّدُ وَأَتْبَاعَكَ، عِنْدَ إِحْلَالِنَا عُقُوبَتَنَا بِمُشْرِكِي قَوْمِكَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ. وَذُكِرَ أَنَّ صَالِحًا لَمَّا أَحَلَّ اللَّهُ بِقَوْمِهِ مَا أَحَلَّ، خَرَجَ هُوَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ إِلَى الشَّامِ،
١٨ / ٩٥
فَنَزَلَ رَمْلَةَ فِلَسْطِينَ.
١٨ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ، بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا إِلَى قَوْمِهِ، إِذْ قَالَ لَهُمْ: يَا قَوْمِ ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ [النمل: ٥٤] أَنَّهَا فَاحِشَةٌ، لِعِلْمِكُمْ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْكُمْ إِلَى مَا تَفْعَلُونَ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ.
١٨ / ٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً﴾ [النمل: ٥٥] مِنْكُمْ بِذَلِكَ مِنْ دُونِ فُرُوجِ النِّسَاءِ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَكُمْ بِالنِّكَاحِ.
١٨ / ٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [النمل: ٥٥] يَقُولُ: مَا ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا أَنَّكُمْ قَوْمٌ سُفَهَاءُ جَهَلَةٌ بِعَظِيمِ حَقِّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، فَخَالَفْتُمْ لِذَلِكَ أَمَرَهُ، وَعَصَيْتُمْ رَسُولَهُ.
١٨ / ٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمْ يَكُنْ لِقَوْمِ لُوطٍ جَوَّابٌ لَهُ إِذْ نَهَاهُمْ عَمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِنَهْيِهِمْ عَنْهُ مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ، إِلَّا قِيلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ، إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] عَمَّا نَفْعَلُهُ نَحْنُ مِنْ إِتْيَانِ الذُّكْرَانِ فِي أَدْبَارِهِمْ.
١٨ / ٩٦
كَمَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ، يَذْكُرُ عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] قَالَ: مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ»
١٨ / ٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] قَالَ: مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَأَدْبَارِ النِّسَاءِ، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ»
١٨ / ٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ»
١٨ / ٩٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ تَلَا: «﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [النمل: ٥٦] قَالَ: عَابُوهُمْ بِغَيْرِ عَيْبٍ: أَيْ إِنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَعْمَالِ السُّوءِ»
١٨ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ. وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا، فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ [النمل: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْجَيْنَا لُوطًا وَأَهْلَهُ سِوَى امْرَأَتَهُ مِنْ عَذَابِنَا حِينَ أَحْلَلْنَاهُ بِهِمْ، ثُمَّ ﴿قَدَّرْنَاهَا﴾ [النمل: ٥٧] يَقُولُ: فَإِنَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا: جَعَلْنَاهَا بِتَقْدِيرِنَا ﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] مِنَ الْبَاقِينَ. ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ [الأعراف: ٨٤] وَهُوَ إِمْطَارُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنَ ⦗٩٨⦘ السَّمَاءِ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. ﴿فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣] يَقُولُ: فَسَاءَ ذَلِكَ الْمَطَرُ مَطَرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ أَنْذَرَهُمُ اللَّهُ عِقَابَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَخَوَّفَهُمْ بَأْسَهُ بِإِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ.
١٨ / ٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: ٢] عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْنَا، وَتَوْفِيقِهِ إِيَّانَا لِمَا وَفَّقَنَا مِنَ الْهِدَايَةِ. ﴿وَسَلَامٌ﴾ [مريم: ١٥] يَقُولُ: وَأَمَنَةٌ مِنْهُ مِنْ عِقَابِهِ الَّذِي عَاقَبَ بِهِ قَوْمَ لُوطٍ وَقَوْمَ صَالِحٍ، عَلَى الَّذِينَ اصْطَفَاهُمْ، يَقُولُ: الَّذِينَ اجْتَبَاهُمْ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَجَعَلَهُمْ أَصْحَابَهُ وَوُزَرَاءَهُ عَلَى الدِّينِ الَّذِي بَعَثَهُ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، الْجَاحِدِينَ نُبُوَّةَ نَبِيِّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا طَلْقٌ يَعْنِي ابْنَ غَنَّامٍ، عَنِ ابْنِ ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩] قَالَ: أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ اصْطَفَاهُمُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ»
١٨ / ٩٨
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾ [النمل: ٥٩] مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَحَدَّثَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: «هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ»
١٨ / ٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ؛ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ مِنْ قَوْمِكَ فَهُمْ يَعْمَهُونَ: اللَّهُ الَّذِي أَنْعَمَ عَلَى أَوْلِيَائِهِ هَذِهِ النَّعَمَ الَّتِي قَصَّهَا عَلَيْكُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَأَهْلُكَ أَعْدَاءَهُ بِالَّذِي أَهْلَكَهُمْ بِهِ مِنْ صُنُوفِ الْعَذَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَكُمْ فِيهَا، خَيْرٌ أَمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ أَوْثَانِكُمُ الَّتِي لَا تَنْفَعُكُمْ وَلَا تَضُرُّكُمْ، وَلَا تَدْفَعُ عَنْ أَنْفُسِهَا وَلَا عَنْ أَوْلِيَائِهَا سُوءًا، وَلَا تَجْلِبُ إِلَيْهَا وَلَا إِلَيْهِمْ نَفْعًا؟ يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَشْكُلُ عَلَى مَنْ لَهُ عَقْلٌ، فَكَيْفَ تَسْتَجِيزُونَ أَنْ تُشْرِكُوا عِبَادَةَ مَنْ لَا نَفْعَ عِنْدَهُ لَكُمْ، وَلَا دَفْعَ ضَرٍّ عَنْكُمْ فِي عِبَادَةِ مَنْ بِيَدِهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ، وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ. ثُمَّ ابْتَدَأَ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَعْدِيدَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَأَيَادِيهِ عِنْدَهُمْ، وَتَعْرِيفَهُمْ بَقْلَةِ شُكْرِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى مَا أُولَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ .
١٨ / ٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ ⦗١٠٠⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ مِنْ قُرَيْشٍ: أَعِبَادَةُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ أَوْثَانِكُمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ خَيْرٌ، أَمْ عِبَادَةُ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟ ﴿وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [النمل: ٦٠] يَعْنِي مَطَرًا، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرِيدًا بِهِ الْعُيُونُ الَّتِي فَجَّرَهَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ ﴿فَأَنبَتْنَا بِهِ﴾ [النمل: ٦٠] يَعْنِي بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ. ﴿حَدَائِقَ﴾ [النمل: ٦٠] وَهِيَ جَمْعُ حَدِيقَةٍ، وَالْحَدِيقَةُ: الْبُسْتَانُ عَلَيْهِ حَائِطٌ مَحُوطٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَائِطٌ لَمْ يَكُنْ حَدِيقَةً.
١٨ / ٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠] يَقُولُ: ذَاتَ مَنْظَرٍ حَسَنٍ. وَقِيلَ ذَاتَ بِالتَّوْحِيدِ. وَقَدْ قِيلَ حَدَائِقَ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [الأعراف: ١٨٠]، وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠] قَالَ: الْبَهْجَةُ: الْفُقَّاحُ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ»
١٨ / ١٠٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠] قَالَ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَأْكُلُهُ النَّاسُ ⦗١٠١⦘ وَالْأَنْعَامُ»
١٨ / ١٠٠
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا﴾ [النمل: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَنْبَتْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ لَكُمْ هَذِهِ الْحَدَائِقَ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ لَوْلَا أَنَّهُ أَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ طَاقَةً أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَ هَذِهِ الْحَدَائِقَ، وَلَمْ تَكُونُوا قَادِرِينَ عَلَى ذَهَابِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْمَاءِ.
١٨ / ١٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمَعْبُودٌ مَعَ اللَّهِ أَيُّهَا الْجَهَلَةُ خَلَقَ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ الْمَاءَ، فَأَنْبَتَ بِهِ لَكُمُ الْحَدَائِقَ؟ فَقَوْلُهُ: أَإِلَهٌ مَرْدُودٌ عَلَى تَأْوِيلِ: أَمَعَ اللَّهِ إِلَهٌ.
١٨ / ١٠١
﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ﴾ [النمل: ٦٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ قَوْمُ ضَلَالٍ، يَعْدِلُونَ عَنِ الْحَقِّ، وَيَجُورُونَ عَلَيْهِ، عَلَى عَمَدٍ مِنْهُمْ لِذَلِكَ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ عَلَى خَطَأٍ وَضَلَالٍ، وَلَمْ يَعْدِلُوا عَنْ جَهْلٍ مِنْهُمْ بِأَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ خَيْرٌ مِمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَفَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ، وَلَكِنَّهُمْ عَدَلُوا عَلَى عَلْمٍ مِنْهُمْ وَمَعْرِفَةٍ، اقْتِفَاءً مِنْهُمْ سُنَّةَ مَنْ مَضَى قَبْلَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ.
١٨ / ١٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا، وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا، وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ، وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَعِبَادَةُ مَا تُشْرِكُونَ أَيُّهَا النَّاسُ بِرَبِّكُمْ خَيْرٌ وَهُوَ لَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ، أَمِ الَّذِي جَعَلَ الْأَرْضَ لَكُمْ قَرَارًا تَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا لَا تَمِيدُ بِكُمْ ⦗١٠٢⦘. ﴿وَجَعَلَ﴾ [المائدة: ٦٠] لَكُمْ ﴿خِلَالَهَا أَنْهَارًا﴾ [النمل: ٦١] يَقُولُ: بَيْنَهَا أَنْهَارًا. ﴿وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ﴾ [النمل: ٦١] وَهِيَ ثَوَابِتُ الْجِبَالِ، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا﴾ [النمل: ٦١] بَيْنَ الْعَذْبِ وَالْمِلْحِ، أَنْ يُفْسِدَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠] سِوَاهُ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَأَشْرَكْتُمُوهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ؟
١٨ / ١٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ قَدْرَ عَظَمَةِ اللَّهِ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنَ الضُّرِّ فِي إِشْرَاكِهِمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَمَا لَهُمْ مِنَ النَّفْعِ فِي إِفْرَادِهِمُ اللَّهَ بِالْأُلُوهَةِ، وَإِخْلَاصِهِمْ لَهُ الْعِبَادَةَ، وَبَرَاءَتِهِمْ مِنْ كُلِّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ.
١٨ / ١٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ مَا تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ النَّازِلَ بِهِ عَنْهُ؟
١٨ / ١٠٢
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ [النمل: ٦٢] قَالَ: الضُّرَّ»
١٨ / ١٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ﴾ [النمل: ٦٢] يَقُولُ: وَيَسْتَخْلِفُ بَعْدَ أُمَرَائِكُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْكُمْ خُلَفَاءَ أَحْيَاءَ يَخْلُفُونَهُمْ.
١٨ / ١٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠] يَقُولُ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ سِوَاهُ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِكُمْ، ⦗١٠٣⦘ وَيُنْعِمُ عَلَيْكُمْ هَذِهِ النِّعَمَ؟
١٨ / ١٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٣] يَقُولُ: تَذَكُّرًا قَلِيلًا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَأَيَادِيهِ عِنْدَكُمْ تَذْكُرُونَ وَتَعْتَبِرُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يَسِيرًا، فَلِذَلِكَ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ.
١٨ / ١٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [النمل: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ مَا تُشْرِكُونَ بِاللَّهِ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ إِذَا ضَلَلْتُمْ فِيهِمَا الطَّرِيقَ، فَأَظْلَمَتْ عَلَيْكُمُ السُّبُلُ فِيهِمَا؟
١٨ / ١٠٣
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبِرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [النمل: ٦٣] وَالظُّلُمَاتُ فِي الْبِرِّ ضَلَالَةُ الطَّرِيقِ، وَالْبَحْرِ ضَلَالَةُ طَرِيقِهِ، وَمَوْجُهُ، وَمَا يَكُونُ فِيهِ»
١٨ / ١٠٣
وَقَوْلُهُ: (وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) يَقُولُ: وَالَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نُشُرًا لِمَوَتَانِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يَعْنِي: قُدَّامَ الْغَيْثِ الَّذِي يُحْيِي مَوَاتَ الْأَرْضِ.
١٨ / ١٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ بِكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَتَعْبُدُوهُ مِنْ دُونِهِ، أَوْ تُشْرِكُوهُ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ. ﴿تَعَالَى اللَّهُ﴾ [النمل: ٦٣] يَقُولُ: لِلَّهِ الْعُلُوُّ وَالرِّفْعَةُ عَنْ شِرْكِكُمُ الَّذِي تُشْرِكُونَ بِهِ، وَعِبَادَتِكُمْ مَعَهُ مَا تَعْبُدُونَ.
١٨ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [النمل: ٦٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ مَا تُشْرِكُونَ أَيُّهَا الْقَوْمُ خَيْرٌ، أَمِ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَيُنْشِئُهُ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ، وَيَبْتَدِعُهُ ثُمَّ يَفْنِيهِ إِذَا شَاءَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ إِذَا أَرَادَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَفْنِيَهُ، وَالَّذِي يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيُنْزِلُ مِنْ هَذِهِ الْغَيْثَ، وَيُنْبِتُ مِنْ هَذِهِ النَّبَاتَ لِأَقْوَاتِكُمْ، وَأَقْوَاتِ أَنْعَامكُمْ. ﴿أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ﴾ [النمل: ٦٠] سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ؟ وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ إِلَهًا غَيْرَ اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، فَ ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ [البقرة: ١١١] أَيْ حُجَّتَكُمْ عَلَى أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ. ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] فِي دَعْوَاكُمْ. و«مَنْ» الَّتِي فِي «أَمَّنْ» وَ«مَا» مُبْتَدَأٌ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا يُشْرِكُونَ، وَالْآيَاتُ بَعْدَهَا إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [النمل: ٦٤] بِمَعْنَى «الَّذِي»، لَا بِمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ لَا يَدْخُلُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ.
١٨ / ١٠٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا، بَلْ ⦗١٠٥⦘ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِسَائِلِيكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى هِيَ قَائِمَةٌ ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ﴾ الَّذِي قَدِ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ، وَحَجَبَ عَنْهُ خَلْقَهُ غَيْرَهُ وَالسَّاعَةُ مِنْ ذَلِكَ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩] يَقُولُ: وما يَدْرِي مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ مَتَى هُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ لِقِيَامِ السَّاعَةِ
١٨ / ١٠٤
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا يَكُونُ فِي غَدٍ، فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ، وَاللَّهُ يَقُولُ: ﴿لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ رَفْعِ اللَّهِ، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ: هُوَ كَمَا تَقُولُ: إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ. وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَلِيلًا بَدَلًا مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّكَ نَفَيْتَهُ عَنْهُ وَجَعَلْتَهُ لِلْآخَرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَتَوَهَّمَ فِي «مَنْ» الْمَجْهُولَ، فَتَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى: قُلْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ. قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ «مَنْ» ⦗١٠٦⦘ مَعْرِفَةً، وَنَزَلَ مَا بَعْدَ «إِلَّا» عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَطْفًا وَلَا يَكُونُ بَدَلًا، لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَنْفِيُّ، وَالثَّانِي مُثْبَتٌ، فَيَكُونُ فِي النَّسَقِ كَمَا تَقُولُ: قَامَ زَيْدٌ إِلَّا عَمْرٌو، فَيَكُونُ الثَّانِي عَطْفًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَالتَّأْوِيلُ جَحَدَ، وَلَا يَكُونُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ جَحْدًا، أَوِ الْجَحْدُ خَبَرًا. قَالَ: وَكَذَلِكَ ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [النساء: ٦٦] وَقَلِيلًا؛ مَنْ نَصَبَ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ، وَمَنْ رَفَعَ فَعَلَى الْعَطْفِ، وَلَا يَكُونُ بَدَلًا.
١٨ / ١٠٥
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل: ٦٦] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾ [النمل: ٦٦] بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ «بَلْ» وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنْ «ادَّارَكَ»، بِمَعْنَى: بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ أَيْ تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ بِالْآخِرَةِ هَلْ هِيَ كَائِنَةٌ أَمْ لَا، ثُمَّ أَدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ كَمَا قِيلَ: ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾ [التوبة: ٣٨] وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا فِيهِ الْكِفَايَةُ مِنْ إِعَادَتِهِ. وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ)، بِسُكُونِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْأَلْفِ، بِمَعْنَى هَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ عَلِمَ الْآخِرَةِ. وَكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ يُنْكِرُ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ: (بَلْ أَدْرَكَ)،
١٨ / ١٠٦
وَيَقُولُ: إِنَّ «بَلْ» إِيجَابٌ وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْكَارٌ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ (بَلْ أَدْرَكَ)، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، وَبِالِاسْتِفْهَامِ قَرَأَ ذَلِكَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُ أَنَّ أَبَا عَمْرٍو أَنْكَرَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي ذَكَرْتُ عَنِ الْمَكِّيِّينَ أَنَّهُمْ قَرَءُوهُ ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَرَأَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعِ بَلْ: أَمْ.
١٨ / ١٠٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَرَأَ «أَمْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ» . وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقْرَأُ بِإِثْبَاتِ يَاءٍ فِي بَلْ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ أَدَّارَكَ بِفَتْحِ أَلِفِهَا عَلَى وَجْهِ الِاسْتِفْهَامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ
١٨ / ١٠٧
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «بَلَى أَدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ»: أَيْ لَمْ يُدْرِكْ “
١٨ / ١٠٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ «بَلَى أَدَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ» إِنَّمَا هُوَ ⦗١٠٨⦘ اسْتِفْهَامٌ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ». وَكَأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَّهَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ مَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الِاسْتِهْزَاءِ بِالْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَاتِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ الْقِرَاءَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرْتُ إِحْدَاهُمَا عَنْ قِرَاءَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ، وَهِيَ (بَلْ أَدْرَكَ)، بِسُكُونِ لَامِ بَلْ وَفَتْحِ أَلْفِ أَدْرَكَ وَتَخْفِيفِ دَالِهَا، وَالْأُخْرَى مِنْهُمَا عَنْ قِرَاءَةِ الْكُوفَةِ، وَهِيَ ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾ [النمل: ٦٦]، بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مِنَ ادَّارَكَ، لِأَنَّهُمَا الْقَرَاءَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدَنَا. فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْتُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةَ الْمَعْنَى وَالْإِعْرَابِ، فَخِلَافٌ لَمَّا عَلَيْهِ مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ بَلَى زِيَادَةُ يَاءٍ فِي قِرَاءَاتِهِ لَيْسَتْ فِي الْمَصَاحِفِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَةٌ لَا نَعْلَمُهَا قَرَأَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ. وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الَّتِي ذَكَرْتُ عَنِ ابْنِ مُحَيْصِنٍ، فَإِنَّ الَّذِي قَالَ فِيهَا أَبُو عَمْرٍو قَوْلٌ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُحَقِّقُ بِبَلْ مَا بَعْدَهَا لَا تَنْفِيهِ. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْكَارٌ لَا إِثْبَاتٌ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ مِنَ السَّاعَةِ فِي شَكٍّ، فَقَالَ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَأَيْقَنُوهَا إِذْ عَايَنُوهَا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ يَقِينُهُمْ بِهَا، إِذْ كَانُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا مُكَذِّبِينَ.
١٨ / ١٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ) قَالَ: بَصَرُهُمْ فِي الْآخِرَةِ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْعِلْمُ وَالْبَصَرُ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: بَلْ غَابَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ.
١٨ / ١٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) يَقُولُ: غَابَ عِلْمُهُمْ “
١٨ / ١٠٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل: ٦٦] قَالَ: يَقُولُ: ضَلَّ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ، ﴿هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦]». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: لَمْ يَبْلُغْ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ.
١٨ / ١٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: ثنا ⦗١١٠⦘ الْحُسَيْنُ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ [النمل: ٦٦] قَالَ: كَانَ يَقْرَؤُهَا: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ)، قَالَ: لَمْ يَبْلُغْ لَهُمْ فِيهَا عِلْمٌ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا مِنْهُمْ رَغْبَةٌ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: بَلْ أَدْرَكَ: أَمْ أَدْرَكَ.
١٨ / ١٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ)، قَالَ: أَمْ أَدْرَكَ “
١٨ / ١١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عُثْمَانٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ: (بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ)، قَالَ: أَمْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ مِنْ أَيْنَ يُدْرَكُ عِلْمُهُمْ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (بَلْ أَدْرَكَ)، الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ: إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ﴾ [النحل: ٢١] بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ نَفْسَ وَقْتِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ حِينَ يَبْعَثُونَ، فَلَا يَنْفَعُهُمْ عِلْمُهُمْ بِهِ حِينَئِذٍ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُمْ مِنْهَا فِي شَكٍّ، بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ. ⦗١١١⦘ وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ عَلَى الْقِرَاءَةِ الَّتِي ذَكَرْتُ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ. وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدِ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهْرَ مِنْهُ عَنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ، بَلْ يَشْعُرُونَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، فَالْكَلَامُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ، بَلْ أَدْرَكَ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، بَلْ هُمْ فِي الدُّنْيَا فِي شَكٍّ مِنْهَا. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ ﴿بَلِ ادَّارَكَ﴾ [النمل: ٦٦] بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ، فَالْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى بَلْ: أَمْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ أَمْ مَوْضِعَ بَلْ، وَمَوْضِعَ بَلْ: أَمْ، إِذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ اسْتِفْهَامٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ … أَمِ النَّوْمُ أَمْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبُ
يَعْنِي بِذَلِكَ بَلْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ، بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ: يَعْنِي تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ: أَيْ بِعِلْمِ الْآخِرَةِ: أَيْ لَمْ يَتَتَابَعْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ، بَلْ غَابَ عِلْمُهُمْ عَنْهُ، وَضَلَّ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ.
[البحر الطويل] فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَسَلْمَى تَغَوَّلَتْ … أَمِ النَّوْمُ أَمْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبُ
يَعْنِي بِذَلِكَ بَلْ كُلٌّ إِلَيَّ حَبِيبٌ، فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يَبْعَثُونَ، بَلْ تَدَارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ: يَعْنِي تَتَابَعَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ: أَيْ بِعِلْمِ الْآخِرَةِ: أَيْ لَمْ يَتَتَابَعْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمُوهُ، بَلْ غَابَ عِلْمُهُمْ عَنْهُ، وَضَلَّ فَلَمْ يَبْلُغُوهُ وَلَمْ يُدْرِكُوهُ.
١٨ / ١١٠
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا﴾ [النمل: ٦٦] يَقُولُ: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ فِي شَكٍّ مِنْ قِيَامِهَا لَا يُوقِنُونَ بِهَا وَلَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ. ﴿بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل: ٦٦] يَقُولُ: بَلْ هُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِقِيَامِهَا عَمُونَ.
١٨ / ١١١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النمل: ٦٨]⦗١١٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِنَا أَحْيَاءً، كَهَيْئَتِنَا مِنْ بَعْدِ مَمَاتِنَا بَعْدَ أَنْ كُنَّا فِيهَا تُرَابًا قَدْ بَلِينَا.
١٨ / ١١١
﴿لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [النمل: ٦٨] يَقُولُ: لَقَدْ وَعَدَنَا هَذَا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ وَاعِدُونَ وَعَدُوا ذَلِكَ آبَاءَنَا، فَلَمْ نَرَ لِذَلِكَ حَقِيقَةً، وَلَمْ نَتَبَيَّنْ لَهُ صِحَّةً. ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأنعام: ٢٥] يَقُولُ: قَالُوا: مَا هَذَا الْوَعْدُ إِلَّا مَا سَطَرَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ فِي كُتُبِهِمْ، فَأَثْبَتُوهُ فِيهَا وَتَحَدَّثُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ صِحَّةٌ.
١٨ / ١١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ. وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النمل: ٧٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: ﴿قُلْ﴾ [البقرة: ٨٠] يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْأَنْبَاءِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ: ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾ [النمل: ٦٩] إِلَى دِيَارِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ رُسُلِ اللَّهِ وَمَسَاكِنِهِمْ كَيْفَ هِيَ، أَلَمْ يُخْرِبْهَا اللَّهُ، وَيُهْلِكْ أَهْلَهَا بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ، وَرَدِّهِمْ عَلَيْهِمْ نَصَائِحَهُمْ فَخَلَتْ مِنْهُمُ الدِّيَارُ وَتَعَفَّتْ مِنْهُمُ الرُّسُومُ وَالْآثَارُ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ عَاقِبَةَ إِجْرَامِهِمْ، وَذَلِكَ سُنَّةُ رَبِّكُمْ فِي كُلِّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ رُسُلِ رَبِّهِمْ، وَاللَّهُ فَاعِلُ ذَلِكَ بِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ لَمْ تُبَادِرُوا الْإِنَابَةَ مِنْ كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ رَسُولَ رَبِّكُمْ.
١٨ / ١١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ [الحجر: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَلَا تَحْزَنْ عَلَى إِدْبَارِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَنْكَ وَتَكْذِيبِهِمْ لَكَ. ﴿وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [النمل: ٧٠] يَقُولُ: وَلَا يَضِقْ صَدْرُكَ مِنْ مَكْرِهِمْ بِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكَ عَلَيْهِمْ، وَمُهْلِكُهُمْ قَتْلًا بِالسَّيْفِ.
١٨ / ١١٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَقُولُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، الْمُكَذِّبُوكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ. ﴿مَتَى﴾ [البقرة: ٢١٤] يَكُونُ ﴿هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس: ٤٨] الَّذِي تَعِدْنَاهُ مِنَ الْعَذَابِ، الَّذِي هُوَ بِنَا فِيمَا تَقُولُ حَالٌّ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] فِيمَا تَعِدُونَنَا بِهِ. ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] يَقُولُ ﷻ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ: عَسَى أَنْ يَكُونَ اقْتَرَبَ لَكُمْ وَدَنَا ﴿بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] يَقُولُ: اقْتَرَبَ لَكُمْ»
١٨ / ١١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] يَقُولُ: اقْتَرَبَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ»
١٨ / ١١٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] قَالَ: رَدِفَ: أُعْجِلَ لَكُمْ»
١٨ / ١١٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] قَالَ: أَزِفَ»
١٨ / ١١٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] اقْتَرَبَ لَكُمْ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] وَكَلَامُ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفُ: رَدِفَهُ أَمَرٌ، وَأَرْدَفَهُ، كَمَا يُقَالُ: تَبِعَهُ وَأَتْبَعَهُ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أَدْخَلَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ فَأَضَافَ بِهَا الْفِعْلَ كَمَا يُقَالُ: ﴿لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣] وَ﴿لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] . وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أَدْخَلَ اللَّامَ فِي ذَلِكَ لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: دَنَا لَهُمْ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَقُلْتُ لَهَا الْحَاجَاتُ يَطْرَحْنَ بِالْفَتَى
فَأَدْخَلَ الْبَاءَ فِي يَطْرَحْنَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ طَرَحَتْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الطَّرْحِ: الرَّمْي، فَأَدْخَلَ الْبَاءَ لِلْمَعْنَى، إِذْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ يَرْمِينَ بِالْفَتَى، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدِي بِالصَّوَابِ، وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ نَظَائِرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ تِكْرَارِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
[البحر الطويل] فَقُلْتُ لَهَا الْحَاجَاتُ يَطْرَحْنَ بِالْفَتَى
فَأَدْخَلَ الْبَاءَ فِي يَطْرَحْنَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ طَرَحَتْهُ، لِأَنَّ مَعْنَى الطَّرْحِ: الرَّمْي، فَأَدْخَلَ الْبَاءَ لِلْمَعْنَى، إِذْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ يَرْمِينَ بِالْفَتَى، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ أَوْلَاهُمَا عِنْدِي بِالصَّوَابِ، وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ نَظَائِرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ بِمَا أَغْنَى عَنْ تِكْرَارِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ / ١١٤
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [النمل: ٧٢] قَالَ: مِنَ الْعَذَابِ»
١٨ / ١١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ. وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٧٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ [الرعد: ٦] يَا مُحَمَّدُ ﴿لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٤٣] بِتَرْكِهِ مُعَاجَلَتَهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَكُفْرِهِمْ بِهِ، وَذُو إِحْسَانٍ إِلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَهُمْ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [يونس: ٦٠] عَلَى ذَلِكَ مِنْ إِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ عَلَيْهِمْ، فَيُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَلَكِنَّهُمْ يُشْرِكُونَ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، وَمَنْ لَا فَضْلَ لَهُ عِنْدَهُمْ وَلَا إِحْسَانٌ.
١٨ / ١١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٧٤] يَقُولُ: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ضَمَائِرَ صُدُورِ خَلْقِهِ، وَمَكْنُونَ أَنْفُسِهِمْ، وَخَفِيَّ أَسْرَارِهِمْ، وَعَلَانِيَةَ أُمُورِهِمُ الظَّاهِرَةِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُحْصِيهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ بِالْإِحْسَانِ إِحْسَانًا، وَبِالْإِسَاءَةِ جَزَاءَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثني الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَإِنَّ ⦗١١٦⦘ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ [النمل: ٧٤] قَالَ: السِّرُّ»
١٨ / ١١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَمَا مِنْ﴾ [آل عمران: ٦٢] مَكْتُومِ سِرٍّ وَخَفِيِّ أَمْرٍ يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاظِرِينَ ﴿فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ [النمل: ٧٥] وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي أَثْبَتَ رَبُّنَا فِيهِ كُلَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ لَدُنِ ابْتَدَأَ خَلْقَ خَلْقِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿مُبِينٍ﴾ [البقرة: ١٦٨] أَنَّهُ يَبِينُ لِمَنْ نَظَرَ إِلَيْهِ، وَقَرَأَ مَا فِيهِ مِمَّا أَثْبَتَ فِيهِ رَبُّنَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٧٥] يَقُولُ: مَا مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ سِرٌّ وَلَا عَلَانِيَةٌ إِلَّا يَعْلَمُهُ»
١٨ / ١١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [النمل: ٧٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْتُهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحَقَّ فِي أَكْثَرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا، وَذَلِكَ كَالَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ عِيسَى، فَقَالَتِ الْيَهُودُ فِيهِ مَا قَالَتْ، وَقَالَتِ النَّصَارَى فِيهِ مَا قَالَتْ، وَتَبَرَّأَ ⦗١١٧⦘ لِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهُمْ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَيْكُمُ الْحَقَّ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ فَاتَّبِعُوهُ، وَأَقِرُّوا لِمَا فِيهِ، فَإِنَّهُ يَقُصُّ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ، وَيَهْدِيكُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ.
١٨ / ١١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [النمل: ٧٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَهُدًى، يَقُولُ: لَبَيَانٌ مِنَ اللَّهِ، بَيَّنَ بِهِ الْحَقَّ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ خَلْقُهُ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ. ﴿وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٥٧] يَقُولُ: وَرَحْمَةٌ لِمَنْ صَدَّقَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ. ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ﴾ [يونس: ٩٣] يَقُولُ: إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحُكْمِهِ فِيهِمْ، فَيَنْتَقِمُ مِنَ الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ، وَيُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْهُمُ الْمُحِقَّ بِجَزَائِهِ. ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾ [النمل: ٧٨] يَقُولُ: وَرَبُّكَ الْعَزِيزُ فِي انْتِقَامِهِ مِنَ الْمُبْطِلِ مِنْهُمْ وَمَنْ غَيْرِهِمْ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الِانْتِقَامِ مِنْهُ إِذَا انْتَقَمَ، الْعَلِيمُ بِالْمُحِقِّ الْمُحْسِنِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ مَنَ الْمُبْطِلِ الضَّالِّ عَنِ الْهُدَى.
١٨ / ١١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ. إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَفَوِّضْ إِلَى اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ أُمُورَكَ، وَثِقْ بِهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ كَافِيَكَ. ﴿إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ﴾ [النمل: ٧٩] لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَفَكَّرَ مَا فِيهِ بِعَقْلٍ، وَتَدَبَّرَهُ ⦗١١٨⦘ بِفَهْمٍ، أَنَّهُ الْحَقُّ، دُونَ مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْمُخْتَلِفُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَدُونَ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ الْمُكَذِّبُوكَ فِيمَا أَتَيْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، يَقُولُ: فَلَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُ مَنْ كَذَّبَكَ، وَخِلَافُ مَنْ خَالَفَكَ، وَامْضِ لِأَمْرِ رَبِّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِهِ.
١٨ / ١١٧
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَسْمَعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: إِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ الْحَقَّ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ فَأَمَاتَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ خَتَمَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْهَمَهُ. ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: وَلَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ ذَلِكَ مَنْ أَصَمَّ اللَّهُ عَنْ سَمَاعِهِ سَمْعَهُ. ﴿إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: إِذَا هُمْ أَدْبَرُوا مُعْرِضِينَ عَنْهُ، لَا يَسْمَعُونَ لَهُ لِغَلَبَةِ دِينِ الْكُفْرِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَا يَصْغُونَ لِلْحَقِّ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَهُ، وَلَا يُنْصِتُونَ لِقَائِلِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يُعْرَضُونَ عَنْهُ، وَيُنْكِرُونَ الْقَوْلَ بِهِ، وَالِاسْتِمَاعَ لَهُ.
١٨ / ١١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ. وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢] اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي﴾ [النمل: ٨١] بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ وَإِضَافَتِهِ إِلَى الْعُمْيِ بِمَعْنَى: لَسْتَ يَا مُحَمَّدُ بِهَادِي مَنْ عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ ﴿عَنْ ضَلَالَتِهِ﴾ . وَقِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (وَمَا أَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) بِالتَّاءِ وَنَصْبِ الْعُمْيِ، بِمَعْنَى: وَلَسْتَ تَهْدِيهِمْ ﴿عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ [النمل: ٨١] وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ إِنْ شَاءَ.
١٨ / ١١٨
وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ ﴿وَمَا أَنْتَ﴾ [البقرة: ١٤٥] يَا مُحَمَّدُ ﴿بِهَادِي﴾ [النمل: ٨١] مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ فَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً أَنْ يَتَبَيَّنَ سَبِيلَ الرَّشَادِ عَنْ ضَلَالَتِهِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إِلَى طَرِيقِ الرَّشَادِ وَسَبِيلِ الرَّشَادِ.
١٨ / ١١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ [النمل: ٨١] يَقُولُ: مَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ الْحَقَّ وَتُوَعِّيهِ أَحَدًا إِلَّا سَمِعَ مَنْ يُصَدِّقُ بِآيَاتِنَا، يَعْنِي بِأَدِلَّتِهِ وَحُجَجِهِ وَآيِ تَنْزِيلِهِ ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١] فَإِنَّ أُولَئِكَ يَسْمَعُونَ مِنْكَ مَا تَقُولُ وَيَتَدَبَّرُونَهُ، وَيُفَكِّرُونَ فِيهِ، وَيَعْمَلُونَ بِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ.
١٨ / ١١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَعَ﴾ [النمل: ٨٢]: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: حَقَّ عَلَيْهِمْ»
١٨ / ١١٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢] يَقُولُ: إِذَا وَجَبَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ»
١٨ / ١١٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿⦗١٢٠⦘ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: حَقَّ الْعَذَابُ»
١٨ / ١١٩
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «الْقَوْلُ: الْعَذَابُ»
١٨ / ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ قَوْلَنَا فِي مَعْنَى الْقَوْلِ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢] وَالْقَوْلُ: الْغَضَبُ»
١٨ / ١٢٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٨٢]، فَقَالَ: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ ﴿أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمَكِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦] قَالَتْ: فَكَأَنَّمَا كَانَ عَلَى وَجْهِي غِطَاءٌ فَكُشِفَ». وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: خُرُوجُ هَذِهِ الدَّابَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا حِينَ لَا يَأْمُرُ النَّاسُ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ.
١٨ / ١٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: هُوَ حِينَ لَا يَأْمُرُونَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ»
١٨ / ١٢٠
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: ذَاكَ إِذَا تُرِكَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ»
١٨ / ١٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: حِينَ لَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»
١٨ / ١٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْمَقْدِسِيُّ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عَطِيَّةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: إِذَا لَمْ يُعَرِّفُوا مَعْرُوفًا، وَلَمْ يُنَكِّرُوا مُنْكَرًا». وَذُكِرَ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا الدَّابَّةُ مَكَّةُ.
١٨ / ١٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثني الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنِ ⦗١٢٢⦘ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ صَدْعٍ فِي الصَّفَا كَجَرْيِ الْفَرَسِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَا خَرَجَ ثُلُثُهَا»
١٨ / ١٢١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ الْفُرَاتِ الْقَزَّازِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، قَالَ: إِنَّ الدَّابَّةَ حِينَ تَخْرُجُ يَرَاهَا بَعْضُ النَّاسِ فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا الدَّابَّةَ، حَتَّى يَبْلُغَ ذَلِكَ الْإِمَامَ، فَيَطْلُبَ فَلَا يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ. قَالَ: ثُمَّ تَخْرُجُ فَيَرَاهَا النَّاسُ، فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْنَاهَا، فَيَبْلُغُ ذَلِكَ الْإِمَامَ فَيَطْلُبَ فَلَا يَرَى شَيْئًا، فَيَقُولُ: أَمَا إِنِّي إِذَا حَدَّثَ الَّذِي يَذْكُرُهَا، قَالَ: حَتَّى يَعِدَ فِيهَا الْقَتْلَ، قَالَ: فَتَخْرُجُ، فَإِذَا رَآهَا النَّاسُ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ يُصَلُّونَ، فَتَجِيءُ إِلَيْهِمْ فَتَقُولُ: الْآنَ تُصَلُّونَ، فَتَخْطِمُ الْكَافِرَ، وَتَمْسَحُ عَلَى جَبِينِ الْمُسْلِمِ غُرَّةً، قَالَ: فَيَعِيشُ النَّاسُ زَمَانًا يَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ، وَهَذَا: يَا كَافِرُ “
١٨ / ١٢٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، عَنْ وَاصِلٍ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ، ثنا عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ ⦗١٢٣⦘ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: للدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ: خَرْجَةٌ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي ثُمَّ تَكْمُنُ، وَخَرْجَةٌ فِي بَعْضِ الْقُرَى حِينَ يُهْرِيقَ فِيهَا الْأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ ثُمَّ تَكْمُنُ، فَبَيْنَا النَّاسُ عِنْدَ أَشْرَفِ الْمَسَاجِدِ وَأَعْظَمِهَا وَأَفْضَلِهَا، إِذِ ارْتَفَعَتْ بِهِمُ الْأَرْضُ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ هِرَابًا، وَتَبْقَى طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُنْجِينَا مِنَ اللَّهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ عَلَيْهِمُ الدَّابَّةُ تَجْلُو وجُوهَهُمْ مِثْلَ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ، ثُمَّ تَنْطَلِقُ فَلَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يَفُوتُهَا هَارِبٌ، وَتَأْتِي الرَّجُلَ يُصَلِّي، فَتَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ، فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَتَخْطِمُهُ، قَالَ: تَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ، وَتَخْطِمُ الْكَافِرَ، قُلْنَا: فَمَا النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ، وَشُرَكَاءُ فِي الْأَمْوَالِ، وَأَصْحَابٌ فِي الْأَسْفَارِ»
١٨ / ١٢٢
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ جَمِيعٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «يَبِيتُ النَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَى جَمْعٍ، وَتَبِيتُ دَابَّةُ الْأَرْضِ تُسَايِرُهُمْ، فَيُصْبِحُونَ وَقَدْ خَطَمَتْهُمْ مِنْ ⦗١٢٤⦘ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا مَسَحَتْهُ، وَلَا مِنْ كَافِرٍ وَلَا مُنَافِقٍ إِلَّا تَخْبَطُهُ»
١٨ / ١٢٣
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ حِمْصَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: «لَوْ شِئْتُ لَانْتَعَلْتُ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَلَمْ أُمْسِ الْأَرْضَ قَاعِدًا حَتَّى أَقِفَ عَلَى الْأَحْجَارِ الَّتِي تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ بَيْنِهَا، وَلَكَأَنِّي بِهَا قَدْ خَرَجْتُ فِي عَقِبِ رَكْبٍ مِنَ الْحَاجِّ، قَالَ: فَمَا حَجَجْتُ قَطُّ إِلَّا خِفْتُ تَخْرُجُ بِعَقِبِنَا»
١٨ / ١٢٤
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا مِنَ الصَّفَا، رَفَعَ قَدَمَهُ وَهُوَ قَائِمٌ، وَقَالَ: «لَوْ شِئْتُ لَمْ أَضَعْهَا حَتَّى أَضَعَهَا عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ الدَّابَّةُ»
١٨ / ١٢٤
حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ، قَالَ: ثنا أَبِي، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ ⦗١٢٥⦘ بْنَ الْيَمَانِ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: وَذَكَرَ الدَّابَّةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنْ أَيْنَ تَخْرُجُ؟ قَالَ: «مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً عَلَى اللَّهِ، بَيْنَمَا عِيسَى يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ، إِذْ تَضْطَرِبُ الْأَرْضُ تَحْتَهُمْ، تُحَرِّكُ الْقِنْدِيلَ، وَيَنْشَقُّ الصَّفَا مِمَّا يَلِي الْمَسْعَى، وَتَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنَ الصَّفَا أَوَّلَ مَا يَبْدُو رَأْسُهَا مُلَمَّعَةً ذَاتَ وَبَرٍ وَرِيشٍ، لَمْ يُدْرِكْهَا طَالِبٌ، وَلَنْ يَفُوتَهَا هَارِبٌ، تَسِمُ النَّاسَ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ، أَمَا الْمُؤْمِنُ فَتَتْرُكُ وَجْهَهُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيُّ، وَتَكْتُبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مُؤْمِنٌ، وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَتَنْكُتُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ كَافِرٌ»
١٨ / ١٢٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو الْحُسَيْنِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، وَتَخْتِمُ أَنْفَ الْكَافِرِ بِالْخَاتَمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا. يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ»
١٨ / ١٢٥
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «هِيَ دَابَّةٌ ذَاتَ زُغْبٍ وَرِيشٍ، وَلَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ»
١٨ / ١٢٦
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: «إِنَّهَا تَنْكُتُ فِي وَجْهِ الْكَافِرِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ، فَتَفْشُو فِي وَجْهِهِ، فَيُسَوَّدُ وَجْهُهُ، وَتَنْكُتُ فِي وَجْهِ الْمُؤْمِنِ نُكْتَةً بَيْضَاءَ فَتَفْشُو فِي وَجْهِهِ، حَتَّى يَبْيَضَّ وَجْهُهُ، فَيَجْلِسُ أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى الْمَائِدَةِ، فَيُعْرَفُونَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيَتَبَايَعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ، فَيُعْرَفُونَ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ»
١٨ / ١٢٦
حَدَّثَنِي ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، قَالَا: ثنا ابْنُ الْهَادِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ شِعْبٍ، فَيَمَسُّ رَأْسَهَا السَّحَابُ، وَرِجْلَاهَا فِي الْأَرْضِ مَا خَرَجَتَا، فَتَمُرُّ بِالْإِنْسَانِ يُصَلِّي، فَتَقُولُ: مَا الصَّلَاةُ مِنْ حَاجَتِكَ، فَتَخْطِمُهُ»
١٨ / ١٢٦
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: «تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ ⦗١٢٧⦘ وَمَعَهَا خَاتَمُ سُلَيْمَانَ وَعَصَا مُوسَى، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْتِمُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ بِخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَمْسَحُ وَجْهَهُ بِعَصَا مُوسَى فَيَبْيَضُّ» . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: ﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، بِمَعْنَى تَخْبِرُهُمْ وَتُحَدِّثُهُمْ، وَقَرَأَهُ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرٍو: (تَكْلِمُهُمْ)، بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ بِمَعْنَى: تَسِمُهُمْ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: تُحَدِّثَهُمْ»
١٨ / ١٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] وَهِيَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ «تُحَدِّثَهُمْ» تَقُولُ لَهُمْ: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢]»
١٨ / ١٢٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ ⦗١٢٨⦘ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تُكَلِّمُهُمْ﴾ [النمل: ٨٢] قَالَ: كَلَامُهَا تُنْبِئُهُمْ ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢]»
١٨ / ١٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءَ فِي قِرَاءَةُ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ: (إِنَّ النَّاسَ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ مِنْ «إِنَّ» عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ بِالْخَبَرِ عَنِ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يُوقِنُونَ؛ وَهِيَ وَإِنْ كُسِرَتْ فِي قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْكَلَامَ لَهَا مُتَنَاوِلٌ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا﴾ [النمل: ٨٢]، بِفَتْحِ أَنَّ، بِمَعْنَى: تُكَلِّمْهُمْ بِأَنَّ النَّاسَ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ نُصِبَ بِوُقُوعِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ / ١٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ نَجْمَعُ مِنْ كُلِّ قَرْنٍ وَمِلَّةٍ فَوْجًا، يَعْنِي جَمَاعَةً مِنْهُمْ، وَزُمْرَةً ﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا﴾ [النمل: ٨٣] يَقُولُ: مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِأَدِلَّتِنَا وَحُجَجِنَا، فَهُوَ ⦗١٢٩⦘ يَحْبِسُ أَوَّلَهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ، لِيَجْتَمِعَ جَمِيعَهُمْ، ثُمَّ يُسَاقُونَ إِلَى النَّارِ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] يَعْنِي: الشِّيعَةَ عِنْدَ الْحَشْرِ»
١٨ / ١٢٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾ [النمل: ٨٣] قَالَ: زُمْرَةً»
١٨ / ١٢٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾ [النمل: ٨٣] قَالَ: زُمْرَةً زُمْرَةً ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣]»
١٨ / ١٢٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] قَالَ: يَقُولُ: فَهُمْ يُدْفَعُونَ»
١٨ / ١٢٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو أَحْمَدَ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] قَالَ: يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ»
١٨ / ١٢٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] قَالَ: وَزْعَةً تَرُدُّ أُولَاهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ». وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ٨٣] فِيمَا مَضَى قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ / ١٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: حَتَّى إِذَا جَاءَ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجٌ مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَاجْتَمَعُوا قَالَ اللَّهُ: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ [النمل: ٨٤] أَيْ بِحُجَجِي وَأَدِلَّتِي ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾ [النمل: ٨٤] يَقُولُ وَلَمْ تَعْرِفُوهَا حَقَّ مَعْرِفَتِهَا؟ ﴿أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فِيهَا مِنْ تَكْذِيبٍ أَوْ تَصْدِيقٍ.
١٨ / ١٣٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ. أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَجَبَ السَّخَطُ وَالْغَضَبُ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ ﴿بِمَا ظَلَمُوا﴾ [النمل: ٥٢] يَعْنِي بِتَكْذِيبِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، يَوْمَ يُحْشَرُونَ، ﴿فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ﴾ [النمل: ٨٥] يَقُولُ: فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِحُجَّةٍ يُدْفَعُونَ بِهَا عَنْ أَنْفُسِهِمْ عَظِيمَ مَا حَلَّ بِهِمْ وَوَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْقَوْلِ.
١٨ / ١٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ [النمل: ٨٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَلَمْ يَرَ ⦗١٣١⦘ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِآيَاتِنَا تَصْرِيفَنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَمُخَالَفَتَنَا بَيْنَهُمَا بِتَصْيِيرِنَا هَذَا سَكَنًا لَهُمْ يَسْكُنُونَ فِيهِ، وَيُهْدَوْنَ رَاحَةَ أَبْدَانِهِمْ مِنْ تَعَبِ التَّصَرُّفِ وَالتَّقَلُّبِ نَهَارًا، وَهَذَا مُضِيئًا يُبْصِرُونَ فِيهِ الْأَشْيَاءَ وَيُعَايِنُونَهَا فَيَتَقَلَّبُونَ فِيهِ لِمَعَايِشِهِمْ، فَيَتَفَكَّرُوا فِي ذَلِكَ، وَيَتَدَبَّرُوا وَيَعْلَمُوا أَنَّ مُصَرِّفَ ذَلِكَ كَذَلِكَ هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِمَاتَةَ الْأَحْيَاءِ، وَإِحْيَاءَ الْأَمْوَاتِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، كَمَا لَمْ يَتَعَذَّرْ عَلَيْهِ الذَّهَابُ بِالنَّهَارِ وَالْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ، وَالْمَجِيءُ بِالنَّهَارِ وَالذَّهَابُ بِاللَّيْلِ مَعَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمَا.
١٨ / ١٣٠
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي تَصْيِيرِنَا اللَّيْلَ سَكَنًا، وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا، لَدَلَالَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا آمَنُوا بِهِ مِنَ الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحُجَّةً لَهُمْ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ.
١٨ / ١٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [النمل: ٨٧] وَقَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِيمَا مَضَى، وَبَيَّنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِشَوَاهِدِهِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بَعْضَ مَا لَمْ يُذْكَرْ هُنَاكَ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ.
١٨ / ١٣١
ذِكْرُ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا مَضَى قَبْلُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗١٣٢⦘ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [النمل: ٨٧] قَالَ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ»
١٨ / ١٣١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الصُّورُ: الْبُوقُ قَالَ: هُوَ الْبُوقُ، صَاحِبُهُ آخِذٌ بِهِ يَقْبِضُ قَبْضَتَيْنِ بِكَفَّيْهِ عَلَى طَرْفِ الْقَرْنِ، بَيْنَ طَرْفِهِ وَبَيْنَ فِيهِ قَدْرُ قَبْضَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، قَدْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَةِ إِحْدَى رِجْلَيْهِ، فَأَشَارَ، فَبَرَكَ عَلَى رُكْبَةِ يَسَارِهِ مُقْعِيًا عَلَى قَدِمِهَا، عَقِبُهَا تَحْتَ فَخِذِهِ وَأَلْيَتِهِ، وَأَطْرَافُ أَصَابِعِهَا فِي التُّرَابِ»
١٨ / ١٣٢
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْقَرْنِ قَدْ رَفَعَ إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَخَفَضَ الْأُخْرَى، لَمْ يُلْقِ جُفُونَ عَيْنِهِ عَلَى غِمْضٍ مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ مُسْتَعِدًّا مُسْتَجِدًّا، قَدْ وَضَعَ الصُّورَ عَلَى فِيهِ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ أَنْ يَنْفُخَ فِيهِ»
١٨ / ١٣٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ: يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ»، قَالَ: وَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «⦗١٣٣⦘ قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ: الْأُولَى: نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيَمُدُّ بِهَا وَيُطَوِّلُهَا، فَلَا يَفْتُرُ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ﴾ [ص: ١٥] فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الْجِبَالَ، فَتَكُونُ سَرَبًا، وَتُرَجُّ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا رَجًّا، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ﴾ [النازعات: ٧] فَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالسَّفِينَةِ الْمُوثَقَةِ فِي الْبَحْرِ، تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ، تُكْفَأُ بِأَهْلِهَا، أَوْ كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ بِالْوَتَرِ تُرَجِّحُهُ الْأَرْيَاحُ، فَتَمِيدُ النَّاسُ عَلَى ظَهْرِهَا، فَتَذْهَلُ الْمَرَاضِعُ، وَتَضَعُ الْحَوَامِلُ، وَتَشِيبُ الْوِلْدَانُ، وَتَطِيرُ الشَّيَاطِينُ هَارِبَةً، حَتَّى تَأْتِيَ الْأَقْطَارَ، فَتَتَلَقَّاهَا الْمَلَائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وجُوهَهَا فَتَرْجِعُ، وَيُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِينَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ، يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ [غافر: ٣٢] فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ تَصَدَّعَتِ الْأَرْضُ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، فَرَأَوْا أَمْرًا عَظِيمًا، فَأَخَذَهُمْ لِذَلِكَ مِنَ الْكَرْبِ مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ، فَإِذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثُمَّ خُسِفَ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا، وَانْتَثَرَتْ نُجُومُهَا، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ». قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَالْأَمْوَاتُ لَا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قَالَ: «أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، أُولَئِكَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَآمَنَهُمْ، وَهُوَ عَذَابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلَى شِرَارِ خَلْقِهِ»
١٨ / ١٣٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، خَلَقَ الصُّورَ، فَأَعْطَاهُ مَلَكًا، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ، شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ الْعَرْشَ، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ» . قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الصُّورُ؟ قَالَ: «قَرْنٌ»، قُلْتُ: فَكَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: «عَظِيمٌ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ عِظَمَ دَائِرَةٍ فِيهِ لَكَعَرْضِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ»، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي كُرَيْبٍ عَنِ الْمُحَارِبِيِّ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ «كَالسَّفِينَةِ الْمُرْفَأَةِ فِي الْبَحْرِ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَنُفِخَ فِي صُوَرِ الْخَلْقِ.
١٨ / ١٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ [النمل: ٨٧] أَيْ فِي الْخَلْقِ»
١٨ / ١٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: فَفَزِعَ مَنْ فِي
١٨ / ١٣٤
السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالشَّيَاطِينِ، مِنْ هَوْلِ مَا يُعَايِنُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: فَفَزِعَ، فَجَعَلَ فَزِعَ وَهِيَ فَعِلَ مَرْدُودَةً عَلَى يُنْفَخُ، وَهِيَ يُفْعَلُ؟ قِيلَ: الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَصْلُحُ فِيهَا إِذَا، لِأَنَّ إِذَا يَصْلُحُ مَعَهَا فَعَلَ وَيَفْعَلُ، كَقَوْلِكَ: أَزُورُكَ إِذَا زُرْتَنِي، وَأَزُورُكَ إِذَا تَزُورُنِي، فَإِذَا وُضِعَ مَكَانَ إِذَا يَوْمَ أُجْرِيَ مَجْرَى إِذَا. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ جَوَّابُ قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ﴾ [النمل: ٨٧] قِيلَ: جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مُضْمَرًا مَعَ الْوَاوِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ، وَذَلِكَ يَوْمَ يَنْفُخُ فِي الصُّورِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَتْرُوكًا اكْتَفَى بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ، كَمَا قِيلَ: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [البقرة: ١٦٥] فَتَرَكَ جَوَابَهُ.
١٨ / ١٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] قِيلَ: إِنَّ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ أَنْ يَنَالَهُمُ الْفَزَعُ يَوْمَئِذٍ الشُّهَدَاءُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَإِنْ كَانُوا فِي عِدَادِ الْمَوْتَى عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْخَبَرِ الْمَاضِي.
١٨ / ١٣٥
وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: «﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قَالَ: هُمُ الشُّهَدَاءُ»
١٨ / ١٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] يَقُولُ: وَكُلٌّ أَتَوْهُ صَاغِرِينَ. ⦗١٣٦⦘ وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] يَقُولُ: صَاغِرِينَ»
١٨ / ١٣٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] قَالَ: صَاغِرِينَ»
١٨ / ١٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] قَالَ: الدَّاخِرُ: الصَّاغِرُ الرَّاغِمُ، قَالَ: لِأَنَّ الْمَرْءَ الَّذِي يَفْزَعُ إِذَا فَزِعَ إِنَّمَا هِمَّتُهُ الْهَرَبُ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي فَزِعَ مِنْهُ، قَالَ: فَلَمَّا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَزِعُوا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَنْجَى». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (وَكُلٌّ آتُوهُ)، بِمَدِّ الْأَلْفِ مِنْ أَتَوْهُ عَلَى مِثَالِ فَاعَلُوهُ، سِوَى ابْنُ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ قَرَأَهُ: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ﴾ [النمل: ٨٧] عَلَى مِثَالِ فَعَلُوهُ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ، ⦗١٣٧⦘ وَاعْتَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ عَلَى مِثَالِ فَاعَلُوهُ بِإِجْمَاعِ الْقُرَّاءِ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ﴾ [مريم: ٩٥] قَالُوا: فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: (آتُوهُ)، فِي الْجَمْعِ. وَأَمَّا الَّذِينَ قَرَءُوا عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ، فَإِنَّهُمْ رَدُّوهُ عَلَى قَوْلِهِ: ﴿فَفَزِعَ﴾ [النمل: ٨٧] كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا مَعْنَى الْكَلَامِ إِلَى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَأَتَوْهُ كُلُّهُمْ دَاخِرِينَ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: رَأَى وَفَرَّ وَعَادَ وَهُوَ صَاغِرٌ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، وَمُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
١٨ / ١٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٨٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَتَرَى الْجِبَالَ﴾ [النمل: ٨٨] يَا مُحَمَّدُ ﴿تَحْسَبُهَا﴾ [النمل: ٨٨] قَائِمَةً ﴿وَهِيَ تَمُرُّ﴾ [النمل: ٨٨] .
١٨ / ١٣٧
كَالَّذِي: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً﴾ [النمل: ٨٨] يَقُولُ: قَائِمَةً». وَإِنَّمَا قِيلَ: ﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾ [النمل: ٨٨] لِأَنَّهَا تُجْمَعُ ثُمَّ تَسِيرُ، فَيَحْسَبُ رَائِيهَا لِكَثْرَتِهَا أَنَّهَا وَاقِفَةٌ، وَهِيَ تَسِيرُ سَيْرًا حَثِيثًا، كَمَا قَالَ الْجَعْدِيُّ:
[البحر الطويل] ⦗١٣٨⦘ بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أَنَّهُمْ … وُقُوفٌ لِحَاجٍ وَالرِّكَابُ تُهَمْلِجُ
[البحر الطويل] ⦗١٣٨⦘ بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أَنَّهُمْ … وُقُوفٌ لِحَاجٍ وَالرِّكَابُ تُهَمْلِجُ
١٨ / ١٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] وَأَوْثَقُ خَلْقَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٣٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] يَقُولُ: أَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ»
١٨ / ١٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] يَقُولُ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ وَأَوْثَقَهُ»
١٨ / ١٣٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] قَالَ: أَوْثَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَسَوَّى»
١٨ / ١٣٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿أَتْقَنَ﴾ [النمل: ٨٨] أَوْثَقَ»
١٨ / ١٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «(إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ ذُو عَلْمٍ وَخِبْرَةٍ بِمَا يَفْعَلُ عِبَادُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَطَاعَةٍ لَهُ وَمَعْصِيَةٍ، وَهُوَ مُجَازِي جَمِيعَهُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، عَلَى الْخَيْرِ الْخَيْرَ، وَعَلَى الشَّرِّ الشَّرَّ نَظِيرَهُ»
١٨ / ١٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا، وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿مَنْ جَاءَ﴾ [الأنعام: ١٦٠] اللَّهَ بِتَوْحِيدِهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ، وَقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُوقِنًا بِهِ قَلْبُهُ، ﴿فَلَهُ﴾ [البقرة: ١١٢] مِنْ هَذِهِ الْحَسَنَةِ عِنْدَ اللَّهِ ﴿خَيْرٌ﴾ [البقرة: ٥٤] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ الْخَيْرُ أَنْ يُثِيبَهُ اللَّهُ ﴿مِنْهَا﴾ [البقرة: ٢٥] الْجَنَّةَ، وَيُؤَمِّنَهُ ﴿مِنْ فَزَعٍ﴾ [النمل: ٨٩] الصَّيْحَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ النَّفْخُ فِي الصُّورِ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] يَقُولُ: وَمَنْ جَاءَ بِالشِّرْكِ بِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ، وَجُحُودِ وَحْدَانِيَّتِهِ ﴿فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ [النمل: ٩٠] فِي نَارِ جَهَنَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثني الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: ثنا ⦗١٤٠⦘ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ يَحْيَى: أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٩٠] قَالَ: وَهِيَ الشِّرْكُ»
١٨ / ١٣٩
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٩٠]، قَالَ: بِالشِّرْكِ»
١٨ / ١٤٠
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] يَقُولُ: مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] وَهُوَ الشِّرْكُ»
١٨ / ١٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: بِالشِّرْكِ»
١٨ / ١٤٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠]⦗١٤١⦘ قَالَ: الشِّرْكُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ بِنَحْوِهِ
١٨ / ١٤٠
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ فِيهَا: «الشِّرْكُ، يَعْنِي: فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠]»
١٨ / ١٤١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ أَبِي الْمُحَجَّلِ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: كَانَ يَحْلِفُ مَا يَسْتَثْنِي، أَنَّ «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: الشِّرْكُ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ١٤١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: «﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٩٠] قَالَ: الشِّرْكُ»
١٨ / ١٤١
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا حَفْصٌ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ⦗١٤٢⦘ الْحُسَيْنِ، وَكَانَ رَجُلًا غَزَّاءَ، قَالَ: بَيْنَا هُوَ فِي بَعْضِ خَلَوَاتِهِ حَتَّى رَفَعَ صَوْتَهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ قَالَ: فَرَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ: مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَقُولُ مَا تَسْمَعُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا الْكَلِمَةُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩]»
١٨ / ١٤١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: الْإِخْلَاصُ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: الشِّرْكُ»
١٨ / ١٤٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] يَعْنِي: الشِّرْكَ»
١٨ / ١٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] يَقُولُ: الشِّرْكُ»
١٨ / ١٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٩٠] قَالَ: السَّيِّئَةُ: الشِّرْكُ الْكُفْرُ»
١٨ / ١٤٢
حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، ⦗١٤٣⦘ قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ﴾ [الأنعام: ١٦٠] قَالَ: السَّيِّئَةُ: الشِّرْكُ»
١٨ / ١٤٢
قَالَ الْحَكَمُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ السَّيِّئَةُ فَهُوَ الشِّرْكُ» . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ / ١٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] فَمِنْهَا وَصَلَ إِلَيْهِ الْخَيْرُ، يَعْنِي ابْنُ عَبَّاسٍ بِذَلِكَ: مِنَ الْحَسَنَةِ وَصَلَ إِلَى الَّذِي جَاءَ بِهَا الْخَيْرُ»
١٨ / ١٤٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، قَالَ: ثنا حُسَيْنٌ الشَّهِيدُ، عَنِ الْحَسَنِ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: لَهُ مِنْهَا»
١٨ / ١٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «مَنْ جَاءَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا خَيْرًا»
١٨ / ١٤٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] يَقُولُ: لَهُ مِنْهَا حَظٌّ»
١٨ / ١٤٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿مَنْ جَاءَ ⦗١٤٤⦘ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ؛ فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا، وَلَكِنْ مِنْهَا خَيْرٌ يُصِيبُ مِنْهَا خَيْرًا»
١٨ / ١٤٣
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَوْلَهُ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ خَيْرًا مَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَكِنْ لَهُ مِنْهَا خَيْرٌ»
١٨ / ١٤٤
وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا﴾ [النمل: ٨٩] قَالَ: أَعْطَاهُ اللَّهُ بِالْوَاحِدَةِ عَشْرًا، فَهَذَا خَيْرٌ مِنْهَا». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: (وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمِئِذٍ آمِنُونَ)، بِإِضَافَةِ فَزَعٍ إِلَى الْيَوْمِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ﴾ [النمل: ٨٩]، بِتَنْوِينِ فَزَعٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْإِضَافَةَ أَعْجَبُ
١٨ / ١٤٤
إِلَيَّ، لِأَنَّهُ فَزَعٌ مَعْلُومٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْرِفَةً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي سِيَاقِ قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ [النمل: ٨٩] مِنَ الْفَزَعِ الَّذِي قَدْ جَرَى ذِكْرُهُ قَبْلَهُ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ مَعْرِفَةٌ، وَأَنَّ الْإِضَافَةَ إِذَا كَانَ مَعْرِفَةً بِهِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ الْإِضَافَةِ؛ وَأُخْرَى أَنَّ ذَلِكَ إِذَا أُضِيفَ فَهُوَ أَبْيَنُ أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ أَمَانِهِ مَنْ كُلِّ أَهْوَالِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُضَفْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جُعِلَ الْأَمَانُ مِنْ فَزَعِ بَعْضِ أَهْوَالِهِ.
١٨ / ١٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ. يُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تُجْزَوْنَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، إِذْ كَبَّكُمُ اللَّهُ لِوُجُوهِكُمْ فِي النَّارِ، وَإِلَّا جَزَاءُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ؛ وَتَرَكَ «يُقَالُ لَهُمْ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
١٨ / ١٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: يَا مُحَمَّدُ قُلْ ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾ [النمل: ٩١] وَهِيَ مَكَّةُ ﴿الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ [النمل: ٩١] عَلَى خَلْقِهِ أَنْ يَسْفِكُوا فِيهَا دَمًا حَرَامًا، أَوْ يَظْلِمُوا فِيهَا أَحَدًا، أَوْ يُصَادُ صَيْدُهَا، أَوْ يُخْتَلَى خَلَاهَا دُونَ الْأَوْثَانِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: «﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ [النمل: ٩١] يَعْنِي: مَكَّةَ»
١٨ / ١٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٩١] يَقُولُ: وَلِرَبِّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا مُلْكًا. فَإِيَّاهُ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ، لَا مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا. وَإِنَّمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا﴾ [النمل: ٩١] فَخَصَّهَا بِالذِّكْرِ دُونَ سَائِرِ الْبُلْدَانِ، وَهُوَ رَبُّ الْبِلَادِ كُلِّهَا، لِأَنَّهُ أَرَادَ تَعْرِيفَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ مَكَّةَ بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ، وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ بَلَدَهُمْ، فَمَنَعَ النَّاسَ مِنْهُمْ، وَهُمْ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ يَأْكُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، لَا مَنْ لَمْ تُجَرَّ لَهُ عَلَيْهِمْ نِعْمَةٌ، وَلَا يَقْدِرُ لَهُمْ عَلَى نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ.
١٨ / ١٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: ٧٢] يَقُولُ: وَأَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُسْلِمَ وَجْهِيَ لَهُ حَنِيفًا، فَأَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَانُوا بِدِينِ خَلِيلِهِ إِبْرَاهِيمَ وَجَدِّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ، لَا مَنْ خَالَفَ دِينَ جَدِّهِ الْمُحَقِّ، وَدَانَ دِينَ إِبْلِيسَ عَدُوِّ اللَّهِ.
١٨ / ١٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ [النمل: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ ﴿إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ﴾ [النمل: ٩١] وَ﴿أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ اتْلُوَ الْقُرْآنَ، فَمَنِ اهْتَدَى﴾ يَقُولُ: فَمَنْ تَبِعَنِي وَآمَنَ بِي وَبِمَا ⦗١٤٧⦘ جِئْتُ بِهِ، فَسَلَكَ طَرِيقَ الرَّشَادِ ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ: فَإِنَّمَا يَسْلُكُ سَبِيلَ الصَّوَابِ بِاتِّبَاعِهِ إِيَّايَ، وَإِيمَانِهِ بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ بِإِيمَانِهِ بِي، وَبِمَا جِئْتُ بِهِ يَأْمَنُ نَقْمَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابَهُ فِي الْآخِرَةِ.
١٨ / ١٤٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ ضَلَّ﴾ [يونس: ١٠٨] يَقُولُ: وَمَنْ جَارَ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ بِتَكْذِيبِهِ بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴿فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذَرِينَ﴾ [النمل: ٩٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمَنْ ضَلَّ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، وَكَذَّبَكَ، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ عِنْدِي، إِنَّمَا أَنَا مِمَّنْ يُنْذِرُ قَوْمَهُ عَذَابَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَقَدْ أَنْذَرْتُكُمْ ذَلِكَ مَعْشَرَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ وَانْتَهَيْتُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ اللَّهُ مِنْكُمْ مِنَ الشِّرْكِ بِهِ، فَحُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ تُصِيبُونَ، وَإِنَّ رَدَدْتُمْ وَكَذَّبْتُمْ فَعَلَى أَنْفُسِكُمْ جَنَيْتُمْ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُمِرْتُ بِإِبْلَاغِهِ إِيَّاكُمْ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ.
١٨ / ١٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ لَكَ مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِكَ: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ [الفاتحة: ٢] عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْنَا بِتَوْفِيقِهِ إِيَّانَا لِلْحَقِّ الَّذِي أَنْتُمْ عَنْهُ عَمُونَ، سَيُرِيكُمْ رَبُّكُمْ آيَاتِ عَذَابِهِ وَسَخَطِهِ، فَتَعْرِفُونَ بِهَا حَقِيقَةَ نُصْحِي كَانَ لَكُمْ، وَيَتَبَيَّنُ صِدْقُ مَا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ مِنَ الرَّشَادِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ [النمل: ٩٣] قَالَ: فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالرِّزْقِ»
١٨ / ١٤٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ [النمل: ٩٣] قَالَ: فِي أَنْفُسِكُمْ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالرِّزْقِ»
١٨ / ١٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، وَلَكِنْ لَهُمْ أَجْلٌ هُمْ بَالِغُوهُ، فَإِذَا بَلَغُوهُ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: فَلَا يَحْزُنْكَ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاكَ، فَإِنِّي مِنْ وَرَاءِ إِهْلَاكِهِمْ، وَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، فَأَيْقِنْ لِنَفْسِكَ بِالنَّصْرِ، وَلِعَدِوِّكَ بِالذُّلِّ وَالْخِزْيِ.
١٨ / ١٤٨