مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا إِحْدَى عَشْرَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
٢٤ / ٥٩٢
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ﴿الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ١] السَّاعَةُ الَّتِي يَقْرَعُ قُلُوبَ النَّاسِ هَوْلُهَا، وَعَظِيمُ مَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ الْبَلَاءِ عِنْدَهَا، وَذَلِكَ صَبِيحَةٌ لَا لَيْلَ بَعْدَهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٥٩٢
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: “﴿الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ١] «مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ وَحَذَّرَهُ عِبَادَهُ»
٢٤ / ٥٩٢
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ٢] قَالَ: «هِيَ السَّاعَةُ»
٢٤ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: ﴿الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ٢] قَالَ: «هِيَ السَّاعَةُ»
٢٤ / ٥٩٢
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، قَالَ: «سَمِعْتُ أَنَّ الْقَارِعَةَ وَالْوَاقِعَةَ وَالْحَاقَّةَ: الْقِيَامَةُ»
٢٤ / ٥٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ٢] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُعَظِّمًا شَأْنَ الْقِيَامَةِ وَالسَّاعَةِ الَّتِي يَقْرَعُ الْعِبَادَ هَوْلُهَا: أَيُّ شَيْءٍ الْقَارِعَةُ؟ يَعْنِي بِذَلِكَ: أَيُّ شَيْءٍ السَّاعَةُ الَّتِي يَقْرَعُ الْخَلْقَ هَوْلُهَا: أَيْ مَا أَعْظَمَهَا وَأَفْظَعَهَا وَأَهْوَلَهَا
٢٤ / ٥٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ٣] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ أَيُّ شَيْءٍ الْقَارِعَةُ
٢٤ / ٥٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْقَارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ، وَهُوَ الَّذِي يَتَسَاقَطُ فِي النَّارِ وَالسِّرَاجِ، لَيْسَ بِبَعُوضٍ وَلَا ذُبَابٍ، وَيَعْنِي بِالْمَبْثُوثِ: الْمُفَرَّقَ. وَكَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٥٩٣
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤] «هَذَا الْفِرَاشُ الَّذِي رَأَيْتُمْ يَتَهَافَتُ فِي النَّارِ»
٢٤ / ٥٩٣
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ﴾ [القارعة: ٤] قَالَ: هَذَا شَبَهٌ شَبَّهَهُ اللَّهُ، وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: مَعْنَى ذَلِكَ: كَغَوْغَاءِ الْجَرَادِ، يَرْكَبُ بَعْضُهُ ⦗٥٩٤⦘ بَعْضًا، كَذَلِكَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ، يَجُولُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ “
٢٤ / ٥٩٣
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَوْمَ تَكُونُ الْجِبَالُ كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ؛ وَالْعِهْنِ: هُوَ الْأَلْوَانُ مِنَ الصُّوفِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
٢٤ / ٥٩٤
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] قَالَ: «الصُّوفُ الْمَنْفُوشُ»
٢٤ / ٥٩٤
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: «هُوَ الصُّوفُ» وَذُكِرَ أَنَّ الْجِبَالَ تَسِيرُ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ فِي صُورَةِ الْجِبَالِ كَالْهَبَاءِ
٢٤ / ٥٩٤
وَقَوْلُهُ: ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ [القارعة: ٦] يَقُولُ: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُ حَسَنَاتِهِ، يَعْنِي بِالْمَوَازِينِ: الْوَزْنَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: لَكَ عِنْدِي دِرْهَمٌ بِمِيزَانِ دِرْهَمِكَ، وَوَزْنِ دِرْهَمِكَ، وَيَقُولُونَ: دَارِي بِمِيزَانِ دَارِكَ وَوَزْنِ دَارِكَ، يُرَادُ: حِذَاءَ دَارِكَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الكامل] قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ … عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ، كَلَامَهُ، وَمَا يَنْقُضُ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ. وَكَانَ ⦗٥٩٥⦘ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: لَيْسَ مِيزَانٌ، إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ
[البحر الكامل] قَدْ كُنْتُ قَبْلَ لِقَائِكُمْ ذَا مِرَّةٍ … عِنْدِي لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: لِكُلِّ مُخَاصِمٍ مِيزَانُهُ، كَلَامَهُ، وَمَا يَنْقُضُ عَلَيْهِ حُجَّتَهُ. وَكَانَ ⦗٥٩٥⦘ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: لَيْسَ مِيزَانٌ، إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ
٢٤ / ٥٩٤
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] يَقُولُ «فِي عِيشَةٍ قَدْ رَضِيَهَا فِي الْجَنَّةِ»
٢٤ / ٥٩٥
كَمَا: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] يَعْنِي: فِي «الْجَنَّةِ»
٢٤ / ٥٩٥
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] يَقُولُ: وَأَمَّا مَنْ خَفَّ وَزْنُ حَسَنَاتِهِ، فَمَأْوَاهُ وَمَسْكَنُهُ الْهَاوِيَةُ، الَّتِي يَهْوِي فِيهَا عَلَى رَأْسِهِ فِي جَهَنَّمَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
٢٤ / ٥٩٥
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] «وَهِيَ النَّارُ، هِيَ مَأْوَاهُمْ»
٢٤ / ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] قَالَ: «مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ هِيَ الْهَاوِيَةُ» قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ، كَانَ الرَّجُلُ إِذَا وَقَعَ فِي أَمْرٍ شَدِيدٍ، قَالَ: هَوَتْ أُمُّهُ “
٢٤ / ٥٩٥
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْمَى، قَالَ: “إِذَا مَاتَ الْمُؤْمِنُ ذُهِبَ بِرُوحِهِ إِلَى أَرْوَاحِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُونَ: رَوِّحُوا أَخَاكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي غُمِّ الدُّنْيَا؛ قَالَ: وَيَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ: مَاتَ، أَوَ مَا جَاءَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: «ذَهَبُوا بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ»
٢٤ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَيْفٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، قَالَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فِي قَوْلِهِ ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] قَالَ: «يَهْوُونَ فِي النَّارِ عَلَى رُءُوسِهِمْ»
٢٤ / ٥٩٦
حَدَّثَنَا ابْنُ سَيْفٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] قَالَ: «يَهْوِي فِي النَّارِ عَلَى رَأْسِهِ»
٢٤ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: «﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] قَالَ: الْهَاوِيَةُ: النَّارُ هِيَ أُمُّهُ وَمَأْوَاهُ الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا، وَيَأْوِي إِلَيْهَا، وَقَرَأَ: ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ﴾ [آل عمران: ١٥١]»
٢٤ / ٥٩٦
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي، قَالَ: ثني عَمِّي، قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ [القارعة: ٩] «وَهُوَ مِثْلُهَا، وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّارَ أُمَّهُ، لِأَنَّهَا صَارَتْ مَأْوَاهُ، كَمَا تؤْوِي الْمَرْأَةُ ابْنَهَا، فَجَعَلَهَا إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَأْوَى غَيْرَهَا، بِمَنْزِلَةِ أُمٍّ لَهُ»
٢٤ / ٥٩٦
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيهْ﴾ [القارعة: ١٠] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ مَا الْهَاوِيَةُ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا هِيَ، فَقَالَ: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ [القارعة: ١١] يَعْنِي بِالْحَامِيَةِ: الَّتِي قَدْ حَمِيَتْ مِنَ الْوَقُودِ عَلَيْهَا