حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] قَالَ: «تُقْبَضُ الْأَرْوَاحُ عِنْدَ نِيَامِ النَّائِمِ، فَتُقْبَضُ رُوحُهُ فِي مَنَامِهِ، فَتَلْقَى الْأَرْوَاحُ بَعْضُهَا بَعْضًا أَرْوَاحُ الْمَوْتَى وَأَرْوَاحُ النِيَامِ، فَتَلْتَقِي فَتَسَاءَلُ، قَالَ: فَيُخْلَى عَنْ أَرْوَاحِ الْأَحْيَاءِ، فَتَرْجِعُ إِلَى أَجْسَادِهَا، وَتُرِيدُ الْأُخْرَى أَنْ تَرْجِعَ، فَيَحْبِسُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، قَالَ: إِلَى بَقِيَّةِ آجَالِهَا»
٢٠ / ٢١٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] قَالَ: «فَالنَّوْمُ وَفَاةٌ» ﴿فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى﴾ [الزمر: ٤٢] «الَّتِي لَمْ يَقْبِضْهَا» ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [البقرة: ٢٨٢]
٢٠ / ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي قَبْضِ اللَّهِ نَفْسَ النَّائِمِ وَالْمَيِّتِ وَإِرْسَالِهِ بَعْدُ نَفْسَ هَذَا تَرْجِعُ إِلَى جِسْمِهَا، وَحَبْسِهِ لِغَيْرِهَا عَنْ جِسْمِهَا لَعِبْرَةٍ وَعِظَةٍ لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ، وَبَيَانًا لَهُ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ إِذَا شَاءَ، وَيُمِيتُ مَنْ شَاءَ إِذَا شَاءَ
٢٠ / ٢١٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمِ اتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ دُونِهِ آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا ⦗٢١٧⦘ شُفَعَاءَ تَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ فِي حَاجَاتِهِمْ
٢٠ / ٢١٦
وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ﴾ [الزمر: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: أَتَتَّخِذُونَ هَذِهِ الْآلِهَةَ شُفَعَاءَ كَمَا تَزْعُمُونَ وَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا، وَلَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا، قُلْ لَهُمْ: إِنْ تَكُونُوا تَعْبُدُونَهَا لِذَلِكَ، وَتَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَأَخْلِصُوا عِبَادَتَكُمْ لِلَّهِ، وَأَفْرِدُوهُ بِالْأُلُوهَةِ، فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ جَمِيعًا لَهُ، لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ، وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا، وَأَنْتُمْ مَتَى أَخْلَصْتُمْ لَهُ الْعِبَادَةَ، فَدَعَوْتُمُوهُ، وَشَفَّعَكُمْ ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، يَقُولُ: لَهُ سُلْطَانُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمُلْكُهَا، وَمَا تَعْبُدُونَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ لَهُ؛ يَقُولُ: فَاعْبُدُوا الْمَلِكَ لَا الْمَمْلُوكَ الَّذِي لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تَرْجِعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] يَقُولُ: ثُمَّ إِلَى اللَّهِ مَصِيرُكُمْ، وَهُوَ مُعَاقِبُكُمْ عَلَى إِشْرَاكِكُمْ بِهِ، إِنْ مُتُّمْ عَلَى شِرْكِكُمْ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا، لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَاعْبُدُوا الْمَالِكُ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى نَفْعِكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَعَلَى ضُرِّكُمْ فِيهَا، وَعِنْدَ مَرْجِعِكُمْ إِلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِلَيْهِ تَرْجِعُونَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ﴾ [الزمر: ٤٣] «الْآلِهَةَ» ﴿قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا﴾ [الزمر: ٤٣] «الشَّفَاعَةَ»
٢٠ / ٢١٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي ⦗٢١٨⦘ الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٤٤] قَالَ: «لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ» .
٢٠ / ٢١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا أُفْرِدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالذِّكْرِ، فَدُعِيَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْمَعَادِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ [الزمر: ٤٥]: نَفَرَتْ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ٤٥] يَقُولُ: وَإِذَا ذُكِرَ الْآلِهَةُ الَّتِي يَدْعُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَعَ اللَّهِ، فَقِيلَ: تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى، وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا لَتُرْتَجَى، إِذِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يَسْتَبْشِرُونَ بِذَلِكَ وَيَفْرَحُونَ
٢٠ / ٢١٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ [الزمر: ٤٥]: «أَيْ نَفَرَتْ قُلُوبُهُمْ وَاسْتَكْبَرْتِ» ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ٤٥] «الْآلِهَةُ» ﴿إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الزمر: ٤٥]
٢٠ / ٢١٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٢١٩⦘ قَوْلُهُ: ﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ [الزمر: ٤٥] قَالَ: «انْقَبَضَتْ، قَالَ: وَذَلِكَ يَوْمُ قُرِأَ عَلَيْهِمْ النَّجْمُ عِنْدَ بَابِ الْكَعْبَةِ»
٢٠ / ٢١٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿اشْمَأَزَّتْ﴾ [الزمر: ٤٥] قَالَ: «نَفَرَتْ» ﴿وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ﴾ [الزمر: ٤٥] «أَوْثَانُهُمْ»
٢٠ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ، اللَّهُ خَالِقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣] الَّذِي لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ، وَلَا تَحَسُّهُ الْعُيُونُ، وَالشَّهَادَةُ الَّذِي تَشْهَدُهُ أَبْصَارُ خَلْقِهِ، وَتَرَاهُ أَعْيُنُهُمْ ﴿أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ﴾ [الزمر: ٤٦] فَتَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ يَوْمَ تَجْمَعُهُمْ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ ﴿فِيمَا كَانُوا فِيهِ﴾ [البقرة: ١١٣] فِي الدُّنْيَا ﴿يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة: ١١٣] مِنَ الْقَوْلِ فِيكَ، وَفِي عَظَمَتِكَ وَسُلْطَانِكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ بَيْنَهُمْ، فَتَقْضِي يَوْمَئِذٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرْتَ وَحْدَكَ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُهُمْ، إِذَا ذُكِرَ مَنْ دُونَكَ اسْتَبْشَرُوا بِالْحَقِّ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ” فَاطِرٌ: «قَالَ خَالِقٌ» وَفِي قَوْلِهِ ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ﴾ [الأنعام: ٧٣] قَالَ: «مَا غَابَ عَنِ ⦗٢٢٠⦘ الْعِبَادِ فَهُوَ يَعْلَمُهُ» ﴿وَالشَّهَادَةِ﴾ [الزمر: ٤٦]: «مَا عَرَفَ الْعِبَادُ وَشَهِدُوا، فَهُوَ يَعْلَمُهُ»
٢٠ / ٢١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلُهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَوْ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ﴿مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: ٢٩] فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْوَالِهَا وَزِينَتِهَا ﴿وَمِثْلُهُ مَعَهُ﴾ [المائدة: ٣٦] مُضَاعَفًا، فَقُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِوَضًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، لَفَدَوْا بِذَلِكَ كُلِّهِ أَنْفُسَهُمْ عِوَضًا مِنْهَا، لَيَنْجُوَ مِنْ سُوءِ عَذَابِ اللَّهِ، الَّذِي هُوَ مُعَذِّبُهُمْ بِهِ يَوْمَئِذٍ ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٤٧] يَقُولُ: وَظَهَرَ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ، الَّذِي كَانَ أَعَدَّهُ لَهُمْ، مَا لَمْ يَكُونُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَحْتَسِبُونَ أَنَّهُ أَعَدَّهُ لَهُمْ
٢٠ / ٢٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿سَيِّئَاتِ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر: ٤٨] مِنَ الْأَعْمَالِ فِي الدُّنْيَا، إِذْ أُعْطُوا كُتُبَهُمْ بِشَمَائِلِهِمْ ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [الزمر: ٤٨] وَوَجَبَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ، فَلِزَمَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ الَّذِي كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ فِي الدُّنْيَا يَعِدُهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ، فَكَانُوا بِهِ يَسْخَرُونَ، إِنْكَارًا أَنْ يُصِيبَهُمْ ذَلِكَ، أَوْ يَنَالَهُمْ تَكْذِيبًا مِنْهُمْ بِهِ، وَأَحَاطَ ذَلِكَ بِهِمْ
٢٠ / ٢٢٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ بُؤْسٌ وَشِدَّةٌ دَعَانَا مُسْتَغِيثًا بِنَا مِنْ جِهَةِ ⦗٢٢١⦘ مَا أَصَابَهُ مِنَ الضُّرِّ، ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا﴾ [الزمر: ٤٩] يَقُولُ: ثُمَّ إِذَا أَعْطَيْنَاهُ فَرَجًا مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الضُّرِّ، بِأَنْ أَبْدَلْنَاهُ بِالضُّرِّ رَخَاءً وَسِعَةً، وَبِالسَّقَمِ صِحَّةً وَعَافِيَةً، فَقَالَ: إِنَّمَا أُعْطِيتُ الَّذِي أُعْطِيتُ مِنَ الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ فِي الْمَعِيشَةِ، وَالصِّحَّةِ فِي الْبُدْنِ وَالْعَافِيَةِ، عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي، يَعْنِي عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ بِأَنِّي لَهُ أَهْلٌ لِشَرَفِي وَرِضَاهُ بِعَمَلِي عِنْدِي يَعْنِي: فِيمَا عِنْدِي، كَمَا يُقَالُ: أَنْتَ مُحْسِنٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ عِنْدِي: أَيْ فِيمَا أَظُنُّ وَأَحْسِبُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٢٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ دَلَكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا﴾ [الزمر: ٤٩] حَتَّى بَلَغَ ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ [الزمر: ٤٩] عِنْدِي: «أَيْ عَلَى خَيْرٍ عِنْدِي»
٢٠ / ٢٢١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: ﴿إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا﴾ [الزمر: ٤٩] قَالَ: «أَعْطَيْنَاهُ»
٢٠ / ٢٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [القصص: ٧٨] أَيْ عَلَى شَرَفٍ أَعْطَانِيهِ
٢٠ / ٢٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ [الزمر: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ عِطْيَتُنَا إِيَّاهُمْ تِلْكَ النِّعْمَةَ ⦗٢٢٢⦘ مِنْ بَعْدِ الضُّرِّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِتْنَةً لَهُمْ؛ يَعْنِي بَلَاءً ابْتَلَيْنَاهُمْ بِهِ، وَاخْتِبَارًا اخْتَبَرْنَاهُمْ بِهِ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ [الأنعام: ٣٧] لِجَهْلِهِمْ، وَسُوءِ رَأْيهِمْ ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٣] لِأَيِّ سَبَبٍ أُعْطُوا ذَلِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٢١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ﴾ [الزمر: ٤٩]: «أَيْ بَلَاءٌ»
٢٠ / ٢٢٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ يَعْنِي قَوْلَهُمْ لِنِعْمَةِ اللَّهِ الَّتِي خَوَّلَهُمْ وَهُمْ مُشْرِكُونَ: أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدَنَا ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [البقرة: ١١٨] يَعْنِي: الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ لِرُسُلِهَا، تَكْذِيبًا مِنْهُمْ لَهُمْ، وَاسْتِهْزَاءً بِهِمْ
٢٠ / ٢٢٢
وَقَوْلُهُ. ﴿فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الحجر: ٨٤] يَقُولُ: فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُمْ حِينَ أَتَاهُمْ بَأْسُ اللَّهِ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَذَلِكَ عِبَادَتُهُمُ الْأَوْثَانَ يَقُولُ: لَمْ تَنْفَعْهُمْ خِدْمَتُهُمْ إِيَّاهَا، وَلَمْ تَشْفَعْ آلِهَتُهُمْ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ حِينَئِذٍ، وَلَكِنَّهَا أَسْلَمَتْهُمْ وَتَبَرَّأَتْ مِنْهُمْ
٢٠ / ٢٢٢
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر: ٥١] يَقُولُ: فَأَصَابَ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، وَبَالَ سَيِّئَاتِ مَا كَسَبُوا مِنَ الْأَعْمَالِ، فَعُوجِلُوا بِالْخِزْيِ فِي دَارِ
٢٠ / ٢٢٢
الدُّنْيَا، وَذَلِكَ كَقَارُونَ الَّذِي قَالَ حِينَ وُعِظَ ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨] فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴿فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ﴾ [القصص: ٨١] يَقُولُ اللَّهُ عز وجل ثَنَاؤُهُ: ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ﴾ [الزمر: ٥١] يَقُولُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَوْمِكَ، وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ سَيُصِيبُهُمْ أَيْضًا وَبَالُ ﴿سَيِّئَاتِ مَا كَسَبُوا﴾ [الزمر: ٤٨] كَمَا أَصَابَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ إِيَّاهَا ﴿وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [الزمر: ٥١] يَقُولُ: وَمَا يَفُوقُونَ رَبَّهُمْ وَلَا يَسْبِقُونَهُ هَرَبًا فِي الْأَرْضِ مِنْ عَذَابِهِ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يُصِيبُهُمْ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: ٦٢] فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، فَأَحَلَّ بِهِمْ خِزْيَهُ فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٢٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَا ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٠] «الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ» ﴿وَالَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ [الزمر: ٥١] «مِنْ هَؤُلَاءِ، قَالَ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ»
٢٠ / ٢٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الزمر: ٥٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَشَفْنَا عَنْهُمْ ضُرَّهُمْ، فَقَالُوا: إِنَّمَا أُوتِينَاهُ عَلَى عِلْمٍ مِنَّا، أَنَّ الشِّدَّةَ وَالرَّخَاءَ وَالسَّعَةَ وَالضِّيقَ وَالْبَلَاءَ بِيَدِ اللَّهِ،
٢٠ / ٢٢٣
دُونَ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ، فَيُوَسِّعُهُ عَلَيْهِ، وَيَقْدِرُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، فَيُضَيِّقُهُ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حِجَجِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، لَيَعْتَبِرُوا بِهِ وَيَتَذَكَّرُوا، وَيَعْلَمُوا أَنَّ الرَّغْبَةَ إِلَيْهِ وَالرَّهْبَةَ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ: إِنَّ فِي بَسْطِ اللَّهِ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ، وَتَقْتِيرِهِ عَلَى مَنْ أَرَادَ لَآيَاتٍ، يَعْنِي: دَلَالَاتٍ وَعَلَامَاتٍ ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [الأنعام: ٩٩] يَعْنِي: يُصَدِّقُونَ بِالْحَقِّ، فَيَقِرُّونَ بِهِ إِذَا تَبَيَّنُوهُ وَعَلِمُوا حَقِيقَتَهُ أَنَّ الَّذِيَ يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ اللَّهُ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ
٢٠ / ٢٢٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: ٥٣] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِينَ عُنُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، قَالُوا لَمَّا دُعُوا إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ: كَيْفَ نُؤْمِنُ وَقَدْ أَشْرَكْنَا وَزَنَيْنَا، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وَاللَّهُ يُعِدُ فَاعِلَ ذَلِكَ النَّارَ، فَمَا يَنْفَعُنَا مَعَ مَا قَدْ سَلَفَ مِنَّا الْإِيمَانُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
٢٠ / ٢٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] «وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ قَالُوا: يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ مَنْ عَبَدَ الْأَوْثَانَ، وَدَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ، فَكَيْفَ نُهَاجِرُ وَنُسَلِّمُ، وَقَدْ عَبَدْنَا الْآلِهَةَ، وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَنَحْنُ أَهْلُ الشِّرْكِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] يَقُولُ: لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَتِي، ⦗٢٢٥⦘ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَقَالَ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: ٥٤] وَإِنَّمَا يُعَاتِبُ اللَّهُ أُولِي الْأَلْبَابِ وَإِنَّمَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ، فَإِيَّاهُمْ عَاتَبَ، وَإِيَّاهُمْ أَمَرَ إِنْ أَسْرَفَ أَحَدُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، أَنْ لَا يَقْنَطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يُنِيبَ وَلَا يُبْطِئَ بِالتَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ الْإِسْرَافِ، وَالذَّنْبِ الَّذِي عَمِلَ؛ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الْمُؤْمِنِينَ حِينَ سَأَلُوا اللَّهَ الْمَغْفِرَةَ، فَقَالُوا: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا﴾ [آل عمران: ١٤٧] فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يُصيبُونَ الْإِسْرَافَ، فَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ إِسْرَافِهِمْ»
٢٠ / ٢٢٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] قَالَ: «قَتْلُ النَّفْسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ»
٢٠ / ٢٢٥
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: “نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ بِالْمَدِينَةِ فِي وَحْشِيِّ وَأَصْحَابِهِ ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥]
٢٠ / ٢٢٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] قَالَ: «إِنَّمَا هِيَ لِلْمُشْرِكِينَ»
٢٠ / ٢٢٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ ⦗٢٢٦⦘ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] حَتَّى بَلَغَ ﴿الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣] قَالَ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّ أُنَاسًا أَصَابُوا ذَنُوبًا عِظَامًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَشْفَقُوا أَنْ لَا يُتَابَ عَلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمُ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ»: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣]
٢٠ / ٢٢٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] قَالَ: “هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالُوا: كَيْفَ نُجِيبُكَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّهُ مَنْ زَنَى، أَوْ قَتَلَ، أَوِ أَشْرَكَ بِالرَّحْمَنِ كَانَ هَالِكًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ؟ فَكُلُّ هَذِهِ الْأَعْمَالِ قَدْ عَمَلْنَاهَا؛ فَأُنْزِلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣]
٢٠ / ٢٢٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةَ، قَالَ: “كَانَ قَوْمٌ مَسْخُوطِينَ فِي أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ قَالُوا: لَوْ أَتَيْنَا مُحَمَّدًا ﷺ فَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ؛ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كَيْفَ يَقْبَلُكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي دِينِهِ؟ فَقَالُوا: أَلَا نَبْعَثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا؟ فَلَمَّا بَعَثُوا، نَزَلَ الْقُرْآنُ: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ: ﴿فَأَكُونُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٨]
٢٠ / ٢٢٦
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: تَجَالَسَ شُتَيْرُ بْنُ شَكَلٍ وَمَسْرُوقٌ فَقَالَ شُتَيْرٌ: إِمَّا أَنْ تُحَدِّثَ مَا سَمِعْتَ مِنَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَأُصدِّقُكَ، وَإِمَّا أَنْ أُحَدِّثَ فَتُصدِّقُنِي فَقَالَ مَسْرُوقٌ: لَا بَلْ حَدِّثْ فَأُصدِّقُكَ، ⦗٢٢٧⦘ فَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: «إِنَّ أَكْبَرَ آيَةٍ فَرَجًا فِي الْقُرْآنِ ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا﴾ [الزمر: ٥٣] مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ فَقَالَ مَسْرُوقٌ: صدَقْتَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْإِسْلَامِ، وَقَالُوا: تَأْوِيلُ الْكَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ، قَالُوا: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ صَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْهِجْرَةِ وَفَتَنُوهُمْ، فَأَشْفَقُوا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ تَوْبَةٌ
٢٠ / ٢٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ يَعْنِي عُمَرَ: «كُنَّا نَقُولُ: مَا لِمَنِ افْتُتِنَ مِنْ تَوْبَةٍ؛ وَكَانُوا يَقُولُونَ: مَا اللَّهُ بِقَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا، تَرَكْنَا الْإِسْلَامَ بِبَلَاءٍ أَصَابَنَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةَ، قَالَ عُمَرُ: فَكَتَبْتُهَا بِيَدِي، ثُمَّ بَعَثْتُ بِهَا إِلَى هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، قَالَ هِشَامٌ: فَلَمَّا جَاءَتْنِي جَعَلْتُ أَقْرَؤُهَا وَلَا أَفْهَمُهَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِينَا لِمَا كُنَّا نَقُولُ، فَجَلَسْتُ عَلَى بَعِيرِي، ثُمَّ لَحِقْتُ بِالْمَدِينَةِ»
٢٠ / ٢٢٧
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَنَفَرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، كَانُوا أَسْلَمُوا ثُمَّ فُتِنُوا وَعُذِّبُوا، فَافْتُتِنُوا؛ كُنَّا نَقُولُ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا أَبَدًا؛ قَوْمٌ أَسْلَمُوا ثُمَّ تَرَكُوا دِينَهُمْ بِعَذَابٍ ⦗٢٢٨⦘ عُذِّبُوهُ، فَنَزَلَتْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَاتِبًا؛ قَالَ: فَكَتَبَهَا بِيَدِهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إِلَى عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ، إِلَى أُولَئِكَ النَّفْرِ، فَأَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا»
٢٠ / ٢٢٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَيُّ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ أَوْسَعُ؟ فَجَعَلُوا يَذْكُرُونَ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] وَنَحْوَهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: «مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَوْسَعُ مِنْ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
٢٠ / ٢٢٨
حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْكَنُودِ، قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا قَاصٍّ يَذْكُرُ النَّارَ وَالْأَغْلَالَ، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى قَامَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ «مَا يَذْكُرُ أَتُقَنِّطُ النَّاسَ؟ ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الْآيَةَ»
٢٠ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنِ الْقُرَظِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣] قَالَ: «هِيَ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ»
٢٠ / ٢٢٨
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، ⦗٢٢٩⦘ عَنْ أَبِي قبيلْ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيَّ، يَقُولُ: ثني أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَلَائِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣]». . . الْآيَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ أَشْرَكَ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ، أَلَا وَمَنْ أَشْرَكَ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ” وَقَالَ آخَرُونَ: نَزَلَ ذَلِكَ فِي قَوْمٍ كَانُوا يَرَوْنَ أَهْلَ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاءُ
٢٠ / ٢٢٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاذٍ الْخُرَاسَانِيُّ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «كُنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَرَى أَوْ نَقُولُ: إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ حَسَنَاتِنَا إِلَّا وَهِيَ مَقْبُولَةٌ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٣] فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْنَا: مَا هَذَا الَّذِي يُبْطِلُ أَعْمَالَنَا؟ فَقُلْنَا: الْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، قَالَ: فَكُنَّا إِذَا ⦗٢٣٠⦘ رَأَيْنَا مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْهَا قُلْنَا: قَدْ هَلَكَ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَفَفْنَا عَنِ الْقَوْلِ، فِي ذَلِكَ، فَكُنَّا إِذَا رَأَيْنَا أَحَدًا أَصَابَ مِنْهَا شَيْئًا خِفْنَا عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يُصِبْ مِنْهَا شَيْئًا رَجَوْنَا لَهُ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنَى تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ جَمِيعَ مَنْ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالشِّرْكِ، لِأَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] جَمِيعَ الْمُسْرِفِينَ، فَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ مُسْرِفًا دُونَ مُسْرِفٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَيَغْفِرُ اللَّهُ الشِّرْكَ؟ قِيلَ: نَعَمْ إِذَا تَابَ مِنْهُ الْمُشْرِكُ وَإِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣] لِمَنْ يَشَاءُ، كَمَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقْرَؤُهُ: وَأَنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَثْنَى مِنْهُ الشِّرْكَ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ إِلَّا بَعْدَ تَوْبَةٍ بِقَوْلِهِ: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ [مريم: ٦٠] فَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَإِنَّ صَاحِبَهُ فِي مَشِيئَةِ رَبِّهِ، إِنْ شَاءَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ، فَعَفَا لَهُ عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَدَلَ عَلَيْهِ فَجَازَاهُ بِهِ
٢٠ / ٢٢٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٣]
٢٠ / ٢٣٠
فَإِنَّهُ يَعْنِي: «لَا تَيْأَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» كَذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ⦗٢٣١⦘ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَاتِ قَبْلُ فِيمَا مَضَى وَبَيَّنَا مَعْنَاهُ
٢٠ / ٢٣٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣] يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَسْتُرُ عَلَى الذُّنُوبِ كُلِّهَا بِعَفْوِهِ عَنْ أَهْلِهَا وَتَرْكِهِ عُقُوبَتَهُمْ عَلَيْهَا إِذَا تَابُوا مِنْهَا ﴿إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يوسف: ٩٨] بِهِمْ، أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَيْهَا بَعْدَ تَوْبَتِهِمْ مِنْهَا
٢٠ / ٢٣١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَقْبِلُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى رَبِّكُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ لَهُ، وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِلَى مَا دَعَاكُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَإِفْرَادِ الْأُلُوهَةِ لَهُ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ
٢٠ / ٢٣١
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٤]: «أَيْ أَقْبِلُوا إِلَى رَبِّكُمْ»
٢٠ / ٢٣١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَأَنِيبُوا﴾ [الزمر: ٥٤] قَالَ: «أَجِيبُوا»
٢٠ / ٢٣١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٤] قَالَ: «الْإِنَابَةُ: الرُّجُوعُ إِلَى الطَّاعَةِ، وَالنِّزُوعُ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ»: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ﴾ [الروم: ٣١]
٢٠ / ٢٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَسْلِمُوا لَهُ﴾ [الزمر: ٥٤] يَقُولُ: وَاخْضَعُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ وَالْإِقْرَارِ بِالدِّينِ الْحَنِيفِيِّ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ [الزمر: ٥٤] مِنْ عِنْدِهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ﴿ثُمَّ لَا ⦗٢٣٢⦘ تُنْصَرُونَ﴾ [هود: ١١٣] يَقُولُ: ثُمَّ لَا يَنْصُرُكُمْ نَاصِرٌ، فَيَنْقِذُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ النَّازِلِ بِكُمْ
٢٠ / ٢٣١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّبَعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّبِعُوا أَيُّهَا النَّاسُ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ فِي تَنْزِيلِهِ، وَاجْتَنِبُوا مَا نَهَاكُمْ فِيهِ عَنْهُ، وَذَلِكَ هُوَ أَحْسَنُ مَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ شَيْءٍ؟ قِيلَ لَهُ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ حَسَنٌ، وَلَيْسَ مَعْنَى ذَلِكَ مَا تَوَهَّمْتَ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: وَاتَّبِعُوا مِمَّا أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ رَبُّكُمْ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْي وَالْخَبَرِ وَالْمَثَلِ وَالْقَصَصِ وَالْجَدَلِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ أَحْسَنَهُ، أَنْ تَأْتَمِرُوا لَأَمْرِهِ، وَتَنْتَهُوا عَمَّا نَهَى عَنْهُ، لِأَنَّ النَّهْيَ مِمَّا أُنْزِلَ فِي الْكِتَابِ، فَلَوْ عَمِلُوا بِمَا نُهُوا عَنْهُ كَانُوا عَامِلِينَ بِأَقْبَحِهِ، فَذَلِكَ وَجْهُهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٣٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ: «مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فِي الْكِتَابِ» ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾ [الزمر: ٥٤] وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ: «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ عَذَابُ اللَّهِ فَجْأَةً» ﴿وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الزمر: ٥٥] يَقُولُ: «وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِهِ حَتَّى يَغْشَاكُمْ فَجْأَةً»
٢٠ / ٢٣٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ ⦗٢٣٣⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ﴾ [الزمر: ٥٦] بِمَعْنَى لِئَلَّا تَقُولَ نَفْسٌ ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدُ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] بِمَعْنَى: أَنْ لَا تَمِيدَ بِكُمْ، فَأَنْ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ
٢٠ / ٢٣٢
وَقَوْلُهُ ﴿يَا حَسْرَتَا﴾ يَعْنِي أَنْ تَقُولَ: يَا نَدَمَا
٢٠ / ٢٣٣
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثني أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَا حَسْرَتَا﴾ قَالَ: «النَّدَامَةُ» وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ ﴿يَا حَسْرَتَا﴾ هِيَ كِنَايَةُ الْمُتَكَلِّمِ، وَإِنَّمَا أُرِيدَ: يَا حَسْرَتِي؛ وَلَكِنَّ الْعَرَبَ تُحَوِّلُ الْيَاءَ فِي كِنَايَةِ اسْمِ الْمُتَكَلِّمِ فِي الِاسْتِغَاثَةِ أَلِفًا، فَتَقُولُ: يَا وَيْلَتَا، وَيَا نَدَمَا، فَيُخْرِجُونَ ذَلِكَ عَلَى لَفْظِ الدُّعَاءِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: يَا حَسْرَةَ عَلَى الْعِبَادِ، كَمَا قِيلَ: يَا لَهْفَ، وَيَا لَهْفًا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ أَبَا ثَرْوَانَ أَنْشَدَهُ:
[البحر الطويل]
تَزُورُونَهَا وَلَا أَزُورُ نِسَاءَكُمْ … أَلَهْفِ لِأَوْلَادِ الْإِمَاءِ الْحَوَاطِبِ
خَفْضًا كَمَا يُخْفَضُ فِي النِّدَاءِ إِذَا أَضَافَهُ الْمُتَكَلِّمُ إِلَى نَفْسِهِ، وَرُبَّمَا أَدْخَلُوا الْهَاءَ
٢٠ / ٢٣٣
بَعْدَ هَذِهِ الْأَلْفِ، فَيُخْفِضُونَهَا أَحْيَانًا، وَيَرْفَعُونَهَا أَحْيَانًا؛ وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ أَنَّ بَعْضَ بَنِي أَسَدٍ أَنْشَدَ:
[البحر الرجز]
يَا رَبِّ يَا رَبَّاهُ إِيَّاكَ أَسَلْ … عَفْرَاءَ يَا رَبَّاهُ مِنْ قَبْلِ الْأَجَلِ
خَفْضًا، قَالَ: وَالْخَفْضُ أَكْثَرُ فِي كَلَامِهِمْ، إِلَّا فِي قَوْلِهِمْ: يَا هَنَاهُ، وَيَا هَنْتَاهُ، فَإِنَّ الرَّفْعَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنَ الْخَفْضِ، لِأَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ، حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ حَرْفٌ وَاحِدٌ
٢٠ / ٢٣٤
وَقَوْلُهُ: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦] يَقُولُ عَلَى مَا ضَيَّعْتُ مِنَ الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ، وَقَصَرْتُ فِي الدُّنْيَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٣٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ يَقُولُ: «فِي أَمْرِ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٣٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦] قَالَ: «فِي أَمْرِ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٣٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ [الزمر: ٥٦] قَالَ: «تَرَكْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٣٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٦] يَقُولُ: وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ قَالَ: «فَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَةَ اللَّهِ حَتَّى جَعَلَ يَسْخَرُ بِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ صِنْفٍ مِنْهُمْ»
٢٠ / ٢٣٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٦] يَقُولُ: «مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِالْكِتَابِ، وَبِمَا جَاءَ بِهِ»
٢٠ / ٢٣٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَسْلِمُوا لَهُ، أَنْ لَا تَقُولَ نَفْسٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، فِي أَمْرِ اللَّهِ، وَأَنْ لَا تَقُولَ نَفْسٌ لِأُخْرَى: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لِلْحَقِّ، فَوَفَّقَنِي لِلرَّشَادِ لَكُنْتُ مِمَّنِ اتَّقَاهُ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِ رِضَاهُ، أَوْ ⦗٢٣٦⦘ أَنْ لَا تَقُولَ أُخْرَى حِينَ تَرَى عَذَابَ اللَّهِ فَتُعَايِنُهُ ﴿لَوْ أَنَّ لِيَ كَرَّةً﴾ [الزمر: ٥٨] تَقُولُ لَوْ أَنَّ لِيَ رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا ﴿فَأَكُونُ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٨] الَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٣٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا قَوْلُ صِنْفٍ مِنْهُمْ» ﴿أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي﴾ [الزمر: ٥٧] الْآيَةَ، قَالَ: «هَذَا قَوْلُ صِنْفٍ آخَرَ»: ﴿أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ﴾ [الزمر: ٥٨] الْآيَةَ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ ﴿لَوْ أَنَّ لِيَ كَرَّةً﴾ [الزمر: ٥٨] «رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، قَالَ: هَذَا صِنْفٌ آخَرُ»
٢٠ / ٢٣٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ﴾ قَالَ: «أَخْبَرَ اللَّهُ مَا الْعِبَادُ قَائِلُوهُ قَبْلَ أَنْ يَقُولُوهُ، وَعَمَلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهُ، قَالَ: ﴿وَلَا يُنْبِئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤] ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٨] يَقُولُ: مِنَ الْمُهْتَدِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَوْ رُدُّوا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْهُدَى، وَقَالَ ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨] وَقَالَ: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ [الأنعام: ١١٠] كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، قَالَ: وَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا ⦗٢٣٧⦘ لَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْهُدَى، كَمَا حِلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُمْ فِي الدُّنْيَا» وَفِي نَصْبِ قَوْلِهِ ﴿فَأَكُونَ﴾ [الزمر: ٥٨] وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ لَوْ وَالثَّانِي: عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَوْضِعِ الْكَرَّةِ وَتَوْجِيهُ الْكَرَّةِ فِي الْمَعْنَى إِلَى: لَوْ أَنَّ لِيَ أَنْ أَكَرَّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل]
فَمَا لَكَ مِنْهَا غَيْرُ ذِكْرَى وَحَسْرَةٍ … وَتَسْأَلَ عَنْ رُكْبَانِهَا أَيْنَ يَمَّمُوا؟
فَنَصَبَ تَسْأَلَ عَطْفًا بِهَا عَلَى مَوْضِعِ الذِّكْرَى، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: فَمَا لَكَ غَيْرُ أَنْ تَذْكُرَ وَتَسْأَلَ
٢٠ / ٢٣٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُكَذِّبًا الْقَائِلَ: ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزمر: ٥٧]، وَلِلْقَائِلِ: ﴿لَوْ أَنَّ لِيَ كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: ٥٨]: مَا الْقَوْلُ كَمَا تَقُولُونَ ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ﴾ [الزمر: ٥٩] أَيُّهَا الْمُتَمَنِّي عَلَى اللَّهِ الرَّدَّ إِلَى الدُّنْيَا لِتَكُونَ فِيهَا مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿آيَاتِي﴾ [الأنعام: ١٣٠] يَقُولُ: قَدْ جَاءَتْكَ حُجَجِي مِنْ بَيْنِ رَسُولٍ أَرْسَلْتُهُ إِلَيْكَ، وَكِتَابٍ أَنْزَلْتُهُ يُتْلَى عَلَيْكَ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّذْكِيرِ ﴿فَكَذَبْتَ﴾ [يوسف: ٢٧]⦗٢٣٨⦘ بِآيَاتِي ﴿وَاسْتَكْبَرْتَ﴾ [الزمر: ٥٩] عَنْ قَبُولِهَا وَاتِّبَاعِهَا ﴿وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٥٩] يَقُولُ: وَكُنْتَ مِمَّنْ يَعْمَلُ عَمَلَ الْكَافِرِينَ، وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِمْ، وَيَتَّبِعُ مِنْهَاجَهُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٣٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «يَقُولُ اللَّهُ رَدًّا لِقَوْلِهِمْ، وَتَكْذِيبًا لَهُمْ، يَعْنِي لِقَوْلِ الْقَائِلِينَ: ﴿لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي﴾ [الزمر: ٥٧]، وَالصِنْفِ الْآخَرِ: ﴿بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي﴾ [الزمر: ٥٩] الْآيَةَ» وَبِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّاءِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَبْتَ﴾ [الزمر: ٥٩] عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ لِلذُّكُورِ، قَرَأَهُ الْقُرَّاءُ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِكَسْرِ جَمِيعِهِ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِلنَّفْسِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ، بَلَى قَدْ جَاءَتْكِ أَيَّتُهَا النَّفْسُ آيَاتِي، فَكَذَبْتِ بِهَا، أَجْرَى الْكَلَامَ كُلَّهُ عَلَى النَّفْسِ، إِذْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِهَا جَرَى، وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا، مَا جَاءَتْ بِهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ مُجْمِعَةً عَلَيْهِ، نَقْلًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ الْفَتْحُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ
٢٠ / ٢٣٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى﴾ [الزمر: ٦٠] يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ ﴿الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ﴾ [الزمر: ٦٠] مِنْ قَوْمِكَ فَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَأَنَّ لَهُ شَرِيكًا، وَعَبَدُوا آلِهَةً مِنْ دُونِهِ
٢٠ / ٢٣٨
﴿وَجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠]؛ وَالْوُجُوهُ وَإِنْ كَانَتْ مَرْفُوعَةً بِمُسْوَدَّةٌ، فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى نَصْبٍ، لِأَنَّهَا مَعَ خَبَرِهَا تَمَامُ تَرَى وَلَوْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ مُسْوَدَّةٌ قَبْلَ الْوجُوهِ، كَانَ نَصْبًا، وَلَوْ نَصَبَ الْوجُوهَ الْمُسْوَدَّةَ نَاصِبٌ فِي الْكَلَامِ لَا فِي الْقُرْآنِ، إِذَا كَانَتِ الْمُسْوَدَّةُ مُؤْخِرَةً كَانَ جَائِزًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الوافر]
ذَرِينِي إِنَّ أَمْرَكِ لَنْ يُطَاعَا … وَمَا أَلْفَيْتَنِي حِلْمِي مُضَاعَا
فَنُصِبَ الْحِلْمُ وَالْمُضَاعُ عَلَى تَكْرِيرِ أَلْفَيْتَنِي، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ مَا احْتَاجَ إِلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ، مِثْلُ ظَنَّ وَأَخَوَاتِهَا؛ وَفِي مُسْوَدَّةٌ لِلْعَرَبِ لُغَتَانِ: مُسْوَدَّةٌ، وَمُسْوَادَّةٌ، وَهِيَ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ يَقُولُونَ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُمْ: قَدِ اسْوَادَّ وَجْهُهُ، وَاحْمَارَّ، وَاشْهَابَّ وَذَكَرَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَكُونُ افْعَالَّ إِلَّا فِي ذِي اللَّوْنِ الْوَاحِدِ نَحْوَ الْأَشْهَبِ، قَالَ: وَلَا يَكُونُ فِي نَحْوِ الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّ الْأَشْهَبَ لَوْنٌ يُحْدَثُ، وَالْأَحْمَرُ لَا يُحْدَثُ
٢٠ / ٢٣٩
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠] يَقُولُ: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمِ مَأْوًى وَمَسْكَنٌ لِمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى اللَّهِ، فَامْتَنَعَ مِنْ تَوْحِيدِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَهُ وَنَهَاهُ عَنْهُ
٢٠ / ٢٣٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيُنَجِّي اللَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ وَعَذَابِهَا، الَّذِينَ اتَّقَوْهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ فِي الدُّنْيَا، بِمَفَازَتِهِمْ: يَعْنِي بِفَوْزِهِمْ، وَهِيَ مُفْعَلَةٌ مِنْهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَإِنْ خَالَفَتْ أَلْفَاظُ بَعْضِهِمُ اللَّفْظَةَ الَّتِي قُلْنَاهَا فِي ذَلِكَ
٢٠ / ٢٤٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ [الزمر: ٦١] قَالَ: «بِفَضَائِلِهِمْ»
٢٠ / ٢٤٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ [الزمر: ٦١] قَالَ: «بِأَعْمَالِهِمْ، قَالَ: وَالْآخَرُونَ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ﴿وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾ [النحل: ٢٥] وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ: ﴿بِمَفَازَتِهِمْ﴾ [الزمر: ٦١] عَلَى التَّوْحِيدِ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ
٢٠ / ٢٤٠
: (بِمَفَازَاتِهِمْ) عَلَى الْجِمَاعِ وَالصَّوَابُ عِنْدِي مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِاتِّفَاقِ مَعْنَيَيْهِمَا؛ وَالْعَرَبُ تُوَحِّدُ مِثْلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا وَتَجْمَعُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ: سَمِعْتُ صَوْتَ الْقَوْمِ، وَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩]، وَلَمْ يَقُلْ: أَصْوَاتُ الْحَمِيرِ، وَلَوْ جَاءَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ صَوَابًا
٢٠ / ٢٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَمَسَّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [الزمر: ٦١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَمَسُّ الْمُتَّقِينَ مِنْ أَذَى جَهَنَّمَ شَيْءٌ، وَهُوَ السُّوءُ الَّذِي أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ لَنْ يَمَسَّهُمْ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ؛ يَقُولُ: وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ آرَابِ الدُّنْيَا، إِذْ صَارُوا إِلَى كَرَامَةِ اللَّهِ وَنُعَيْمِ الْجِنَّانِ
٢٠ / ٢٤١
وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الزمر: ٦٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهَةُ مِنْ كُلِّ خَلْقِهِ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، لَا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ [الأنعام: ١٠٢]؛ يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَيِّمٌ بِالْحِفْظِ وَالْكَلَاءَةِ
٢٠ / ٢٤١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَفْتَحُ مِنْهَا عَلَى مَنْ ⦗٢٤٢⦘ يَشَاءُ، وَيُمْسِكُهَا عَمَّنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ؛ وَاحِدُهَا: مِقْلِيدُ. وَأَمَّا الْإِقْلِيدُ: فَوَاحِدُ الْأَقَالِيدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٤١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ «مَفَاتِيحُهَا»
٢٠ / ٢٤٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ «أَيْ مَفَاتِيحُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٢٠ / ٢٤٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَوْلُهُ: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٢٠ / ٢٤٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قَالَ: «الْمَقَالِيدُ: الْمَفَاتِيحُ، قَالَ: لَهُ مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»
٢٠ / ٢٤٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الزمر: ٦٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِحُجَجِ اللَّهِ فَكَذَّبُوا بِهَا وَأَنْكَرُوهَا، أُولَئِكَ هُمُ الْمَغْبُونُونَ ⦗٢٤٣⦘ حُظُوظَهُمْ مِنْ خَيْرِ السَّمَوَاتِ الَّتِي بِيَدِهِ مَفَاتِيحُهَا، لِأَنَّهُمْ حُرِمُوا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الْآخِرَةِ بِخُلُودِهِمْ فِي النَّارِ، وَفِي الدُّنْيَا بِخُذْلَانِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ عز وجل
٢٠ / ٢٤٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَفَغَيْرُ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِمُشْرِكِي قَوْمِكَ، الدَّاعِيكَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ﴾ [الأنعام: ١١٤] أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ بِاللَّهِ ﴿تَأْمُرُونِّيَ﴾ [الزمر: ٦٤] أَنْ ﴿أَعْبُدُ﴾ [الأنعام: ٥٦] وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءٍ سِوَاهُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْعَامِلِ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَفَغَيْرَ﴾ [آل عمران: ٨٣] النَّصْبَ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي، يَقُولُ: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَعْبُدُ تَأْمُرُونِّي، كَأَنَّهُ أَرَادَ الْإِلْغَاءَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَمَا تَقُولُ: ذَهَبَ فَلَأَنٌ يَدْرِي، جَعَلَهُ عَلَى مَعْنَى فَمَا يَدْرِي وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: غَيْرَ مُنْتَصِبَةٌ بِأَعْبُدُ، وَأَنْ تُحْذَفُ وَتُدْخَلُ، لِأَنَّهَا عَلَمٌ لِلِاسْتِقْبَالِ، كَمَا تَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَضْرِبَ، وَأُرِيدُ أَضْرِبَ، وَعَسَى أَنْ أَضْرِبَ، وَعَسَى أَضْرِبَ، فَكَانَتْ فِي طَلَبِهَا الِاسْتِقْبَالَ، كَقَوْلِكَ: زَيْدًا سَوْفَ أَضْرِبُ، فَلِذَلِكَ حُذِفَتْ وَعَمِلَ مَا بَعْدَهَا فِيمَا قَبْلَهَا، وَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى اللَّغْوِ
٢٠ / ٢٤٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [الزمر: ٦٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ أَوْحَى إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ، وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مِنَ الرُّسُلِ ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] يَقُولُ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ بِاللَّهِ شَيْئًا يَا مُحَمَّدُ، لَيَبْطُلَنَّ عَمَلُكَ، وَلَا تَنَالُ بِهِ ثَوَابًا، وَلَا تُدْرِكُ جَزَاءً إِلَّا جَزَاءَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ، وَهَذَا مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ؛ وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ، وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ، بِمَعْنَى: وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ مِنَ الرُّسُلِ مِنْ ذَلِكَ، مِثْلَ الَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْهُ، فَاحْذَرْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا فَتَهْلَكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥] وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْهَالِكِينَ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ إِنْ أَشْرَكْتَ بِهِ شَيْئًا
٢٠ / ٢٤٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: لَا تَعْبُدْ مَا أَمَرَكَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ بِعِبَادَتِهِ، بَلِ اللَّهُ فَاعْبُدْ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ ﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٤] لِلَّهِ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيْكَ بِمَا أَنْعَمَ مِنَ الْهِدَايَةِ لِعِبَادَتِهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَنُصْبَ اسْمُ اللَّهِ بِقَوْلِهِ ﴿فَاعْبُدْ﴾ [الزمر: ٢] وَهُوَ بَعْدَهُ، لِأَنَّهُ رَدَّ الْكَلَامِ، وَلَوْ نُصِبَ بِمُضْمَرٍ قَبْلَهُ، إِذَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ: زَيْدٌ فَلْيَقُمْ وَزَيْدًا فَلْيَقُمْ رَفْعًا وَنَصْبًا، الرَّفْعُ عَلَى فَلْيَنْظُرْ زَيْدٌ،
٢٠ / ٢٤٤
فَلْيَقُمْ، وَالنَّصْبُ عَلَى انْظُرُوا زَيْدًا فَلْيَقُمْ كَانَ صَحِيحًا جَائِزًا
٢٠ / ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا عَظَّمَ اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الَّذِينَ يَدْعُونَكَ إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] قَالَ: «هُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِقُدْرَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَمَنْ آمَنَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَقَدْ قَدَّرَ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِذَلِكَ، فَلَمْ يُقَدِّرِ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»
٢٠ / ٢٤٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ،. قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١]: «مَا عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ»
٢٠ / ٢٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْأَرْضُ كُلُّهَا قَبْضَتُهُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴿وَالسَّمَوَاتُ﴾ كُلُّهَا ﴿مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] فَالْخَبَرُ عَنِ الْأَرْضِ مُتَنَاهٍ عِنْدَ قَوْلِهِ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْأَرْضُ مَرْفُوعَةٌ بِقَوْلِهِ ﴿قَبْضَتُهُ﴾ [الزمر: ٦٧]، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْخَبَرَ عَنِ السَّمَوَاتِ، فَقَالَ: ﴿وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ وَهِيَ مَرْفُوعَةٌ بِمَطْوِيَّاتٍ ⦗٢٤٦⦘ وَرُوِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ جَمِيعًا فِي يَمِينِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢٠ / ٢٤٥
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] يَقُولُ: «قَدْ قَبَضَ الْأَرَضِينَ وَالسَّمَوَاتِ جَمِيعًا بِيَمِينِهِ أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ»: ﴿مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧] يَعْنِي: الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ جَمِيعًا «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَإِنَّمَا يَسْتَعِينُ بِشِمَالِهِ الْمَشْغُولَةُ يَمِينُهُ»
٢٠ / ٢٤٦
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ،. قَالَ: ثني أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي يَدِ اللَّهِ إِلَّا كَخَرْدَلَةٍ فِي يَدِ أَحَدِكُمْ»
٢٠ / ٢٤٦
قَالَ ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثنا النَّضْرُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ رَبِيعَةَ الْجَرَسِيِّ، قَالَ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ قَالَ: «وَيَدُهُ الْأُخْرَى خُلُوٌّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ»
٢٠ / ٢٤٦
حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيُّ، قَالَ ثنا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] قَالَ: «كَأَنَّهَا ⦗٢٤٧⦘ جَوْزَةٌ بِقَضِّهَا وَقَضِيضِهَا»
٢٠ / ٢٤٦
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] يَقُولُ: «السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ جَمِيعًا» وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّمَا يَسْتَعِينُ بِشِمَالِهِ الْمَشْغُولَةُ يَمِينُهُ، وَإِنَّمَا الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ كُلُّهَا بِيَمِينِهِ، وَلَيْسَ فِي شِمَالِهِ شَيْءٌ
٢٠ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَمَرَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “يَأْخُذُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَيْنِ السَّبْعَ فَيَجْعَلُهَا فِي كَفِّهِ، ثُمَّ يَقُولُ بِهِمَا كَمَا يَقُولُ الْغُلَامُ بِالْكُرَةِ: أَنَا اللَّهُ الْوَاحِدُ، أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ «حَتَّى لَقَدْ رَأَيْنَا الْمِنْبَرَ وَإِنَّهُ لَيَكَادُ أَنْ يَسْقُطَ بِهِ»
٢٠ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: ثني مَنْصُورٌ وَسُلَيْمَانُ، ⦗٢٤٨⦘ عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: جَاءَ يَهُودِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْخَلَائِقَ عَلَى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ؛ قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَقَالَ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١]
٢٠ / ٢٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى، قَالَ: ثنا فُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا»
٢٠ / ٢٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ جَاءَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «حَدِّثْنَا»، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، جَعَلَ السَّمَوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْمَاءَ وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَجَمِيعَ الْخَلَائِقِ عَلَى أُصْبُعٍ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، قَالَ: «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيقًا لِمَا قَالَ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الْآيَةَ» حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، نَحْوُ ذَلِكَ
٢٠ / ٢٤٨
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، وَعَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ، قَالَ: ثنا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ يَهُودِيٌّ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: «يَا يَهُودِيُّ حَدِّثْنَا»، فَقَالَ: كَيْفَ تَقُولُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ يَوْمَ يَجْعَلُ اللَّهُ السَّمَاءَ عَلَى ذِهْ، وَالْأَرْضَ عَلَى ذِهْ، وَالْجِبَالَ عَلَى ذِهْ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى ذِهْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] الْآيَةَ “
٢٠ / ٢٤٩
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَبَلَغَكَ أَنَّ اللَّهَ يَحْمِلُ الْخَلَائِقَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالسَّمَوَاتَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالْأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ؟ قَالَ فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ﴾ [الزمر: ٦٧] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ” وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السَّمَوَاتُ فِي يَمِينِهِ، وَالْأَرَضُونَ فِي شِمَالِهِ
٢٠ / ٢٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: ثني أَبُو حَازِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ: رَأَيْتُ ⦗٢٥٠⦘ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدَيْهِ» وَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَيْهِ، وَجَعَلَ يَقْبِضُهُمَا وَيَبْسُطُهُمَا، قَالَ: «ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الرَّحْمَنُ أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ» وَتَمَايَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ “
٢٠ / ٢٤٩
حَدَّثَنِي أَبُو عَلْقَمَةَ الْفَرْوِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثني عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «يَأْخُذُ الْجَبَّارُ سَمَوَاتِهِ وَأَرْضَهُ بِيَدِهِ»، وَقَبَضَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُهَا، ثُمَّ يَقُولُ: «أَنَا الْجَبَّارُ، أَنَا الْمَلِكُ، أَيْنَ الْجَبَّارُونَ، أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟» قَالَ: وَيَمِيلُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى الْمِنْبَرِ يَتَحَرَّكُ مِنْ أَسْفَلِ شَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ: أَسَاقِطٌ هُوَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ “
٢٠ / ٢٥٠
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَقْبِضُ اللَّهَ عز وجل الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَطْوِي السَّمَوَاتِ بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ مُلُوكُ ⦗٢٥١⦘ الْأَرْضِ؟»
٢٠ / ٢٥٠
حُدِّثْتُ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: ثنا إِدْرِيسُ بْنُ يَحْيَى الْقَائِدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبِضُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيَدِهِ، وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ»
٢٠ / ٢٥١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، قَالَ: ثنا أَبُو الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ ثَوْبَانَ الْكَلَاعِيُّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ فَأَيْنَ الْخَلْقُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «هُمْ فِيهَا كَرَقْمِ الْكِتَابِ»
٢٠ / ٢٥١
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: ثنا عَمْرُو بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: ثني سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «يَطْوِي اللَّهُ السَّمَوَاتِ فَيَأْخُذُهُنَّ بِيَمِينِهِ وَيَطْوِي الْأَرْضَ فَيَأْخُذُهَا بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ» وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ مِنْ أَجْلِ يَهُودِيٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ صِفَةِ الرَّبِّ
٢٠ / ٢٥١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، قَالَ: ثني ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: «أَتَى رَهْطٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، هَذَا اللَّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ، فَمَنْ خَلْقَهُ؟ فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى انْتَقَعَ لَوْنُهُ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبِّهِ؛ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَسَكَّنَهُ، وَقَالَ: اخْفِضْ عَلَيْكَ جَنَاحَكَ يَا مُحَمَّدُ، وَجَاءَهُ مِنَ اللَّهِ جَوَابُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تبارك وتعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ٢] فَلَمَّا تَلَاهَا عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ ﷺ قَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ؛ كَيْفَ خَلْقُهُ، وَكَيْفَ عَضُدُهُ، وَكَيْفَ ذِرَاعُهُ؟ فَغَضِبَ النَّبِيُّ ﷺ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَاوَرَهُمْ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ، وَأَتَاهُ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾»
٢٠ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ: “تَكَلَّمَتِ الْيَهُودُ فِي صِفَةِ الرَّبِّ، فَقَالُوا مَا لَمْ يَعْلَمُوا وَلَمْ يَرَوْا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] ثُمَّ بَيَّنَ لِلنَّاسِ عَظَمَتَهُ فَقَالَ: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ «فَجَعَلَ صِفَتَهُمُ الَّتِي وَصَفُوا اللَّهَ بِهَا شِرْكًا» ⦗٢٥٣⦘ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ يَقُولُ فِي قَدَّرْتِهِ، نَحْوُ قَوْلِهِ: ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣٦] أَيْ وَمَا كَانَتْ لَكُمْ عَلَيْهِ قُدْرَةٌ وَلَيْسَ الْمِلْكُ لِلْيَمِينِ دُونَ سَائِرِ الْجَسَدِ، قَالَ: وَقَوْلُهُ ﴿قَبْضَتُهُ﴾ [الزمر: ٦٧] نَحْوُ قَوْلُكَ لِلرَّجُلِ: هَذَا فِي يَدِكَ وَفِي قَبْضَتِكَ وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعَنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، تَشْهَدُ عَلَيَّ بِطُولِ هَذَا الْقَوْلِ
٢٠ / ٢٥٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، عَنْ قَوْلِهِ ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الزمر: ٦٧] فَأَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ»
٢٠ / ٢٥٣
وَقَوْلُهُ ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [يونس: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَنْزِيهًا وَتَبْرِئَةً لِلَّهِ، وَعُلُوًّا وَارْتِفَاعًا عَمَّا يُشْرِكُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، الْقَائِلُونَ لَكَ: اعْبُدِ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَاسْجُدْ لِآلِهَتِنَا
٢٠ / ٢٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ ⦗٢٥٤⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَفَخَ إِسْرَافِيلُ فِي الْقَرْنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الصُّورِ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ، وَالصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ / ٢٥٣
وَقَوْلُهُ ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: مَاتَ، وَذَلِكَ فِي النَّفْخَةِ الْأُولَى
٢٠ / ٢٥٤
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ قَالَ: «مَاتَ»
٢٠ / ٢٥٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي عَنَى اللَّهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنَى بِهِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكُ الْمَوْتِ
٢٠ / ٢٥٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ «جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ»
٢٠ / ٢٥٤
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثنا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَمِّهِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ فَقِيلَ: مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «جَبْرَائِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَإِذَا قَبَضَ أَرْوَاحَ الْخَلَائِقِ قَالَ: ⦗٢٥٥⦘ يَا مَلَكُ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ؛ قَالَ: يَقُولُ: سُبْحَانَكَ تَبَارَكْتَ رَبِّي ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ؛ قَالَ: يَقُولُ يَا مَلَكَ الْمَوْتِ خُذْ نَفْسَ مِيكَائِيلَ؛ قَالَ: فَيَقَعُ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، بَقِيَ جِبْرِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا مَلَكَ الْمَوْتِ مُتْ، قَالَ: فَيَمُوتُ؛ قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ بَقِيَ؟ قَالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، بَقِيَ جِبْرِيلُ، وَهُوَ مِنَ اللَّهِ بِالْمَكَانِ الَّذِي هُوَ بِهِ؛ قَالَ: فَيَقُولُ يَا جِبْرِيلُ لَا بُدَّ مِنْ مَوْتَةٍ؛ قَالَ: فَيَقَعُ سَاجِدًا يَخْفِقُ بِجَنَاحَيْهِ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ رَبِّي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، أَنْتَ الْبَاقِي وَجِبْرِيلُ الْمَيِّتُ الْفَانِي: قَالَ: وَيَأْخُذُ رُوحَهُ فِي الْحَلْقَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا، قَالَ: فَيَقَعُ عَلَى مِيكَائِيلَ أَنَّ فَضْلَ خَلْقِهِ عَلَى خَلْقِ مِيكَائِيلَ كَفَضْلِ الطَّوْدِ الْعَظِيمِ عَلَى الظَّرْبِ مِنَ الظِّرَابِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِذَلِكَ الشُّهَدَاءَ
٢٠ / ٢٥٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ ذِي حُجْرٍ الْيَحْمِدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فِي قَوْلِهِ: فَصَعِقَ مَنْ فِي ⦗٢٥٦⦘ السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: «الشُّهَدَاءُ ثَنِيَّةُ اللَّهِ حَوْلَ الْعَرْشِ، مُتَقَلِّدِينَ السُّيُوفَ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْفَزَعِ: الشُّهَدَاءَ، وَفِي الصَّعْقِ: جِبْرِيلَ، وَمَلَكَ الْمَوْتِ، وَحَمَلَةَ الْعَرْشِ
٢٠ / ٢٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَالْخَبَرُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ لَيْهِ وَسَلَّمَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، مِنَ الْأَنْصَارِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ثَلَاثَ نَفَخَاتٍ: الْأُولَى: نَفْخَةُ الْفَزَعِ، وَالثَّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَالثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ تبارك وتعالى؛ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الْأُولَى، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الْفَزَعِ، فَتَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ»؛ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنِ اسْتَثْنَى حِينَ يَقُولُ: ﴿فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قَالَ: «أُولَئِكَ الشُّهَدَاءُ، وَإِنَّمَا يَصِلُ الْفَزَعُ إِلَى الْأَحْيَاءِ، أُولَئِكَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَقَاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّنَهُمْ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ، فَيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ، فَيُصْعَقُ أَهْلُ ⦗٢٥٧⦘ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى الْجَبَّارِ تبارك وتعالى فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شِئْتَ، فَيَقُولُ لَهُ وَهُوَ أَعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: اسْكُتْ إِنِّي كَتَبْتُ الْمَوْتَ عَلَى مَنْ كَانَ تَحْتَ عَرْشِي؛ ثُمَّ يَأْتِي مَلَكُ الْمَوْتِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ مَاتَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ؛ فَيَقُولُ اللَّهُ وَهُوَ أَعْلَمُ: فَمَنْ بَقِيَ؟ فَيَقُولُ بَقِيتُ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَبَقِيَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ، وَبَقِيتُ أَنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ: فَلْيَمُتْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، فَيَمُوتُونَ؛ وَيَأْمُرُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَرْشَ فَيَقْبِضُ الصُّورَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَدْ مَاتَ حَمَلَةُ عَرْشِكَ؛ فَيَقُولُ: مَنْ بَقِيَ؟ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَيَقُولُ: بَقِيتَ أَنْتَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَبَقِيتُ أَنَا قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ: أَنْتَ مِنْ خَلْقِي خَلَقْتُكَ لِمَا رَأَيْتُ، فَمُتْ لَا تَحْيَى، فَيَمُوتُ» وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ، لِأَنَّ الصَّعْقَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْمَوْتُ وَالشُّهَدَاءُ وَإِنْ كَانُوا عِنْدَ اللَّهِ أَحْيَاءً كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَإِنَّهُمْ قَدْ ذَاقُوا الْمَوْتَ قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الِاسْتِثْنَاءَ مِنَ الَّذِينَ صَعِقُوا عِنْدَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ، لَا مِنَ الَّذِينَ قَدْ مَاتُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ وَدَهْرٍ طَوِيلٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَازَ ⦗٢٥٨⦘ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، وَذَاقَ الْمَوْتَ قَبْلَ وَقْتِ نَفْخَةِ الصَّعْقِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَنْ قَدْ هَلَكَ، فَذَاقَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُصْعَقُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ لَا يُجَدَّدُ لَهُ مَوْتٌ آخَرُ فِي تِلْكَ الْحَالِ
٢٠ / ٢٥٦
وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَسْتَثني اللَّهُ وَمَا يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السَّمَوَاتِ وَلَا أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا أَذَاقَهُ الْمَوْتَ؟ قَالَ قَتَادَةُ: قَدِ اسْتَثْنَى اللَّهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِلَى مَا صَارَتْ ثنيتَهُ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ: «أَتَانِي مَلَكٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اخْتَرْ نَبِيًّا مَلِكًا، أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا؛ فَأَوْمَأَ إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعْ، قَالَ: نَبِيًّا عَبْدًا، قَالَ فَأُعْطِيتُ خَصْلَتَيْنِ: أَنْ جُعِلْتَ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضَ، وَأَوَّلَ شَافِعٍ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَجِدُ مُوسَى آخِذًا بِالْعَرْشِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَصِعِقَ بَعْدَ الصَّعْقَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟»
٢٠ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ يَهُودِيٌّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قَالَ: فَرَفَعَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَدَهُ، فَصَكَّ بِهَا وَجْهَهُ، فَقَالَ: تَقُولُ هَذَا وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ ⦗٢٥٩⦘ يَنْظُرُونَ، فَأَكُونُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي، أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ»
٢٠ / ٢٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كَأَنِّي أَنْفُضُ رَأْسِي مِنَ التُّرَابِ أَوَّلَ خَارِجٍ، فَأَلْتَفِتُ فَلَا أَرَى أَحَدًا إِلَّا مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَمِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ أَنْ لَا تُصِيبَهُ النَّفْخَةُ أَوْ بُعِثَ قَبْلِي»
٢٠ / ٢٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةً أُخْرَى؛ وَالْهَاءُ الَّتِي فِي فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الصُّورِ
٢٠ / ٢٥٩
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى﴾ [الزمر: ٦٨] قَالَ: «فِي الصُّورِ، وَهَى نَفْخَةُ الْبَعْثِ» وَذُكِرَ أَنَّ بَيْنَ النَّخْفَتَيْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً
٢٠ / ٢٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالُوا: يَا أَبَا ⦗٢٦٠⦘ هُرَيْرَةَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ؛ قَالُوا: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ؛ قَالُوا: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ؛ «ثُمَّ يُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُنْبَتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْبَقْلُ، قَالَ: وَلَيْسَ مِنَ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا يَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا، وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»
٢٠ / ٢٥٩
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثنا الْبَلْخِيُّ بْنُ إِيَاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ ﴿فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: الْأُولَى مِنَ الدُّنْيَا، وَالْأَخِيرَةُ مِنَ الْآخِرَةِ “
٢٠ / ٢٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ» قَالَ أَصْحَابُهُ: فَمَا سَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا زَادَنَا عَلَى ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْ رَأْيهِمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُبْعَثُ فِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ مَطَرٌ يُقَالُ لَهُ مَطَرُ الْحَيَاةِ، حَتَّى تَطِيبُ الْأَرْضُ وَتَهْتَزُّ، وَتَنْبُتُ أَجْسَادُ النَّاسِ نَبَاتَ الْبَقْلِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الثَّانِيَةَ ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨]⦗٢٦١⦘ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ، سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ: كَيْفَ يُبْعَثُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «يُبْعَثُونَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ بَنِي ثَلَاثِينَ سَنَةً»
٢٠ / ٢٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] يَقُولُ: فَإِذَا مَنْ صَعِقَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِ اللَّهِ الَّذِينَ كَانُوا أَمْوَاتًا قَبْلَ ذَلِكَ قِيَامٌ مِنْ قُبُورِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ مِنَ الْأَرْضِ أَحْيَاءٌ كَهَيْئَتِهِمْ قَبْلَ مَمَاتِهِمْ يَنْظُرُونَ أَمْرَ اللَّهِ فِيهِمْ
٢٠ / ٢٦١
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ [الزمر: ٦٨] قَالَ: «حِينَ يُبْعَثُونَ»
٢٠ / ٢٦١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَضَاءَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، يُقَالُ: أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، إِذَا صَفَّتْ وَأَضَاءَتْ، وَأَشْرَقَتْ: إِذَا طَلَعَتْ، وَذَلِكَ حِينَ يَبْرُزُ الرَّحْمَنُ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ،. قَالَ. ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: ٦٩] قَالَ: «فَمَا يَتَضَارُّونَ فِي نُورِهِ إِلَّا كَمَا يَتَضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الصَّحْوِ الَّذِي لَا دَخَنَ فِيهِ»
٢٠ / ٢٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزمر: ٦٩] قَالَ: «أَضَاءَتْ»
٢٠ / ٢٦٢
وَقَوْلُهُ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ [الكهف: ٤٩] يَعْنِي: كِتَابَ أَعْمَالِهِمْ لِمُحَاسَبَتِهِمْ وَمُجَازَاتِهِمْ
٢٠ / ٢٦٢
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ [الزمر: ٦٩] قَالَ: «كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ»
٢٠ / ٢٦٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ﴾ [الزمر: ٦٩] قَالَ: «الْحِسَابُ»
٢٠ / ٢٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبَيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩] يَقُولُ: وَجِيءَ بِالنَّبَيِّينَ لِيَسْأَلَهُمْ رَبُّهُمْ عَمَّا أَجَابَتْهُمْ بِهِ أُمَمُهُمْ، وَرَدَّتْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا، حِينَ أَتَتْهُمْ رِسَالَةُ اللَّهِ؛ وَالشُّهَدَاءِ، يَعْنِي بِالشُّهَدَاءِ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَسْتَشْهِدُهُمْ رَبُّهُمْ عَلَى الرُّسُلِ، فِيمَا ذَكَرَتْ مِنْ تَبْلِيغِهَا رِسَالَةَ اللَّهِ الَّتِي أَرْسَلَهُمْ بِهَا رَبُّهُمْ إِلَى أُمَمِهَا، إِذْ جَحَدَتْ أُمَمُهُمْ أَنْ يَكُونُوا أَبْلَغُوهُمْ رِسَالَةَ اللَّهِ، وَالشُّهَدَاءُ: جَمْعُ شَهِيدٍ، وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: ١٤٣] وَقِيلَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: ﴿الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]: الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ وَلَيْسَ لِمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَبِيرُ مَعْنًى، لِأَنَّ عُقَيْبَ قَوْلِهِ: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبَيِّينَ
٢٠ / ٢٦٢
وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٦٩]، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا دَعَى بِالنَّبَيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ لِلْقَضَاءِ بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ وَأُمَمِهَا، وَأَنَّ الشُّهَدَاءَ إِنَّمَا هِيَ جَمْعُ شَهِيدٍ، الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِلْأَنْبِيَاءَ عَلَى أُمَمِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ ﴿وَجِيءَ بِالنَّبَيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩] «فَإِنَّهُمْ لَيَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَبِتَكْذِيبِ الْأُمَمِ إِيَّاهُمْ»
٢٠ / ٢٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنَ الْقَوْلِ الْآخَرِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَجِيءَ بِالنَّبَيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩]: «الَّذِينَ اسْتَشْهَدُوا فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٦٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقُضِيَ بَيْنَ النَّبِيِّينَ وَأُمَمِهِمْ بِالْحَقِّ، وَقَضَاؤُهُ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ، أَنْ لَا يَحْمِلَ عَلَى أَحَدٍ ذَنْبَ غَيْرِهِ، وَلَا يُعَاقِبَ نَفْسًا إِلَّا بِمَا كَسَبَتْ
٢٠ / ٢٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ⦗٢٦٤⦘ وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَوَفَّى اللَّهُ حِينَئِذٍ كُلَّ نَفْسٍ جَزَاءَ عَمَلِهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ فِي الدُّنْيَا مِنْ طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، وَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمُثِيبٌ الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِمَا أَسَاءَ
٢٠ / ٢٦٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ﴾ [الزمر: ٧١] يَقُولُ: وَحُشِرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ إِلَى نَارِهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَمَاعَاتٍ، جَمَاعَةً جَمَاعَةً، وَحِزْبًا حِزْبًا
٢٠ / ٢٦٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧١] قَالَ: «جَمَاعَاتٍ»
٢٠ / ٢٦٤
وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ السَّبْعَةُ ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾ [الزمر: ٧١] قَوَّامُهَا: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ [الزمر: ٧١] يَعْنِي: كِتَابَ اللَّهِ الْمَنْزَلَ عَلَى رُسُلِهِ وَحُجَجَهُ الَّتِي بَعَثَ بِهَا رُسُلَهُ إِلَى أُمَمِهِمْ ﴿وَيَنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ [الأنعام: ١٣٠] يَقُولُ: وَيَنْذِرُونَكُمْ مَا تَلْقَوْنَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا؛ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَيَنْذِرُونَكُمْ مَصِيرَكُمْ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ قَالُوا: بَلَى: يَقُولُ: قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مُجِيبِينَ لَخَزَنَةِ جَهَنَّمَ: بَلَى قَدْ أَتَتْنَا الرُّسُلُ مِنَّا، فَأَنْذَرَتْنَا لِقَاءَنَا هَذَا الْيَوْمَ ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١] يَقُولُ: قَالُوا: ⦗٢٦٥⦘ وَلَكِنْ وَجَبَتْ كَلِمَةُ اللَّهِ أَنَّ عَذَابَهُ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ عَلَيْنَا بِكُفْرِنَا بِهِ
٢٠ / ٢٦٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١] «بِأَعْمَالِهِمْ»
٢٠ / ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٧٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَتَقُولُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا حِينَئِذٍ: ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ [الزمر: ٧٢] السَّبْعَةَ عَلَى قَدْرِ مَنَازَلِكُمْ فِيهَا ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [البقرة: ١٦٢] يَقُولُ: مَاكِثِينَ فِيهَا لَا يَنْقَلُونَ عَنْهَا إِلَى غَيْرِهَا. ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٧٢] يَقُولُ: فَبِئْسَ مَسْكَنُ الْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُوَحِّدُوهُ وَيُفْرِدُوا لَهُ الْأُلُوهَةَ جَهَنَّمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
٢٠ / ٢٦٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَحُشِرَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَخْلَصُوا لَهُ فِيهَا الْأُلُوهَةَ، وَأَفْرَدُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، فَلَمْ يُشْرِكُوا فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ شَيْئًا ﴿إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] يَعْنِي جَمَاعَاتٍ، فَكَانَ سُوقُ هَؤُلَاءِ إِلَى مَنَازِلِهِمْ مِنَ
٢٠ / ٢٦٥
الْجَنَّةِ وَفْدًا عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ عَلَى نَجَائِبَ مِنْ نَجَائِبِ الْجَنَّةِ، وَسُوقُ الْآخَرِينَ إِلَى النَّارِ دَعًّا وَوِرْدًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَقَدْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
٢٠ / ٢٦٦
وَقَدْ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧١]، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] قَالَ: «كَانَ سُوقُ أُولَئِكَ عُنْفًا وَتَعَبًا وَدَفْعًا» وَقَرَأَ: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور: ١٣] قَالَ: «يُدْفَعُونَ دَفْعًا» وَقَرَأَ: ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ [الماعون: ٢]، قَالَ: «يَدْفَعُهُ» وَقَرَأَ ﴿وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم: ٨٦] وَ﴿نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: ٨٥] ثُمَّ قَالَ: «فَهَؤُلَاءِ وَفْدُ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه، قَوْلُهُ: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا﴾ [الزمر: ٧٣] «حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى بَابِهَا، إِذَا هُمْ بِشَجَرَةٍ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَخَرَجَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذَرٍ أَوِ اذًى أَوْ قَذًى، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى، فَتَوَضَّئُوا مِنْهَا كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهِ، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَلَنْ تَشْعَثَ رُءُوسُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا وَلَنْ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ بَعْدَهَا، ثُمَّ دَخَلُوا الْجَنَّةَ، فَتَلَقَّتْهُمُ الْوِلْدَانُ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ ⦗٢٦٧⦘ الْمَكْنُونُ، فَيَقُولُونَ: أَبْشِرْ، أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا، وَأَعَدَّ لَكَ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى تَأْسِيسِ بُنْيَانِهِ جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ، يَتَلَأْلَأُ كَأَنَّهُ الْبَرْقُ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا يَذْهَبَ بَصَرُهُ لَذَهَبَ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرِي قَدْ قَدِمَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ، فَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَتَقُولُ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ، أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَيَسْتَخِفُّهَا الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ، فَتَجْلِسُ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، فَيَدْخُلُ فَيَتَّكِئُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٤٣] الْآيَةَ»
٢٠ / ٢٦٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ: ذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه قَالَ: «يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَيْهَا، فَيَجِدُونَ عِنْدَ بَابِهَا شَجَرَةً فِي أَصْلِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فَيَعْمِدُونَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَيَغْتَسِلُونَ مِنْهَا، فَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَلَنْ تَشْعَثَ رُءُوسُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَلَنْ تُغَبَّرَ جُلُودُهُمْ بَعْدَهَا أَبَدًا، كَأَنَّمَا دُهِنُوا بِالدَّهَانِ؛ وَيَعْمِدُونَ إِلَى الْأُخْرَى، فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا، فَيُذْهِبُ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذًى أَوِ أَذًى، ثُمَّ يَأْتُونَ بَابَ الْجَنَّةِ فَيَسْتَفْتِحُونَ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَتَتَلَقَّاهُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
[النحل: ٣٢]» قَالَ: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ، يُطِيفُونَ بِهِمْ كَمَا تُطِيفُ وَلَدَانُ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالْحَمِيمِ إِذَا جَاءَ مِنَ الْغِيبَةِ، ⦗٢٦٨⦘ يَقُولُونَ: أَبْشِرْ أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ كَذَا، وَأَعَدَّ لَكَ كَذَا، فَيَنْطَلِقُ أَحَدُهُمْ إِلَى زَوْجَتِهِ، فَيُبَشِّرُهَا بِهِ، فَيَقُولُ: قَدِمَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَقَالَ: فَيَسْتَخِفُّهَا الْفَرَحُ حَتَّى تَقُومَ عَلَى أُسْكُفَّةِ بَابِهَا، وَتَقُولُ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ، أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: فَيَقُولُ: نَعَمْ، قَالَ: فَيَجِيءُ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ، فَإِذَا أُصُولُهُ مِنْ جَنْدَلِ اللُّؤْلُؤِ مِنْ بَيْنِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَخْضَرَ، قَالَ: فَيَدْخُلُ فَإِذَا الْأَكْوَابُ مَوْضُوعَةٌ، وَالنَّمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَالزَّرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ قَالَ: ثُمَّ يَدْخُلُ إِلَى زَوْجَتِهِ مِنَ الْحُورِ الْعَيْنِ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ أَعَدَّهَا لَهُ لَالْتَمَعَ بَصَرُهُ مِنْ نُورِهَا وَحُسْنِهَا؛ قَالَ: فَاتَّكَأَ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَقُولُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ﴾
[الأعراف: ٤٣] قَالَ: فَتُنَادِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ: ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
[الأعراف: ٤٣] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، قَالَ: ذَكَرَ السُّدِّيُّ نَحْوَهُ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لَهُوَ أَهْدَى إِلَى مَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ قَرَأَ السُّدِّيُّ: ﴿وَيُدْخِلُهُمِ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾
[محمد: ٦] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَوْضِعِ جَوَابِ إِذَا الَّتِي فِي قَوْلِهِ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا﴾ فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا﴾
[الزمر: ٧٣] فِي مَعْنَى: قَالَ لَهُمْ، كَأَنَّهُ يَلْغِي الْوَاوَ، وَقَدْ جَاءَ فِي الشَّعْرِ شَيْءٌ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ زَائِدَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل]
فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ … إِلَّا تَوَهُّمَ حَالِمٍ بِخَيَالِ
فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يُرِيدُ: فَإِذَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَأُضْمِرَ الْخَبَرُ، وَإِضْمَارُ الْخَبَرِ أَيْضًا أَحْسَنُ فِي الْآيَةِ، وَإِضْمَارُ الْخَبَرِ فِي الْكَلَامِ كَثِيرٌ. وَقَالَ آخَرُ ⦗٢٦٩⦘ مِنْهُمْ: هُوَ مَكْفُوفٌ عَنْ خَبَرِهِ، قَالَ: وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا؛ قَالَ عَبْدُ مَنَافِ بْنُ رِبْعٍ فِي آخِرِ قَصِيدَةٍ:
[البحر البسيط]
حَتَّى إِذَا أَسْلَكُوهُمْ فِي قُتَائِدِهِ … شَلًّا كَمَا تَطْرُدُ الْجَمَّالَةُ الشُّرُدَا
وَقَالَ الْأَخْطَلُ فِي آخِرِ الْقَصِيدَةِ:
[البحر الطويل]
خَلَا أَنَّ حَيًّا مِنْ قُرَيْشٍ تَفَضَّلُوا … عَلَى النَّاسِ أَوْ أَنَّ الْأَكَارِمَ نَهْشَلَا
. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُدْخِلَتْ فِي حَتَّى إِذَا وَفِي فَلَمَّا الْوَاوُ فِي جَوَابِهَا وَأُخْرِجَتْ، فَأَمَّا مَنْ أَخْرَجَهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَمَنْ أَدْخَلَهَا شَبَّهَ الْأَوَائِلَ بِالتَّعَجُّبِ، فَجَعَلَ الثَّانِي نَسَقًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي جَوَابًا كَأَنَّهُ قَالَ: أَتَعَجَّبُ لِهَذَا وَهَذَا وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: الْجَوَابُ مَتْرُوكٌ، وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْآخَرُ غَيْرَ مَدْفُوعٍ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِيَ الْكَلَامِ مَتْرُوكًا، إِذْ كَانَ عَقِيبُهُ ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر: ٧٤]؛ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلَامِ: حَتَّى إِذَا جَاءُوا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، دَخَلُوهَا، وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ [الزمر: ٧٣]: أَمَنَةٌ مِنَ اللَّهِ لَكُمْ أَنْ يَنَالَكُمْ بَعْدُ مَكْرُوهٌ أَوِ اذًى
٢٠ / ٢٦٧
وَقَوْلُهُ ﴿طِبْتُمْ﴾ [الزمر: ٧٣] يَقُولُ: طَابَتْ أَعْمَالُكُمْ فِي الدُّنْيَا، فَطَابَ الْيَوْمَ مَثْوَاكُمْ
٢٠ / ٢٧٠
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ،. قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ ﴿طِبْتُمُ﴾ [الزمر: ٧٣] قَالَ: «كُنْتُمْ طَيِّبِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ»
٢٠ / ٢٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ﴾ [الزمر: ٧٤] يَقُولُ وَقَالَ الَّذِينَ سِيقُوا زُمَرًا وَدَخَلُوهَا: الشُّكْرُ خَالِصٌ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ، الَّذِي كَانَ وَعَدَنَاهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ، فَحَقَّقَهُ بِإِنْجَازِهِ لَنَا الْيَوْمَ، ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر: ٧٤] يَقُولُ: وَجَعَلَ أَرْضَ الْجَنَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ النَّارِ لَوْ كَانُوا أَطَاعُوا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، فَدَخَلُوهَا، مِيرَاثًا لَنَا عَنْهُمْ
٢٠ / ٢٧٠
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر: ٧٤] قَالَ: «أَرْضُ الْجَنَّةِ»
٢٠ / ٢٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر: ٧٤] «أَرْضُ الْجَنَّةِ»
٢٠ / ٢٧٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ﴾ [الزمر: ٧٤] قَالَ: «أَرْضُ الْجَنَّةِ» وَقَرَأَ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَالِحُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٥]
٢٠ / ٢٧٠
وَقَوْلُهُ: ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر: ٧٤] يَقُولُ: نَتَّخِذُ مِنَ الْجَنَّةِ بَيْتًا، وَنَسْكُنُ مِنْهَا حَيْثُ نُحِبُّ وَنَشْتَهِي
٢٠ / ٢٧١
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ﴾ [الزمر: ٧٤] «نَنْزِلُ مِنْهَا حَيْثُ نَشَاءُ»
٢٠ / ٢٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ [الزمر: ٧٤] يَقُولُ: فَنِعْمَ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ، الْعَامِلِينَ لَهُ فِي الدُّنْيَا الْجَنَّةُ لِمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا فِي الْآخِرَةِ
٢٠ / ٢٧١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: ٧٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَرَى يَا مُحَمَّدُ الْمَلَائِكَةَ مُحْدِقِينَ مِنْ حَوْلِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ، وَيَعْنِي بِالْعَرْشِ: السَّرِيرَ
٢٠ / ٢٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] مُحْدِقِينَ “
٢٠ / ٢٧١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ، قَالَ: ثنا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] قَالَ: «مُحْدِقِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ، قَالَ: الْعَرْشُ: السَّرِيرُ»
٢٠ / ٢٧١
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ مِنْ فِي قَوْلِهِ: ﴿حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] وَالْمَعْنَى: حَافِّينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: أُدْخِلَتْ مِنْ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ تَوْكِيدًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، كَقَوْلِكَ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: قَبْلَ وَحَوْلَ وَمَا أَشْبَهَهُمَا ظُرُوفٌ تَدْخُلُ فِيهَا مِنْ وَتَخْرُجُ، نَحْوَ: أَتَيْتُكَ قَبْلَ زَيْدٍ، وَمِنْ قَبْلِ زَيْدٍ، وَطُفْنَا حَوْلَكَ وَمِنْ حَوْلِكَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ نَوْعِ مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ، لِأَنَّ مَوْضِعَ مِنْ فِي قَوْلُهُمْ: مَا جَاءَنِي مِنْ أَحَدٍ رَفْعٌ، وَهُوَ اسْمٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ مِنْ فِي هَذِهِ الْأَمَاكِنِ، أَعْنِي فِي قَوْلِهِ ﴿مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ﴾ [الزمر: ٧٥] وَمِنْ قَبْلِكَ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ دَخَلَتْ عَلَى الظُّرُوفِ فَإِنَّهَا بِمَعْنَى التَّوْكِيدِ
٢٠ / ٢٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الزمر: ٧٥] يَقُولُ: يُصَلُّونَ حَوْلَ عَرْشِ اللَّهِ شُكْرًا لَهُ؛ وَالْعَرَبُ تُدْخِلُ الْبَاءَ أَحْيَانًا فِي التَّسْبِيحِ، وَتَحْذِفُهَا أَحْيَانًا، فَتَقُولُ: سَبِّحْ بِحَمْدِ اللَّهِ، وَسَبِّحْ حَمْدَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى: ١]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿فَسَبِّحِ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الواقعة: ٧٤]
٢٠ / ٢٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الزمر: ٦٩] يَقُولُ: وَقَضَى اللَّهُ بَيْنَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ جِيءَ بِهِمْ، وَالشُّهَدَاءِ وَأُمَمِهَا بِالْعَدْلِ، فَأَسْكَنَ أَهْلَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ، وَمِمَّا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ النَّارَ ﴿وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: ٧٥] يَقُولُ: وَخَتَمَتْ خَاتِمَةُ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ بِالشُّكْرِ لِلَّذِي ابْتَدَأَ خَلَقَهُمُ الَّذِي لَهُ الْأُلُوهِيَّةُ، وَمَلَكَ جَمِيعَ مَا فِي السَّمَوَاتِ ⦗٢٧٣⦘ وَالْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ مِنْ مَلَكٍ وَجِنٍّ وَإِنْسٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْخَلْقِ
٢٠ / ٢٧٢
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الزمر: ٧٥] الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ: «فُتِحَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَخُتِمَ بِالْحَمْدِ» فَقَالَ: ﴿وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الزمر: ٧٥]