مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثٌ وَتُسْعُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ / ٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿طس، تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ. هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ. الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ بَيَّنَّا الْقَوْلَ فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا هَذَا فِيمَا كَانَ مِنْ حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِي فَوَاتِحَ السُّوَرِ، فَقَوْلُهُ: ﴿طس﴾ [النمل: ١] مِنْ ذَلِكَ.
١٨ / ٥
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ قَوْلَهُ «﴿طس﴾ [النمل: ١] قَسَمٌ أَقْسَمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ». حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فَالْوَاجِبُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَالسَّمِيعِ اللَّطِيفِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَنْزَلْتُهَا إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ لَآيَاتُ الْقُرْآنِ وَآيَاتُ كِتَابٍ مُبِينٍ: يَقُولُ: يَبِينُ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَفَكَّرَ فِيهِ بِفَهْمٍ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ، لَمْ تَتَخَرَّصْهُ أَنْتَ وَلَمْ تَتَقَوَّلْهُ وَلَا أَحَدٌ سِوَاكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، وَلَوْ ⦗٦⦘ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ. وَخَفَضَ قَوْلَهُ: ﴿وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [المائدة: ١٥] عَطْفًا بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ.
١٨ / ٥
وَقَوْلُهُ: ﴿هُدًى﴾ [البقرة: ٢] مِنْ صِفَةِ الْقُرْآنِ. يَقُولُ: هَذِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ بَيَانٌ مِنَ اللَّهِ بَيَّنَ بِهِ طَرِيقَ الْحَقِّ وَسَبِيلَ السَّلَامِ.
١٨ / ٦
﴿وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٩٧] يَقُولُ: وَبِشَارَةٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا أُنْزِلَ فِيهِ بِالْفَوْزِ الْعَظِيمِ فِي الْمَعَادِ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿هُدًى وَبُشْرَى﴾ [النمل: ٢] وَجْهَانِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ: الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِمَعْنَى: هُوَ هُدًى وَبُشْرَى. وَالنُّصْبُ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْهُدَى وَالْبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ أُسْقِطَتِ الْأَلْفُ وَاللَّامُ مِنَ الْهُدَى وَالْبُشْرَى، فَصَارَا نَكِرَةً، وَهُمَا صِفَةٌ لِلْمَعْرِفَةِ فَنُصِبَا.
١٨ / ٦
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾ [المائدة: ٥٥] يَقُولُ: هُوَ هُدًى وَبُشْرَى لِمَنْ آمَنَ بِهَا، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِحُدُودِهَا.
١٨ / ٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [المائدة: ٥٥] يَقُولُ: وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: وَيُطَهِّرُونَ أَجْسَادَهُمْ مِنْ دَنَسِ الْمَعَاصِي. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
١٨ / ٦
﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٣] يَقُولُ: وَهُمْ مَعَ إِقَامَتِهِمُ الصَّلَاةَ، وَإِيتَائِهِمُ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ، بِالْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ يُوقِنُونَ، فَيَذَلُّونَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، ⦗٧⦘ رَجَاءَ جَزِيلِ ثَوَابِهِ، وَخَوْفَ عَظِيمِ عِقَابِهِ، وَلَيْسُوا كَالَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ، وَلَا يُبَالُونَ أَحْسَنُوا أَمْ أَسَاءُوا، وَأَطَاعُوا أَمْ عَصَوْا، لِأَنَّهُمْ إِنْ أَحْسَنُوا لَمْ يَرْجُوا ثَوَابًا، وَإِنْ أَسَاءُوا لَمْ يَخَافُوا عِقَابًا.
١٨ / ٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ، وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [النمل: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُصَدِّقُونَ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَقِيَامِ السَّاعَةِ، وَبِالْمَعَادِ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. ﴿زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: ٤] يَقُولُ: حَبَّبْنَا إِلَيْهِمْ قَبِيحَ أَعْمَالِهِمْ، وَسَهَّلْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. ﴿فَهُمْ يَعْمَهُونَ﴾ [النمل: ٤] يَقُولُ: فَهُمْ فِي ضَلَالِ أَعْمَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ الَّتِي زَيَّنَّاهَا لَهُمْ يَتَرَدَّدُونَ حَيَارَى، يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ.
١٨ / ٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ﴾ [النمل: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ فِي الدُّنْيَا، وَهُمُ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرٍ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ.
١٨ / ٧
﴿وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ﴾ [النمل: ٥] يَقُولُ: وَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمُ الْأَوْضَعُونَ تِجَارَةً وَالْأَوْكَسُوهَا بِاشْتِرَائِهِمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ [البقرة: ١٦] .
١٨ / ٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ. إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا، سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٧]
١٨ / ٧
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَتَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَتُعَلَّمُهُ. ﴿مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ [النمل: ٦] يَقُولُ: مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ، عَلِيمٍ بِأَنْبَاءِ خَلْقِهِ وَمَصَالِحِهِمْ وَالْكَائِنِ مِنْ أُمُورِهِمْ، وَالْمَاضِي مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَالْحَادِثِ مِنْهَا. ﴿إِذْ قَالَ مُوسَى﴾ [النمل: ٧] وَإِذْ مِنْ صِلَةِ عَلِيمٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: عَلِيمٌ حِينَ قَالَ مُوسَى ﴿لِأَهْلِهِ﴾ [طه: ١٠] وَهُوَ فِي مَسِيرِهِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ آذَاهُمْ بَرْدُ لَيْلِهِمْ لَمَّا أَصْلَدَ زَنْدُهُ: ﴿إِنِّي آنَسْتُ نَارًا﴾ [طه: ١٠] أَيْ أَبْصَرْتُ نَارًا أَوْ أَحْسَسْتُهَا، فَامْكُثُوا مَكَانَكُمْ. ﴿سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ﴾ [النمل: ٧] يَعْنِي مِنَ النَّارِ، وَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ مِنْ ذِكْرِ النَّارِ.
١٨ / ٨
﴿أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (بِشِهَابِ قَبَسٍ) بِإِضَافَةِ الشِّهَابِ إِلَى الْقَبَسِ وَتَرْكِ التَّنْوِينِ، بِمَعْنَى: أَوْ آتِيكُمْ بِشُعْلَةِ نَارٍ أَقْتَبِسُهَا مِنْهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ [النمل: ٧] بِتَنْوِينِ الشِّهَابِ وَتَرْكِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْقَبَسِ، يَعْنِي: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ مُقْتَبَسٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا جُعِلَ الْقَبَسُ بَدَلًا مِنَ الشِّهَابِ فَالتَّنْوِينُ فِي الشِّهَابِ، وَإِنْ أَضَافَ الشِّهَابَ إِلَى الْقَبَسِ، لَمْ يُنَوَّنِ الشِّهَابُ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: إِذَا أُضِيفَ الشِّهَابُ إِلَى الْقَبَسِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ
١٨ / ٨
قَوْلِهِ ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ [يوسف: ١٠٩] مِمَّا يُضَافُ إِلَى نَفْسِهِ إِذَا اخْتَلَفَ اسْمَاهُ وَلَفْظَاهُ تَوَهُّمًا بِالثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ. قَالَ: وَمِثْلُهُ حَبَّةُ الْخَضْرَاءِ، وَلَيْلَةُ الْقَمْرَاءِ، وَيَوْمُ الْخَمِيسِ وَمَا أَشْبَهَهُ. وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: إِنْ كَانَ الشِّهَابُ هُوَ الْقَبَسُ لَمْ تَجُزِ الْإِضَافَةُ، لِأَنَّ الْقَبَسَ نَعْتٌ، وَلَا يُضَافُ الِاسْمُ إِلَى نَعْتِهِ إِلَّا فِي قَلِيلٍ مِنَ الْكَلَامِ، وَقَدْ جَاءَ: ﴿وَلَدَارُ الْآخِرَةِ﴾ [يوسف: ١٠٩] وَ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ [الأنعام: ٣٢]، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الشِّهَابَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْقَبَسِ فَالْقِرَاءَةُ فِيهِ بِالْإِضَافَةِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامَ حِينَئِذٍ، مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُ شُعْلَةُ قَبَسٍ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر المنسرح] فِي كَفِّهِ صَعْدَةٌ مُشَقَّفَةٌ … فِيهَا سِنَانٌ كَشُعْلَةِ الْقَبَسِ
وَإِذَا أُرِيدَ بِالشِّهَابِ أَنَّهُ هُوَ الْقَبَسُ، أَوْ أَنَّهُ نَعْتٌ لَهُ، فَالصَّوَابُ فِي الشِّهَابِ التَّنْوِينُ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَرْكُ إِضَافَةِ الِاسْمِ إِلَى نَعْتِهِ، وَإِلَى نَفْسِهِ، بَلِ الْإِضَافَاتُ فِي كَلَامِهَا الْمَعْرُوفِ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ نَعْتِهِ.
[البحر المنسرح] فِي كَفِّهِ صَعْدَةٌ مُشَقَّفَةٌ … فِيهَا سِنَانٌ كَشُعْلَةِ الْقَبَسِ
وَإِذَا أُرِيدَ بِالشِّهَابِ أَنَّهُ هُوَ الْقَبَسُ، أَوْ أَنَّهُ نَعْتٌ لَهُ، فَالصَّوَابُ فِي الشِّهَابِ التَّنْوِينُ، لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَرْكُ إِضَافَةِ الِاسْمِ إِلَى نَعْتِهِ، وَإِلَى نَفْسِهِ، بَلِ الْإِضَافَاتُ فِي كَلَامِهَا الْمَعْرُوفِ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى غَيْرِ نَفْسِهِ وَغَيْرِ نَعْتِهِ.
١٨ / ٩
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ [النمل: ٧] يَقُولُ: كَيْ تَصْطَلُوا بِهَا مِنَ الْبَرْدِ.
١٨ / ٩
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهَا﴾ [النمل: ٨] يَقُولُ: فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى النَّارَ الَّتِي آنَسَهَا ﴿نُودِيَ أَنْ ⦗١٠⦘ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل: ٨] .
١٨ / ٩
كَمَا: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] يَقُولُ: قُدِّسَ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ ﴿مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى ﷻ بِذَلِكَ نَفْسَهُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ فِي النَّارِ، وَكَانَتِ النَّارُ نُورَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي قَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] يَعْنِي نَفْسَهُ؛ قَالَ: كَانَ نُورُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الشَّجَرَةِ»
١٨ / ١٠
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو الْعَالِيَةِ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] قَالَ: نَادَاهُ وَهُوَ فِي النَّارِ»
١٨ / ١٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: «﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل: ٨] قَالَ: هُوَ النُّورُ»
١٨ / ١٠
قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: «﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] قَالَ: نُورُ اللَّهِ بُورِكَ». قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: بُورِكَتِ النَّارُ.
١٨ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْأَشْيَبُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿نُودِيَ أَنْ بُورِكَ، مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] بُورِكَتِ النَّارُ» كَذَلِكَ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ
١٨ / ١١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] قَالَ: بُورِكَتِ النَّارُ»
١٨ / ١١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] قَالَ: بُورِكَتِ النَّارُ»
١٨ / ١١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [النمل: ٨] نُورُ الرَّحْمَنِ، ⦗١٢⦘ وَالنُّورُ هُوَ اللَّهُ ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨]». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى النَّارِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: النُّورُ كَمَا ذَكَرْتُ عَمَّنْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ عَنْهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ النَّارُ لَا النُّورُ.
١٨ / ١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: «حِجَابُ الْعِزَّةِ، وَحِجَابُ الْمُلْكِ، وَحِجَابُ السُّلْطَانِ، وَحِجَابُ النَّارِ، وَهِيَ تِلْكَ النَّارُ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا. قَالَ: وَحِجَابُ النُّورِ، وَحِجَابُ الْغَمَامِ، وَحِجَابُ الْمَاءِ، وَإِنَّمَا قِيلَ: بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ، وَلَمْ يَقُلْ: بُورِكَ فِيمَنْ فِي النَّارِ عَلَى لُغَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: بَارَكَكَ اللَّهُ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: بَارَكَكَ اللَّهُ، وَبَارَكَ فِيكَ»
١٨ / ١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢] يَقُولُ: وَمَنْ حَوْلَ النَّارِ. وَقِيلَ: عَنَى بِمَنْ حَوْلَهَا: الْمَلَائِكَةَ.
١٨ / ١٢
ذَكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗١٣⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [النمل: ٨] قَالَ: يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ مُوسَى وَالْمَلَائِكَةُ.
١٨ / ١٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ: ثنا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، «﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الأنعام: ٩٢] قَالَ: مُوسَى النَّبِيُّ وَالْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ قَالَ: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [النمل: ٩]»
١٨ / ١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٨] يَقُولُ: وَتَنْزِيهًا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، مِمَّا يَصِفُهُ بِهِ الظَّالِمُونَ.
١٨ / ١٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ، يَا مُوسَى لَا تَخَفْ، إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِ لِمُوسَى: ﴿إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ﴾ [النمل: ٩] فِي نِقْمَتِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ ﴿الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢] فِي تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ. وَالْهَاءُ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّهُ﴾ [البقرة: ٣٧] هَاءَ عِمَادٍ، وَهُوَ اسْمٌ لَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ. ⦗١٤⦘ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: يَقُولُ هِيَ الْهَاءُ الْمَجْهُولَةُ، وَمَعْنَاهَا: أَنَّ الْأَمْرَ وَالشَّأْنَ: أَنَا اللَّهُ.
١٨ / ١٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ، فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ [النمل: ١٠] فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تُرِكَ ذِكْرُهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا ذُكِرَ عَمَّا حُذِفَ، وَهُوَ: فَأَلْقَاهَا فَصَارَتْ حَيَّةً تَهْتَزُّ. ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: كَأَنَّهَا حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْجَانُّ: جِنْسٌ مِنَ الْحَيَّاتِ مَعْرُوفٌ.
١٨ / ١٤
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «﴿وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ [النمل: ١٠] قَالَ: حِينَ تَحَوَّلَتْ حَيَّةً تَسْعَى». وَهَذَا الْجِنْسُ مِنَ الْحَيَّاتِ عَنَى الرَّاجِزُ بِقَوْلِهِ:
[البحر الرجز] يَرْفَعْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا مَا أَسْدَفَا
أَعْنَاقَ جِنَّانٍ وَهَامًا رُجَّفَا
وَعَنَقًا بَعْدَ الرَّسِيمِ خَيْطَفَا
[البحر الرجز] يَرْفَعْنَ بِاللَّيْلِ إِذَا مَا أَسْدَفَا
أَعْنَاقَ جِنَّانٍ وَهَامًا رُجَّفَا
وَعَنَقًا بَعْدَ الرَّسِيمِ خَيْطَفَا
١٨ / ١٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَّى مُوسَى هَارِبًا خَوْفًا مِنْهَا. ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] يَقُولُ: وَلَمْ يَرْجِعْ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: عَقَّبَ فُلَانٌ: إِذَا رَجَعَ عَلَى عَقِبِهِ إِلَى حَيْثُ بَدَأَ. ⦗١٥⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] قَالَ: لَمْ يَرْجِعْ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ١٥
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «لَمْ يَلْتَفِتْ»
١٨ / ١٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ [النمل: ١٠] قَالَ: لَمْ يَرْجِعْ، ﴿يَا مُوسَى﴾ [النمل: ٩] قَالَ: لَمَّا أَلْقَى الْعَصَا صَارَتْ حَيَّةً، فَرُعِبَ مِنْهَا وَجَزَعَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] قَالَ: فَلَمْ يَرْعَوِ لِذَلِكَ، قَالَ: فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: ﴿أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ، إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ [القصص: ٣١] قَالَ: فَلَمْ يَقِفْ أَيْضًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا حَتَّى قَالَ: ﴿سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى﴾ [طه: ٢١] قَالَ: فَالْتَفَتَ فَإِذَا هِيَ عَصًا كَمَا كَانَتْ، فَرَجَعَ فَأَخَذَهَا، ثُمَّ قَوِيَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى صَارَ يُرْسِلُهَا عَلَى فِرْعَوْنَ وَيَأْخُذُهَا»
١٨ / ١٥
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مِنْ ظَلَمَ﴾ [النمل: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ مِنْ هَذِهِ الْحَيَّةِ، إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ: يَقُولُ: إِنِّي لَا يَخَافُ عِنْدِي رُسُلِي وَأَنْبِيَائِي الَّذِينَ أَخْتَصُّهُمْ بِالنُّبُوَّةِ، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ، فَعَمِلَ بِغَيْرِ الَّذِي أُذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: «﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ، إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] قَالَ: لَا يُخِيفُ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ إِلَّا بِذَنْبٍ يُصِيبُهُ أَحَدُهُمْ، فَإِنْ أَصَابَهُ أَخَافَهُ حَتَّى يَأْخُذَهُ مِنْهُ»
١٨ / ١٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ الْفَزَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَوْلُهُ: «﴿يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ. إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل: ١١] قَالَ: إِنِّي إِنَّمَا أَخَفْتُكَ لِقَتْلِكَ النَّفْسَ، قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُذْنِبُ فَتُعَاقَبُ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مَعَ وَعْدِ اللَّهِ الْغُفْرَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ١٠] بِقَوْلِهِ: ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: ١١] . وَحُكْمُ الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ إِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ مَنْفِيًّا مُثْبَتًا كَقَوْلِهِ: مَا قَامَ إِلَّا زَيْدٌ،
١٨ / ١٦
فَزِيدٌ مُثْبَتٌ لَهُ الْقِيَامُ، لِأَنَّهُ مُسْتَثْنَى مِمَّا قَبْلَ إِلَّا، وَمَا قَبْلَ إِلَّا مَنْفِيُّ عَنْهُ الْقِيَامُ، وَأَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ إِنْ كَانَ مَا قَبْلَهُ مُثْبَتًا مَنْفِيًّا كَقَوْلِهِمْ: قَامَ الْقَوْمُ إِلَّا زَيْدًا؛ فَزَيْدٌ مَنِفِيُّ عَنْهُ الْقِيَامُ؛ وَمَعْنَاهُ: إِنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ، وَالْقَوْمُ مُثْبَتٌ لَهُمُ الْقِيَامُ، ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ، ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ [النمل: ١١]، فَقَدْ أَمَّنَهُ اللَّهُ بِوَعْدِهِ الْغُفْرَانَ وَالرَّحْمَةَ، وَأَدْخِلَهُ فِي عِدَادِ مَنْ لَا يَخَافُ لَدَيْهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُدْخِلَتْ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ إِلَّا تَدْخُلُ فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ، كَمَثَلِ قَوْلِ الْعَرَبِ: مَا أَشْتَكِي إِلَّا خَيْرًا؛ فَلَمْ يَجْعَلْ قَوْلَهُ: إِلَّا خَيْرًا عَلَى الشَّكْوَى، وَلَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: مَا أَشْتَكِي شَيْئًا أَنْ يَذْكُرَ عَنْ نَفْسِهِ خَيْرًا، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا أَذْكُرُ إِلَّا خَيْرًا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: يَقُولُ الْقَائِلُ: كَيْفَ صَيَّرَ خَائِفًا مَنْ ظَلَمَ، ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ، وَهُوَ مَغْفُورٌ لَهُ؟ فَأَقُولُ لَكَ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُولَ: إِنَّ الرُّسُلَ مَعْصُومَةٌ مَغْفُورٌ لَهَا آمِنَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا فَهُوَ يَخَافُ وَيَرْجُو، فَهَذَا وَجْهٌ. وَالْآخَرُ: أَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الَّذِينَ تُرِكُوا فِي الْكَلِمَةِ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، إِنَّمَا الْخَوْفُ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا﴾ [النمل: ١١] يَقُولُ: كَانَ مُشْرِكًا، فَتَابَ مِنَ الشِّرْكِ، وَعَمِلَ حَسَنًا، فَذَلِكَ مَغْفُورٌ لَهُ، وَلَيْسَ يَخَافُ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ: إِنَّ إِلَّا فِي اللُّغَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ، وَلَا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا، قَالَ:
١٨ / ١٧
وَجَعَلُوا مِثْلَهُ كَقَوْلِ اللَّهِ: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حَجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٥٠] قَالَ: وَلَمْ أَجِدِ الْعَرَبِيَّةَ تَحْتَمِلُ مَا قَالُوا، لِأَنِّي لَا أُجِيزُ: قَامَ النَّاسُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، وَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ؛ إِنَّمَا مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءُ أَنْ يَخْرُجَ الِاسْمُ الَّذِي بَعْدَ إِلَّا مِنْ مَعْنَى الْأَسْمَاءِ الَّتِي قَبْلَ إِلَّا. وَقَدْ أُرَاهُ جَائِزًا أَنْ يَقُولَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ سِوَى أَلْفٍ آخَرَ؛ فَإِنْ وَضَعْتَ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ صَلَحَتْ، وَكَانَتْ إِلَّا فِي تَأْوِيلِ مَا قَالُوا، فَأَمَّا مُجَرَّدَةً قَدِ اسْتَثْنَى قَلِيلَهَا مِنْ كَثِيرِهَا فَلَا، وَلَكِنْ مِثْلُهُ مِمَّا يَكُونُ مَعْنَى إِلَّا كَمَعْنَى الْوَاوِ، وَلَيْسَتْ بِهَا قَوْلُهُ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ﴾ هُوَ فِي الْمَعْنَى. وَالَّذِي شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَلَا تُجْعَلْ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْوَاوِ، وَلَكِنْ بِمَنْزِلَةِ سِوَى؛ فَإِذَا كَانَتْ «سِوَى» فِي مَوْضِعِ «إِلَّا» صَلَحَتْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ سِوَى هَذَا: أَيْ وَهَذَا عِنْدِي، كَأَنَّكَ قُلْتَ: عِنْدِي مَالٌ كَثِيرٌ وَهَذَا أَيْضًا عِنْدِي، وَهُوَ فِي سِوَى أَبْعَدُ مِنْهُ فِي إِلَّا، لِأَنَّكَ تَقُولُ: عِنْدِي سِوَى هَذَا، وَلَا تَقُولُ: عِنْدِي إِلَّا هَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي قَوْلِهِ ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ﴾ [النمل: ١١] عِنْدِي غَيْرُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ حَكَيْنَا قَوْلُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَمَنْ قَالَ قَوْلَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النساء: ١٤٨] اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ مِنْ قَوْلِهِ ﴿لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النمل: ١٠] مِنْهُمْ فَأَتَى ذَنْبًا، فَإِنَّهُ خَائِفٌ لَدَيْهِ مِنْ عُقُوبَتِهِ. وَقَدْ بَيَّنَ الْحَسَنُ رحمه الله مَعْنَى قِيلِ اللَّهِ لِمُوسَى ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ قَالَ: «إِنِّي إِنَّمَا أَخَفْتُكَ لِقَتْلِكَ النَّفْسَ» .
١٨ / ١٨
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا وَجْهُ قِيلِهِ إِنْ كَانَ قَوْلُهُ ﴿إِلَّا مِنْ ظَلَمَ﴾ [النساء: ١٤٨] اسْتِثْنَاءً صَحِيحًا، وَخَارِجًا مِنْ عِدَادِ مَنْ لَا يَخَافُ لَدَيْهِ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَكَيْفَ يَكُونُ خَائِفًا مَنْ كَانَ قَدْ وُعِدَ الْغُفْرَانَ وَالرَّحْمَةَ؟ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ [النمل: ١١] كَلَامٌ آخَرُ بَعْدَ الْأَوَّلِ، وَقَدْ تَنَاهَى الْخَبَرُ عَنِ الرُّسُلِ مَنْ ظَلَمَ مِنْهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَظْلِمْ عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ [النساء: ١٤٨] ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ عَمَّنْ ظَلَمَ مِنَ الرُّسُلِ وَسَائِرِ النَّاسِ غَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: فَمَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي لَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَعَلَامَ تَعْطِفُ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ بِثُمَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: ﴿ظَلَمَ﴾ [النمل: ١١] قِيلَ: عَلَى مَتْرُوكٍ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ [النمل: ١١] عَلَيْهِ عَنْ إِظْهَارِهِ، إِذْ كَانَ قَدْ جَرَى قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ نَظِيرُهُ، وَهُوَ: فَمَنْ ظَلَمَ مِنَ الْخَلْقِ. وَأَمَّا الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَقَدْ قَالُوا عَلَى مَذْهِبِ الْعَرَبِيَّةِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَغْفَلُوا مَعْنَى الْكَلِمَةِ وَحَمَلُوهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا مِنَ التَّأْوِيلِ. وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْكَلَامُ عَلَى وَجْهِهِ مِنَ التَّأْوِيلَ، وَيَلْتَمِسُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ لِلْإِعْرَابِ فِي الصِّحَّةِ مَخْرَجٌ، لَا عَلَى إِحَالَةِ الْكَلِمَةِ عَنْ مَعْنَاهَا وَوَجْهِهَا الصَّحِيحِ مِنَ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٩
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ [النمل: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ أَتَى ظُلْمًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، وَرَكِبَ مَأْثَمًا، ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا، يَقُولُ: ثُمَّ تَابَ مِنْ ظُلْمِهِ ذَلِكَ وَرُكُوبِهِ الْمَأْثَمَ، ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ﴾ [النمل: ١١] يَقُولُ: فَإِنِّي سَاتِرٌ عَلَى ذَنْبِهِ وَظُلْمِهِ ذَلِكَ ⦗٢٠⦘ بِعَفْوِي عَنْهُ، وَتَرْكِ عُقُوبَتِهِ عَلَيْهِ ﴿رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] بِهِ أَنْ أُعَاقِبَهُ بَعْدَ تَبْدِيلِهِ الْحَسَنَ بِضِدِّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ﴾ [النمل: ١١] ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِ إِسَاءَتِهِ ﴿فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [النمل: ١١]»
١٨ / ٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِهِ لِنَبِيِّهِ مُوسَى: ﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [النمل: ١٢] ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَمَرَهُ أَنْ يُدْخِلَ كَفَّهُ فِي جَيْبِهِ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِإِدْخَالِهِ فِي جَيْبِهِ، لِأَنَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ لَهَا كُمٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ كُمُّهَا إِلَى بَعْضِ يَدِهِ.
١٨ / ٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ﴾ [النمل: ١٢] قَالَ: ⦗٢١⦘ الْكَفُّ فَقَطْ فِي جَيْبِكَ. قَالَ: كَانَتْ مِدْرَعَةٌ إِلَى بَعْضِ يَدِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا كُمٌّ أَمَرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّهِ»
١٨ / ٢٠
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ مُوسَى أَتَى فِرْعَوْنَ حِينَ أَتَاهُ فِي ذُرْمَانِقَةٍ، يَعْنِي جُبَّةَ صُوفٍ»
١٨ / ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاءَ﴾ [طه: ٢٢] يَقُولُ: تَخْرُجُ الْيَدُ بَيْضَاءَ بِغَيْرِ لَوْنِ مُوسَى مِنْ ﴿غَيْرِ سُوءٍ﴾ [طه: ٢٢] يَقُولُ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ﴿فِي تِسْعِ آيَاتٍ﴾ [النمل: ١٢]، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ، فَهِيَ آيَةٌ فِي تِسْعِ آيَاتٍ مُرْسَلٌ أَنْتَ بِهِنَّ إِلَى فِرْعَوْنَ؛ وَتَرَكَ ذِكْرَ مُرْسَلٍ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ [النمل: ١٢] عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَةً … وَفِي الْحَبْلِ رَوْعَاءُ الْفُؤَادِ فَرُوقُ
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَأَتْنِي مُقْبِلًا بِحَبْلَيْهَا، فَتَرَكَ ذِكْرَ مُقْبِلٍ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ، إِذْ قَالَ: رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا؛ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرَةٌ. وَالْآيَاتُ التِّسْعُ: هُنَّ الْآيَاتُ الَّتِي بَيَّنَّاهُنَّ فِيمَا مَضَى.
[البحر الطويل] رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا فَصَدَّتْ مَخَافَةً … وَفِي الْحَبْلِ رَوْعَاءُ الْفُؤَادِ فَرُوقُ
وَمَعْنَى الْكَلَامِ: رَأَتْنِي مُقْبِلًا بِحَبْلَيْهَا، فَتَرَكَ ذِكْرَ مُقْبِلٍ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ، إِذْ قَالَ: رَأَتْنِي بِحَبْلَيْهَا؛ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرَةٌ. وَالْآيَاتُ التِّسْعُ: هُنَّ الْآيَاتُ الَّتِي بَيَّنَّاهُنَّ فِيمَا مَضَى.
١٨ / ٢١
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ﴾ [النمل: ١٢] قَالَ: هِيَ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ: الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالطُّوفَانُ، وَالدَّمُ، وَالْحَجَرُ، وَالطَّمْسُ الَّذِي أَصَابَ ⦗٢٢⦘ آلَ فِرْعَوْنَ فِي أَمْوَالِهِمْ»
١٨ / ٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ [النمل: ١٢] يَقُولُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ مِنَ الْقِبْطِ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، يَعْنِي كَافِرِينَ بِاللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفِسْقِ فِيمَا مَضَى.
١٨ / ٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا جَاءَتْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ آيَاتُنَا، يَعْنِي أَدِلَّتَنَا وَحُجَجَنَا، عَلَى حَقِيقَةِ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مُوسَى وَصِحَّتِهِ، وَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ.
١٨ / ٢٢
وَقَوْلُهُ ﴿مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢] يَقُولُ: يُبْصِرُ بِهَا مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا وَرَآهَا حَقِيقَةً مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٢٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً﴾ [النمل: ١٣] قَالَ: بَيِّنَةً»
١٨ / ٢٢
﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [النمل: ١٣] يَقُولُ: قَالَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ: هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ مُوسَى سِحْرٌ مُبِينٌ، يَقُولُ: يَبِينُ لِلنَّاظِرِينَ لَهُ أَنَّهُ سِحْرٌ.
١٨ / ٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ [النمل: ١٤] يَقُولُ: وَكَذَّبُوا بِالْآيَاتِ التِّسْعِ أَنْ تَكُونَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
١٨ / ٢٢
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: «﴿وَجَحَدُوا بِهَا﴾ [النمل: ١٤] قَالَ: الْجُحُودُ: التَّكْذِيبُ بِهَا»
١٨ / ٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] يَقُولُ: وَأَيْقَنَتْهَا قُلُوبُهُمْ، وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَعَانَدُوا بَعْدَ تَبَيُّنِهِمُ الْحَقَّ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ
١٨ / ٢٣
كَمَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ﴾ [النمل: ١٤] قَالَ: يَقِينُهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ»
١٨ / ٢٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] قَالَ: اسْتَيْقَنُوا أَنَّ الْآيَاتِ مِنَ اللَّهِ حَقٌّ، فَلِمَ جَحَدُوا بِهَا؟ قَالَ: ظُلْمًا وَعُلُوًّا»
١٨ / ٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] يَعْنِي بِالظُّلْمِ: الِاعْتِدَاءَ، وَالْعُلُوِّ: الْكِبْرَ، كَأَنَّهُ قِيلَ: اعْتِدَاءً وَتَكَبُّرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ [النمل: ١٤] قَالَ: تَعَظُّمًا وَاسْتِكْبَارًا». وَمَعْنَى ذَلِكَ: وَجَحَدُوا بِالْآيَاتِ التِّسْعِ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَعَانَدُوا الْحَقَّ بَعْدَ وُضُوحِهِ لَهُمْ، فَهُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ
١٨ / ٢٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ١٠٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ بِعَيْنِ قَلْبِكَ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ تَكْذِيبِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَحَدُوا آيَاتِنَا حِينَ جَاءَتْهُمْ مُبْصِرَةً، وَمَاذَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ إِفْسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ وَمَعْصِيَتِهِمْ فِيهَا رَبَّهُمْ، وَأَعْقَبَهُمْ مَا فَعَلُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، إِلَى هَلَاكٍ فِي الْعَاجِلِ بِالْغَرَقِ، وَفِي الْآجِلِ إِلَى عَذَابٍ دَائِمٍ، ﴿لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ﴾ [الزخرف: ٧٥] يَقُولُ: وَكَذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ سُنَّتِي فِي الَّذِينَ كَذَّبُوا بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى حَقِيقَةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ مِنْ قَوْمَكِ.
١٨ / ٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا، وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا﴾ وَذَلِكَ عَلْمُ كَلَامِ الطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا خَصَّهُمُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ.
١٨ / ٢٤
﴿وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النمل: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَقَالَ دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلْنَا بِمَا خَصَّنَا بِهِ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي آتَانَاهُ دُونَ سَائِرِ خَلْقِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ فِي زَمَانِنَا هَذَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ فِي دَهْرِنَا هَذَا.
١٨ / ٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ، وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ، وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ﴾ [النمل: ١٦] أَبَاهُ دَاوُدَ الْعِلْمَ الَّذِي كَانَ آتَاهُ اللَّهُ فِي حَيَاتِهِ، وَالْمُلْكَ الَّذِي كَانَ خَصَّهُ بِهِ عَلَى سَائِرِ قَوْمِهِ، فَجَعَلَهُ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ دَاوُدَ دُونَ سَائِرِ وَلَدِ أَبِيهِ.
١٨ / ٢٤
﴿وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٦]⦗٢٥⦘ يَقُولُ: وَقَالَ سُلَيْمَانُ لِقَوْمِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ، يَعْنِي فَهِمْنَا كَلَامَهَا؛ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الطَّيْرِ كَمَنْطِقِ الرَّجُلِ مِنْ بَنِي آدَمَ إِذْ فَهِمَهُ عَنْهَا
١٨ / ٢٤
وَقَدْ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ: «﴿وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ﴾ [النمل: ١٦] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ عَسْكَرُهُ مِائَةَ فَرْسَخٍ: خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا لِلْإِنْسٍ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْجِنِّ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِلْوَحْشِ، وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ لِلطَّيْرِ، وَكَانَ لَهُ أَلْفُ بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ عَلَى الْخَشَبِ؛ فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ صَرِيحَةٍ، وَسَبْعُ مِائَةِ سَرِيَّةٍ، فَأَمَرَ الرِّيحَ الْعَاصِفَ فَرَفَعَتْهُ، وَأَمَرَ الرُّخَاءَ فَسَيَّرَتْهُ؛ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَسِيرُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: إِنِّي قَدْ أَرَدْتُ أَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَتِ الرِّيحُ فَأَخْبَرَتْهُ»
١٨ / ٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ١٦] يَقُولُ: وَأُعْطِينَا وَوَهْبَ لَنَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ.
١٨ / ٢٥
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ [النمل: ١٦] يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أُوتِينَا مِنَ الْخَيْرَاتِ لَهُوَ الْفَضْلُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ دَهْرِنَا الْمُبِينُ، يَقُولُ: الَّذِي يَبِينُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ أَنَّهُ فَضْلٌ أُعْطِينَاهُ عَلَى مِنْ سِوَانَا مِنَ النَّاسِ.
١٨ / ٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجُمِعَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فِي مَسِيرٍ ⦗٢٦⦘ لَهُمْ فَهُمْ يُوزَعُونَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَهُمْ يُحْبَسُ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا.
١٨ / ٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَعَلَ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مَنْ يَرُدُّ أُولَاهَا عَلَى أُخْرَاهَا؛ لِئَلَّا يَتَقَدَّمُوا فِي الْمَسِيرِ، كَمَا تَصْنَعُ الْمُلُوكُ»
١٨ / ٢٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] قَالَ: يُرَدُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ فَهُمْ يُسَاقُونَ.
١٨ / ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] قَالَ: يُوزَعُونَ: يُسَاقُونَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: فَهُمْ يَتَقَدَّمُونَ.
١٨ / ٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: «﴿يُوزَعُونَ﴾ [النمل: ١٧] يَتَقَدَّمُونَ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ: يُرَدُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى آخِرِهِمْ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَازِعَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الْكَافُّ، يُقَالُ مِنْهُ: وَزَعَ فُلَانٌ فُلَانًا عَنِ الظُّلْمِ: إِذَا كَفَّهُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] أَلَمْ يَزَعِ الْهَوَى إِذْ لَمْ يُؤَاتِ … بَلَى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَبِ الْفَتَاةِ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل] عَلَى حِينَ عَاتَبْتَ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا … وَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِينَ يُدْفَعُونَ النَّاسَ عَنِ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَزَعَةٌ: لِكَفِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْهُ.
[البحر الوافر] أَلَمْ يَزَعِ الْهَوَى إِذْ لَمْ يُؤَاتِ … بَلَى وَسَلَوْتُ عَنْ طَلَبِ الْفَتَاةِ
وَقَالَ آخَرُ:
[البحر الطويل] عَلَى حِينَ عَاتَبْتَ الْمَشِيبَ عَلَى الصِّبَا … وَقُلْتُ أَلَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازِعُ
وَإِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِينَ يُدْفَعُونَ النَّاسَ عَنِ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ وَزَعَةٌ: لِكَفِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْهُ.
١٨ / ٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ، لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ﴾ حَتَّى إِذَا أَتَى سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ عَلَى وَادِي النَّمْلِ ﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ، لَا ⦗٢٨⦘ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ﴾ [النمل: ١٨] يَقُولُ: لَا يَكْسِرَنَّكُمْ وَيَقْتُلَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٥] يَقُولُ: وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَحْطِمُونَكُمْ.
١٨ / ٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَيَحْيَى، قَالَا ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ، عَنْ عَوْفٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ﴾ [النمل: ١٨] قَالَ: كَانَ نَمْلُ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ مِثْلَ الذُّبَابِ»
١٨ / ٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ، وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ، وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَبَسَّمَ سُلَيْمَانُ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِ النَّمْلَةِ الَّتِي قَالَتْ مَا قَالَتْ، وَقَالَ: ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [النمل: ١٩] يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿أَوْزِعْنِي﴾ [النمل: ١٩] أَلْهِمْنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٢٩⦘ فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ﴾ [النمل: ١٩] يَقُولُ: اجْعَلْنِي»
١٨ / ٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ [النمل: ١٩] قَالَ: فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، تَقُولُ: أَوْزَعَ فُلَانٌ بِفُلَانٍ، يَقُولُ: حَرَّضَ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿أَوْزِعْنِي﴾ [النمل: ١٩] أَلْهِمْنِي وَحَرِّضْنِي عَلَى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ»
١٨ / ٢٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ﴾ [النمل: ١٩] يَقُولُ: وَأَوْزِعْنِي أَنْ أَعْمَلَ بِطَاعَتِكَ وَمَا تَرْضَاهُ
١٨ / ٢٩
﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] يَقُولُ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ مَعَ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِرِسَالَتِكَ وَانْتَخَبْتَهُمْ لِوَحْيِكَ، يَقُولُ: أَدْخِلْنِي مِنَ الْجَنَّةِ مَدَاخِلَهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾ [النمل: ١٩] قَالَ: مَعَ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ»
١٨ / ٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ. لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا، أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ، أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ ⦗٣٠⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَتَفَقَّدَ﴾ [النمل: ٢٠] سُلَيْمَانُ ﴿الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ . وَكَانَ سَبَبُ تَفَقُّدِهِ الطَّيْرَ وَسُؤَالِهِ عَنِ الْهُدْهُدِ خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ الطَّيْرِ
١٨ / ٢٩
مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، قَالَ: جَلَسَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْهُدْهُدِ: لِمَ تَفَقَّدَهُ سُلَيْمَانُ مِنْ بَيْنِ الطَّيْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ: إِنَّ سُلَيْمَانَ نَزَلَ مَنْزِلَةً فِي مَسِيرٍ لَهُ، فَلَمْ يَدْرِ مَا بُعْدَ الْمَاءِ، فَقَالَ: مَنْ يَعْلَمُ بُعْدَ الْمَاءِ؟ قَالُوا: الْهُدْهُدَ، فَذَاكَ حِينَ تَفَقَّدَهُ». حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ بِنَحْوِهِ
١٨ / ٣٠
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ يُوضَعُ لَهُ سِتُّ مِائَةِ كُرْسِيٍّ، ثُمَّ يَجِيءُ أَشْرَافُ الْإِنْسِ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ، ثُمَّ تَجِيءُ أَشْرَافُ الْجِنِّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي الْإِنْسَ، قَالَ: ثُمَّ يَدْعُو الطَّيْرَ فَتُظِلُّهُمْ، ثُمَّ يَدْعُو الرِّيحَ فَتَحْمِلُهُمْ، قَالَ: فَيَسِيرُ فِي الْغَدَاةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، قَالَ: فَبَيْنَا هُوَ فِي مَسِيرِهِ إِذِ احْتَاجَ إِلَى الْمَاءِ وَهُوَ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: فَدَعَا الْهُدْهُدَ، فَجَاءَهُ فَنَقَرَ الْأَرْضَ، فَيُصِيبُ مَوْضِعَ الْمَاءِ، قَالَ: ثُمَّ تَجِيءُ الشَّيَاطِينُ فَيَسْلَخُونَهُ كَمَا يُسْلَخُ الْإِهَابُ، قَالَ: ثُمَّ يَسْتَخْرِجُونَ الْمَاءَ. فَقَالَ لَهُ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ: قِفْ يَا وَقَّافُ، أَرَأَيْتَ قَوْلَكَ: الْهُدْهُدُ يَجِيءُ فَيَنْقُرُ الْأَرْضَ، فَيُصِيبُ الْمَاءَ، كَيْفَ يُبْصِرُ هَذَا، وَلَا يُبْصِرُ الْفَخَّ يَجِيءُ حَتَّى يَقَعُ فِي عُنُقِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْحَكَ، إِنَّ الْقَدَرَ إِذَا جَاءَ حَالَ دُونَ الْبَصَرِ “
١٨ / ٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى مَجْلِسِهِ عَكَفَتْ عَلَيْهِ الطَّيْرُ، وَقَامَ لَهُ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ حَتَّى يَجْلِسَ عَلَى سَرِيرِهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ غَدَاةٍ فِي بَعْضِ زَمَانِهِ غَدَا إِلَى مَجْلِسِهِ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ، فَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ. وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُونَ يَأْتِيهِ نَوْبًا مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنَ الطَّيْرِ طَائِرٌ، فَنَظَرَ فَرَأَى مِنْ أَصْنَافِ الطَّيْرِ كُلِّهَا قَدْ حَضَرَهُ إِلَّا الْهُدْهُدَ، فَقَالَ: مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ»
١٨ / ٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «أَوَّلُ مَا فَقَدَ سُلَيْمَانُ الْهُدْهُدَ نَزَلَ بِوَادٍ فَسَأَلَ الْإِنْسَ عَنْ مَائِهِ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ لَهُ مَاءً، فَإِنْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ جُنُودِكَ يَعْلَمُ لَهُ مَاءً فَالْجِنُّ، فَدَعَا الْجِنَّ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ لَهُ مَاءً وَإِنْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ جُنُودِكَ يَعْلَمُ لَهُ مَاءً فَالطَّيْرُ، فَدَعَا الطَّيْرَ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ لَهُ مَاءً، وَإِنْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ جُنُودِكَ يَعْلَمُهُ فَالْهُدْهُدَ، فَلَمْ يَجِدْهُ، قَالَ: فَذَاكَ أَوَّلُ مَا فَقَدَ الْهُدْهُدُ»
١٨ / ٣١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ قَالَ: تَفَقَّدَ الْهُدْهُدَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ إِذَا رَكِبَ، وَإِنَّ سُلَيْمَانَ رَكِبَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: أَيْنَ الْهُدْهُدُ لِيَدُلَّنَا عَلَى الْمَاءِ؟ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَمَنْ أَجْلِ ذَلِكَ تَفَقَّدَهُ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْهُدْهُدَ كَانَ يَنْفَعُهُ الْحَذَرُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْأَجَلُ؛ فَلَمَّا بَلَغَ الْأَجَلُ لَمْ يَنْفَعْهُ الْحَذَرُ، وَحَالَ الْقَدَرُ دُونَ الْبَصَرِ». ⦗٣٢⦘ فَقَدِ اخْتَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامِ وَالْقَائِلُونَ بِقَوْلِهِ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَانَ سَبَبُ تَفَقُّدِهِ الْهُدْهُدَ وَسُؤَالِهِ عَنْهُ لِيَسْتَخْبِرَهُ عَنْ بُعْدِ الْمَاءِ فِي الْوَادِي الَّذِي نَزَلَ بِهِ فِي مَسِيرِهِ. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: كَانَ تَفَقُّدُهُ إِيَّاهُ وَسُؤَالُهُ عَنْهُ لِإِخْلَالِهِ بِالنَّوْبَةِ الَّتِي كَانَ يَنُوبُهَا؛ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ إِذْ لَمْ يَأْتِنَا بِأَيِّ ذَلِكَ كَانَ تَنْزِيلٌ، وَلَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ صَحِيحٌ. فَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ، إِمَّا لِلنَّوْبَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا وَأَخَلَّتْ بِهَا، وَإِمَّا لِحَاجَةٍ كَانَتْ إِلَيْهَا عَنْ بُعْدِ الْمَاءِ.
١٨ / ٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ أَخْطَأَهُ بَصَرِي فَلَا أُرَاهُ وَقَدْ حَضَرَ، أَمْ هُوَ غَائِبٌ فِيمَا غَابَ مِنْ سَائِرِ أَجْنَاسِ الْخَلْقِ فَلَمْ يَحْضُرْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿مَالِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ أَخْطَأَهُ بَصَرِي فِي الطَّيْرِ، أَمْ غَابَ فَلَمْ يَحْضُرْ؟»
١٨ / ٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: فَلَمَّا أُخْبِرَ سُلَيْمَانُ عَنِ الْهُدْهُدِ أَنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ وَأَنَّهُ غَائِبٌ غَيْرُ شَاهِدٍ، أَقْسَمَ ﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] وَكَانَ تَعْذِيبُهُ الطَّيْرَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ إِذَا عَذَّبَهَا أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهَا. ⦗٣٣⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: نَتْفُ رِيشِهِ»
١٨ / ٣٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] عَذَابُهُ: نَتْفُهُ وَتَشْمِيسُهُ»
١٨ / ٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: نَتْفُ رِيشِهِ وَتَشْمِيسُهُ»
١٨ / ٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: نَتْفُ رِيشِهِ كُلِّهِ»
١٨ / ٣٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: نَتْفُ رِيشِ الْهُدْهُدِ كُلِّهِ، فَلَا ⦗٣٤⦘ يَغْفُو سِنَةً»
١٨ / ٣٣
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «نَتْفُ رِيشِهِ»
١٨ / ٣٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: نَتْفُ رِيشِهِ»
١٨ / ٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، أَنَّهُ حُدِّثَ أَنَّ عَذَابَهُ الَّذِي كَانَ يُعَذِّبُ بِهِ الطَّيْرَ نَتْفُ جَنَاحِهِ “
١٨ / ٣٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِيلَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: هَذَا الذَّبْحُ، فَمَا الْعَذَابُ الشَّدِيدُ؟ قَالَ: «نَتْفُ رِيشِهِ بِتَرْكِهِ بَضْعَةً تَنْزُو»
١٨ / ٣٤
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ بَشَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: نَتْفُهُ»
١٨ / ٣٤
حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ، ⦗٣٥⦘ قَالَ: «نَتْفُهُ وَتَشْمِيسُهُ»
١٨ / ٣٤
﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: أَوْ لَأَقْتُلَنَّهُ.
١٨ / ٣٥
كَمَا: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: أَوْ لَأَقْتُلَنَّهُ»
١٨ / ٣٥
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ: «﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ﴾ [النمل: ٢١] . . الْآيَةَ، قَالَ: فَتَلَقَّاهُ الطَّيْرُ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: أَلَمْ يَسْتَثْنِ؟»
١٨ / ٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِحُجَّةٍ تُبَيِّنُ لِسَامِعِهَا صِحَّتَهَا وَحَقِيقَتَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ: ثنا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ»
١٨ / ٣٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: بِبَيِّنَةٌ أَعْذُرُهُ ⦗٣٦⦘ بِهَا، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ [غافر: ٣٥] يَقُولُ: بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»
١٨ / ٣٥
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ سُلْطَانٌ، فَهُوَ حُجَّةٌ»
١٨ / ٣٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ قَبَاثِ بْنِ رَزِينٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: «كُلُّ سُلْطَانٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حُجَّةٌ، كَانَ لِلْهُدْهُدِ سُلْطَانٌ»
١٨ / ٣٦
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: بِعُذْرٍ بَيِّنٍ»
١٨ / ٣٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] أَيْ بِحُجَّةِ عُذْرٍ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ»
١٨ / ٣٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] يَقُولُ: بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ ﴿الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ﴾ [غافر: ٣٥] بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ»
١٨ / ٣٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] قَالَ: بِعُذْرٍ أَعْذُرُهُ فِيهِ»
١٨ / ٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ، وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: ٢٢] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [النمل: ٢٢] فَمَكَثَ سُلَيْمَانُ غَيْرَ طَوِيلٍ مِنْ حِينَ سَأَلَ عَنِ الْهُدْهُدِ، حَتَّى جَاءَ الْهُدْهُدُ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَمَكَثَ﴾ [النمل: ٢٢] فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ سِوَى عَاصِمٍ: (فَمَكُثَ)، بِضَمُّ الْكَافِ، وَقَرَأَهُ عَاصِمٌ بِفَتْحِهَا، وَكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدَنَا صَوَابٌ، لِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَإِنْ كَانَ الضَّمُّ فِيهَا أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّهَا أَشْهُرُ اللُّغَتَيْنِ وَأَفْصَحُهُمَا
١٨ / ٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: ٢٢] يَقُولُ: فَقَالَ الْهُدْهُدُ حِينَ سَأَلَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ تَخَلُّفِهِ وَغَيْبَتِهِ: أَحَطْتُ بِعِلْمِ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ أَنْتَ يَا سُلَيْمَانُ
١٨ / ٣٧
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: ٢٢] قَالَ: مَا لَمْ تَعْلَمْ»
١٨ / ٣٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ﴾ [النمل: ٢٢] ثُمَّ جَاءَ الْهُدْهُدُ، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا خَلَّفَكَ عَنْ نَوْبَتِكَ؟ قَالَ: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ»
١٨ / ٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: ٢٢] يَقُولُ: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِخَبَرٍ يَقِينٍ.
١٨ / ٣٧
وَهُوَ مَا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: ٢٢] أَيْ أَدْرَكْتُ مُلْكًا لَمْ يَبْلُغْهُ مُلْكُكَ».
١٨ / ٣٧
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءِ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ [النمل: ٢٢] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ ﴿مِنْ سَبَإٍ﴾ [النمل: ٢٢]، بِالْإِجْرَاءِ. الْمَعْنَى أَنَّهُ رَجُلٌ اسْمُهُ سَبَأٌ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةَ (مِنْ سَبَأَ)، بِتَرْكِ الْإِجْرَاءِ، عَلَى أَنَّهُ اسْمُ قَبِيلَةٍ أَوْ لِامْرَأَةٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، وَقَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ؛ فَالْإِجْرَاءُ فِي سَبَإٍ وَغَيْرُ الْإِجْرَاءِ صَوَابٌ، لِأَنَّ سَبَأَ إِنْ كَانَ رَجُلًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْأَثَرُ، فَإِنَّهُ إِذَا أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الرَّجُلِ أُجْرِيَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْقَبِيلَةِ لَمْ يُجْرَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ فِي إِجْرَائِهِ:
[البحر البسيط] الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذَرَا سَبَإٍ … قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الْجَوَامِيسِ
يُرْوَى: ذَرَا، وَذُرَى، وَقَدْ حُدِّثْتُ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الرُّؤَاسِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ كَيْفَ لَمْ يُجْرِ سَبَأً؟ قَالَ: لَسْتُ أَدْرِي مَا هُوَ؛ فَكَأَنَّ أَبَا عَمْرٍو تَرَكَ إِجْرَاءَهُ إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِالْأَسْمَاءِ الْمَجْهُولَةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُهَا مِنْ تَرْكِ الْإِجْرَاءِ. حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ: هَذَا أَبُو مَعْرُورَ قَدْ جَاءَ، فَتَرَكَ إِجْرَاءَهُ إِذْ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي أَسْمَائِهِمْ. وَإِنْ كَانَ سَبَأٌ جَبَلًا أُجْرِيَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْجَبَلُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجْرَ فَلِأَنَّهُ يُجْعَلُ اسْمًا لِلْجَبَلِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْبُقْعَةِ.
[البحر البسيط] الْوَارِدُونَ وَتَيْمٌ فِي ذَرَا سَبَإٍ … قَدْ عَضَّ أَعْنَاقَهُمْ جِلْدُ الْجَوَامِيسِ
يُرْوَى: ذَرَا، وَذُرَى، وَقَدْ حُدِّثْتُ عَنِ الْفَرَّاءِ عَنِ الرُّؤَاسِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ كَيْفَ لَمْ يُجْرِ سَبَأً؟ قَالَ: لَسْتُ أَدْرِي مَا هُوَ؛ فَكَأَنَّ أَبَا عَمْرٍو تَرَكَ إِجْرَاءَهُ إِذْ لَمْ يَدْرِ مَا هُوَ، كَمَا تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِالْأَسْمَاءِ الْمَجْهُولَةِ الَّتِي لَا تَعْرِفُهَا مِنْ تَرْكِ الْإِجْرَاءِ. حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ: هَذَا أَبُو مَعْرُورَ قَدْ جَاءَ، فَتَرَكَ إِجْرَاءَهُ إِذْ لَمْ يَعْرِفْهُ فِي أَسْمَائِهِمْ. وَإِنْ كَانَ سَبَأٌ جَبَلًا أُجْرِيَ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْجَبَلُ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُجْرَ فَلِأَنَّهُ يُجْعَلُ اسْمًا لِلْجَبَلِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْبُقْعَةِ.
١٨ / ٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٢٤] . يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ الْهُدْهُدِ لِسُلَيْمَانَ مُخْبِرًا بِعُذْرِهِ فِي مَغِيبِهِ عَنْهُ: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ [النمل: ٢٣] يَعْنِي تَمْلِكُ سَبَأَ، وَإِنَّمَا صَارَ هَذَا الْخَبَرُ لِلْهُدْهُدِ عُذْرًا وَحُجَّةً عِنْدَ سُلَيْمَانَ دَرَأَ بِهِ عَنْهُ مَا كَانَ أَوْعَدَ بِهِ، لِأَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ لَا يَرَى أَنَّ فِي الْأَرْضِ أَحَدًا لَهُ مَمْلَكَةٌ مَعَهُ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ ﷺ رَجُلًا حُبِّبَ إِلَيْهِ الْجِهَادُ وَالْغَزْوُ، فَلَمَّا دَلَّهُ الْهُدْهُدُ عَلَى مُلْكٍ بِمَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ هُوَ لِغَيْرِهِ، وَقَوْمٍ كَفَرَةٍ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ لَهُ فِي جِهَادِهِمْ وَغَزْوِهِمُ الْأَجْرُ الْجَزِيلُ وَالثَّوَابُ الْعَظِيمُ فِي الْآجِلِ، وَضَمُّ مَمْلَكَةٍ لِغَيْرِهِ إِلَى مُلْكِهِ، حَقَّتْ لِلْهُدْهُدِ الْمَعْذِرَةُ، وَصَحَّتْ لَهُ الْحُجَّةُ فِي مَغِيبِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ.
١٨ / ٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] يَقُولُ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْتَاهُ الْمَلِكُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا مِمَّا يَكُونُ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَتَادِ وَالْآلَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْبَاجِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلَهُ: «﴿وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٢٣] يَعْنِي: مِنْ كُلِّ أَمْرِ الدُّنْيَا»
١٨ / ٣٩
وَقَوْلُهُ ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] يَقُولُ: وَلَهَا كُرْسِيُّ عَظِيمٌ. وَعُنِيَ بِالْعَظِيمِ ⦗٤٠⦘ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْعَظِيمُ فِي قَدْرِهِ، وَعَظَّمَ خَطَرَهُ، لَا عَظَّمَهُ فِي الْكِبَرِ وَالسَّعَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٣٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] قَالَ: سَرِيرٌ كَرِيمٌ، قَالَ: حَسَنُ الصَّنْعَةِ، وَعَرْشُهَا: سَرِيرٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَوَائِمُهُ مِنْ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ»
١٨ / ٤٠
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْبَاجِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلَهُ: «﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] يَعْنِي سَرِيرٌ عَظِيمٌ»
١٨ / ٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: وَجَدْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ مَلِكَةَ سَبَأٍ، وَقَوْمَهَا مِنْ سَبَإٍ، يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ فَيَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
١٨ / ٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: وَحَسَّنَ لَهُمْ إِبْلِيسُ عِبَادَتَهُمُ الشَّمْسَ، وَسُجُودَهُمْ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَحَبَّبَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ.
١٨ / ٤٠
﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: فَمَنَعَهُمْ بِتَزْيِينِهِ ذَلِكَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوا الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ، وَهُوَ دَيْنُ اللَّهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ، وَمَعْنَاهُ: فَصَدَّهُمْ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ.
١٨ / ٤٠
﴿فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٢٤] يَقُولُ: فَهُمْ لِمَا قَدْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا زَيَّنَ مِنَ السُّجُودِ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَالْكُفْرِ بِهِ، لَا يَهْتَدُونَ لِسَبِيلِ الْحَقِّ، وَلَا يَسْلُكُونَهُ، وَلَكِنَّهُمْ فِي ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَتَرَدَّدُونَ.
١٨ / ٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ، فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ﴾ [النمل: ٢٥] فَقَرَأَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ (أَلَا)، بِالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنَى: أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا، فَأَضْمَرُوا «هَؤُلَاءِ» اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ «يَا» عَلَيْهَا. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ: أَلَا يَا ارْحَمْنَا، أَلَا يَا تَصَدَّقْ عَلَيْنَا؛ وَاسْتُشْهِدَ أَيْضًا بِبَيْتِ الْأَخْطَلِ:
[البحر الطويل] أَلَا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَدْرِ … وَإِنْ كَانَ حَيَّانَا عِدَا آخِرَ الدَّهْرِ
فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ اسْجُدُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جُزِمَ، وَلَا مَوْضِعَ لِقَوْلِهِ «أَلَا» فِي الْإِعْرَابِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥] بِتَشْدِيدِ (أَلَّا) بِمَعْنَى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ لِئَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ «أَلَّا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِئَلَّا، وَيَسْجُدُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَنْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا.
[البحر الطويل] أَلَا يَا اسْلَمِي يَا هِنْدُ هِنْدَ بَنِي بَدْرِ … وَإِنْ كَانَ حَيَّانَا عِدَا آخِرَ الدَّهْرِ
فَعَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ اسْجُدُوا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جُزِمَ، وَلَا مَوْضِعَ لِقَوْلِهِ «أَلَا» فِي الْإِعْرَابِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا﴾ [النمل: ٢٥] بِتَشْدِيدِ (أَلَّا) بِمَعْنَى: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ لِئَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ «أَلَّا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لِئَلَّا، وَيَسْجُدُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَنْ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَيَيْهِمَا.
١٨ / ٤١
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ «يَا» فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ أَمْرًا، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمُ: اسْجُدُوا، وَزَادَ «يَا» بَيْنَهُمَا الَّتِي تَكُونُ لِلتَّنْبِيهِ، ثُمَّ أَذْهَبَ أَلِفَ الْوَصْلِ الَّتِي فِي اسْجُدُوا، وَأُذْهِبَتِ الْأَلْفُ الَّتِي فِي «يَا» لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ لَقِيتِ السِّينَ، فَصَارَ أَلَا يَسْجُدُوا. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: هَذِهِ «يَا» الَّتِي تَدْخُلُ لِلنِّدَاءِ يُكْتَفَى بِهَا مِنَ الِاسْمِ، وَيُكْتَفَى بِالِاسْمِ مِنْهَا، فَتَقُولُ: يَا أَقْبِلْ، وَزَيْدٌ أَقْبِلْ، وَمَا سَقَطَ مِنَ السَّوَاكِنِ فَعَلَى هَذَا.
١٨ / ٤٢
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ﴾ [النمل: ٢٥] يُخْرِجُ الْمَخْبُوءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ غَيْثٍ فِي السَّمَاءِ، وَنَبَاتٍ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَتُهُمْ عَنْهُ.
١٨ / ٤٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قِرَاءَةً عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ﴾ قَالَ: الْغَيْثَ»
١٨ / ٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿يُخْرِجُ الْخَبْءَ﴾ [النمل: ٢٥] قَالَ: الْغَيْثَ»
١٨ / ٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: خَبْءُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: مَا جَعَلَ اللَّهُ ⦗٤٣⦘ فِيهَا مِنَ الْأَرْزَاقِ، وَالْمَطَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالنَّبَاتُ مِنَ الْأَرْضِ، كَانَتَا رَتْقًا، لَا تُمْطِرُ هَذِهِ وَلَا تُنْبِتُ هَذِهِ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ، وَأَنْزَلَ مِنْهَا الْمَطَرَ، وَأَخْرَجَ النَّبَاتَ»
١٨ / ٤٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وَيَعْلَمُ كُلَّ خَفِيَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»
١٨ / ٤٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَلَى بَغْلَةٍ يَسْأَلُ تُبَّعًا ابْنَ امْرَأَةِ كَعْبٍ: هَلْ سَأَلْتَ كَعْبًا عَنِ الْبَذْرِ، تُنْبِتُ الْأَرْضُ الْعَامَ لَمْ يُصِبِ الْعَامَ الْآخَرَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبًا يَقُولُ: «الْبَذْرُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَيَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ: صَدَقْتَ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: إِنَّمَا هُوَ تَبِيعٌ، وَلَكِنْ هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ. وَقِيلَ: يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تَضَعُ «مِنْ» مَكَانَ «فِي» وَ«فِي» مَكَانَ «مِنْ» فِي الِاسْتِخْرَاجِ.
١٨ / ٤٣
﴿وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ [النمل: ٢٥] يَقُولُ: وَيَعْلَمُ السِّرَّ مِنْ أُمُورِ خَلْقِهِ، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَالْعَلَانِيَةَ مِنْهَا، وَذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ أَلَّا بِالتَّشْدِيدِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ: وَيَعْلَمُ مَا يُسِرُّهُ خَلْقُهُ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ بِقَوْلِهِ: «أَلَا يَا هَؤُلَاءِ اسْجُدُوا» . وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: (أَلَّا تَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَمَا تُعْلِنُونَ) .
١٨ / ٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَا مَعْبُودَ سِوَاهُ تَصْلُحُ لَهُ الْعِبَادَةُ، فَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوهُ بِالطَّاعَةِ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. ﴿رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: ١٢٩] يَعْنِي بِذَلِكَ: مَالِكُ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الَّذِي كُلُّ عَرْشٍ وَإِنْ عَظَمَ فَدُونَهُ، لَا يُشْبِهُهُ عَرْشُ مَلِكَةِ سَبَأَ وَلَا غَيْرُهُ.
١٨ / ٤٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ؛ فِي قَوْلِهِ: «﴿أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ [النمل: ٢٢] إِلَى قَوْلِهِ ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [النمل: ٢٦] هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الْهُدْهُدِ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِنَحْوِهِ
١٨ / ٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿قَالَ﴾ [البقرة: ٣٠] سُلَيْمَانُ لِلْهُدْهُدِ: ﴿سَنَنْظُرُ﴾ [النمل: ٢٧] فِيمَا اعْتَذَرْتَ بِهِ مِنَ الْعُذْرِ، وَاحْتَجَجْتَ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِغَيْبَتِكَ عَنَّا، وَفِيمَا جِئْتَنَا بِهِ مِنَ الْخَيْرِ ﴿أَصَدَقْتَ﴾ [النمل: ٢٧] فِي ⦗٤٥⦘ ذَلِكَ كُلِّهِ ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] فِيهِ ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨] . فَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا، فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ مُنْصَرِفًا إِلَيَّ، فَقَالَ: هُوَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ.
١٨ / ٤٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «فَأَجَابَهُ سُلَيْمَانُ، يَعْنِي أَجَابَ الْهُدْهُدَ لَمَّا فَرَغَ: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] وَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ مُنْصَرِفًا إِلَيَّ. وَقَالَ: وَكَانَتْ لَهَا كَوَّةٌ مُسْتَقْبِلَةَ الشَّمْسِ سَاعَةَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ تَطْلُعُ فِيهَا فَتَسْجُدُ لَهَا، فَجَاءَ الْهُدْهُدُ حَتَّى وَقَعَ فِيهَا فَسَدَّهَا، وَاسْتَبْطَأَتِ الشَّمْسَ، فَقَامَتْ تَنْظُرُ، فَرَمَى بِالصَّحِيفَةِ إِلَيْهَا مِنْ تَحْتِ جَنَاحِهِ، وَطَارَ حَتَّى قَامَتْ تَنْظُرُ الشَّمْسَ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهُدْهُدَ تَوَلَّى إِلَى سُلَيْمَانَ رَاجِعًا، بَعْدَ إِلْقَائِهِ الْكِتَابَ، وَأَنَّ نَظَرَهُ إِلَى الْمَرْأَةِ مَا الَّذِي تَرْجِعُ وَتَفْعَلُ كَانَ قَبْلَ إِلْقَائِهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ إِلَيْهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ، فَكُنْ قَرِيبًا مِنْهُمْ، وَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ؛ قَالُوا: وَفَعَلَ الْهُدْهُدُ، وَسَمِعَ مُرَاجَعَةَ الْمَرْأَةِ أَهْلَ مَمْلَكَتِهَا، وَقَوْلَهَا لَهُمْ: ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: ٢٩] وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ مُرَاجَعَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
١٨ / ٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَوْلَهُ: «﴿فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ [النمل: ٢٨] أَيْ كُنْ قَرِيبًا ﴿فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨]». وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ، لِأَنَّ مُرَاجَعَةَ الْمَرْأَةِ قَوْمَهَا، كَانَتْ بَعْدَ أَنْ أُلْقِيَ إِلَيْهَا الْكِتَابُ، وَلَمْ يَكُنِ الْهُدْهُدُ لِيَنْصَرِفَ وَقَدْ أُمِرَ بِأَنْ يَنْظُرَ إِلَى مُرَاجَعَةِ الْقَوْمِ بَيْنَهُمْ مَا يَتَرَاجَعُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ سُلَيْمَانُ
١٨ / ٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَذَهَبَ الْهُدْهُدُ بِكِتَابِ سُلَيْمَانَ إِلَيْهَا، فَأَلْقَاهُ إِلَيْهَا؛ فَلَمَّا قَرَأَتْهُ قَالَتْ لِقَوْمِهَا: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ، أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «كَتَبَ، يَعْنِي سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ مَعَ الْهُدْهُدِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، إِلَى بِلْقِيسَ بِنْتِ ذِي سَرْحٍ وَقَوْمِهَا، أَمَّا بَعْدُ، فَلَا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، قَالَ: فَأَخَذَ الْهُدْهُدُ الْكِتَابَ بِرِجْلِهِ، فَانْطَلَقَ بِهِ حَتَّى أَتَاهَا، ⦗٤٧⦘ وَكَانَتْ لَهَا كَوَّةٌ فِي بَيْتِهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ نَظَرَتْ إِلَيْهَا، فَسَجَدَتْ لَهَا، فَأَتَى الْهُدْهُدُ الْكَوَّةَ فَسَدَّهَا بِجَنَاحَيْهِ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ تَعْلَمْ، ثُمَّ أَلْقَى الْكِتَابَ مِنَ الْكَوَّةِ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فِي مَكَانِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ، فَأَخَذَتْهُ»
١٨ / ٤٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّهَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا بِلْقِيسُ، أَحْسِبُهُ قَالَ: ابْنَةُ شَرَاحِيلَ، أَحَدُ أَبَوَيْهَا مِنَ الْجِنِّ، مُؤَخَّرُ أَحَدِ قَدَمَيْهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، وَكَانَ أُولُو مَشُورَتِهَا ثَلَاثَ مِائَةٍ وَاثْنَيْ عَشَرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى عَشَرَةِ آلَافٍ، وَكَانَتْ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا مَأْرِبُ، مِنْ صَنْعَاءَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ فَلَمَّا جَاءَ الْهُدْهُدُ بِخَبَرِهَا إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ، كَتَبَ الْكِتَابَ وَبَعَثَ بِهِ مَعَ الْهُدْهَدِ، فَجَاءَ الْهُدْهُدُ وَقَدْ غُلِّقَتِ الْأَبْوَابُ، وَكَانَتْ تُغْلِقُ أَبْوَابَهَا وَتَضَعُ مَفَاتِيحَهَا تَحْتَ رَأْسِهَا، فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَدَخَلَ مِنْ كَوَّةٍ، فَأَلْقَى الصَّحِيفَةَ عَلَيْهَا، فَقَرَأَتْهَا، فَإِذَا فِيهَا: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] وَكَذَلِكَ كَانَتْ تَكْتُبُ الْأَنْبِيَاءُ لَا تُطْنِبُ، إِنَّمَا تَكْتُبُ جُمْلًا»
١٨ / ٤٧
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «لَمْ يَزِدْ سُلَيْمَانُ عَلَى مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: إِنَّهُ وَإِنَّهُ»
١٨ / ٤٧
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٢٨] فَمَضَى الْهُدْهُدُ بِالْكِتَابِ، حَتَّى إِذَا حَاذَى الْمَلِكَةَ وَهِيَ عَلَى عَرْشِهَا أَلْقَى إِلَيْهَا الْكِتَابَ»
١٨ / ٤٨
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] وَالْمَلَأُ: أَشْرَافُ قَوْمِهَا. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ لِأَشْرَافِ قَوْمِهَا: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] . وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي سَبَبِ وَصْفِهَا الْكِتَابَ بِالْكَرِيمِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَصَفَتْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مَخْتُومًا: وَقَالَ آخَرُونَ: وَصَفَتْهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ مَلِكٍ فَوَصَفَتْهُ بِالْكَرْمِ لِكَرَمِ صَاحِبِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ زَيْدٍ.
١٨ / ٤٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] قَالَ: هُوَ كِتَابُ سُلَيْمَانَ حَيْثُ كَتَبَ إِلَيْهَا»
١٨ / ٤٨
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: ٣٠] كُسِرَتْ إِنَّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى «إِنِّي» مِنْ قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] . وَمَعْنَى الْكَلَامِ: قَالَتْ: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ، وَإِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ.
١٨ / ٤٨
وَقَوْلُهُ ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] يَقُولُ: أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ. فَفِي «أَنْ» وَجْهَانِ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ: إِنْ جُعِلَتْ بَدَلًا مِنَ الْكِتَابِ كَانَتْ رَفْعًا بِمَا ⦗٤٩⦘ رُفِعَ بِهِ الْكِتَابُ بَدَلًا مِنْهُ؛ وَإِنْ جُعِلَ مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ أَنْ لَا تَعْلُو عَلَيَّ كَانَتْ نَصْبًا بِتَعَلُّقِ الْكِتَابِ بِهَا. وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ [النمل: ٣١] أَنْ لَا تَتَكَبَّرُوا وَلَا تَتَعَاظَمُوا عَمَّا دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ.
١٨ / ٤٨
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ [النمل: ٣١] أَنْ لَا تَتَمَنَّعُوا مِنَ الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ؛ إِنِ امْتَنَعْتُمْ جَاهَدْتُكُمْ. فَقُلْتُ لِابْنِ زَيْدٍ: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ [النمل: ٣١] أَنْ لَا تَتَكَبَّرُوا عَلَيَّ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] ذَلِكَ فِي كِتَابِ سُلَيْمَانَ إِلَيْهَا»
١٨ / ٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] يَقُولُ: وَأَقْبِلُوا إِلَيَّ مُذْعِنِينَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالطَّاعَةِ.
١٨ / ٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ مَلِكَةُ سَبَأَ لِأَشْرَافِ قَوْمِهَا: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾ [النمل: ٣٢] تَقُولُ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي أَمْرِي الَّذِي قَدْ حَضَرَنِي مِنْ أَمْرِ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أُلْقِيَ إِلَيَّ، فَجَعَلَتِ الْمَشُورَةَ فُتْيَا.
١٨ / ٤٩
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ [النمل: ٣٢] تَقُولُ: مَا كُنْتُ قَاضِيَةً أَمْرًا فِي ذَلِكَ حَتَّى تَشْهَدُونِ، فَأُشَاوِرَكُمْ فِيهِ.
١٨ / ٥٠
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «دَعَتْ قَوْمَهَا تُشَاوِرُهُمْ ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي، مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ﴾ [النمل: ٣٢] يَقُولُ فِي الْكَلَامِ: مَا كُنْتُ لِأَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ وَلَا كُنْتُ لِأَقْضِيَ أَمْرًا، فَلِذَلِكَ قَالَتْ: ﴿مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا﴾ [النمل: ٣٢] بِمَعْنَى: قَاضِيَةً»
١٨ / ٥٠
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ مَلِكَةِ سَبَأَ، إِذْ شَاوَرَتْهُمْ فِي أَمَرِهَا وَأَمْرِ سُلَيْمَانَ: نَحْنُ ذَوُو الْقُوَّةِ عَلَى الْقِتَالِ، وَالْبَأْسِ الشَّدِيدِ فِي الْحَرْبِ، وَالْأَمْرُ أَيَّتُهَا الْمَلِكَةُ إِلَيْكِ فِي الْقِتَالِ وَفِي تَرْكِهِ، فَانْظُرِي مِنَ الرَّأْيِ مَا تَرَيْنَ، فَمُرِينَا نَأْتَمِرْ لِأَمْرِكِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ عَرَضُوا لَهَا الْقِتَالَ، يُقَاتِلُونَ لَهَا، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ بَعْدَ هَذَا، ﴿فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ [النمل: ٣٣]»
١٨ / ٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ ⦗٥١⦘ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «كَانَ مَعَ مَلِكَةِ سَبَأَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قُيُولٍ، مَعَ كُلِّ قُيُولٍ مِائَةَ أَلْفٍ»
١٨ / ٥٠
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «كَانَ مَعَ بِلْقِيسَ مِائَةُ أَلْفِ قَيْلٍ، مَعَ كُلِّ قَيْلٍ مِائَةُ أَلْفٍ»
١٨ / ٥١
قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: «كَانَتْ تَحْتَ يَدِ مَلِكَةِ سَبَأَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ قُيُولٍ؛ وَالْقُيُولُ بِلِسَانِهِمُ: الْمَلِكُ تَحْتَ يَدِ كُلِّ مَلَكٍ مِائَةُ أَلْفِ مُقَاتِلٍ»
١٨ / ٥١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَتْ صَاحِبَةُ سَبَأَ لِلْمَلَأِ مِنْ قَوْمِهَا، إِذْ عَرَضُوا عَلَيْهَا أَنْفُسَهُمْ لِقِتَالِ سُلَيْمَانَ، إِنْ أَمَرَتْهُمْ بِذَلِكَ: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً﴾ [النمل: ٣٤] عَنْوَةً وَغَلَبَةً ﴿أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] يَقُولُ: خَرَّبُوهَا ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] وَذَلِكَ بِاسْتِعْبَادِهِمُ الْأَحْرَارَ، وَاسْتِرْقَاقِهِمْ إِيَّاهُمْ؛ وَتَنَاهَى الْخَبَرُ مِنْهَا عَنِ الْمُلُوكِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمَا قَالَتْ صَاحِبَةُ سَبَأَ تَفْعَلُ الْمُلُوكُ، إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً عَنْوَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا عَنْوَةً»
١٨ / ٥٢
حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] قَالَ: إِذَا دَخَلُوهَا عَنْوَةً خَرَّبُوهَا»
١٨ / ٥٢
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً﴾ [النمل: ٣٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤]»
١٨ / ٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ، فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُمْ، بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ. ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا، وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٦] ذُكِرَ أَنَّهَا قَالَتْ: إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَى سُلَيْمَانَ، لِتَخْتَبِرَهُ بِذَلِكَ وَتَعْرِفَهُ بِهِ، أَمَلِكٌ هُوَ، أَمْ نَبِيُّ؟ وَقَالَتْ: إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا لَمْ يَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ، وَلَمْ يَرْضَهُ مِنَّا إِلَّا أَنْ نَتَّبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا قَبِلَ الْهَدِيَّةَ وَانْصَرَفَ.
١٨ / ٥٢
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَمَّنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَتْ: «﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِوَصَائِفَ وَوُصَفَاءَ، وَأَلْبَسَتْهُمْ لِبَاسًا وَاحِدًا حَتَّى لَا يُعْرَفُ ذَكَرٌ مِنْ أُنْثَى، فَقَالَتْ: إِنْ زَيَّلَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الذَّكَرَ مِنَ الْأُنْثَى، ثُمَّ رَدَّ الْهَدِيَّةَ فَإِنَّهُ نَبِيُّ، وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتْرُكَ مُلْكَنَا، وَنَتَّبِعَ دِينَهُ، وَنَلْحَقَ بِهِ»
١٨ / ٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: بِجَوَارٍ لِبَاسُهُمْ لِبَاسُ الْغِلْمَانِ، وَغِلْمَانٌ لِبَاسُهُمْ لِبَاسُ الْجَوَارِي»
١٨ / ٥٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَوْلُهَا: «﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: مِائَتَيْ غُلَامٍ وَمِائَتَيْ جَارِيَةٍ»
١٨ / ٥٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: قَوْلُهُ: «﴿بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: جَوَارٍ أَلْبَسَتْهُنَّ لِبَاسَ الْغِلْمَانِ، وَغِلْمَانٌ أَلْبَسَتْهُمْ لِبَاسَ الْجَوَارِي»
١٨ / ٥٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتْ: «فَإِنْ خَلَّصَ الْجَوَارِي مِنَ الْغِلْمَانِ، وَرَدَّ الْهَدِيَّةَ فَإِنَّهُ نَبِيُّ، وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ» . ⦗٥٤⦘ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «فَخَلَّصَ سُلَيْمَانُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّتَهَا»
١٨ / ٥٣
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، قَالَ: «أَهْدَتْ لَهُ صَفَائِحَ الذَّهَبِ فِي أَوْعِيَةِ الدِّيبَاجِ؛ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ أَمَرَ الْجِنَّ فَمَوَّهُوا لَهُ الْآجُرَّ بِالذَّهَبِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَأُلْقِيَ فِي الطُّرُقِ؛ فَلَمَّا جَاءُوا فَرَأَوْهُ مُلْقًى مَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، صَغُرَ فِي أَعْيُنِهِمْ مَا جَاءُوا بِهِ»
١٨ / ٥٤
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ [النمل: ٣٤] . . الْآيَةَ، وَقَالَتْ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ إِنْ كَانَ إِنَّمَا هِمَّتْهُ الدُّنْيَا فَسَنُرْضِيهِ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يُرِيدُ الدِّينَ فَلَنْ يَقْبَلَ غَيْرَهُ ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥]»
١٨ / ٥٤
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «كَانَتْ بِلْقِيسُ امْرَأَةً لَبِيبَةً أَدِيبَةً فِي بَيْتِ مُلْكٍ، لَمْ تَمْلِكْ إِلَّا لِبَقَايَا مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِهَا، إِنَّهُ قَدْ سَيَّسَتْ وَسَاسَتْ حَتَّى أَحْكَمَهَا ذَلِكَ، وَكَانَ دِينُهَا وَدِينُ قَوْمِهَا فِيمَا ذُكِرَ الزِّنْدِيقِيَّةَ؛ فَلَمَّا قَرَأَتِ الْكِتَابَ سَمِعَتْ كِتَابًا لَيْسَ مِنْ كُتُبِ الْمُلُوكِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا، فَبَعَثَتْ إِلَى الْمُقَاوِلَةِ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ، فَقَالَتْ لَهُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ. إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٠] إِلَى قَوْلِهِ ﴿بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّهُ قَدْ جَاءَنِي كِتَابٌ لَمْ يَأْتِنِي مِثْلُهُ مِنْ مَلَكٍ مِنَ ⦗٥٥⦘ الْمُلُوكِ قَبْلَهُ، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا مُرْسَلًا فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَلَا قُوَّةَ، وَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ مَلِكًا يُكَاثِرُ، فَلَيْسَ بِأَعَزَّ مِنَّا وَلَا أَعَدَّ. فَهَيَّأَتْ هَدَايَا مِمَّا يُهْدَى لِلْمُلُوكِ، مِمَّا يُفْتَنُونَ بِهِ، فَقَالَتْ: إِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَسَيَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيَرْغَبُ فِي الْمَالِ، وَإِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَلَيْسَ لَهُ فِي الدُّنْيَا حَاجَةٌ، وَلَيْسَ إِيَّاهَا يُرِيدُ، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ مَعَهُ فِي دِينِهِ، وَنَتَّبِعَهُ عَلَى أَمْرِهِ، أَوْ كَمَا قَالَتْ»
١٨ / ٥٤
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] بَعَثَتْ بِوَصَائِفَ وَوُصَفَاءَ، لِبَاسُهُمْ لِبَاسٌ وَاحِدٌ، فَقَالَتْ: إِنْ زَيَّلَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الذَّكَرَ مِنَ الْأُنْثَى، ثُمَّ رَدَّ الْهَدِيَّةَ فَهُوَ نَبِيٌّ، وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ، وَنَدْخُلَ فِي دِينِهِ؛ فَزَيَّلَ سُلَيْمَانُ بَيْنَ الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي، وَرَدَّ الْهَدِيَّةَ، فَقَالَ ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ، فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ [النمل: ٣٦]»
١٨ / ٥٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «كَانَ فِي الْهَدَايَا الَّتِي بَعَثَتْ بِهَا وَصَائِفُ وَوُصَفَاءُ يَخْتَلِفُونَ فِي ثِيَابِهِمْ لِتَمْيِيزِ الْغِلْمَانِ مِنَ الْجَوَارِي، قَالَ: فَدَعَا بِمَاءٍ، فَجَعَلَ الْجَوَارِي يَتَوَضَّأْنَ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى أَسْفَلَ، وَجَعَلَ الْغِلْمَانُ يَتَوَضَّئُونَ مِنَ الْمِرْفَقِ إِلَى فَوْقٍ». قَالَ: وَكَانَ أَبِي يُحَدِّثُنَا هَذَا الْحَدِيثَ
١٨ / ٥٥
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ: «﴿وَإِنِّي مُرْسَلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: أَرْسَلَتْ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَتْ: إِنْ ⦗٥٦⦘ كَانَ يُرِيدُ الدُّنْيَا عَلِمْتُهُ، وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ الْآخِرَةَ عَلِمْتُهُ»
١٨ / ٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] تَقُولُ: فَأَنْظُرَ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ خَبَرِهِ وَفِعْلِهِ فِي هَدِيَّتِي الَّتِي أُرْسِلُهَا إِلَيْهِ تُرْجِعُ رُسُلِي، أَبِقَبُولٍ وَانْصِرَافٍ عَنَّا، أَمْ بِرَدِّ الْهَدِيَّةِ وَالثَّبَاتِ عَلَى مُطَالَبَتِنَا بِاتِّبَاعِهِ عَلَى دِينِهِ؟ وَأُسْقِطَتِ الْأَلْفُ مِنْ «مَا» فِي قَوْلِهِ ﴿بِمَ﴾ [النمل: ٣٥] وَأَصْلُهُ: بِمَا، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا كَانَتْ «مَا» بِمَعْنَى أَيٍّ، ثُمَّ وَصَلُوهَا بِحَرْفٍ خَافِضٍ أَسْقَطُوا أَلِفَهَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الِاسْتِفْهَامِ وَغَيْرِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ﴾ [النبأ: ١]، وَ﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾ [النساء: ٩٧]، وَرُبَّمَا أَثْبَتُوا فِيهَا الْأَلْفَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر] عَلَامَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ … كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي تُرَابِ
وَقَالَتْ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٣٥] وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣]
[البحر الوافر] عَلَامَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ … كَخِنْزِيرٍ تَمَرَّغَ فِي تُرَابِ
وَقَالَتْ: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٣٥] وَإِنَّمَا أَرْسَلَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ [يونس: ٨٣]
١٨ / ٥٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ [النمل: ٣٦] إِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٦] فَجَعَلَ الْخَبَرَ فِي مَجِيءِ سُلَيْمَانَ عَنْ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] فَإِنْ كَانَ الرَّسُولُ كَانَ وَاحِدًا، فَكَيْفَ قِيلَ ﴿بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] وَإِنَّ كَانُوا جَمَاعَةً فَكَيْفَ قِيلَ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ
١٨ / ٥٦
سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٦]؟ قِيلَ: هَذَا نَظِيرُ مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ مِنْ إِظْهَارِ الْعَرَبِ الْخَبَرَ فِي أَمْرٍ كَانَ مِنْ وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ جَمَاعَةٍ إِذَا لَمْ يَقْصِدْ قَصْدَ الْخَبَرِ عَنْ شَخَصٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، يُشَارُ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ، فَسُمِّيَ فِي الْخَبَرِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الرَّسُولَ الَّذِي وَجَّهَتْهُ مَلِكَةُ سَبَأَ إِلَى سُلَيْمَانَ كَانَ امْرَءًا وَاحِدًا، فَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٣٦] يُرَادُ بِهِ: فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ سُلَيْمَانَ؛ وَاسْتَدَلَّ قَائِلُو ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِ سُلَيْمَانَ لِلرَّسُولِ: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٣٧] وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ (فَلَمَّا جَاءُوا سُلَيْمَانَ) عَلَى الْجَمْعِ، وَذَلِكَ لِلَّفْظِ قَوْلُهُ: ﴿بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] فَصَلُحَ الْجَمْعُ لِلَّفْظِ وَالتَّوْحِيدُ لِلْمَعْنَى.
١٨ / ٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ [النمل: ٣٦] يَقُولُ: قَالَ سُلَيْمَانُ لَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ بِهَدَايَاهَا: أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (أَتُمِدُّونَنِي)، بِنُونَيْنِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ مِثْلَ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ حَذَفَ الْيَاءَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ وَكَسَرَ النُّونَ الْأَخِيرَةَ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ بِنُونَيْنِ، وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَإِثْبَاتِ الْيَاءِ. ⦗٥٨⦘ وَكُلُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَقَارِبَاتٌ وَجَمِيعُهَا صَوَابٌ، لِأَنَّهَا مَعْرُوفَةٌ فِي لُغَاتِ الْعَرَبِ، مَشْهُورَةٌ فِي مَنْطِقِهَا.
١٨ / ٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ [النمل: ٣٦] يَقُولُ: فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ مِنَ الْمَالِ وَالدُّنْيَا أَكْثَرُ مِمَّا أَعْطَاكُمْ مِنْهَا وَأَفْضَلُ.
١٨ / ٥٨
﴿بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦] يَقُولُ: مَا أَفْرَحُ بِهَدِيَّتِكُمُ الَّتِي أَهْدَيْتُمْ إِلَيَّ، بَلْ أَنْتُمْ تَفْرَحُونَ بِالْهَدِيَّةِ الَّتِي تَهْدَى إِلَيْكُمْ، لِأَنَّكُمْ أَهْلُ مُفَاخَرَةٍ بِالدُّنْيَا، وَمُكَاثَرَةٍ بِهَا، وَلَيْسَتِ الدُّنْيَا وَأَمْوَالُهَا مِنْ حَاجَتِي، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ مَكَّنَنِي مِنْهَا وَمَلَّكَنِي فِيهَا مَا لَمْ يُمَلِّكْ أَحَدًا. ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ﴾ [النمل: ٣٧] وَهَذَا قَوْلُ سُلَيْمَانَ لِرَسُولِ الْمَرْأَةِ ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧] لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا، وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى دَفْعِهِمْ عَمَّا أَرَادُوا مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٥٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا أَتَتِ الْهَدَايَا سُلَيْمَانَ فِيهَا الْوَصَائِفُ وَالْوُصَفَاءُ، وَالْخَيْلُ الْعِرَابُ، وَأَصْنَافٌ مِنْ أَصْنَافِ الدُّنْيَا، قَالَ لِلرُّسُلِ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِ: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ، فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦] لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي بِهَدِيَّتِكُمْ، وَلَيْسَ رَأْيِي فِيهِ كَرَأْيِكُمْ، فَارْجِعُوا إِلَيْهَا بِمَا جِئْتُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهَا، ﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧]»
١٨ / ٥٨
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ [النمل: ٣٧] قَالَ: لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا»
١٨ / ٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧] يَقُولُ: وَلَنُخْرِجَنَّ مَنْ أَرْسَلَكُمْ مِنْ أَرْضِهِمْ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ إِنْ لَمْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ / ٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧]، أَوْ لَتَأْتِيَنِّي مَسْلَمَةً هِيَ وَقَوْمُهَا»
١٨ / ٥٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِيَ مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٣٩] اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْحِينِ الَّذِي قَالَ فِيهِ سُلَيْمَانُ ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي
١٨ / ٥٩
بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ ذَلِكَ حِينَ أَتَاهُ الْهُدْهُدُ بِنَبَأِ صَاحِبَةِ سَبَأَ، وَقَالَ لَهُ: ﴿جِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ﴾ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ لَهَا عَرْشًا عَظِيمًا، فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ ﷺ: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] فَكَانَ اخْتِبَارُهُ صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ بِأَنْ قَالَ لِهَؤُلَاءِ: أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِيَ مُسْلِمِينَ. وَقَالُوا إِنَّمَا كَتَبَ سُلَيْمَانُ الْكِتَابَ مَعَ الْهُدْهُدِ إِلَى الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَا صَحَّ عِنْدَهُ صِدْقَ الْهُدْهُدِ بِمَجِيءِ الْعَالِمِ بِعَرْشِهَا إِلَيْهِ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ الْهُدْهُدُ، قَالُوا: وَلَوْلَا ذَلِكَ كَانَ مُحَالًا أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى مَنْ لَا يَدْرِي، هَلْ هُوَ فِي الدُّنْيَا أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَأُخْرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَتَبَ مَعَ الْهُدْهُدِ كِتَابًا إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ مَجِيءِ عَرْشِهَا إِلَيْهِ، وَقَبْلَ عِلْمِهِ صِدْقَ الْهُدْهُدِ بِذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ لَهُ ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] مَعْنًى، لِأَنَّهُ لَا يُلِمُّ بِخَبَرِهِ الثَّانِي مِنْ إِبْلَاغِهِ إِيَّاهَا الْكِتَابَ، أَوْ تَرْكِ إِبْلَاغِهِ إِيَّاهَا ذَلِكَ، إِلَّا نَحْوَ الَّذِي عَلِمَ بِخَبَرِهِ الْأَوَّلِ حِينَ قَالَ لَهُ: ﴿جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾ [النمل: ٢٢] قَالُوا: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ مَعَهُمُ امْتِحَانُ صِدْقِهِ مِنْ كَذِبِهِ، وَكَانَ مُحَالًا أَنْ يَقُولَ نَبِيُّ اللَّهِ قَوْلًا لَا مَعْنَى لَهُ، وَقَدْ قَالَ: ﴿سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: ٢٧] عَلِمَ أَنَّ الَّذِي امْتَحَنَ بِهِ صِدْقَ الْهُدْهُدِ مِنْ كَذِبِهِ هُوَ مَصِيرُ عَرْشِ الْمَرْأَةِ إِلَيْهِ، عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ الْهُدْهُدُ الشَّاهِدُ عَلَى صِدْقِهِ، ثُمَّ كَانَ الْكِتَابُ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَيْهَا.
١٨ / ٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٦١⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ أُوتِيَ مُلْكًا، وَكَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أُوتِيَ مُلْكًا غَيْرُهُ؛ فَلَمَّا فَقَدَ الْهُدْهُدَ سَأَلَهُ: مِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ وَوَعَّدَهُ وَعِيدًا شَدِيدًا بِالْقَتْلِ وَالْعَذَابِ، قَالَ: ﴿جِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ﴾ قَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا هَذَا النَّبَأُ؟ قَالَ الْهُدْهُدُ: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً﴾ [النمل: ٢٣] بِسَبَأٍ ﴿تَمْلِكُهُمْ، وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣] فَلَمَّا أَخْبَرَ الْهُدْهُدُ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ وَجَدَ سُلْطَانًا، أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي الْأَرْضِ سُلْطَانٌ غَيْرُهُ، فَقَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِيَ مُسْلِمِينَ. قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ، وَإِنِّي عَلَيْهِ لِقَوِيُّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] قَالَ سُلَيْمَانُ: أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] وَهُوَ رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] فَدَعَا بِالِاسْمِ وَهُوَ عِنْدَهُ قَائِمٌ، فَاحْتُمِلَ الْعَرْشُ احْتِمَالًا حَتَّى وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ، وَاللَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ؛ فَلَمَّا أَتَى سُلَيْمَانَ بِالْعَرْشِ وَهُمْ مُشْرِكُونَ، يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، أَخْبَرَهُ الْهُدْهُدُ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا ثُمَّ بَعَثَهُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى إِذَا جَاءَ الْهُدْهُدُ الْمَلِكَةَ أَلْقَى إِلَيْهَا الْكِتَابَ ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٢٩] . . إِلَى ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] فَقَالَتْ لِقَوْمِهَا مَا قَالَتْ ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥] قَالَ: وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِوَصَائِفَ وَوُصَفَاءَ، وَأَلْبَسَتْهُمْ لِبَاسًا وَاحِدًا، حَتَّى لَا يُعْرَفُ ذَكَرٌ مِنْ أُنْثَى، فَقَالَتْ: إِنْ زَيَّلَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ الذِّكْرَ مِنَ الْأُنْثَى ثُمَّ رَدَّ الْهَدِيَّةَ فَإِنَّهُ نَبِيُّ، وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتْرُكَ مُلْكَنَا وَنَتَّبِعَ دِينَهُ وَنَلْحَقَ بِهِ، فَرَدَّ سُلَيْمَانُ الْهَدِيَّةَ وَزَيَّلَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: هَؤُلَاءِ غِلْمَانٌ، وَهَؤُلَاءِ جِوَارٍ، وَقَالَ: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦] . . ⦗٦٢⦘ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ “
١٨ / ٦٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ﴾ [النمل: ٢٣] . . الْآيَةَ؛ قَالَ: وَأَنْكَرَ سُلَيْمَانُ أَنْ يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَى الْأَرْضِ سُلْطَانٌ غَيْرُهُ، قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] . . الْآيَةَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ إِنَّمَا اخْتَبَرَ صِدْقَ الْهُدْهُدِ سُلَيْمَانُ بِالْكِتَابِ، وَإِنَّمَا سَأَلَ مَنْ عِنْدَهُ إِحْضَارَهُ عَرْشَ الْمَرْأَةِ بَعْدَ مَا خَرَجَتْ رُسُلُهَا مِنْ عِنْدَهُ، وَبَعْدَ أَنْ أَقْبَلَتِ الْمَرْأَةُ إِلَيْهِ.
١٨ / ٦٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: “لَمَّا رَجَعَتْ إِلَيْهَا الرُّسُلُ بِمَا قَالَ سُلَيْمَانُ: قَالَتْ: وَاللَّهِ عَرَفْتُ مَا هَذَا بِمَلِكٍ، وَمَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ، وَمَا نَصْنَعُ بِمُكَاثَرَتِهِ شَيْئًا، وَبَعَثَتْ: إِنِّي قَادِمَةٌ عَلَيْكَ بِمُلُوكِ قَوْمِي، حَتَّى أَنْظُرَ مَا أَمَرُكَ، وَمَا تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دِينِكَ. ثُمَّ أَمَرَتْ بِسَرِيرِ مُلْكِهَا الَّذِي كَانَتْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ، وَكَانَ مِنْ ذَهَبٍ مُفَصَّصٍ بِالْيَاقُوتِ وَالزَّبَرْجَدِ وَاللُّؤْلُؤِ، فَجُعِلَ فِي سَبْعَةِ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ، ثُمَّ أُقْفِلَتْ عَلَيْهِ الْأَبْوَابُ. وَكَانَتْ إِنَّمَا يَخْدُمُهَا النِّسَاءُ، مَعَهَا سِتُّ مِائَةِ امْرَأَةٍ يَخْدُمْنَهَا؛ ثُمَّ قَالَتْ لِمَنْ خَلَّفَتْ عَلَى سُلْطَانِهَا، احْتَفِظْ بِمَا قِبَلَكَ، وَبِسَرِيرِ مُلْكِي، فَلَا يَخْلُصْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَلَا يَرَيَنَّهُ أَحَدٌ حَتَّى آتِيَكَ؛ ثُمَّ شَخَصَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفٍ قَيْلٍ مَعَهَا مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَيْلٍ مِنْهُمْ أُلُوفٌ كَثِيرَةٌ، فَجَعَلَ سُلَيْمَانُ يَبْعَثُ الْجِنَّ،. فَيَأْتُونَهُ بِمَسِيرِهَا وَمُنْتَهَاهَا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، حَتَّى إِذَا دَنَتْ جَمَعَ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ،
١٨ / ٦٢
فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨]». وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: قَالَ سُلَيْمَانُ لِأَشْرَافِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ جُنْدِهِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] يَعْنِي سَرِيرَهَا.
١٨ / ٦٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] قَالَ: سَرِيرٌ فِي أَرِيكَةٍ»
١٨ / ٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «عَرْشُهَا سَرِيرٌ فِي أَرِيكَةٍ»
١٨ / ٦٣
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «سَرِيرٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَوَائِمُهُ مِنْ جَوْهَرٍ وَلُؤْلُؤٍ»
١٨ / ٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] بِسَرِيرِهَا»
١٨ / ٦٣
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا﴾ [النمل: ٣٨] قَالَ: مَجْلِسُهَا». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي السَّبَبُ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَصَّ سُلَيْمَانُ مَسْأَلَةَ الْمَلَأِ مِنْ جُنْدِهِ إِحْضَارَ عَرْشِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْنِ أَمْلَاكِهَا قَبْلَ إِسْلَامِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَعْجَبَهُ حِينَ وَصَفَ لَهُ الْهُدْهُدُ صِفَتَهُ، وَخَشِيَ أَنْ تُسْلِمَ فَيُحَرَّمَ عَلَيْهِ مَالُهَا، ⦗٦٤⦘ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ سَرِيرَهَا ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ بِإِسْلَامِهَا.
١٨ / ٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «أَخْبَرَ سُلَيْمَانَ الْهُدْهُدُ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ لِتَأْتِيَهُ، وَأَخْبَرَ بِعَرْشِهَا فَأَعْجَبَهُ. كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَقَوَائِمُهُ مِنْ جَوْهَرٍ مُكَلَّلٍ بِاللُّؤْلُؤِ، فَعَرَفَ أَنَّهُمْ إِنْ جَاءُوهُ مُسْلِمِينَ لَمْ تَحِلَّ لَهُمْ أَمْوَالُهُمْ، فَقَالَ لِلْجِنِّ: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨]». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ فَعَلَ ذَلِكَ سُلَيْمَانُ لِيُعَاتِبَهَا بِهِ، وَيَخْتَبِرَ بِهِ عَقْلَهَا، هَلْ تُثْبِتُهُ إِذَا رَأَتْهُ، أَمْ تُنْكِرُهُ؟
١٨ / ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «أَعْلَمَ اللَّهُ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا سَتَأْتِيهِ، فَقَالَ: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] حَتَّى يُعَاتِبَهَا، وَكَانَتِ الْمُلُوكُ يَتَعَاتَبُونَ بِالْعِلْمِ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِيَ مُسْتَسْلِمِينَ طَوْعًا.
١٨ / ٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي، مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] يَقُولُ: طَائِعِينَ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ دَيْنُ اللَّهِ.
١٨ / ٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: «﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] بِحُرْمَةِ الْإِسْلَامِ فَيَمْنَعُهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، يَعْنِي: الْإِسْلَامُ يَمْنَعُهُمْ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ خَصَّ سُلَيْمَانُ بِسُؤَالِهِ الْمَلَأَ مِنْ جُنْدِهِ بِإِحْضَارِهِ عَرْشَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ دُونَ سَائِرِ مُلْكِهَا عِنْدَنَا، لِيَجْعَلَ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهَا فِي نُبُوَّتِهِ، وَيُعَرِّفُهَا بِذَلِكَ قُدْرَةَ اللَّهِ وَعَظِيمَ شَأْنِهِ، أَنَّهَا خَلَّفَتْهُ فِي بَيْتٍ فِي جَوْفِ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ، مُغْلَقٌ مُقْفَلٌ عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، بِغَيْرِ فَتْحِ إِغْلَاقٍ وَأَقْفَالٍ، حَتَّى أَوْصَلَهُ إِلَى وَلِيِّهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ، فَكَانَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَعْظَمُ حُجَّةٍ عَلَى حَقِيقَةِ مَا دَعَاهَا إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، وَعَلَى صِدْقِ سُلَيْمَانَ فِيمَا أَعْلَمَهَا مِنْ نُبُوَّتِهِ. فَأَمَّا الَّذِي هُوَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ ﴿قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] بِتَأْوِيلِهِ،
١٨ / ٦٥
فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ طَائِعِينَ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمْ تَأْتِ سُلَيْمَانَ إِذْ أَتَتْهُ مُسْلِمَةً، وَإِنَّمَا أَسْلَمَتْ بَعْدَ مَقْدَمِهَا عَلَيْهِ وَبَعْدَ مُحَاوَرَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُمَا وَمُسَاءَلَةٍ.
١٨ / ٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [النمل: ٣٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ رَئِيسٌ مِنَ الْجِنِّ مَارِدٌ قَوِيُّ. وَلِلْعَرَبِ فِيهِ لُغَتَانِ: عِفْرِيتٌ، وَعِفْرِيَةٌ؛ فَمَنْ قَالَ: عِفْرِيَةٌ، جَمَعَهُ: عَفَارِي؛ وَمَنْ قَالَ: عِفْرِيتٌ، جَمَعَهُ: عَفَارِيتُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: «﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ﴾ [النمل: ٣٩] قَالَ: مَارِدٌ مِنَ الْجِنِّ ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩]». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ، مِثْلَهُ
١٨ / ٦٦
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ بَعْضِ، أَصْحَابِهِ: «﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ [النمل: ٣٩] قَالَ: دَاهِيَةٌ»
١٨ / ٦٦
قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي وَهْبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ⦗٦٧⦘ شُعَيْبٍ الْجَبَائِيِّ، قَالَ: «الْعِفْرِيتُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ اسْمُهُ: كَوْزَنُ»
١٨ / ٦٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: «﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ [النمل: ٣٩] اسْمُهُ: كَوْزَنُ»
١٨ / ٦٧
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] يَقُولُ: أَنَا آتِيكَ بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقْعَدِكَ هَذَا. وَكَانَ فِيمَا ذُكِرَ قَاعِدًا لِلْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ هَذَا الَّذِي جَلَسْتَ فِيهِ لِلْحَكَمِ بَيْنَ النَّاسِ. وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْعُدُ إِلَى انْتِصَافِ النَّهَارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٦٧
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ، مِثْلَهُ، قَالَ: «وَكَانَ يَقْضِي، قَالَ: قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِكَ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ»
١٨ / ٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] يَعْنِي مَجْلِسَهُ»
١٨ / ٦٨
وَقَوْلُهُ ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لِقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْجَوَاهِرِ، وَلَا أَخُونُ فِيهِ. وَقَدْ قِيلَ: أَمِينٌ عَلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ.
١٨ / ٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لِقَوِيُّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] يَقُولُ: قَوِيُّ عَلَى حَمْلِهِ، أَمِينٌ عَلَى فَرْجِ هَذِهِ»
١٨ / ٦٨
قَوْلُهُ: ﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَكَانَ رَجُلًا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اسْمُهُ بُلَيْخَا.
١٨ / ٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَثْمَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ بِشْرٍ، عَنْ ⦗٦٩⦘ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: كَانَ اسْمُهُ بُلَيْخَا»
١٨ / ٦٨
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ»
١٨ / ٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: أَنَا أَنْظُرُ فِي كِتَابِ رَبِّي، ثُمَّ آتِيكَ بِهِ ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: فَتَكَلَّمَ ذَلِكَ الْعَالِمُ بِكَلَامٍ دَخَلَ الْعَرْشُ تَحْتَ الْأَرْضِ حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ»
١٨ / ٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَرَفَةَ، قَالَ: ثني حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: «دَعَا الَّذِي عِنْدَهُ عَلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ: يَا إِلَهَنَا وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَهًا وَاحِدًا، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، ائْتِنِي بِعَرْشِهَا، قَالَ: فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ»
١٨ / ٦٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عَلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَحْسَبُهُ قَالَ: مِنْ بَنِي ⦗٧٠⦘ إِسْرَائِيلَ، كَانَ يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ»
١٨ / ٦٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: الِاسْمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَهُوَ: يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»
١٨ / ٧٠
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ: «قَالَ سُلَيْمَانُ لِمَنْ حَوْلَهُ: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣٨] فَقَالَ عِفْرِيتٌ ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ﴾ [النمل: ٣٩] قَالَ سُلَيْمَانُ: أُرِيدُ أَعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ، يَعْنِي اسْمَ اللَّهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ»
١٨ / ٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: «﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ، وَإِنِّي عَلَيْهِ لِقَوِيُّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] لَا آتِيكَ بِغَيْرِهِ، أَقُولُ غَيْرُهُ أُمَثِّلُهُ لَكَ. قَالَ: وَخَرَجَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ عَابِدٌ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ، فَلَمَّا سَمِعَ الْعِفْرِيتَ قَالَ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، فَإِذَا هُوَ يُحْمَلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَقَرَأَ: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ ⦗٧١⦘ فَضْلِ رَبِّي﴾ [النمل: ٤٠] . . حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾»
١٨ / ٧٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْإِنْسِ»
١٨ / ٧١
قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ: عَلِمَ اسْمَ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ، كَانَ آصَفَ
١٨ / ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: «﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ [النمل: ٣٩] لِسُلَيْمَانَ ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ، وَإِنِّي عَلَيْهِ لِقَوِيُّ أَمِينٌ﴾ [النمل: ٣٩] فَزَعَمُوا أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ قَالَ: أَبْتَغِي أَعْجَلَ مِنْ هَذَا، فَقَالَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا، وَكَانَ صِدِّيقًا يَعْلَمُ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ الَّذِي إِذَا دُعِيَ اللَّهُ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى: أَنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ»
١٨ / ٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ مَنْ كَانَ مِنْكَ عَلَى مَدِّ الْبَصَرِ.
١٨ / ٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني إِبْرَاهِيمُ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي ⦗٧٢⦘ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ أَقْصَى مَنْ تَرَى، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠]»
١٨ / ٧١
قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: قَالَ غَيْرُ قَتَادَةَ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَبْلَ أَنْ يَأْتِيكَ الشَّخْصُ مِنْ مَدِّ الْبَصَرِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ طَرْفُكَ مَدَاهُ وَغَايَتُهُ.
١٨ / ٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] تَمُدَّ عَيْنَيْكَ فَلَا يَنْتَهِي طَرْفُكَ إِلَى مَدَاهُ حَتَّى أُمَثِّلَهُ بَيْنَ يَدَيْكَ. قَالَ: ذَلِكَ أُرِيدُ»
١٨ / ٧٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَثَّامٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ، قَالَ: «ارْفَعْ طَرْفَكَ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ طَرْفُهُ حَتَّى وُضِعَ الْعَرْشُ بَيْنَ يَدَيْهِ»
١٨ / ٧٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: مَدُّ بَصَرِهِ»
١٨ / ٧٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: إِذَا مَدَّ الْبَصَرَ حَتَّى يُرَدَّ الطَّرْفُ خَاسِئًا»
١٨ / ٧٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] قَالَ: إِذَا مَدَّ الْبَصَرَ حَتَّى يُحْسَرَ الطَّرْفُ». قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْكَ طَرْفُكَ مِنْ أَقْصَى أَثَرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿يَرْتَدَّ إِلَيْكَ﴾ [النمل: ٤٠] يَرْجِعُ إِلَيْكَ الْبَصَرُ، إِذَا فُتِحَتِ الْعَيْنُ غَيْرُ رَاجِعٍ، بَلْ إِنَّمَا يَمْتَدُّ مَاضِيًا إِلَى أَنْ يَتَنَاهَى مَا امْتَدَّ نُورُهُ. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ إِنَّمَا أَخْبَرَنَا عَنْ قَائِلِ ذَلِكَ ﴿أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ﴾ [النمل: ٤٠] لَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نَقُولَ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ رَاجِعًا ﴿إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ [النمل: ٤٠] مِنْ عِنْدِ مُنْتَهَاهُ.
١٨ / ٧٣
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًا عِنْدَهُ﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ: فَلَمَّا رَأَى سُلَيْمَانُ عَرْشَ مَلِكَةِ سَبَأَ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ. وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتَغْنَى بِدَلَالَةِ مَا ظَهْرَ عَمَّا تَرَكَ، وَهُوَ: فَدَعَا اللَّهَ، فَأَتَى بِهِ؛ فَلَمَّا رَآهُ سُلَيْمَانُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ. وَذُكِرَ أَنَّ الْعَالِمَ دَعَا اللَّهَ، فَغَارَ الْعَرْشُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ بِهِ، ثُمَّ نَبَعَ مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ.
١٨ / ٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ آصَفَ بْنَ بَرْخَيَا تَوَضَّأَ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، امْدُدْ عَيْنَكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَرْفُكَ، فَمَدَّ سُلَيْمَانُ عَيْنَهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ نَحْوَ الْيَمَنِ، وَدَعَا آصَفُ فَانْخَرَقَ بِالْعَرْشِ مَكَانَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ، ثُمَّ نَبَعَ بَيْنَ يَدَيْ سُلَيْمَانَ ﴿فَلَمَّا رَآهُ﴾ [النمل: ٤٠] سُلَيْمَانُ ﴿مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي﴾ [النمل: ٤٠] . . الْآيَةَ “
١٨ / ٧٤
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «نَبَعَ عَرْشُهَا مِنْ تَحْتِ الْأَرْضِ»
١٨ / ٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ: هَذَا الْبَصَرُ وَالتَّمَكُّنُ وَالْمُلْكُ وَالسُّلْطَانُ الَّذِي أَنَا فِيهِ حَتَّى حُمِلَ إِلَيَّ عَرْشُ هَذِهِ فِي قَدْرِ ارْتِدَادِ الطَّرْفِ مِنْ مَأْرِبَ إِلَى الشَّامِ، مِنْ فَضْلِ رَبِّي الَّذِي أَفْضَلَهُ عَلِيَّ وَعَطَائِهِ الَّذِي جَادَ بِهِ عَلَيَّ ﴿لِيَبْلُوَنِي﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ: لِيَخْتَبِرَنِي وَيَمْتَحِنَنِي، أَأَشْكُرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيَّ، أَمْ أَكْفُرَ نِعْمَتَهُ عَلَيَّ بِتَرْكِ الشُّكْرِ لَهُ؟ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَاهُ: أَأَشْكُرُ عَلَى عَرْشِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ إِذْ أُتِيتُ بِهِ، أَمْ أَكْفُرُ إِذْ رَأَيْتُ مَنْ هُوَ دُونِي فِي الدُّنْيَا أَعْلَمَ مِنِّي؟
١٨ / ٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ ⦗٧٥⦘ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ﴾ [النمل: ٤٠] عَلَى السَّرِيرِ إِذْ أُتَيْتُ بِهِ ﴿أَمْ أَكْفُرُ﴾ [النمل: ٤٠] إِذْ رَأَيْتُ مَنْ هُوَ دُونِي فِي الدُّنْيَا أَعْلَمَ مِنِّي؟»
١٨ / ٧٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ: وَمَنْ شَكَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَفَضْلَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّمَا يَشْكُرُ طَلَبَ نَفْعِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْفَعُ بِذَلِكَ غَيْرَ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى شُكْرِهِ تَعْرِيضًا مِنْهُ لَهُمْ لِلنَّفْعِ، لَا لِاجْتِلَابٍ مِنْهُ بِشُكْرِهِمْ إِيَّاهُ نَفْعًا إِلَى نَفْسِهِ، وَلَا دَفْعَ ضُرٍّ عَنْهَا.
١٨ / ٧٥
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ [النمل: ٤٠] يَقُولُ: وَمَنْ كَفَرَ نِعَمَهُ وَإِحْسَانَهُ إِلَيْهِ، وَفَضْلَهُ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ ظَلَمَ، وَحَظَّهَا بَخَسَ، وَاللَّهُ غَنِيُّ عَنْ شُكْرِهِ، لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَيْهِ، لَا يَضُرُّهُ كُفْرَ مَنْ كَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ، كَرِيمٌ، وَمِنْ كَرَمِهِ إِفْضَالُهُ عَلَى مَنْ يَكْفُرُ نِعَمَهُ، وَيَجْعَلُهَا وَصِلَةً يَتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى مَعَاصِيهِ.
١٨ / ٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ سُلَيْمَانُ لَمَّا أَتَى عَرْشُ بِلْقِيسَ صَاحِبَةِ سَبَأَ وَقَدِمْتُ هِيَ عَلَيْهِ لِجُنْدِهِ: غَيِّرُوا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ سَرِيرَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ⦗٧٦⦘ قَوْلَهُ: «﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: غَيِّرُوا»
١٨ / ٧٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «فَلَمَّا أَتَتْهُ ﴿قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: وَتَنْكِيرُ الْعَرْشِ أَنَّهُ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ»
١٨ / ٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: غَيِّرُوهُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ
١٨ / ٧٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: مَجْلِسَهَا الَّذِي تَجْلِسُ فِيهِ»
١٨ / ٧٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ، أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ: «﴿نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا﴾ [النمل: ٤١] أَمَرَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا فِيهِ، وَيَنْقُصُوا مِنْهُ»
١٨ / ٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ [النمل: ٤١] يَقُولُ: نَنْظُرْ أَتَعْقِلُ فَتُثْبِتَ عَرْشَهَا أَنَّهُ هُوَ الَّذِي لَهَا ﴿أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] يَقُولُ: مِنَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ فَلَا تُثْبِتُ عَرْشَهَا. وَقِيلَ: إِنَّ سُلَيْمَانَ إِنَّمَا نَكَّرَ لَهَا عَرْشَهَا، وَأَمَرَ بِالصَّرْحِ يُعْمَلُ لَهَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ⦗٧٧⦘ الشَّيَاطِينَ كَانُوا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا عَقْلَ لَهَا، وَأَنَّ رِجْلَهَا كَحَافِرِ حِمَارٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ صِحَّةَ مَا قِيلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: زِيدَ فِي عَرْشِهَا وَنُقِصَ مِنْهُ، لَيَنْظُرَ إِلَى عَقْلِهَا، فَوُجِدَتْ ثَابِتَةَ الْعَقْلِ»
١٨ / ٧٧
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ [النمل: ٤١] أَتَعْرِفُهُ»
١٨ / ٧٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثني وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي﴾ [النمل: ٤١] قَالَ: تَعْرِفُهُ»
١٨ / ٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: «﴿أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ﴾ [النمل: ٤١] أَيْ أَتَعْقِلُ، أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ؟ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَيَنْظُرَ أَتَعْرِفُهُ، أَمْ لَا تَعْرِفُهُ؟»
١٨ / ٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ، قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ، وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَمَّا جَاءَتْ صَاحِبَةُ سَبَأَ سُلَيْمَانَ، أَخْرَجَ لَهَا عَرْشَهَا، فَقَالَ لَهَا: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾ [النمل: ٤٢]؟ قَالَتْ وَشَبَّهَتْهُ بِهِ: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢] . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: «لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ وَكَلَّمَتْهُ أَخْرَجَ لَهَا عَرْشَهَا، ثُمَّ قَالَ: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢]»
١٨ / ٧٨
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: «﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢] قَالَ: شَبَّهَتْهُ، وَكَانَتْ قَدْ تَرَكَتْهُ خَلْفَهَا»
١٨ / ٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ أَبِي يُحَدِّثُنَا هَذَا الْحَدِيثَ كُلَّهُ، يَعْنِي حَدِيثَ سُلَيْمَانَ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ، «﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾ [النمل: ٤٢] شَكَّتْ»
١٨ / ٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا﴾ [النمل: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ سُلَيْمَانَ، ⦗٧٩⦘ وَقَالَ سُلَيْمَانُ: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا﴾ [النمل: ٤٢] أَيْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِاللَّهِ وَبِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٤٢] لِلَّهِ مِنْ قَبْلِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: «﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا﴾ [النمل: ٤٢] قَالَ: سُلَيْمَانُ يَقُولُهُ». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ
١٨ / ٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [النمل: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنَعَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ صَاحِبَةَ سَبَأَ ﴿مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٣]، وَذَلِكَ عِبَادَتُهَا الشَّمْسَ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ / ٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿⦗٨٠⦘ وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٣] قَالَ: كَفْرُهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ غَيْرِ الْوَثَنِ أَنْ تَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ»
١٨ / ٧٩
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٣] قَالَ: كُفْرُهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ، صَدَّهَا أَنْ تَهْتَدِيَ لِلْحَقِّ». وَلَوْ قِيلَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّهَا سُلَيْمَانُ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، بِمَعْنَى: مَنَعَهَا وَحَالَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، كَانَ وَجْهًا حَسَنًا. وَلَوْ قِيلَ أَيْضًا: وَصَدَّهَا اللَّهُ ذَلِكَ بِتَوْفِيقِهَا لِلْإِسْلَامِ، كَانَ أَيْضًا وَجْهًا صَحِيحًا.
١٨ / ٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾ [النمل: ٤٣] يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ كَافِرَةً مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. وَكُسِرَتِ الْأَلْفُ مِنْ قَوْلِهِ «إِنَّهَا» عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَمَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَهُ: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [النمل: ٤٣] التَّأْوِيلَ الَّذِي تَأَوَّلْنَا، كَانَتْ «مَا» مِنْ قَوْلِهِ ﴿مَا كَانَتْ تَعْبُدُ﴾ [النمل: ٤٣] فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالصَّدِّ، لِأَنَّ الْمَعْنَى فِيهِ لَمْ يَصُدَّهَا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ جَهْلُهَا، وَأَنَّهَا لَا تَعْقِلُ، إِنَّمَا صَدَّهَا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عِبَادَتُهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ دِينِ قَوْمِهَا وَآبَائِهَا، فَاتَّبَعَتْ فِيهِ آثَارَهُمْ. وَمَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ كَانَتْ «مَا» فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ.
١٨ / ٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ، قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَأَسْلَمْتُ مَعَ ⦗٨١⦘ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [النمل: ٤٤] ذُكِرَ أَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا أَقْبَلَتْ صَاحِبَةُ سَبَأَ تُرِيدُهُ، أَمَرَ الشَّيَاطِينَ فَبَنَوْا لَهُ صَرْحًا، وَهُوَ كَهَيْئَةِ السَّطْحِ مِنْ قَوَارِيرَ، وَأَجْرَى مِنْ تَحْتِهِ الْمَاءَ لِيَخْتَبِرَ عَقْلَهَا بِذَلِكَ، وَفَهْمَهَا عَلَى نَحْوِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُ هِيَ مِنْ تَوْجِيهِهَا إِلَيْهِ الْوَصَائِفَ وَالْوُصَفَاءَ لِيَمِيزَ بَيْنَ الذُّكُورِ مِنْهُمْ وَالْإِنَاثِ مُعَاتَبَةً بِذَلِكَ كَذَلِكَ.
١٨ / ٨٠