سُورَةُ الرُّومِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سِتُّونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
١٨ ‏/ ٤٤٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: ٢] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اخْتَلَفَتْ تَرَاجِمَةُ الْقُرْآنِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الم﴾ [البقرة: ١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ.
١٨ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنِ الْحَسَنِ الْجَفْرِيِّ، عَنْ سَلِيطٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، «يَقْرَأُ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ غُلِبُوا؟ قَالَ: عَلَى رِيفِ الشَّامِ». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ ﴿الم. ⦗٤٤٧⦘ غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ١] بِضَمِّ الْغَيْنِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. فَإِذْا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٤٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو سَعِيدٍ الثَّعْلَبِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ أَبُو سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ طَرْسُوسَ، قَالَ: ثنا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ ⦗٤٤٨⦘ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَغْلِبَ الرُّومُ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَغْلِبَ أَهْلُ فَارِسٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ، قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «وَأَمَا إِنَّهُمْ سَيَهْزِمُونَ»، قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ، قَالَ: فَقَالُوا: أَفَنَجْعَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَجَلًا، فَإِنْ غَلَبُوا كَانَ لَكَ كَذَا وَكَذَا، وَإِنْ غَلَبْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَجَعَلُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ أَجَلًا خَمْسَ سِنِينَ، قَالَ: فَمَضَتْ فَلَمْ يَغْلِبُوا؛ قَالَ: فَذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: «وَأَفَلَا جَعَلْتَهُ دُونَ الْعَشْرِ» . قَالَ سَعِيدٌ: وَالْبِضْعُ مَا دُونَ الْعَشْرِ، قَالَ: فَغُلِبَ الرُّومُ، ثُمَّ غَلَبَتْ، قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: الْبِضْعُ: مَا دُونَ الْعَشْرِ، ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤]، قَالَ سُفْيَانُ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ غَلَبُوا يَوْمَ بَدْرٍ
١٨ ‏/ ٤٤٧
حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ الْمِصْرِيُّ، قَالَ: ثنا مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْبُرْدِيُّ، قَالَ: ثنا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٢]، نَاحَبَ أَبُو بَكْرٍ قُرَيْشًا، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي قَدْ ⦗٤٤٩⦘ نَاحَبْتُهُمْ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «هَلَّا احْتَطْتَ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعِ» . قَالَ الْجُمَحِيُّ: الْمُنَاحَبَةُ: الْمُرَاهَنَةُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمُ ذَلِكَ
١٨ ‏/ ٤٤٨
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤]، قَالَ: قَدْ مَضَى، كَانَ ذَلِكَ فِي أَهْلِ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَكَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتْهُمْ، ثُمَّ غُلِبَتِ الرُّومُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَقِيَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، يَوْمَ الْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ، فَنَصَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَنَصَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى مُشْرِكِي الْعَجَمِ، فَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَنَصَرَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْعَجَمِ. قَالَ عَطِيَّةُ: فَسَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْتَقَيْنَا مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَالْتَقَتِ الرُّومُ وَفَارِسُ، فَنَصَرَنَا اللَّهُ عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَنَصَرَ اللَّهُ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، فَفَرِحْنَا بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّانَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَفَرِحْنَا بِنَصْرِ اللَّهِ أَهْلَ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤]»
١٨ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٢] غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ، ثُمَّ غَلَبَتِ الرُّومُ»
١٨ ‏/ ٤٤٩
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: «خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ: الدُّخَانُ، وَاللِّزَامُ، وَالْبَطْشَةُ، وَالْقَمَرُ، وَالرُّومُ»
١٨ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «قَدْ مَضَى ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢]»
١٨ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] قَالَ: ذَكَرَ غَلَبَةَ فَارِسَ إِيَّاهُمْ، وَإِدَالَةَ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، وَفَرِحَ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ الرُّومِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى فَارِسَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ»
١٨ ‏/ ٤٥٠
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَّى حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ اقْتَتَلُوا فِي أَدْنَى الْأَرْضِ، قَالُوا: وَأَدْنَى الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَذْرُعَاتُ، بِهَا الْتَقَوْا، فَهُزِمَتِ الرُّومُ قَبْلَ ذَلِكَ وَالنَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ بِمَكَّةَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَكْرَهُ أَنْ يَظْهَرَ الْأُمِّيُّونَ مِنَ الْمَجُوسِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الرُّومِ، فَفَرِحَ الْكُفَّارُ بِمَكَّةَ وَشَمَتُوا، فَلَقُوا أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالُوا: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، وَالنَّصَارَى أَهْلُ كِتَابٍ، وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ، وَقَدْ ظَهَرَ إِخْوَانُنَا مِنْ أَهْلِ
١٨ ‏/ ٤٥٠
فَارِسَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُونَا لَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٢]، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ إِلَى الْكُفَّارِ، فَقَالَ: أَفَرِحْتُمْ بِظُهُورِ إِخْوَانِكُمْ عَلَى إِخْوَانِنَا؟ فَلَا تَفْرَحُوا، وَلَا يُقِرَّنَّ اللَّهُ أَعْيُنَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَيَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ نَبِيُّنَا ﷺ، فَقَامَ إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا أَبَا فُضَيْلٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَنْتَ أَكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَقَالَ: أُنَاحِبُكَ عَشْرَ قَلَائِصَ مِنِّي، وَعَشْرَ قَلَائِصَ مِنْكَ، فَإِنْ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ غَرِمْتَ، وَإِنْ ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ غَرِمْتُ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، ثُمَّ جَاءَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: «وَمَا هَكَذَا ذَكَرْتُ، إِنَّمَا الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ، فَزَايِدْهُ فِي الْخَطَرِ، وَمَادِّهِ فِي الْأَجَلِ»، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فَلَقِيَ أُبَيًّا، فَقَالَ: لَعَلَّكَ نَدِمْتَ، فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أُزَايِدُكَ فِي الْخَطَرِ، وَأُمَادُّكَ فِي الْأَجَلِ، فَاجْعَلْهَا مِائَةَ قَلُوصٍ لِمِائَةِ قَلُوصٍ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ “
١٨ ‏/ ٤٥١
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: “كَانَتْ فِي فَارِسَ امْرَأَةٌ لَا تَلِدُ إِلَّا الْمُلُوكَ الْأَبْطَالَ، فَدَعَاهَا كِسْرَى
١٨ ‏/ ٤٥١
فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَ إِلَى الرُّومِ جَيْشًا وَأَسْتَعْمِلُ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِيكِ، فَأَشِيرِي عَلَيَّ أَيُّهُمْ أَسْتَعْمِلُ، فَقَالَتْ: هَذَا فُلَانٌ، وَهُوَ أَرْوَغُ مِنْ ثَعْلَبٍ، وَأَحْذَرُ مِنْ صُرَدَ، وَهَذَا فَرْخَانُ، وَهُوَ أَنْفَذُ مِنْ سِنَانٍ، وَهَذَا شَهْرَبَرَازَ، وَهُوَ أَحْلَمُ مِنْ كَذَا، فَاسْتَعْمِلْ أَيَّهُمْ شِئْتَ، قَالَ: إِنِّي قَدِ اسْتَعْمَلْتُ الْحَلِيمَ، فَاسْتَعْمَلَ شهربراز، فَسَارَ إِلَى الرُّومِ بِأَهْلِ فَارِسَ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ، فَقَتَلَهُمْ، وَخَرَّبَ مَدَائِنَهُمْ، وَقَطَعَ زَيْتُونَهُمْ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَطَاءً الْخُرَاسَانِيَّ، فَقَالَ: أَمَا رَأَيْتَ بِلَادَ الشَّامِ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَهَا، لَرَأَيْتَ الْمَدَائِنَ الَّتِي خَرِبَتْ، وَالزَّيْتُونَ الَّذِي قُطِعَ، فَأَتَيْتُ الشَّامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَرَأَيْتُهُ
١٨ ‏/ ٤٥٢
قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: ثني يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ: “أَنَّ قَيْصَرَ بَعَثَ رَجُلًا يُدْعَى قَطَمَةُ بِجَيْشٍ مِنَ الرُّومِ، وَبَعَثَ كِسْرَى شهربراز، فَالْتَقَيَا بِأَذْرُعَاتَ وَبُصْرَى، وَهِيَ أَدْنَى الشَّامِ إِلَيْكُمْ، فَلَقِيَتْ فَارِسُ الرُّومَ، فَغَلَبَتْهُمْ فَارِسُ، فَفَرِحَ بِذَلِكَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ، وَكَرِهَهُ الْمُسْلِمُونَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٢]، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، وَزَادَ: فَلَمْ يَزَلْ شهربراز يَطَؤُهُمْ، وَيُخَرِّبُ مَدَائِنَهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْخَلِيجَ، ثُمَّ مَاتَ كِسْرَى، فَبَلَغَهُمْ مَوْتُهُ، فَانْهَزَمَ شهربراز وَأَصْحَابُهُ، وَأَوْعَبَتْ عَلَيْهِمُ الرُّومُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَأَتْبَعُوهُمْ يَقْتُلُونَهُمْ، قَالَ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ فِي حَدِيثِهِ: لَمَّا ظَهَرَتْ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ جَلَسَ فَرْخَانُ يَشْرَبُ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: لَقَدْ رَأَيْتُ كَأَنِّي
١٨ ‏/ ٤٥٢
جَالِسٌ عَلَى سَرِيرِ كِسْرَى، فَبَلَغَتْ كِسْرَى، فَكَتَبَ إِلَى شهربراز: إِذَا أَتَاكَ كِتَابِي فَابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِ فَرْخَانَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَيُّهَا الْمَلِكُ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ مِثْلَ فَرْخَانَ، إِنَّ لَهُ نِكَايَةً وَضَرْبًا فِي الْعَدُوِّ، فَلَا تَفْعَلْ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ: إِنَّ فِي رِجَالِ فَارِسَ خَلَفًا مِنْهُ، فَعَجِّلْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ. فَرَاجَعَهُ، فَغَضِبَ كِسْرَى؛ فَلَمْ يُجِبْهُ، وَبَعَثَ بَرِيدًا إِلَى أَهْلِ فَارِسَ: إِنِّي قَدْ نَزَعْتُ عَنْكُمْ شهربراز، وَاسْتَعْمَلْتُ عَلَيْكُمْ فَرْخَانَ؛ ثُمَّ دَفَعَ إِلَى الْبَرِيدِ صَحِيفَةً صَغِيرَةً: إِذَا وَلِيَ فَرْخَانُ الْمُلْكَ، وَانْقَادَ لَهُ أَخُوهُ، فَأَعْطِهِ هَذِهِ؛ فَلَمَّا قَرَأَ شهربراز الْكِتَابَ، قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، وَنَزَلَ عَنْ سَرِيرِهِ، وَجَلَسَ فَرْخَانُ، وَدَفَعَ الصَّحِيفَةَ إِلَيْهِ، قَالَ: ائْتُونِي بشهربراز، فَقَدَّمَهُ لِيَضْرِبَ عُنُقَهُ، قَالَ: لَا تَعْجَلُ حَتَّى أَكْتُبَ وَصِيَّتِي، قَالَ: نَعَمْ، فَدَعَا بِالْعَسْفَطِ، فَأَعْطَاهُ ثَلَاثَ صَحَائِفَ، وَقَالَ: كُلُّ هَذَا رَاجَعْتُ فِيكَ كِسْرَى، وَأَنْتَ أَرَدْتَ أَنْ تَقْتُلَنِي بِكِتَابٍ وَاحِدٍ، فَرَدَّ الْمُلْكَ، وَكَتَبَ شهربراز إِلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً لَا يَحْمِلُهَا الْبَرِيدُ، وَلَا تَبْلُغُهَا الصُّحُفُ، فَالْقَنِي، وَلَا تَلْقَنِي إِلَّا فِي خَمْسِينَ رُومِيًّا، فَإِنِّي أَلْقَاكَ فِي خَمْسِينَ فَارِسِيًّا؛ فَأَقْبَلَ قَيْصَرُ فِي خَمْسِ مِائَةِ أَلْفِ رُومِيٍّ، وَجَعَلَ يَضَعُ الْعُيُونَ بَيْنَ
١٨ ‏/ ٤٥٣
يَدَيْهِ فِي الطَّرِيقِ، وَخَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَكَرَ بِهِ، حَتَّى أَتَتْهُ عُيُونُهُ أَنْ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا خَمْسُونَ رَجُلًا، ثُمَّ بُسِطَ لَهُمَا، وَالْتَقَيَا فِي قُبَّةِ دِيبَاجٍ ضُرِبَتْ لَهُمَا، مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِكِّينٌ، فَدَعَيَا تُرْجُمَانًا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ شهربراز: إِنَّ الَّذِينَ خَرَّبُوا مَدَائِنَكَ أَنَا وَأَخِي، بِكَيْدِنَا وَشَجَاعَتِنَا، وَإِنَّ كِسْرَى حَسَدَنَا، فَأَرَادَ أَنْ أَقْتُلَ أَخِي، فَأَبَيْتُ، ثُمَّ أَمَرَ أَخِي أَنْ يَقْتُلَنِيَ، فَقَدْ خَلَعْنَاهُ جَمِيعًا، فَنَحْنُ نُقَاتِلُهُ مَعَكَ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتُمَا، ثُمَّ أَشَارَ أَحَدُهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ أَنَّ السِّرَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِذَا جَاوَزَ اثْنَيْنِ فَشَا. قَالَ: أَجَلْ، فَقَتَلَا التُّرْجُمَانَ جَمِيعًا بِسِكِّينَيْهِمَا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ كِسْرَى، وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ وَمَنْ مَعَهُ “
١٨ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ عَلَى أَدْنَى الشَّامِ ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣]، قَالَ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ عَبَدَ الْمُسْلِمُونَ رَبَّهُمْ، وَعَلِمُوا أَنَّ الرُّومَ سَيَظْهَرُونَ عَلَى فَارِسَ، فَاقْتَمَرُوا هُمْ وَالْمُشْرِكُونَ خَمْسَ قَلَائِصَ، وَأَجَّلُوا بَيْنَهُمْ خَمْسَ سِنِينَ، فَوَلِيَ قِمَارُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو بَكْرٍ، وَوَلِيَ قِمَارَ الْمُشْرِكِينَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْقِمَارِ، فَحَلَّ الْأَجَلُ، وَلَمْ يَظْهَرِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَسَأَلَ الْمُشْرِكُونَ قِمَارَهُمْ، فَذَكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ⦗٤٥٥⦘ لِلنَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَلَمْ تَكُونُوا أَحِقَّاءَ أَنْ تُؤَجِّلُوا دُونَ الْعَشْرِ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْعَشْرِ، وَزَايِدُوهُمْ فِي الْقِمَارِ، وَمَادُّوهُمْ فِي الْأَجَلِ»، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ الرُّومَ عَلَى فَارِسَ عِنْدَ رَأْسِ الْبِضْعِ سِنِينَ مِنْ قِمَارِهِمُ الْأَوَّلِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجَعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِصُلْحِهِمُ الَّذِي كَانَ، وَبِظُهُورِ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى الْمَجُوسِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا شَدَّدَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤]
١٨ ‏/ ٤٥٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ «﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: ٤] قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَخْبَرَ النَّاسَ بِمَكَّةَ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ. قَالَ: فَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِذَلِكَ، قَالَ: وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ»
١٨ ‏/ ٤٥٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: “كَانَتْ فَارِسُ ظَاهِرَةٌ عَلَى الرُّومِ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ فَارِسُ عَلَى الرُّومِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسٍ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابِ، وَهُمْ أَقْرَبُ إِلَى دِينِهِمْ: فَلَمَّا نَزَلَتْ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] إِلَى ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٤] قَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ: إِنَّ صَاحِبَكَ يَقُولُ: «إِنَّ الرُّومَ تَظْهَرُ عَلَى فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ»، قَالَ: صَدَقَ، قَالُوا: هَلْ لَكَ أَنْ نُقَامِرَكَ؟ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَرْبَعِ قَلَائِصٍ،
١٨ ‏/ ٤٥٥
إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، فَمَضَتِ السَّبْعُ، وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ، فَفَرِحَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ، وَشَقَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: فَقَالَ: «مَا بِضْعُ سِنِينَ عِنْدَكُمْ؟» قَالُوا: دُونَ الْعَشْرِ، قَالَ: «اذْهَبْ فَزَايِدْهُمْ وَازْدَدْ سَنَتَيْنِ» قَالَ: فَمَا مَضَتِ السَّنَتَانِ، حَتَّى جَاءَتِ الرُّكْبَانُ بِظُهُورِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ١] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَعْدَ اللَّهِ، لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم: ٦]
١٨ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنِ الْأَعْمَشِ، وَفِطْرٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «مَضَتِ الرُّومُ»
١٨ ‏/ ٤٥٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ” ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: أَدْنَى الْأَرْضِ: الشَّامُ ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] قَالَ: كَانَتْ فَارِسُ قَدْ غَلَبَتِ الرُّومَ، ثُمَّ أُدِيلَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَذُكِرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ»، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: هَذَا مِمَّا يَتَخَرَّصُ مُحَمَّدٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تُنَاحِبُونَنِي؟ وَالْمُنَاحَبَةُ: الْمُجَاعَلَةُ، قَالُوا: نَعَمْ، فَنَاحَبَهُمْ أَبُو بَكْرٍ، فَجَعَلَ السِّنِينَ أَرْبَعًا أَوْ خَمْسًا، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ الْبِضْعَ فِيمَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى التِّسْعِ، فَارْجِعْ إِلَى الْقَوْمِ، فَزِدْ فِي الْمُنَاحَبَةِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ. قَالُوا: فَنَاحَبَهُمْ فَزَادَ. قَالَ: فَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
١٨ ‏/ ٤٥٦
الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مِنْ يَشَاءُ﴾ [الروم: ٤] يَوْمَ أُدِيلَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ “
١٨ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿الم. غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: غُلِبَتْ وَغَلَبَتْ». فَأَمَّا الَّذِينَ قَرَؤُوا ذَلِكَ: ﴿غَلَبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] بِفَتْحِ الْغَيْنِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ نَبِيِّهِ ﷺ عَنْ غَلَبَةِ الرُّومِ.
١٨ ‏/ ٤٥٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي الْأَعْمَشَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ ظَهْرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، فَنَزَلَتْ» الم. غَلَبَتِ الرُّومُ «عَلَى فَارِسَ»
١٨ ‏/ ٤٥٧
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: ثنا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ غَلَبَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ (الم. غَلَبَتِ الرُّومُ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ»
١٨ ‏/ ٤٥٧
يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ⦗٤٥٨⦘ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٢] قَالَ: كَانُوا قَدْ غَلَبُوا قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤]»
١٨ ‏/ ٤٥٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٣] قَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ بَعْضِهِمْ فِيمَا تَقَدَّمَ قَبْلُ، وَأَذْكُرُ قَوْلَ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ قَوْلُهُ.
١٨ ‏/ ٤٥٨
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٣] يَقُولُ: فِي طَرَفِ الشَّامِ». وَمَعْنَى قَوْلُهُ أَدْنَى: أَقْرَبُ، وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ الدُّنُوِّ، وَالْقُرْبِ. وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ: فِي أَدْنَى الْأَرْضِ مِنْ فَارِسَ، فَتَرَكَ ذِكْرَ فَارِسَ اسْتِغْنَاءً بِدَلَالَةِ مَا ظَهْرَ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٣] عَلَيْهِ مِنْهُ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] يَقُولُ: وَالرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ سَيَغْلِبُونَ فَارِسَ، وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: غَلَبْتُهُ غَلَبَةً، فَحُذِفَتِ الْهَاءُ مِنَ الْغَلَبَةِ، وَقِيلَ: مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ بَعْدِ غَلَبَتِهِمْ لِلْإِضَافَةِ، كَمَا حُذِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ [الأنبياء: ٧٣] لِلْإِضَافَةِ. وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ
١٨ ‏/ ٤٥٨
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] فَإِنَّ الْقُرَّاءَ أَجْمَعِينَ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ فِيهَا، وَالْوَاجِبُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: (الم غَلَبَتِ الرُّومُ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ، أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ: (سَيُغْلَبُونَ) بِضَمِّ الْيَاءِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبَتِهِمْ فَارِسَ سَيَغْلِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَصِحَّ مَعْنَى الْكَلَامِ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ كَبِيرُ مَعْنًى إِنْ فُتِحَتِ الْيَاءُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَمَّا قَدْ كَانَ يَصِيرُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ أَنَّهُ سَيَكُونُ، وَذَلِكَ إِفْسَادُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ. وَقَوْلُهُ: ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٤] قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْبِضْعِ فِيمَا مَضَى، وَأَتَيْنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَقْوَالِهِمْ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
١٨ ‏/ ٤٥٩
وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثنا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ الصَّفَّارُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: «مَا الْبِضْعُ؟ قَالَ: زَعَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ تِسْعٌ أَوْ سَبْعٌ». وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الروم: ٤]
١٨ ‏/ ٤٥٩
فَإِنَّ الْقَاسِمَ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ: «﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ﴾ [الرعد: ٣١] دَوْلَةُ فَارِسَ عَلَى الرُّومِ ﴿وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الأعراف: ١٢٩] دَوْلَةُ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ»
١٨ ‏/ ٤٥٩
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ، يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الروم: ٥] فَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ فِي تَأْوِيلِهِ قَبْلُ، وَبَيَّنَا مَعْنَاهُ. ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٣] مِنْ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ [الروم: ٣] يَقُولُ: وَالرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ ﴿سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] فَارِسَ. ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ. لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ﴾ [الروم: ٤] غَلَبَتِهِمْ فَارِسَ ﴿وَمِنْ بَعْدُ﴾ [الأعراف: ١٢٩] غَلَبَتِهِمْ إِيَّاهَا، يَقْضِي فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ، وَيْحَكُمُ مَا يُرِيدُ، وَيُظْهِرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ أَحَبَّ إِظْهَارَهُ عَلَيْهِ. ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤] يَقُولُ: وَيَوْمَ يَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَنُصْرَةِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ ﴿يَنْصُرُ﴾ [الروم: ٥] اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة: ٩٠] مِنْ خَلْقِهِ، عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَهُوَ نُصْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ: وَاللَّهُ الشَّدِيدُ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ ﴿الرَّحِيمُ﴾ [الفاتحة: ١] بِمَنْ تَابَ مِنْ خَلْقِهِ، وَرَاجَعَ طَاعَتَهُ أَنْ يُعَذِّبَهُ.
١٨ ‏/ ٤٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَعَدَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَعَدَ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ لَهُمْ. وَنَصَبَ ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ [النساء: ٩٥] عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ قَوْلِهِ ﴿وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] لِأَنَّ ذَلِكَ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَعَدَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَعْدًا
١٨ ‏/ ٤٦٠
﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ﴾ [الروم: ٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَفِي بِوَعْدِهِ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّ الرُّومَ سَيَغْلِبُونَ فَارِسَ، لَا يُخَلِّفُهُمْ وَعْدَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَوَاعِيدِهِ خَلَفٌ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَكْذِبُونَ بِأَنَّ اللَّهَ مُنْجِزُ وَعْدِهِ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ فَارِسَ، لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي وَعْدِ اللَّهِ إِخْلَافٌ.
١٨ ‏/ ٤٦٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: ٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِحَقِيقَةِ خَبَرِ اللَّهِ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ ظَاهِرًا مِنْ حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا، وَتَدْبِيرِ مَعَايِشَهُمْ فِيهَا، وَمَا يُصْلِحُهُمْ، وَهُمْ عَنْ أَمْرِ آخِرَتِهِمْ، وَمَا لَهُمْ فِيهِ النَّجَاةُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ هُنَالِكَ غَافِلُونَ، لَا يُفَكِّرُونَ فِيهِ. ⦗٤٦١⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ: قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] يَعْنِي مَعَايشَهُمْ، مَتَى يَحْصُدُونَ، وَمَتَى يَغْرِسُونَ»
١٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ ثَنَا: عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبُو تُمَيْلَةَ، قَالَ: ثنا ابْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: مَتَى يَزْرَعُونَ، مَتَى يَغْرِسُونَ»
١٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: ثني شَرْقِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: هُوَ السِّرَاجُ أَوْ نَحْوَهُ»
١٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ الضُّبَعِيُّ، قَالَ: ثنا أَبُو قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ شَرْقِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: السَّرَّاجُونَ»
١٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، ⦗٤٦٢⦘ عَنْ شَرْقِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: الْخَرَّازُونَ، وَالسَّرَّاجُونَ»
١٨ ‏/ ٤٦١
حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: مَعَايِشَهُمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ». حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: مَعَايِشَهُمْ»
١٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] يَعْنِي الْكُفَّارَ، يَعْرِفُونَ عُمْرَانَ الدُّنْيَا، وَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ جُهَّالٌ»
١٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: مَعَايِشَهُمْ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا ⦗٤٦٣⦘ مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] مِنْ حِرْفَتِهَا وَتَصَرُّفِهَا وَبُغْيَتِهَا، ﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: ٧]»
١٨ ‏/ ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «يَعْلَمُونَ مَتَى زَرْعُهُمْ، وَمَتَى حَصَادُهُمْ»
١٨ ‏/ ٤٦٣
قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ رَاشِدٍ الْهِلَالِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ شَرْقِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَ: السَّرَّاجُ وَنَحْوَهُ»
١٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثنا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثني حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، قَالَ: «صَرْفَهَا فِي مَعِيشَتِهَا» . حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الروم: ٧] . وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ مَا:
١٨ ‏/ ٤٦٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الروم: ٧] قَالَا: تَسْتَرِقُ الشَّيَاطِينُ السَّمْعَ، فَيَسْمَعُونَ الْكَلِمَةَ الَّتِي قَدْ نَزَلَتْ، يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي الْأَرْضِ، قَالَ: وَيَرْمُونَ بِالشُّهُبِ، فَلَا يَنْجُو أَنْ يَحْتَرِقَ، أَوْ يُصِيبَهُ شَرَرٌ مِنْهُ، قَالَ: فَيَسْقُطُ فَلَا يَعُودُ أَبَدًا؛ قَالَ: وَيَرْمِي بِذَلِكَ الَّذِي سَمِعَ إِلَى أَوْلِيَائِهِ مِنَ الْإِنْسِ، قَالَ: ⦗٤٦٤⦘ فَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ أَلْفَ كَذِبَةٍ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ: يَكُونُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ. فَيَجِيءُ الصَّحِيحُ مِنْهُ كَمَا يَقُولُونَ، الَّذِي سَمِعُوهُ مِنَ السَّمَاءِ، وَيُعْقِبُهُ مِنَ الْكَذِبِ الَّذِي يَخُوضُونَ فِيهِ»
١٨ ‏/ ٤٦٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍّ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرَ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَوْمِكَ فِي خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ، وَأَنَّهُ خَلَقَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ صَرَفَهُمْ أَحْوَالًا وَتَارَاتٍ حَتَّى صَارُوا رِجَالًا، فَيَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ قَادِرٌ أَنْ يُعِيدَهُمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا، ثُمَّ يُجَازِي الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِإِحْسَانِهِ. وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، لَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِنْهُمْ فَيُعَاقِبُهُ بِجُرْمِ غَيْرِهِ، وَلَا يَحْرِمُ أَحَدًا مِنَهُمْ جَزَاءَ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ الْعَدْلُ الَّذِي لَا يَجُورُ، ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ إِلَّا بِالْعَدْلِ، وَإِقَامَةِ الْحَقِّ، ﴿وَأَجَلٍّ مُسَمًّى﴾ [الأنعام: ٢] يَقُولُ: وَبِأَجَلٍ مُؤَقَّتٍ مُسَمًّى، إِذَا بَلَغَتْ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَفْنَى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَبَدَّلَ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ﴾ [الروم: ٨] جَاحِدُونَ مُنْكِرُونَ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِأَنَّ مَعَادَهُمْ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ، وَغَفْلَةٍ مِنْهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ.
١٨ ‏/ ٤٦٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
١٨ ‏/ ٤٦٤
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا، وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [الروم: ٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَسِيرُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ بِاللَّهِ، الْغَافِلُونَ عَنِ الْآخِرَةِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَسْلُكُونَهَا تَجْرًا، فَيَنْظُرُوا إِلَى آثَارِ اللَّهِ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ، كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا فِي تَكْذِيبِهَا رُسُلِهَا، فَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً، ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ [الروم: ٩] يَقُولُ: وَاسْتَخْرَجُوا الْأَرْضَ، وَحَرَثُوهَا وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرَ هَؤُلَاءِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الِامْتِنَاعِ، مَعَ شِدَّةِ قُواهُمْ مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ، وَلَا نَفَعَتْهُمْ عِمَارَتُهُمْ مَا عَمَرُوا مِنَ الْأَرْضِ، إِذْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنَ الْآيَاتِ، فَكَذَّبُوهُمْ، فَأَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ بَأْسَهُ، فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ بِعِقَابِهِ إِيَّاهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ وَجُحُودِهِمْ آيَاتِهِ، وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِمَعْصِيَتِهِمْ رَبِّهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ [الروم: ٩] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٦٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩]⦗٤٦٦⦘ قَالَ: مَلَكُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا»
١٨ ‏/ ٤٦٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ [الروم: ٩] قَالَ: حَرَثُوهَا»
١٨ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ [الروم: ٩] إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩] كَقَوْلِهِ: ﴿وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ [غافر: ٢١]، قَوْلُهُ: ﴿وَعَمَرُوهَا﴾ [الروم: ٩] أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرَ هَؤُلَاءِ ﴿وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ [يونس: ١٣]»
١٨ ‏/ ٤٦٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ كَانَ آخِرُ أَمْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا، وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ بِاللَّهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُمْ، فَأَسَاءُوا بِذَلِكَ فِي فِعْلِهِمْ. السُّوأَى: يَعْنِي الْخَلَّةَ الَّتِي هِيَ أَسْوَأُ مِنْ فِعْلِهِمْ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَالْبَوَارُ وَالْهَلَاكُ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَالنَّارُ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَلَا هُمْ يَسْتَعْتِبُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ⦗٤٦٧⦘ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ الَّذِينَ أَشْرَكُوا السُّوأَى: أَيِ النَّارُ»
١٨ ‏/ ٤٦٦
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾ يَقُولُ: الَّذِينَ كَفَرُوا جَزَاؤُهُمُ الْعَذَابُ». وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: السُّوأَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: مَصْدَرٌ، مِثْلُ الْبَقْوَى، وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ فَقَالَ: هِيَ اسْمٌ. وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ [الروم: ١٠] يَقُولُ: كَانَتْ لَهُمُ السُّوأَى، لِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا بِآيَاتِ اللَّهِ، وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُونَ: يَقُولُ: وَكَانُوا بِحُجَجِ اللَّهِ، وَهُمْ أَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ يَسْخَرُونَ.
١٨ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [الروم: ١١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ تَعَالَى يَبْدَأُ إِنْشَاءَ جَمِيعِ الْخَلْقِ مُنْفَرِدًا بِإِنْشَائِهِ مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ وَلَا ظَهِيرٍ، فَيُحْدِثُهُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ، بَلْ بِقُدْرَتِهِ عز وجل، ثُمَّ يُعِيدُ خَلْقًا جَدِيدًا بَعْدَ إِفْنَائِهِ وَإِعْدَامِهِ، كَمَا بَدَأَهُ خَلْقًا سَوِيًّا، وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة: ٢٨] يَقُولُ: ثُمَّ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِ إِعَادَتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا يُرَدُّونَ، فَيُحْشَرُونَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ وَ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا ⦗٤٦٨⦘ بِالْحُسْنَى﴾ .
١٨ ‏/ ٤٦٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الروم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى، ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ تَجِيءُ السَّاعَةُ الَّتِي فِيهَا يَفْصِلُ اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَيَنْشُرُ فِيهَا الْمَوْتَى مِنْ قُبُورِهِمْ، فَيَحْشُرُهُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ، ﴿يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ١٢] يَقُولُ: يَيْأَسُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، وَاكْتَسَبُوا فِي الدُّنْيَا مَسَاوِئَ الْأَعْمَالِ مِنْ كُلِّ شَرٍّ، وَيَكْتَئِبُونَ وَيَتَنَدَّمُونَ، كَمَا قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رَسْمًا مُكْرَسَا … قَالَ: نَعَمْ أَعْرِفُهُ وَأَبْلَسَا
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ «﴿يُبْلِسُ﴾ [الروم: ١٢] قَالَ: يَكْتَئِبُ»
١٨ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ١٢] أَيْ فِي النَّارِ»
١٨ ‏/ ٤٦٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ [الروم: ١٢] قَالَ: الْمُبْلِسُ: الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِهِ الشَّرُّ، إِذَا أَبْلَسَ الرَّجُلُ، فَقَدْ نَزَلَ بِهِ بَلَاءٌ»
١٨ ‏/ ٤٦٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ﴾ [الروم: ١٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ لَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ صِفَتَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُمْ، عَلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، فَيُشَارِكُونَهُمْ فِي الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَالْمُعَاوَنَةِ عَلَى أَذَى رُسُلِهِ، شُفَعَاءٌ يَشْفَعُونَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَيَسْتَنْقِذُوهُمْ مِنْ عَذَابِهِ. ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ [الروم: ١٣] يَقُولُ: وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ فِي الضَّلَالَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَافِرِينَ، يَجْحَدُونَ وِلَايَتِهِمْ، وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْهُمْ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾ .
١٨ ‏/ ٤٦٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ تَجِيءُ السَّاعَةُ الَّتِي يُحْشَرُ فِيهَا الْخَلْقُ إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ، يَقُولُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَتَفَرَّقُونَ يَعْنِي: يَتَفَرَّقُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَأَهْلُ الْكُفْرِ بِهِ؛ فَأَمَّا أَهْلُ الْإِيمَانِ، فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الْكُفْرِ فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ، فَهُنَالِكَ يُمَيِّزُ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطِّيبِ
١٨ ‏/ ٤٦٩
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم: ١٤] قَالَ: فُرْقَةٌ وَاللَّهِ لَا اجْتِمَاعَ بَعْدَهَا» ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الروم: ١٥] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [الروم: ١٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ. ﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] يَقُولُ: فَهُمْ فِي الرَّيَاحِينِ وَالنَّبَاتَاتِ الْمُلْتَفَّةِ، وَبَيْنَ أَنْوَاعِ الزَّهْرِ فِي الْجِنَّانِ يُسَرُّونَ، وَيَلَذْذُونَ بِالسَّمَاعِ وَطِيبِ الْعَيْشِ الْهَنِيِّ. وَإِنَّمَا خَصَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ذِكْرَ الرَّوْضَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ أَحْسَنُ مَنْظَرًا، وَلَا أَطْيَبُ نُشُرًا مِنَ الرِّيَاضِ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَوْلُ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:
[البحر البسيط] مَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْحُسْنِ مُعْشِبَةٌ … خَضْرَاءُ جَادَ عَلَيْهَا مُسْبِلٌ هَطِلُ
يُضَاحِكُ الشَّمْسَ مِنْهَا كَوْكَبٌ شَرِقٌ … مُؤَزَّرٌ بِعَمِيمِ النَّبْتِ مُكْتَهِلُ
١٨ ‏/ ٤٧٠
يَوْمًا بِالطِّيبِ مِنْهَا نَشْرُ رَائِحَةٍ … وَلَا بِأَحْسَنَ مِنْهَا إِذْ دَنَا الْأَصْلُ
فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ تَعَالَى، أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْمَنْظَرِ الْأَنِيقِ، وَاللَّذِيذِ مِنَ الْأَرَايِيحِ، وَالْعَيْشِ الْهَنِيِّ فِيمَا يُحِبُّونَ، وَيُسَرُّونَ بِهِ، وَيُغْبَطُونَ عَلَيْهِ. وَالْحِبَرَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ: السُّرُورُ وَالْغِبْطَةُ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:
[البحر الرجز] فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعْطَى الْحَبْرَ … مَوَالِي الْحَقِّ إِنِ الْمَوْلَى شَكَرَ
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُكْرَمُونَ.
١٨ ‏/ ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] قَالَ: يُكْرَمُونَ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: يُنَعَّمُونَ.
١٨ ‏/ ٤٧١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤٧٢⦘ فِي قَوْلِهِ: «﴿يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] قَالَ: يُنَعَّمُونَ»
١٨ ‏/ ٤٧١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] قَالَ: يُنَعَّمُونَ». وَقَالَ آخَرُونَ: يَلَذَّذُونَ بِالسَّمَاعِ وَالْغِنَاءِ
١٨ ‏/ ٤٧٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَسِيُّ، قَالَ: ثني عَامِرُ بْنُ يَسَافٍ، قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] قَالَ: الْحِبَرَةُ: اللَّذَّةُ وَالسَّمَاعُ»
١٨ ‏/ ٤٧٢
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ، قَالَ: ثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] قَالَ: السَّمَاعُ فِي الْجَنَّةِ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، مِثْلَهُ. ⦗٤٧٣⦘ حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَامِرِ بْنِ يَسَافٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، مِثْلَهُ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ تَعُودُ إِلَى مَعْنَى مَا قُلْنَا.
١٨ ‏/ ٤٧٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] يَقُولُ تَعَالَى، ذِكْرُهُ: وَأَمَّا الَّذِينَ جَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَأَنْكَرُوا الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَمَاتِ وَالنُّشُورِ لِلدَّارِ الْآخِرَةِ، فَأُولَئِكَ فِي عَذَابِ اللَّهِ مُحْضَرُونَ، وَقَدْ أَحْضَرَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَجَمَعَهُمْ فِيهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ الَّذِي كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ.
١٨ ‏/ ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَبِّحُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ: أَيْ صَلُّوا لَهُ حِينَ تُمْسُونَ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، وَحِينَ تُصْبِحُونَ، وَذَلِكَ صَلَاةُ الصُّبْحِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ ابْنَ عَبَّاسٍ: «هَلْ تَجِدُ مِيقَاتَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْمَغْرِبُ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْفَجْرُ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] الْعَصْرُ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] الظُّهْرُ، قَالَ: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾ [النور: ٥٨]»
١٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ، قَالَ: سَأَلَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، فِي الْقُرْآنِ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَرَأَ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] قَالَ: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] قَالَ: صَلَاةُ الصُّبْحِ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] قَالَ: صَلَاةُ الْعَصْرِ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] صَلَاةُ الظُّهْرِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ﴾ [النور: ٥٨]
١٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «جَمَعَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ مَوَاقِيتَ الصَّلَاةِ ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] قَالَ: الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْفَجْرُ ⦗٤٧٥⦘ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] الْعَصْرُ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] الظُّهْرُ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ
١٨ ‏/ ٤٧٤
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] قَالَ: جَمَعَتِ الصَّلَوَاتِ، ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] صَلَاةُ الصُّبْحِ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] صَلَاةُ الْعَصْرِ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] صَلَاةُ الظُّهْرِ»
١٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] الْفَجْرُ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] الْعَصْرُ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] الظُّهْرُ، وَكُلُّ سَجْدَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ صَلَاةٌ»
١٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] لِصَلَاةِ الصُّبْحِ ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] لِصَلَاةِ الْعَصْرِ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] صَلَاةُ الظُّهْرِ، أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ»
١٨ ‏/ ٤٧٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: «﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ ⦗٤٧٦⦘ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ قَالَ: ﴿حِينَ تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧]: صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، ﴿وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧]: صَلَاةُ الصُّبْحِ، ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١]: صَلَاةُ الْعَصْرِ، ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨]: صَلَاةُ الظُّهْرِ ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يَقُولُ: وَلَهُ الْحَمْدُ مِنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ دُونَ غَيْرِهِ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ سُكَّانِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْأَرْضِ مِنْ أَهْلِهَا، مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ خَلْقِهِ فِيهَا، ﴿وَعَشِيًّا﴾ [مريم: ١١] يَقُولُ: وَسَبِّحُوهُ أَيْضًا عَشِيًّا، وَذَلِكَ صَلَاةُ الْعَصْرِ ﴿وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] يَقُولُ: وَحِينَ تَدْخُلُونَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ»
١٨ ‏/ ٤٧٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: صَلُّوا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ فِيهَا أَيُّهَا النَّاسُ، اللَّهُ الَّذِي يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَهُوَ الْإِنْسَانُ الْحَيُّ مِنَ الْمَاءِ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَاءَ الْمَيِّتَ مِنَ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ ﴿وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ١٩] فَيُنْبِتُهَا، وَيُخْرِجُ زَرْعَهَا بَعْدَ خَرَابِهَا وَجُدُوبِهَا ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ [الروم: ١٩] يَقُولُ: كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فَيُخْرِجُ نَبَاتَهَا وَزَرْعَهَا، كَذَلِكَ يُحْيِيكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيُخْرِجُكُمْ أَحْيَاءً مِنْ قُبُورِكُمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى قَبْلَ تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِيهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ مِنَ الْخَبَرِ هُنَالِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
١٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] قَالَ: يُخْرِجُ مِنَ الْإِنْسَانِ مَاءً مَيِّتًا فَيَخْلُقُ مِنْهُ بَشَرًا، فَذَلِكَ الْمَيِّتُ مِنَ الْحَيِّ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ، فَيَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا، فَذَلِكَ الْحَيُّ مِنَ الْمَيِّتِ»
١٨ ‏/ ٤٧٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَوْلُهُ «﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] الْمُؤْمِنُ مِنَ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرُ مِنَ الْمُؤْمِنِ»
١٨ ‏/ ٤٧٧
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ [يونس: ٣١] قَالَ: النُّطْفَةُ مَاءُ الرَّجُلِ مَيْتَةٌ وَهُوَ حَيٌّ، وَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْهَا حَيًّا وَهِيَ مَيْتَةٌ»
١٨ ‏/ ٤٧٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم: ٢٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَى أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ إِنْشَاءٍ وَإِفْنَاءٍ، وَإِيجَادٍ وَإِعْدَامٍ، وَأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ فَخَلْقُهُ خِلْقَةَ أَبِيكُمْ مِنْ تُرَابٍ، يَعْنِي بِذَلِكَ خَلْقَ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، فَوَصَفَهُمْ بِأَنَّهُ خَلَقَهُمْ مِنْ تُرَابٍ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ فِعْلَهُ بِأَبِيهِمْ آدَمَ كَنَحْوِ الَّذِي قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ خَطَّابِ الْعَرَبِ مَنْ خَاطَبَتْ بِمَا فَعَلَتْ بِسَلَفِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: فَعَلْنَا بِكُمْ وَفَعَلْنَا. ⦗٤٧٨⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٧٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ، مِنْ تُرَابٍ﴾ [الروم: ٢٠] خَلَقَ آدَمَ عليه السلام مِنْ تُرَابٍ ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠] يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ»
١٨ ‏/ ٤٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم: ٢٠] يَقُولُ: ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ مَعْشَرَ ذُرِّيَّةِ مَنْ خَلَقْنَاهُ مِنْ تُرَابٍ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ، يَقُولُ: تَتَصَرَّفُونَ.
١٨ ‏/ ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ [الروم: ٢١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ وَأَدَلَّتِهِ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا خَلْقُهُ لِأَبِيكُمْ آدَمَ مِنْ نَفْسِهِ زَوْجَةً لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِ آدَمَ
١٨ ‏/ ٤٧٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [الروم: ٢١] خَلَقَهَا لَكُمْ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ»
١٨ ‏/ ٤٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم: ٢١] يَقُولُ: جَعَلَ بَيْنَكُمْ بِالْمُصَاهَرَةِ وَالْخُتُونَةِ مَوَدَّةً تَتَوَادُّونَ بِهَا، وَتَتَوَاصَلُونَ مِنْ أَجْلِهَا، وَرَحْمَةً رَحِمَكُمْ بِهَا، فَعَطَفَ بَعْضُكُمْ بِذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الرعد: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ لَعِبَرًا وَعِظَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَذَكَّرُونَ فِي حِجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ ⦗٤٧٩⦘ شَاءَهُ.
١٨ ‏/ ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْجِزَهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ إِذَا شَاءَ أَمَاتَ مَنْ كَانَ حَيًّا مِنْ خَلْقِهِ، ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ وَأَعَادَهُ كَمَا كَانَ قَبْلَ إِمَاتَتِهِ إِيَّاهُ، خَلْقُهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَحْدَثَ ذَلِكَ مِنْهُ، بَلْ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ مَعَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ [الروم: ٢٢] يَقُولُ: وَاخْتِلَافُ مَنْطِقِ أَلْسِنَتِكُمْ وَلُغَاتِهَا ﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ [الروم: ٢٢] يَقُولُ: وَاخْتِلَافُ أَلْوَانِ أَجْسَامِكُمْ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ﴾ [الروم: ٢٢] يَقُولُ: إِنَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَعِبَرًا وَأَدِلَّةً لِخَلْقِهِ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ أَنَّهُ لَا يَعْيِيهُ إِعَادَتُهُمْ لِهَيْئَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا بِهَا قَبْلَ مَمَاتِهِمْ مِنْ بَعْدِ فَنَائِهِمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْعَالِمِينَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ.
١٨ ‏/ ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [الروم: ٢٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ تَقْدِيرُهُ السَّاعَاتِ وَالْأَوْقَاتِ، وَمُخَالَفَتُهُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَجَعَلَ اللَّيْلَ لَكُمْ سَكَنًا تَسْكُنُونَ فِيهِ، وَتَنَامُونَ فِيهِ، وَجَعَلَ النَّهَارَ مُضِيئًا لِتَصَرُّفِكُمْ فِي مَعَايِشِكُمْ وَالْتِمَاسِكُمْ فِيهِ مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ.
١٨ ‏/ ٤٧٩
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ فِي فِعْلِ اللَّهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لَعِبَرًا وَذِكْرِي وَأَدِلَّةً عَلَى أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ أَرَادَهُ ⦗٤٨٠⦘ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ مَوَاعِظَ اللَّهِ، فَيَتَّعِظُونَ بِهَا، وَيَعْتَبِرُونَ فَيَفْهَمُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٧٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الروم: ٢٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا﴾ [الرعد: ١٢] لَكُمْ إِذَا كُنْتُمْ سَفَرًا، أَنْ تُمْطَرُوا فَتَتَأَذَّوْا بِهِ ﴿وَطَمَعًا﴾ [الأعراف: ٥٦] لَكُمْ، إِذَا كُنْتُمْ فِي إِقَامَةٍ أَنْ تُمْطَرُوا، فَتَحْيَوْا وَتَخْصَبُوا ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الروم: ٢٤] يَقُولُ: وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرًا. فَيُحْيِي بِذَلِكَ الْمَاءِ الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ، فَتُنْبِتُ وَيَخْرُجُ زَرْعُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا. يَعْنِي جُدُوبِهَا وَدُرُوسِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الرعد: ١٢] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٨٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الروم: ٢٤] قَالَ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ سُقُوطِ أَنْ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ [الرعد: ١٢] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا «أَنْ»؛ لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى؛ وَقَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] ⦗٤٨١⦘ أَلَا أَيُّهَذَا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الْوَغَى … وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي
قَالَ: وَقَالَ:
[البحر الرجز] لَوْ قُلْتُ مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تِيثَمِ … يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمَيْسَمِ
وَقَالَ: يُرِيدُ: مَا فِي قَوْمِهَا أَحَدٌ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفِيِّينَ: إِذَا أُظْهِرَتْ «أَنْ» فَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ﴾ فَإِذَا حُذِفَتْ جُعِلَتْ «وَمِنْ»، مُؤَدِّيَةً عَنِ اسْمٍ مَتْرُوكٍ، يَكُونُ الْفِعْلُ صِلَةً، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل] وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا … أَمُوتُ وَأُخْرَى أَبْتَغِي الْعَيْشَ أَكْدَحُ
كَأَنَّهُ أَرَادَ: فِمِنْهُمَا سَاعَةٌ أَمُوتُهَا، وَسَاعَةٌ أَعِيشُهَا، وَكَذَلِكَ: وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ آيَةَ الْبَرْقِ، وَآيَةً لِكَذَا، وَإِنْ شِئْتَ أَرَدْتَ: وَيُرِيكُمْ مِنْ آيَاتِهِ الْبَرْقَ، فَلَا تُضْمَرُ «وَأَنْ»، وَلَا غَيْرَهُ. وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَنْكَرَ قَوْلَ الْبَصْرِيِّ: إِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ تُحْذَفَ «وَأَنْ» مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى حَذْفِهَا، فَأَمَّا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَلَا، فَأَمَّا مَعَ أَحْضُرَ الْوَغَى فَلَمَّا ⦗٤٨٢⦘ كَانَ زَجَرْتُكَ أَنْ تَقُومَ، وَزَجَرْتُكَ لِأَنْ تَقُومَ، يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ جَازَ حَذْفُ أَنْ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَعْرُوفٌ لَا يَقَعُ فِي كُلِّ الْكَلَامِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ قَائِمٌ، وَأَنَّكَ تَقُومُ، وَأَنْ تَقُومَ، فَهَذَا الْمَوْضِعُ لَا يُحْذَفُ، لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ «وَمِنْ» فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ﴾ [الروم: ٢٤] تَدُلُّ عَلَى الْمَحْذُوفِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا تَأْتِي بِمَعْنَى التَّبْعِيضِ. وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهَا تَقْتَضِي الْبَعْضَ، فَلِذَلِكَ تَحْذِفُ الْعَرَبُ مَعَهَا الِاسْمَ لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ.
١٨ ‏/ ٤٨٠
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ [يونس: ٦٧] يَقُولُ: إِنَّ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَعِبَرًا وَأَدِلَّةً ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤] عَنِ اللَّهِ حُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ.
١٨ ‏/ ٤٨٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ حُجَجِهِ أَيُّهَا الْقَوْمُ عَلَى قُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، قِيَامُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِأَمْرِهِ خُضُوعًا لَهُ بِالطَّاعَةِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تُرَى ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] يَقُولُ: إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ مِنَ الْأَرْضِ، إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مُسْتَجِيبِينَ لِدَعْوَتِهِ إِيَّاكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٨٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥] قَامَتَا بِأَمْرِهِ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] قَالَ: دَعَاهُمْ فَخَرَجُوا مِنَ الْأَرْضِ»
١٨ ‏/ ٤٨٢
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] يَقُولُ: مِنَ الْأَرْضِ»
١٨ ‏/ ٤٨٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَوْلُهُ: ﴿مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مِنْ مَلَكٍ وَجِنٍّ وَإِنْسٍ عَبِيدٍ وَمُلُوكٍ ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦] يَقُولُ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ لَهُ عَاصُونَ؟ فَنَقُولُ: اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ، ثُمَّ نُبَيِّنُ الصَّوَابَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ كَلَامٌ مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ الْعُمُومِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، وَمَعْنَاهُ: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ فِي الْحَيَاةِ وَالْبَقَاءِ وَالْمَوْتِ، وَالْفَنَاءِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ عَصَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥] إِلَى ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦] يَقُولُ: مُطِيعُونَ، يَعْنِي الْحَيَاةَ وَالنُّشُورَ وَالْمَوْتَ، وَهُمْ عَاصُونَ لَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: كُلٌّ لَهُ قَانِتُونُ بِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُ رَبُّهُمْ وَخَالِقُهُمْ.
١٨ ‏/ ٤٨٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦] أَيْ مُطِيعٌ مُقِرٌّ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَخَالِقُهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَالْمَعْنَى: وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَلِكٍ وَعَبْدٍ مُؤْمِنٍ لِلَّهِ مُطِيعٍ دُونَ غَيْرِهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٨٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ [البقرة: ١١٦] قَالَ: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ. الْمُطِيعُ: الْقَانِتُ، قَالَ: وَلَيْسَ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ مُطِيعٌ، إِلَّا ابْنَ آدَمَ، وَكَانَ أَحَقُّهُمْ أَنْ يَكُونَ أَطْوَعَهُمْ لِلَّهِ». وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] قَالَ: هَذَا فِي الصَّلَاةِ، لَا تَتَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَتَكَلَّمُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَمْشِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي الصَّلَاةِ، قَالَ: وَيَتَقَابَلُونَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: لِكَيْ تَذْهَبَ الشَّحْنَاءُ مِنْ قُلُوبِنَا وَتَسْلَمَ قُلُوبُ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٨] لَا تَزُولُوا كَمْ يَزَولُونَ. قَانِتِينَ: لَا تَتَكَلَّمُوا كَمَا يَتَكَلَّمُونَ. قَالَ: فَأَمَّا مَا سِوَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقُنُوتِ فَهُوَ الطَّاعَةُ، إِلَّا هَذِهِ الْوَاحِدَةَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهُوَ أَنَّ
١٨ ‏/ ٤٨٤
كُلَّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ مُطِيعٍ فِي تَصَرُّفِهِ فِيمَا أَرَادَ تَعَالَى ذِكْرَهُ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَإِنْ عَصَاهُ فِيمَا يَكْسِبُهُ بِقَوْلِهِ، وَفِيمَا لَهُ السَّبِيلُ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَإِيثَارِهِ عَلَى خِلَافِهِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْعُصَاةَ مِنْ خَلْقِهِ فِيمَا لَهُمُ السَّبِيلُ إِلَى اكْتِسَابِهِ كَثِيرٌ عَدَدُهُمْ، وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ أَنَّهُمْ لَهُ قَانِتُونَ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُخْبِرَ عَمَّنْ هُوَ عَاصٍ أَنَّهُ لَهُ قَانِتٌ فِيمَا هُوَ لَهُ عَاصٍ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالَّذِي فِيهِ عَاصٍ هُوَ مَا وَصَفْتُ، وَالَّذِي هُوَ لَهُ قَانِتٌ مَا بَيَّنْتُ.
١٨ ‏/ ٤٨٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ [الروم: ٢٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي لَهُ هَذِهِ الصِّفَاتُ تبارك وتعالى، هُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ فَيُنْشِئُهُ وَيُوجِدُهُ، بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، ثُمَّ يُفْنِيهُ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ، كَمَا بَدَأَهُ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: وَهُوَ هَيِّنٌ عَلَيْهِ.
١٨ ‏/ ٤٨٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْعَطَّارُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ، «﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] قَالَ: مَا شَيْءٌ عَلَيْهِ بِعَزِيزٍ»
١٨ ‏/ ٤٨٥
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْهِ هَيِّنٌ». وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَإِعَادَةُ الْخَلْقِ بَعْدَ فَنَائِهِمْ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٨٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] قَالَ: يَقُولُ: أَيْسَرُ عَلَيْهِ»
١٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] قَالَ: الْإِعَادَةُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَدَاءَةِ، وَالْبَدَاءَةُ عَلَيْهِ هَيِّنٌ»
١٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ «﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] قَالَ: تَعَجَّبَ الْكُفَّارُ مِنْ إِحْيَاءِ اللَّهِ الْمَوْتَى، قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] إِعَادَةُ الْخَلْقِ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ⦗٤٨٧⦘ مِنْ إِبْدَاءِ الْخَلْقِ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِعَادَةُ الْخَلْقِ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ ابْتِدَائِهِ
١٨ ‏/ ٤٨٦
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ” ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] يَقُولُ: إِعَادَتُهُ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنْ بَدْئِهِ، وَكُلٌّ عَلَى اللَّهِ هَيِّنٌ. وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: (وَكُلٌّ عَلَى اللَّهِ هَيِّنٌ) . وَقَدْ يَحْتَمِلُ هَذَا الْكَلَامُ وَجْهَيْنِ، غَيْرَ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى الْخَلْقِ: أَيْ إِعَادَةُ الشَّيْءِ أَهْوَنُ عَلَى الْخَلْقِ مِنِ ابْتِدَائِهِ. وَالَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْخَبَرِ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ ابْنُ سَعْدٍ، قَوْلٌ أَيْضًا لَهُ وَجْهٌ. وَقَدْ وَجَّهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:
[البحر الطويل] أَخِي قَفَرَاتٍ دَبَبَتْ فِي عِظَامِهِ … شَفَافَاتُ أَعْجَازِ الْكَرَى فَهُوَ أَخْضَعُ
إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى خَاضِعٌ، وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] لَعَمْرُكَ إِنَّ الزِّبْرِقَانَ لَبَاذِلٌ … لِمَعْرُوفِهِ عِنْدَ السِّنِينَ وَأَفْضَلُ
كَرِيمٌ لَهُ عَنْ كُلِّ ذَمٍّ تَأَخُّرٌ … وَفِي كُلِّ أَسْبَابِ الْمَكَارِمِ أَوَّلُ
١٨ ‏/ ٤٨٧
إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: وَفَاضِلٌ؛ وَقَوْلُ مَعْنٍ:
[البحر الطويل] لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنِّي لَأَوْجَلُ … عَلَى أَيُّنَا تَعْدُو الْمَنِيَّةُ أَوَّلُ
إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: وَإِنِّي لَوَجِلٌ؛ وَقَوْلُ الْآخَرِ:
[البحر الطويل] تَمَنَّى امْرُؤُ الْقَيْسِ مَوْتِي وَإِنْ أَمُتْ … فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: لَسْتُ فِيهَا بِوَاحِدٍ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
[البحر الطويل] إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا … بَيْتًا دَعَائِمَهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
إِلَى أَنَّهُ بِمَعْنَى: عَزِيزَةٌ طَوِيلَةٌ. قَالُوا: وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الْأَذَانِ: اللَّهُ أَكْبَرُ، بِمَعْنَى: اللَّهُ كَبِيرٌ؛ وَقَالُوا: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِهَذَا، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِهِ الْخَلْقُ، فَزَعَمَ أَنَّهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَى الْخَلْقِ، فَإِنَّ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: ٣٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾، أَيْ لَا يُثْقِلُهُ حِفْظُهُمَا.
١٨ ‏/ ٤٨٨
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [الروم: ٢٧] يَقُولُ: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فَذَلِكَ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، تَعَالَى رَبُّنَا وَتَقَدَّسَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٨٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ⦗٤٨٩⦘ قَوْلُهُ «﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ﴾ يَقُولُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»
١٨ ‏/ ٤٨٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مَثَلُهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ غَيْرُهُ»
١٨ ‏/ ٤٨٩
وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [إبراهيم: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُوَ الْعَزِيزَ فِي انْتِقَامِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ، الْحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلْقَهُ، وَتَصْرِيفِهِمْ فِيمَا أَرَادَ مِنْ إِحْيَاءٍ وَإِمَاتَةٍ، وَبَعْثٍ وَنَشْرٍ، وَمَا شَاءَ.
١٨ ‏/ ٤٨٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الروم: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَثَّلَ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ رَبُّكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ، ﴿هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [الروم: ٢٨] يَقُولُ: مِنْ مَمَالِيكِكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ، ﴿فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [الروم: ٢٨] مِنْ مَالٍ، ﴿فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم: ٢٨] وَهُمْ. يَقُولُ: فَإِذَا لَمْ تَرْضَوْا بِذَلِكَ لِأَنْفُسِكُمْ فَكَيْفَ رَضِيتُمْ أَنْ تَكُونَ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تعَبْدُونَهَا لِي شُرَكَاءَ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّايَ، وَأَنْتُمْ وَهُمْ عَبِيدِي وَمَمَالِيكِي، وَأَنَا مَالِكٌ جَمِيعُكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٨٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿ضَرَبَ لَكُمْ ⦗٤٩٠⦘ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم: ٢٨] قَالَ: مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمَنْ عَدَلَ بِهِ شَيْئًا مِنْ خَلْقِهِ، يَقُولُ: أَكَانَ أَحَدُكُمْ مُشَارِكًا مَمْلُوكَهُ فِي فِرَاشِهِ وَزَوْجَتِهِ، فَكَذَلِكُمُ اللَّهُ لَا يَرْضَى أَنْ يَعْدِلَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ»
١٨ ‏/ ٤٨٩
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ﴾ [الروم: ٢٨] قَالَ: هَلْ تَجِدُ أَحَدًا يَجْعَلُ عَبْدَهُ هَكَذَا فِي مَالِهِ، فَكَيْفَ تَعْمَدُ أَنْتَ وَأَنْتَ تَشْهَدُ أَنَّهُمْ عَبِيدِي وَخَلْقِي، وَتَحْمِلُ لَهُمْ نَصِيبًا فِي عِبَادَتِي، كَيْفَ يَكُونُ هَذَا؟ قَالَ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَرَأَ: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: ٢٨]». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿تَخَافُونَهُمْ كِخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ [الروم: ٢٨] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: تَخَافُونَ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ أَمْوَالَكُمْ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِكُمْ، كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
١٨ ‏/ ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدِيثٌ عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «فِي الْآلِهَةِ، وَفِيهِ يَقُولُ: تَخَافُونَهُمْ أَنْ يَرِثُوكُمْ كَمَا يَرِثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: تَخَافُونَ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ⦗٤٩١⦘ أَنْ يُقَاسِمُوكُمْ أَمْوَالَكُمْ، كَمَا تُقَاسِمُ بَعْضًا.
١٨ ‏/ ٤٩٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ عِمْرَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: «إِنَّ مَمْلُوكَكَ لَا تَخَافُ أَنْ يُقَاسِمُكَ مَالَكَ، وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، كَذَلِكَ اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» . وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ الْقَوْلُ الثَّانِي، لِأَنَّهُ أَشْبَهَهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهَرُ الْكَلَامِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَبَّخَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، وَأَشْرَكُوهُمْ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا خَلْقُهُ وَهُمْ عَبِيدُهُ، وَعَيَّرَهُمْ بِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ مِنْ عِبِيدِكُمْ شُرَكَاءُ فِيمَا خَوَّلْنَاكُمْ مِنْ نِعَمِنَا، فَهُمْ سَوَاءٌ، أَنْتُمْ فِي ذَلِكَ تَخَافُونَ أَنْ يُقَاسِمُوكُمْ ذَلِكَ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ، كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا أَنْ يُقَاسِمَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مِنَ الْمَالِ شَرِكَةً، فَالْخِيفَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا تَعَالَى ذِكْرُهُ بِأَنْ تَكُونَ خِيفَةً مِمَّا يَخَافُ الشَّرِيكُ مِنْ مُقَاسَمَةِ شَرِيكِهِ الْمَالَ الَّذِي بَيْنَهُمَا إِيَّاهُ أَشْبَهَ مِنْ أَنْ تَكُونَ خِيفَةً مِنْهُ بِأَنْ يَرِثَهُ، لِأَنَّ ذِكْرَ الشَّرِكَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى خِيفَةِ الْوِرَاثَةِ، وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى خِيفَةِ الْفِرَاقِ وَالْمُقَاسَمَةِ.
١٨ ‏/ ٤٩١
وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: ٢٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ⦗٤٩٢⦘ كَمَا بَيَّنَّا لَكُمْ أَيُّهَا الْقَوْمُ حُجَجَنَا فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى مَا نَشَاءُ مِنْ إِنْشَاءِ مَا نَشَاءُ، وَإِفْنَاءِ مَا نُحِبُّ، وَإِعَادَةِ مَا نُرِيدُ إِعَادَتَهُ بَعْدَ فَنَائِهِ، وَدَلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِلْوَاحِدِ الْقَهَّارِ، الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ، كَذَلِكَ نُبَيِّنُ حُجَجَنَا فِي كُلِّ حَقٍّ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَيَتَدَبَّرُونَهَا إِذَا سَمِعُوهَا، وَيَعْتَبِرُونَ فَيَتَّعِظُونَ بِهَا.
١٨ ‏/ ٤٩١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الروم: ٢٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَلَا أَشْرَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، لِأَنَّ لَهُمْ شُرَكَاءُ فِيمَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ مِلْكِ أَيْمَانِهِمْ، فَهُمْ وَعَبِيدُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، يَخَافُونَ أَنْ يُقَاسِمُوهُمْ مَا هُمْ وَشُرَكَاؤُهُمْ فِيهِ، فَرَضُوا لِلَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بِمَا رَضُوا بِهِ لِأَنْفُسِهِمْ، فَأَشْرَكُوهُمْ فِي عِبَادَتِهِ، وَلَكِنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَكَفَرُوا بِاللَّهِ، اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، جَهْلًا مِنْهُمْ لِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَأَشْرَكُوا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ فِي عِبَادَتِهِ ﴿فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ [الروم: ٢٩] يَقُولُ: فَمَنْ يُسَدِّدُ لِلصَّوَابِ مِنَ الطُّرُقِ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَنْ يُوَفِّقُ لِلْإِسْلَامِ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالرَّشَادِ؟ ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٢٢] يَقُولُ: وَمَا لِمَنْ أَضَلَّ اللَّهُ مِنْ نَاصِرِينَ يَنْصُرُونَهُ، فَيُنْقِذُونَهُ مِنَ الضُّلَّالِ الَّذِي يَبْتَلِيهِ بِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ
١٨ ‏/ ٤٩٢
الْقَوْلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسُ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَدِّدْ وَجْهَكَ نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَّهَكَ إِلَيْهِ رَبُّكَ ⦗٤٩٣⦘ يَا مُحَمَّدُ لِطَاعَتِهِ، وَهِيَ الدِّينُ، ﴿حَنِيفًا﴾ [البقرة: ١٣٥] يَقُولُ: مُسْتَقِيمًا لِدِينِهِ وَطَاعَتِهِ، ﴿فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] يَقُولُ: صَنْعَةُ اللَّهِ الَّتِي خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَنُصِبَتْ فِطْرَةُ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ [الروم: ٣٠] وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ: فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ فِطْرَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: الْإِسْلَامُ مُذْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ مِنْ آدَمَ جَمِيعًا، يُقِرُّونَ بِذَلِكَ، وَقَرَأَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا﴾ [الأعراف: ١٧٢] قَالَ: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ٢١٣] بَعْدُ»
١٨ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فِطْرَةَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: الْإِسْلَامُ»
١٨ ‏/ ٤٩٣
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ وَاضِعٍ، قَالَا: ثنا يُونُسُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَقَالَ: مَا قِوَامُ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ قَالَ مُعَاذٌ: «ثَلَاثٌ، وَهُنَّ الْمُنْجِيَاتُ: الْإِخْلَاصُ، وَهُوَ الْفِطْرَةُ ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ ⦗٤٩٤⦘ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] وَالصَّلَاةُ؛ وَهِيَ الْمِلَّةُ وَالطَّاعَةُ؛ وَهِيَ الْعِصْمَةُ، فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقْتَ». حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثني ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثنا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِمُعَاذٍ: مَا قِوَامُ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ
١٨ ‏/ ٤٩٣
وَقَوْلُهُ ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] يَقُولُ: لَا تَغْيِيرَ لِدِينِ اللَّهِ: أَيْ لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٤٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: لِدِينِهِ»
١٨ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ لَيْثٍ، قَالَ: أَرْسَلَ مُجَاهِدٌ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ قَاسِمٌ إِلَى عِكْرِمَةَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: إِنَّمَا هُوَ الدِّينُ، وَقَرَأَ ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠]»
١٨ ‏/ ٤٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: الْإِسْلَامُ»
١٨ ‏/ ٤٩٤
قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]⦗٤٩٥⦘ قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ». قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «لِدِينِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤٩٤
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْوَرْدِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ، فَسَلْ عَنْهَا عِكْرِمَةَ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: «دِينُ اللَّهِ تَعَالَى، مَا لَهُ أَخْزَاهُ اللَّهُ؟ أَلَمْ يَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]»
١٨ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] أَيْ لِدِينِ اللَّهِ». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ
١٨ ‏/ ٤٩٥
قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤٩٥
قَالَ: ثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿لَا تَبْدِيلَ ⦗٤٩٦⦘ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: دِينِ اللَّهِ»
١٨ ‏/ ٤٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ مِسْعَرٍ، وَسُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ «﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ». قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: لِدِينِ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: لَا تَغْيِيرَ لِخَلْقِ اللَّهِ مِنَ الْبَهَائِمِ بِأَنْ يُخْصَى الْفُحُولُ مِنْهَا.
١٨ ‏/ ٤٩٦
ذِكْرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ رَجُلٍ، سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ، فَكَرِهَهُ، وَقَالَ: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٠]
١٨ ‏/ ٤٩٦
قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: قَالَ عِكْرِمَةُ: «الْإِخْصَاءُ»
١٨ ‏/ ٤٩٦
قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «الْإِخْصَاءُ»
١٨ ‏/ ٤٩٦
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ إِقَامَتَكَ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا غَيْرَ مُغَيِّرٍ وَلَا مُبَدِّلَ هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، يَعْنِي الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ مِنَ الْحَنِيفِيَّةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْبِدَعِ الْمُحْدَثَةِ وَقَدْ وَجَّهَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الدِّينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى الْحِسَابِ.
١٨ ‏/ ٤٩٦
ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو لَيْلَى، عَنْ بُرَيْدَةَ، «﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [الروم: ٣٠] قَالَ: الْحِسَابُ الْقَيِّمُ»
١٨ ‏/ ٤٩٧
﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الدِّينَ الَّذِي أَمَرْتُكَ يَا مُحَمَّدُ بِهِ بِقَوْلِي ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ [الروم: ٣٠] هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ دُونَ سَائِرِ الْأَدْيَانِ غَيْرِهِ.
١٨ ‏/ ٤٩٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] تَائِبِينَ رَاجِعِينَ إِلَى اللَّهِ مُقْبِلِينَ
١٨ ‏/ ٤٩٧
كَمَا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: «﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] قَالَ: الْمُنِيبُ إِلَى اللَّهِ: الْمُطِيعُ لِلَّهِ، الَّذِي أَنَابَ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ، وَرَجَعَ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ ذَلِكَ. كَانَ الْقَوْمُ كُفَّارًا، فَنَزَعُوا وَرَجَعُوا إِلَى الْإِسْلَامِ». وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ يَا مُحَمَّدُ لِلدِّينِ حَنِيفًا ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ [الروم: ٣١] إِلَى اللَّهِ؛ فَالْمُنِيبُونَ حَالٌ مِنَ الْكَافِ الَّتِي فِي وَجْهِكَ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ يَكُونُ حَالًا مِنْهَا، وَالْكَافُ كِنَايَةٌ عَنْ وَاحِدٍ، وَالْمُنِيبُونَ صِفَةٌ لِجَمَاعَةٍ؟ قِيلَ: لِأَنَّ الْأَمْرَ مِنَ الْكَافِ كِنَايَةُ اسْمِهِ مِنَ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَمْرٌ ⦗٤٩٨⦘ مِنْهُ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: فَأَقِمْ وَجْهَكَ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ لِلدَّيْنِ حَنِيفًا لِلَّهِ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ.
١٨ ‏/ ٤٩٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ [الأنعام: ٧٢] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَخَافُوا اللَّهَ وَرَاقِبُوهُ أَنْ تُفَرِّطُوا فِي طَاعَتِهِ، وَتَرْكَبُوا مَعْصِيَتَهُ ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٣١] يَقُولُ: وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ بِاللَّهِ بِتَضْيِيعِكُمْ فَرَائِضَهُ وَرُكُوبِكُمْ مَعَاصِيهِ، وَخِلَافِكُمُ الدِّينَ الَّذِي دَعَاكُمْ إِلَيْهِ
١٨ ‏/ ٤٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الروم: ٣٢] يَقُولُ: وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَدَّلُوا دِينَهُمْ وَخَالَفُوهُ فَفَارَقُوهُ ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: ١٥٩] يَقُولُ: وَكَانُوا أَحْزَابًا فِرَقًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٤٩٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: ١٥٩] وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى»
١٨ ‏/ ٤٩٨
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: ١٥٩] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ: هَؤُلَاءِ يَهُودُ». فَلَوْ وَجَّهَ قَوْلَهُ ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ [الروم: ٣٢] إِلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُسْتَأْنَفٌ مُنْقَطِعٌ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٣١] وَأَنَّ مَعْنَاهُ: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ [الأنعام: ١٥٩] أَحْزَابًا ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم: ٣٢] كَانَ وَجْهًا يَحْتَمِلُهُ الْكَلَامُ.
١٨ ‏/ ٤٩٨
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٣] يَقُولُ: كُلُّ طَائِفَةٍ وَفِرْقَةٍ مِنْ هَؤُلَاءِ ⦗٤٩٩⦘ الَّذِينَ فَارَقُوا دِينَهُمُ الْحَقَّ، فَأَحْدَثُوا الْبِدَعَ الَّتِي أَحْدَثُوا بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. يَقُولُ: بِمَا هُمْ بِهِ مُتَمَسِّكُونَ مِنَ الْمَذْهَبِ، فَرِحُونَ: مَسْرُورُونَ، يَحْسَبُونَ أَنَّ الصَّوَابَ مَعَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
١٨ ‏/ ٤٩٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَإِذَا مَسَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ ضُرٌّ، فَأَصَابَتْهُمْ شِدَّةٌ وَجُدُوبٌ وَقُحُوطٌ ﴿دَعَوْا رَبَّهُمْ﴾ [الروم: ٣٣] يَقُولُ: أَخْلَصُوا لِرَبِّهِمُ التَّوْحِيدَ، وَأَفْرَدُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، تَائِبِينَ إِلَيْهِ مِنْ شِرْكِهِمْ وَكْفُرِهِمْ ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً﴾ [الروم: ٣٣] يَقُولُ: ثُمَّ إِذَا كَشَفَ رَبُّهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْهُمْ ذَلِكَ الضُّرَّ وَفَرَّجَهُ عَنْهُمْ وَأَصَابَهُمْ بِرَخَاءٍ وَخِصْبٍ وَسَعَةٍ ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٧٧] يَقُولُ: إِذَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ ﴿يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ: يَعْبُدُونَ مَعَهُ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ.
١٨ ‏/ ٤٩٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُتَوَعِّدًا لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ أَنَّهُ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُمْ كَفَرُوا بِهِ، لِيَكْفُرُوا بِمَا أَعْطَيْنَاهُمْ، يَقُولُ: إِذَا هُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ، كَيْ يَكْفُرُوا: أَيْ يَجْحَدُوا النِّعْمَةَ الَّتِي أَنْعَمْتُهَا عَلَيْهِمْ بِكَشْفِيَ عَنْهُمُ الضُّرَّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ، وَإِبْدَالِيَ ذَلِكَ لَهُمْ بِالرَّخَاءِ وَالْخِصْبِ وَالْعَافِيَةِ، وَذَلِكَ الرَّخَاءُ وَالسَّعَةُ هُوَ الَّذِي آتَاهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ، الَّذِي قَالَ: ﴿بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ [النحل: ٥٥] وَقَوْلُهُ ﴿فَتَمَتَّعُوا﴾ [النحل: ٥٥] يَقُولُ: فَتَمَتَّعُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ بِالَّذِي آتَيْنَاكُمْ مِنَ الرَّخَاءِ وَالسَّعَةِ فِي هَذِهِ
١٨ ‏/ ٤٩٩
الدُّنْيَا ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٣٥] إِذَا وَرَدْتُمْ عَلَى رَبِّكُمْ مَا تَلْقَوْنَ مِنْ عَذَابِهِ، وَعَظِيمِ عِقَابِهِ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ قَرَأَ بَعْضُهُمْ: «فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ، فَقَدْ تَمَتَّعُوا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
١٨ ‏/ ٥٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِنَا الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، كِتَابًا بِتَصْدِيقِ مَا يَقُولُونَ، وَبِحَقِيقَةِ مَا يَفْعَلُونَ ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٥] يَقُولُ: فَذَلِكَ الْكِتَابُ يَنْطِقُ بِصِحَّةِ شِرْكِهِمْ؛ وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمْ يُنْزِلْ بِمَا يَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ كِتَابًا، وَلَا أَرْسَلَ بِهِ رَسُولًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ افْتَعَلُوهُ وَاخْتَلَقُوهُ، اتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٠٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٣٥] يَقُولُ: أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ كِتَابًا فَهُوَ يَنْطِقُ بِشِرْكِهِمْ»
١٨ ‏/ ٥٠٠
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦]
١٨ ‏/ ٥٠٠
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِذَا أَصَابَ النَّاسَ مِنَّا خِصْبٌ وَرَخَاءٌ، وَعَافِيَةٌ فِي الْأَبْدَانِ وَالْأَمْوَالِ، فَرِحُوا بِذَلِكَ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ مِنَّا شِدَّةٌ مِنْ جَدْبٍ وَقَحْطٍ وَبَلَاءٍ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْدَانِ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥] يَقُولُ: بِمَا أَسْلَفُوا مِنْ سَيِّئِ الْأَعْمَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَرَكِبُوا مِنَ الْمَعَاصِي ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] يَقُولُ: إِذَا هُمْ يَيْأَسُونَ مِنَ الْفَرَجِ؛ وَالْقُنُوطُ: هُوَ الْإِيَاسُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ حُمَيْدٍ الْأَرْقَطِ:
[البحر الرجز] قَدْ وَجَدُوا الْحَجَّاجَ غَيْرَ قَانِطِ
وَقَوْلُهُ: ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ [الروم: ٣٦] هُوَ جَوَابُ الْجَزَاءِ، لِأَنَّ «إِذَا» نَابَتْ عَنِ الْفِعْلِ بِدِلَالَتِهَا عَلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَجَدْتَهُمْ يَقْنَطُونَ، أَوْ تَجِدُهُمْ، أَوْ رَأَيْتَهُمْ، أَوْ تَرَاهُمْ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِذَا كَانَتْ «إِذَا» جَوَابًا لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِمَنْزِلَةِ الْفَاءِ.
١٨ ‏/ ٥٠١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الروم: ٣٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ عِنْدَ الرَّخَاءِ يُصِيبُهُمْ وَالْخِصْبِ، وَيَيْأَسُونَ مِنَ الْفَرَجِ عِنْدَ شِدَّةٍ تَنَالُهُمْ، بِعُيُونِ قُلُوبِهِمْ، فَيَعْلَمُوا أَنَّ الشِّدَّةَ وَالرَّخَاءَ بِيَدِ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَيُوسِعُهُ عَلَيْهِ، ⦗٥٠٢⦘ وَيَقْدِرُ عَلَى مَنْ أَرَادَ فَيُضَيِّقُهُ عَلَيْهِ
١٨ ‏/ ٥٠١
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٧٩] يَقُولُ: إِنَّ فِي بَسْطِهِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَسَطَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْرِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَهُ عَلَيْهِ، وَمُخَالَفَتِهِ بَيْنَ مَنْ خَالَفَ بَيْنَهُ مِنْ عِبَادِهِ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ، لَدِلَالَةً وَاضِحَةً لِمَنْ صَدَّقَ حِجَجَ اللَّهِ وَأَقَرَّ بِهَا إِذَا عَايَنَهَا وَرَآهَا.
١٨ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الروم: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَأَعْطِ يَا مُحَمَّدُ ذَا الْقَرَابَةِ مِنْكَ حَقَّهُ عَلَيْكَ مِنَ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ، وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ
١٨ ‏/ ٥٠٢
كَمَا: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا غُنْدَرٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ [الروم: ٣٨] قَالَ: هُوَ أَنْ تُوَفِّيَهُمْ حَقَّهُمْ إِنْ كَانَ عِنْدَ يُسْرٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا، قُلْ لَهُمُ الْخَيْرَ»
١٨ ‏/ ٥٠٢
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِيتَاءُ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمُ الَّتِي أَلْزَمَهَا اللَّهُ عِبَادَهُ، خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ اللَّهَ بِإِتْيَانِهِمْ ذَلِكَ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] يَقُولُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مُبْتَغِيًا وَجْهَ اللَّهِ بِهِ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُنْجِحُونَ، الْمُدْرِكُونَ طِلْبَاتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، الْفَائِزُونَ بِمَا ابْتَغَوْا وَالْتَمَسُوا بِإِيتَائِهِمْ إِيَّاهُمْ مَا آتَوْا.
١٨ ‏/ ٥٠٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩]⦗٥٠٣⦘ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَعْطَيْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ عَطِيَّةٍ لِتَزْدَادَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ بِرُجُوعِ ثَوَابِهَا إِلَيْهِ، مِمَّنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ ﴿فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] يَقُولُ: فَلَا يَزْدَادُ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يُعْطِهِ مَنْ أَعْطَاهُ مُبْتَغِيًا بِهِ وَجْهَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ ‏/ ٥٠٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هُوَ مَا يُعْطِي النَّاسُ بَيْنَهُمْ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يُعْطِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ، يُرِيدُ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، «﴿مَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ لِيُثِيبَهُ». قَالَ: ثَنَا يَحْيَى قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مِثْلَهُ
١٨ ‏/ ٥٠٣
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: الرَّجُلُ يُعْطِي لِيُثَابَ عَلَيْهِ»
١٨ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: الْهَدَايَا». حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هِيَ الْهَدَايَا
١٨ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: يُعْطِي مَالَهُ يَبْتَغِي أَفْضَلَ مِنْهُ»
١٨ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: «هُوَ الرَّجُلُ يُهْدِي إِلَى الرَّجُلِ الْهَدِيَّةَ، لِيُثِيبَهُ أَفْضَلَ مِنْهَا»
١٨ ‏/ ٥٠٤
قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْمَعْمَرِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ: «هُوَ الرَّجُلُ يُعْطِي الْعَطِيَّةَ وَيُهْدِي الْهَدِيَّةَ لِيُثَابَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ وَلَا وِزْرٌ»
١٨ ‏/ ٥٠٤
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: مَا أَعْطَيْتَ مِنْ شَيْءٍ تُرِيدُ مَثَابَةَ الدُّنْيَا، وَمُجَازَاةَ النَّاسِ ذَاكَ الرِّبَا الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ اللَّهُ، وَلَا يَجْزِي بِهِ»
١٨ ‏/ ٥٠٥
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] فَهُوَ مَا يُتَعَاطَى النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَيَتَهَادَوْنَ، يُعْطِي الرَّجُلَ الْعَطِيَّةَ لِيُصِيبَ مِنْهُ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَهَذَا لِلنَّاسِ عَامَّةً. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿لَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦] فَهَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّةً، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ يُعْطِي لَيُعْطَى أَكْثَرَ مِنْهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا: الرَّجُلَ يُعْطِي مَالَهُ الرَّجُلَ لِيُعِينَهُ بِنَفْسِهِ، وَيَخْدُمَهُ وَيَعُودَ عَلَيْهِ نَفْعُهُ، لَا لِطَلَبِ أَجْرٍ مِنَ اللَّهِ.
١٨ ‏/ ٥٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُلْزِقُ بِالرَّجُلِ، فَيَخِفُّ لَهُ وَيَخْدُمُهُ، وَيُسَافِرُ مَعَهُ، فَيَحْمِلُ لَهُ رِبْحَ بَعْضِ مَالِهِ لِيَجْزِيَهُ، وَإِنَّمَا أَعْطَاهُ الْتِمَاسَ عَوْنِهِ، وَلَمْ يُرِدْ وَجْهَ اللَّهِ». وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ إِعْطَاءُ الرَّجُلِ مَالَهُ لِيُكَثِّرَ بِهِ مَالَ مَنْ أَعْطَاهُ ذَلِكَ، لَا طَلَبَ ⦗٥٠٦⦘ ثَوَابِ اللَّهِ.
١٨ ‏/ ٥٠٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ: لَأُمَوِّلَنَّكَ، فَيُعْطِيهِ، فَهَذَا لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ يُعْطِيهِ لِغَيْرِ اللَّهِ لِيُثْرِيَ مَالَهُ»
١٨ ‏/ ٥٠٦
قَالَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْآمُلِيُّ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: كَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعْطِي أَحَدُهُمْ ذَا الْقَرَابَةِ الْمَالَ يُكَثِّرُ بِهِ مَالَهُ». وَقَالَ آخَرُونَ: ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ خَاصَّةً، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَحَلَالٌ.
١٨ ‏/ ٥٠٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ ابن أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] هَذَا لِلنَّبِيِّ ﷺ، هَذَا الرِّبَا الْحَلَالُ». وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ. ⦗٥٠٧⦘ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ مَكَّةَ: ﴿لِيَرْبُوَ﴾ [الروم: ٣٩] بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَرْبُو، بِمَعْنَى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ ذَلِكَ الرِّبَا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: (لِتُرْبُو)، بِالتَّاءِ مِنْ تُرْبُو، وَضَمِّهَا، بِمَعْنَى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِتُرْبُوا أَنْتُمْ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ مَعَ تَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، لِأَنَّ أَرْبَابَ الْمَالِ إِذَا أَرْبَوْا رَبَا الْمَالُ، وَإِذَا رَبَا الْمَالُ فَبِإِرْبَاءِ أَرْبَابِهِ إِيَّاهُ رَبَا. فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ.
١٨ ‏/ ٥٠٦
﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ﴾ [الروم: ٣٩] يَقُولُ: وَمَا أَعْطَيْتُمْ مِنْ صَدَقَةٍ ﴿تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ﴾ [الروم: ٣٩] يَعْنِي الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ بِأَمْوَالِهِمْ مُلْتَمِسِينَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ﴿هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩] يَقُولُ: هُمُ الَّذِينَ لَهُمُ الضِّعْفُ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: أَصْبَحَ الْقَوْمُ مُسْمِنِينَ مُعْطِشِينَ، إِذَا سَمُنَتْ إِبِلُهُمْ وَعَطِشَتْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ قَالُوا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ الَّذِي قُلْنَا.
١٨ ‏/ ٥٠٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هَذَا الَّذِي يَقْبَلُهُ اللَّهُ وَيُضْعِفُهُ لَهُمْ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»
١٨ ‏/ ٥٠٧
حَدَّثَنَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَوْلُهُ «﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هِيَ ⦗٥٠٨⦘ الْهِبَةُ، يَهَبُ الشَّيْءَ يُرِيدُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ مِنْهُ، فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ، لَا يُؤْجَرُ فِيهِ صَاحِبُهُ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ﴾ [الروم: ٣٩] قَالَ: هِيَ الصَّدَقَةُ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم: ٣٩]». قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَ ذَلِكَ
١٨ ‏/ ٥٠٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ، مُعَرِّفَهُمْ قُبْحَ فِعْلِهِمْ، وَخُبْثَ صَنِيعِهِمُ: اللَّهُ أَيُّهَا الْقَوْمُ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَلَمْ تَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ رَزَقَكُمْ وَخَوَّلَكُمْ، وَلَمْ تَكُونُوا تَمْلِكُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ يُمِيتُكُمْ مِنْ بَعْدِ أَنْ خَلَقَكُمْ أَحْيَاءً، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ لِبَعْثِ الْقِيَامَةِ
١٨ ‏/ ٥٠٨
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] لِلْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ»
١٨ ‏/ ٥٠٨
وَقَوْلُهُ: ﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَلْ مِنْ آلِهَتِكُمْ وَأَوْثَانِكُمُ الَّتِي تَجْعَلُونَهُمْ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُ شُرَكَاءَ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَيَخْلُقُ أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يَنْشُرُ؛ وَهَذَا مِنَ اللَّهِ ⦗٥٠٩⦘ تَقْرِيعٌ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ شُرَكَاءَهُمْ لَا تَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَكَيْفَ لِعَبْدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ؟ ثُمَّ بَرَّأَ نَفْسَهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنِ الْفِرْيَةِ الَّتِي افْتَرَاهَا هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لَهُ شُرَكَاءُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿سُبْحَانَهُ﴾ [البقرة: ١١٦] أَيْ: تَنْزِيهًا لِلَّهِ وَتَبْرِئَةً ﴿وَتَعَالَى﴾ [الأنعام: ١٠٠] يَقُولُ: وَعُلُوًّا لَهُ ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الأعراف: ١٩٠] يَقُولُ: عَنْ شِرْكِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٠٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الروم: ٤٠] لَا وَاللَّهِ ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الروم: ٤٠] يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ»
١٨ ‏/ ٥٠٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبِرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي بَرِّ الْأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِكَسْبِ أَيْدِي النَّاسِ مَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١]⦗٥١٠⦘ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِالْبَرِّ: الْفَلَوَاتِ، وَبِالْبَحْرِ: الْأَمْصَارَ وَالْقُرَى الَّتِي عَلَى الْمِيَاهِ وَالْأَنْهَارِ.
١٨ ‏/ ٥٠٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا عَثَّامٌ، قَالَ: ثَنَا النَّضْرُ بْنُ عَرَبِيٍّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا﴾ [البقرة: ٢٠٥] الْآيَةَ، قَالَ: إِذَا تَوَلَّى سَعَى بِالتَّعَدِّي وَالظُّلْمِ؛ فَيَحْبِسُ اللَّهُ الْقَطْرَ، فَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ مُجَاهِدٌ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] الْآيَةَ؛ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بَحْرَكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ فَهُوَ بَحْرٌ»
١٨ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] . قَالَ: أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ بَحْرُكُمْ هَذَا، وَلَكِنْ كُلُّ قَرْيَةٍ عَلَى مَاءٍ جَارٍ»
١٨ ‏/ ٥١٠
قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: إِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْأَمْصَارَ بَحْرًا»
١٨ ‏/ ٥١٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي ⦗٥١١⦘ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا ﷺ، امْتَلَأَتْ ضَلَالَةً وَظُلْمًا، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، رَجَعَ رَاجِعُونَ مِنَ النَّاسِ»
١٨ ‏/ ٥١٠
قَوْلُهُ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] أَمَّا الْبَرُّ فَأَهْلُ الْعَمُودِ، وَأَمَّا الْبَحْرُ فَأَهْلُ الْقُرَى وَالرِّيفِ.
١٨ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: الذُّنُوبُ، وَقَرَأَ ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١]»
١٨ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: أَفْسَدَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، فِي بَحْرِ الْأَرْضِ وَبَرِّهَا، بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالْبَرِّ: ظَهْرَ الْأَرْضِ؛ الْأَمْصَارَ وَغَيْرَهَا، وَبِالْبَحْرِ: الْبَحْرَ الْمَعْرُوفَ.
١٨ ‏/ ٥١١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: فِي الْبَرِّ: ابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ، وَفِي الْبَحْرِ: الَّذِي ⦗٥١٢⦘ كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا»
١٨ ‏/ ٥١١
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: قَالَ أَبُو بِشْرٍ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: بِقَتْلِ ابْنِ آدَمَ، وَالَّذِي كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا»
١٨ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: قُلْتُ: هَذَا الْبَرُّ وَالْبَحْرُ، أَيُّ فَسَادٍ فِيهِ؟ قَالَ: فَقَالَ: إِذَا قَلَّ الْمَطَرُ قَلَّ الْغَوْثُ»
١٨ ‏/ ٥١٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثنا الْحَسَنُ قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ، ﴿وَالْبَحْرِ﴾ [الروم: ٤١]: قَالَ: أَخْذُ الْمَلِكِ السُّفُنَ غَصْبًا». وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ، أَخْبَرَ أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ ظَهَرَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عِنْدَ الْعَرَبِ فِي الْأَرْضِ الْقِفَارِ، وَالْبَحْرُ بَحْرَانِ: بَحْرٌ مِلْحٌ، وَبَحْرٌ عَذْبٌ، فَهُمَا جَمِيعًا عِنْدَهُمْ بَحْرٌ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ ظُهُورِ ذَلِكَ فِي بَحْرٍ دُونَ بَحْرٍ، فَذَلِكَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَحْرٍ، عَذْبًا كَانَ أَوْ مِلْحًا. إِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، دَخَلَ الْقُرَى الَّتِي عَلَى الْأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ. ⦗٥١٣⦘ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ؛ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا وَصَفْتُ، ظَهَرَتْ مَعَاصِي اللَّهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، مِنْ بَرٍّ وَبَحْرٍ ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: ٤١] أَيْ بِذُنُوبِ النَّاسِ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ فِيهِمَا.
١٨ ‏/ ٥١٢
وَقَوْلُهُ: ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم: ٤١] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لِيُصِيبَهُمْ بِعُقُوبَةِ بَعْضِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا، وَمَعْصِيَتِهِمُ الَّتِي عَصَوْا ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢] يَقُولُ: كَيْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ، وَيَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ، وَيَتْرُكُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥١٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: يَتُوبُونَ»
١٨ ‏/ ٥١٣
قَالَ: ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] يَوْمَ بَدْرٍ، لَعَلَّهُمْ يَتُوبُونَ»
١٨ ‏/ ٥١٣
قَالَ: ثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: إِلَى الْحَقِّ»
١٨ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ «﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] لَعَلَّ رَاجِعًا أَنْ يَرْجِعَ، لَعَلَّ تَائِبًا أَنْ يَتُوبَ، لَعَلَّ مُسْتَعْتِبًا أَنْ يَسْتَعْتِبَ»
١٨ ‏/ ٥١٣
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَامِرٍ، قَالَ: ثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ، «﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] قَالَ: يَرْجِعُ مَنْ بَعْدَهُمْ». وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ [الروم: ٤١] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ ﴿لِيُذِيقَهُمْ﴾ [الروم: ٤١] بِالْيَاءِ، بِمَعْنَى: لِيُذِيقَهُمُ اللَّهُ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلْمِيَّ قَرَأَ ذَلِكَ بِالنُّونِ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ.
١٨ ‏/ ٥١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ، كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٤٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِنْ قَوْمِكَ: سِيرُوا فِي الْبِلَادِ، فَانْظُرُوا إِلَى مَسَاكِنِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، كَيْفَ كَانَ آخِرُ أَمْرِهِمْ، وَعَاقِبَةُ تَكْذِيبِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ وَكُفْرِهِمْ أَلَمْ نُهْلِكْهُمْ بِعَذَابٍ مِنَّا، وَنَجْعَلْهُمْ عِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ؟ ﴿كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ﴾ [الروم: ٤٢] يَقُولُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ، لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِاللَّهِ مِثْلَهُمْ.
١٨ ‏/ ٥١٤
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَوَجِّهْ وَجْهَكَ يَا مُحَمَّدُ نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَّهَكَ إِلَيْهِ رَبُّكَ ﴿لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾ [الروم: ٤٣] لِطَاعَةِ رَبِّكَ، وَالْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الَّتِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهَا عَنِ الْحَقِّ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ [الروم: ٤٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مِنْ قَبْلِ مَجِيءِ ⦗٥١٥⦘ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ لَا مَرَدَّ لَهُ لِمَجِيئِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ قَضَى بِمَجِيئِهِ، فَهُوَ لَا مَحَالَةَ جَاءٍ ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] يَقُولُ: يَوْمَ يَجِيءُ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَصَّدَعُ النَّاسُ، يَقُولُ: يَتَفَرَّقُ النَّاسُ فِرْقَتَيْنِ؛ مِنْ قَوْلِهِمْ: صَدَعْتُ الْغَنَمَ صَدْعَتَيْنِ: إِذَا فَرَّقْتُهَا فِرْقَتَيْنِ: فَرِيقٍ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٍ فِي السَّعِيرِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥١٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ﴾ [الروم: ٤٣] الْإِسْلَامِ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ، يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»
١٨ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ «﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] يَقُولُ: يَتَفَرَّقُونَ»
١٨ ‏/ ٥١٥
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ «﴿يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣] قَالَ: يَتَفَرَّقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَإِلَى النَّارِ»
١٨ ‏/ ٥١٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ، وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ أَوْزَارُ كُفْرِهِ، وَآثَامُ جُحُودِهِ نِعَمَ رَبِّهِ، ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا﴾ [الروم: ٤٤] يَقُولُ: وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فِيهَا ﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] يَقُولُ: فَلِأَنْفُسِهِمْ يَسْتَعِدُّونَ، وَيُسَوُّونَ الْمَضْجَعَ لِيَسْلَمُوا مِنْ عِقَابِ رَبِّهِمْ، وَيَنْجُوا مِنْ عَذَابِهِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر البسيط] امْهَدْ لِنَفْسِكَ حَانَ السَّقْمُ وَالتَّلَفُ … وَلَا تُضَيِّعْنَ نَفْسًا مَا لَهَا خَلَفُ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥١٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] قَالَ: يُسَوُّونَ الْمَضَاجِعَ»
١٨ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، وَالْحُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الطَّحَّانُ، وَابْنُ وَكِيعٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَلَائِيُّ، قَالُوا: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] قَالَ: فِي الْقَبْرِ»
١٨ ‏/ ٥١٦
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: «﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] قَالَ: لِلْقَبْرِ»
١٨ ‏/ ٥١٧
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: فِي قَوْلِهِ «﴿فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ٤٤] قَالَ: فِي الْقَبْرِ»
١٨ ‏/ ٥١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [الروم: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ [الروم: ٤٣]، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [يونس: ٤] بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [البقرة: ٢٥] يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ [البقرة: ٩٠] الَّذِي وَعَدَ مَنْ أَطَاعَهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَجْزِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [الروم: ٤٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّمَا خَصَّ بِجَزَائِهِ مِنْ فَضْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ دُونَ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، إِنَّهُ لَا يُحِبُّ أَهْلَ الْكُفْرِ بِهِ. وَاسْتَأْنَفَ الْخَبَرَ بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [الروم: ٤٥] وَفِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ.
١٨ ‏/ ٥١٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ، وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الروم: ٤٦] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمِنْ أَدِلَّتِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ وَحُجَجِهِ عَلَيْكُمْ عَلَى أَنَّهُ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ ﴿أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦] بِالْغَيْثِ وَالرَّحْمَةِ ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الروم: ٤٦] يَقُولُ: وَلِيُنَزِّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَهِيَ الْغَيْثُ الَّذِي يُحْيِي بِهِ الْبِلَادَ، وَلِتَجْرِيَ السُّفُنُ فِي الْبِحَارِ بِهَا بِأَمْرِهِ إِيَّاهَا ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النحل: ١٤] يَقُولُ: وَلِتَلْتَمِسُوا مِنْ أَرْزَاقِهِ وَمَعَايِشِكُمُ الَّتِي قَسَمَهَا بَيْنَكُمْ ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: ١٨٥] يَقُولُ: وَلِتَشْكُرُوا ⦗٥١٨⦘ رَبَّكُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَرْسَلَ هَذِهِ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
١٨ ‏/ ٥١٧
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦] قَالَ: بِالْمَطَرِ». وَقَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الروم: ٤٦] مِثْلَ الَّذِي قُلْنَا فِيهِ
١٨ ‏/ ٥١٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: «﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الروم: ٤٦] قَالَ: الْمَطَرُ»
١٨ ‏/ ٥١٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾ [الروم: ٤٦] الْمَطَرُ»
١٨ ‏/ ٥١٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلَكِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُسَلِّيًا نَبِيَّهُ ﷺ فِيمَا يَلْقَى مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْأَذَى
١٨ ‏/ ٥١٨
فِيهِ بِمَا لَقِيَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْ رُسُلِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَمُعَلِّمَهُ سُنَّتَهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْمِهِمْ، وَأَنَّهُ سَالِكٌ بِهِ وَبِقَوْمِهِ سُنَّتَهُ فِيهِمْ، وَفِي أُمَمِهِمْ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمُ الْكَفَرَةِ، كَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَى قَوْمِكَ الْعَابِدِي الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ يَعْنِي: بِالْوَاضِحَاتِ مِنَ الْحُجَجِ عَلَى صِدْقِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لِلَّهِ رُسُلٌ كَمَا جِئْتَ أَنْتَ قَوْمَكَ بِالْبَيِّنَاتِ، فَكَذَّبُوهُمْ كَمَا كَذَّبَكَ قَوْمُكَ، وَرَدُّوا عَلَيْهِمْ مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، كَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ [الروم: ٤٧] يَقُولُ: فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا الْآثَامَ، وَاكْتَسَبُوا السَّيِّئَاتِ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَنَحْنُ فَاعِلُو ذَلِكَ كَذَلِكَ بِمُجْرِمِي قَوْمِكَ
١٨ ‏/ ٥١٩
﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧] يَقُولُ: وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا رُسُلَهُ، إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا، وَكَذَلِكَ نَفْعَلُ بِكَ وَبِمَنْ آمَنَ بِكَ مِنْ قَوْمِكَ ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: ٤٧] عَلَى الْكَافِرِينَ، وَنَحْنُ نَاصِرُوكَ وَمَنْ آمَنَ بِكَ عَلَى مَنْ كَفَرَ بِكَ، وَمُظْفِرُوكَ بِهِمْ
١٨ ‏/ ٥١٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [الروم: ٤٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا، يَقُولُ: فَتُنْشِئُ الرِّيَاحُ سَحَابًا، وَهِيَ جَمْعُ سَحَابَةٍ، ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [الروم: ٤٨] يَقُولُ: فَيَنْشُرُهُ اللَّهُ، وَيَجْمَعُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ، وَقَالَ: فَيَبْسُطُهُ، فَوَحَّدَ الْهَاءَ، ⦗٥٢٠⦘ وَأُخْرِجَ مَخْرَجَ كِنَايَةِ الْمُذَكِّرِ، وَالسَّحَابُ جَمْعٌ كَمَا وَصَفْتُ، رَدًّا عَلَى لَفْظِ السَّحَابِ، لَا عَلَى مَعْنَاهُ، كَمَا يُقَالُ: هَذَا تَمٌّ جَيِّدٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ﴿فَيَبْسُطُهُ﴾ [الروم: ٤٨] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥١٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾ [الروم: ٤٨] وَيَجْمَعُهُ»
١٨ ‏/ ٥٢٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ [الروم: ٤٨] يَقُولُ: وَيَجْعَلُ السَّحَابَ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً، كَمَا:
١٨ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ [الروم: ٤٨] أَيْ قِطَعًا» وَقَوْلُهُ ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ [الروم: ٤٨] يَعْنِي: الْمَطَرَ ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [الروم: ٤٨] يَعْنِي: مِنْ بَيْنِ السَّحَابِ. كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [الروم: ٤٨]
١٨ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ قَطَنٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، «﴿يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ [الروم: ٤٨] قَالَ: الرِّيَاحُ أَرْبَعٌ: يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا فَتَقُمُّ الْأَرْضَ قَمًّا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ الثَّانِيَةَ فَتُثِيرُ سَحَابًا، فَيَجْعَلُهُ فِي السَّمَاءِ كِسَفًا، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ الرِّيحَ ⦗٥٢١⦘ الثَّالِثَةَ، فَتُؤَلِّفُ بَيْنَهُ فَيَحْمِلُهُ رُكَامًا، ثُمَّ يَبْعَثُ الرِّيحَ الرَّابِعَةَ فَتُمْطِرُ»
١٨ ‏/ ٥٢٠
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، «﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ [الروم: ٤٨] قَالَ: الْقَطْرَ»
١٨ ‏/ ٥٢١
وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ [الروم: ٤٨] يَقُولُ: فَإِذَا صَرَفَ ذَلِكَ الْوَدْقَ إِلَى أَرْضِ مَنْ أَرَادَ صَرْفَهُ إِلَى أَرْضِهِ مِنْ خَلْقِهِ رَأَيْتَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِأَنَّهُ صَرَفَ ذَلِكَ إِلَيْهِمْ، وَيَفْرَحُونَ
١٨ ‏/ ٥٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم: ٤٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِهَذَا الْغَيْثِ مِنْ عِبَادِهِ مِنْ قَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ هَذَا الْغَيْثُ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْغَيْثِ لَمُبْلِسِينَ، يَقُولُ: لَمُكْتَئِبِينَ حَزِنِينَ بِاحْتِبَاسِهِ عَنْهُمْ، كَمَا:
١٨ ‏/ ٥٢١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ﴾ [الروم: ٤٩] أَيْ قَانِطِينَ». وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَكْرِيرِ ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ [البقرة: ١٩٨]، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ [الروم: ٤٩] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: رَدَّ ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ [البقرة: ١٩٨]⦗٥٢٢⦘ عَلَى التَّوْكِيدِ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠]، وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ مَعَ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ [الروم: ٤٩] حَرْفًا لَيْسَ مَعَ الثَّانِيَةِ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ قَبْلِ التَّنْزِيلِ مِنْ قَبْلِ الْمَطَرِ، فَقَدِ اخْتَلَفَتَا، وَأَمَّا ﴿كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠] وَأَكَّدَ بِأَجْمَعِينَ لِأَنَّ كُلًّا يَكُونُ اسْمًا، وَيَكُونُ تَوْكِيدًا، وَهُوَ قَوْلُهُ ﴿أَجْمَعُونَ﴾ [الحجر: ٣٠] . وَالْقَوْلُ عِنْدِي فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنْ قَبْلِهِ﴾ [البقرة: ١٩٨] عَلَى وَجْهِ التَّوْكِيدِ.
١٨ ‏/ ٥٢١
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحَمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (إِلَى أَثَرِ رَحْمَةِ اللَّهِ)، عَلَى التَّوْحِيدِ، بِمَعْنَى: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى أَثَرِ الْغَيْثِ الَّذِي أَصَابَ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ عِبَادِهِ، كَيْفَ يُحْيِي ذَلِكَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: ﴿فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾، عَلَى الْجِمَاعِ، بِمَعْنَى: فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ الْغَيْثِ الَّذِي أَصَابَ اللَّهُ بِهِ مَنْ أَصَابَ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَحْيَا الْأَرْضَ بِغَيْثٍ أَنْزَلَهُ عَلَيْهَا، فَإِنَّ الْغَيْثَ أَحْيَاهَا بِإِحْيَاءِ اللَّهِ إِيَّاهَا بِهِ، وَإِذَا أَحْيَاهَا الْغَيْثُ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُحْيِي بِهِ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ
١٨ ‏/ ٥٢٢
الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: فَانْظُرْ يَا مُحَمَّدُ إِلَى آثَارِ الْغَيْثِ الَّذِي يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنَ السَّحَابِ، كَيْفَ يُحْيِي بِهَا الْأَرْضَ الْمَيْتَةَ، فَيُنْبِتُهَا وَيُعْشِبُهَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا، وَدُثُورِهَا ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ [الروم: ٥٠] يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِي يُحْيِي هَذِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا بِهَذَا الْغَيْثِ، لَمُحْيِي الْمَوْتَى مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمْ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى قَدِيرٌ، لَا يَعِزُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ شَاءَهُ سُبْحَانَهُ
١٨ ‏/ ٥٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ [الروم: ٥١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا مُفْسِدَةً مَا أَنْبَتَهُ الْغَيْثُ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَرَأَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْغَيْثِ الَّذِي حَيَتْ بِهِ أَرَضُوهُمْ، وَأَعْشَبَتْ وَنَبَتَتْ بِهِ زُرُوعُهُمْ، مَا أَنْبَتَتْهُ أَرَضُوهُمْ بِذَلِكَ الْغَيْثِ مِنَ الزَّرْعِ مُصْفَرًّا، قَدْ فَسَدَ بِتِلْكَ الرِّيحِ الَّتِي أَرْسَلْنَاهَا، فَصَارَ مِنْ بَعْدِ خُضْرَتِهِ مُصْفَرًّا، لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِ اسْتِبْشَارِهِمْ وَفَرْحَتِهِمْ بِهِ يَكْفُرُونَ بِرَبِّهِمْ.
١٨ ‏/ ٥٢٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [الروم: ٥٢]
١٨ ‏/ ٥٢٣
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿فَإِنَّكَ﴾ [المائدة: ١١٨] يَا مُحَمَّدُ ﴿لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: لَا تَجْعَلُ لَهُمْ أَسْمَاعًا يَفْهَمُونَ بِهَا عَنْكَ مَا تَقُولُ لَهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا مَثَلٌ مَعْنَاهُ: فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَدْ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ، فَسَلَبَهُمْ فَهْمَ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ مَوَاعِظِ تَنْزِيلِهِ، كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ الْمَوْتَى الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمُ اللَّهُ أَسْمَاعَهُمْ، بِأَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ أَسْمَاعًا. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: وَكَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ الصُّمَّ الَّذِينَ قَدْ سُلِبُوا السَّمْعَ الدُّعَاءَ، إِذَا هُمْ وَلَّوْا عَنْكَ مُدْبِرِينَ، كَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُوَفِّقَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ سَلَبَهُمُ اللَّهُ فَهْمَ آيَاتِ كِتَابِهِ، لِسَمَاعِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٢٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ [الروم: ٥٢] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ؛ فَكَمَا لَا يَسْمَعُ الْمَيِّتُ الدُّعَاءَ، كَذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الْكَافِرُ»
١٨ ‏/ ٥٢٤
﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [النمل: ٨٠] يَقُولُ: لَوْ أَنَّ أَصَمَّ وَلَّى مُدْبِرًا، ثُمَّ نَادَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا يَسْمَعُ
١٨ ‏/ ٥٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾ [النمل: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ بِمُسَدِّدٍ مَنْ أَعْمَاهُ اللَّهُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ، وَمَحَجَّةِ الْحَقِّ، فَلَمْ يُوَفِّقْهُ لِإِصَابَةِ ⦗٥٢٥⦘ الرُّشْدِ، فَصَارِفُهُ عَنْ ضَلَالَتِهِ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَرُكُوبِهِ الْجَائِرَ مِنَ الطُّرُقِ، إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، يَقُولُ: لَيْسَ ذَلِكَ بِيَدِكَ وَلَا إِلَيْكَ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ غَيْرِي، لِأَنِّي الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقِيلَ: بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ، وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ ضَلَالَتِهِمْ. لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ مَا وَصَفْتُ، مِنْ أَنَّهُ: وَمَا أَنْتَ بِصَارِفِهِمْ عَنْهُ، فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى. وَلَوْ قِيلَ: مِنْ ضَلَالَتِهِمْ كَانَ صَوَابًا. وَكَانَ مَعْنَاهُ: مَا أَنْتَ بِمَانِعِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ.
١٨ ‏/ ٥٢٤
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ [النمل: ٨١] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: مَا تُسْمِعُ السَّمَاعَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ سَامِعُهُ فَيَعْقِلَهُ، إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا، لِأَنَّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا إِذَا سَمِعَ كِتَابَ اللَّهِ تَدَبَّرَهُ وَفَهِمَهُ وَعَقِلَهُ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، وَانْتَهَى إِلَى حُدُودِ اللَّهِ، الَّذِي حَدَّ فِيهِ، فَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ السَّمَاعَ النَّافِعَ.
١٨ ‏/ ٥٢٥
وَقَوْلُهُ: ﴿فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [النمل: ٨١] يَقُولُ: فَهُمْ خَاضِعُونَ لِلَّهِ بِطَاعَتِهِ، مُتَذَلِّلُونَ لِمَوَاعِظِ كِتَابِهِ.
١٨ ‏/ ٥٢٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: ٥٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، مُحْتَجًّا عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى مَا يَشَاءُ: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [الروم: ٤٠] أَيُّهَا النَّاسُ ﴿مِنْ ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] يَقُولُ: مِنْ نُطْفَةٍ وَمَاءٍ مَهِينٍ، فَأَنْشَأَكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ⦗٥٢٦⦘ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ [الروم: ٥٤] يَقُولُ: ثُمَّ جَعَلَ لَكُمْ قُوَّةً عَلَى التَّصَرُّفِ، مِنْ بَعْدِ خَلْقِهِ إِيَّاكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، وَمِنْ بَعْدِ ضَعْفِكُمْ، بِالصِّغَرِ وَالطُّفُولَةِ ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ [الروم: ٥٤] يَقُولُ: ثُمَّ أَحْدَثَ لَكُمُ الضَّعْفَ بِالْهَرَمِ وَالْكِبَرِ عَمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ أَقْوِيَاءَ فِي شَبَابِكُمْ وَشَيْبَةً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٢٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ﴾ [الروم: ٥٤] أَيْ مِنْ نُطْفَةٍ ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا﴾ [الروم: ٥٤] الْهَرَمَ ﴿وَشَيْبَةً﴾ [الروم: ٥٤] الشَّمَطَ»
١٨ ‏/ ٥٢٦
وَقَوْلُهُ: ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ﴾ [آل عمران: ٤٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ ضَعْفٍ وَقُوَّةٍ وَشَبَابٍ وَشَيْبٍ ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ [الروم: ٥٤] بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ ﴿الْقَدِيرُ﴾ [الروم: ٥٤] عَلَى مَا يَشَاءُ، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، فَكَمَا فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، فَكَذَلِكَ يُمِيتُ خَلْقَهُ وَيُحْيِيهُمْ إِذَا شَاءَ. يَقُولُ: وَاعْلَمُوا أَنَّ الَّذِيَ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ بِقُدْرَتِهِ يُحْيِي الْمَوْتَى إِذَا شَاءَ.
١٨ ‏/ ٥٢٦
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ، كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: ٥٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ تَجِيءُ سَاعَةُ الْبَعْثِ، فَيُبْعَثُ الْخَلْقُ مِنْ قُبُورِهِمْ، يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَيَكْتَسِبُونَ فِيهَا الْآثَامَ، وَإِقْسَامُهُمْ: حَلِفُهُمْ بِاللَّهِ ﴿مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ [الروم: ٥٥] يَقُولُ: يُقْسِمُونَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْبَثُوا فِي قُبُورِهِمْ غَيْرَ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: كَذَلِكَ فِي ⦗٥٢٧⦘ الدُّنْيَا كَانُوا يُؤْفَكُونَ: يَقُولُ: كَذَبُوا فِي قِيلِهِمْ، وَأَقْسَمُوا: مَا لَبِثْنَا غَيْرَ سَاعَةٍ، كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَكْذِبُونَ، وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
١٨ ‏/ ٥٢٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، «﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: ٥٥] أَيْ يَكْذِبُونَ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ: ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: ٥٥] عَنِ الصِّدْقِ، وَيَصْدِفُونَ عَنْهُ إِلَى الْكَذِبِ»
١٨ ‏/ ٥٢٧
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٥٦] كَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: هَذَا مِنَ الْمُقَدَّمِ، الَّذِي مَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ
١٨ ‏/ ٥٢٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: «﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦] قَالَ: هَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلَامِ. وَتَأْوِيلُهَا: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْإِيمَانَ وَالْعِلْمَ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ». وَذُكِرَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَالْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَكِتَابِهِ»
١٨ ‏/ ٥٢٧
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ٧٥] يَقُولُ: فِيمَا كَتَبَ اللَّهُ مِمَّا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّكُمْ تَلْبَثُونَهُ ﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦] يَقُولُ: فَهَذَا يَوْمُ يُبْعَثُ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ ﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٥٦] يَقُولُ: وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ يَكُونُ، وَأَنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ، فَلِذَلِكَ كُنْتُمْ تَكْذِبُونَ.
١٨ ‏/ ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [الروم: ٥٧] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَوْمَ يُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [الروم: ٥٧] يَعْنِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ فِي الدُّنْيَا مَعْذِرَتُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ: مَا عَلِمْنَا أَنَّهُ يَكُونُ، وَلَا أَنَّا نُبْعَثُ. ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ [النحل: ٨٤] يَقُولُ: وَلَا هَؤُلَاءِ الظُّلْمَةُ يُسْتَرْجَعُونَ يَوْمَئِذٍ عَمَّا كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
١٨ ‏/ ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ، وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ [الروم: ٥٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَقَدْ مَثَّلْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ احْتِجَاجًا عَلَيْهِمْ، وَتَنْبِيهًا لَهُمْ عَنْ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ.
١٨ ‏/ ٥٢٨
وَقَوْلُهُ ﴿وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ﴾ [الروم: ٥٨] يَقُولُ: وَلَئِنْ جِئْتَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ بِآيَةٍ: يَقُولُ: بِدَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِ مَا تَقُولُ ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ [الروم: ٥٨] يَقُولُ: لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ جَحَدُوا رِسَالَتَكَ، وَأَنْكَرُوا نُبَوَّتَكَ: إِنْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُصَدِّقُونَ مُحَمَّدًا فِيمَا أَتَاكُمْ بِهِ إِلَّا مُبْطِلُونَ فِيمَا تَجِيئونَنَا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ.
١٨ ‏/ ٥٢٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٥٩] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كَذَلِكَ يَخْتِمُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَةَ مَا تَأْتِيهِمْ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، فَلَا يَفْقَهُونَ عَنِ اللَّهِ حُجَّةً، وَلَا يَفْهَمُونَ عَنْهُ مَا يَتْلُو عَلَيْهِمْ مِنْ آيِ كِتَابِهِ، فَهُمْ لِذَلِكَ فِي طُغْيَانِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ.
١٨ ‏/ ٥٢٩
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ لِمَا يَنَالُكَ مِنْ أَذَاهُمْ، وَبَلِّغْهُمْ رِسَالَةَ رَبِّكَ، فَإِنَّ وَعْدَ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ عَلَيْهِمْ، وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَتَمْكِينِكَ وَتَمْكِينِ أَصْحَابِكَ، وَأَتْبَاعِكَ فِي الْأَرْضِ حَقٌّ ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠] يَقُولُ: وَلَا يَسْتَخِفَّنَّ حِلْمَكَ وَرَأْيَكَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِاللَّهِ، الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ بِالْمَعَادِ، وَلَا يُصَدِّقُونَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، فَيُثَبِّطُوكَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَالنُّفُوذِ لِمَا كَلَّفَكَ مِنْ تَبْلِيغِهِمِ رِسَالَتَهُ.
١٨ ‏/ ٥٢٩
حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ قَرَأَ خَلْفَ عَلِيٍّ رضي الله عنه: «﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥]، فَقَالَ عَلِيٌّ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ، حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾»
١٨ ‏/ ٥٢٩
قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: نَادَى رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ عَلِيًّا رضي الله عنه، وَهُوَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَقَالَ: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥]، فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ، حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠]
١٨ ‏/ ٥٣٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠] قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ خَلْفَ عَلِيٍّ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ: «﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: ٦٥]، فَأَنْصَتَ لَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه حَتَّى فَهِمَ مَا قَالَ، فَأَجَابَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ [الروم: ٦٠]»

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

سُورَةُ الْفَاتِحَةِ

مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا سَبْعٌ ١ ‏/ ١١١ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة: ١] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ …