مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا إِحْدَى وَعِشْرُونَ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٤ / ٤٥٥
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُقْسِمًا بِاللَّيْلِ إِذَا غَشِيَ النَّهَارَ بِظُلْمَتِهِ، فَأَذْهَبَ ضَوْءُهُ، وَجَاءَتْ ظُلْمَتُهُ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] النَّهَارَ ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] وَهَذَا أَيْضًا قَسَمٌ، أَقْسَمَ بِالنَّهَارِ إِذَا هُوَ أَضَاءَ فَأَنَارَ، وَظَهَرَ لِلْأَبْصَارِ، مَا كَانَتْ ظُلْمَةُ اللَّيْلِ قَدْ حَالَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رُؤْيَتِهِ وَإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا عِيَانًا، وَكَانَ قَتَادَةُ يَذْهَبُ فِيمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَقْسَمَ بِهِ لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَهُ، كَمَا
٢٤ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] قَالَ: آيَتَانِ عَظِيمَتَانِ يُكَوِّرُهُمَا اللَّهُ عَلَى الْخَلَائِقِ
٢٤ / ٤٥٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣] يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ وَصَفْتُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾ [الشمس: ٦] وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ مَا بِمَعْنَى مِنْ، فَيَكُونَ ذَلِكَ قَسَمًا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِخَالِقِ الذَّكَرَ ⦗٤٥٦⦘ وَالْأُنْثَى، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَالِقُ، وَأَنْ تَجْعَلَ مَا مَعَ مَا بَعْدَهَا بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَيَكُونَ قَسَمًا بِخَلْقِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ ذَلِكَ (وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) وَيَأْثُرُهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ
٢٤ / ٤٥٥
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى)
٢٤ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، يَقُولُ: أَتَى عَلْقَمَةُ الشَّامَ، فَقَعَدَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَقَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] فَقُلْتُ: «وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» قَالَ: فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَضِلُّونَنِي وَقَدْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
٢٤ / ٤٥٦
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، قَالَ: ثنا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: أَتَيْنَا الشَّامَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَسَأَلَنِي فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: ٢] قَالَ: قُلْتُ: «وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» قَالَ: كَفَاكَ، سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقْرَؤُهَا
٢٤ / ٤٥٧
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ؛ وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؟ قَالَ: مِنْ أَيِّهَا؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: هَلْ تَقْرَأَهُ قِرَاءَةَ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: اقْرَأْ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ١] قَالَ: فَقَرَأْتُ: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» قَالَ: فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثني دَاوُدُ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، بِنَحْوِهِ
٢٤ / ٤٥٧
حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَى أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: فِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلِي قِرَاءَةِ ⦗٤٥٨⦘ عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: فَأَشَارُوا إِلَيَّ، قَالَ: قُلْتُ أَنَا، قَالَ: فَكَيْفَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ: «وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى» قَالَ: وَأَنَا هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونِي عَلَى أَنِ اقْرَأَ ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣] فَلَا أَنَا أُتَابِعُهُمْ.
٢٤ / ٤٥٧
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣] قَالَ: فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ
٢٤ / ٤٥٨
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثنا الْقَاسِمُ قَالَ: ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ [الليل: ٣] يَقُولُ: وَالَّذِي خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى؛ قَالَ هَارُونُ قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ لِلرَّعْدِ: سُبْحَانَ مَا سَبَّحْتَ لَهُ
٢٤ / ٤٥٨
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مِقْسَمٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ أَبِي شِبْلٍ: أَنَّهُ أَتَى الشَّامَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ قَامَ إِلَى حَلْقَةٍ فَجَلَسَ فِيهَا؛ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَيَّ، فَعَرَفْتُ فِيهِ تَحَوُّشَ الْقَوْمِ وَهَيْبَتَهُمْ لَهُ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِي، فَقُلْتُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ دَعْوَتِي، فَإِذَا ذَلِكَ الرَّجُلُ أَبُو الدَّرْدَاءِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ عَلْقَمَةُ: دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِيَ جَلِيسًا صَالِحًا، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَنْتَ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنَ الْكُوفَةِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنَ الْكُوفَةِ. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ، يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ، أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ مِنْ أَجِيرَ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَجِيمِ، يَعْنِي عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، أَوَ لَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ، أَوْ أَحَدٌ غَيْرُهُ، يَعْنِي حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا، قَالَ: اقْرَأْ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى﴾ [الليل: ٢] وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى قَالَ عَلْقَمَةُ: فَقَرَأْتُ: «الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى»، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، كَذَا أَقْرَأَنِيهَا ⦗٤٦٠⦘ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فُوهُ إِلَى فِي، فَمَا زَالَ هَؤُلَاءِ حَتَّى كَادُوا يَرُدُّونَنِي عَنْهَا
٢٤ / ٤٥٩
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤] يَقُولُ: إِنَّ عَمَلَكُمْ لَمُخْتَلِفٌ أَيُّهَا النَّاسُ، لِأَنَّ مِنْكُمُ الْكَافِرَ بِرَبِّهِ، وَالْعَاصِي لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَالْمُؤْمِنَ بِهِ، وَالْمُطِيعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، كَمَا
٢٤ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤] يَقُولُ: لَمُخْتَلِفٌ
٢٤ / ٤٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤] جَوَابُ الْقَسَمِ، وَالْكَلَامُ: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ
٢٤ / ٤٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَقَعَ الْقَسَمُ هَاهُنَا ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤]
٢٤ / ٤٦٠
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى مِنْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِعْطَائِهِ مِنْ مَالِهِ، وَمَا وَهَبَ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَاتَّقَى اللَّهَ وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٤٦٠
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، ⦗٤٦١⦘ عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] قَالَ: أَعْطَى مَا عِنْدَهُ وَاتَّقَى، قَالَ: اتَّقَى رَبَّهُ
٢٤ / ٤٦٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ [الليل: ٥] مِنَ الْفَضْلِ ﴿وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] اتَّقَى رَبَّهُ
٢٤ / ٤٦١
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى﴾ [الليل: ٥] حَقَّ اللَّهِ ﴿وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] مَحَارِمَ اللَّهِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا
٢٤ / ٤٦١
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] يَقُولُ: مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ، وَاتَّقَى اللَّهَ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللهِ، عَلَى إِعْطَائِهِ مَا أَعْطَى مِنْ مَالِهِ فِيمَا أَعْطَى فِيهِ مِمَّا أَمَرَهُ اللَّهُ بِإِعْطَائِهِ فِيهِ
٢٤ / ٤٦١
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ
٢٤ / ٤٦١
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثني عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] يَقُولُ: وَصَدَّقَ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ
٢٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] بِالْخَلَفِ، حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثنا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ
٢٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى السُّدِّيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ الْأَحْمَسِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الصَّلْتِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ
٢٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِالْخَلَفِ
٢٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِأَنَّ اللَّهَ سَيُخْلِفُ لَهُ
٢٤ / ٤٦٢
قَالَ ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِالْخَلَفِ
٢٤ / ٤٦٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِالْخَلَفِ
٢٤ / ٤٦٣
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ نَضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: بِالْخَلَفِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ
٢٤ / ٤٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: ثنا أَشْعَثُ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: ثنا مِسْعَرٌ، وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِثْلَهُ
٢٤ / ٤٦٣
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦]: بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
٢٤ / ٤٦٣
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ ⦗٤٦٤⦘ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] يَقُولُ: صَدَّقَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَصَدَّقَ بِالْجَنَّةِ
٢٤ / ٤٦٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِالْجَنَّةِ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثني مُحَمَّدُ بْنُ مُحَبَّبٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: وَصَدَّقَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ
٢٤ / ٤٦٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: بِمَوْعُودِ اللَّهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَمِلَ بِذَلِكَ الْمَوْعُودِ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ
٢٤ / ٤٦٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] قَالَ: صَدَّقَ الْمُؤْمِنُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الْحَسَنِ ⦗٤٦٥⦘ وَأَشْبَهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ عِنْدِي: قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِهِ التَّصْدِيقُ بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ عَلَى نَفَقَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَبْلَهُ مُنْفِقًا أَنْفَقَ طَالِبًا بِنَفَقَتِهِ الْخَلَفَ مِنْهَا، فَكَانَ أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَقِيبَهُ الْخَبَرُ عَنْ تَصْدِيقِهِ بِوَعْدِ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالْخَلَفِ إِذْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَرْضَاهُ، مَعَ أَنَّ الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَرَدَ. ذِكْرُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ بِذَلِكَ
٢٤ / ٤٦٤
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي كَبْشَةَ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا عَبَّادُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثني خُلَيْدٌ الْعَصَرِيُّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ إِلَّا وَبِجَنْبَيْهَا مَلَكَانِ يُنَادِيَانٍ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَأَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْقُرْآنَ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] إِلَى قَوْلِهِ ﴿لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠]⦗٤٦٦⦘ وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ
٢٤ / ٤٦٥
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَصَمُّ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءً إِذَا أَسْلَمْنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ، أَرَاكَ تُعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلُدًا يَقُومُونَ مَعَكَ، وَيَمْنَعُونَكَ، وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ، فَقَالَ: أَيْ أَبَتِ، إِنَّمَا أُرِيدُ، أَظُنُّهُ قَالَ: مَا عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِيهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٦]
٢٤ / ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] يَقُولُ: فَسَنُهَيِّئُهُ لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى، وَهِيَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا، لِيُوجِبَ لَهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةَ
٢٤ / ٤٦٦
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنَعَ مَا وَهَبَ اللَّهُ لَهُ مِنْ فَضْلِهِ، مِنْ صَرْفِهِ فِي الْوُجُوهِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِصَرْفِهِ فِيهَا، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ، فَلَمْ يَرْغَبْ إِلَيْهِ بِالْعَمَلِ لَهُ بِطَاعَتِهِ، بِالزِّيَادَةِ فِيمَا خَوَّلَهُ مِنْ ذَلِكَ. ⦗٤٦٧⦘ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٤٦٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] قَالَ: بَخِلَ بِمَا عِنْدَهُ، وَاسْتَغْنَى فِي نَفْسِهِ
٢٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِالْفَضْلِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ
٢٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨] يَقُولُ: مَنْ أَغْنَاهُ اللَّهُ، فَبَخِلَ بِالزَّكَاةِ
٢٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ ﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾ [الليل: ٨]: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَاسْتَغْنَى فِي نَفْسِهِ عَنْ رَبِّهِ
٢٤ / ٤٦٧
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ نَحْوَ اخْتِلَافِهِمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٦] وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: مَعْنَاهُ: وَكَذَّبَ بِالْخَلَفِ، كَمَا
٢٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا دَاوُدُ، عَنْ ⦗٤٦٨⦘ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] وَكَذَّبَ بِالْخَلَفِ
٢٤ / ٤٦٧
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] بِالْخَلَفِ مِنَ اللَّهِ
٢٤ / ٤٦٨
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] وَكَذَّبَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَ، قَالَ اللَّهُ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠]
٢٤ / ٤٦٨
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] وَكَذَّبَ الْكَافِرُ بِمَوْعُودِ اللَّهِ الْحَسَنِ وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ: وَكَذَّبَ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ
٢٤ / ٤٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] وَكَذَّبَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
٢٤ / ٤٦٨
حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثنا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ، يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَكَذَّبَ بِالْجَنَّةِ
٢٤ / ٤٦٨
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ ⦗٤٦٩⦘ مُجَاهِدٍ، ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ [الليل: ٩] قَالَ: بِالْجَنَّةِ
٢٤ / ٤٦٨
وَقَوْلُهُ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَسَنُهَيِّئُهُ فِي الدُّنْيَا لِلْخَلَّةِ الْعُسْرَى، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ يَسَّرَتْ غَنَمُ فُلَانٍ: إِذَا وَلَدَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِلْوِلَادَةِ، وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الطويل] هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا … يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا
وَقِيلَ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] وَلَا تَيَسُّرَ فِي الْعُسْرَى لِلَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا ذِكْرُ الْخَيْرِ وَالْآخَرُ ذِكْرُ الشَّرِّ، جَازَ ذَلِكَ بِالتَّيْسِيرِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَالْعُسْرَى الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُيَسِّرُهُ لَهَا: الْعَمَلُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ
[البحر الطويل] هُمَا سَيِّدَانَا يَزْعُمَانِ وَإِنَّمَا … يَسُودَانِنَا أَنْ يَسَّرَتْ غَنَمَاهُمَا
وَقِيلَ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] وَلَا تَيَسُّرَ فِي الْعُسْرَى لِلَّذِي تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل: ٧] وَإِذَا جُمِعَ بَيْنَ كَلَامَيْنِ أَحَدُهُمَا ذِكْرُ الْخَيْرِ وَالْآخَرُ ذِكْرُ الشَّرِّ، جَازَ ذَلِكَ بِالتَّيْسِيرِ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ وَالْعُسْرَى الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُيَسِّرُهُ لَهَا: الْعَمَلُ بِمَا يَكْرَهُهُ وَلَا يَرْضَاهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. ذِكْرُ الْخَبَرِ بِذَلِكَ
٢٤ / ٤٦٩
حَدَّثَنِي وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: ثنا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنَكَتَ الْأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ ⦗٤٧٠⦘ مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ» ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦]
٢٤ / ٤٦٩
حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي الْبَقِيعِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا» فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ، فَقَالَ: «بَلِ اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛ فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ؛ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَإِنَّهُ يُيَسَّرُ لِلشَّقَاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦] حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِهِ
٢٤ / ٤٧٠
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ: أَنَّهُمَا سَمِعَا سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ فِي جَنَازَةٍ، فَأَخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ»، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: “اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦]
٢٤ / ٤٧١
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ بِيَدِهِ، فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفَلَا نَتَّكِلُ؟ قَالَ: «لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾ [الليل: ٥] الْآيَتَيْنِ
٢٤ / ٤٧١
قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَمُرَةَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا مَا هِيَ لَاقِيَتُهُ» وَأَعْرَابِيٌّ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ مُرْتَادٌ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فَمَا جَاءَ بِي
٢٤ / ٤٧١
أَضْرِبُ مِنْ وَادِي كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ قَدْ فُرِغَ مِنَ الْأَمْرِ؟ فَنَكَتَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْأَرْضِ، حَتَّى ظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرًّا يَسَّرَهُ لِسَبِيلِ الشَّرِّ» فَلَقِيتُ عَمْرَو بْنَ مُرَّةَ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ، فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ، وَزَادَ فِيهِ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦]
٢٤ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثنا هُشَيْمٌ، قَالَ: ثنا حُصَيْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩] قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفِيمَ الْعَمَلُ؟ أَفِي شَيْءٍ نَسْتَأْنِفُهُ، أَوْ فِي شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: سَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى»
٢٤ / ٤٧٢
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّائِيُّ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: ثنا الْجَرَّاحُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتِ يَوْمٍ جَالِسًا وَبِيَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِنَ النَّاسِ، إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ» قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَوَكَّلُ؟ قَالَ لَهُمْ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ثُمَّ قَالَ: “أَمَا سَمِعْتُمُ اللَّهَ فِي كِتَابِهِ يَقُولُ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ ⦗٤٧٣⦘ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ٦]
٢٤ / ٤٧٢
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: ثنا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ [الليل: ١٠] لِلشَّرِّ مِنَ اللَّهِ
٢٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ لِأَمْرٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، أَوْ لِأَمْرٍ نَأْتَنِفُهُ؟ فَقَالَ ﷺ: «كُلُّ عَامِلٍ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ»
٢٤ / ٤٧٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: سَأَلَ غُلَامَانِ شَابَّانِ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَعْمَلُ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ، أَوْ فِي شَيْءٍ يُسْتَأْنَفُ؟ فَقَالَ: «بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الْأَقْلَامُ، وَجَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ» قَالَا: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ؟ قَالَ: «اعْمَلُوا، فَكُلٌّ عَامِلٌ مُيَسَّرٌ لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ لَهُ» قَالَا: فَالْآنَ نَجِدُّ وَنَعْمَلُ
٢٤ / ٤٧٣
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: ١٢]⦗٤٧٤⦘ يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ﴾ [الليل: ١١] أَيُّ شَيْءٍ يَدْفَعُ عَنْ هَذَا الَّذِي بَخِلَ بِمَالِهِ، وَاسْتَغْنَى عَنْ رَبِّهِ، مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴿إِذَا﴾ [البقرة: ١٤٥] هُوَ ﴿تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١]؟ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: ﴿إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١] فَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْوِيلُهُ: إِذَا تَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ: أَيْ سَقَطَ فِيهَا فَهَوَى
٢٤ / ٤٧٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١] قَالَ: فِي جَهَنَّمَ قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَدْ سَمِعَ الْأَشْجَعِيُّ مِنْ إِسْمَاعِيلَ ذَلِكَ
٢٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١] قَالَ: إِذَا تَرَدَّى فِي النَّارِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِذَا مَاتَ
٢٤ / ٤٧٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١] قَالَ: إِذَا مَاتَ
٢٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ⦗٤٧٥⦘ قَوْلُهُ: ﴿إِذَا تَرَدَّى﴾ [الليل: ١١] قَالَ: إِذَا مَاتَ
٢٤ / ٤٧٤
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِذَا مَاتَ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: إِذَا تَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ التَّرَدِّي؛ فَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ مَعْنَى الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يُقَالَ: رُدِّيَ فُلَانٌ، وَقَلَّمَا يُقَالُ: تَرَدَّى
٢٤ / ٤٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ [الليل: ١٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ عَلَيْنَا لَبَيَانَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالطَّاعَةِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٤٧٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى﴾ [الليل: ١٢] يَقُولُ: عَلَى اللَّهِ الْبَيَانُ، بَيَانُ حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَطَاعَتِهِ وَمَعْصِيَتِهِ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَتَأَوَّلُهُ بِمَعْنَى: أَنَّهُ مَنْ سَلَكَ الْهُدَى فَعَلَى اللَّهِ سَبِيلُهُ، وَيَقُولُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ [النحل: ٩] وَيَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: مَنْ أَرَادَ اللَّهُ فَهُوَ عَلَى السَّبِيلِ الْقَاصِدِ، وَقَالَ: يُقَالُ مَعْنَاهُ: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَالْإِضْلَالَ، كَمَا قَالَ: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] وَهِيَ تَقِي الْحَرَّ ⦗٤٧٦⦘ وَالْبَرْدَ
٢٤ / ٤٧٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى﴾ [الليل: ١٣] يَقُولُ: وَإِنَّ لَنَا مُلْكَ مَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، نُعْطِي مِنْهُمَا مَنْ أَرَدْنَا مِنْ خَلْقِنَا، وَنَحْرِمُهُ مَنْ شِئْنَا وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ يُوَفِّقُ لِطَاعَتِهِ مَنْ أَحَبَّ مِنْ خَلْقِهِ، فَيُكْرِمُهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، وَيُهَيِّئُ لَهُ الْكَرَامَةَ وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَيَخْذُلُ مَنْ يَشَاءُ خُذْلَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ عَنْ طَاعَتِهِ، فَيُهِينُهُ بِمَعْصِيَتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُخْزِيهِ بِعُقُوبَتِهِ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ
٢٤ / ٤٧٦
ثُمَّ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْذَرْتُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ نَارًا تَتَوَهَّجُ، وَهِيَ نَارُ جَهَنَّمَ، يَقُولُ: احْذَرُوا أَنْ تَعْصُوا رَبَّكُمْ فِي الدُّنْيَا، وَتَكْفُرُوا بِهِ، فَتَصْلَوْنَهَا فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: تَلَظَّى، وَإِنَّمَا هِيَ تَتَلَظَّى، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبِلٌ، وَلَوْ كَانَ فِعْلًا مَاضِيًا لَقِيلَ: فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّتْ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: ﴿نَارًا تَلَظَّى﴾ [الليل: ١٤] قَالَ: تَوَهَّجُ
٢٤ / ٤٧٦
وَقَوْلُهُ: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَدْخُلُهَا فَيَصْلَى ⦗٤٧٧⦘ بِسَعِيرِهَا إِلَّا الْأَشْقَى ﴿الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [الليل: ١٦] يَقُولُ: الَّذِي كَذَّبَ بِآيَاتِ رَبِّهِ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٤٧٦
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: ثنا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ يَأْبَى، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ: وَمَنْ يَأْبَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: فَقَرَأَ: ﴿الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [الليل: ١٦]
٢٤ / ٤٧٧
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ نَاصِحٍ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَبِيبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَا: ثنا الْأَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى﴾ [الليل: ١٥] قَالَ مُعَاذٌ: الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى، وَلَمْ يَقُلْهُ الْحَسَنُ، قَالَ: الْمُشْرِكُ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ كَذَّبَ بِرَدٍّ ظَاهِرٍ، وَلَكِنْ قَصَّرَ عَمَّا أُمِرَ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، فَجُعِلَ تَكْذِيبًا، كَمَا تَقُولُ: لَقِيَ فُلَانٌ الْعَدُوَّ، فَكَذَّبَ إِذَا نَكَلَ وَرَجَعَ. وَذَكَرُ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ: لَيْسَ لِحَدِّهِمْ مَكْذُوبَةٌ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا صَدَقُوا الْقِتَالَ، وَلَمْ يَرْجِعُوا؛ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ [الواقعة: ٢]
٢٤ / ٤٧٧
وَقَوْلُهُ: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى﴾ [الليل: ١٧] يَقُولُ: وَسَيُوَقَّى صِلِيَّ النَّارِ الَّتِي تَلَظَّى التَّقِيُّ، وَوُضِعَ أَفْعَلُ مَوْضِعَ فَعِيلٍ، كَمَا قَالَ طَرَفَةُ:
[البحر الطويل] تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ … فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
[البحر الطويل] تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ … فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ
٢٤ / ٤٧٨
وَقَوْلُهُ: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى﴾ [الليل: ١٨] يَقُولُ: الَّذِي يُعْطِي مَالَهُ فِي الدُّنْيَا فِي حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي أَلْزَمَهُ إِيَّاهَا ﴿يَتَزَكَّى﴾ [فاطر: ١٨] يَعْنِي: يَتَطَهَّرُ بِإِعْطَائِهِ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِهِ
٢٤ / ٤٧٨
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢٠] كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُوَجِّهُ تَأْوِيلَ ذَلِكَ إِلَى: وَمَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عِنْدَ هَذَا الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَتَزَكَّى ﴿مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ [الليل: ١٩] يَعْنِي: مِنْ يَدٍ يُكَافِئُهُ عَلَيْهَا، يَقُولُ: لَيْسَ يُنْفِقُ مَا يُنْفِقُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُعْطِي مَا يُعْطِي، مُجَازَاةَ إِنْسَانٍ يُجَازِيهِ عَلَى يَدٍ لَهُ عِنْدَهُ، وَلَا مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى نِعْمَةٍ سَلَفَتْ مِنْهُ إِلَيْهِ، أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُؤْتِيهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ. قَالَ: وَإِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى لَكِنْ؛ وَقَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ فِي الْمُكَافَأَةِ مُسْتَقْبِلًا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَلَمْ يُرِدْ بِمَا أَنْفَقَ مُكَافَأَةً مِنْ أَحَدٍ، وَيَكُونُ مَوْقِعُ اللَّامِ الَّتِي فِي أَحَدٍ فِي الْهَاءِ الَّتِي خَفَضَتْهَا عِنْدَهُ، فَكَأَنَّكَ قُلْتُ: وَمَا لَهُ عِنْدَ أَحَدٍ فِيمَا أَنْفَقَ مِنْ نِعْمَةٍ يَلْتَمِسُ ثَوَابَهَا، قَالَ: وَقَدْ تَضَعُ الْعَرَبُ الْحَرْفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا، وَاسْتَشْهَدُوا لِذَلِكَ بِبَيْتِ النَّابِغَةِ:
[البحر الطويل] وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي … عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
[البحر الطويل] وَقَدْ خِفْتُ حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي … عَلَى وَعِلٍ فِي ذِي الْمَطَارَةِ عَاقِلِ
٢٤ / ٤٧٨
وَالْمَعْنَى: حَتَّى مَا تَزِيدُ مَخَافَةُ وَعِلٍ عَلَى مَخَافَتِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الَّذِي حَكَيْنَا قَوْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ وَقَالُوا: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ بِعِتْقِهِ مَنْ أَعْتَقَ
٢٤ / ٤٧٩
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢٠] يَقُولُ: لَيْسَ بِهِ مَثَابَةُ النَّاسِ وَلَا مُجَازَاتُهُمْ، إِنَّمَا عَطِيَّتُهُ لِلَّهِ
٢٤ / ٤٧٩
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْمَاطِيُّ، قَالَ: ثنا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ: ثنا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢٠]
٢٤ / ٤٧٩
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ [الليل: ١٩] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ،
٢٤ / ٤٧٩
أَعْتَقَ نَاسًا لَمْ يَلْتَمِسْ مِنْهُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، مِنْهُمْ بِلَالٌ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ، يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ٢٠] نَصْبًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى﴾ [الليل: ١٩] لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَمَا يُؤْتِي الَّذِي يُؤْتِي مِنْ مَالِهِ مُلْتَمِسًا مِنْ أَحَدٍ ثَوَابَهُ، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ نَصَبَهُ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا بَعْدُ إِلَّا مَا قَبْلَهَا، كَمَا قَالَ النَّابِغَةُ:
[البحر البسيط] وَقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلَانًا أُسَائِلُهَا … عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إِلَّا الْأَوَارِيُّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
[البحر البسيط] وَقَفْتُ فِيهَا أُصَيْلَانًا أُسَائِلُهَا … عَيَّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إِلَّا الْأَوَارِيُّ لَأْيًا مَا أُبَيِّنُهَا … وَالنُّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجَلَدِ
٢٤ / ٤٨٠
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢١] يَقُولُ: ﴿وَلَسَوْفَ يَرْضَى﴾ [الليل: ٢١] هَذَا الْمُؤْتِي مَالَهُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ عز وجل، يَتَزَكَّى بِمَا يُثِيبُهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ عِوَضًا مِمَّا أَتَى فِي الدُّنْيَا فِي سَبِيلِهِ، إِذَا لَقِي رَبَّهُ تبارك وتعالى.