سُورَةُ الزُّخْرُفِ 1

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا تِسْعٌ وَثَمَانُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٠ ‏/ ٥٤٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف: ٢] قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَوْلَهُ ﴿حم﴾ [غافر: ١] بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
٢٠ ‏/ ٥٤٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَالَ: ﴿وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَفَكَّرَ فِي عِبَرِهِ، وَعِظَاتِهِ، هَدَاهُ، وَرَشَدَهُ، وَأَدَلَّتُهُ عَلَى حَقِّيَّتِهِ، وَأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، لَا اخْتِلَاقٌ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا افْتِرَاءٌ مِنْ أَحَدٍ ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [الزخرف: ٣] يَقُولُ: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا بِلِسَانِ الْعَرَبِ، إِذْ كُنْتُمْ أَيُّهَا الْمُنْذِرُونَ بِهِ مِنْ رَهْطِ مُحَمَّدٍ ﷺ عَرَبًا ﴿لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ٧٣] يَقُولُ: لِتَعْقِلُوا مَعَانِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ مَوَاعِظَ، وَلَمْ يُنْزِلْهُ بِلِسَانِ الْعَجَمِ، فَيَجْعَلْهُ أَعْجَمِيًّا، فَتَقُولُوا: نَحْنُ عَرَبٌ، وَهَذَا كَلَامٌ أَعْجَمِيُّ لَا نَفْقَهُ مَعَانِيهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] «هُوَ هَذَا الْكِتَابُ الْمُبِينُ»
٢٠ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ [الزخرف: ٢] «مُبِينٌ وَاللَّهِ بَرَكَتَهُ، وَهُدَاهُ وَرُشْدَهُ»
٢٠ ‏/ ٥٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ هَذَا الْكِتَابَ أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي مِنْهُ نُسِخَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَنَا ﴿لَعَلِيُّ﴾ [يوسف: ٤٦]: يَقُولُ: لَذُو عُلُوٍّ وَرِفْعَةٍ، ﴿حَكِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٠٩]: قَدْ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، ثُمَّ فُصِّلَتْ فَهُوَ ذُو حِكْمَةٍ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ قَالَ: ثَنَا عُرْوَةُ بْنُ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَخْلُقَ» قَالَ: «وَالْكِتَابُ عِنْدَهُ» قَالَ: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لِعَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤]
٢٠ ‏/ ٥٤٦
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لِعَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] «يَعْنِي الْقُرْآنَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ مِنْهُ نُسِخَ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ قَالَ: ثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَرْوِي عَنْ عِمْرَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا﴾ [الزخرف: ٤] قَالَ: «أُمُّ الْكِتَابِ الْقُرْآنُ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا﴾ [الزخرف: ٤] قَالَ: «أُمُّ الْكِتَابُ: أَصْلُ الْكِتَابِ وَجُمْلَتُهُ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ [الزخرف: ٤] «أَيْ جُمْلَةُ الْكِتَابِ أَيْ أَصْلُ الْكِتَابِ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ﴾ [الزخرف: ٤] يَقُولُ: «فِي الْكِتَابِ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ فِي الْأَصْلِ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
وَقَوْلُهُ: ﴿لَدَيْنَا لِعَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَاهُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٤٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَدَيْنَا لِعَلِيُّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] «يُخْبِرُ عَنْ مَنْزِلَتِهِ وَفَضْلِهِ وَشَرَفِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٤٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف: ٥] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمْ وَنَتْرُكُكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ فِيمَا تَحْسَبُونَ، فَلَا نُذَكِّرُكُمْ بِعِقَابِنَا مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ قَوْمٌ مُشْرِكُونَ
٢٠ ‏/ ٥٤٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ [الزخرف: ٥] قَالَ: «تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ»
٢٠ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ [الزخرف: ٥] قَالَ: «بِالْعَذَابِ»
٢٠ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ [الزخرف: ٥] قَالَ: «أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الْعَذَابَ»
٢٠ ‏/ ٥٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف: ٥] يَقُولُ: «أَحَسِبْتُمْ أَنْ نَصْفَحَ عَنْكُمْ وَلَمَّا تَفْعَلُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: أَفَنَتْرُكُ تَذْكِيرَكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا نُذَكِّرُكُمْ بِهِ، لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ
٢٠ ‏/ ٥٤٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ﴾ [الزخرف: ٥] «أَيْ مُشْرِكِينَ، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ رُفِعَ حِينَ رَدَّهُ أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَهَلَكُوا، فَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ سَنَةً، أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ»
٢٠ ‏/ ٥٤٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ [الزخرف: ٥] قَالَ: «لَوْ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَمْ يُؤْمِنُوا لَضُرِبَ عَنْهُمُ الذِّكْرُ صَفْحًا» قَالَ: «الذِّكْرُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أَمَرَهُمُ اللَّهُ ⦗٥٥٠⦘ بِهِ وَنَهَاهُمْ، صَفْحًا لَا يَذْكُرُ لَكُمْ مِنْهُ شَيْئًا» وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الْعَذَابَ فَنَتْرُكُكُمْ وَنُعْرِضُ عَنْكُمْ، لِأَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ لَا تُؤْمِنُونَ بِرَبِّكُمْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى أَتْبَعَ ذَلِكَ خَبَرَهُ عَنِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ قَبْلَ الْأُمَمِ الَّتِي تَوَعَّدَهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي تَكْذِيبِهَا رُسُلِهَا، وَمَا أَحَلَّ بِهَا مِنْ نِقْمَتِهِ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا﴾ [الزخرف: ٥] وَعِيدٌ مِنْهُ لِلْمُخَاطَبِينَ بِهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، إِذْ سَلَكُوا فِي التَّكْذِيبِ بِمَا جَاءَهُمْ عَنِ اللَّهِ رَسُولَهُمْ مَسْلَكَ الْمَاضِينَ قَبْلَهُمْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ: (إِنْ كُنْتُمْ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ مِنْ «إِنْ» بِمَعْنَى: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا إِذْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ: ﴿» أَنْ﴾ [البقرة: ٢٥] «بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ» أَنْ “، بِمَعْنَى: لِأَنْ كُنْتُمْ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ فَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ أَنْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: فُتِحَتْ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لِأَنْ كُنْتُمْ وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: مَنْ فَتَحَهَا فَكَأَنَّهُ أَرَادَ شَيْئًا مَاضِيًا، فَقَالَ: وَأَنْتَ ⦗٥٥١⦘ تَقُولُ فِي الْكَلَامِ: أَتَيْتُ أَنْ حَرَمْتَنِي، تُرِيدُ: إِذْ حَرَمْتَنِي، وَيَكْسِرُ إِذَا أَرَدْتَ: أَتَيْتُ إِنْ تَحْرِمْنِي وَمِثْلُهُ: ﴿لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ﴾ [المائدة: ٢] وَ(إِنْ صَدُّوكُمْ) بِكَسْرٍ وَبِفَتْحٍ. ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا﴾ [الكهف: ٦] قَالَ: وَالْعَرَبُ تُنْشِدُ قَوْلَ الْفَرَزْدَقِ:
أَتَجْزَعُ أَنْ أُذْنَا قُتَيْبَةَ حُزَّتَا … جِهَارًا وَلَمْ تَجْزَعْ لَقَتْلِ ابْنِ حَازِمِ
قَالَ: وَيُنْشَدُ:
أَتَجْزَعُ أَنْ بَانَ الْخَلِيطُ الْمُوَدَّعُ … وَحَبَلُ الصَّفَا مِنْ عَزَّةِ الْمُتَقَطِّعُ
قَالَ: وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَيْتَيْنِ مَا فِي صَاحِبِهِ مِنَ الْكِسَرِ وَالْفَتْحِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنَّ الْكَسْرَ وَالْفَتْحَ فِي الْأَلْفِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا تَقَدَّمْ «أَنْ» وَهِيَ بِمَعْنَى الْجَزَاءِ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ كَسَرُوا أَلِفَهَا أَحْيَانًا، فَمَحَّضُوا لَهَا الْجَزَاءَ، فَقَالُوا: أَقُومُ إنْ قُمْتَ، وَفَتَحُوهَا أَحْيَانًا، وَهُمْ يَنْوُونَ ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَقَالُوا: أَقُومُ أَنْ قُمْتَ، بِتَأْوِيلِ لِأَنْ قُمْتَ، فَإِذَا كَانَ الَّذِي تَقَدَّمَهَا مِنَ الْفِعْلِ مَاضِيًا لَمْ يَتَكَلَّمُوا إِلَّا بِفَتْحِ الْأَلْفِ مِنْ «أَنْ» فَقَالُوا: قُمْتُ أَنْ قُمْتَ، وَبِذَلِكَ جَاءَ التَّنْزِيلُ، وَتَتَابَعَ شِعْرُ الشُّعَرَاءِ
٢٠ ‏/ ٥٤٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِّنْ نَّبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ﴾ [الزخرف: ٦] يَا مُحَمَّدُ فِي الْقُرُونِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَضَوْا قَبْلَ قَرْنِكَ الَّذِي بُعِثْتَ فِيهِ كَمَا أَرْسَلْنَاكَ فِي قَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ ﴿وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ: وَمَا كَانَ يَأْتِي قَرْنًا مِنْ أُولَئِكَ الْقُرُونِ وَأُمَّةً مِنْ أُولَئِكَ الْأُمَمِ الْأَوَّلِينَ لَنَا مِنْ نَبِيٍّ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى وَطَرِيقِ الْحَقِّ، إِلَّا كَانَ الَّذِينَ يَأْتِيهِمْ ذَلِكَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَمِ نَبِيُّهُمُ الَّذِي أُرْسِلُهُ إِلَيْهِمْ يَسْتَهْزِئُونَ سُخْرِيَةً مِنْهُمْ بِهِمْ كَاسْتِهَزاءِ قَوْمِكَ بِكَ يَا مُحَمَّدُ يَقُولُ: فَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكَ مَا يَفْعَلُ بِكَ قَوْمُكَ، وَلَا يَشُقَّنَّ عَلَيْكَ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا سَلَكُوا فِي اسْتِهْزَائِهِمْ بِكَ مَسْلَكَ أَسْلَافِهِمْ، وَمِنْهَاجَ أَئِمَّتِهِمُ الْمَاضِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ
٢٠ ‏/ ٥٥٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِأَنْبِيَائِهِمْ بَطْشًا إِذَا بَطَشُوا فَلَمْ يُعْجِزُونَا بِقُوَاهُمْ وَشِدَّةِ بَطْشِهِمْ، وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ بَأْسِنَا إِذْ أَتَاهُمْ، فَالَّذِينَ هُمْ أَضْعَفُ مِنْهُمْ قُوَّةً أَحْرَى أَنْ لَا يَقْدِرُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ نِقَمِنَا إِذَا حَلَّتْ بِهِمْ ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٨] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَضَى لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ⦗٥٥٣⦘ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِكَ وَلِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ ضُرَبَائِهِمْ مَثَلُنَا لَهُمْ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنْ مُكَذِّبِي رُسُلِنَا الَّذِينَ أَهْلَكْنَاهُمْ، يَقُولُ: فَلَيَتَوَقَّعْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عُقُوبَتِنَا مِثْلَ الَّذِي أَحْلَلْنَاهُ بِأُولَئِكَ الَّذِينَ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبِكَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٥٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٨] قَالَ: «عُقُوبَةُ الْأَوَّلِينَ»
٢٠ ‏/ ٥٥٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الزخرف: ٨] قَالَ: «سُنَّتُهُمْ»
٢٠ ‏/ ٥٥٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَيَقُولَنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ سَأَلْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ: مَنْ ⦗٥٥٤⦘ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرَضِينَ، فَأَحْدَثَهُنَّ وَأَنْشَأَهُنَّ؟ لَيَقُولَنَّ: خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ فِي سُلْطَانِهِ وَانْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الْعَلِيمُ بِهِنَّ وَمَا فِيهِنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣] يَقُولُ: الَّذِي مَهَّدَ لَكُمُ الْأَرْضَ، فَجَعَلَهَا لَكُمْ وِطَاءً تُوطِئُونَهَا بِأَقْدَامِكُمْ، وَتَمْشُونَ عَلَيْهَا بِأَرْجُلِكُمْ ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [الزخرف: ١٠] يَقُولُ: وَسَهَّلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا تَتَطَرَّقُونَهَا مِنْ بَلْدَةٍ إِلَى بَلْدَةٍ، لِمَعَايِشِكُمْ وَمَتَاجِرِكُمْ
٢٠ ‏/ ٥٥٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [الزخرف: ١٠] «أَيْ طُرُقًا»
٢٠ ‏/ ٥٥٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا﴾ [طه: ٥٣] قَالَ: «بِسَاطًا» ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا﴾ [الزخرف: ١٠] قَالَ: «الطُّرُقَ» ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ١٠] يَقُولُ: لِكَيْ تَهْتَدُوا بِتِلْكَ السُّبُلِ إِلَى حَيْثُ أَرَدْتُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ وَالْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تُطِيقُوا بَرَاحَ أَفْنِيَتِكُمْ وَدُورِكُمْ، وَلَكِنَّهَا نِعْمَةٌ أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْكُمْ
٢٠ ‏/ ٥٥٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ [الزخرف: ١١] يَعْنِي: مَا نَزَّلَ
٢٠ ‏/ ٥٥٤
جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنَ الْأَمْطَارِ مِنَ السَّمَاءِ بِقَدَرٍ: يَقُولُ: بِمِقْدَارِ حَاجَتِكُمْ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجْعَلْهُ كَالطُّوفَانِ، فَيَكُونُ عَذَابًا كَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَلَا جَعَلَهُ قَلِيلًا لَا يَنْبُتُ بِهِ النَّبَاتُ وَالزَّرْعُ مِنْ قِلَّتِهِ، وَلَكِنْ جَعَلَهُ غَيْثًا، وَحَيًا لِلْأَرْضِ الْمَيْتَةِ مُحْيِيًا ﴿فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [الزخرف: ١١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلَدَةً مِنْ بِلَادِكُمْ مَيْتًا، يَعْنِي مُجْدِبَةً لَا نَبَاتَ بِهَا وَلَا زَرْعَ، قَدْ دَرَسَتْ مِنَ الْجُدُوبِ، وَتَعَفَّنَتْ مِنَ الْقُحُوطِ ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الزخرف: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَمَا أَخْرَجْنَا بِهَذَا الْمَاءِ الَّذِي نَزَّلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ جُدُوبِهَا وَقُحُوطِهَا النَّبَاتَ وَالزَّرْعَ، كَذَلِكَ أَيُّهَا النَّاسُ تُخْرَجُونَ مِنْ بَعْدِ فَنَائِكُمْ وَمَصِيرِكُمْ فِي الْأَرْضِ رُفَاتًا بِالْمَاءِ الَّذِي أَنْزَلَهُ إِلَيْهَا لِإِحْيَائِكُمْ مِنْ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ مِنْهَا أَحْيَاءَ كَهَيْئَتِكُمُ الَّتِي بِهَا قَبْلَ مَمَاتِكُمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٥٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ﴾ [الزخرف: ١١] الْآيَةَ، «كَمَا أَحْيَا اللَّهُ هَذِهِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ بِهَذَا الْمَاءِ كَذَلِكَ تُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقِيلَ: أَنْشَرْنَا بِهِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَحْيَيْنَا بِهِ، وَلَوْ وَصَفْتَ الْأَرْضَ بِأَنَّهَا أُحْيِيَتْ، قِيلَ: نُشِرَتِ الْأَرْضُ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
⦗٥٥٦⦘ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأَوْا … يَا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ
٢٠ ‏/ ٥٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا﴾ [الزخرف: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَزَوَّجَهُ، أَيْ خَلَقَ الذُّكُورَ مِنَ الْإِنَاثِ أَزْوَاجًا، وَالْإِنَاثَ مِنَ الذُّكُورِ أَزْوَاجًا ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ﴾ [الزخرف: ١٢] وَهِيَ السُّفُنُ ﴿وَالْأَنْعَامِ﴾ [آل عمران: ١٤] وَهِيَ الْبَهَائِمُ ﴿مَا تَرْكَبُونَ﴾ [الزخرف: ١٢] يَقُولُ: جَعَلَ لَكُمْ مِنَ السُّفُنِ مَا تَرْكَبُونَهُ فِي الْبِحَارِ إِلَى حَيْثُ قَصَدْتُمْ وَاعْتَمَدْتُمْ فِي سَيْرِكُمْ فِيهَا لِمَعَايِشِكُمْ وَمَطَالِبِكُمْ، وَمِنَ الْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَهُ فِي الْبَرِّ إِلَى حَيْثُ أَرَدْتُمْ مِنَ الْبُلْدَانِ، كَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ
٢٠ ‏/ ٥٥٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَيْ تَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِ مَا تَرْكَبُونَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَوْحِيدِ الْهَاءِ فِي قَوْلِهِ: ﴿عَلَى ظُهُورِهِ﴾ [الزخرف: ١٣] وَتَذْكِيرِهَا، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: تَذْكِيرُهُ يَعُودُ عَلَى مَا تَرْكَبُونَ، وَمَا هُوَ مُذَكَّرٌ، كَمَا يُقَالُ: عِنْدِي مِنَ النِّسَاءِ مَنْ يُوَافِقُكَ وَيَسُرُّكَ، وَقَدْ تُذَكَّرُ الْأَنْعَامُ وَتُؤَنَّثُ وَقَدْ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿مِمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ [النحل: ٦٦] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿بُطُونِهَا﴾ [النحل: ٦٩] وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ: أُضِيفَتِ الظُّهُورُ إِلَى الْوَاحِدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٥٦
الْوَاحِدَ فِي مَعْنَى جَمْعٍ بِمَنْزِلَةِ الْجُنْدِ وَالْجَيْشِ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتَ: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظَهْرِهِ، فَجَعَلْتَ الظَّهْرَ وَاحِدًا إِذَا أَضَفْتَهُ إِلَى وَاحِدٍ قُلْتُ: إِنَّ الْوَاحِدَ فِيهِ مَعْنَى الْجَمْعِ، فَرُدَّتِ الظُّهُورُ إِلَى الْمَعْنَى، وَلَمْ يَقُلْ ظَهْرِهِ، فَيَكُونُ كَالْوَاحِدِ الَّذِي مَعْنَاهُ وَلَفْظُهُ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ تَقُولُ: قَدْ كَثُرَ نِسَاءُ الْجُنْدِ، وَقُلْتُ: وَرَفَعَ الْجُنْدُ أَعْيُنَهُ وَلَمْ يَقُلْ عَيْنَهُ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَضَفْتَ إِلَيْهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَوْصُوفَةِ، فَأَخْرَجَهَا عَلَى الْجَمْعِ، وَإِذَا أَضَفْتَ إِلَيْهِ اسْمًا فِي مَعْنَى فِعْلٍ جَازَ جَمْعُهُ وَتَوْحِيدُهُ، مِثْلَ قَوْلِكَ: رَفَعَ الْعَسْكَرُ صَوْتَهُ، وَأَصْوَاتَهُ أَجْوَدُ وَجَازَ هَذَا لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا صُورَةَ لَهُ فِي الِاثْنَيْنِ إِلَّا الصُّورَةِ فِي الْوَاحِدِ وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ: قِيلَ: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظَهْرِهِ، لِأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْفُلْكِ، وَلَكِنَّهُ وَحَّدَ الْهَاءَ، لِأَنَّ الْفُلْكَ بِتَأْوِيلِ جَمْعٍ، فَجَمَعَ الظُّهُورَ وَوَحَّدَ الْهَاءَ، لِأَنَّ أَفْعَالَ كُلِّ وَاحِدٍ تَأْوِيلُهُ الْجَمْعُ تُوَحَّدُ وَتُجْمَعُ مِثْلَ: الْجُنْدُ مُنْهَزِمٌ وَمُنْهَزِمُونَ، فَإِذَا جَاءَتِ الْأَسْمَاءُ خَرَجَ عَلَى الْأَسْمَاءِ لَا غَيْرُ، فَقُلْتَ: الْجُنْدُ رِجَالٌ، فَلِذَلِكَ جُمِعَتِ الظُّهُورُ وَوُحِّدَتِ الْهَاءُ، وَلَوْ كَانَ مِثْلُ الصَّوْتِ وَأَشْبَاهِهِ جَازَ الْجُنْدُ رَافِعٌ صَوْتَهُ وَأَصْوَاتَهُ
٢٠ ‏/ ٥٥٧
قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ﴾ [الزخرف: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْكُمْ بِتَسْخِيرِهِ ذَلِكَ لَكُمْ مَرَاكِبَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ﴿إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ١٣] فَتُعَظِّمُوهُ وَتُمَجِّدُوهُ، وَتَقُولُوا تَنْزِيهًا لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا الَّذِي رَكِبْنَاهُ مِنْ هَذِهِ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ، مِمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْمُشْرِكُونِ، وَتُشْرِكُ مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَعُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَّارِيُّ قَالَا: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: رَكِبْتُ دَابَّةً، فَقُلْتُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣]، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ وَالْهَبَّارِيُّ: قَالَ الْمُحَارِبِيُّ: فَسَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ: هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: «أَهَكَذَا أُمِرْتَ؟» قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ؟ قَالَ: «تَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا الْإِسْلَامَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَنَا فِي خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسٍ، فَإِذَا أَنْتَ قَدْ ذَكَرْتَ نِعَمًا عِظَامًا، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤]» حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنه، رَأَى رَجُلًا رَكِبَ دَابَّةً، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
٢٠ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ١٣] «يُعَلِّمُكُمْ كَيْفَ تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي ⦗٥٥٩⦘ الْفُلْكِ تَقُولُونَ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [هود: ٤١] وَإِذَا رَكِبْتُمْ الْإِبِلَ قُلْتُمْ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤] وَيُعَلِّمُكُمْ مَا تَقُولُونَ إِذَا نَزَلْتُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ جَمِيعًا تَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَنْزَلْنَا مَنْزِلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ»
٢٠ ‏/ ٥٥٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَكِبَ قَالَ: «اللَّهُمَّ هَذَا مِنْ مَنِّكَ وَفَضْلِكَ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤]»
٢٠ ‏/ ٥٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] وَمَا كُنَّا لَهُ مُطِيقِينَ وَلَا ضَابِطِينَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ أَقْرَنْتُ لِهَذَا: إِذَا صِرْتُ لَهُ قِرْنًا وَأَطَقْتُهُ، وَفُلَانٌ مُقَرِّنٌ لِفُلَانٍ: أَيْ ضَابِطٌ لَهُ مُطِيقٌ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٥٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] يَقُولُ: «مُطِيقِينَ»
٢٠ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٥٦٠⦘ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿مُقْرِنِينَ﴾ [إبراهيم: ٤٩] قَالَ: «الْإِبِلُ وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ»
٢٠ ‏/ ٥٥٩
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] «أَيْ مُطِيقِينَ، لَا وَاللَّهِ لَا فِي الْأَيْدِي وَلَا فِي الْقُوَّةِ»
٢٠ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] قَالَ: «فِي الْقُوَّةِ»
٢٠ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] قَالَ: «مُطِيقِينَ»
٢٠ ‏/ ٥٦٠
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ [الزخرف: ١٣] قَالَ: «لَسْنَا لَهُ مُطِيقِينَ» قَالَ: «لَا نُطِيقُهَا إِلَّا بِكَ، لَوْلَا أَنْتَ مَا قَوِينَا عَلَيْهَا وَلَا أَطَقْنَاهَا»
٢٠ ‏/ ٥٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ﴾ [الزخرف: ١٤] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلِيَقُولُوا أَيْضًا: وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا مِنْ بَعْدِ مَمَاتِنَا لَصَائِرُونَ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
٢٠ ‏/ ٥٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [الزخرف: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ لِلَّهِ مِنْ خَلْقِهِ نَصِيبًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ ⦗٥٦١⦘ لِلْمَلَائِكَةِ: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٌ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف: ١٥] قَالَ: «وَلَدًا وَبَنَاتٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ»
٢٠ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف: ١٥] قَالَ: «الْبَنَاتِ» وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى بِالْجُزْءِ هَاهُنَا: الْعِدْلَ
٢٠ ‏/ ٥٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف: ١٥] «أَيْ عِدْلًا»
٢٠ ‏/ ٥٦١
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [الزخرف: ١٥] «أَيْ عِدْلًا» وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتَبَعَ ذَلِكَ ⦗٥٦٢⦘ قَوْلَهُ: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ﴾ [الزخرف: ١٦] تَوْبِيخًا لَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ، فَكَانَ مَعْلُومًا أَنَّ تَوْبِيخَهُ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُمْ مِنْ قِيلِهِمْ مَا قَالُوا فِي إِضَافَةِ الْبَنَاتِ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
٢٠ ‏/ ٥٦١
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: ١٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَذُو جَحْدٍ لِنِعَمِ رَبِّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ، مُبِينٌ: يَقُولُ: يَبِينُ كُفْرَانُهُ نِعَمَهُ عَلَيْهِ، لِمَنْ تَأَمَّلَهُ بِفِكْرِ قَلْبِهِ، وَتَدَبَّرَ حَالَهُ
٢٠ ‏/ ٥٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: ١٦] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُوَبِّخًا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفُوهُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُهُ: اتَّخَذَ رَبُّكُمْ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ، وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِكُمْ، وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ: يَقُولُ: وَأَخْلَصَكُمْ بِالْبَنِينَ، فَجَعَلَهُمْ لَكُمْ ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاعِلِينَ لِلَّهِ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا: يَقُولُ: بِمَا مَثَّلَ لِلَّهِ، فَشَبَّهَهُ شَبَهًا، وَذَلِكَ مَا وَصَفَهُ بِهِ مِنْ أَنَّ لَهُ بَنَاتٍ
٢٠ ‏/ ٥٦٢
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧] قَالَ: «وَلَدًا»
٢٠ ‏/ ٥٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧] «بِمَا جَعَلَ لِلَّهِ»
٢٠ ‏/ ٥٦٢
وَقَوْلُهُ: ﴿ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ [النحل: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ظَلَّ وَجْهُ هَذَا الَّذِي بُشِّرَ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا مِنَ الْبَنَاتِ مُسْوَدًّا مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [النحل: ٥٨] يَقُولُ: وَهُوَ حَزِينٌ
٢٠ ‏/ ٥٦٣
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [الزخرف: ١٧] «أَيْ حَزِينٌ»
٢٠ ‏/ ٥٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَمَنْ يُنْبَتُ فِي الْحِلْيَةِ وَيُزَيَّنُ بِهَا ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ﴾ [الزخرف: ١٨] يَقُولُ: وَهُوَ فِي مُخَاصَمَةِ مَنْ خَاصَمَهُ عِنْدَ الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ، وَمَنْ خَصَمَهُ بِبُرْهَانٍ وَحُجَّةٍ، لِعَجْزِهِ وَضَعْفِهِ، جَعَلْتُمُوهُ جُزْءَ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ وَزَعَمْتُمْ أَنَّهُ نَصِيبُهُ مِنْهُمْ، وَفِي الْكَلَامِ مَتْرُوكٌ اسْتُغْنِيَ بِدِلَالَةِ مَا ذُكِرَ مِنْهُ وَهُوَ مَا ذَكَرْتُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَوَارِي وَالنِّسَاءُ
٢٠ ‏/ ٥٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «يَعْنِي الْمَرْأَةَ»
٢٠ ‏/ ٥٦٣
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ مَرْثَدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «رُخِّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ»، وَقَرَأَ ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «يَعْنِي الْمَرْأَةَ»
٢٠ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟»
٢٠ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «الْجَوَارِي يُسَفِّهُهُنَّ بِذَلِكَ، غَيْرُ مُبِينٍ بِضَعْفِهِنَّ»
٢٠ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ [الزخرف: ١٨] يَقُولُ: «جَعَلُوا لَهُ الْبَنَاتِ وَهُمْ إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِهِنَّ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ»
٢٠ ‏/ ٥٦٤
قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] يَقُولُ: قَلَّمَا تَتَكَلَّمُ امْرَأَةٌ فَتُرِيدُ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِحُجَّتِهَا إِلَّا تَكَلَّمَتْ بِالْحُجَّةِ عَلَيْهَا
٢٠ ‏/ ٥٦٤
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿أَوَمَنْ ⦗٥٦٥⦘ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «النِّسَاءُ» وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ أَوْثَانُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ
٢٠ ‏/ ٥٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ [الزخرف: ١٨] الْآيَةَ قَالَ: «هَذِهِ تَمَاثِيلُهُمُ الَّتِي يَضْرِبُونَهَا مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ يَعْبُدُونَهَا هُمُ الَّذِينَ أَنْشَأُوهَا، ضَرَبُوهَا مِنْ تِلْكَ الْحِلْيَةِ، ثُمَّ عَبَدُوهَا» ﴿وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ﴾ [الزخرف: ١٨] قَالَ: «لَا يَتَكَلَّمُ»، وَقَرَأَ ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾ [النحل: ٤] وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ الْجَوَارِي وَالنِّسَاءُ، لِأَنَّ ذَلِكَ عَقِيبَ خَبَرِ اللَّهِ عَنْ إِضَافَةِ الْمُشْرِكِينَ إِلَيْهِ مَا يَكْرَهُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَنَاتِ، وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّهِ، وَتَحْلِيَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْبُخْلِ، وَهُوَ خَالِقُهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَرَازِقُهُمْ، وَالْمُنْعِمُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ الَّتِي عَدَّدَهَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ مَا لَا يَرْضَوْنَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، فَاتِّبَاعُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مَا كَانَ نَظِيرًا لَهُ أَشْبَهُ وَأَوْلَى مِنَ اتِّبَاعِهِ مَا لَمْ يَجِرِ لَهُ ذِكْرٌ وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ [الزخرف: ١٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ (أَوَمَنْ يَنْشَأُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالتَّخْفِيفِ مِنْ نَشَأَ يَنْشَأُ وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿يُنَشَّأُ﴾ [الزخرف: ١٨] بِضَمِّ الْيَاءِ
٢٠ ‏/ ٥٦٥
وَتَشْدِيدِ الشِّينِ مِنْ نَشَّأْتُهُ فَهُوَ يُنَشَّأُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمُنَشَّأَ مِنَ الْإِنْشَاءِ نَاشِئٌ، وَالنَّاشِئُ مُنَشَّأُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ «أَوْ مَنْ لَا يُنَشَّأُ إِلَّا فِي الْحِلْيَةِ»، وَفِي «مَنْ» وُجُوهٌ مِنَ الْإِعْرَابِ: الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالنُّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ يَجْعَلُونَ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ يَجْعَلُونَ بَنَاتِ اللَّهِ وَقَدْ يَجُوزُ النَّصَبُ فِيهِ أَيْضًا عَلَى الرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِ: أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ، فَيَرُدُّ «مَنْ» عَلَى الْبَنَاتِ، وَالْخَفْضُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا﴾ [الزخرف: ١٧]
٢٠ ‏/ ٥٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ «الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ» بِالنُّونِ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا فِي ذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦] فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: وَجَعَلُوا مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ يُسَبِّحُونَهُ وَيُقَدِّسُونَهُ إِنَاثًا، فَقَالُوا: هُمْ بَنَاتُ اللَّهِ جَهْلًا
٢٠ ‏/ ٥٦٦
مِنْهُمْ بِحَقِّ اللَّهِ، وُجَرْأَةً مِنْهُمْ عَلَى قِيلِ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ [الزخرف: ١٩] بِمَعْنَى: جَمْعِ عَبْدٍ فَمَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ: وَجَعَلُوا مَلَائِكَةَ اللَّهِ الَّذِينَ هُمْ خَلْقُهُ وَعِبَادُهُ بَنَاتِ اللَّهِ، فَأَنَّثُوهُمْ بِوَصْفِهِمْ إِيَّاهُمْ بِأَنَّهُمْ إِنَاثٌ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِبَادُ اللَّهِ وَعِنْدَهُ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ [الزخرف: ١٩] فَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (أُشْهِدُوا خَلْقَهُمْ) بِضَمِّ الْأَلْفِ عَلَى وَجْهِ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، بِمَعْنَى: أَأَشْهدَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْجَاعِلِينَ مَلَائِكَةَ اللَّهِ إِنَاثًا، خَلْقَ مَلَائِكَتِهِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُ، فَعَلِمُوا مَا هُمْ، وَأَنَّهُمْ إِنَاثٌ، فَوَصَفُوهُمْ بِذَلِكَ، لِعِلْمِهِمْ بِهِمْ، وَبِرُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، ثُمَّ رَدَّ ذَلِكَ إِلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْأَلْفِ، بِمَعْنَى: أَشَهِدُوا هُمْ ذَلِكَ فَعَلِمُوهُ؟ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَقَوْلُهُ: ﴿سَتُكْتَبَ شَهَادَتُهُمْ﴾ [الزخرف: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَتُكْتَبَ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، بِمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ، وَيُسْأَلُونَ عَنْ شَهَادَتِهِمْ تِلْكَ فِي الْآخِرَةِ أَنْ يَأْتُوا بِبُرْهَانٍ عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَلَنْ يَجِدُوا إِلَى
٢٠ ‏/ ٥٦٧
ذَلِكَ سَبِيلًا
٢٠ ‏/ ٥٦٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ [الزخرف: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَا أَوْثَانَنَا الَّتِي نَعْبُدُهَا مِنْ دُونِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُحِلَّ بِنَا عُقُوبَةً عَلَى عِبَادَتِنَا إِيَّاهَا لِرِضَاهُ مِنَّا بِعِبَادَتِنَاهَا
٢٠ ‏/ ٥٦٨
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠] «لِلْأَوْثَانِ»
٢٠ ‏/ ٥٦٨
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل ﴿مَّا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ [الزخرف: ٢٠] يَقُولُ: مَا لَهُمْ بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَهُ تَخَرُّصًا وَتَكَذُّبًا، لِأَنَّهُمْ لَا خَبَرَ عِنْدَهُمْ مِنِّي بِذَلِكَ وَلَا بُرْهَانَ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَهُ ظَنًّا وَحُسْبَانًا ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الزخرف: ٢٠] يَقُولُ: مَا هُمْ إِلَّا مُتَخَرِّصُونَ هَذَا الْقَوْلَ الَّذِي قَالُوهُ، وَذَلِكَ قَوْلُهُمْ ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠] وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٦٨
مَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، ⦗٥٦٩⦘ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ [الزخرف: ٢٠] «مَا يَعْلَمُونَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ»
٢٠ ‏/ ٥٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ [الزخرف: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْمُتَخَرِّصِينَ الْقَائِلِينَ لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَا الْآلِهَةَ كِتَابًا بِحَقِيقَةِ مَا يَقُولُونَ مِنْ ذَلِكَ، مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ [الزخرف: ٢١] يَقُولُ: فَهُمْ بِذَلِكَ الْكِتَابِ الَّذِي جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِي مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ مُسْتَمْسِكُونَ يَعْمَلُونَ بِهِ، وَيَدِينُونَ بِمَا فِيهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَيْكَ
٢٠ ‏/ ٥٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا آتَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ: لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَا هَؤُلَاءِ الْأَوْثَانَ بِالْأَمْرِ بِعِبَادَتِهَا، كِتَابًا مِنْ عِنْدِنَا، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: وَجَدْنَا آبَاءَنَا الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَنَا يَعْبُدُونَهَا، فَنَحْنُ نَعْبُدُهَا كَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَهَا؛ وَعَنَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِينٍ وَمِلَّةٍ، وَذَلِكَ هُوَ عِبَادَتُهُمُ الْأَوْثَانَ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٦٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] «مِلَّةٍ»
٢٠ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: «وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِينٍ»
٢٠ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] قَالَ: «قَدْ قَالَ ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى دِينٍ»
٢٠ ‏/ ٥٧٠
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] قَالَ: «عَلَى دِينٍ» وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] بِضَمِّ الْأَلْفِ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ مِنَ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ وَالسُّنَّةِ وَذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُمَا قَرَآهُ «عَلَى إِمَّةٍ» بِكَسْرِ الْأَلْفِ
٢٠ ‏/ ٥٧٠
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهَا إِذَا كُسِرَتْ أَلِفُهَا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَهَا إِذَا كُسِرَتْ عَلَى أَنَّهَا الطَّرِيقَةُ وَأَنَّهَا مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: أَمَمْتُ الْقَوْمَ فَأَنَا أَؤُمُّهُمْ إِمَّةً وَذُكِرَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا: مَا أَحْسَنَ عَمَّتَهُ وَإِمَّتُهُ وَجِلْسَتَهُ إِذَا كَانَ مَصْدَرًا وَوَجَّهَهُ بَعْضُهُمْ إِذَا كُسِرَتْ أَلِفُهَا إِلَى أَنَّهَا الْإِمَّةُ الَّتِي بِمَعْنَى النَّعِيمِ وَالْمُلْكِ، كَمَا قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ:
ثُمَّ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَالْمُلْكِ وَالْإِمَّـ … ـةِ وَارَتْهُمْ هُنَاكَ الْقُبُورُ
وَقَالَ: أَرَادَ إِمَامَةَ الْمُلْكِ وَنَعِيمَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْأُمَّةُ بِالضَّمِّ، وَالْإِمَّةُ بِالْكَسْرِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهُ: الضَّمُّ فِي الْأَلِفِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الَّذِينَ كَسَرُوهَا فَإِنِّي لَا أَرَاهُمْ قَصَدُوا بِكَسْرِهَا إِلَّا مَعْنَى الطَّرِيقَةِ وَالْمِنْهَاجِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، لَا النِّعْمَةَ وَالْمُلْكَ، لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِأَنْ يُقَالَ: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى نِعْمَةٍ وَنَحْنُ لَهُمْ مُتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِلَلِ وَالْأَدْيَانِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا فِي الْمُلْكِ وَالنِّعْمَةِ، لِأَنَّ الِاتِّبَاعَ فِي الْمُلْكِ لَيْسَ بِالْأَمْرِ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ أَرَادَهُ
٢٠ ‏/ ٥٧١
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: وَإِنَّا عَلَى آثَارِ آبَائِنَا فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِمْ مُهْتَدُونَ، يَعْنِي: لَهُمْ مُتَّبِعُونَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ
٢٠ ‏/ ٥٧١
كَمَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: «إِنَّا عَلَى دِينِهِمْ»
٢٠ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: «وَإِنَّا مُتَّبِعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ»
٢٠ ‏/ ٥٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهَكَذَا كَمَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ فِعْلَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ، لَمْ نُرْسِلْ مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ فِي قَرْيَةٍ، يَعْنِي إِلَى أَهْلِهَا رُسُلًا تُنْذِرُهُمْ عِقَابَنَا عَلَى كُفْرِهِمْ بِنَا فَأَنْذَرُوهُمْ وَحَذَّرُوهُمْ سُخْطَنَا، وَحُلُولَ عُقُوبَتِنَا بِهِمْ ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ [سبأ: ٣٤]، وَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ وَكُبَرَاؤُهُمْ
٢٠ ‏/ ٥٧٢
كَمَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ [الزخرف: ٢٣] قَالَ: «رُؤَسَاؤُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ»
٢٠ ‏/ ٥٧٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا﴾ [الزخرف: ٢٣] «قَادَتُهُمْ وَرُءُوسُهُمْ فِي الشِّرْكِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٢
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَقُولُ: قَالُوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى مِلَّةٍ وَدِينٍ ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الزخرف: ٢٢] يَعْنِي: وَإِنَّا عَلَى مِنْهَاجِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ مُقْتَدُونَ بِفِعْلِهِمْ نَفْعَلُ كَالَّذِي فَعَلُوا، وَنَعْبُدُ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ؛ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِمُحَمَّدٍ ﷺ: فَإِنَّمَا سَلَكَ مُشْرِكُو قَوْمِكَ مِنْهَاجَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ فِي إِجَابَتِهِمْ إِيَّاكَ بِمَا أَجَابُوكَ بِهِ، وَرَدِّهِمْ مَا رَدُّوا عَلَيْكَ مِنَ النَّصِيحَةِ، وَاحْتِجَاجِهِمْ بِمَا احْتَجُّوا بِهِ لِمَقَامِهِمْ عَلَى دِينِهِمُ الْبَاطِلِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] «قَالَ بِفِعْلِهِمْ»
٢٠ ‏/ ٥٧٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٣] «فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ»
٢٠ ‏/ ٥٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، الْقَائِلِينَ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴿أَوَلَوْ
٢٠ ‏/ ٥٧٣
جِئْتُكُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤] أَيُّهَا الْقَوْمُ مِنْ عِنْدِ رَبِّكُمْ ﴿بِأَهْدَى﴾ [الزخرف: ٢٤] إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَأَدَلَّ لَكُمْ عَلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ﴿مِمَّا وَجَدْتُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤] أَنْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ مِنَ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٢٤] يَقُولُ: فَقَالَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَأَجَابُوهُ بِأَنْ قَالُوا لَهُ كَمَا قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا لِأَنْبِيَائِهَا: إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ كَافِرُونَ، يَعْنِي: جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ وَقَرَأَ ذَلِكَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ (قُلْ) ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ﴾ [الزخرف: ٢٤] بِالتَّاءِ وَذُكِرَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَارِئِ أَنَّهُ قَرَأَهُ (قُلْ أَوَ لَوْ جِئْنَاكُمْ) بِالنُّونِ وَالْأَلِفِ وَالْقِرَاءَةُ عِنْدَنَا مَا عَلَيْهِ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ
٢٠ ‏/ ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الزخرف: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَانْتَقَمْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلَهَا مِنَ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ بِرَبِّهَا، بِإِحْلَالِنَا الْعُقُوبَةَ بِهِمْ، فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ كَانَ عُقْبَى أَمْرِهِمْ، إِذْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٧] آخِرَ أَمْرِ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَ اللَّهِ إِلَامَ صَارَ، يَقُولُ: أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ فَنَجَعَلْهُمْ عِبْرَةً لِغَيْرِهِمْ؟
٢٠ ‏/ ٥٧٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ⦗٥٧٥⦘ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [الزخرف: ٢٥] قَالَ: «شَرٌّ وَاللَّهِ، أَخَذَهُمْ بِخَسْفٍ وَغَرَقٍ، ثُمَّ أَهْلَكَهُمْ فَأَدْخَلَهُمُ النَّارَ»
٢٠ ‏/ ٥٧٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ [الزخرف: ٢٦] الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا يَعْبُدُهُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٦] مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَكَذَّبُوهُ، فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ كَمَا انْتَقَمْنَا مِمَّنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسَلَهَا وَقِيلَ: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٦] فَوَضَعَ الْبَرَاءَ وَهُوَ مَصْدَرٌ مَوْضِعَ النَّعْتِ، وَالْعَرَبُ لَا تُثَنِّي الْبَرَاءَ وَلَا تَجْمَعُ وَلَا تُؤَنِّثُ، فَتَقُولُ: نَحْنُ الْبَرَاءُ وَالْخَلَاءُ: لِمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ مَصْدَرٌ، وَإِذَا قَالُوا: هُوَ بَرِيءٌ مِنْكَ ثَنَّوْا وَجَمَعُوا وَأَنَّثُوا، فَقَالُوا: هُمَا بَرِيئَانِ مِنْكَ، وَهُمْ بَرِيئُونَ مِنْكَ وَذُكِرَ أَنَّهَا فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (إِنَّنِي بَرِيءٌ) بِالْيَاءِ، وَقَدْ يُجْمَعُ بَرِيءٌ: بَرَاءٌ وَأَبْرَاءُ. ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٧] يَقُولُ: إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا مِنَ الَّذِي فَطَرَنِي، يَعْنِي الَّذِي خَلَقَنِي ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: ٢٧] يَقُولُ: فَإِنَّهُ سَيُقَوِّمُنِي لِلدِّينِ الْحَقِّ، وَيُوَفِّقُنِي لِاتِّبَاعِ سَبِيلِ الرُّشْدِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ [الزخرف: ٢٦] الْآيَةَ قَالَ: «كَايَدَهُمْ، كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ رَبُّنَا ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ رَبِّهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٦] يَقُولُ: «إِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَنِي»
٢٠ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٧] قَالَ: «خَلَقَنِي»
٢٠ ‏/ ٥٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلَ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ [الزخرف: ٢٧] وَهُوَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، وَهُمْ ذُرِّيَّتُهُ، فَلَمْ يَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَلِمَةِ الَّتِي جَعَلَهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ
٢٠ ‏/ ٥٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»
٢٠ ‏/ ٥٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالتَّوْحِيدُ لَمْ يَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ مِنْ يَقُولُهَا مِنْ بَعْدِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «التَّوْحِيدُ وَالْإِخْلَاصُ، وَلَا يَزَالُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهَ وَيعْبُدُهُ»
٢٠ ‏/ ٥٧٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» وَقَالَ آخَرُونَ: الْكَلِمَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ فِي عَقِبِهِ اسْمُ الْإِسْلَامِ
٢٠ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] فَقَرَأَ ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١] قَالَ: «جَعَلَ هَذِهِ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ» قَالَ: «الْإِسْلَامُ»، وَقَرَأَ ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ﴾ [الحج: ٧٨] فَقَرَأَ ﴿وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ [البقرة: ١٢٨]⦗٥٧٨⦘ وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى الْعَقِبِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «وَلَدِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «يَعْنِي مِنْ خَلَفِهِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «فِي عَقِبِ إِبْرَاهِيمَ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ»
٢٠ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الْعَقِبُ: الْوَلَدُ، وَوَلَدُ الْوَلَدِ»
٢٠ ‏/ ٥٧٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨] قَالَ: «عَقِبُهُ: ذُرِّيَّتُهُ»
٢٠ ‏/ ٥٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَقُولُ: لِيَرْجِعُوا إِلَى طَاعَةِ رَبِّهِمْ، وَيَثُوبُوا إِلَى ⦗٥٧٩⦘ عِبَادَتِهِ، وَيَتُوبُوا مِنْ كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٧٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزخرف: ٢٨] أَيْ يَتُوبُونَ، أَوْ يَذْكُرُونَ “
٢٠ ‏/ ٥٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ [الزخرف: ٢٩] يَا مُحَمَّدُ ﴿هَؤُلَاءِ﴾ [البقرة: ٣١] الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ ﴿وَآبَاءَهُمْ﴾ [الأنبياء: ٤٤] مِنْ قَبْلِهِمْ بِالْحَيَاةِ، فَلَمْ أُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ ﴿حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ [الزخرف: ٢٩] يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْحَقِّ: هَذَا الْقُرْآنَ: يَقُولُ: لَمْ أُهْلِكْهُمْ بِالْعَذَابِ حَتَّى أَنْزَلْتُ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ، وَبَعَثَتْ فِيهِمْ رَسُولًا مُبِينًا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿وَرَسُولٌ مُبِينٌ﴾ [الزخرف: ٢٩] مُحَمَّدًا ﷺ، وَالْمُبِينُ: أَنَّهُ يُبَيِّنُ لَهُمْ بِالْحُجَجِ الَّتِي يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْهِمْ أَنَّهُ لِلَّهِ رَسُولٌ مُحِقٌّ فِيمَا يَقُولُ ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾ [الزخرف: ٣٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَلَمَّا جَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَرَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ ﴿قَالُوا هَذَا سِحْرٌ﴾ [النمل: ١٣] يَقُولُ: هَذَا الَّذِي جَاءَنَا بِهِ هَذَا الرَّسُولُ سِحْرٌ يَسْحَرَنَا بِهِ، لَيْسَ بِوَحْي مِنَ اللَّهِ ﴿وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٠] يَقُولُ: قَالُوا: وَإِنَّا بِهِ جَاحِدُونَ، نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ اللَّهِ
٢٠ ‏/ ٥٧٩
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٠] قَالَ: «هَؤُلَاءِ قُرَيْشٌ قَالُوا الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ: هَذَا سِحْرٌ»
٢٠ ‏/ ٥٨٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [الزخرف: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ مِنْ قُرَيْشٍ لَمَّا جَاءَهُمُ الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: هَذَا سِحْرٌ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَهَلَّا نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ مِنْ إِحْدَى هَاتَيْنِ الْقَرْيَتَيْنِ مَكَّةَ أَوِ الطَّائِفِ وَاخْتُلِفَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي وَصَفُوهُ بِأَنَّهُ عَظِيمٌ، فَقَالُوا: هَلَّا نَزَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْقُرْآنُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَلَّا نَزَلَ عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، أَوْ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيِّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ؟
٢٠ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي ⦗٥٨١⦘ أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قَالَ: «يَعْنِي بِالْعَظِيمِ: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيَّ، أَوْ حَبِيبَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّ، وَبَالْقَرْيَتَيْنِ: مَكَّةَ وَالطَّائِفَ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ
٢٠ ‏/ ٥٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قَالَ «عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَابْنُ عَبْدِ يَالِيلَ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ: ابْنَ مَسْعُودٍ
٢٠ ‏/ ٥٨١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قَالَ: «الرَّجُلُ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَالَ: لَوْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا أُنْزِلَ عَلَى هَذَا، أَوْ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، وَالْقَرْيَتَانِ: الطَّائِفُ ⦗٥٨٢⦘ وَمَكَّةُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ مِنَ الطَّائِفِ اسْمُهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ»
٢٠ ‏/ ٥٨١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] «وَالْقَرْيَتَانِ: مَكَّةُ وَالطَّائِفُ؛ قَالَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ لَيْسَ فَخْذٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا قَدِ ادَّعَتْهُ، وَقَالُوا: هُوَ مِنَّا، فَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ الرَّجُلَيْنِ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَعُرْوَةُ الثَّقَفِيُّ أَبُو مَسْعُودٍ، يَقُولُونَ: هَلَّا كَانَ أُنْزِلَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ»
٢٠ ‏/ ٥٨٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قَالَ: «كَانَ أَحَدُ الْعَظِيمَيْنِ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ، كَانَ عَظِيمَ أَهْلِ الطَّائِفِ» وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَمِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ: كِنَانَةَ بْنَ عَبْدِ بْنِ عَمْرٍو
٢٠ ‏/ ٥٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] قَالَ: «الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيُّ، وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ، عَظِيمُ أَهْلِ الطَّائِفِ» وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، مُخْبِرًا عَنْ ⦗٥٨٣⦘ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] إِذْ كَانَ جَائِزًا أَنْ يَكُونَ بَعْضَ هَؤُلَاءِ، وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ تبارك وتعالى لَنَا الدَّلَالَةَ عَلَى الَّذِينَ عُنُوا مِنْهُمْ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ ﷺ، وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ مَوْجُودٌ عَلَى مَا بَيَّنْتُ
٢٠ ‏/ ٥٨٢
وَقَوْلُهُ: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَهَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ: لَوْلَا نُزِّلُ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ يَا مُحَمَّدُ، يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ بَيْنَ خَلْقِهِ، فَيَجْعَلُونَ كَرَامَتَهُ لِمَنْ شَاءُوا، وَفَضْلَهُ لِمَنْ أَرَادُوا، أَمِ اللَّهُ الَّذِي يَقْسِمُ ذَلِكَ، فَيُعْطِيهِ مَنْ أَحَبَّ، وَيَحْرِمُهُ مَنْ شَاءَ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا رَسُولًا، أَنْكَرَتِ الْعَرَبُ ذَلِكَ، وَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَسُولُهُ بَشَرًا مِثْلَ مُحَمَّدٍ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذَرِ النَّاسَ﴾ [يونس: ٢]» وَقَالَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ [النحل: ٤٣] يَعْنِي: أَهْلَ الْكُتُبِ الْمَاضِيَةِ، أَبَشَرًا كَانَتِ الرُّسُلُ الَّتِي أَتَتْكُمْ أَمْ مَلَائِكَةً؟ فَإِنْ كَانُوا مَلَائِكَةً أَتَتْكُمْ، وَإِنْ كَانُوا بَشَرًا فَلَا تُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ رَسُولًا: قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا ⦗٥٨٤⦘ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩] أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا قُلْتُمْ؛ قَالَ: فَلَمَّا كَرَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحُجَجَ قَالُوا، وَإِذَا كَانَ بَشَرًا فَغَيْرُ مُحَمَّدٍ كَانَ أَحَقَّ بِالرِّسَالَةِ فَـ ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] يَقُولُونَ: أَشْرَفُ مِنْ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ، وَكَانَ يُسَمَّى رَيْحَانَةَ قُرَيْشٍ، هَذَا مِنْ مَكَّةَ، وَمَسْعُودَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيَّ مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عز وجل رَدًّا عَلَيْهِمْ ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ﴾ [الزخرف: ٣٢] أَنَا أَفْعَلُ مَا شِئْتُ
٢٠ ‏/ ٥٨٣
وَقَوْلُهُ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ نَحْنُ نَقْسِمُ رَحْمَتَنَا وَكَرَامَتَنَا بَيْنَ مَنْ شِئْنَا مِنْ خَلْقِنَا، فَنَجْعَلُ مَنْ شِئْنَا رَسُولًا، وَمَنْ أَرَدْنَا صِدِّيقًا، وَنَتَّخِذُ مَنْ أَرَدْنَا خَلِيلًا، كَمَا قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمُ الَّتِي يَعِيشُونَ بِهَا فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا مِنَ الْأَرْزَاقِ وَالْأَقْوَاتِ، فَجَعَلْنَا بَعْضَهُمْ فِيهَا أَرْفَعَ مِنْ بَعْضٍ دَرَجَةً، بَلْ جَعَلْنَا هَذَا غَنِيًّا، وَهَذَا فَقِيرًا، وَهَذَا مَلِكًا، وَهَذَا مَمْلُوكًا ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢] «فَتَلْقَاهُ ضَعِيفَ الْحِيلَةِ، عَيِيَّ اللِّسَانِ، وَهُوَ مَبْسُوطٌ لَهُ فِي الرِّزْقِ، وَتَلْقَاهُ شَدِيدَ الْحِيلَةِ، سَلِيطَ اللِّسَانِ، ⦗٥٨٥⦘ وَهُوَ مَقْتُورٌ عَلَيْهِ»
٢٠ ‏/ ٥٨٤
قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٢] كَمَا قَسَمَ بَيْنَهُمْ صُوَرَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ تَبَارَكَ رَبُّنَا وَتَعَالَى
٢٠ ‏/ ٥٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] يَقُولُ: لِيَسْتَسْخِرَ هَذَا هَذَا فِي خِدْمَتِهِ إِيَّاهُ، وَفِي عَوْدِ هَذَا عَلَى هَذَا بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ فَضْلٍ، يَقُولُ: جَعَلَ تَعَالَى ذِكْرُهُ بَعْضًا لِبَعْضٍ سَبَبًا فِي الْمَعَاشِ فِي الدُّنْيَا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيمَا عَنَى بِقَوْلِهِ: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ مَا قُلْنَا فِيهِ
٢٠ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] قَالَ: «يَسْتَخْدِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي السُّخْرَةِ»
٢٠ ‏/ ٥٨٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] قَالَ: «هُمْ بَنُو آدَمَ جَمِيعًا قَالَ: وَهَذَا عَبْدُ هَذَا، وَرَفَعَ هَذَا عَلَى هَذَا دَرَجةً، فَهُوَ يُسَخِّرُهُ بِالْعَمَلِ، يَسْتَعْمِلُهُ بِهِ، كَمَا يُقَالُ: سَخَّرَ فُلَانٌ فُلَانًا» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ: لِيَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا
٢٠ ‏/ ٥٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] يَعْنِي بِذَلِكَ: «الْعَبِيدَ وَالْخَدَمَ سَخَّرَ لَهُمْ»
٢٠ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ [الزخرف: ٣٢] «مَلَكَةً»
٢٠ ‏/ ٥٨٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَرَحْمَةُ رَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ بِإِدْخَالِهِمُ الْجَنَّةَ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا يَجْمَعُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ فِي الدُّنْيَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ «يَعْنِي الْجَنَّةَ»
٢٠ ‏/ ٥٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَرَحْمَةُ رَبِّكَ﴾ يَقُولُ: «الْجَنَّةُ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ فِي الدُّنْيَا»
٢٠ ‏/ ٥٨٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣]⦗٥٨٧⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً﴾ [الزخرف: ٣٣] جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَمْ يُؤْمِنِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَيْهِ، لَوْ فَعَلَ مَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَمَا بِهِ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنْ أَجْلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَقَالَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى الْكُفْرِ، فَيَصِيرُ جَمِيعُهُمْ كُفَّارًا ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الزخرف: ٣٣]
٢٠ ‏/ ٥٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ، النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: «لَوْلَا أَنْ أَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ كُفَّارًا، لَجَعَلْتُ لِلْكُفَّارِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ»
٢٠ ‏/ ٥٨٧
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «لَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كُفَّارًا أَجْمَعُونَ، يَمِيلُونَ إِلَى الدُّنْيَا، لَجَعَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى الَّذِي قَالَ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ مَالَتِ الدُّنْيَا بِأَكْثَرِ أَهْلِهَا، وَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، فَكَيْفَ لَوْ فَعَلَهُ»
٢٠ ‏/ ٥٨٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ، النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] «أَيْ كُفَّارًا كُلُّهُمْ»
٢٠ ‏/ ٥٨٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «لَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ كُفَّارًا»
٢٠ ‏/ ٥٨٨
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ، أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] يَقُولُ: «كُفَّارًا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ» وَقَالَ آخَرُونَ: اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَتَرْكِ طَلَبِ الْآخِرَةِ وَقَالَ: مَعْنَى الْكَلَامِ: وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَرَفْضِ الْآخِرَةِ
٢٠ ‏/ ٥٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «لَوْلَا أَنْ يَخْتَارَ النَّاسُ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، لَجَعَلْنَا هَذَا لِأَهْلِ الْكُفْرِ»
٢٠ ‏/ ٥٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الزخرف: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ فِي الدُّنْيَا سُقُفًا، يَعْنِي أَعَالِي بُيُوتِهِمْ، وَهِيَ السُّطُوحُ فِضَّةً
٢٠ ‏/ ٥٨٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الزخرف: ٣٣] السَّقْفُ: «أَعْلَى الْبُيُوتِ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي تَكْرِيرِ اللَّامِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: ﴿لِمَنْ يَكْفُرُ﴾ [الزخرف: ٣٣]
٢٠ ‏/ ٥٨٨
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿لِبُيُوتِهِمْ﴾ [الزخرف: ٣٣]، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّهَا أُدْخِلَتْ فِي الْبُيُوتِ عَلَى الْبَدَلِ وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَقُولُ: إِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا فِي ﴿لِبُيُوتِهِمْ﴾ [الزخرف: ٣٣] مُكَرَّرَةً، كَمَا فِي ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢١٧] وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَ اللَّامَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ، كَأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي مَعْنَى عَلَى، كَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلْنَا لَهُمْ عَلَى بُيُوتِهِمْ سُقُفًا قَالَ: وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِلرَّجُلِ فِي وَجْهِهِ: جَعَلْتُ لَكَ لِقَوْمِكَ الْأُعْطِيَةَ: أَيْ جَعَلْتُهُ مِنْ أَجَلِكَ لَهُمْ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿سُقُفًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ وَعَامَّةُ الْبَصْرِيِّينَ (سَقْفًا) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ اعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ [النحل: ٢٦] وَتَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَعْنَاهُ الْجَمْعُ وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ ﴿سُقُفًا﴾ [الأنبياء: ٣٢] بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ، وَوَجَّهُوهَا إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ سَقِيفَةٍ أَوْ سُقُوفٍ وَإِذَا وُجِّهَتْ إِلَى أَنَّهَا جَمْعُ سُقُوفٍ كَانَتْ جَمْعَ الْجَمْعِ، لِأَنَّ السُّقُوفَ جَمْعُ سَقْفٍ، ثُمَّ تُجْمَعُ السُّقُوفُ سُقُفًا، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَظِيرَ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ (فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَاءِ، وَهِيَ الْجَمْعُ، وَاحِدُهَا رِهَانٌ وَرُهُونٌ، وَوَاحِدُ الرُّهُونِ وَالرِّهَانِ:
٢٠ ‏/ ٥٨٩
رَهْنٌ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ (كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ) بِضَمِّ الثَّاءِ وَالْمِيمِ، وَنَظِيرُ قَوْلِ الرَّاجِزِ:
حَتَّى إِذَا ابْتَلَّتْ حَلَاقِيمُ الْحُلُقِ
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ السُّقُفَ بِضَمِّ السِّينِ وَالْقَافِ جَمْعُ سَقْفٍ، وَالرُّهُنُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْهَاءِ جَمْعُ رَهْنٍ، فَأَغْفَلَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ اسْمٌ عَلَى تَقْدِيرِ فَعْلَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ مَجْمُوعًا عَلَى فُعُلٍ، فَيُجْعَلُ السُّقُفُ وَالرُّهُنُ مِثْلَهُ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٠ ‏/ ٥٩٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] يَقُولُ: وَمَرَاقِي وَدَرَجًا عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ، فَيَظْهَرُونَ عَلَى السَّقْفِ وَالْمَعَارِجُ: هِيَ الدَّرَجُ نَفْسُهَا، كَمَا قَالَ الْمُثَنَّى بْنُ جَنْدَلٍ:
يَا رَبَّ الْبَيْتِ ذِي الْمَعَارِجِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ ⦗٥٩١⦘ عَبَّاسٍ، ﴿وَمَعَارِجَ﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «مَعَارِجُ مِنْ فِضَّةٍ، وَهِيَ دَرَجٌ»
٢٠ ‏/ ٥٩٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣]: «أَيْ دَرَجًا عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ»
٢٠ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «الْمَعَارِجُ: الْمَرَاقِي»
٢٠ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «دَرَجٌ عَلَيْهَا يُرْفَعُونَ»
٢٠ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي قَالَ: ثَنِي عَمِّي قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ قَوْلَهُ: ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «دَرَجٌ عَلَيْهَا يَصْعَدُونَ إِلَى الْغُرَفِ»
٢٠ ‏/ ٥٩١
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ [الزخرف: ٣٣] قَالَ: «الْمَعَارِجُ: دَرَجٌ مِنْ فِضَّةٍ»
٢٠ ‏/ ٥٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ⦗٥٩٢⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا لِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا مِنْ فِضَّةٍ، وَسُرُرًا مِنْ فِضَّةٍ
٢٠ ‏/ ٥٩١
كَمَا: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَسُرُرًا﴾ [الزخرف: ٣٤] قَالَ: «سُرُرَ فِضَّةٍ»
٢٠ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ﴾ قَالَ: «الْأَبْوَابُ مِنْ فِضَّةٍ، وَالسُّرُرُ مِنْ فِضَّةٍ عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، يَقُولُ: عَلَى السُّرُرِ يَتَّكِئُونَ»
٢٠ ‏/ ٥٩٢
وَقَوْلُهُ: ﴿وُزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] يَقُولُ: وَلَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ زُخْرُفًا، وَهُوَ الذَّهَبُ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وُزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] «وَهُوَ الذَّهَبُ»
٢٠ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] قَالَ: «الذَّهَبُ» وَقَالَ الْحَسَنُ: بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ قَالَ: ذَهَبٍ
٢٠ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] «الزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ قَالَ: قَدْ وَاللَّهِ كَانَتْ تُكْرَهُ ثِيَابُ الشُّهْرَةِ» وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ ⦗٥٩٣⦘ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا مِنْ أَحَبِّ الزِّينَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ»
٢٠ ‏/ ٥٩٢
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] قَالَ: «الذَّهَبُ»
٢٠ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] قَالَ: «الذَّهَبُ»
٢٠ ‏/ ٥٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] «لَجَعَلْنَا هَذَا لِأَهْلِ الْكُفْرِ، يَعْنِي لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا وَالزُّخْرُفُ سُمِّيَ هَذَا الَّذِي سُمِّيَ السَّقْفَ، وَالْمَعَارِجُ وَالْأَبْوَابُ وَالسُّرُرُ مِنَ الْأَثَاثِ وَالْفُرُشِ وَالْمَتَاعِ»
٢٠ ‏/ ٥٩٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَزُخْرُفًا﴾ [الزخرف: ٣٥] يَقُولُ: «ذَهَبًا» وَالزُّخْرُفُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ زَيْدٍ: هَذَا هُوَ مَا تَتَّخِذُهُ النَّاسُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْفُرُشِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْآلَاتِ. وَفِي نَصْبِ الزُّخْرُفِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ زُخْرُفٍ، فَلَمَّا لَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِ مِنْ نَصْبٍ عَلَى إِعْمَالِ الْفِعْلِ فِيهِ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَزُخْرُفًا يَجْعَلُ ذَلِكَ لَهُمْ مِنْهُ وَالْوَجْهُ
٢٠ ‏/ ٥٩٣
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى السُّرُرِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: لَجَعَلْنَا لَهُمْ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ فِضَّةٍ، وَجَعَلْنَا لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ ذَهَبًا يَكُونُ لَهُمْ غِنًى يَسْتَغْنَونَ بِهَا، وَلَوْ كَانَ التَّنْزِيلُ جَاءَ بِخَفْضِ الزُّخْرُفِ لَكَانَ: لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمِنْ زُخْرُفٍ، فَكَانَ الزُّخْرُفُ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْفِضَّةِ وَأَمَّا الْمَعَارِجُ فَإِنَّهَا جُمِعَتْ عَلَى مَفَاعِلٍ، وَوَاحِدُهَا مِعْرَاجٌ، عَلَى جَمْعِ مِعْرَجٍ، كَمَا يُجْمَعُ الْمِفْتَاحُ مَفَاتِحُ عَلَى جَمْعِ مِفْتَحٍ، لِأَنَّهُمَا لُغَتَانِ: مِعْرَجٌ، وَمِفْتَحٌ، وَلَوْ جُمِعَ مَعَارِيجُ كَانَ صَوَابًا، كَمَا يُجْمَعُ الْمِفْتَاحُ مَفَاتِيحَ، إِذْ كَانَ وَاحِدُهُ مِعْرَاجٌ
٢٠ ‏/ ٥٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الزخرف: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا كُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِنَ السُّقُفِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالْمَعَارِجِ وَالْأَبْوَابِ وَالسُّرُرِ مِنَ الْفِضَّةِ وَالزُّخْرُفِ، إِلَّا مَتَاعٌ يَسْتَمْتِعُ بِهِ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي الدُّنْيَا ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَزَيَّنَ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَبَهَاؤُهَا عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ اتَّقُوا اللَّهَ فَخَافُوا عِقَابَهُ، فَجَدُّوا فِي طَاعَتِهِ، وَحَذَرُوا مَعَاصِيهِ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ
٢٠ ‏/ ٥٩٤
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٥] «خُصُوصًا»
٢٠ ‏/ ٥٩٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا
٢٠ ‏/ ٥٩٤
فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَلَمْ يَخَفْ سَطْوَتَهُ، وَلَمْ يَخْشَ عِقَابَهُ ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] يَقُولُ: نَجْعَلُ لَهُ شَيْطَانًا يُغْوِيهِ فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ: يَقُولُ: فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ قَرِينٌ، أَيْ يَصِيرُ كَذَلِكَ، وَأَصْلُ الْعُشُوِّ: النَّظَرُ بِغَيْرِ ثَبَتٍ لِعِلَّةٍ فِي الْعَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ: عَشَا فُلَانٌ يَعْشُو عَشْوًا وَعُشُوًّا: إِذَا ضَعُفَ بَصَرُهُ، وَأَظْلَمَتْ عَيْنُهُ، كَأَنَّ عَلَيْهِ غِشَاوَةً، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إِلَى ضَوْءِ نَارِهِ … تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا
يَعْنِي: مَتَى تَفْتَقِرْ فَتَأْتِهِ يُعِنْكَ، وَأَمَّا إِذَا ذَهَبَ الْبَصَرُ وَلَمْ يُبْصِرْ، فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: عَشِيَ فُلَانٌ يَعْشَى عَشًى مَنْقُوصٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى:
رَأَتْ رَجُلًا عَائِبَ الْوَافِدَيْنِ … مُخْتَلِفَ الْخَلْقِ أَعْشَى ضَرِيرَا
يُقَالُ مِنْهُ: رَجُلٌ أَعْشَى وَامْرَأَةٌ عَشْوَاءُ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَنْ لَا يَنْظُرُ فِي حُجَجِ اللَّهِ بِالْإِعْرَاضِ مِنْهُ عَنْهُ إِلَّا نَظَرًا ضَعِيفًا، كَنَظَرِ مَنْ قَدْ عَشِيَ بَصَرُهُ ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ [الزخرف: ٣٦]
٢٠ ‏/ ٥٩٥
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ، نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ [الزخرف: ٣٦] يَقُولُ: «إِذَا أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ نُقَيِّضُ لَهُ شَيْطَانًا ﴿فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦]»
٢٠ ‏/ ٥٩٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: ثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ،﴾ [الزخرف: ٣٦] قَالَ: «يُعْرِضْ» وَقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِمَعْنَى: وَمَنْ يَعْمَ، وَمَنْ تَأَوَّلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ «وَمَنْ يَعْشَ» بِفَتْحِ الشِّينِ عَلَى مَا بَيَّنْتُ قَبْلُ
٢٠ ‏/ ٥٩٦
ذِكْرُ مَنْ تَأَوَّلَهُ كَذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ [الزخرف: ٣٦] قَالَ: «مَنْ يَعْمَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ»
٢٠ ‏/ ٥٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ،﴾ [الزخرف: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيَصُدُّونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَعْشُونَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، فَيُزَيِّنُونَ لَهُمُ الضَّلَالَةَ، وَيُكَرِّهُونَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلَ بِطَاعَتِهِ ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٠] يَقُولُ: وَيَظُنُّ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ بِتَحْسِينِ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، يُخْبِرُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ مِنَ الَّذِي ⦗٥٩٧⦘ هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ عَلَى شَكٍّ وَعَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ [الزخرف: ٣٧] فَأَخْرَجَ ذِكْرَهُمْ مَخْرَجَ ذِكْرِ الْجَمِيعِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ قَبْلُ وَاحِدًا، فَقَالَ: ﴿نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا﴾ [الزخرف: ٣٦] لِأَنَّ الشَّيْطَانَ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ وَاحِدًا، فَفِي مَعْنَى جَمْعٍ
٢٠ ‏/ ٥٩٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف: ٣٩] اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾ [الزخرف: ٣٨] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْحِجَازِ سِوَى ابْنِ مُحَيْصِنٍ، وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ وَبَعْضُ الشَّامِيِّينَ (حَتَّى إِذَا جَاءَانَا) عَلَى التَّثْنِيَةِ بِمَعْنَى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا هَذَا الَّذِي عَشِيَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَقَرِينُهُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَنَا﴾ [الزخرف: ٣٨] عَلَى التَّوْحِيدِ بِمَعْنَى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا هَذَا الْعَاشِي مِنْ بَنِي آدَمَ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى وَذَلِكَ أَنَّ فِيَ خَبَرِ اللَّهِ تبارك وتعالى عَنْ حَالِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ مَقْدَمِهِ عَلَيْهِ فِيمَا أَقَرَّنَا فِيهِ فِي الدُّنْيَا، الْكِفَايَةُ لِلسَّامِعِ عَنْ خَبَرِ الْآخَرِ، إِذْ كَانَ الْخَبَرُ عَنْ حَالِ أَحَدِهِمَا مَعْلُومًا بِهِ خَبَرُ حَالِ الْآخَرِ، وَهُمَا مَعَ ذَلِكَ قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قَرَأَةِ الْأَمْصَارِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
٢٠ ‏/ ٥٩٧
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٠ ‏/ ٥٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: «حَتَّى إِذَا جَاءَانَا هُوَ وَقَرِينُهُ جَمِيعًا»
٢٠ ‏/ ٥٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ [الزخرف: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِصَاحِبِهِ الْآخَرِ: وَدِدْتُ أَنَّ بَيْنِيَ وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ: أَيْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَغَلَّبَ اسْمَ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا قِيلَ: شِبْهُ الْقَمَرَيْنِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَخَذْنَا بِآفَاقِ السَّمَاءِ عَلَيْكُمْ … لَنَا قَمَرَاهَا وَالنُّجُومُ الطَّوَالِعُ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ:
فَبَصْرَةُ الْأَزْدِ مِنَّا وَالْعِرَاقُ لَنَا … وَالْمَوْصِلَانِ وَمِنَّا مِصْرُ وَالْحَرَمُ
يَعْنِي: الْمَوْصِلَ وَالْجَزِيرَةَ، فَقَالَ: الْمَوْصِلَانِ، فَغَلَّبَ الْمَوْصِلَ وَقَدْ قِيلَ: عَنَى بِقَوْلِهِ ﴿بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ﴾ [الزخرف: ٣٨] مَشْرِقَ الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقَ الصَّيْفِ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ فِي الشِّتَاءِ مِنْ مَشْرِقٍ، وَفِي الصَّيْفِ مِنْ مَشْرِقٍ غَيْرِهِ؛ وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ تَغْرُبُ فِي مَغْرِبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿رَبُّ
٢٠ ‏/ ٥٩٨
الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ [الرحمن: ١٧] وَذُكِرَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ عِنْدَ لُزُومِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى يُورِدَهُ جَهَنَّمَ
٢٠ ‏/ ٥٩٩

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …