سُورَةُ السَّجْدَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَلَاثُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ ‏/ ٥٨٩
قَوْلُهُ: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ﴾ [السجدة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، لَا شَكَّ فِيهِ ﴿مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦١] يَقُولُ: مَنْ رَبِّ الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، كَمَا:
١٨ ‏/ ٥٨٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثنا يَزِيدُ قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ: «﴿الم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [السجدة: ٢] لَا شَكَّ فِيهِ». وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَيْسَ بِشَعْرٍ وَلَا سَجْعِ كَاهِنٍ، وَلَا هُوَ مِمَّا تَخَرَّصَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَإِنَّمَا كَذَّبَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بَكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الفرقان: ٥]، وَقَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤]
١٨ ‏/ ٥٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [يونس: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ: اخْتَلَقَ هَذَا الْكِتَابَ مُحَمَّدٌ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَتَكَذَّبَهُ؛ وَ«أَمْ» هَذِهِ تَقْرِيرٌ، وَقَدْ بَيَّنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا اعْتَرَضَتْ بِالِاسْتِفْهَامِ فِي أَضْعَافِ كَلَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ أَنْ يَسْتَفْهِمَ بِـ: أَمْ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: وَيَقُولُونَ. وَقَالَ: أَمْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، بِمَعْنَى: بَلْ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ، ثُمَّ أَكْذَبَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَقَالَ: مَا هُوَ كَمَا تَزْعُمُونَ وَتَقُولُونَ، مِنْ أَنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ، بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ، أَنْزَلَهُ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا بَأْسَ اللَّهِ وَسَطْوَتَهُ، أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ ﴿مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [القصص: ٤٦] يَقُولُ: لَمْ يَأْتِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ أَرْسَلَكَ رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ قَوْمُهُ مِنْ قُرَيْشٍ، نَذِيرٌ يُنْذِرُهُمْ بَأْسَ اللَّهِ عَلَى كُفْرِهِمْ قَبْلَكَ. وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [الأنبياء: ٣١] يَقُولُ: لِيَتَبَيَّنُوا سَبِيلَ الْحَقِّ فَيَعْرِفُوهُ وَيُؤْمِنُوا بِهِ. وَبِمِثْلِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [السجدة: ٣] قَالَ: كَانُوا أُمَّةً أُمِّيَّةً، لَمْ يَأْتِهِمْ نَذِيرٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ ﷺ»
١٨ ‏/ ٥٩٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي ⦗٥٩١⦘ سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْمَعْبُودُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ أَيُّهَا النَّاسُ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ مِنْ خَلْقٍ ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ [الأعراف: ٥٤] ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ بَعْدَ خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا. كَمَا:
١٨ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ. يَقُولُ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِلَهٌ إِلَّا مَنْ فَعَلَ هَذَا الْفِعْلَ، وَخَلَقَ هَذَا الْخَلْقَ الْعَجِيبَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ»
١٨ ‏/ ٥٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ﴾ [السجدة: ٤] يَقُولُ: مَا لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ دُونَهُ وَلِيٌّ يَلِي أَمْرَكُمْ وَيَنْصُرُكُمْ مِنْهُ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا، وَلَا شَفِيعَ يَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَهُ إِنْ هُوَ عَاقَبَكُمْ عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ، يَقُولُ: فَإِيَّاهُ فَاتَّخِذُوا وَلِيًّا، وَبِهِ وَبِطَاعَتِهِ فَاسْتَعِينُوا عَلَى أُمُورِكُمْ، فَإِنَّهُ يَمْنَعُكُمْ إِذَا أَرَادَ مَنْعَكُمْ مِمَّنْ أَرَادَكُمْ بِسُوءٍ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ عَمَّا أَرَادَ بِكُمْ هُوَ، لِأَنَّهُ لَا يَقْهَرُهُ قَاهِرٌ، وَلَا يَغْلِبُهُ غَالِبٌ ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [الأنعام: ٨٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ وَتَتَفَكَّرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ دُونَهُ وَلِيُّ وَلَا شَفِيعٌ، فَتُفْرِدُوا لَهُ الْأُلُوهَةَ، وَتُخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، وَتَخْلَعُوا مَا دُونَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ.
١٨ ‏/ ٥٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥]⦗٥٩٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ خَلْقِهِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَيَصْعَدُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَقَدْرُ ذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، لِأَنَّ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ، وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ.
١٨ ‏/ ٥٩١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة: ٥] يَعْنِي بِذَلِكَ نُزُولَ الْأَمْرِ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، وَمِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، لِأَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ»
١٨ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ﴾ [السجدة: ٥] إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] يَقُولُ: مِقْدَارُ مَسِيرِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِكُمْ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ نُزُولُهُ، وَخَمْسُ مِائَةٍ صُعُودُهُ، فَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ»
١٨ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿ثُمَّ يَعْرُجُ ⦗٥٩٣⦘ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْزِلُ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ هَذِهِ، وَهُوَ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ»
١٨ ‏/ ٥٩٢
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا»
١٨ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي الْحَارِثِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ﴾ [السجدة: ٥] إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِكُمْ هَذِهِ، مَسِيرَةُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ خَمْسُ مِائَةِ عَامٍ»
١٨ ‏/ ٥٩٣
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: «تَنْحَدِرُ الْأُمُورُ وَتَصْعَدُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، مِقْدَارُهُ أَلْفُ سَنَةٍ، خَمْسُ مِائَةٍ حَتَّى يَنْزِلَ، وَخَمْسُ مِائَةٍ حَتَّى يَعْرُجَ» . وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهِنَّ الْخَلْقَ، كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِكُمْ.
١٨ ‏/ ٥٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: ذَلِكَ مِقْدَارُ الْمَسِيرِ، قَوْلُهُ ﴿كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧]، قَالَ: خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، وَكُلُّ يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ أَنْتُمْ»
١٨ ‏/ ٥٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: السِّتَّةُ الْأَيَّامُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ»
١٨ ‏/ ٥٩٤
حَدَّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] يَعْنِي هَذَا الْيَوْمَ مِنَ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهِنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بِالْمَلَائِكَةِ، تَمَّ تَعْرُجُ إِلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿ثُمَّ يَعْرُجُ﴾ [السجدة: ٥] إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ: هَذَا ⦗٥٩٥⦘ فِي الدُّنْيَا، تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ»
١٨ ‏/ ٥٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: «﴿يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ التَّدْبِيرِ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ذَلِكَ التَّدْبِيرُ الَّذِي دَبَّرَهُ.
١٨ ‏/ ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: ذُكِرَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: «يَقْضِي أَمْرَ كُلِّ شَيْءٍ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى تَمْضِيَ أَلْفُ سَنَةٍ، ثُمَّ يَقْضِي أَمْرَ كُلِّ شَيْءٍ أَلْفًا، ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا، قَالَ: ﴿يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ: الْيَوْمُ أَنْ يُقَالَ لِمَا يَقْضِي إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَلْفَ سَنَةٍ: كُنْ فَيَكُونُ، وَلَكِنْ سَمَّاهُ يَوْمًا، سَمَّاهُ كَمَا بَيَّنَا كُلَّ ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [الحج: ٤٧] قَالَ: هُوَ هُوَ سَوَاءً». ⦗٥٩٦⦘ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَى اللَّهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ، مِقْدَارُ الْعُرُوجِ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.
١٨ ‏/ ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [السجدة: ٥] قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مِقْدَارُ مَا بَيْنَ الْأَرْضِ حِينَ يُعْرَجُ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ عُرُوجَهُ أَلْفُ سَنَةٍ، هَذَا مِقْدَارُ ذَلِكَ الْمِعْرَاجِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ يَعْرُجُ فِيهِ». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ، كَانَ مِقْدَارُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي عُرُوجِ ذَلِكَ الْأَمْرِ إِلَيْهِ وَنُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ مِنْ أَيَّامِكُمْ، خَمْسُ مِائَةٍ فِي النُّزُولِ، وَخَمْسُ مِائَةٍ فِي الصَّعُودِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ، وَأَشْبَهُهَا بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [السجدة: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي يَفْعَلُ مَا وَصَفْتُ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ، يَعْنِي عَالِمَ مَا يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، فَلَا تُبْصِرُونَهُ مِمَّا تُكِنُّهُ الصُّدُورُ، وَتُخْفِيهِ النُّفُوسُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ، ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣] يَعْنِي مَا شَاهَدَتْهُ الْأَبْصَارُ فَأَبْصَرَتْهُ وَعَايَنَتْهُ، وَمَا هُوَ مَوْجُودٌ ﴿الْعَزِيزُ﴾ [البقرة: ١٢٩] يَقُولُ: ⦗٥٩٧⦘ الشَّدِيدُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنْ كَفَرَ بِهِ، وَأَشْرَكَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَكَذَّبَ رُسُلَهُ ﴿الرَّحِيمُ﴾ [الفاتحة: ١] بِمَنْ تَابَ مِنْ ضَلَالَتِهِ، وَرَجَعَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، أَنْ يُعَذِّبَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ.
١٨ ‏/ ٥٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) بِسُكُونِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] بِفَتْحِ اللَّامِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ، وَأَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ وَأَحْكَمَهُ.
١٨ ‏/ ٥٩٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِشْكَابُ قَالَ: ثنا شَرِيكٌ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] قَالَ: أَمَا إِنَّ اسْتَ الْقِرْدِ لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ، وَلَكِنْ أَحْكَمَ خَلْقَهَا»
١٨ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبُو النَّضْرِ قَالَ: ثنا أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ، عَنْ ⦗٥٩٨⦘ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: «﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] قَالَ: أَمَا إِنَّ اسْتَ الْقِرْدِ لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ، وَلَكِنَّهُ أَحْكَمَهَا»
١٨ ‏/ ٥٩٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] قَالَ: أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ»
١٨ ‏/ ٥٩٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: ٨٨] أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: الَّذِي حَسَّنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
١٨ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ «﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] حَسَّنَ عَلَى نَحْوِ مَا خَلَقَ»
١٨ ‏/ ٥٩٨
وَذُكِرَ عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «هُوَ مِثْلُ ﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠]، قَالَ: فَلَمْ يَجْعَلْ خَلْقَ الْبَهَائِمِ فِي خَلْقِ النَّاسِ، وَلَا خَلْقَ النَّاسِ فِي خَلْقِ الْبَهَائِمِ، وَلَكِنْ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَعْلَمَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا تَأْوِيلَ ⦗٥٩٩⦘ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ أَلَهَمَ خَلْقَهُ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ ﴿أَحْسَنَ﴾ [السجدة: ٧] إِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: فُلَانٌ يُحْسِنُ كَذَا، إِذَا كَانَ يَعْلَمُهُ.
١٨ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] قَالَ: أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، قَالَ: الْإِنْسَانُ إِلَى الْإِنْسَانِ، وَالْفَرَسُ لِلْفَرَسِ، وَالْحِمَارُ لِلْحِمَارِ». وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ، الْخَلْقُ وَالْكُلُّ مَنْصُوبَانِ بِوُقُوعِ أَحْسَنَ عَلَيْهِمَا. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: ٧] بِفَتْحِ اللَّامِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ أَحْكَمَ وَأَتْقَنَ، لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إِذْ قُرِئَ كَذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ وَجْهَيْنِ: إِمَّا هَذَا الَّذِي قُلْنَا مِنْ مَعْنَى الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ، أَوْ مَعْنَى التَّحْسِينِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْجَمَالِ وَالْحُسْنِ؛ فَلَمَّا كَانَ فِي خَلْقِهِ مَا لَا يُشَكُّ فِي قُبْحِهِ وَسَمَاجَتِهِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِهِ أَنَّهُ أَحْسَنَ كُلَّ مَا خَلَقَ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْكَمَهُ وَأَتْقَنَ صَنْعَتَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُخْرَى الَّتِي هِيَ بِتَسْكِينِ اللَّامِ، فَإِنَّ أَوْلَى تَأْوِيلَاتِهِ بِهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَعْلَمَ وَأَلْهَمَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ، هُوَ أَحْسَنَهُمْ، كَمَا قَالَ ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥٠] لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيِهِ. وَأَمَّا الَّذِي وَجَّهَ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: الَّذِي أَحْسَنَ خَلْقَ كُلِّ شَيْءٍ، فَإِنَّهُ ⦗٦٠٠⦘ جَعَلَ الْخَلْقَ نَصَبًا بِمَعْنَى التَّفْسِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقًا مِنْهُ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُوَ مِنَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، وَيُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّهُ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَظَعْنِي إِلَيْكِ اللَّيْلَ حِضْنَيْهِ إِنَّنِي … لِتِلْكَ إِذَا هَابَ الْهِدَانُ فَعُولُ
يَعْنِي: وَظَعْنِي حِضْنَيِ اللَّيْلِ إِلَيْكِ؛ ونظيرُ قَوْلِ الْآخَرِ:
[البحر البسيط] كَأَنَّ هِنْدًا ثَنَايَاهَا وَبَهْجَتَهَا … يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى أَدْحَالِ دَبَّابِ
أَيْ كَأَنَّ ثَنَايَا هِنْدٍ وَبَهْجَتَهَا.
١٨ ‏/ ٥٩٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَبَدَأَ خَلْقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ [السجدة: ٨] يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ ﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] يَقُولُ: مِنَ الْمَاءِ الَّذِي انْسَلَّ فَخَرَجَ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي مِنْ إِرَاقَةٍ مِنْ مَائِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] فَجَاءَتْ بِهِ عَضْبَ الْأَدِيمِ غَضَنْفَرًا … سُلَالَةَ فَرْجٍ كَانَ غَيْرَ حَصِينِ
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] يَقُولُ: مَنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفَةٍ رَقِيقَةٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ ⦗٦٠١⦘ مِنْ طِينٍ﴾ [السجدة: ٧] وَهُوَ خَلْقُ آدَمَ، ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ﴾ [السجدة: ٨]: أَيْ ذُرِّيَّتَهُ ﴿مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] وَالسُّلَالَةُ هِيَ الْمَاءُ الْمَهِينُ الضَّعِيفُ»
١٨ ‏/ ٦٠٠
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿مِنْ سُلَالَةٍ﴾ [المؤمنون: ١٢] قَالَ: صَفْوُ الْمَاءِ»
١٨ ‏/ ٦٠١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ﴾ [السجدة: ٨] قَالَ: ضَعِيفٌ، نُطْفَةُ الرَّجُلِ». وَمَهِينٌ: فَعِيلٌ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: مَهُنَ فُلَانٌ، وَذَلِكَ إِذَا زَلَّ وَضَعُفَ
١٨ ‏/ ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ سَوَّى الْإِنْسَانَ الَّذِي بَدَأَ خَلْقَهُ مِنْ طِينٍ خَلْقًا سَوِيًّا مُعْتَدِلًا، ﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ﴾ [السجدة: ٩] فَصَارَ حَيًّا نَاطِقًا ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [السجدة: ٩] يَقُولُ: وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ رَبُّكُمْ بِأَنْ أَعْطَاكُمُ السَّمْعَ تَسْمَعُونَ بِهِ الْأَصْوَاتَ، وَالْأَبْصَارَ تُبْصِرُونَ بِهَا الْأَشْخَاصَ، وَالْأَفْئِدَةَ تَعْقِلُونَ بِهَا الْخَيْرَ مِنَ السُّوءِ، لِتَشْكُرُوهُ عَلَى مَا وَهَبَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٦٠١
وَقَوْلُهُ: ﴿قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ١٠] يَقُولُ: وَأَنْتُمْ تَشْكُرُونَ قَلِيلًا مِنَ الشُّكْرِ رَبَّكُمْ عَلَى مَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ.
١٨ ‏/ ٦٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ: ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] أَيْ صَارَتْ لُحُومُنَا وَعِظَامُنَا تُرَابًا فِي الْأَرْضِ، وَفِيهَا لُغَتَانِ: ضَلَلْنَا، وَضَلِلْنَا، بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، وَالْقِرَاءَةُ عَلَى فَتْحِهَا، وَهِيَ الْجَوْدَاءُ، وَبِهَا نَقْرَأُ، وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: (أَئِذَا صَلَلْنَا)، بِالصَّادِ، بِمَعْنَى: أَنْتَنَّا، مِنْ قَوْلِنَا: صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ: إِذَا أَنْتَنَ، وَإِنَّمَا عَنَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] أَيْ إِذَا هَلَكَتْ أَجْسَادُنَا فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ حَتَّى خَفِيَ فِيمَا غَلَبَ، فَإِنَّهُ قَدْ ضَلَّ فِيهِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَدْ ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ: إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَتَبَيَّنَ فِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَخْطَلِ لِجَرِيرٍ:
[البحر الكامل] كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ … قَذَفَ الْأَتِيُّ بِهِ فَضَلَّ ضَلَالَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] يَقُولُ: أَئِذَا هَلَكْنَا». حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] هَلَكْنَا
١٨ ‏/ ٦٠٣
حُدِّثَنَا عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ [السجدة: ١٠] يَقُولُ: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَنُبْعَثُ خَلْقًا جَدِيدًا؟ يَكْفُرُونَ بِالْبَعْثِ»
١٨ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] قَالَ: قَالُوا: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا؟»
١٨ ‏/ ٦٠٣
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ﴾ [السجدة: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ جُحُودُ قُدْرَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ، حَذَرًا لِعِقَابِهِ، وَخَوْفَ مُجَازَاتِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ، فَهُمْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَجْحَدُونَ لِقَاءَ رَبِّهِمْ فِي الْمَعَادِ.
١٨ ‏/ ٦٠٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ⦗٦٠٤⦘﴾ [السجدة: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ: ﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: ١١] يَقُولُ: يَسْتَوْفِي عَدَدَكُمْ بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ ﴿الَّذِي وُكِّلَ﴾ [السجدة: ١١] بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز] إِنَّ بَنِي الْأَدْرَمِ لَيْسُوا مِنْ أَحَدْ … وَلَا تَوَفَّاهُمْ قُرَيْشٌ فِي الْعَدَدْ
١٨ ‏/ ٦٠٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾ [السجدة: ١١] قَالَ: مَلَكُ الْمَوْتِ يَتَوَفَّاكُمْ، وَمَعَهُ أَعْوَانٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ»
١٨ ‏/ ٦٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَوْلُهُ «﴿يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ﴾ [السجدة: ١١] قَالَ: حُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ، فَجُعِلَتْ لَهُ مِثْلَ الطَّسْتِ، يَتَنَاوَلُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٦٠٤
﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ [السجدة: ١١] يَقُولُ: مَنْ بَعْدِ قَبْضِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَرْوَاحَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُرَدُّونَ أَحْيَاءً كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ وَفَاتِكُمْ، فَيُجَازَى الْمُحْسِنُ مِنْكُمْ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءُ بِإِسَاءَتِهِ.
١٨ ‏/ ٦٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا، فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ ﴿أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [السجدة: ١٠] إِذْ هُمْ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِمْ، لِلَّذِي سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ مَعَاصِيهِ فِي الدُّنْيَا، يَقُولُونَ: يَا ﴿رَبَّنَا أَبْصَرْنَا﴾ [السجدة: ١٢] مَا كُنَّا نُكَذِّبُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ أَهْلَ مَعَاصِيكَ ﴿وَسَمِعْنَا﴾ [السجدة: ١٢] مِنْكَ تَصْدِيقَ مَا كَانَتْ رُسُلُكَ تَأْمُرُنَا بِهِ فِي الدُّنْيَا، ﴿فَارْجِعْنَا﴾ [السجدة: ١٢] يَقُولُ: فَارْدُدْنَا إِلَى الدُّنْيَا نَعْمَلْ فِيهَا بِطَاعَتِكَ، وَذَلِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ١٢] يَقُولُ: إِنَّا قَدْ أَيْقَنَّا الْآنَ مَا كُنَّا بِهِ فِي الدُّنْيَا جُهَّالًا مِنْ وَحْدَانِيَّتِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْبَدَ سِوَاكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَبٌّ سِوَاكَ، وَأَنَّكَ تُحْيِي وَتُمِيتُ، وَتَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالْفَنَاءِ، وَتَفْعَلُ مَا تَشَاءُ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ: ﴿نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قَوْلُهُ «﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قَالَ: قَدْ حَزِنُوا وَاسْتَحْيُوا»
١٨ ‏/ ٦٠٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا، وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلَ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [السجدة: ١٣]⦗٦٠٦⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْ شِئْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٦] يَا مُحَمَّدُ ﴿لَآتَيْنَا﴾ [السجدة: ١٣] هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ ﴿هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣] يَعْنِي: رُشْدَهَا وَتَوْفِيقَهَا لِلْإِيمَانِ بِاللَّهِ ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة: ١٣] يَقُولُ: وَجَبَ الْعَذَابُ مِنِّي لَهُمْ، وَقَوْلُهُ ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: ١١٩] يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْكُفْرِ بِاللَّهِ مِنْهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣] قَالَ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا، لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ ﴿عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾ [السجدة: ١٣] حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ»
١٨ ‏/ ٦٠٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُقَالُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ إِذَا هُمْ دَخَلُوا النَّارَ: ذُوقُوا عَذَابَ اللَّهِ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي الدُّنْيَا، ﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: ١٤] يَقُولُ: إِنَّا تَرَكْنَاكُمُ الْيَوْمَ فِي النَّارِ.
١٨ ‏/ ٦٠٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ﴾ [السجدة: ١٤] يَقُولُ: يُقَالُ لَهُمْ أَيْضًا: ذُوقُوا عَذَابًا تَخْلُدُونَ فِيهِ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ ﴿بِمَا كُنْتُمْ﴾ [آل عمران: ٧٩] فِي الدُّنْيَا ﴿تَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ٧٤] مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ.
وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: ١٤] قَالَ: نُسُوا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ، وَأَمَّا الشَّرُّ فَلَمْ يُنْسَوْا مِنْهُ»
١٨ ‏/ ٦٠٧
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ [السجدة: ١٤] يَقُولُ: تَرَكْنَاكُمْ»
١٨ ‏/ ٦٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [السجدة: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يُصَدِّقُ بِحُجَجِنَا وَآيَاتِ كِتَابِنَا إِلَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا وَوُعِظُوا ﴿خَرُّوا﴾ [مريم: ٥٨] لِلَّهِ ﴿سُجَّدًا﴾ [البقرة: ٥٨] لِوُجُوهِهِمْ، تَذَلُّلًا لَهُ، وَاسْتِكَانَةً لِعَظَمَتِهِ، وَإِقْرَارًا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ ﴿وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [السجدة: ١٥] يَقُولُ: وَسَبَّحُوا اللَّهَ فِي
١٨ ‏/ ٦٠٧
سُجُودِهِمْ بِحَمْدِهِ، فَيُبَرِّئُونَهُ مِمَّا يَصِفُهُ أَهْلُ الْكُفْرِ بِهِ، وَيُضِيفُونَ إِلَيْهِ مِنَ الصَّاحِبَةِ وَالْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْأَنْدَادِ ﴿وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [النحل: ٤٩] يَقُولُ: يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنِ السُّجُودِ لَهُ وَالتَّسْبِيحِ، لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنِ التَّذَلُّلِ لَهُ وَالِاسْتِكَانَةِ. وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِأَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَخْرُجُونَ مِنَ الْمَسْجِدِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.
١٨ ‏/ ٦٠٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَتَنَحَّى جُنُوبُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ، الَّذِينَ وَصَفْتُ صِفَتَهُمْ، وَتَرْتَفِعُ مِنْ مَضَاجِعِهِمُ الَّتِي يَضْطَجِعُونَ لِمَنَامِهِمْ، وَلَا يَنَامُونَ ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: ١٦] فِي عَفْوِهِ عَنْهُمْ، وَتَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَيُؤَدُّونَ مِنْهُ حُقُوقَ اللَّهِ الَّتِي أَوْجَبَهَا عَلَيْهِمْ فِيهِ. وَ﴿تَتَجَافَى﴾ [السجدة: ١٦]: تَتَفَاعَلُ مِنَ الْجَفَاءِ؛ وَالْجَفَاءُ: النَّبْوُ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز]
١٨ ‏/ ٦٠٨
وَصَاحِبِي ذَاتُ هِبَابٍ دَمْشَقِ … وَابْنُ مِلَاطٍ مُتَجَافٍ أَرْفَقِ
يَعْنِي: أَنَّ كَرَمَهَا سَجِيَّةٌ عَنِ ابْنِ مِلَاطِ. وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِتَجَافِي جُنُوبِهِمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ لِتَرْكِهِمُ الِاضْطِجَاعَ لِلنَّوْمِ شُغْلًا بِالصَّلَاةِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي وَصَفَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، أَنَّ جُنُوبَهُمْ تَتَجَافَى لَهَا عَنِ الْمُضْطَجِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ كَانُوا يُصَلُّونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
١٨ ‏/ ٦٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ، قَالَ: قَالَ قَتَادَةُ، قَالَ أَنَسٌ فِي قَوْلِهِ «﴿كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، وَكَذَلِكَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ»
١٨ ‏/ ٦٠٩
قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ»
١٨ ‏/ ٦٠٩
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
١٨ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: ثنا الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: ثنا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، كَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]
١٨ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: كَانُوا يَتَطَوَّعُونَ فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
١٨ ‏/ ٦١٠
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَنَسٍ، «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»
١٨ ‏/ ٦١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ⦗٦١١⦘، «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قَالَ: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ.
١٨ ‏/ ٦١٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قَالَ: عَنِ الْعَتَمَةِ»
١٨ ‏/ ٦١١
وَذُكِرَ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: «الْعَتَمَةُ» . وَقَالَ آخَرُونَ: لِانْتِظَارِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ.
١٨ ‏/ ٦١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا قِيَامَ اللَّيْلِ.
١٨ ‏/ ٦١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قَالَ: قِيَامُ اللَّيْلِ»
١٨ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُتَهَجِّدُونَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ»
١٨ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: قَوْلُهُ «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، يَقُومُونَ يُصَلُّونَ مِنَ اللَّيْلِ». وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا هَذِهِ صِفَةُ قَوْمٍ لَا تَخْلُو أَلْسِنَتُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
١٨ ‏/ ٦١٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: ١٦]: وَهُمْ قَوْمٌ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ، إِمَّا فِي صَلَاةٍ، وَإِمَّا قِيَامًا، وَإِمَّا قُعُودًا، وَإِمَّا إِذَا اسْتَيْقَظُوا مِنْ مَنَامِهِمْ، هُمْ قَوْمٌ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ»
١٨ ‏/ ٦١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ «﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]، إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَقُولُ: تَتَجَافَى لِذِكْرِ اللَّهِ، كُلَّمَا اسْتَيْقَظُوا ذَكَرُوا اللَّهَ، إِمَّا فِي الصَّلَاةِ، وَإِمَّا فِي قِيَامٍ، أَوْ فِي قُعُودٍ، أَوْ عَلَى جُنُوبِهِمْ، فَهُمْ لَا يَزَالُونَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِأَنَّ جُنُوبَهُمْ تَنْبُو عَنْ مَضَاجِعِهِمْ، شُغْلًا مِنْهُمْ بِدُعَاءِ رَبِّهِمْ وَعِبَادَتِهِ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَذَلِكَ نُبُوُّ جُنُوبِهِمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ لَيْلًا، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ وَصْفِ الْوَاصِفِ رَجُلًا بِأَنَّ جَنْبَهُ نَبَا عَنْ مَضْجَعِهِ، إِنَّمَا هُوَ وَصْفٌ مِنْهُ لَهُ بِأَنَّهُ جَفَا عَنِ النَّوْمِ فِي وَقْتِ مَنَامِ النَّاسِ الْمَعْرُوفِ، وَذَلِكَ اللَّيْلُ دُونَ النَّهَارِ، وَكَذَلِكَ تَصِفُ الْعَرَبُ الرَّجُلَ إِذَا وَصَفَتْهُ بِذَلِكَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه فِي صِفَةِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ:
[البحر الطويل]

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ … إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لَمْ يُخَصِّصْ فِي وَصْفِهِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِالَّذِي وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ جَفَاءِ جُنُوبِهِمْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ مِنْ أَحْوَالِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِهِ حَالًا وَوَقْتًا دُونَ حَالٍ وَوَقْتٍ، كَانَ وَاجِبًا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ آنَاءِ اللَّيْلِ وَأَوْقَاتِهِ، ⦗٦١٤⦘ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ مَنْ صَلَّى مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، أَوِ انْتَظَرَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، أَوْ قَامَ اللَّيْلَ أَوْ بَعْضَهُ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ، أَوْ صَلَّى الْعَتَمَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] لِأَنَّ جَنْبَهُ قَدْ جَفَا عَنْ مَضْجَعِهِ فِي الْحَالِ الَّتِي قَامَ فِيهَا لِلصَّلَاةِ قَائِمًا صَلَّى أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ، أَوْ قَاعِدًا بَعْدَ أَنْ لَا يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَهُوَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَادِرٌ، غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَوْجِيهَ الْكَلَامِ إِلَى أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ قِيَامُ اللَّيْلِ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ، وَالْأَغْلَبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ، وَبِهِ جَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَذَلِكَ مَا:

١٨ ‏/ ٦١٣
حَدَّثَنَا بِهِ ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، يُحَدِّثُ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَقِيَامُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ». وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٦]“. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَالْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ ⦗٦١٥⦘ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٦١٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: ثنا آدَمُ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ قَالَ: ثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِأَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ، وَقِيَامُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]
١٨ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا يَزِيدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: ثنا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فِي قَوْلِهِ ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: «قِيَامُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّيْلِ»
١٨ ‏/ ٦١٥
حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، ⦗٦١٦⦘ عَنْ أَبِي يَحْيَى، بَائِعِ الْقَتِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ حَتَّى تَحَادَرَتْ دُمُوعُهُ، فَقَالَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦]». وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [السجدة: ١٦] . . الْآيَةَ، فَإِنَّ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦١٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [السجدة: ١٦] قَالَ: خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَطَمَعًا فِي رَحْمَةِ اللَّهِ، ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٣] فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَفِي سَبِيلِهِ»
١٨ ‏/ ٦١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسُ ذِي نَفْسٍ مَا أَخْفَى اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ، مِمَّا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُمْ فِي جِنَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] يَقُولُ: ثَوَابًا لَهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ ⦗٦١٧⦘ أَبِي عُبَيْدَةَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: لَقَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ. قَالَ: وَنَحْنُ نَقْرَؤُهَا: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِي لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]»
١٨ ‏/ ٦١٦
حَدَّثَنَا خَلَّادٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ: عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ، فِي الْقُرْآنِ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]»
١٨ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «خُبِّئَ لَهُمْ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بِشْرٍ» . قَالَ سُفْيَانُ: فِيمَا عَلِمْتُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الشَّكِّ
١٨ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ، يَعْنِي اللَّهَ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ نَاظِرٍ ⦗٦١٨⦘ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]»
١٨ ‏/ ٦١٧
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا ابْنُ صَلْتٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَارِثِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ: لِلَّذِينَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ مِنَ الْكَرَامَةِ مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَإِنَّهُ لَفِي الْقُرْآنِ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧]
١٨ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبْجَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ، يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ: إِنَّ مُوسَى ﷺ سَأَلَ عَنْ أَبْخَسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا حَظًّا، فَقِيلَ لَهُ: رَجُلٌ أُتِيَ بِهِ وَقَدْ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ، فَيَقُولُ: أَيْنَ وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ: اعْدُدْ أَرْبَعَةَ مُلُوكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا، فَيَكُونُ لَكَ مِثْلُ الَّذِي كَانَ لَهُمْ، وَلَكَ أُخْرَى شَهْوَةُ نَفْسِكَ، فَيَقُولُ: أَشْتَهِي كَذَا وَكَذَا، وَأَشْتَهِي كَذَا؛ وَقَالَ: لَكَ أُخْرَى، لَكَ لَذَّةُ عَيْنِكَ، فَيَقُولُ: أَلَذُّ كَذَا وَكَذَا، فَيُقَالُ: لَكَ عَشْرَةُ أَضْعَافِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَعْظَمِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا حَظًّا، فَقَالَ: ذَاكَ شَيْءٌ خَتَمْتُ عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَإِنَّهُ فِي الْقُرْآنِ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]
١٨ ‏/ ٦١٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا الْحُمَيْدِيُّ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَدَّثَنِي بِهِ الْقَرْقَسَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، وَابْنِ أَبْجَرَ، سَمِعْنَا الشَّعْبِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ، عَلَى الْمِنْبَرِ يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ: «إِنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ: أَيْ رَبِّ، أَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَدْنَى مَنْزِلَةً؟ قَالَ: رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَمَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلْ، فَيَقُولُ: كَيْفَ أَدْخَلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنَازِلَهُمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مَا كَانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: بَخٍ، أَيْ رَبِّ قَدْ رَضِيتُ فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ أَيْ رَبِّ، رَضِيتُ، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ أَيْ رَبِّ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَعَ هَذَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ؛ قَالَ: فَقَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ، وَأَيُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْفَعُ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: إِيَّاهَا أَرَدْتَ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْهُمْ؛ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، قَالَ: وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]»
١٨ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّوسِيُّ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ [هود: ٧]، وَكَانَ عَرْشُ اللَّهِ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جَنَّةً، ثُمَّ اتَّخَذَ دُونَهَا أُخْرَى، ثُمَّ أَطْبَقَهَا بِلُؤْلُؤَةٍ ⦗٦٢٠⦘ وَاحِدَةٍ؛ قَالَ: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن: ٦٢]؛ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ، أَوْ قَالَ: هُمَا الَّتِي ﴿لَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ قَالَ: وَهِيَ الَّتِي لَا تَعْلَمُ الْخَلَائِقُ مَا فِيهَا، أَوْ مَا فِيهِمَا، يَأْتِيهِمْ كُلَّ يَوْمٍ مِنْهَا أَوْ مِنْهُمَا تُحْفَةٌ». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٦١٩
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ الْهَوْزَنِيِّ، أَوْ غَيْرِهِ قَالَ: «الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ، أَوَّلُهَا دَرَجَةٌ فِضَّةٌ، أَرْضُهَا فِضَّةٌ، وَمَسَاكِنُهَا فِضَّةٌ، وَآنِيَتُهَا فِضَّةٌ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَالثَّانِيَةُ ذَهَبٌ، وَأَرْضُهَا ذَهَبٌ، وَمَسَاكِنُهَا ذَهَبٌ، وَآنِيَتُهَا ذَهَبٌ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَالثَّالِثَةُ لُؤْلُؤٌ، وَأَرْضُهَا لُؤْلُؤٌ، وَمَسَاكِنُهَا لُؤْلُؤٌ، وَآنِيَتُهَا لُؤْلُؤٌ، وَتُرَابُهَا الْمِسْكُ. وَسَبْعٌ وَتِسْعُونَ بَعْدَ ذَلِكَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْهُ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْهُ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]»
١٨ ‏/ ٦٢٠
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ». وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ قَوْلَ اللَّهِ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]
١٨ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَابْنُ نُمَيْرٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَمَنْ بَلِهَ مَا أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَقْرَءُوهَا: «قُرَّاتِ أَعْيُنٍ»
١٨ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنِ الْغِطْرِيفِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، عَنِ الرُّوحِ الْأَمِينِ، قَالَ: «يُؤْتَى بِحَسَنَاتِ الْعَبْدِ وَسَيِّئَاتِهِ، فَيُنْقِصُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، فَإِنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ ⦗٦٢٢⦘ وَاحِدَةٌ، وَسَّعَ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ» قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَى يَزْدَادَ، فَحَدَّثَ بِمِثْلِ هَذَا؛ قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ ذَهَبَتِ الْحَسَنَةُ؟ قَالَ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا، وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: ١٦]، قُلْتُ: قَوْلُهُ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] قَالَ: الْعَبْدُ يَعْمَلُ سِرًّا أَسَرَّهُ إِلَى اللَّهِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّاسُ، فَأَسَرَّ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قُرَّةَ عَيْنٍ “
١٨ ‏/ ٦٢١
حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: ثنا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: ثنا سَلَّامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا نَفْسٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»
١٨ ‏/ ٦٢٢
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: ثني أَبُو صَخْرٍ، أَنَّ أَبَا حَازِمٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ، يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: «فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ﴾ [السجدة: ١٦] إِلَى قَوْلِهِ ﴿جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧]
١٨ ‏/ ٦٢٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «قَالَ رَبُّكُمْ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»
١٨ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَبِّهِ: «قَالَ رَبُّكُمْ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ»
١٨ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] قَالَ: أَخْفَوْا عَمَلًا فِي الدُّنْيَا، فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِأَعْمَالِهِمْ»
١٨ ‏/ ٦٢٣
حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ حَمَّادٌ: أَحْسِبُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَنْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ يَنْعَمْ وَلَا يَبْؤُسْ، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ، فِي الْجَنَّةِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» . وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [السجدة: ١٧] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: ﴿أُخْفِيَ﴾ [السجدة: ١٧] بِضَمِّ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى فُعِلَ. وَقَرَأَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (أُخْفِي لَهُمْ) بِضَمِّ الْأَلِفِ ⦗٦٢٤⦘ وَإِرْسَالِ الْيَاءِ، بِمَعْنَى أَفْعَلُ، أُخْفِي لَهُمْ أَنَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَخْفَاهُ فَهُوَ مَخْفِيُّ، وَإِذَا أُخْفِيَ فَلَيْسَ لَهُ مُخْفٍ غَيْرُهُ، وَ«مَا» فِي قَوْلِهِ ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ﴾ [السجدة: ١٧] فَإِنَّهَا إِذَا جُعِلَتْ بِمَعْنَى: الَّذِي؛ كَانَتْ نَصَبًا بِوُقُوعِ: تَعْلَمُ، عَلَيْهَا كَيْفَ قَرَأَ الْقَارِئُ: أُخْفِي، وَإِذَا وُجِّهَتْ إِلَى مَعْنَى: أَيْ؛ كَانَتْ رَفْعًا إِذَا قُرِئَ: أُخْفِيَ، بِنَصْبِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْأَلْفِ، لِأَنَّهُ لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَإِذَا قُرِئَ: أُخْفِي، بِإِرْسَالِ الْيَاءِ كَانَتْ نَصْبًا بِوُقُوعِ أُخْفِي عَلَيْهَا.
١٨ ‏/ ٦٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَهَذَا الْكَافِرُ الْمُكَذِّبُ بِوَعْدِ اللَّهِ وَوَعِيدِهِ، الْمُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ، كَهَذَا الْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ، الْمُصَدِّقِ بِوَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ، الْمُطِيعِ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ؟ كَلَّا لَا يَسْتَوونَ عِنْدَ اللَّهِ. يَقُولُ: لَا يَعْتَدِلُ الْكُفَّارُ بِاللَّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ عِنْدَهُ فِيمَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ: ﴿لَا يَسْتَوُونَ﴾ [التوبة: ١٩] فَجَمَعَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ اثْنَيْنِ: مُؤْمِنًا، وَفَاسِقًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْمُؤْمِنِ مُؤْمِنًا وَاحِدًا، وَبِالْفَاسِقِ فَاسِقًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ ⦗٦٢٥⦘ الْفُسَّاقِ، وَجَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ. فَإِذَا كَانَ الِاثْنَانِ غَيْرَ مَصْمُودٌ لَهُمَا، ذَهَبَتْ بِهِمَا الْعَرَبُ مَذْهَبَ الْجَمْعِ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ.
١٨ ‏/ ٦٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: «نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ، كَانَ بَيْنَ الْوَلِيدِ وَبَيْنَ عَلِيٍّ كَلَامٌ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ: أَنَا أَبْسَطُ مِنْكَ لِسَانًا، وَأَحَدُّ مِنْكَ سِنَانًا، وَأَرَدُّ مِنْكَ لِلْكَتِيبَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اسْكُتْ، فَإِنَّكَ فَاسِقٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا، لَا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] إِلَى قَوْلِهِ ﴿بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠]»
١٨ ‏/ ٦٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَوْلُهُ «﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾ [السجدة: ١٨] قَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا اسْتَوَوْا فِي الدُّنْيَا، وَلَا عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلَا فِي الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٦٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى﴾ [السجدة: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمَّا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى، يَعْنِي: بَسَاتِينَ الْمَسَاكِنِ الَّتِي يَسْكُنُونَهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَأْوُونَ ⦗٦٢٦⦘ إِلَيْهَا.
١٨ ‏/ ٦٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٩] يَقُولُ: نُزُلًا بِمَا أَنْزَلَهُمُوهَا جَزَاءً مِنْهُ لَهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِطَاعَتِهِ.
١٨ ‏/ ٦٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [السجدة: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ، وَفَارَقُوا طَاعَتَهُ ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [السجدة: ٢٠] يَقُولُ: فَمَسَاكِنُهُمُ الَّتِي يَأْوُونَ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ النَّارُ ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ﴾ [السجدة: ٢٠] فِي الدُّنْيَا ﴿تُكَذِّبُونَ﴾ [المؤمنون: ١٠٥] أَنَّ اللَّهَ أَعَدَّهَا لِأَهْلِ الشِّرْكِ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا﴾ [السجدة: ٢٠] أَشْرَكُوا ﴿وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [السجدة: ٢٠] وَالْقَوْمُ مُكَذِّبُونَ كَمَا تَرَوْنَ»
١٨ ‏/ ٦٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْعَذَابِ الْأَدْنَى، الَّذِي وَعَدَ اللَّهُ أَنْ يُذِيقَهُ هَؤُلَاءِ ⦗٦٢٧⦘ الْفَسَقَةَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مَصَائِبُ الدُّنْيَا فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ.
١٨ ‏/ ٦٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] يَقُولُ: مَصَائِبُ الدُّنْيَا وَأَسْقَامُهَا وَبَلَاؤُهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ حَتَّى يَتُوبُوا»
١٨ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى: بَلَاءُ الدُّنْيَا، قِيلَ: هِيَ الْمَصَائِبُ»
١٨ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْمُصِيبَاتُ فِي الدُّنْيَا. قَالَ: وَالدُّخَانُ قَدْ مَضَى، وَالْبَطْشَةُ، وَاللِّزَامُ». قَالَ أَبُو مُوسَى: تَرْكُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَحْيَى بْنَ الْجَزَّارِ، نُقْصَانُ رَجُلٍ
١٨ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَا: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عُرْوَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ ⦗٦٢٨⦘ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: مُصِيبَاتُ الدُّنْيَا، وَاللِّزَامُ وَالْبَطْشَةُ، أَوِ الدُّخَانُ». شَكَّ شُعْبَةُ فِي الْبَطْشَةِ أَوِ الدُّخَانِ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: الْمُصِيبَاتُ وَاللِّزَامُ وَالْبَطْشَةُ
١٨ ‏/ ٦٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُزْرَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعُرَنِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «الْمُصِيبَاتُ يُصَابُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا: الْبَطْشَةُ، وَالدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ»
١٨ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْمَصَائِبُ فِي الدُّنْيَا»
١٨ ‏/ ٦٢٨
قَالَ: ثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْمُصِيبَاتُ فِي دُنْيَاهُمْ وَأَمْوَالِهِمْ»
١٨ ‏/ ٦٢٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَهُ عَنِ الْحَسَنِ: قَوْلُهُ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] أَيْ: مُصِيبَاتُ الدُّنْيَا»
١٨ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: أَشْيَاءُ يُصَابُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا الْحُدُودَ.
١٨ ‏/ ٦٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْحُدُودُ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِهَا الْقَتْلَ بِالسَّيْفِ، قَالَ: وَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ
١٨ ‏/ ٦٢٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: يَوْمُ بَدْرٍ». ⦗٦٣٠⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٦٢٩
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ صَبْرًا»
١٨ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ، كُلُّ شَيْءٍ وَعَدَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى إِنَّمَا هُوَ السَّيْفُ»
١٨ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْقَتْلُ وَالْجُوعُ لِقُرَيْشٍ فِي الدُّنْيَا»
١٨ ‏/ ٦٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مُجَاهِدٌ ⦗٦٣١⦘ يُحَدِّثُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] يَوْمُ بَدْرٍ». وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ سِنِينَ أَصَابَتْهُمْ.
١٨ ‏/ ٦٣٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: سِنُونٌ أَصَابَتْهُمْ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ عَذَابَ الْقَبْرِ.
١٨ ‏/ ٦٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْأَدْنَى فِي الْقُبُورِ وَعَذَابُ الدُّنْيَا». وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ عَذَابُ الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٦٣١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْعَذَابُ الْأَدْنَى: عَذَابُ الدُّنْيَا». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَ هَؤُلَاءِ الْفَسَقَةَ الْمُكَذِّبِينَ بِوَعِيدِهِ فِي الدُّنْيَا الْعَذَابَ الْأَدْنَى، أَنْ يُذِيقَهُمُوهُ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ، وَالْعَذَابُ: هُوَ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ بَلَاءٍ أَصَابَهُمْ، إِمَّا شِدَّةٌ مِنْ مَجَاعَةٍ أَوْ قَتْلٍ، أَوْ مَصَائِبُ يُصَابُونَ بِهَا، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ، إِذْ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِنَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ نَوْعٍ، وَقَدْ عَذَّبَهُمْ بِكُلِّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْجُوعِ وَالشَّدَائِدِ وَالْمَصَائِبِ فِي الْأَمْوَالِ، فَأَوْفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهُمْ.
١٨ ‏/ ٦٣٢
وَقَوْلُهُ: ﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] يَقُولُ: قِيلَ: الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ وَذَلِكَ عَذَابُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ». ⦗٦٣٣⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٦٣٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
١٨ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] يَوْمَ الْقِيَامَةِ». حَدَّثَ بِهِ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ
١٨ ‏/ ٦٣٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ «﴿دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: الْعَذَابُ الْأَكْبَرُ: عَذَابُ الْآخِرَةِ»
١٨ ‏/ ٦٣٣
وَقَوْلُهُ ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَقُولُ: كَيْ يَرْجِعُوا وَيَتُوبُوا بِتَعْذِيبِهِمُ الْعَذَابَ الْأَدْنَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٣٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: يَتُوبُونَ»
١٨ ‏/ ٦٣٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ: «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة: ٢١] قَالَ: يَتُوبُونَ»
١٨ ‏/ ٦٣٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجدة: ٢١] أَيْ: يَتُوبُونَ»
١٨ ‏/ ٦٣٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ [السجدة: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَيُّ النَّاسِ أَظْلَمُ لِنَفْسِهِ مِمَّنْ وَعَظَهُ اللَّهُ بِحُجَجِهِ، وَآيِ كِتَابِهِ وَرُسُلِهِ، ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَمْ يَتَّعِظْ بِمَوَاعِظِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَكْبَرَ عَنْهَا.
١٨ ‏/ ٦٣٤
وَقَوْلُهُ ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: ٢٢] يَقُولُ: إِنَّا مِنَ الَّذِينَ اكْتَسَبُوا الْآثَامَ، وَاجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ مُنْتَقِمُونَ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَنَى بِالْمُجْرِمِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَهْلَ الْقَدَرِ
١٨ ‏/ ٦٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ سُفَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُفَيْعٍ، قَالَ: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: ٢٢] هُمْ أَصْحَابُ الْقَدَرِ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعِرٍ﴾ [القمر: ٤٧] . إِلَى قَوْلِهِ ﴿خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]». حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَ: ثنا مَرْوَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ سُفَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُفَيْعٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: ثُمَّ قَرَأَ وَائِلُ بْنُ دَاودَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ﴾ [القمر: ٤٧] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، بِمَا:
١٨ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنِي بِهِ، عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «ثَلَاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ أَجْرَمَ: مَنِ اعْتَقَدَ لِوَاءً فِي غَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عَقَّ وَالِدَيْهِ، أَوْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ يَنْصُرُهُ، فَقَدْ أَجْرَمَ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ [السجدة: ٢٢]»
١٨ ‏/ ٦٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ ⦗٦٣٦⦘ لِقَائِهِ﴾ [السجدة: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى التَّوْرَاةَ، كَمَا آتَيْنَاكَ الْفُرْقَانَ يَا مُحَمَّدُ ﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ﴾ [السجدة: ٢٣] يَقُولُ: فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ لِقَائِهِ؛ فَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا تَكُنْ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّكَ لَقِيتَهُ، أَوْ تَلَقَّاهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
١٨ ‏/ ٦٣٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَمِّ نَبِيِّكُمْ يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ: «أُرِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ رَجُلًا آدَمَ طُوَالًا جَعْدًا، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَرَأَيْتُ عِيسَى رَجُلًا مَرْبُوعَ الْخَلْقِ إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، سَبِطَ الرَّأْسِ، وَرَأَيْتُ مَالِكًا خَازِنَ النَّارِ، وَالدَّجَّالَ» . فِي آيَاتٍ أَرَاهُنَّ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ أَنَّهُ قَدْ رَأَى مُوسَى، وَلَقِيَ مُوسَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ
١٨ ‏/ ٦٣٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الإسراء: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، يَعْنِي: رَشَادًا لَهُمْ يَرْشُدُونَ بِاتِّبَاعِهِ، وَيُصِيبُونَ الْحَقَّ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ، وَالِائْتِمَامِ بِقَوْلِهِ. وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٣٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الإسراء: ٢] قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ»
١٨ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً﴾ [السجدة: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَئِمَّةً، وَهِيَ جَمْعُ إِمَامٍ، وَالْإِمَامُ الَّذِي يُؤْتَمُّ بِهِ فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، وَأُرِيدُ بِذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ جَعَلَ مِنْهُمْ قَادَةً فِي الْخَيْرِ، يُؤْتَمُّ بِهِمْ، وَيُهْتَدَى بِهَدْيِهِمْ. كَمَا:
١٨ ‏/ ٦٣٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يُهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [السجدة: ٢٤] قَالَ: رُؤَسَاءَ فِي الْخَيْرِ»
١٨ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُهْدُونَ أَتْبَاعَهُمْ وَأَهْلَ الْقَبُولِ مِنْهُمْ بِإِذْنِنَا لَهُمْ بِذَلِكَ، وَتَقْوِيَتِنَا إِيَّاهُمْ عَلَيْهِ
١٨ ‏/ ٦٣٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: ٢٤] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: ٢٤] بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: إِذْ صَبَرُوا، وَحِينَ صَبَرُوا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: (لِمَا) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى: لِصَبْرِهِمْ عَنِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا، وَاجْتِهَادِهِمْ فِي طَاعَتِنَا، وَالْعَمَلِ بِأَمْرِنَا. وَذُكِرَ أَنَّ
١٨ ‏/ ٦٣٧
ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: «بِمَا صَبَرُوا» وَمَا إِذَا كُسِرَتِ اللَّامُ مِنْ «لِمَا» فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، وَإِذَا فُتِحَتِ اللَّامُ وَشُدِّدَتِ الْمِيمُ، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا، لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدَاةٌ. وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَامَّةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يُهْدُونَ أَتْبَاعَهُمْ بِإِذْنِنَا إِيَّاهُمْ، وَتَقْوِيَتِنَا إِيَّاهُمْ عَلَى الْهِدَايَةِ، إِذْ صَبَرُوا عَلَى طَاعَتِنَا، وَعَزَفُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ لِذَاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا. وَإِذَا قُرِئَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَلَى مَا قَدْ وَصَفْنَا. وَقَدْ:
١٨ ‏/ ٦٣٨
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: قَالَ أَبِي، سَمِعْنَا فِي: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا﴾ [السجدة: ٢٤] قَالَ: عَنِ الدُّنْيَا “
١٨ ‏/ ٦٣٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة: ٢٤] يَقُولُ: وَكَانُوا أَهْلَ يَقِينٍ بِمَا دَلَّهُمْ عَلَيْهِ حُجَجُنَا، وَأَهْلَ تَصْدِيقٍ بِمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الْحَقِّ؛ وَإِيمَانٍ بِرُسُلِنَا وَآيَاتِ كِتَابِنَا ⦗٦٣٩⦘ وَتَنْزِيلِنَا.
١٨ ‏/ ٦٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [السجدة: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ هُوَ يُبَيِّنُ جَمِيعَ خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا يَخْتَلِفُونَ، مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ دِينِهِمْ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ بِقَضَاءٍ فَاصِلٍ، بِإِيجَابِهِ لِأَهْلِ الْحَقِّ الْجَنَّةَ، وَلِأَهْلِ الْبَاطِلِ النَّارَ.
١٨ ‏/ ٦٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ [سورة: السجدة، آية رقم: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ؟ كَمَا:
١٨ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ [السجدة: ٢٦] يَقُولُ: أَوَ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُمْ». وَعَلَى الْقِرَاءَةِ بِالْيَاءِ فِي ذَلِكَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ، بِمَعْنَى: أَوَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ إِهْلَاكَنَا الْقُرُونَ الْخَالِيَةَ مِنْ قَبْلِهِمْ، سُنَّتُنَا فِيمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِآيَاتِنَا، فَيَتَّعِظُوا وَيَنْزَجِرُوا. وَقَوْلُهُ ﴿كَمْ﴾ [السجدة: ٢٦] إِذَا قُرِئَ ﴿يَهْدِ﴾ [السجدة: ٢٦] بِالْيَاءِ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِـ ﴿يَهْدِ﴾ [السجدة: ٢٦] . وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ ذَلِكَ بِالنُّونِ «أَوَ لَمْ نَهْدِ» فَإِنَّ مَوْضِعَ ﴿كَمْ﴾ [السجدة: ٢٦] وَمَا بَعْدَهَا نَصْبٌ. ⦗٦٤٠⦘ وَقَوْلُهُ: ﴿يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ [السجدة: ٢٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ كَثْرَةَ إِهْلَاكِنَا الْقُرُونَ الْمَاضِيَةَ مِنْ قَبْلِهِمْ يَمْشُونَ فِي بِلَادِهِمْ وَأَرْضِهِمْ، كَعَادٍ وَثَمَودَ. كَمَا:
١٨ ‏/ ٦٣٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ﴾ [السجدة: ٢٦] عَادٌ وَثَمُودُ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ»
١٨ ‏/ ٦٤٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي خَلَاءِ مَسَاكِنِ الْقُرُونِ الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِهَا الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَهَا وَعُمَّارَهَا بِإِهْلَاكِنَا إِيَّاهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا رُسُلَنَا وَجَحَدُوا بِآيَاتِنَا، وعَبْدُوا مِنْ دُونَ اللَّهِ آلِهَةً غَيْرَهُ الَّتِي يَمُرُّونَ بِهَا فَيُعَايِنُونَهَا لَآيَاتٍ لَهُمْ وَعِظَاتٍ يَتَّعِظُونَ بِهَا، لَوْ كَانُوا أُولِي حِجًا وَعُقُولٍ. يَقُولُ اللَّهُ: ﴿أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾ [السجدة: ٢٦] عِظَاتِ اللَّهِ وَتَذْكِيرَهُ إِيَّاهُمْ آيَاتَهُ، وَتَعْرِيفَهُمْ مَوَاضِعَ حُجَجِهِ؟
١٨ ‏/ ٦٤٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالنَّشْرِ بَعْدَ الْفَنَاءِ، أَنَّا بِقُدْرَتِنَا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْيَابِسِةِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي لَا نَبَاتَ فِيهَا؛ وَأَصْلُهُ ⦗٦٤١⦘ مِنْ قَوْلُهِمْ: نَاقَةٌ جُرُزٌ: إِذَا كَانَتْ تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ الْأَرْضُ الْجُرُوزُ: الَّتِي لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِهَا شَيْءٌ إِلَّا أَفْسَدَتْهُ نَظِيرَ أَكْلِ النَّاقَةِ الْجُرَازِ كُلَّ مَا وَجَدَتْهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِلْإِنْسَانِ الْأَكُولِ: جُرُوزٌ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
[البحر الرجز] خَبٌّ جُرُوزٌ وَإِذَا. .
وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّيْفِ إِذَا كَانَ لَا يُبْقِي شَيْئًا إِلَّا قَطَعَهُ: سَيْفٌ جُرَازٌ، فِيهِ لُغَاتٌ أَرْبَعٌ: أَرْضٌ جُرُزٌ، وَجُرْزٌ، وَجَرْزٌ وَجَرُزٌ، وَالْفَتْحُ لِبَنِي تَمِيمٍ فِيمَا بَلَغَنِي. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٦٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الْأَرْضُ الْجُرُزُ، أَرْضٌ بِالْيَمَنِ» . حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو ⦗٦٤٢⦘ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرْضٌ بِالْيَمَنِ
١٨ ‏/ ٦٤١
قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ، إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] قَالَ: أَبْيَنُ وَنَحْوُهَا». حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَنَحْوُهَا مِنَ الْأَرْضِ
١٨ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] قَالَ: الْجُرُزُ: الَّتِي لَا تُمْطَرُ إِلَّا مَطَرًا لَا يُغْنِي عَنْهَا شَيْئًا، إِلَّا مَا يَأْتِيهَا مِنَ السُّيُولِ»
١٨ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [سورة: السجدة، آية رقم: ٢٧] لَيْسَ فِيهَا نَبْتٌ»
١٨ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ، إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] الْمُغْبِرَةُ»
١٨ ‏/ ٦٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ﴾ [السجدة: ٢٧] قَالَ: الْأَرْضُ الْجُرُزُ: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ. وَفِي قَوْلِهِ: ﴿صَعِيدًا جُرُزًا﴾ [الكهف: ٨]، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ وَلَا شَيْءٌ»
١٨ ‏/ ٦٤٣
﴿فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ﴾ [سورة: السجدة، آية رقم: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَنُخْرِجُ بِذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي نَسُوقُهُ إِلَيْهَا عَلَى يَبْسِهَا وَغِلَظِهَا وَطُولِ عَهْدِهَا بِالْمَاءِ زَرْعًا خَضِرًا تَأْكُلُ مِنْهُ مَوَاشِيهِمْ، وَتُغَذَّى بِهِ أَبْدَانُهُمْ وَأَجْسَامُهُمْ فَيَعِيشُونَ بِهِ.
١٨ ‏/ ٦٤٣
﴿أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ [السجدة: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَفَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ بِأَعْيُنِهِمْ فَيَعْلَمُوا بِرُؤْيَتِهُمُوهُ أَنَّ الْقُدْرَةَ الَّتِي بِهَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيَّ أَنْ أُحْيِيَ بِهَا الْأَمْوَاتَ وَأَنْشُرَهُمْ مِنْ قُبُورَهُمْ، وَأُعِيدَهُمْ بِهَيْئَاتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا قَبْلَ وَفَاتِهِمْ.
١٨ ‏/ ٦٤٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [السجدة: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ﴾ [آل عمران: ٧٥] هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ لَكَ ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ [السجدة: ٢٨] وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: مَتَى يَجِيءُ هَذَا ⦗٦٤٤⦘ الْحُكْمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، وَمَتَى يَكُونُ هَذَا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ.
١٨ ‏/ ٦٤٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [السجدة: ٢٨] قَالَ: قَالَ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ لَنَا يَوْمًا أَوْشَكَ أَنْ نَسْتَرِيحَ فِيهِ وَنَنْعُمَ فِيهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [السجدة: ٢٨]». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: فَتْحُ مَكَّةَ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: وَيَقُولُونَ مَتَى يَجِيءُ هَذَا الْحُكْمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، يَعْنُونَ الْعَذَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [السجدة: ٢٩] وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكُفَّارَ قَدْ كَانَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُمُ التَّوْبَةَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَبَعْدَهُ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ [السجدة: ٢٨] عَلَى مَا قَالَهُ مَنْ قَالَ: يَعْنِي بِهِ: فَتْحُ مَكَّةَ، لَكَانَ لَا تَوْبَةَ لِمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَابَ عَلَى بَشَرً كَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَنَفَعَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ فَمَعْلُومٌ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا قُلْنَا مِنَ التَّأْوِيلَ، وَفَسَادُ مَا خَالَفَهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: ٢٣] يَعْنِي: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي الَّذِي تَقُولُونَ مِنْ أَنَّا مُعَاقَبُونَ عَلَى تَكْذِيبِنَا مُحَمَّدًا ﷺ، وَعِبَادَتِنَا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ.
١٨ ‏/ ٦٤٤
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ [السجدة: ٢٩] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: يَوْمَ الْحُكْمِ وَمَجِيءِ الْعَذَابِ لَا يَنْفَعُ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِآيَاتِهِ إِيمَانُهُمُ الَّذِي يُحْدِثُونَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. كَمَا:
١٨ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ﴾ [السجدة: ٢٩] قَالَ: يَوْمُ الْفَتْحِ إِذَا جَاءَ الْعَذَابُ»
١٨ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ [السجدة: ٢٩] يَوْمَ الْقِيَامَةِ». وَنَصُّ الْيَوْمَ فِي قَوْلِهِ ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾ [السجدة: ٢٩] رَدًّا عَلَى مَتَى وَذَلِكَ أَنَّ مَتَى فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. وَمَعْنَى الْكَلَامِ: أَنِّي حِينَ هَذَا الْفَتْحِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، ثُمَّ قِيلَ يَوْمَ كَذَا، وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاءُ
١٨ ‏/ ٦٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: وَلَا هُمْ يُؤَخَّرُونَ لِلتَّوْبَةِ وَالْمُرَاجَعَةِ.
١٨ ‏/ ٦٤٥
وَقَوْلُهُ ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ [السجدة: ٣٠] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ الْقَائِلِينَ لَكَ ﴿مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾ [السجدة: ٢٨] الْمُسْتَعْجِلِيكَ بِالْعَذَابِ، وَانْتَظِرْ مَا اللَّهُ صَانِعٌ بِهِمْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ مَا تَعِدُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ وَمَجِيءِ السَّاعَةِ. ⦗٦٤٦⦘ كَمَا:
١٨ ‏/ ٦٤٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ [السجدة: ٣٠] يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …