٥ – أول كتاب المناسك -1

١ – باب فرض الحج
١٥١٤ – عن ابن عباس:
أن الأقرع بن حابس سأل النبي ﷺ، فقال:
يا رسول الله! الحجُ في كلِّ سنة أو مرةً واحدةً؟ قال:
«بل مَرةً واحدة؛ فمن زاد فهو تطوع».
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي! ورواه ابن الجارود مختصرًا).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة -المعنى- قالا: ثنا يزيد ابن هارون عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي سنان عن ابن عباس.
قال أبو داود: «هو أبو سنان الدُّؤَلِيُّ، كذا قال عبد الجليل بن حميد وسليمان ابن كثير جميعًا عن الزهري. وقال عقيل: سنان».
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي سنان الدُّؤَلي -واسمه يزيد بن أمية-، وهو ثقة.
لكن سفيان بن حسين قد تكلموا في روايته عن الزهري خاصة، ولولا ذلك لكان الإسناد صحيحًا؛ إلا أنه قد تابعه من ذكر المصنف رحمه الله تعالى وغيرهم، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٣٥٢): ثنا يزيد … به.
٥ ‏/ ٤٠٥
وأخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٠٨) من طريق أخرى عن يزيد بن هارون … به.
وصححه الحاكم (١/ ٤٤١)! ووافقه الذهبي!
وأما متابعة عبد الجليل بن حميد؛ فأخرجها النسائي (٢/ ٢).
وأما متابعة سليمان بن كثير؛ فوصلها الدارمي (٢/ ٢٩)، والبيهقي (٤/ ٣٢٦)، وأحمد (١/ ٢٥٥ و٢٩٠).
وتابعه أيضًا: محمد بن أبي حفصة وزَمْعَةُ: عند أحمد (١/ ٣٧٠ و٣٧١).
وتابعه عكرمة عن ابنِ عباس … به مختصرًا: أخرجه أبو داود الطيالسي (١/ ٢٠٢ / ٩٧٨): حدثنا شرِيكٌ وسَلام عن عكرمة … به.
وأخرجه الدارمي وأحمد (١/ ٣٠١ و٣٢٣ و٣٢٥) عن شريك وحده.
وتابعهما سِمَاكٌ عن عكرمة … به: رواه ابن الجارود (٤١٠).

١٥١٥ – عن أبي واقِدٍ اللَّيْثِي قال:
سمعت رسول الله ﷺ يقول لأزواجه في حَجَّةِ الوداع:
«هذه؛ ثُم ظُهُورَ الحُصُرِ».
(قلت: حديث صحيح، وصحح الحافظ ابن حجر إسناده).
إسناده: حدثنا النفيلي: ثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن لأبي واقد الليثي عن أبيه قال …
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ابن أبي واقد -واسمه واقد-؛ قال ابن القطان:

٥ ‏/ ٤٠٦
«لا يعرف حاله». وقال المنذري:
«شبيه بالمجهول»!
وكأنه اعتمد قول ابن القطان المذكور! وقد تعقبه الحافظ في «التهذيب»، فقال عقبه:
«كذا قال، وذكره ابن منده في»الصحابة«، وكناه أبا مُرَاوِحٍ، وقال: قال أبو داود: له صحبة».
قلت: فكأن الحافظ يميل إلى تصحيح ثبوت صحبته، ولعله لذلك قال في «الفتح» (٤/ ٥٨):
«وإسناد حديث أبي واقد صحيح. وأغرب المُهَلَّبُ؛ فزعم أنه من وضع الرافضة لقصد ذَمِّ أم المؤمنين عائشة في خروجها إلى العراق للإصلاح بين الناس في قصة واقعة الجمل! وهو إقدام منه على رَدِّ الأحاديث الصحيحة بغير دليل …».
قلت: وسواءٌ صَحَّتْ صحبة واقد بن أبي واقد أم لا؛ فلا شك أن الحديث في نفسه صحيح؛ لأن له شواهد عديدة، خرجتها في «الأحاديث الصحيحة» (٢٤٠١).
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٢١٨)، والبيهقي (٤/ ٣٢٧) من طريق سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد الدرَاوَرْدِيّ عن زيد بن أسلم عن واقد بن أبي واقد الليثي … به.
ثم أخرجاه من طريقين آخرين عن الدراوردي … به.
وخالفه معمر فقال: عن زيد بن أسلم:
٥ ‏/ ٤٠٧
أن النبي ﷺ حج بنسائه … الحديث.
أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٨٨١٢) عنه هكذا … مرسلًا.

٢ – باب في المرأة تَحُجُّ بغير مَحْرَمٍ
١٥١٦ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يَحِلُّ لامرأة مُسْلمَةٍ تُسَافِرُ مَسِيرةَ ليلةٍ؛ إلا ومعها رَجُلٌ ذو حُرْمَةٍ منها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه؛ إلا أن البخاري قال: «يوم وليلة»، وهو رواية لمسلم).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي: ثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه أن أبا هريرة قال …
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه، وهو مخرج في «الإرواء» (٥٦٧).

١٥١٧ – وفي رواية عنه … مرفوعًا بلفظ:
«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم والآخر أن تسافر يومًا وليلة …» فذكر معناه.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة والنفيلي عن مالك. (ح) وثنا الحسن بن علي: ثنا بِشْرُ بن عمر: حدثني مالك عن سعيد بن أبي سعيد -قال الحسن في

٥ ‏/ ٤٠٨
حديثه: عن أبيه. ثم اتفقوا- عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال …
قال أبو داود: «ولم يذكر القعنبي والنفيلي: عن أبيه. رواه ابن وهب وعثمان ابن عمر عن مالك كما قال القعنبي».
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضًا كالذي قبله؛ إلا أن الرواة اختلفوا فيه على مالك، فقال أكثرهم: عنه عن سعيد عن أبي هريرة. وقال الحسن بن علي -وهو الحُلْواني-: عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، فزاد في الإسناد: عن أبيه.
وهي زيادة من ثقة؛ وقد تابعه عليها الليث بن سعد في الرواية الأولى.
وتابعه ابن أبي ذئب أيضًا: عند البخاري (٢/ ٥٦٦ – خطيب)، ومسلم (٤/ ١٠٣)، وابن ماجة (٢/ ٢١٢)، وأحمد (٢/ ٢٥٠ و٤٣٧ و٤٤٥).
وتابعه أيضًا يحيى بن أبي كثير، كما علقه البخاري، ووصله أحمد (٢/ ٤٢٣).
وقد رجح الحافظ روايتهم، لأنها زيادة، وهي مقبولة من الثقة، فكيف وهم جمع؟
والحديث عند مالك في «الموطأ» (٣/ ١٤٤ – ١٤٥) … مثل رواية الأكثر عنه.
وكذلك رواه مسلم.
ورواه الترمذي (١١٧٠) -بإسناد المصنف الثاني-: الحسن بن علي: ثنا بشر ابن عمر … به، وقال:
«حسن صحيح».
٥ ‏/ ٤٠٩
١٥١٨ – عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاثة أيام فصاعدًا؛ إلا ومعها أبوها، أو أخوها، أو زوجها، أو ابنها، أو ذو مَحْرَمٍ منها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم بتمامه، وهو والبخاري مختصرًا نحوه).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة وهَنَّادٌ أن أبا معاوية ووكيعًا حدثاهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ١٠٣ – ١٠٤)، والترمذي (١١٦٩) -من طرق عن أبي معاوية-، ومسلم، والدارمي (٢/ ٢٨٨)، وابن ماجة (٢/ ٢١١) -من طرق أخرى عن وكيع-، وأحمد (٣/ ٥٤) -عنهما- عن الأعمش … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه مسلم أيضًا، والبخاري (٣/ ٥٤)، وأحمد (٣/ ٧ و٣٤ و٤٥ و٥١ و٦٢) من طريق قَزَعَةَ عن أبي سعيد … مرفوعًا نحوه مختصرًا.
ورواه أحمد (٣/ ٥٣ و٦٤ و٧١) من طرق أخرى عنه.

١٥١٩ – عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال:
«لا تسافر المرأة ثلاثًا إلا ومعها ذو مَحْرَمٍ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه).

٥ ‏/ ٤١٠
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال: حدثني نافع عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٣ و١٩): ثنا يحيى … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٥٦٦)، ومسلم (٢/ ١٠٤) من طرق أخرى عن يحيى … به.
ثم أخرجاه، وأحمد (٢/ ١٤٢) من طرق أخرى عن عبيد الله … به.
وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٢٧).
١٥٢٠/ ١ – عن نافع:
أن ابن عمر كان يُرْدِفُ مَولاةً له -يقال لها: صفية-، تُسَافِرُ مَعَهُ إلى مكة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا نصر بن علي: ثنا أبو أحمد: ثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأبو أحمد: اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسَدِيُّ.

٣ – باب «لا صرورة في الإسلام»
[تحته حديث واحد. انظره في «الضعيف»]

٥ ‏/ ٤١١
٤ – باب التزود في الحج
١٥٢٠/ ٢ – عن ابن عباس قال:
كانوا يَحُجُّونَ ولا يتزوَّدُونَ -قال أبو مسعود: كان أهل اليمن -أو ناسٌ من أهل اليمن- يحجُّون ولا يتزوَّدون-، ويقولون: نحن المتوكِّلون! فأنزل الله سبحانه: ﴿وتزوَّدوا فإن خير الزاد التقوى …﴾ الآية.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا أحمد بن الفُرَاتِ -يعني: أبا مسعود الرازي-، ومحمد بن عبد الله المُخَرَّمي -وهذا لفظه- قالا: ثنا شَبَابَةُ عن وَرْقَاءَ عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٢٩٩): حدثنا يحيى بن بشر: حدثنا شبابة … به؛ وزاد:
فإذا قدموا المدينة سألوا الناس. قال الحافظ:
«في رواية الكُشميهنِي: (مكة)، وهو أصوب. وكذا أخرجه أبو نعيم من طريق محمد بن عبد الله المخرمي عن شبابة».

٥ – باب التجارة في الحج
١٥٢١ – وعنه [يعني: ابن عباس] قال:
قرأ هذه الآية: ﴿ليس عليكم جنَاحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربكم﴾، قال: كانوا لا يتَّجرون بمنىً، فأُمِروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفاتٍ.

٥ ‏/ ٤١٢
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه البخاري وابن حبان نحوه).
إسناده: حدثنا يوسف بن موسى: ثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عباس.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير يزيد بن أبي زياد -وهو الهاشمي مولاهم-، وفيه ضعف؛ ولكنه لم يتفرد به كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن جرير في «التفسير» (٤/ ٣٧٧١ و٣٧٨٤) من طرق أخرى عن يزيد بن أبي زياد … به.
وللحديث طريق أخرى: يرويه عمرو بن دينار عن ابن عباس قال:
كانت عُكَاظٌ ومِجَنَّةُ وذُو المجازِ أسواقًا في الجاهلية، فتأثَّموا أن يَتَّجِرُوا في المواسم. فنزلت: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلًا من ربكم﴾ في مواسم الحج.
أخرجه البخاري (٨/ ١٥٠)، وابن جرير (٣٧٧٩ و٣٧٩١)، وابن حبان (٣٨٨٣)، والبيهقي (٤/ ٣٣٣).
وله عنه طريق ثالث، يأتي في الكتاب بعد باب، مع شاهد له من حديث ابن عمر.

٦ – باب
١٥٢٢ – وعنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«من أراد الحج؛ فَلْيَتَعَجَّلْ».
(قلت: حديث حسن، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي!

٥ ‏/ ٤١٣
وصححه أيضًا عبد الحق الإشبيلي).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو معاوية محمد بن خازم عن الأعمش (*) عن الحسن بن عمرو عن مهران أبي صفوان عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، غير مهران أبي صفوان، فهو مجهول، وإن صحح إسنادَ حديثه هذا الحاكمُ ووافقه الذهبي! فقد قال الذهبي نفسه في «الميزان»:
«لا يدرى من هو؟».
لكن للحديث طريق أخرى عن ابن عباس، يمكن أن يرتقي بها إلى مرتبة الحسن، وقد خرجتها مع التي قبلها في «الإرواء» (٩٩٠)، فأغنى عن الإعادة.

٧ – باب الكَرِيّ
١٥٢٣ – عن أبي أمامة التَّيْمِيِّ قال:
كنت رجلًا أكْرِي في هذا الوجه، وكان ناس يقولون لي: إنه ليس لك حج! فلقيت ابن عمر، فقلت:
يا أبا عبد الرحمن! إني رجل أكْرِي في هذا الوجه، وإن ناسًا يقولون لي: إنه ليس لك حَجٌّ؟ ! فقال ابن عمر:
أليس تُحْرِمُ وتُلَبِّي، وتطوفُ بالبيت، وتُفِيضُ من عرفات، وترمي الجمار؟ !
قال: قلت: بلى.


(*) كذا في أصل الشيخ بإثبات الأعمش في السند؛ تبعًا للطبعة «التازية»، وكذلك هو في بعض النسخ، ودونها في أخرى، ولعله الصواب؛ فالأعمش ليس من تلاميذ الحسن بن عمرو؛ بل إن أبا معاوية الضرير من تلاميذه. (الناشر).
٥ ‏/ ٤١٤
قال: فإنَّ لك حجًّا؛ جاء رجل إلى النبي ﷺ، فسأله عن مثل ما سألتني عنه؟ فسكت عنه رسول الله ﷺ فلم يُجِبْه، حتى نزلت هذه الآية: ﴿ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربكم﴾، فأرسل إليه رسول الله ﷺ، وقرأ عليه هذه الآية، وقال:
«لك حَجٌّ».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا العلاء بن المُسَيِّبِ: ثنا أبو أمامة التيمي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي أمامة التيمي، وهو ثقة، وثقه ابن معين وغيره، ولم يتكلم فيه أحد؛ فقول الحافظ فيه:
«مقبول»! غير مقبول؛ فتنبه.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٤٤٩)، وعنه البيهقي (٤/ ٣٣٣) من طريق أخرى عن مسدد … به. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي.
ورواه ابن خزيمة (٣٠٥٢)، وأحمد (٢/ ١٥٥)، وابن جرير (٣٧٦٥) من طريق أسباط: حدثنا الحسن بن عمرو الفُقَيْمِي عن أبي أمامة التيمي … به.
ثم أخرجه أحمد، وابن جرير (٣٧٨٩) من طريق سفيان الثوري عن العلاء بن المسيب … به؛ إلا أنه قال: عن رجل من بني تَيْم الله.
وهو أبو أمامة التيمي المذكور في الطرق الأخرى.
٥ ‏/ ٤١٥
وتابعه مروان بن معاوية ويحيى بن أبي زائدة كلاهما عن العلاء عن أبي أمامة التيمي … به: أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (٣٠٥١).

١٥٢٤ – عن عبيد بن عمير عن ابن عباس:
أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنىً وعرفةَ وسوق ذي المجاز، ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حُرُمٌ، فأنزل الله سبحانه: ﴿ليس عليكم جُناحٌ أن تبتغوا فضلًا من ربكم﴾ في مواسم الحج.
قال: فحدثني عبيد بن عمير: أنه كان يَقْرَأُها في المصحف.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا حماد بن مَسْعَدَةَ: ثنا ابن أبي ذئب عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير.
حدثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن أبي فديك: أخبرني ابن أبي ذئب عن عبيد ابن عمير -قال أحمد بن صالح كلامًا معناه: أنه -مولى ابن عباس عن عبد الله ابن عباس:
أن الناس أول ما كان الحج كانوا يبيعون … فذكر معناه إلى قوله: مواسم الحج.
قلت: إسناده من الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين؛ وعبيد بن عمير: هو المكي.
ومن الوجه الآخر؛ فيه عبيد بن عمير مولى ابن عباس، وهو مجهول كما في «التقريب». على أن قوله: مولى ابن عباس .. يحتمل أنه وهم من بعض الرواة،

٥ ‏/ ٤١٦
كما يفيده قول الحافظ أبي القاسم الدمشقي (وهو ابن عساكر):
«المحفوظ: رواية عطاء عن عُبَيْدٍ اللَّيْثِي المكِّيِّ. فأما عبيد بن عمير مولى ابن عباس؛ فغير مشهور، ولم يدرك ابن أبي ذئب عبيد بن عمير الليثي، فلعلهما اثنان رويا الحديث؛ إن صح قول ابن صالح». ذكره المنذري في «مختصره».
وأما ما نقله الحافظ في «التهذيب» عن ابن أبي داود في التدليل على أنهما اثنان من قوله:
«ويدل عليه قول ابن أبي ذئب: حدثني عبيد؛ فإن ابن أبي ذئب لم يدرك الليثي».
فهو استدلال قوي؛ لولا أنه ليس في الإسناد أن القائل: فحدثني … هو ابن أبي ذئب، بل هو عطاء بن أبي رباح، كما يدل عليه السياق؛ فإن (عبيد بن عمير) الأول فيه هو نفس (عبيد بن عمير) ثانيةً.
وقد اغتر بقول ابن أبي داود هذا بعض شراح الكتاب؛ ففسر قول: (قال) بابن أبي ذئب! فاقتضى التنبيه. والله أعلم.
والحديث أخرجه ابن خزيمة (٣٠٥٤) … بإسناد المصنف ومتنه.
والحاكم (٢/ ٢٧٦ – ٢٧٧) من طرق أخرى عن حماد بن مسعدة … به، دون قول عطاء: فحدثني عبيد بن عمير … وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي (٤/ ٣٣٣ – ٣٣٤) من طريقين آخرين عن ابن أبي ذئب … به؛ وفيه الزيادة.
ولها طريق أخرى عن عكرمة … بنحوه: رواه ابن جرير (٣٧٦٦) بسند
٥ ‏/ ٤١٧
صحيح عنه.
ورواه (٣٧٧٨) بإسناد آخر صحيح عن ابن الزبير … نحوه.
وتقدم منا طريق أخرى عن ابن عباس، تحت الحديث (١٥٢١).

٨ – باب في الصبيِّ يَحُجُّ
١٥٢٥ – عن ابن عباس قال:
كان رسول الله ﷺ بالرَّوْحَاءِ، فَلَقِيَ رَكْبًا، فسلَّم عليهم، فقال:
«من القوم؟». فقالوا: المسلمون. فقالوا: فمن أنتم؟ ! فقالوا: رسولُ الله. فَفَزِعَتِ امرأةٌ، فأخذت بِعَضُدِ صَبِيٍّ فأخرجته من مِحَفَّتِهَا؛ فقالت: يا رسول الله! هل لهذا حج؟ قال:
«نعم، ولكِ أجرٌ».
(قلت: صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن عقبة عن كُرَيْبٍ عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير إبراهيم ابن عقبة، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث عند أحمد في «مسنده» (١/ ٢١٩) … بهذا الإسناد.
ثم أخرجه مسلم (٤/ ١٠١)، والنسائي (٢/ ٥) من طرق أخرى عن سفيان -وهو ابن عُيَيْنَةَ- … به.

٥ ‏/ ٤١٨
ثم أخرجاه، وكذا مالك (٢/ ٣٦٨)، وأحمد (١/ ٢٤٤ و٢٨٨ و٣٤٣ و٣٤٤) من طرق أخرى عن إبراهيم بن عقبة … به.
وله شاهد من حديث جابر … نحوه:
أخرجه الترمذي (٩٢٤)، وابن ماجة (٢/ ٢١٤) بإسناد صحيح على شرط الشيخين.

٩ – باب في المواقيت
١٥٢٦ – عن ابن عمر قال:
وَقَّتَ رسولُ الله لأهل المدينة: ذا الحُلَيْفَةِ، ولأهل الشام: الجُحْفَةَ، ولأهل نَجْدٍ: قَرْنَ؛ وبلغني أنه وقَّت لأهل اليمن: يَلَمْلَمَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك. (ح) وثنا أحمد بن يونس: ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٣٠٦ – ٣٠٧) … بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٠٢)، ومسلم (٤/ ٦)، والنسائي (٢/ ٦)، والدارمي (٢/ ٢٩)، وابن ماجة (٢/ ٢١٤)، والبيهقي (٥/ ٢٦) من طرق عن مالك … به.
وتابعه أيوب عن نافع … به:
أخرجه أحمد (٢/ ٤٨ و٨٢)، والترمذي (٨٣١)، وقال:

٥ ‏/ ٤١٩
«حديث حسن صحيح».
وله عند الشيخين وأحمد (٢/ ٣ و٩ و١١ و٤٦ و٤٧ و٥٠ و٥٥ و٧٨ و٨١ و١٠٧ و١٣٠ و١٣٥ و١٤٠ و١٥١ و١٨١) طرق أخرى عن ابن عمر … به.
وأخرجه ابن الجارود (٤١٢).

١٥٢٧ – عن ابن عباس وطاوس قالا:
وَقَّتَ رسولُ الله ﷺ … بمعناه.
قال أحدهما: ولأهل اليمن: يَلَمْلَمَ.
وقال أحدهما: ألَمْلَمَ. قال:
«فَهُنَّ لَهُمْ، ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ، ممن كان يريد الحج والعمرةَ، ومن كان دون ذلك -قال ابن طاوس من حيث أنشأ قال- وكذلك، حتى أهل مكة يُهِلُّون منها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن الجارود).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس. وعن ابن طاوس عن أبيه قالا …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين من طريق عمرو بن دينار … به.
وهو صحيح أيضًا من طريق ابن طاوس عن أبيه، ولكنه مرسل؛ وقد جاء مسندًا بذكر ابن عباس فيه، كما سأبينه إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه ابن الجارود (٤١٣) من طريق أخرى عن سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد … به.

٥ ‏/ ٤٢٠
وتابعه خلف بن هشام: نا حماد بن زيد … به.
أخرجه الدارقطني (ص ٢٦٣)، وقال:
«وخالفهم يحيى بن حسان، فأسنده عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس …».
ثم ساقه هو، والنسائي (٢/ ٦)، والطحاوي (١/ ٣٥٩) عن يحيى بن حسان: نا وُهَيْبٌ وحماد بن زيد عن ابن طاوس … به.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٠٠ و٣٠٣)، ومسلم (٤/ ٥ – ٦)، والدارمي (٢/ ٣٠)، والبيهقي (٥/ ٢٩)، وأحمد (١/ ٢٥٢) من طرق أخرى عن وهيب وحده.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٠٢ و٣٠٣)، ومسلم، والبيهقي، وأحمد (١/ ٢٣٨) من طرق أخرى عن حماد وحده … من الوجه الأول.
وتابعه على الوجه الآخر معمر قال: أخبرني عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس … به.
أخرجه النسائي، وأحمد (١/ ٢٤٩ و٣٣٢ و٣٣٩).

١٥٢٨ – عن عائشة رضي الله عنها:
أن رسول الله ﷺ وَقتَ لأهل العراق: ذاتَ عِرْقٍ.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا هشام بن بَهْرَام المدائني: ثنا المُعَافى بن عمران عن أفلح -يعني: ابن حُمَيْدٍ- عن القاسم بن محمد عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ كما بينته في «الإرواء» (٩٩٩)، وقد خرجته هناك.

٥ ‏/ ٤٢١
١٥٢٩ – عن الحارث بن عمرو السَّهْمِيِّ قال:
أتيتُ رسولَ الله ﷺ وهو بمنىً أو بعرفاتٍ، وقد أطاف به الناسُ. قال: فتجيء الأعراب، فإذا رَأوْا وجهه؛ قالوا: هذا وجه مبارك! قال: ووقَّتَ ذاتَ عِرْق لأهل العراق.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج: ثنا عبد الوارث: ثنا عتبة بن عبد الملك السَّهْمِيُّ: حدثني زُرَارَةُ بن كريم أن الحارث بن عمرو السَّهْمِي حدثه قال …
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عتبة وزرارة، وقد وثقهما ابن حبان، وروى عنهما جمع من الثقات.
والحديث أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (١١٤٨) … بإسناد المصنف وأتم منه.
وأخرجه الدارقطني (ص ٢٦٢)، والبيهقي (٥/ ٢٨) من طرق أخرى عن أبي معمر … به.

١٠ – باب الحائض تُهِلُّ بالحج
١٥٣٠ – عن عائشة قالت:
نُفِسَتْ أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ بمحمدِ بن أبي بكَر بالشَّجَرَةِ، فأمر رسول الله ﷺ أبا بكر أن تَغْتَسِلَ فَتُهلَّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).

٥ ‏/ ٤٢٢
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا عبدة عن عبيد الله عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما، وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٢٧)، والدارمي (٢/ ٣٣)، وابن ماجة (٢/ ٢١٤) … بإسناد المصنف.
والبيهقي (٥/ ٣٢) عنه.
ثم أخرجه هو، ومسلم، والدارمي (٢/ ٣٣) من طرق أخرى عن عبدة بن سليمان … به.
وله شاهد من حديث جابر في حديثه الطويل في حجة النبي ﷺ الآتي برقم (١٦٦٣).

١٥٣١ – عن ابن عباس: أن النبي ﷺ قال:
«الحائضُ والنُّفَسَاء إذا أتتا على الوقت؛ تغتسلان وتُحْرِمَانِ، وتقضيانِ المناسكَ كُلَّها؛ غير الطوافِ بالبيت، حتى تطهر».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى وإسماعيل بن إبراهيم أبو معمر قالا: ثنا مروان بن شجَاعٍ عن خصَيْفٍ عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن ابن عباس.
قال أبو معمر في حديثه: «حتى تطهر»، ولم يذكر ابن عيسى: عكرمة ومجاهدًا؛ قال: عن عطاء عن ابن عباس … ولم يقل ابن عيسى: «كلَّها»، قال: «المناسك إلا الطواف بالبيت».

٥ ‏/ ٤٢٣
قلت: إسناده رجاله ثقات؛ غير خُصَيْفٍ، ففيه ضعف من قبل حفظه. لكن يشهد لحديثه حديثُ عائشة الذي قبله، وحديثها الآتي في «باب إفراد الحج» من طرق، وقد خرجت الحديث في «الصحيحة» (١٨١٨)، وحديث أبي بكر نحوه؛ وزاد:
«وتصنع ما يصنع الناس؛ إلا أنها لا تطوف بالبيت».
رواه النسائي، وابن ماجة (٢٩١٢) بسند صحيح.

١١ – بابُ الطِّيبِ عند الإحرام
١٥٣٢ – عن عائشة قالت:
كنتُ أُطَيِّبُ رسولَ الله؛ لإحرامه قبلَ أن يُحْرِمَ، ولإحلالِهِ قبل أن يَطُوفَ بالبيتِ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود وابن حبان).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك. (ح) وثنا أحمد بن يونس: ثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٣٠٥) … بهذا الإسناد.
وعنه أيضًا: أخرجه البخاري (٣/ ٣١١)، ومسلم (٤/ ١٠)، والنسائي (٢/ ١٠)، والبيهقي (٥/ ٣٤)، وأحمد (٦/ ١٨٦) كلهم عن مالك … به.

٥ ‏/ ٤٢٤
وأخرجه البخاري أيضًا (٣/ ٤٦١)، والنسائي، والترمذي (٩١٧)، والدارمي (٢/ ٣٣)، وابن ماجة (٢/ ٢١٧)، وابن الجارود (٤١٤)، وأحمد (٦/ ٣٩ و١٨١ و١٨٦ و٢١٤ و٢٣٨) من طرق أخر عن عبد الرحمن … به.
وأخرجه مسلم، وأحمد (٦/ ٩٨ و١٩٢ و٢٠٠ و٢٠٧ و٢١٦ و٢٤٤) من طرق أخرى عن القاسم … به.
وتابعه جمع عن عائشة … نحوه: عند الشيخين، والنسائي، وأحمد (٦/ ١٣٠ و١٦١ – ١٦٢ و٢٥٨)، والدارمي.
ومنهم الأسود؛ وهو الذي بعده، وقد سقتها وخرجتها في «الإرواء» (١٠٤٧).

١٥٣٣ – ومن طريق آخر عنها قالت:
كأنِّي أنظر إلى وَبِيصِ المسك في مَفْرِقِ رسول الله ﷺ وهو مُحْرِمٌ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه»، وكذا البخاري وابن الجارود).
إسناده: حدثنا محمد بن الصباح البَزَّازُ: ثنا إسماعيل بن زكريا عن الحسن ابن عبيد الله عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير الحسن بن عبيد الله -وهو النَّخَعِيُّ الكوفي-، فهو على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ١٢)، والنسائي (٢/ ١١) من طريق سفيان عن الحسن بن عبيد الله … به.
وأخرجاه هما، والبخاري (١/ ٣٠٣)، والبيهقي، وأحمد (٦/ ١٠٩ و١٢٤

٥ ‏/ ٤٢٥
و١٢٨ و١٧٣ و١٧٥ و١٨٦ و١٩١ و٢١٢ و٢٢٤ و٢٣٠ و٢٤٥ و٢٥٤ و٢٦٤ و٢٦٧ و٢٨٠) من طرق أخرى عن إبراهيم … به.
وتابعه جماعة عن الأسود … به: عند أحمد (٦/ ٢٠٩ و٢٣٦ و٢٥٠).
وله طرق أخرى كثيرة عن عائشة، تقدم في الكتاب أحدها، مع إشارتي تحته إلى سائرها.

١٢ – باب التَّلْبِيدِ
١٥٣٤ – عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال:
سمعتُ النبيَّ ﷺ يُهِلُّ مُلَبِّدًا.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه الشيخان).
إسناده: حدثنا سليمان بن داود المَهْريُّ: ثنا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم -يعني: ابن عبد الله-.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير سليمان بن داود المهري، وهو ثقة، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٣١٢)، ومسلم (٤/ ٨)، وابن ماجة (٢/ ٢٤٦) من طرق أخرى عن ابن وهب … به.
وأخرجه البيهقي (٥/ ٣٦) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٣١) من طريق ابن أخي شهاب عن عمه … به.

٥ ‏/ ٤٢٦
١٣ – باب في الهدي
١٥٣٥ – عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ أهْدَى عامَ الحديبِيّةِ -في هدايا رسول الله ﷺ جملًا كان لأبي جهل، في رأسه بُرَةُ فِضَّةٍ. -قال ابن مِنْهَال: بُرَةٌ منْ ذَهَبٍ. زاد النُّفَيْلِيّ: يَغِيظُ بذلك المشركين-.
(قلت: حديث حسن).
إسناده: حدثنا النفيلي. ثنا محمد بن إسحاق. وثنا محمد بن المنهال: ثنا يزيد بن زُرَيْع عن ابن إسحاق -المعنى-؛ قال: قال عبد الله -يعني: ابن أبي نَجِيحٍ-: حدثني مجاهد عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن إسحاق -وهو صاحب «السيرة»-، وقد أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه، لكنه قد صرح بالتحديث في رواية عنه، وهو إلى ذلك لم يتفرد به كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٢٢٩) من طريق أخرى عن محمد بن المنهال … به، وفي روايته:
من ذهب.
وهذه الرواية عندي شاذة؛ لمخالفتها لسائر الروايات الآتية.
ثم أخرجه البيهقي، وكذا الحاكم (١/ ٤٦١) من طريق عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح … به، وقال: «حديث صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
٥ ‏/ ٤٢٧
وأخرجه أحمد (١/ ٢٦١): حدثنا يعقوب: حدثنا أبي عن ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي نجيح … به.
فقد صح عن ابن إسحاق تصريحه بالتحديث، فثبت الحديث؛ والحمد لله.
وأما ما أخرجه البيهقي من طريق أبي جعفر المُسْتَعِينِي: ثنا عبد الله بن علي بن المديني: حدثني أبي قال: كنت أرى أن هذا من صحيح حديث ابن إسحاق، فإذا هو قد دلسه! حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن إسحاق قال: حدثني مَنْ لا أتَّهِمُ عن ابن أبي نجيح … قال علي: فإذا الحديث مضطرب! !
قلت: وهذا -مع معارضته لرواية الإمام أحمد- فإن عبد الله بن علي بن المديني ليس بالمشهور، بل قد غمزه الدارقطني؛ فقد روى الخطيب (١٠/ ٩) عنه أنه قال في عبد الله هذا:
«روى عن أبيه»كتاب العلل«؛ إنما أخذ كتبه وروى أخباره مناولةً، وما سمع كثيرًا من أبيه؛ لأنه ما كان يُمَكِّنُهُ من كتبه».
قلت: فمثله لا يحتج به مع التفرد؛ فكيف مع المخالفة؛ فكيف إذا كان المخالف الإمام أحمد؟ !
وقد تابعه جرير بن حازم عن ابن أبي نجيح … به مختصرًا: أخرجه أحمد (١/ ٢٧٣)، والبيهقي، وقال:
«وهذا إسناد صحيح؛ إلا أنهم يرون أن جريرًا أخذه من ابن إسحاق، ثم دلسه، فإن بيَّن فيه سماع جرير من ابن أبي نجيح؛ صار الحديث صحيحًا»!
قلت: جرير ثقة حافظ؛ احتج به الشيخان، ولا عيب فيه سوى أنه اختلط في آخر عمره، ولكنه لم يحدث في اختلاطه، ولم يتهمه أحد بالتدليس؛ سوى يحيى الحماني، وهو متهم بسرقة الحديث، فلا قيمة لجرحه! وكم من حديث
٥ ‏/ ٤٢٨
لجرير هذا في «الصحيحين» معنعنًا محتجًّا به!
ولذلك فإني لا أرى وجهًا لتعليق صحة الإسناد بتبيين سماعه فيه. والله أعلم.
وتابعه ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس … به مختصرًا:
أخرجه أحمد (١/ ٢٣٤ و٢٦٩)، وابن ماجة (٢/ ٢٦٤)، والبيهقي (٥/ ٢٣٤ و٩/ ٢٦٩).
وفي رواية له عنه: عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. وعن الحكم … به. وقال:
«رواه مالك بن أنس في»الموطأ«… مرسلًا، وفيه قوة لما مضى».
وهو في «الموطأ» (١/ ٣٤١)؛ وهو مرسل صحيح الإسناد.

١٤ – باب في هَدْيِ البقر
١٥٣٦ – عن عائشة زوج النبي ﷺ:
أن رسول الله نَحَرَ عن آل محمد في حجة الوداع بَقَرَةً واحدةً.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا ابن السَّرْح: ثنا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط الشيخين؛ غير ابن السرح -واسمه: أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن السرح-، وهو ثقة من شيوخ

٥ ‏/ ٤٢٩
مسلم. وقد أُعِلَّ الحديث بما لا يقدح، كما يأتي بيانه.
والحديث أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٧٤) … بإسناد المصنف ومتنه. وأعله إسماعيل القاضي بقوله:
«تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره»! وتعقبه الحافظ بقوله (٣/ ٤٣٤):
«ويونس ثقة حافظ، وقد تابعه معمر: عند النسائي أيضًا، ولفظه أصرح من لفظ يونس قال: ما ذُبحَ عن آلِ محمد في حَجةِ الوداع إلا بقرةٌ».
ثم ذكر حديث أبي هريرة الآتي في الكتاب بعده، وقال:
«وهو شاهد قوي لرواية الزهري».
قلت: وقد تابعه يحيى بن سعيد عن عمرة … به نحوه قالت:
فدخل علينا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ. فقلت: ما هذا؟ ! قال:
نَحْرُ رسولِ اللهِ ﷺ عن أزواجِهِ.
أخرجه البخاري (٣/ ٤٣٤)، ومسلم (٤/ ٣٢)، وابن الجارود (٤٨٠)، وابن ماجة (٢/ ٢٣٠).
وله طريق أخرى عن عائشة، يأتي في «باب إفراد الحج».
ويشهد له حديث جابر قال:
نَحَرَ رسول الله عن نسائه -وفي رواية عن عائشة- بقرة في حَجَّتِهِ.
رواه مسلم (٤/ ٨٨ – ٨٩).
٥ ‏/ ٤٣٠
١٥٣٧ – عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ ذَبَحَ عَمَّنِ اعتمر من نسائِهِ بَقَرَةً بينهنَّ.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي، وقَوَّاه الحافظ).
إسناده: حدثنا عمرو بن عثمان ومحمد بن مهران الرازي قالا: ثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ فهو على شرطهما؛ لكن الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- يدلس تدليس التسوية؛ إلا أنه قد توبع كما سأذكر.
والحديث أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٧٤)، والحاكم (١/ ٤٦٧) -من طريق النسائي- كلاهما من طريق أخرى عن الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي … به.
وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وفيه ما أشرت إليه من التدليس؛ فإنه لم يذكر تحديث الأوزاعي عن شيخه، فيخشى أن يكون بينهما من أسقطه الوليد؛ فإنه من صنيعه، كما هو مذكور في ترجمته.
لكن تابعه هشام بن عمار: حدثنا إسماعيل بن سَمَاعة عن الأوزاعي … به.
أخرجه ابن حبان (٩٧٧). وإسماعيل هذا ثقة.
لكن هشام فيه ضعف، وقد احتج به البخاري، فلا بأس به في المتابعات والشواهد.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بما قبله، وقد قواه الحافظ كما نقلته عن هناك.
٥ ‏/ ٤٣١
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لـ دار غراس – الكويت وشريكهما ويحظَر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة خطيّة من الناشر.
الطبعة الأولى
١٤٢٣ هـ
٢٠٠٢ م
الناشر
مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الكويت- شارع الصحافة- مقابل مطابع الرأي العام التجارية
هاتف: ٤٨١٩٠٣٧ – فاكس: ٤٨٣٨٤٩٥ – هاتف وفاكس: ٤٥٧٨٨٦٨
الجهراء: ص. ب: ٢٨٨٨ – الرمز البريدي: ٠١٠٣٠
Website: www.gheras.com
E-mail: [email protected]
٦ ‏/ ٢
١٥ – باب في الإشعار
١٥٣٨ – عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ صلى الظهر بذي الحُلَيْفَةِ، ثم دعا بِبَدَنَة، فأشْعَرَها من صَفْحَةِ سَنامِها الأيمن، ثم سَلَتَ الدم عنها، وقلَّدها بنعلين، ثم أُتِيَ براحلته، فلما قعد عليها واستوت به على البيداء؛ أهلَّ بالحج.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه. وصححه الترمذي وابن الجارود وابن حبان).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي وحفص بن عمر -المعنى- قالا: ثنا شعبة عن قتادة -قال أبو الوليد: قال-: سمعت أبا حسان عن ابن عباس.
حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن شعبة … بهذا الحديث بمعنى أبي الوليد؛ قال: ثم سلت الدم بيده.
قال أبو داود: «رواه همام قال: سَلَتَ الدَّمَ عنها بإصبعه».
قال أبو داود: «هذا من سنن أهل البصرة الذي تَفَرَّدوا به».
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي حسان -وهو مسلم بن عبد الله الأعرج، ويقال: الأجرد-؛ فهو من رجال مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٢٣٢) من طريق المؤلف عن مسدد.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٤/ ٥٧)، والنسائي (٢/ ٢١)، وابن الجارود (٤٢٤)، وأحمد (١/ ٢١٦ و٢٥٤ و٢٨٠ و٣٣٩ و٣٤٧) من طرق أخرى عن شعبة … به.
٦ ‏/ ٣
ثم أخرجه مسلم والنسائي، والترمذي (٩٠٦) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، وابن ماجة (٢/ ٢٦٤)، وأحمد (١/ ٣٤٤ و٣٧٢) عن هشام الدَّسْتَوَائي عن قتادة … به.
وفي رواية النسائي من طريق شعبة:
أمر ببدنته فأشعرها.
وهي لابن خزيمة (٢٥٧٥).

١٥٣٩ – عن المِسْوَرِ بن مَخْرَمَةَ ومروان بن الحكم: أنهما قالا:
خرج رسول الله ﷺ عام الحديبية، فلما كان بذي الحليفة؛ قلَّد الهدي وأشعره، وأحرم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري).
إسناده: حدثنا عبد الأعلى بن حماد: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٢٣١ و٢٣٥)، والبخاري (٧/ ٣٥٨)، وأحمد (٤/ ٣٢٨) من طرق أخرى عن سفيان … به.
وتابعه معمر عن الزهري … به: أخرجه البخاري (٣/ ٤٢٧)، والنسائي (٢/ ٢١)، وأحمد (٤/ ٣٢٧ و٣٢٨)، والمصنف في آخر «الجهاد» رقم (٢٤٧٠) مطولًا.

٦ ‏/ ٤
١٥٤٠ – عن عائشة:
أن رسول الله ﷺ أهدى غنمًا مقلَّدة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه البخاري ومسلم. وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا هنَّاد: ثنا وكيع عن سفيان عن منصور والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير هنَّاد -وهو ابن السَّرِيِّ التميمي الكوفي-؛ فهو على شرط مسلم؛ وقد أخرجه من طريق أخرى كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٢٠٨): ثنا وكيع: ثنا سفيان … به.
وأخرجه النسائي (٢/ ٢٢) من طريق أخرى عن سفيان عن منصور وحده.
وكذلك رواه ابن الجارود (٤٢٦).
ورواه الترمذي (٩٠٩) وصححه، وهو رواية للبخاري (٣/ ٤٣١) نحوه.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٤/ ٩٠)، والدارمي (٢/ ٦٥)، وابن ماجة (٢/ ٢٦٤)، والبيهقي (٥/ ٢٣٢)، وأحمد (٢/ ٤١ و٤٢) من طرق أخرى عن الأعمش وحده … به.
وخالفهم شريك فقال: عن الأعمش سليمان عن مسلم عن مسروق عن عائشة … به: أخرجه أحمد (٦/ ١١٠).
وشريك: هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ، فلا يحتج به، لا سيما عند المخالفة.
٦ ‏/ ٥
وتابعه الحكم عن إبراهيم … به نحوه: أخرجه مسلم والنسائي، والبيهقي (٥/ ٥٣٣).
وخالف هذه الطرق: عَبْثَرُ بن القاسم أبو زبَيْدٍ فقال: عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر … به.
أخرجه أحمد (٣/ ٣٦١)، والبزار (٢/ ٢٠ / ١١٠٦)، وقال البزار:
«لا نعلمه عن جابر إلا من هذا الوجه؛ إنما يرويه أصحاب الأعمش عنه عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. ولم يتابع عبثر على قوله: (عن جابر)».
قلت: وعبثر ثقة من رجال الشيخين؛ فإسناده صحيح لولا المخالفة، مع احتمال أن يكون للأعمش إسنادان في هذا الحديث. والله تعالى أعلم.

١٦ – باب تبديل الهدي
[تحته حديث واحد. انظره في «الضعيف»]

١٧ – باب من بعث بهديه وأقام
١٥٤١ – عن عائشة قالت:
فَتَلْتُ قلائدَ بُدْن رسول الله ﷺ بيَدَيَّ، ثم أشعرها وقَلَّدها، ثم بعث بها إلى البيت، وأقام بالمدينة، فما حَرُمَ عليه شيء كان له حلًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي: ثنا أفلح بن حُمَيْدٍ عن القاسم

٦ ‏/ ٦
عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٤٢٨)، ومسلم (٤/ ٨٩) … بإسناد المصنف ومتنه.
وأخرجه البيهقي (٥/ ٢٣٣) من طرق أخرى عن القعنبي … به.
وأخرجه النسائي (٢/ ٢٢)، وأحمد (٦/ ٧٨) من طرق أخرى عن أفلح … به، وهو رواية البخاري (٣/ ٤٢٧).
ثم أخرجه هو (٣/ ٤٣١)، ومسلم، والمصنف -بعد حديث- والنسائي، والترمذي (٩٠٨)، وابن الجارود (٤٢٣)، وأحمد (٦/ ٨٥ و١٢٩ و١٨١) من طرق أخرى عن القاسم … به نحوه. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وله طرق أخرى عن عائشة يأتي بعضها عند المصنف في الحديثين الآتيين.

١٥٤٢ – ومن طريق أخرى عنها قالت:
كان رسول الله ﷺ يُهْدِي من المدينة، فأفْتِلُ قلائدَ هَدْيِهِ، ثم لا يَجْتَنِبُ شيئًا مما يَجْتَنِبُ المُحْرِمُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد الرَّملِيُّ وقتيبة بن سعيد أن الليث بن سعد حدثهم عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة رضي الله عنها قالت …

٦ ‏/ ٧
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير الرملي، وهو ثقة، وقد توبع كما ترى ويأتي.
والحديث أخرجه مسلم والنسائي … بإسناد المصنف الثاني: قتيبة بن سعيد.
وأخرجه البخاري (٣/ ٤٢٨)، ومسلم أيضًا، وأحمد (٦/ ٨٢) من طرق أخرى عن ابن شهاب … به.
وله عنه طرق أخرى بعضهم عن عروة، وبعضهم عن عمرة: عند أحمد (٦/ ٣٦ و١٨٥ و١٩١ و٢٠٠ و٢٢٥)، ومسلم والنسائي.
وتابعه عندهما: عبد الله بن أبي بكر عن عمرة … به.
وكذا البخاري (٣/ ٤٢٩).

١٥٤٣ – وفي أخرى عنها؛ قالت أم المؤمنين:
بعث رسول الله ﷺ بالهدي، فأنا فَتَلْتُ قلائدها بِيَدَيَّ من عِهْنٍ كان عندنا، ثم أصبح فينا حلالًا؛ يأتي ما يأتي الرجل من أهله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم كما تقدم).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا بِشْرُ بن المُفَضَّل: ثنا ابن عون عن القاسم بن محمد وعن إبراهيم -زعم أنه سمعه منهما جميعًا، ولم يحفظ حديث هذا من حديث هذا، ولا حديث هذا من حديث هذا- قالا: قالت …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير مسدد -وهو ابن مسرهد-،

٦ ‏/ ٨
فإنه على شرط البخاري؛ وهذا بالنسبة لطريق القاسم بن محمد، وقد تقدمت قبل حديث من طريق أخرى عنه.
وأما طريق إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي-؛ فهو منقطع؛ لأنه لم يَلْقَ عائشة رضي الله عنها، وقد ثبت أنه تلقاه عن الأسود عنها، كما تقدم في الحديث (١٥٤٠)، فلا نعيد تخريجه، وإن كان هناك مختصرًا، وهنا مطول، لكن ليس فيه ذكر الغنم كما هناك، وهو متفق عليه كما عرفت مما سبق.
وقد أخرجه أحمد (٦/ ٩١ و١٧١ و١٩١ و٢١٢ و٢١٨ و٢٢٤ و٢٥٠ و٢٦٢) من طرق أخرى عن إبراهيم عن يزيد ابن الأسود … به.

١٨ – باب في ركوب البُدْن
١٥٤٤ – عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ رأى رجلًا يَسُوقُ بَدَنَةً، فقال:
«اركبا». قال: إنها بَدَنةٌ! فقال:
«اركبها ويلك!» في الثانية أو الثالثة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه ابن الجارود).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٤١) … بهذا الإسناد والمتن.

٦ ‏/ ٩
وأخرجه البخاري (٣/ ٤٢٢)، ومسلم (٤/ ٩١)، والنسائي (٢/ ٢٢ – ٢٣)، وابن الجارود (٤٢٨)، والبيهقي (٥/ ٢٣٦)، وأحمد (٢/ ٤٨٧) كلهم عن مالك … به.
وتابعه جمع عن أبي الزناد … به.
أخرجه مسلم، وابن ماجة (٢/ ٢٦٥)، وأحمد (٢/ ٢٥٤ و٤٨١).
وله عنده (٢/ ٢٤٥ و٢٧٨ و٣١٢ و٤٦٤ و٤٧٣ و٤٧٨ و٥٠٥) طرق أخرى عن أبي هريرة، بعضها عند مسلم، وابن الجارود (٤٢٧).
وله شاهد من حديث أنس … مثله.
أخرجه الشيخان وابن خزيمة (٢٦٦٢)، والطيالسي (١٩٨١)، وأحمد (٣/ ٩٩ و١٠٧ و١٧٠ و١٧٣ و١٨٣ و٢٠٢ و٢٣١ و٢٣٤ و٢٥١ و٢٦١ و٢٧٥ و٢٧٦ و٢٩١) من طرق عنه. وزاد أحمد في رواية:
قد جَهَدَهُ المَشْيُ.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

١٥٤٥ – عن أبي الزبير:
سألت جابر بن عبد الله عن ركوب الهدي؟ فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«ارْكَبها بالمعروف إذا أُلْجِئتَ إليها، حتى تجد ظهرًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وابن الجارود).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: سألت …

٦ ‏/ ١٠
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
والحديث في «مسند أحمد» (٣/ ٣١٧) … بهذا السند والمتن.
ثم أخرجه هو (٣/ ٣٢٤ و٣٢٥)، ومسلم (٤/ ٩٢)، والنسائي (٢/ ٢٣)، وابن الجارود (٤٢٩)، والبيهقي (٥/ ٢٣٦) من طرق أخرى عن يحيى … به.
وتابعه مَعْقِلٌ عن أبي الزبير … به.
أخرجه مسلم والبيهقي.
وتابعه ابن لهيعة عنه: أخرجه أحمد (٣/ ٣٤٨).
وفي حديثهما عنه أنه هو السائل.

١٩ – باب في الهدي إذا عَطِبَ قبل أن يبلغ
١٥٤٦ – عن ناجية الأسلمي:
أن رسول الله ﷺ بعث معه بِهَدْيٍ، فقال:
«إنْ عَطِبَ منها شيءٌ فانْحَرْهُ، ثم اصْبُغْ نَعْلَهُ في دَمِهِ، ثم خَلِّ بينَهُ وبين الناسِ».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الترمذي والحاكم والذهبي).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان عن هشام عن أبيه عن ناجية الأسلمي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى ناجية -وهو ابن كعب بن جُنْدُبٍ الأسلمي الخُزَاعي-.

٦ ‏/ ١١
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٢٤٣) من طريق المصنف.
وأخرجه الترمذي (٩١٠)، والدارمي (٢/ ٦٥)، وابن ماجة (٢/ ٢٦٥)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٤/ ٣٣٤) من طرق كثيرة عن هشام … به. وزاد الترمذي وغيره: «فليأكلوها». وقال:
«حديث حسن صحيح».
وخالفهم الإمام مالك، فقال في «الموطأ» (١/ ٣٤٣). عن هشام بن عروة عن أبيه:
أن صاحب هدي رسول الله ﷺ قال: يا رسول الله! … الحديث.
وهذا ظاهره الإرسال، والعمدة على من وصله؛ لا سيما وهم جماعة.
وقد أخرجه الحاكم (١/ ٤٤٧) بتحديث عروة عن ناجية. وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي.

١٥٤٧ – عن ابن عباس قال:
بعث رسول الله ﷺ فلانًا الأسلمي، وبعث معه بثمانِ عَشْرَةَ بَدَنَةً، فقال: أرأيت إن أُزْحِفَ عليّ منها شيء؟ قال:
«تنحرها، ثم تصبغ نعلها في دمها، ثم اضربها على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحدٌ من أصحابك -أو قال: من أهل رُفْقَتِك-». وقال في حديث عبد الوارث:
«ثم اجعله على صفحتها حينئذ» مكان: «اضربها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وابن الجارود وابن حبان).

٦ ‏/ ١٢
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا: ثنا حماد. (ح) وثنا مسدد: ثنا عبد الوارث -وهذا حديث مسدد-عن أبي التَّيَّاح عن موسى بن سلمة عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٢٧٩): ثنا عفان: ثنا حماد بن سلمة … به.
وأخرجه مسلم (٤/ ٩٢)، والبيهقي (٥/ ٢٤٢ – ٢٤٣) من طريق يحيى بن يحيى: أخبرنا عبد الوارث بن سعيد … به.
ثم أخرجاه هما، وابن الجارود (٤٢٥)، وأحمد (١/ ٢١٧) من طريق إسماعيل ابن عُلَيَّةَ عن أبي التياح … به.
وخالفه في إسناده قتادة فقال. عن سنان بن سلمة عن ابن عباس أن ذُؤَيبًا أبا قبيصة حدثه: أن رسول الله ﷺ كان … الحديث.
أخرجه مسلم، وابن ماجة (٢/ ٢٦٥)، والبيهقي، وأحمد (٤/ ٢٢٥)، والطبراني في «المعجم الكبير» (١/ ٢١٣ / ١).
قلت: فجعله قتادة من (مسند قبيصة)، ولعله أصح من رواية أبي التياح الذي جعله من (مسند ابن عباس) لم يتجاوزه إلى قبيصة؛ فإن من المعلوم أن زيادة الثقة مقبولة. والله أعلم.
وله شاهد من حديث عمرو بن خارجة، يرويه شهر بن حوشب عنه … نحوه: أخرجه أحمد (٤/ ٦٤ و١٨٧ و٢٣٨ و٥/ ٣٧٧).
وشاهد آخر من حديث سَلَمَةَ بن المُحَبِّقِ … مرفوعًا نحو: أخرجه أحمد (٥/ ٦).
٦ ‏/ ١٣
١٥٤٨ – قال أبو داود: «سمعت أبا سلمة يقول: إذا أقمتَ الإسناد والمعنى؛ كفاك».
قلت: أبو سلمة: هو موسى بن إسماعيل التَّبُوذَكِيُّ، وهو ثقة من رجال الشيخين.
ووقع في بعض نسخ الكتاب قبيل قول المصنف هذا الزيادة الآتية:
قال أبو داود: «الذي تفرد به من هذا الحديث قوله:»ولا تأكل منها أنت ولا أحد من رفقتك«…».
وبهذه الزيادة يظهر غرض المصنف من روايته المذكورة عن شيخه أبي سلمة، وهو الجواب عن التفرد المذكور، ويعني: أن إسناد الحديث مستقيم، ومعناه صحيح، فلا ضير في هذا التفرد.
وهذا كلام سليم، لكننا لا نسلم بالتفرد المذكور، فقد جاءت هذه الزيادة في حديثي عمرو بن خارجة وسلمة بن المحَبِّقِ المخرَّجَيْنِ آنفًا.

١٥٤٩ – عن عبد الله بن قُرْطٍ عن النبي ﷺ قال:
«إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يومُ النَّحْر، ثم يومُ القَرِّ»؛ وهو اليوم الثاني.
قال: وقُرِّبَ لرسول الله ﷺ بَدَناتٌ خمسٌ أو ستٌّ، فَطَفِقْنَ يَزْدَلِفْنَ إليه بأيَّتِهِنَّ يَبْدَأ، فلما وَجَبَتْ جُنوبُها قال: فَتَكَلَّمَ بكلمة خَفِيَّةٍ لم أفهمها، فقلت: ما قال: قال:
«من شاء اقتطع».
(قلت: إسناده صحيح، وقد صححه ابن حبان والحاكم).

٦ ‏/ ١٤
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي. وأخبرنا مسدد: أخبرنا عيسى -وهذا لفظ إبراهيم- عن ثور عن راشد بن سعد عن عبد الله بن عامر بن لُحَيٍّ عن عبد الله بن قرْطٍ …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد صححه ابن حبان والحاكم، كما ذكرته في تخريج الحديث في «إرواء الغليل» (١٩٥٨)؛ فلا داعي للإعادة.

٢٠ – باب كيف تنْحَرُ البُدْنُ؟
١٥٥٠ – عن جابر وعبد الرحمن بن سابط:
أن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يَنْحَرُون البَدَنَةَ معقولةَ اليسرى، قائمةً على ما بَقِيَ من قوائمها.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر. وأخبرني عبد الرحمن بن سابط: أن النبي ﷺ …
قلت: إسناده عن جابر موصول على شرط مسلم؛ إلا أن ابن جريج وأبا الزبير كلاهما مدلس، وقد عنعناه.
والآخر: مرسل؛ لأن ابن سابط تابعي ثقة، والقائل: (وأخبرني) إنما هو ابن جريج، فهو مرسل صحيح، شاهد للمسند الموصول.
والحديث رواه البيهقي (٥/ ٢٣٧) من طريق المصنف.
ويشهد له حديث ابن عمر الآتي بعده.

٦ ‏/ ١٥
وما أخرجه البيهقي أيضًا عن سعيد بن جبير قال:
رأيت ابن عمر ينحر بَدَنَتَهُ وهي قائمة معقولةُ إحدى يديها صافنة.
وسنده صحيح.

١٥٥١ – عن زياد بن جُبَيْرٍ قال:
كنت مع ابن عمر بِمِنىً، فمرَّ برجل وهو ينحر بدنته وهي باركة، فقال:
ابعثها قيامًا مقيدةً، سنةَ محمد ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا هُشَيْمٌ: أخبرنا يونس: أخبرني زياد بن جبير.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد في «المسند» (٢/ ٣) … إسنادًا ومتنًا.
ثم أخرجه هو (٢/ ٨٦ و١٣٩)، والبخاري (٣/ ٤٣٥ – ٤٣٦)، ومسلم (٤/ ٨٩)، والدارمي (٢/ ٦٦)، والبيهقي (٥/ ٢٣٧) من طرق أخرى عن يونس بن عبيد … به.

١٥٥٢ – عن علي رضي الله عنه قال:
أمرني رسول الله ﷺ أن أقوم على بُدْنِهِ، وأقسم جلودها وجِلالها، وأمرني أن لا أُعْطِيَ الجَزَّارَ منها شيئًا، وقال:

٦ ‏/ ١٦
«نحن نُعْطِيهِ من عندنا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وابن الجارود. وليس عند البخاري آخره).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أخبرنا سفيان -يعني: ابن عيينة- عن عبد الكريم الجَزَرِيِّ عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه الحميدي في «مسنده» (٤١): ثنا سفيان … به.
وأخرجه الشيخان أيضًا وغيرهما، كما بينا في «الإرواء» (١١٦١)؛ فلا نعيد تخريجه.

٢١ – باب في وقت الإحرام
١٥٥٣ – عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه قال:
بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله ﷺ فيها، ما أهلَّ رسول الله ﷺ إلا من عند المسجد. يعني: مسجد ذي الحليفة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه من طريق مالك،

٦ ‏/ ١٧
وهذا في «الموطأ» … به، وهو مخرج في «الإرواء» (١٠٩٧).

١٥٥٤ – عن عُبَيْدِ بن جُرَيجٍ: أنه قال لعبد الله بن عمر:
يا أبا عبد الرحمن! رأيتك تصنع أربعًا لم أرَ أحدًا من أصحابك يصنعها؟ !
قال: ما هُنَّ يا ابن جريج؟ ! قال:
رأيتك لا تمسُّ من الأركان إلا اليَمَانِيَيْنِ، ورأيتك تَلْبَسُ النِّعالَ السِّبْتِيَّةَ، ورأيتك تَصْبُغُ الصُّفْرَةَ، ورأيتك إذا كنت بمكة أهلَّ الناس إذا رَأوا الهلال، ولم تُهِلَّ أنت حتى كان يوم التروية؟ فقال عبد الله بن عمر:
أما الأركان؛ فإني لم أر رسول الله ﷺ يمس إلا اليَمَانِيَيْن.
وأما النِّعالُ السَّبتيَّةُ؛ فإني رأيت رسول الله ﷺ يَلْبَسُ النعال التي ليس فيها شعر، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألْبَسَهَا.
وأما الصُّفْرَةُ؛ فإني رأيت رسول الله ﷺ يصبغ بها؛ فأنا أحب أن أصبغ بها.
وأما الإهلال؛ فإني لم أرَ رسولَ الله ﷺ يُهِلُّ حتى تنبعث به راحِلَتُهُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأحد إسنادي البخاري إسناد المصنف).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عُبَيْدٍ ابن جريج.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.

٦ ‏/ ١٨
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٣٧) من طريق المصنف وغيره عن القعنبي.
وعنه: أخرجه البخاري (١٠/ ٢٥٣).
وأخرجه هو (١/ ٢١٥)، ومسلم (٤/ ٩)، وأحمد (٢/ ٦٦ و١١٠) من طرق أخرى عن مالك، وهذا في «الموطأ» (١/ ٣٠٨).

١٥٥٥ – عن أنس قال:
صلى رسول الله ﷺ الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح، فلمَّا ركب راحلته واستوت به أهلَّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن بكر: ثنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد في (مسند جابر) (٣/ ٣٧٨): ثنا محمد بن بكر … به سندًا ومتنًا.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣١٨) من طريق هشام بن يوسف: أخبرنا ابن جريج: حدثنا ابن المنكدر … به.
وأخرجه البيهقي (٣/ ٣٨) من طريق ثالثة عن ابن جريج … به مثل رواية الكتاب.

٦ ‏/ ١٩
وتابعه أبو قلابة عن أنس … به؛ وزاد: على البيداء.
أخرجه البخاري (٣/ ٣٢١).
وله متابعة ثانية، تأتي في الكتاب بعده.

١٥٥٦ – ومن طريق أخرى عنه:
أن النبيَّ ﷺ صلى الظهر، ثم ركب راحلته، فلما علا على جبل البيداء أهلَّ.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا رَوْحٌ: ثنا أشعث عن الحسن عن أنس.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أشعث -وهو ابن عبد الملك الحُمْرَاني-، فإنه من رجال البخاري وحده.
لكن الحسن -وهو البصري- مدلس، وقد عنعنه.
والحديث في «مسند أحمد» (٣/ ٢٠٧) … بإسناده ومتنه. وهو مختصر الذي قبله.
وأخرجه النسائي (٢/ ١٩ و٣٧) من طريق أخرى عن أشعث … به وزاد: بالحج والعمرة.
ولابن حبان (٩٩٢) نحوه.

٦ ‏/ ٢٠
٢٢ – باب الاشتراط في الحج
١٥٥٧ – عن ابن عباس:
أن ضُبَاعَةَ بنت الزُّبَيْرِ بن عبد المطلب أتت رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله! إني أريد الحج؛ أشترط؟ قال:
«نعم». قالت: فكيف أقول؟ قال:
«قولي: لبيك اللهم! لبيك، ومَحِلِّي من الأرض حَيْث حَبَسْتَنِي».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه مسلم بنحوه عنه، والشيخان وابن الجارود وابن حبان عن عائشة).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا عَبَّاد بن العَوَام عن هلال بن خبّابٍ عن عكرمة عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير هلال، وهو حسن الحديث.
وقد تابعه جمع من الثقات. عند مسلم.
وله شواهد خرجتها في «الإرواء» (١٠٠٩ – ١٠١٠).

٢٣ – باب في إفراد الحج
١٥٥٨ – عن عائشة:
أنَّ رسول الله ﷺ أفْرَدَ الحِجَّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم، وابن حبان (٣٩٢٣».

٦ ‏/ ٢١
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣١٠) … سندًا ومتنًا.
وعنه: أخرجه مسلم أيضًا (٤/ ٣١)، والنسائي (٢/ ١٣)، والترمذي (٨٢٠) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والدارمي (٢/ ٣٥)، وابن ماجة (٢٠/ ٢٢٦)، والبيهقي (٥/ ٣)، وأحمد (٦/ ١٠٤) من طرق عن مالك … به.
وتابعه ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد … به.
أخرجه أحمد (٦/ ١٠٧).
وتابعه عروة عن عائشة … به.
أخرجه مسلم (٤/ ٢٨)، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد (٦/ ١٠٧ و٢٤٣).
وله عنده طريق ثالثة عنها.

١٥٥٩ – ومن طريق ثانية عنها قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ مُوَافِينَ هلالَ ذي الحجة، فلما كان بذي الحليفة قال:
“من شاء أن يُهِلَّ بحجَ؛ فَلْيُهِلَّ، ومن شاء أن يُهِلَّ بعمرة؛ فَلْيُهِلَّ بعمرة، -قال موسى في حديث وهيب: فإني لولا أني أهديت؛ لأهللت بعمرة. وقال في حديث حماد بن سلمة: وأما أنا فأهل بالحج؛ فإن معي الهدي-، -ثم اتفقوا-؛ فكنت فيمن أهل بعمرة، فلما كان في بعض

٦ ‏/ ٢٢
الطريق؛ حِضْتُ، فدخل عليَّ رسول الله ﷺ وأنا أبكي، فقال:
«ما يبكيك؟». قلت: وَدِدْتُ أني لم أكن خرجت العامَ. قال:
«ارفضي عمرتك، وانقضي رأسك وامتشطي -قال موسى: وأهلِّي بالحج. وقال سليمان: واصنعي ما يصنع المسلمون في حَجِّهِمْ-».
فلما كان ليلة الصَّدَرِ؛ أمر -يعني: رسول الله ﷺ عَبْدَ الرحمنِ، فذهب بها إلى التنعيم -زاد موسى: فأهلَّتْ بعمرة مكان عمرتها، وطافت بالبيت، فقضى الله عُمْرَتَها وحَجَّها. قال هشام: ولم يكن في شيء من ذلك هديٌ. زاد موسى في حديث حماد بن سلمة: فلما كانت ليلة البَطْحَاءِ؛ طَهُرَتْ عائشة رضي الله عنها.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ إلا حديث ابن سلمة فهو على شرط مسلم، وقد أخرجه في «صحيحه»، وأخرجه هو والبخاري من حديث غيره).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد. (ح) وثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد -يعني: ابن سلمة-. (ح) وثنا موسى: ثنا وهيب عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين من الوجوه الثلاثة عن هشام بن عروة؛ غير حماد بن سلمة، فهو على شرط مسلم وحده، وقد أفرد المصنف لفظه قريبًا بعد ثلاث روايات عنها، وفيه جملة مستنكرة عندي، كما سأبينه هناك إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٣٣١ – ٣٣٢ و٣/ ٤٨٠ – ٤٨١)، ومسلم (٤/ ٢٨
٦ ‏/ ٢٣
– ٢٩)، وأحمد (٦/ ١٩١) من طرق عن هشام بن عروة … به.
وكذلك أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٣٤) -بتمامه-، والنسائي -بعضه – (٢/ ١٣).

١٥٦٠ – وفي رواية عنها قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ عام حَجَّةِ الوداع، فمنَّا من أهل بعمرة، ومنا من أهلَّ بحجٍّ وعمرةٍ، ومنا من أهلَّ بالحج، وأهلَّ رسول الله ﷺ بالحج، فأما من أهل بالحج، أو جمع الحجَّ والعمرة؛ فلم يَحِلُّوا حتى كان يومُ النحْرِ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الأسود عن محمد بن عبد الرحمن ابن نوفل عن عروة بن الزبير عن عائشة … به.
قلت: وهذا صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٥) … بإسناده ومتنه.
وعنه: أخرجه الشيخان وغيرهما، كما هو مخرج في «إرواء الغليل» (١٠٠٣).

١٥٦١ – وفي رواية؛ زاد:
فأما من أهل بعمرة؛ فَحَلَّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه).
إسناده: حدثنا ابن السَّرْحِ: أخبرنا ابن وهب: أخبرني مالك عن أبي الأسود … بإسناده مثله؛ زاد …

٦ ‏/ ٢٤
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير ابن السرح -واسمه: أحمد بن عمرو-، فهو على شرط مسلم وحده.
والحديث مكرر الذي قبله، وإنما أعاده المصنف لهذه الزيادة التي فيه، وهي عند مسلم وأحمد.
وهي عند الشيخين من طريق ابن شهاب عن عروة، وهي في الرواية الآتية في الكتاب.

١٥٦٢ – وفي أخرى عنها قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله ﷺ:
«من كان معه هدي؛ فَلْيُهِلَّ بالحج مع العمرة، ثم لا يَحِلَّ حتى يَحِلَّ منهما جميعًا»، فقَدِمْتُ مكة وأنا حائض، ولم أطُفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله ﷺ! فقال:
«انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلِّي بالحج، ودعي العمرة».
قالت: ففعلت، فلما قضينا الحج؛ أرسلني رسول الله ﷺ مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم، فاعتمرتُ، فقال:
«هذه مكان عمرتك».
قالت: فطاف الذين أهلُّوا بالعمرة بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حَلُّوا، ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منىً لِحَجِّهِمْ. وأما الذين كانوا جمعوا الحج والعمرة؛ فإنما طافوا طوافًا واحدًا.

٦ ‏/ ٢٥
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي ﷺ أنها قالت …
قال أبو داود: «رواه إبراهيم بن سعد ومعمر عن ابن شهاب … نحوه؛ لم يذكروا طواف الذين أهلوا بعمرة، وطواف الذين جمعوا بين الحج والعمرة».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه من طريق مالك أيضًا، وهذا في «الموطأ»، وهو مخرج في «الإرواء» (١١٥٩).

١٥٦٣ – وفي رواية من الطريق الأولى عنها قالت:
لَبَّينا بالحجِّ، حتى إذا كنَّا بِسَرِفَ؛ حضْتُ، فدخل علي رسول الله ﷺ وأنا أبكي، فقال:
«ما يبكيك يا عائشة؟ !».
فقلت: حِضت، ليتني لم أكنْ حججت! فقال:
«سبحان الله! إنما ذلك شيء كتبه الله علي بنات آدم»؛ فقال:
«انْسُكِي المناسكَ كلَّها؛ غَيْرَ أن لا تطوفي بالبيت».
فلما دخلنا مكة قال رسول الله ﷺ:
«من شاء أن يجعلها عمرة؛ فليجعلها عمرة؛ إلا من كان معه الهَدْيُ».
قالت: وذبح رسول الله ﷺ عن نسائه البقر يوم النحر. فلما كانت ليلة البطحاء وطهرت عائشة؛ قالت: يا رسول الله! أتَرْجعُ صَوَاحِبِي بحجٍّ وعمرةٍ، وأرجع أنا بالحجِّ؟ ! فأمر رسول الله ﷺ عبد الرحمن بن أبي بكر،

٦ ‏/ ٢٦
فذهب بها إلى التنعيم، فَلَبَّتْ بالعمرة.
(قلت: إسناده على شرط مسلم. وقد أخرجه، ولكنه لم يَسُقْ منه إلا طرفه الأول، وأحال في سائر لفظه على رواية أخرى بنحوه؛ وفيه أنه ﷺ قال: «اجعلوها عمرة». وهذا هو الصواب كما في الرواية الآتية؛ دون قوله: «من شاء أن يجعلها عمرة»؛ فإنه منكر، تفرد به حماد بن سلمة دون كل الثقات الذين رووا هذه القصة من جميع الطرق عن عائشة، فليس في شيء منها هذا التخيير بعد دخول مكة، وإنما هو في بعضها عند ذي الحليفة، كما في الطريق الثانية المتقدمة (١٥٥٩)، وهو المحفوظ).
إسناده: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت …
قلت: إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات على شرط البخاري ومسلم؛ غير حماد -وهو ابن سلمة-، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
قلت: والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٢١٩): ثنا بهز: ثنا حماد بن سلمة … به.
ومسلم (٤/ ٣١) من طريق بهز … به، ولكنه لم يسق من لفظه إلا طرفه الأول، وأحال في سائره على لفظ حديث عبد العزيز الماجشون عن عبد الرحمن ابن القاسم؛ ولكنه قال: «نحوه».
فكأنه يشير إلى اختلاف لفظ حديث حماد عن حديث الماجشون.
وهو ظاهر؛ فإنه ليس في حديث الماجشون: «من شاء أن يجعلها عمرة»، المفيد التخيير فيما أمرهم به من فسخ الحج إلى العمرة؛ وإنما فيه قوله ﷺ: «اجعلوها عمرة»؛ جزمًا دون التخيير.
٦ ‏/ ٢٧
وكذلك أخرجه أحمد (٦/ ٢٧٣) من طريقه -أعني: الماجشون-، وهو أوثق من حماد بن سلمة بكثير؛ فإنه ثقة فقيه محتج به في «الصحيحين».
وأما حماد؛ فثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغيَّرَ حفظه بأخرة، ولم يحتجَّ به البخاري، وإنما مسلم وحده، كما في «التقريب». وقال فيه الذهبي في «المغني»:
«إمام ثقة، له أوهام وغرائب، وغيره أثبت منه». على أن الحاكم قال في «المدخل»:
«ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وقد خرج له في الشواهد عن طائفة».
قلت: وهذا الحديث إنما أخرجه له مسلم في الشواهد؛ ولذلك لم يسق لفظه كما سبق ذكره.
ولذلك؛ فإني أجزم بأنه وهم في هذا الحرف من الحديث؛ لمخالفته فيه للماجشون، وهو أوثق منه، ولذلك اعتمد عليه مسلم في لفظ الحديث دون لفظ حماد. ويؤيد ذلك أمور:
الأول: أن ابن إسحاق قد خالفه أيضًا في لفظه، موافقًا للفظ الماجشون، فقال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم … به.
أخرجه أحمد أيضًا (٦/ ٢٧٣).
واثنان أحفظ من واحد؛ ولا سيما إذا كان أحدهما أحفظ منه!
الثاني: أن الزيادة التي تفرد بها حماد دون الثقتين المذكورين -وهي قوله: «من شاء أن يجعلها عمرة»- إنما محلها في أول حجته ﷺ في ذي الحليفة، كما
٦ ‏/ ٢٨
في الحديث المتقدم (١٥٥٩) من رواية تجمع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأحدهم حماد بن سلمة نفسه.
وهذه الرواية الصحيحة، الأخذ بها أولى من حديث حماد الذي خالف الثقتين المذكورين، والتي تؤكد خطأه في جعله التخيير بالفسخ بعد دخول الصحابة مكة.
لا سيما ولها شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر: عند أحمد (٦/ ٣٥٠).
نعم، قد استمر هذا التخيير إلى ما بعد (سرف) فيما يبدو من رواية أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت …
حتى نزلنا بسرف، فخرج إلى أصحابه فقال:
«من لم يكن معه منكم هدي، فأحب أن يجعلها عمرة؛ فليفعل».
وأكد أن الأمر المذكور للتخيير قولُها -في تمام هذه الرواية-: فمنهم الآخذ بها والتارك لها ممن لم يكن معه هدي.
أخرجه البخاري (٣/ ٣٢٨)، ومسلم (٤/ ٣١).
وفي رواية لهما -وهي المتقدمة برقم (١٥٦٠) – بلفظ: قالت …
فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بالحج.
الثالث: أن في رواية الأسود عن عائشة الآتية في الكتاب: أن النبي ﷺ أمرهم بعد قدومهم مكةَ بفسخ الحج إلى العمرة أمرًا لا تخيير فيه. بل في رواية عَمْرَةَ عنها: أنه أمرهم بذلك أيضًا قبل دخول مكة فقالت:
… حتى إذا دنونا من مكة؛ أمر رسول الله ﷺ من لم يكن معه هدي -إذا طاف بالبيت- أن يَحِلَّ.
٦ ‏/ ٢٩
أخرجه الشيخان وغيرهما، كما في «الإرواء» (١١٥٩).
فهذا كله يدل على خطأ حماد في قوله: إن التخيير بالفسخ كان بعد دخول مكة.
ومما يؤكد ذلك: أن سائر الصحابة الذين رووا الأمر بالفسخ بعد الدخول لمكة رووه بصيغة الأمر الجازم الذي لا تخيير فيه، مثل جابر في حديثه الآتي بجميع رواياته الآتية (١٥٦٦ – ١٥٧٠)، وحديث ابن عباس الذي بعده، وحديث أنس رقم (١٥٧٦)، وحديث البراء الذي بعده، وحديث سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رقم (١٥٨٠)، وحديث ابن عمر رقم (١٥٨٤).
ويزيد ذلك تأكيدًا: أن في رواية ذكوان مولى عائشة عنها قالت: ..
فدخل ﷺ عليَّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله! أدخله الله النار! قال:
«أوما شعرت أني أمرت الناس بأمر؛ فإذا هم يترددون؟ !».
رواه مسلم (٤/ ٣٤) وغيره كما يأتي مني بعد حديث.
فهذا الغضب منه ﷺ على تردد أصحابه في تنفيذ أمره ﷺ بالفسخ أكبر دليل على أنه لم يكن على سبيل التخيير؛ ولذلك بادر أصحابه بعد ذلك إلى إطاعته؛ كما قال جابر.
فحللنا وسمعنا وأطعنا.
فثبت -يقينًا- خطأ حماد في روايته التخيير هنا.
ومما ينبغي أن يُذْكَرَ بهذه المناسبة: أن حمادًا رحمه الله قد وقع له مثل هذا الوهم في حديث آخر له؛ فقد روى عن حميد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أنه قال:
٦ ‏/ ٣٠
قدم رسول الله ﷺ مكة وأصحابه مُلَبِّينَ، فقال رسول الله ﷺ:
«من شاء أن يجعلها عمرة؛ إلا من كان معه الهدي».
فخالفه يزيد بن هارون وسهل بن يوسف ومحمد بن أبي عدي … فقالوا:
«ومن لم يكن معه هدي؛ فليجعلها عمرة». لم يذكروا التخيير.
أخرج هذه الروايات الأربع: الإمام أحمد (٢/ ٢٨ و٤١ و٥٣ و٨٠).
وهؤلاء الثلاثة كلهم ثقات حفاظ، وكل واحد منهم أحفظ من حماد على حدة، فكيف بهم مجتمعين؟
واعلم أن الباعث على تحرير هذا التحقيق: أنني فوجئت في موسم السنة الماضية (١٣٩٣) بخبر مفاده: أن أحد الأساتذة من إخواننا -أهل الحديث- قد رجع عن القول بوجوب فسخ الحج إلى العمرة، الذي تدل عليه أحاديث الفسخ المشار إليها وغيرها، محتجًّا بما في حديث ابن عمر هذا من التخيير المنافي للوجوب! فأجبت يومئذٍ بأنه حديث شاذ، أخطأ فيه حماد، وذكرت ما حضرني من الأدلة، فها نحن الآن قد بعث الله لنا المناسبة التي قضت بضرورة البحث في ذلك مبسطًا محققًا، بما لا تراه محررًا في مكان آخر فيما أعلم. والله ولي التوفيق.

١٥٦٤ – وفي طريق ثالث عنها قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ ولا نَرَى إلا أنه الحج، فلما قدمنا؛ تَطَوَّفْنَا بالبيت، فأمر رسول الله ﷺ مَنْ لم يكن ساق الهدي أن يَحِلَّ. فأحلَّ مَنْ لم يكن ساق الهدي.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).

٦ ‏/ ٣١
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم من طرق أخرى عن جرير.
والبخاري (٣/ ٤٦٤)، وأحمد (٦/ ١٢٢ و١٩١ و٢٥٣ و٢٦٦) من طرق أخرى عن منصور بن المعتمر … به.

١٥٦٥ – وفي رواية من الطريق الثانية عنها: أن رسول الله ﷺ قال:
«لو استقبلت، من أمري ما استدبرت؛ لما سقت الهدي -قال محمد: أحسبه قال: ولحلَلْتُ مع الذين أحلُّوا من العمرة-».
قال: أراد أن يكون أمر الناس واحدًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه، وأخرجه مسلم من طريق أخرى، كلاهما بتمامه دون الشك، وليس عندهما: أراد أن يكون …).
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا عثمان بن عمر: أخبرنا يونس عن الزهري عن عروة عنها.
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ غير ابن فارس، فهو على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٢٤٧): ثنا عثمان بن عمر … به؛ دون الشك، وقوله: قال: أراد … إلخ.

٦ ‏/ ٣٢
وتابعه عُقَيْلٌ عن ابن شهاب … به: أخرجه البخاري (١٣/ ١٨٥).
وتابعه ذكوان مولى عائشة عنها قالت:
قدِمَ رسول الله ﷺ لأربع مَضَيْنَ من ذي الحجة -أو خمس-، فدخل عليَّ وهو غضبان، فقلت: من أغضبك يا رسول الله! أدخله الله النار؟ ! قال:
»أو ما شعرت أني أمرت الناس بأمر؛ فإذا هم يترددون؟ ! ولو أني استقبلت … الحديث مثله، وزاد:
حتى أشتريه.
أخرجه مسلم (٤/ ٣٣ – ٣٤)، وأحمد (٦/ ١٧٥).

١٥٦٦ – عن جابر قال:
أقبلنا مُهِلِّينَ مع رسول الله ﷺ بالحج مُفْرَدًا، وأقبلت عائشة مُهِلَّةً بعمرةٍ، حتى إذا كانت بـ (سَرِفَ)؛ عَرَكَتْ، حتى إذا قدمنا؛ فطفنا بالكعبة وبالصفا والمروة، فأمرنا رسول الله ﷺ أن يَحِلَّ منَّا مَنْ لم يكن معه هدي. قال: فقلنا: حِلَّ ماذا؟ فقال:
«الحِلَّ كُلَّهُ». فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا، وليس بيننا وبين عرفة إلا أرْبَعُ ليالٍ، ثم أهللنا يَوْمَ التروية.
ثم دخل رسول الله ﷺ على عائشة، فوجدها تبكي، فقال:
«ما شأنك؟ !».
قالت: شأني أني قد حضت، وقد حَلَّ الناس ولم أحْلِلْ، ولم أطُفْ بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن! فقال:

٦ ‏/ ٣٣
«أن هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم؛ فاغتسلي، ثم أهلِّي بالحج».
ففعلت، ووَقَفَتِ المواقف كلها، حتى إذا طهرتْ؛ طافت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم قال:
«قد حللت من حَجِّكِ وعمرتك جميعًا».
قالت: يا رسول الله! إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت! قال:
«فاذهب بها يا عبد الرحمن! فأعْمِرْها من التنعيم»، وذلك ليلة الحَصْبَة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٣٥)، والنسائي (٢/ ١٩) … بسند المصنف.
ومسلم، وأحمد (٣/ ٣٩٤) من طرق أخرى عن الليث … به.

١٥٦٧ – وفي رواية عنه قال:
دخل النبي ﷺ على عائشة … ببعض هذه القصة؛ قال -عند قوله: «وأهلي بالحج»-:
«ثم حُجِّي، واصنعي ما يصنع الحاج؛ غير أن لا تطوفي بالبيت ولا تُصَلِّي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري من

٦ ‏/ ٣٤
طريق أخرى عنه … نحوه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: ثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابرًا قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين من طريق أحمد، وعلى شرط البخاري من طريق مسدد؛ على أنه لم يقع لمسدد ذكر في بعض النسخ، وهو رواية البيهقي عن المصنف كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٩٥) عن المصنف: ثنا أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد … به.
ولم أره في «المسند» بهذا السند إلا طرفًا منه؛ أخرجه (٣/ ٣١٨) مختصرًا؛ نحو البعض الذي أشار إليه؛ دون قوله: «واصنعي ما يصنع الحاج …» إلخ.
وهذه الزيادة: عند البخاري (١٣/ ١٨٥ – ١٨٦) من طريق حَبيبٍ المُعَلِّمِ عن عطاء، الآتية بعد حديث بمعناها.
وحديث مسدد: عند البيهقي (٥/ ١٨ – ١٩).

١٥٦٨ – ومن طريق ثانية عنه قال:
أهللنا مع رسول الله ﷺ بالحج خالصًا لا يخالطه شيء، فقدمنا مكة لأربعِ ليالٍ خَلَوْنَ من ذي الحجة، فطفنا وسعينا، ثم أمَرَنا رسول الله ﷺ أن نَحِلَّ، وقال:
«لولا هديي لحللت». ثم قام سُرَاقَةُ بن مالك فقال: يا رسول الله! أرأيت مُتْعَتَنَا هذه؛ لعامنا هذا أم للأبد؟ فقال رسول الله ﷺ:
«بل هي للأبد».

٦ ‏/ ٣٥
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه الشيخان بنحوه).
إسناده: حدثنا العباس بن الوليد بن مَزْيَدٍ: أخبرني أبي: حدثني الأوزاعي: حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح: حدثني جَابر بن عبد الله قال …
قال الأوزاعي: سمعت عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا؛ فلم أحفظه، حتى لقيت ابن جريج فأثبته لي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ فإن الرجل الذي لم يُسَمَّ: هو ابن جريج كما في آخر الحديث.
والحديث أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٣٠): حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي عن عطاء … به؛ فأسقط الوليد الواسطة بين الأوزاعي وعطاء، وهذا من تدليسه تدليس التسوية، ولكن ذلك لا يضر هنا؛ لأن الواسطة هي ابن جريج كما في رواية المصنف.
وابن جريج مدلس أيضًا، ولكنه قد صرح بالتحديث كما سأذكره.
وقال الإمام أحمد (٣/ ٣١٧): ثنا إسماعيل: أنا ابن جريج عن عطاء … به نحوه؛ دون ذكر قصة سراقة.
لكن أخرجها النسائي (٢/ ٢٣) من هذا الوجه، وصرح فيه ابن جريج بالتحديث.
وكذلك أخرجه مسلم (٤/ ٣٦ – ٣٧) من طريق أخرى عن ابن جريج.
وأخرجه البخاري أيضًا (٥/ ١٠٣).
وتابعه عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عطاء … به؛ وزاد فقال:
٦ ‏/ ٣٦
وأن سراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ لقي النبي ﷺ وهو بالعقبة وهو يرميها، فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ ! قال:
«لا، بل للأبد».
أخرجه البخاري (٣/ ٤٧٨ – ٤٨٠)، وأحمد كما يأتي.
وللحديث طريق أخرى عن جابر في حديثه الطويل في الحج: أخرجه مسلم وغيره، وهو الآتي برقم (١٦٦٣).

١٥٦٩ – وفي رواية عنه قال:
قَدِمَ رسول الله ﷺ وأصحابه لأربع خَلَوْنَ من ذي الحِجَّةِ، فلما طافوا بالبيت وبالصفا والمروة؛ قال رسول الله ﷺ:
«اجعلوها عمرة؛ إلا من كان معه الهدي». فلما كان يوم التروية أهَلُّوا بالحج، فلما كان يوم النحر؛ قَدِمُوا فطافوا بالبيت، ولم يطوفوا بين الصفا والمروة.
(قلت: إسناده جيد على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري من طريق أخرى دون ذكر الطواف بعد النحر، وهذا عند مسلم من طريق أخرى تأتي برقم (…».
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن قيس بن سعد عن عطاء عن جابر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة، وهو من رجال مسلم.

٦ ‏/ ٣٧
وكذا قيس بن سعد، وقد توبع كما تقدم قبله، ويأتي بعده.
ورواية حماد هذه تؤكد خطأ روايته المتقدمة من حديث عائشة (١٥٦٣)؛ فراجعه.

١٥٧٠ – وفي أخرى عنه:
أن رسول الله ﷺ أهل هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم يومئذ هَدْي؛ إلا النبيَّ ﷺ وطلحةَ، وكان علي رضي الله عنه قَدِمَ من اليمن ومعه الهَدْي، فقال: أهللتُ بما أهل به رسول الله ﷺ، وأن النبي ﷺ أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة -يطوفون-، ثم يقصروا وَيحِلَّوا؛ إلا من كان معه الهدي. فقالوا: أننطلق إلى منى وذكورنا تَقْطُرُ؟ ! فبلغ ذلك رسول الله ﷺ فقال:
«إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ ما أهديت، ولولا أن معي الهَدْي لأحللت» (١).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري).


(١) زاد في «المسند» و«البخاري» كما تقدم:
وأن سراقة لقي النبي ﷺ وهو بالعقبة وهو يرميها، فقال: ألكم هذه خاصة يا رسول الله؟ !
قال: «لا، بل للأبد».
وهذا بظاهره مخالف لما سيأتي من طريق أخرى عن جابر في حديثه الطويل (١٦٦٣): أن سراقة قال للنبي ﷺ ذلك وهو عليه الصلاة والسلام في آخر الطواف على المروة.
فجمع الحافظ بينهما باحتمال التعدد، وراجع لهذا تعليقي على «حجة النبي ﷺ» (ص ٨٣).
٦ ‏/ ٣٨
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا عبد الوهاب الثقفي: ثنا حبيب -يعني: المعلم- عن عطاء: حدثني جابر بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث في «المسند» (٣/ ٣٠٥) … بهذا الإسناد والمتن؛ إلا أنه زاد في آخره قصة سراقة التي ذكرتها آنفًا من رواية البخاري.
وكذلك أخرجه البيهقي (٥/ ٤) من غير طريق المصنف عن أحمد.
وأخرجه أيضًا من طريق المصنف دونها.
وتابعه عليها: يزيد بن زُرَيْعٍ: ثنا حبيب المعلم … به: أخرجه البخاري (١٣/ ١٨٥)، والبيهقي (٥/ ٩٥).

١٥٧١ – عن ابن عباس عن النبي ﷺ: أنه قال:
«هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده هدي؛ فَلْيَحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ، وقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم. وأعلَّهُ المصنف رحمه الله بما لا يقدح! ولذا صححه المنذري وابن القيم).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة أن محمد بن جعفر حدثهم عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس.
قال أبو داود: «هذا منكر؛ وإنما هو قول ابن عباس»!
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم كما يأتي.

٦ ‏/ ٣٩
وأعله المصنف بالوقف كما رأيت! ولا وجه له البتة، فقد رواه جمع آخر من الثقات عن شعبة … به مرفوعًا، فممن الوهم، وما الدليل عليه؟ !
ولذلك لم يقبل العلماء ذلك منه، فقال المنذري في «مختصره»:
«وفيما قاله أبو داود نظر، وذلك أنه قد رواه الإمام أحمد ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار وعثمان بن أبي شيبة عن محمد بن جعفر عن شعبة … مرفوعًا. ورواه أيضًا يزيد بن هارون ومعاذ بن معاذ العنبري وأبو داود الطيالسي وعمرو بن مرزوق عن شعبة … مرفوعًا، وتقصير من قصر به من الرواة لا يؤثر فيما أثبته الحفاظ». وقال ابن القيم في «التهذيب»:
«وقوله:»دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة «لا ريب في أنه من كلام رسول الله ﷺ، ولم يقل أحد: إنه من قول ابن عباس. وكذلك قوله:»هذه عمرة تمتعنا بها«. وهذا لا يشك فيه من له أدنى خبرة بالحديث».
قلت: ولقد صدق رحمه الله.
أما الجملة الأولى: «دخلت العمرة …»؛ فلها طريق أخرى عن مجاهد، سأخرجها بعد حديث.
ولها شاهد صحيح من حديث جابر الطويل، الآتي برقم (١٦٦٣).
وله طريق أخرى: أخرجه الدارقطني (ص ٢٨٢) من طريق أبي الزبير عن جابر عن سراقة بن مالك … مرفوعًا به. وقال:
«كلهم ثقات».
وصححه النووي في «المجموع»؛ وأبو الزبير مدلس.
وقد رواه أحمد (٤/ ١٧٥) من طريق طاوس والنزال بن يزيد بن سبرة عن
٦ ‏/ ٤٠
سراقة … به.
والطريق الأولى رجالها ثقات؛ لكن طاوس لم يسمع من سراقة.
والأخرى موصولة، ولكن فيها داود بن يزيد -وهو الأوْدِي- ضعيف.
وعنه: الطحاوي (١/ ٣٧٩).
وأما الجملة الأخرى -وهي قوله: «هذه عمرة تمتعنا بها»-؛ فلها شواهد كثيرة؛ فإن النبي ﷺ كان قارنًا، كما هو القول الصحيح المؤيد بأحاديث كثيرة، في بعضها التصريح بذلك، كحديث البراء الآتي قريبًا، ومثله بعض أصحابه من الذين كانوا ساقوا الهدي فلم يَحِلُّوا، وسائرهم أحَلُّوا؛ لأنهم ما ساقوا الهدي، فهو ﷺ والصحابة جميعًا كانوا قد تمتعوا بالعمرة إلى الحج على التفصيل المذكور.
ولذلك قال ابن عمر -كما يأتي (١٥٨٤) -:
تمتع رسول الله ﷺ … وتمتع الناس معه …
ولذلك فَهُمْ جميعًا يشملهم قوله تعالى: ﴿فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي﴾. فقول البيهقي (٥/ ١٨): إنه «أراد أصحابه الذين حَلُّوا واستمتعوا»! غير قوي؛ لما ذكرنا، وتجد تفصيله في «زاد المعاد» لابن القيم رحمه الله تعالى.
ثم أن ابن القيم جزم بعد كلامه السابق بأن قول المصنف المذكور في إعلال الحديث؛ إنما محله بعد الحديث الآتي، أخطأ بعض النساخ، فنقله إلى هنا، وهو أمر محتمل، وسأنقل كلامه في ذلك قريبًا، وأبين ما يَرِدُ عليه أيضًا.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٥٧)، والنسائي (٢/ ٢٤)، والدارمي (٢/ ٥٠)، والبيهقي (٥/ ١٨)، وأحمد (١/ ٢٣٦ و٣٤١) من طريق أخرى عن شعبة … به.
٦ ‏/ ٤١
وعزاه العراقي في «طرح التثريب» (٥/ ١٩) لـ «الصحيحين»، وهو وهم.
ورواه الترمذي عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد … به، وقال (٩٣٢):
«حديث حسن».

١٥٧٢ – وعنه عن النبي ﷺ قال:
«إذا أهلَّ الرجلُ بالحجِّ، ثم قَدِمَ مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة؛ فقد حَل، وهي عمرة».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: حدثني أبي: ثنا النهاسُ عن عطاء عن ابن عباس.
قال أبو داود: «رواه ابن جريج عن عطاء:
دخل أصحاب النبي ﷺ مُهِلِّينَ بالحج خالصًا، فجعلها النبي ﷺ عمرة».
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير النهاس -وهو ابن قَهْمٍ- ضعيف.
وأما إعلال المصنف إياه بمخالفة ابن جريج، فرواه عن عطاء مرسلًا! فليس بشيء عندي؛ لأنه قد رواه جمع من الثقات عن ابن جريج عن عطاء عن جابر … مسندًا نحو رواية النهاس هذه، كما تقدم عند المؤلف برقم (١٥٦٨) من طريق الأوزاعي عن ابن جريج، وذكرت له هناك متابعًا عنه؛ فراجعه إن شئت.
فإذن قد توبع النهاس على إسناده، ولو أنه خولف في اسم الصحابي، فالصحابة كلهم عدول، بل إنه قد توبع عليه؛ فأخرجه مسلم (٤/ ٥٨) من طريق محمد بن بكر: أخبرنا ابن جريج: أخبرني عطاء قال:

٦ ‏/ ٤٢
كان ابن عباس يقول:
لا يطوف بالبيت حاجٌّ ولا غير حاجٍّ إلا حَلَّ. قلت لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: من قول الله تعالى: ﴿ثم مَحِلُّها إلى البيت العتيق﴾. قال: قلت: فإن ذلك بعد المُعَرَّفِ. فقال: كان ابن عباس يقول:
هو بعد المُعَرَّفِ وقبله، وكان يأخذ ذلك من أمر النبي ﷺ حين أمرهم أن يَحِلوا في حجة الوداع.
قلت: فقد وصله محمد بن بكر، فذكر ابن عباس في إسناده؛ فهي متابعة قوية للنهاس، لكنه قد خالفه في متنه؛ فأوقفه على ابن عباس. وأشار ابن القيم إلى ترجيحه، فقال تعليقًا على حديث الباب:
»والتعليل الذي تقدم لأبي داود في قوله: «هذا حديث منكر»؛ إنما هو لحديث عطاء هذا عن ابن عباس يرفعه: «إذا أهل الرجل بالحج»؛ فإن هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريب، رواه عنه أبو الشعثاء وعطاء وأنس بن سُلَيم وغيرهم من كلامه، فانقلب على الناسخ، فنقله إلى حديث مجاهد عن ابن عباس، وهو إلى جانبه، وهو حديث صحيح لا مطعن فيه …”.
قلت: لكن قد جاء الحديث من طريق أخرى عن ابن عباس … مرفوعًا نحوه، فقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهري عن كُريب مولى ابن عبد الله بن عباس عن ابن عباس، قال:
قلت له: يا أبا العباس! أرأيت قولك: ما حج رجل لم يسق الهدي معه، ثم طاف بالبيت؛ إلا حل بعمرة، وما طاف بها حاج قد ساق معه الهدي؛ إِلا اجتمعت له عمرة وحجة، والناس لا يقولون هذا؟ ! فقال: ويحك! إن رسول الله ﷺ خرج وَمَنْ معه من أصحابه، لا يذكرون إلا الحج، فأمر رسول الله ﷺ من
٦ ‏/ ٤٣
لم يكن معه الهدي أن يطوف بالبيت، ويَحِلَّ بعمرة، فجعل الرجل منهم يقول: يا رسول الله! إنما هو الحج؟ ! فيقول رسول الله ﷺ:
«إنه ليس بالحج؛ ولكنها عمرة».
وإسناده حسن.
وتابعه يونس بن يزيد عن ابن شهاب … به.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (٣/ ١٥٠ – ١٥١).
ويقويه ما رواه قتادة قال: سمعت أبا حسان الأعرج قال:
قال رجل من بني الهُجيم لابن عباس: ما هذه الفتيا التي قد تشغفت أو تَشَعَّبَتْ بالناس: أن من طاف بالبيت فقد حَلَّ؟ فقال: سُنةُ نبيكم ﷺ؛ وإن رغمتم! زاد في رواية: يعني: من لم يكن معه هدي.
أخرجه أحمد ١ (/ ٢٧٨ و٢٨٠ و٣٤٢) -والزيادة له في رواية-، ومسلم (٤/ ٥٨).
ثم إن للحديث شاهدًا قويًّا من رواية سَبْرَةَ بن مَعْبَدٍ … مرفوعًا بلفظ:
«إن الله قد أدخل عليكم في حجكم هذا عُمْرَةً، فإذا قدمتم؛ فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة؛ فقد حَلَّ؛ إلا من كان معه هدي».
أخرجه المصنف وغيره بسند جيد، كما سيأتي بيانه برقم (١٥٨٠).
قلت: فهذا الشاهد وما قبله من المتابعات، وقول ابن عباس: «سنة نبيكم»؛ أقوى دليل على أن النهاس قد حفظ الحديث ولم يخطيء فيه. والله أعلم.
٦ ‏/ ٤٤
١٥٧٣ – ومن طريق أخرى عنه قال:
أهلَّ النبي ﷺ بالحج، فلما قَدِمَ؛ طاف بالبيت وبين الصفا والمروة -قال ابن شَوْكَر: ولم يقصر، ثم اتفقا-، ولم يَحِلَّ من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدي أن يطوف وأن يسعى، ويقصر، ثم يَحِلَّ. قال ابن مَنِيعٍ في حديثه: أو يَحْلِقَ، ثم يَحِلَّ.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا الحسن بن شَوْكَرٍ وأحمد بن مَنِيعٍ قالا: ثنا هُشَيْمٌ عن يزيد بن أبي زياد -المعنى- عن مجاهد عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير يزيد بن أبي زياد -وهو الهاشمي مولاهم-، وهو ضعيف من قبل حفظه، لكنه لم يتفرد به، كما يتبين لك من الطريقين السابقين عن ابن عباس، ومن الأحاديث المتقدمة في الباب.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٢٤١ و٢٥٣ و٢٥٩) من طرق أخرى عن يزيد … به؛ وزاد: ثم قال:
«لو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لفعلت كما فعلوا، ولكن دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»؛ ثم أنشب أصابعه بعضها في بعض.
وروى منه الترمذي قوله: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»؛ وقال: «حديث حسن»! وحقه أن يقول:
«صحيح»؛ فإن له طريقًا وشواهد، كما تقدم قبل حديثين.
٦ ‏/ ٤٥
١٥٧٤ – عن أبي شَيْخٍ الهُنَائِي خَيْوَانَ بْنِ خَلْدَةَ -ممن قرأ على أبي موسى الأشعري؛ من أهل البصرة-:
أن معاوية بن أبي سفيان قال لأصحاب النبي ﷺ: هل تعلمون أن رسول الله ﷺ نهى عن كذا وكذا، وركوب جلود النمور؟ قالوا: نعم. قال: فتعلمون أنه نهى أن يُقْرنَ بين الحج والعمرة؟ فقالوا: أما هذا فلا! فقال: أما إنها معهن؛ ولكنكم نسيتم.
(قلت: حديث صحيح؛ إلا النهي عن القَرْنِ بين الحج والعمرة؛ فهو منكر؛ لمخالفته الأحاديث المتقدمة، وفيها إقراره ﷺ الذين جمعوا بين الحج والعمرة وساقوا الهدي، وأمرُه من لم يَسُقِ الهدي أن يفسخ الحج إلى العمرة، ثم يلبِّيَ بالحج يوم التروية، وقوله ﷺ: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»).
إسناده: حدثنا موسى أبو سلمة: ثنا حماد عن قتادة عن أبي شيخ الهنائي.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أبي شيخ هذا، وقد وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي، وروى عنه جمع من الثقات، ولذلك جزم الحافظ في «التقريب» بأنه:
«ثقة».
وأما قول ابن القيم في «الزاد» (١/ ٢٦٤)، وفي «مختصر السنن»:
«لا يُحْتَجُّ به، وهو مجهول»!
فليس له سلف من أئمة الجرح والتعديل؛ وإنما قال ذلك اجتهادًا من عنده، بناءً على ما في الحديث من النهي عن القَرْنِ؛ وإنما العلة عنعنة قتادة؛ فإنه موصوف بالتدليس، وقد رواه عنه جمع كما يأتي.
٦ ‏/ ٤٦
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٩٩): ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا سعيد عن قتادة … به.
وأخرجه النسائي (٢/ ٩٥) من طريق ابن أبي عدي عن سعيد … به مختصرًا؛ بلفظ:
أتعلمون أن نبي الله ﷺ نهى عن لُبْسِ الذهب إلا مقطعًا؟ قالوا: اللهم! نعم.
وأخرجه أحمد أيضًا (٤/ ٩٢): ثنا عفان قال: ثنا همام قال: ثنا قتادة … به.
وأخرج طرفًا منه: الطحاوي في «المشكل» (٤/ ٢٦٣ – ٢٦٤) من طريق حجاج ابن منهال عن قتادة … به.
ثم أخرجه أحمد (٤/ ٩٥) من طريق معمر عن قتادة … به.
كلهم رووه عنه بالعنعنة؛ فهي العلة.
وثمة علة أخرى، وهي أن يحيى بن أبي كثير قد خالف قتادة، فأدخل بين أبي شيخ ومعاوية: أخاه حِمَّانَ، وهو مجهول، كما هو مبين ومخرج في «الأحاديث الضعيفة» (٤٧٢٢).
نعم؛ تابعه مطر -وهو الوراق- عن أبي شيخ … به مختصرًا مثل رواية ابن أبي عدي: أخرجه النسائي.
لكن مطرًا سَيئ الحفظ، وهو من أصحاب قتادة، فيحتمل أن يكون قتادة سمعه منه؛ فدلسه. والله أعلم.
(تنبيه): وهذا الحديث المنكر لم أجد له شاهدًا معتبرًا.
٦ ‏/ ٤٧
وقد روى المصنف في الباب حديثًا آخر بمعناه عن عمر. ولكنه حديث باطل، كما قال ابن القيم؛ ولذلك أوردته في الكتاب الآخر (٣١٤).
ووهم الأمير الصنعاني وهمًا فاحشًا، حين قال في «الروض الباسم» (ص ١١٦).
«وله شاهد عن ابن عمر، رواه مالك في»الموطأ«… مرفوعًا. وعن عمر وعثمان، رواه مسلم … موقوفًا عليهما»!
وحديث ابن عمر المشار إليه شاهد عليه لا له!
فإنه قال حينما خرج إلى مكة معتمرًا في الفتنة: إن صُدِدْتُ عن البيت؛ صنعنا كما صنعنا مع رسول الله ﷺ؛ فأهل بعمرةٍ … ثم قال: ما أمرهما إلا واحد، أشهدكم أني قد أوجَبْتُ الحج مع العمرة … الحديث.
أخرجه مالك (١/ ٣٢٩)، وكذلك أخرجه البخاري (٤/ ٤ – ٥).
وأما الموقوف على عمر وعثمان؛ فلا حجة فيه؛ لأنهما إنما نهيا عن الجمع بين الحج والعمرة متأوِّليْنِ، وقد ثبت يقينًا أن النبي ﷺ كان قارنًا بينهما، وأنه قال:
«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
فلا يُقْبَل قولهما المخالف للسنة.
ولذلك أنكر علي رضي الله عنه على عثمان قولَه المذكور. وكذلك أنكر ذلك على عمر عمران بن حصين وابنه عبد الله بن عمر، وغيرهما، كما هو مبسوط في «زاد المعاد» وغيره.
ولو أن النهي عن القرآن ثبت إسناده لوجب حمله على القِرَانِ الذي لم يُسَقْ معه الهَدْيُ؛ لأن النبي ﷺ أمر أهله بفسخه، وغضب على الذين لم يبادروا إليه
٦ ‏/ ٤٨
كما تقدم، وذلك في معنى النهي عن القرآن المذكور كما هو ظاهر.
أَمَّا وهو لم يثبت؛ فلا داعي لتأويله.
وأما ما قبله من الحديث فصحيح؛ لأنه جاء من طرق أخرى، كما بينته في الموضع المشار إليه من «الضعيفة». وقد أخرج المصنف بعضها في أول «كتاب اللباس- باب جلود النمور»، وفي آخر «الترجُّل -باب في الذهب للنساء» وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليها هناك.

٢٤ – باب في الإقران
١٥٧٥ – عن أنس بن مالك: أنهم سمعوه يقول:
سمعت رسول الله ﷺ يلبي بالحج والعمرة جميعًا يقول:
«لبيك عمرة وحجًّا، لبيك عمرة وحجًّا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وابن الجارود وابن حبان والحاكم).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل قال: ثنا هشيم: أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق وعبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل عن أنس بن مالك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٩٩) … بهذا الإسناد والمتن.
وأخرجه مسلم (٤/ ٥٩)، والنسائي (٢/ ١٥) من طرق أخرى عن هشيم … به.

٦ ‏/ ٤٩
وأخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٢٧) من طريقين آخرين عن يحيى بن أبي إسحاق وحميد … به نحوه.
وابن الجارود (٤٣٠)، وابن حبان (٩٩١)، والبيهقي أيضًا (٥/ ٤٠)، والحاكم (٦/ ٤٧٢) عن حميد وحده.
وهو رواية لأحمد (٣/ ١١١ و١٨٢)، وإسناده ثلاثي صحيح.
وله طرق أخرى عن أنس … مطولًا ومختصرًا: عند مسلم (٤/ ٥٢)، والنسائي، وابن الجارود (٤٣١)، وابن حبان (٩٨٩ و٩٩٢)، وأحمد (٣/ ١٨٣ و٢٠٧).
وله طريق أخرى عند البخاري، ويأتي بعده.

١٥٧٦ – ومن طريق أخرى عنه:
أن النبي ﷺ بات بها -يعني: بذي الحليفة- حتى أصبح، ثم ركب، حتى استوت به البيداء؛ حمد الله وسبَّح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة، وأهلَّ الناس بهما، فلما قدمنا أمَرَ الناسَ فحَلُّوا، حتى إذا كان يوم التروية؛ أهلَّ بالحج، ونَحَرَ رسول الله ﷺ سَبْعَ بَدَنَاتٍ بيده قِيامًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري بإسناده ومتنه، وابن حبان قدومَ مكة).
إسناده: حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل: ثنا وُهَيْب: ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٩) من طريق المصنف.

٦ ‏/ ٥٠
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٢١ – ٣٢٢) … بإسناده ومتنه؛ وزاد:
وذبح رسول الله ﷺ بالمدينة كبشين أملحين.
وهذه الزيادة رواها المصنف أيضًا من هذا الوجه في أول «الأضاحي»، وستأتي إن شاء الله هناك برقم (٢٤٩٠).
ثم أخرجه البخاري (٣/ ٤٣٦): حدثنا سهل بن بَكَّارٍ: حدثنا وهيب … به نحوه؛ وقال:
فلما علا على البيداء؛ لبى بهما جميعًا.
وفي رواية له (٣/ ٣١٨) من طريق حماد، بن زيد عن أيوب … بلفظ:
وسمعتهم يصرخون بهما جميعًا.
وقال معمر عن أيوب … بلفظ:
كنت رديف أبي طلحة وهو يساير النبي ﷺ؛ فقال:
إن رجلي لَتَمَسُّ غَرْزَ النبي ﷺ، فسمعته يلبِّي بالحج والعمرة معًا.
رواه أحمد (٣/ ١٦٤).
وروى ابن حبان (٩٩٧) قدوم مكة.

١٥٧٧ – عن البراء بن عازب قال:
كنت مع علي حين أمَّرَهُ رسول الله ﷺ على اليمن؛ قال: فأصبت معه أواقِيَّ، فلما قَدِمَ عليٌّ من اليمن على رسول الله ﷺ؛ وجد فاطمة رضي الله عنها قد لَبِسَتْ ثيابًا صَبِيغًا، وقد نَضَحَتِ البيت بِنَضُوحٍ،

٦ ‏/ ٥١
فقالت: ما لك؟ فإن رسول الله ﷺ قد أمر أصحابه فأحَلُّوا. قال: قلت لها: إني أهللت بإهلال النبي ﷺ. قال: فأتيت النبي ﷺ، فقال لي رسول الله ﷺ:
«كيف صنعت؟».
قال: قلت: أهللتُ بإهلال النبي ﷺ. قال:
«فإني قد سقت الهدي وقرنت». قال، فقال لي:
«انحر من البُدْنِ سبعًا وستين -أو ستًّا وستين-، وأمسك لنفسك ثلاثًا وثلاثين -أو أربعًا وثلاثين-، وأمسك لي من كل بدنة منها بَضْعةً».
(قلت: حديث صحيح، وكذلك قال ابن القيم، وصححه أيضًا ابن حجر).
إسناده: حدثنا يحيى بن معين قال: ثنا حجاج: ثنا يونس عن أبي إسحاق عن البراء.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس -وهو ابن أبي إسحاق السبيعي-، وهو ثقة من رجال مسلم، على ضعفٍ يسير فيه، أشار إليه الحافظ بقوله:
«صدوق يهم قليلًا».
وبه أعله المنذري في «مختصره»!
وإعلاله بأبيه أولى عندي؛ لأنه كان مدلسًا ومختلطًا، ولا ندري أسمعه ابنه منه قبل الاختلاط أم بعده؟
٦ ‏/ ٥٢
لكن الحديث صحيح؛ لأن له شواهد في أحاديث متفرقة، فعامته قد صح في حديث جابر الطويل في الحج، وسيأتي في الكتاب إن شاء الله تعالى (١٦٦٣).
وقوله: «وقرنت» يشهد له حديث أنس بن مالك … مرفوعًا؛ بلفظ:
«… ولو استقبلت من أمري ما استدبرت؛ لجعلتها عمرة، ولكن سقت الهدي، وقرنت بين الحج والعمرة».
أخرجه أحمد (٣/ ١٤٨ و٢٦٦)، والطحاوي (١/ ٣٧٨ – ٣٧٩) من طريقين عن أبي إسحاق عن أبي أسماء الصَّيقَلِ عنه.
لكنْ أبو أسماء هذا مجهول، لم يرو عنه غير أبي إسحاق، وهو السبيعي.
وحديث سراقة … مرفوعًا:
«دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة».
قال: وقرن رسول الله ﷺ في حجة الوداع.
أخرجه أحمد (٤/ ١٧٥)، والطحاوي (١/ ٣٧٩) من طريق داود بن يزيد الأوْدِيِّ؛ وهو ضعيف كما قال الهيثمي (٣/ ٢٣٥). ووهم ابن القيم في «الزاد» (١/ ٢٥٠)، فقال:
«إسناده ثقات»!
نعم أخرجه ابن ماجة (٢٩٧٧) بسند صحيح عن سُرَاقَةَ … به؛ دون قوله: وقرن رسول الله ﷺ …
وعن جابر: أن النبي ﷺ قَدِمَ، فقرن بين الحج والعمرة. قال الهيثمي: «رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح)».
٦ ‏/ ٥٣
وكأنه لهذه الشواهد؛ قال ابن القيم في «تهذيب السُّنَنِ»:
«حديث صحيح».
وصححه الحافظ في «الفتح» (٣/ ٣٣٥).
وعزاه ابن القيم في «الزاد» (١/ ٢٦٢) للمتفق عليه! فوهم.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ١٥) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (٢/ ١٤ و١٧) من طريقين آخرين عن يحيى بن معين … به؛ دون ما بعد قوله: «وقرنت».
وأعله البيهقي بأن قوله هذا: «وقرنت» لم يرد في حديث جابر الطويل حين وصف قدوم علي وإهلاله، وهو أصح سندًا وأحسن سياقة، ومعه حديث أنس.
قال المنذري:
«يريد: أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر إهلاله، وليس فيه:»قرنت«، وهو في»الصحيحين«…».
وأقول: لعل في تلك الشواهد المتقدمة ما يقوي هذه الزيادة، ويخلصها من النكارة التي يشير إليها كلام البيهقي المذكور. والله أعلم.
(تنبيه): قال العراقي في «طرح التثريب» (٥/ ٢٠)، والحافظ في «الفتح» (٣/ ٣٣٤):
«ولأبي داود والنسائي من حديث البراء … مرفوعًا:»إني سقت الهدي وقرنت«. وللنسائي من حديث علي مثله»!
قلت: حديث البراء وحديث علي واحد، وهو هذا! غاية ما في الأمر أن البراء رواه عنه؛ لقوله فيه:
٦ ‏/ ٥٤
قال (يعني: عليًّا): فأتيت النبي ﷺ ….
ومثله عند النسائي في الموضعين.
وكذلك أورده الهيثمي (٣/ ٢٣٧) من رواية الطبراني في «الأوسط»، وقال: «ورجاله رجال (الصحيح)».

١٥٧٨ – عن أبي وائل قال: قال الصُّبَيُّ بن مَعْبَدٍ:
كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا، فأسلمت، فأتيت رجلًا من عشيرتي -يقال له: هُذيْمُ بن ثَرْمَلَةَ-، فقلت: يا هَنَاهْ! إني حريصٌ على الجهاد، وإني وَجَدْتُ الحج والعمرة مكتوبين عَليَّ، فكيف لي بأن أجمعهما؟ قال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي. فأهللتُ بهما معًا. فلما أتيت (العُذَيْبَ) لقيني سلمان بن ربيعة وزيد بن صُوحان وأنا أُهِلُّ بهما جميعًا، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفْقَهَ من بعيره! قال: فكأنما أُلقِيَ عليَّ جَبَلٌ! حتى أتيت عمر بن الخطاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين! إني كنت رجلًا أعرابيًّا نصرانيًّا، وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين عليّ، فأتيت رجلًا من قومي، فقال: اجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معًا؟ ! فقال عمر رضي الله عنه: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نبيك.
(قلت: إسناده صحيح. ورواه ابن حبان في «صحيحه». وصححه الدارقطني).
إسناده: حدثنا محمد بن قدَامَةَ بن أعْيَنَ وعثمان بن أبي شيبة قالا: ثنا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن أبي وائل.

٦ ‏/ ٥٥
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه النسائي (٢/ ١٣): أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا جرير … به.
ثم أخرجه هو، والطحاوي (١/ ٣٧٤) من طرق أخرى عن منصور … به.
ثم أخرجاه، وكذا ابن ماجة (٢/ ٢٢٧)، وابن حبان (٩٨٥)، والبيهقي (٥/ ١٦)، وأحمد (١/ ١٤ و٢٥ و٣٤ و٣٧) من طرق أخرى عن أبي وائل شقيق ابن سلمة … به.
وقال الدارقطني في «العلل» (٢/ ١٦٦) -بعد أن ذكر الاختلاف على أبي وائل في إسناده-:
«وهو حديث صحيح. وأحسنها إسنادًا: حديث منصور والأعمش عن أبي وائل عن الصُّبَيِّ بن مَعْبَدٍ عن عمر».

١٥٧٩ – عن عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله ﷺ يقول:
«أتاني الليلةَ آتٍ من عند ربي عز وجل -قال: وهو بالعقيق-؛ وقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك، وقال: عمرة في حجة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان. وقد أخرجه البخاري بلفظ: «وقل: عمرة في حجة»، وعلقه المصنف من طرق؛ وهو الأوْلَى).
إسناده: حدثنا النفيلي: حدثنا مسكين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: حدثني عمر بن الخطاب.

٦ ‏/ ٥٦
قال أبو داود: «رواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد في هذا الحديث عن الأوزاعي:»وقل: عمرة في حجة«…».
قال أبو داود: «كذا رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث؛ وقال:»وقل: عمرة في حجة«…».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٥/ ١٦) عن شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي … به؛ إلا أنه قال: «وقل» بدل: «وقال».
وكذا أخرجه (٣/ ٣٠٦) من طريق الوليد وبِشْرِ بن بَكْرٍ التنيسِي قالا: ثنا الأوزاعي … به.
وأخرجه البيهقي (٥/ ١٤) عنهما؛ إلا أنه قال: «وقال: عمرة في حجة» مثل رواية الكتاب الموصولة عن مسكين -وهو ابن بُكَيْرٍ الحَرَّاني-. ثم قال البيهقي:
«رواه البخاري في»الصحيح«. وكذلك قاله شعيب بن إسحاق ومسكين بن بكير عن الأوزاعي»!
قلت: الذي في البخاري بلفظ: «وقل: عمرة في حجة» كما تقدم.
ويؤيده أن ابن ماجة أخرجه (٢/ ٢٢٩) من طريق محمد بن مصعب والوليد ابن مسلم قالا: ثنا الأوزاعي … به.
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ٣٧٤) من طريق أخرى عن الوليد … به.
وتابعهم الإمام أحمد، فقال في «المسند» (١/ ٢٣): حدثنا الوليد بن مسلم … به.
٦ ‏/ ٥٧
فهذه الطرق عن الأوزاعي تدل على أن رواية مسكين بلفظ: «وقال: عمرة …» شاذة، وأن المحفوظ بلفظ الأمر: «وقل»؛ خلافًا للبيهقي.
وتؤيده متابعة علي بن المبارك للأوزاعي، وقد علقها المصنف كما رأيت، ووصلها البخاري (١٣/ ٢٦٥)، والطحاوي أيضًا من طريقين عنه.
وكذلك أخرجه البيهقي (٥/ ١٣) من الطريق التي أخرجها البخاري.
فمن الغريب أن يرجح البيهقي -على رواية علي هذه- روايةَ الأوزاعي التي اختلف عليه فيها، مع أن رواية الأكثر عنه مطابقة لرواية علي هذه، ولم يختلف عليه فيها! ولذلك قال ابن التركماني في «الرد عليه»:
«وهذا أولى من رواية من قال:»وقال: عمرة«؛ لأن الملك لا يلبي، وإنما يعلِّم التلبية. ولو صحت تلك الرواية نُوَفِّقُ بينهما ونقول: المراد:»قال: قل«؛ فاختصره الراوي».
(فائدة): زاد أحمد في آخر الحديث:
قال الوليد: يعني: ذا الحليفة.
قلت: ويشهد لما قال؛ حديث ابن عمر رضي الله عنه:
أن النبي ﷺ أُرِيَ وهو في مُعرَّسِه من ذي الحليفة في بطن الوادي، فقيل له: إنك ببطحاءَ مباركةٍ”.
أخرجه البخاري (٥/ ١٦).
ففي الحديث فضيلة الصلاة في ذي الحليفة، وذلك أعم من أن تكون فريضة أو نافلة، وليس فيه دليل لركعتي الإحرام التي يفعلها الحجاج، إذ لم تثبتا عن النبي ﷺ: فمن صلى فريضة أو نافلة مطلقة؛ فقد أصاب الفضيلة إن شاء الله تعالى.
٦ ‏/ ٥٨
١٥٨٠ – عن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه قال:
خرجنا مع رسول الله ﷺ؛ حتى إذا كنا بِعُسْفَانَ؛ قال له سُرَاقَةُ بن مالك المُدْلِجِيُّ: يا رسول الله ﷺ! اقْضِ لنا قضاء قوم كأنما وُلِدُوا اليومَ؟ !
فقال:
«إن الله قد أدخل عليكم في حَجِّكُمْ هذا عُمْرَةً، فإذا قدمتم؛ فمن تَطَوَّفَ بالبيت وبين الصفا والمروة؛ فقد حَلَّ؛ إلا من كان معه هدي».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ: ثنا ابن أبي زائدة: أخبرنا عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز: حدثني الربيع بن سَبْرَةَ.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ وقد أخرج لعمر هذا بإسناده المذكور حديثًا آخر في تحريم المتعة إلى يوم القيامة، وهو تمام هذا الحديث في رواية معمر الآتية عنه.
ورواه المصنف مختصرًا من طريق الزهري عن الربيع بن سبرة، كما سيأتي في «النكاح- باب في نكاح المتعة».
والحديث أخرجه الدارمي (٢/ ٥١): أخبرنا جعفر بن عون: ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز … به.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤٠٤ – ٤٠٥): ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر: أخبرني عبد العزيز بن عمر … به؛ وفيه قصة تحريم المتعة، كما أشرت إليه آنفًا.
٦ ‏/ ٥٩
١٥٨١ – عن معاوية بن أبي سفيان قال:
قَصَّرْتُ عن النبي ﷺ بمشقصٍ على المَرْوَةِ -أو رأيته يقصر عنه على المروة بِمِشْقَصٍ-.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وليس عند البخاري قوله: أو رأيته يقصر عنه. وهو الأصح).
إسناده: حدثنا عبد الوهاب بن نَجْدَةَ: ثنا شعيب بن إسحاق عن ابن جريج. وحدثنا أبو بكر بن خلاد: ثنا يحيى -المعنى- عن ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس أن معاوية بن أبي سفيان أخبره قال …
قال ابن خلاد: أن معاوية … لم يذكر: أخبره.
قلت: وهذا إسناد صحيح من الوجه الأول، وعلى شرط الشيخين من الوجه الآخر؛ غير أبي بكر بن خلاد -واسمه محمد-، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٩٨): ثنا يحيى بن سعيد … به.
وأخرجه مسلم (٤/ ٥٨ – ٥٩)، والنسائي (٢/ ٤٢ – ٤٣) من طريقين آخرين عن يحيى … به.
ثم أخرجه أحمد (٤/ ٩٦)، والبخاري (٣/ ٤٤٣ – ٤٤٦)، والبيهقي (٥/ ١٠٢) من طرق أخرى عن ابن جريج … به؛ وليس عند البخاري قوله: أو رأيته …
وكذا للبيهقي؛ وزاد: في عمرته.
وإسنادها صحيح، وهي عمرة الجِعْرَانَةِ، كما جزم بذلك ابن القيم في «التهذيب»، ومال إليه الحافظ في «الفتح» (٣/ ٤٤٦). وقال ابن القيم:
٦ ‏/ ٦٠
«هذا إن كان المحفوظ أنه هو الذي قصر عن رسول الله ﷺ، وإن كان المحفوظ هو الرواية الأخرى -وهو قوله: رأيته يُقَصَّرُ عنه على المروة-؛ فيجوز أن يكون في عمرة القَضِيَّةِ أو الجعرانة حَسْب، ولا يجوز في غيرهما».
وراجع تمامه فيه.
قلت: والحقيقة أن هذا الحديث اضطرب فيه الرواة على معاوية اضطرابًا كثيرًا؛ على ما يأتي:
أولًا: هل هو الذي قَصَّرَ عنه ﷺ بالمشقص أم غيره؟
ففي رواية الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس عنه: تردده في ذلك، كما هو صريح قوله: أو رأيته يقصر عنه.
رواه المصنف من طريقين عن ابن جريج عنه؛ إحداهما: عن يحيى بن سعيد عنه.
وهي عند مسلم وأحمد، وكذا النسائي؛ بيد أنه لم يذكر عنه هذا التردد.
وقد تابعهما محمد بن بكر ورَوْحٌ عن ابن جريج … به: رواه أحمد.
ورواه البيهقي عن روح؛ لكنه لم يذكر التردد المشار إليه.
وهي رواية أبي عاصم عن ابن جريج: عند البخاري.
وتابع الحسنَ بنَ مسلمٍ: عبد الله بنُ طاوس عن أبيه … به؛ دون التردد المذكور: رواه مسلم وغيره، كما يأتي في الرواية الثانية في الكتاب.
وتابعه هشام بن حُجَيْرٍ عن طاوس … به؛ دون التردد: أخرجه أحمد وابنه عبد الله (٤/ ٩٧)، ومسلم (٤/ ٥٨) … بلفظ: قال ابن عباس: قال لي معاوية:
٦ ‏/ ٦١
أعلمت أني قَصَّرْتُ من رأس رسول الله ﷺ عند المروة بمشقص؟ فقلت له: لا أعلم هذا إلا حُجَّةً عليك.
ورواه النسائي (٢/ ١٦) بلفظ:
قال (ابن عباس): لا.
يقول ابن عباس: هذا معاوية ينهى للناس عن المتعة، وقد تمتع النبي ﷺ.
وسنده صحيح على شرط مسلم.
وتابعه ليث عن طاوس عن ابن عباس قال:
تمتع رسول الله ﷺ حتى مات، وأبو بكر حتى مات، وعمر حتى مات، وعثمان حتى مات، رضي الله عنهم، وكان أول من نهى عنها معاوية. قال ابن عباس: فعجبت منه؛ وقد حدثني أنه قَصَّرَ عن رسول الله ﷺ بمشقص.
أخرجه أحمد (١/ ٢٩٢)؛ وليث -وهو ابن أبي سليم- ضعيف؛ لسوء حفظه.
قلت: فتأمل كيف اضطرب الرواة على طاوس في الذي قصر عنه ﷺ!
لكن يظهر من هذا التخريج أن أكثرهم على أنه معاوية بدون أي تردد.
هذا حال الطريق الأولى.
الطريق الثانية: عن أبي أحمد الزبيري: ثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباس عن معاوية قال:
قصرت عن رأس رسول الله ﷺ عند المروة.
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (٤/ ٩٧): ثنا عمرو بن محمد الناقد قال: ثنا أبو أحمد الزبيري.
٦ ‏/ ٦٢
وخالفه محمد بن عبد الله الأسَدِيُّ عن سفيان فقال:
رأيت النبي ﷺ يقصر بمشقص.
أخرجه أحمد (٤/ ٩٧).
وهذا ظاهر في أن الذي قصر عنه هو غير معاوية.
وهكذا أخرجه ابنه عبد الله (٤/ ١٠٢): ثنا إبراهيم بن عبد الله بن بشار (الأصل: يسار) الواسطي: ثنا مُؤَمَّلٌ وأبو أحمد -أحدهما- عن سفيان … به.
لكن إبراهيم هذا مجهول الحال.
الطريق الثالثة: عن خُصَيْفٍ عن مجاهد وعطاء عن ابن عباس أن معاوية أخبره: أنه رأى رسول الله ﷺ قصر من شعره بمشقص. فقلت لابن عباس: ما بلغنا هذا إلا عن معاوية؟ فقال: ما كان معاوية على رسول الله متَّهَمًا.
أخرجه أحمد (٤/ ٩٥ و١٠٢)؛ لكن خُصَيْفٌ ضعيف.
الطريق الرابعة: عن حماد بن سلمة: أنا قيس عن عطاء عن معاوية قال:
أخذت من أطراف شعر رسول الله ﷺ بمشقص كان معي بعدما طاف بالبيت وبالصفا والمروة في أيام العشر. قال قيس: والناس ينكرون هذا على معاوية.
أخرجه النسائي (٢/ ٤٣)، وأحمد (٤/ ٩٢).
ورجاله ثقات؛ لكن أعله الحافظ (٣/ ٤٤٦) بالشذوذ. وأشار إلى ذلك ابن القيم في «الزاد» (١/ ٢٦٣)؛ فقال:
«وهي معلولة، أو وهم من معاوية».
قلت: ويتبين للناظر أن أكثر هذه الطرق تلتقي مع ما أفاده أكثر رواة الطريق
٦ ‏/ ٦٣
الأولى أن معاوية هو الذي قصر عنه ﷺ، فيكون هذا هو المحفوظ عنه.
ثانيًا: هل كان التقصير المذكور في عمرته ﷺ أم في حجته؟
اضطرب الرواة في ذلك أيضًا، ففي رواية روح المتقدمة عن ابن جريج قوله: في عمرته.
رواه البيهقي.
وتابعه عليها يحيى بن سعيد: عند النسائي.
ولم يذكرها المصنف وأحمد ومسلم عنه، كما سبق.
وخالفه الحسن بن علي -وهو الحُلْوَاني، أحد شيوخ المصنف- في الرواية الآتية، فزاد في آخر الحديث: لحجته.
ويشهد لها رواية ابن حُجَيْرِ عن طاوس المتقدمة، لا سيما التي بلفظ النسائي؛ فإنها ظاهرة في الحج.
وأصرح من ذلك رواية الليث بن أبي سليم، على ضعفها.
ولعل الأرجح من ذلك رواية من قال: في عمرته؛ لاتفاق ثقتين عليها، ولإمكان صحة ذلك من معاوية، بخلاف الرواية الأخرى؛ فإنها غلط.
ولا يبعد أن يكون من معاوية نفسه، وبه جزم ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» (١/ ٢٦٣)، فقال:
“وهذا مما أنكره الناس على معاوية وغلّطوه فيه، أصابه ما أصاب ابن عمر في قوله: إنه اعتمر في رجب؛ فإن سائر الأحاديث الصحيحة المستفيضة من الوجوه المتعددة كلها تدل على أنه ﷺ لم يَحِلَّ من إحرامه إلى يوم النحر، ولذلك أخبر
٦ ‏/ ٦٤
عن نفسه بقوله:»لولا أن معي الهدي لأحللت«، وقوله:»إني سقت الهدي وقرنت، فلا أحل حتى أنحر«. وهذا خبره عن نفسه، فلا يدخله الوهم، بخلاف خبر غيره، لا سيما خَبَرٌ يخالف ما أخبر به عن نفسه، وأخبر عنه به الجَمُّ الغَفِير أنه لم يأخذ من شعره شيئًا، لا بتقصير، ولا حلق، وأنه بقى على إحرامه حتى حلق يوم النحر. ولعل معاوية قصر عن رأسه في عمرة الجعرانة؛ فإنه كان حينئذ قد أسلم، ثم نسي، فظن أن ذلك كان في العشر، والوهم جائز على مَنْ سوى الرسول ﷺ، فإذا قام الدليل عليه؛ صار واجبًا».
ولذلك ذهب غير واحد من العلماء إلى أن ذلك كان في بعض عمره ﷺ، منهم الخطابي في «المعالم»، والنووي في «شرح مسلم»، والحافظ في «الفتح»؛ ولذلك تأول المنذري رواية المصنف: لحجته؛ بقوله:
«يعني: لعمرته. وقد أخرجه النسائي وفيه: في عمرة على المروة، وتُسَمَّى العمرة حجًّا؛ لأن معناها القصد».
ومن الغرائب: أن العلامة الأمير الصنعاني أورد حديث معاوية هذا بلفظ البخاري في «الروض الباسم» (ص ١١٦)، وبدل أن ينبَّه على ما فيه من الاضطراب الذي شرحته؛ أخذ يقويه بقوله:
«وله شواهد عن علي وعثمان … و… و…». يعني: في تمتعه ﷺ!
فكأنه يشير إلى أن حديث معاوية يثبت أنه ﷺ كان قارنًا، كما في تلك الشواهد!
والواقع: أن حديث معاوية فيه أنه تحلل على المروة؛ فهو يعني: أنه كان متمتعًا تمتعًا حَلَّ فيه! وإليه ذهب القاضي أبو يعلى وغيره؛ وهو خطأ ظاهر، كما سبق بيانه.
٦ ‏/ ٦٥
١٥٨٢ – وفي رواية عن ابن عباس:
أن معاوية قال له: أما علمت أني قَصَّرْتُ عن رسول الله ﷺ بِمشْقَصِ أعرابي على المروة -زاد الحسن: لحجته-؟
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، لكن قوله: لحجته .. شاذ؛ إلا أن يتَأوَّلَ بمعنى: لعمرته؛ فإنه ثابت في بعض الروايات الصحيحة).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي ومَخْلَد بن خالد ومحمد بن يحيى -المعنى- قالوا: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ ولم يخرجاه من هذا الوجه، وبزيادة: لحجته.
وهي زيادة شاذة عندي؛ لتفرد الحسن بن علي -وهو الحُلْوَاني- بها دون الشيخين الآخرين، لا سيما وقد توبعا كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (٢/ ٤٣): أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله قال: حدثنا عبد الرزاق … به دون الزيادة.

١٥٨٣ – عن ابن عباس قال:
أهل النبي ﷺ بعمرة، وأهَلَّ أصحابه بحج.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه).
إسناده: حدثنا ابن معاذ: أخبرنا أبي: ثنا شعبة عن مسلم القُرِّيِّ سمع ابن عباس يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير مسلم القري -وهو ابن

٦ ‏/ ٦٦
مِخْرَاقٍ أبو الأسود-؛ فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٥٦) … بإسناد المصنف ومتنه.
وكذلك أخرجه البيهقي (٥/ ١٨) من طريق أخرى عن عبيد الله بن معاذ … به.
ثم أخرجه مسلم، وأحمد (١/ ٢٤٠) من طريق محمد بن جعفر: ثنا شعبة … به.
وخالفهما روح -عند أحمد، والبيهقي (٥/ ١٨) -، والطيالسي -عند البيهقي-، فقالا:
أهل رسول الله ﷺ وأصحابه بالحج.
ويؤيد هذه الرواية: أن المعروف عن ابن عباس: أنه ﷺ أهل بالحج.
ثبت ذلك عنه من طرق؛ فرواه أبو حسان عنه في آخر حديث الإشعار؛ وقد مضى (١٥٣٨). ومجاهد في أول الحديث المتقدم (١٥٧٣). وطاوس في طريق هشام بن حُجَيْرِ عنه: عند النسائي، كما ذكرته تحت الحديث (١٥٨٢). وكذلك رواه البراء أبو العالية عنه: عند مسلم (٤/ ٥٦)، وأحمد (٣٥٠٩) وغيرهم.
ولا منافاة عندي بين الروايتين، فكل منهما أثبتت شيئًا لم تَنْفِهِ الأخرى، فهو ﷺ أهل بعمرة وحج. ويؤيده حديثه المتقدم (١٥٧١):
«هذه عمرة استمتعنا بها …» وغيره.

١٥٨٤ – عن عبد الله بن عمر قال:
تَمَتّع رسول الله ﷺ في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، فأهدى، وساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول ﷺ؛ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتَّعَ الناس مع رسول الله ﷺ بالعمرة إلى الحج، فكان من

٦ ‏/ ٦٧
الناس من أهدى وساق الهدي، ومنهم من لم يُهْدِ. فلما قدم رسول الله ﷺ مكة؛ قال للناس:
«من كان منكم أهدى؛ فإنه لا يَحِلُّ منه شيء حَرُمَ منه حَتى يَقْضِيَ حَجَّهُ، ومن لم يكن منكم أهدى؛ فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليُقَصِّرْ أو لِيَحْلِلْ، ثم لِيُهِلَّ بالحج، وليُهْدِ، فمن لم يجد هديًا؛ فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعةً إذا رجع إلى أهله». وطاف رسول الله ﷺ حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء، ثم خَبَّ ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع -حين قضى طوافه بالبيت عند المقام- ركعتين، ثم سَلَّمَ فانصرف.
فأتى الصفا، فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يَحْلِلْ من شيء حَرُمَ منه، حتى قضى حَجَّهُ، ونحر هديه يوم النحر وأفاض، فطاف بالبيت، ثم حَلَّ من كل شيء حرم منه. وفعل مثلَ ما فعل رسول الله ﷺ مَنْ أهدى وساق الهدي من الناس.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه» بإسناد المصنف، وأخرجه البخاري عن شيخ آخر، لكن قوله: وبدأ رسول الله ﷺ فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج .. شاذ، كما أفاده ابن القيم وابن حجر).
إسناده: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث: حدثني أبي عن [جَدِّي: حدثني] عُقَيْلٌ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير عبد الملك بن شعيب وأبيه؛ فإنهما على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
٦ ‏/ ٦٨
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٤٨) … بإسناد المصنف ومتنه.
وأخرجه البيهقي (٥/ ١٧) من طريقين آخرين عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد … به.
وأخرجه البخاري (٣/ ٤٢٤ – ٤٢٦)، والنسائي (٢/ ١٥)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٢/ ١٣٩) من طرق أخرى عن الليث … به.
(فائدة): قال الحافظ في «الفتح» (٣/ ٣٣٦):
«جزمه بأنه ﷺ بدأ بالعمرة؛ مخالف لما عليه أكثر الأحاديث؛ فهو مرجوح».
وسبقه إلى نحو ذلك العلامة ابن القيم في «زاد المعاد» (١/ ٢٧٠ – ٢٧٢)، ولكنه أفاد أن الأحاديث التي أشار إليها الحافظ -وهي التي فيها أنه ﷺ أهل بالحج، وقد تقدم بعضها في «باب إفراد الحج»- ليست صريحة في أنه ﷺ بدأ بالحج وحده، فلا تنافي الأحاديث الصريحة بأنه ﷺ لَبَّى بالحج والعمرة معًا؛ لحديث أنس وعمر المتقدمين في «باب الإقران»، فارجع إليه إن شئت التفصيل؛ فإنه نفيس.
(تنبيه): سقط من الأصل وغيره من نسخ عدة قوله في السند: (عن جدي: حدثني)! ولذلك جعلته بين معكوفتين، وهي زيادة ضرورية لا يستقيم الإسناد إلا بها؛ فإن شعيبًا ليس له رواية عن عُقَيْلٍ، وقد استدركتها من «مسلم» و«البيهقي».

١٥٨٥ – عن حفصة زوج النبي ﷺ: أنها قالت:
يا رسول الله! ما شأن الناس قد حَلُّوا ولم تَحْلِلْ أنت من عمرتك؟ ! فقال:
«إني لَبَّدْتُ رأسي، وقَلَّدْتُ هَدْيِي؛ فلا أحِلُّ حتى أنْحَرَ».

٦ ‏/ ٦٩
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر عن حفصة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٥٨).
وعنه: أخرجه البخاري أيضًا (٣/ ٣٣٣ و٤٤١ و١٠/ ٢٩٧)، ومسلم (٤/ ٥٠)، والنسائي (٢/ ٢١)، وأحمد (٦/ ٢٨٤) كلهم عن مالك … به.
وكذلك أخرجه البيهقي (٥/ ١٢).
ثم أخرجه هو، والبخاري (٣/ ٤٢٨ و٨/ ٨٥)، ومسلم أيضًا، والنسائي (٢/ ١٠)، وابن ماجة (٢/ ٢٤٥ – ٢٤٦)، وأحمد (٦/ ٢٨٣ و٢٨٥) من طرق أخرى عن نافع … به.
(فائدة): ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى ما قيل في تفسير قولها: ولم تحلل أنت من عمرتك … ثم ردَّ الأقوال كلها إلا الأخير منها؛ وهو أنه ليس فيه إلا الإخبار عن كونه في عمرة، وهذا لا ينفي أن يكون في حجة.
وقال:
«وهذا أقربها إلى الصواب. وأجود منه أن يقال: المراد بالعمرة: المتعة، وقد تقدم أن التمتع يراد به القِران، والعمرة تطلق على التمتع، فيكون المراد:
لم تَحِلَّ من قرانك، وسَمَّتْهُ عمرة كما يسمى تمتعًا. وهذه لغة الصحابة كما تقدم. والله أعلم».
٦ ‏/ ٧٠
٢٥ – باب الرجل يُهِلُّ بالحج، ثم يجعلُها عمرة
١٥٨٦ – عن سُلَيْمِ بن الأسود:
أن أبا ذرٍّ كان يقول -فيمن حَجَّ، ثم فسخها بعمرة-: لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله ﷺ.
(قلت: حديث موقوف صحيح، ولكن لا حجة فيه؛ لأنه رأي منه مخالف لقوله ﷺ المتقدم (١٥٦٨)، وقد سأله سراقة عن هذه العمرة التي أمرهم بفسخها: «بل هي للأبد»، وقوله في الحديث الآخر (١٥٧١): «قد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة». ونحوه في حديث جابر الطويل الآتي برقم (١٦٦٣».
إسناده: حدثنا هَنَّاد -يعني: ابن السَّرِيِّ- عن ابن أبي زائدة: أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن الأسود عن سُلَيْمِ بن الأسود.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أنه لم يخرج لابن إسحاق إلا متابعة؛ لأن في حفظه ضعفًا يسيرًا، فهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، ولكنه هنا قد عنعن؛ إلا أن للحديث طريقًا أخرى كما سأبين.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٢٢) من طريق المصنف.
ثم أخرجه (٤/ ٣٤٥ و٥/ ٤١) من طريقين عن يحيى بن سعيد عن مُرَقِّعٍ الأُسَيِّدِيِّ [وكان مَرْضِيًّا] عن أبي ذر رضي الله عنه قال:
لم يكن لأحد أن يَفْسَخَ حجه إلى عمرة؛ إلا للركب من أصحاب محمد ﷺ خاصَّةً.
٦ ‏/ ٧١
وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مرَقِّعٍ الأُسَيدِيِّ، وهو ثقة كما قال ابن حبان، وقد روى عنه جماعة من الثقات غير يحيى بن سعيد، ولذلك لما حكى الحافظ في «التهذيب» قول ابن حزم فيه:
«مجهول»! قال:
«وهو من إطلاقاته المردودة». وبناء على ذلك قال في «التقريب»:
«صدوق».
ومنه تعلم قول ابن القيم في «الزاد» (١/ ٢٨٨):
«ليس ممن يقوم بروايته حجة»!
وكأنه تبع في ذلك ابن حزم. ولكنه نقل عن الإمام أحمد أنه قال -وقد عُورِضَ بحديثه-:
«ومن المرقع الأسيدي؟ !».
وقد تابعه يزيد بن شَريك التَّيْمي قال: قال أبو ذر:
كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد ﷺ خاصَّةً.
أخرجه مسلم (٤/ ٤٦)، والنسائي (٢/ ٢٣ – ٢٤)، وابن ماجة (٢/ ٢٣١)، والبيهقي (٥/ ٢٢) من طريق إبراهيم التيمي عن أبيه.
قلت: فهذا شاهد قوي لحديث المرقع الأسيدي، فلا فائدة من الحط عليه لروايته إياه عن أبي ذر. وقد رواه عنه يزيد هذا، وهو ثقة اتفاقًا! وتابعه سليم بن الأسود وهو مثله في الثقة.
فلا شك في ثبوت هذا القول عن أبي ذر، ولكنه رأي له، مخالف لأحاديث
٦ ‏/ ٧٢
الفسخ -وما أكثرها-، وقد أشرت في الأعلى إلى بعضها. قال ابن القيم في «تهذيب السنن»:
«وهذا الحديث قد تضمن أمرين:
أحدهما: فعل الصحابة لها، وهو بلا ريب بأمر النبي ﷺ، وهو رواية.
والثاني: اختصاصهم بها دون غيرهم، وهذا رأي، فروايته حجة، ورأيه غير حجة. وقد خالفه فيه عبد الله بن عباس وأبو موسى الأشعري.
وقد حمله طائفة على أن الذي اختصوا به هو وجوب الفسخ عليهم حتمًا. وأما غيرهم فيستحب له ذلك، هذا إذا كان مراده متعة الفسخ. وإن كان المراد مطلق المتعة؛ فهو خلاف الإجماع والسنة المتواترة. والله أعلم».
قلت: الحمل المذكور بعيد جدًّا عن بعض ألفاظ الحديث! ففي رواية عبد الوارث بن أبي حنيفة قال: سمعت إبراهيم التيمي يحدث عن أبيه عن أبي ذر قال في متعة الحج:
ليست لكم، ولستم منها في شيء؛ إنما كانت … الحديث.
أخرجه النسائي بإسناد صحيح، كما قال ابن القيم.
فهذا منه صريح في أنه ينفي مطلق المشروعية، وكذلك -هو يعني- مطلق المتعة، وليس متعة الفسخ؛ بدليل رواية عبد الرحمن بن أبي الشعثاء قال:
قلت: لإبراهيم النخعي وإبراهيم التيمي: إني أهِمُّ أن أجمع العمرة والحج؟ ! فقال إبراهيم النخعي: لكنَّ أباك لم يكن يهم بذلك! وقال إبراهيم التيمي عن أبيه: أنه مرَّ بأبي ذر رضي الله عنه بالرَّبَذَة، فذكر له ذلك؟ ! فقال: إنما كانت لنا خاصةً دونكم.
٦ ‏/ ٧٣
رواه مسلم والنسائي والبيهقي.
(تنبيه): في «زاد المعاد»: «وفي»سنن أبي داود«بإسناد صحيح عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: سئل عثمان عن متعة الحج؟ فقال: كانت لنا، ليست لكم»!
فهذا وهم؛ فليس هذا عند المؤلف ولا سواه من الستة.

٢٦ – باب الرجل يحج عن غيره
١٥٨٧ – عن عبد الله بن عباس قال:
كان الفضل بن عباس رَدِيفَ رسول الله ﷺ، فجاءته امرأة من خثعم تستفتِيهِ، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر إليه، فجعل رسول الله ﷺ يصرف وجه الفضل إلى الشَقِّ الآخر. فقالت:
يا رسول الله! إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا، لا يستطيع أن يثبت على الراحلة؛ أفأحُجُّ عنه؟ قال:
«نعم»، وذلك في حجة الوداع.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود وابن حبان).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه وبقية أصحاب «السنن»، وصححه الترمذي وابن الجارود، وهو مخرج في «الإرواء» (٩٩٢).

٦ ‏/ ٧٤
١٥٨٨ – عن أبي رَزِينٍ -رجل من بني عامر-: أنه قال:
يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير، لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظَّعَنَ؟ قال:
«احْجُجْ عن أبيك واعتمرْ».
(قلت: إسناده صحيح، وقد صححه الإمام أحمد والترمذي وابن حبان وابن الجارود والحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر ومسلم -بمعناه- قالا: ثنا شعبة عن النعمان ابن سالم عن عمرو بن أوس عن أبي رزين -قال حفص في حديثه: رجل من بني عامر-.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي رزين العامري -واسمه لَقِيطُ بن صَبِرَةَ، وقيل: بأنه غيره-، وهو صحابي معروف.
ومسلم: هو ابن إبراهيم الفراهيدي.
والحديث أخرجه البيهقي (٤/ ٣٥٠) من طريق المصنف.
ثم روى بإسناده الصحيح عن الإمام أحمد أنه قال:
«لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود من هذا، ولا أصح منه، ولم يُجَوِّدْهُ أحد كما جَوَّدَهُ شعبة».
قلت: ولذلك صححه جمع من الأئمة المخرجين للحديث؛ منهم الترمذي وابن حبان وابن الجارود، والحاكم، ووافقه الذهبي، وهو مخرج في «المشكاة» (٢٥٢٨ – التحقيق الثاني).
٦ ‏/ ٧٥
١٥٨٩ – عن ابن عباس:
أن النبي ﷺ سمع رجلًا يقول: لَبَّيْكَ عن شبْرمَةَ! قال:
«من شُبْرُمَةُ؟». قال: أخ لي -أو قريب لي-. قال:
«حججت عن نفسك؟». قال: لا. قال:
«حُجَّ عن نفسِكَ، ثُمَّ عن شُبْرُمَةَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذلك قال ابن الملقِّنِ، وصححه ابن الجارود وابن حبان والبيهقي والضياء المقدسي والعسقلاني).
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل وهَنَّاد بن السَّرِيِّ -المعنى واحد-؛ قال إسحاق: ثنا عَبْدَة بن سليمان عن ابن أبي عَروبة عن قتادة عن عَزْرَةَ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير هناد بن السري؛ فإنه على شرط مسلم.
وقرينه إسحاق بن إسماعيل -وهو الطَّالْقَانِيُّ- ثقة، وقد توبعا.
والحديث أخرجه ابن ماجة وابن الجارود وابن حبان وغيرهم من طرق أخرى عن عبدة بن سليمان … به.
وقد صححه من ذكرنا في الأعلى من الأئمة، وقد خرجت الحديث في «الإرواء» (٩٩٤)، وذكرت فيه أقوال المصححين، وأشرت إلى ما أُعِلَّ به مما لا يقدح في صحته، والشاهد المرسل الذي قوّاه الحافظ به.
واستدركت عليه أنه ثبت موصولًا من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعًا؛ وسنده صحيح. وهو مما أغفلته كتب التخريج التي وقفت عليها. والحمد لله على توفيقه.
٦ ‏/ ٧٦
٢٧ – باب كيف التلبية؟
١٥٩٠ – عن نافع عن ابن عمر:
أن تلبية رسول الله ﷺ:
«لَبَّيْكَ اللهم! لَبَّيْكَ، لبيك لا شريك لك لَبَّيْكَ، إن الحمدَ والنعمةَ لكَ والملك، لا شريكَ لك».
قال: وكان عبد الله بن عمر يزيد في تلبيته:
لبَّيْك لَبَّيْكَ، لبيّك وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ بيدَيْكَ، والرَّغْبَاءُ إليك والعَمَلُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود وابن حبان).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٣٠٧) … بهذا الإسناد والمتن.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٢٠)، ومسلم (٤/ ٧)، والنسائي (٢/ ١٨)، والبيهقي (٥/ ٤٤) كلهم من طرق عن مالك … به.
وتابعه جمع عن نافع … به.
أخرجه مسلم والنسائي، والترمذي (٨٢٥ و٨٢٦) -وصححه-، والدارمي (٢/ ٣٤)، وابن ماجة (٢/ ٣١٥)، وابن الجارود (٤٣٣)، وأحمد (٢/ ٢٨ و٤١ و٤٣ و٤٧ و٤٨ و٥٣ و٧٧).
وتابعه جمع عن ابن عمر … به.
٦ ‏/ ٧٧
أخرجه مسلم والنسائي والبيهقي وأحمد (٢/ ٣ و٣٤ و٤٣ و٧٩ و١٢٠ و١٣١). وزاد هو ومسلم من طريق سالم … مرفوعًا:
لا يزيد على هؤلاء الكلمات.

١٥٩١ – عن جابر بن عبد الله قال:
أهلَّ رسول الله ﷺ … فذكر التلبية؛ مثل حديث ابن عمر، قال: والناس يزيدون: ذا المعارج! ونحوه من الكلام، والنبي ﷺ يسمع، فلا يقول لهم شيئًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن الجارود).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا جعفر: ثنا أبي عن جابر بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير جعفر -وهو ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله، المعروف بالصادق-، فهو من رجال مسلم وحده.
والحديث أخرجه أحمد في «المسند» (٣/ ٣٢٠ – ٣٢١) … بهذا الإسناد عن جابر … به.
وهو عنده قطعة من حديثه الطويل في الحج، وسيأتي عند المصنف برقم (١٦٦٣) من طريق حاتم بن إسماعيل: ثنا جعفر بن محمد … به مطولًا، وفيه هذه القطعة نحوه.
وكذلك أخرجه مسلم وغيره، ويأتي تخريجه هناك.
والحديث أخرجه ابن الجارود (٤٦٥)، والبيهقي (٥/ ٤٥) من طريقين آخرين عن يحيى بن سعيد … به.

٦ ‏/ ٧٨
وعزاه المنذري في «مختصره» لابن ماجة!
وهو وهم؛ فإنه إنما أخرجه (٢/ ٢٥٢) بنحو الرواية الآتية:

١٥٩٢ – عن السائب الأنصاري: أن رسول الله ﷺ قال: «أتاني جبريل ﷺ؛ فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال -أو قال: بالتلبية-»؛ يريد أحدهما.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن خَلادِ بن السائب الأنصاري عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير خلاد بن السائب؛ وهو ثقة.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٠٩ – ٣١٠) … بهذا الإسناد والمتن.
وأخرجه أحمد (٤/ ٥٦)، والبيهقي (٥/ ٤٢) عن مالك … به.
وكذا رواه الدارمي (٢/ ٣٤).
وتابعه سفيان بن عيينة: ثنا عبد الله بن أبي بكر … به: أخرجه أحمد والحميدي (٨٥٣)، وعنه الحاكم (١/ ٤٥٠) -وصححه، ووافقه الذهبي-، والنسائي (٢/ ١٨)، والترمذي (٨٢٩)، وابن ماجة (٢/ ٢١٦)، والدارمي أيضًا، وابن الجارود (٤٣٤)، والبيهقي كلهم عن سفيان … به. وقال البيهقي:
“ورواه ابن جريج قال: كتب إلي عبد الله بن أبي بكر … فذكره، ولم يذكر أبا خلاد في إسناده. والصحيح رواية مالك وابن عيينة عن عبد الله بن أبي بكر عن

٦ ‏/ ٧٩
عبد الملك عن خلاد بن السائب عن أبيه عن رسول الله ﷺ. كذلك قال البخاري وغيره»!
كذا قال! ورواية ابن جريج عند أحمد مثل رواية مالك وسفيان، فقال: ثنا محمد بن بكر قال: أنا ابن جريج. وروح قال: ثنا ابن جريج قال: كتب إلي عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يقول: حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن الحارث أنه حدثه خلاد بن السائب بن سُوَيْدٍ الأنصاري عن أبيه السائب ابن خلاد أنه سمع رسول الله ﷺ يقول …
فلعل ما ذكره البيهقي رواية عن ابن جريج! لكن هذه الرواية المسندة عنه أصح؛ لاتفاق ثقتين عليها عنه، ولموافقتها لرواية مالك وسفيان.
وخالفه المطلب بن عبد الله بن حَنْطَبِ فقال: عن خلاد بن السائب عن زيد ابن خالد الجُهنِيِّ … مرفوعًا نحوه: أخرجه أحمد (٥/ ١٩٢)، وابن ماجة والحاكم والبيهقي وابن حبان أيضًا (٩٧٤) وصححه الحاكم أيضًا، وقال:
«لا يعلل واحد منها الآخر»! وخالفه الترمذي فقال:
«ولا يصح، والصحيح عن خلاد عن أبيه».
قلت: وهذا هو الأرجح؛ لأن المطلب هذا مدلس، وقد عنعنه.

٢٨ – باب متى يقطع التلبية؟
١٥٩٣ – عن الفضل بن عباس:
أن رسول الله ﷺ لَبَّى حتى رمى جمرة العقبة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا ابن حبان).

٦ ‏/ ٨٠
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا وكيع: ثنا ابن جريج عن عطاء عن الفضل بن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وقد أخرجاه، وسائر أصحاب «السنن»؛ كما تراه في «الإرواء» (١٠٩٨).

١٥٩٤ – عن عبد الله بن عمر قال:
غَدَوْنَا مع رسول الله ﷺ مِنْ مِنىً إلى عرفاتٍ؛ منا المُلَبِّي، ومنا المكَبِّرُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا عبد الله بن نمير: ثنا يحيى بن سعيد عن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الله ابن أبي سلمة -وهو الماجشون-، وهو ثقة من رجال مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٧٢) … بإسناد المصنف ومتنه.
وهو في «المسند» (٢/ ٢٢) … بهذا الإسناد والمتن.
ثم أخرجه هو (٢/ ٣)، ومسلم، والنسائي (٢/ ٤٤)، والدارمي (٢/ ٥٦)، والبيهقي (٥/ ١١٢).
وتابعه عمر بن حسين عن عبد الله بن أبي سلمة … به نحوه؛ وزاد: قال:
قلت: والله؛ لَعَجَبًا منكم كيف لم تقولوا له: ماذا رأيت رسول الله ﷺ يصنع؟

٦ ‏/ ٨١
أخرجه مسلم.
واعلم أن هذه الرواية هي التي أشار إليها المنذري في قوله في «مختصره»:
«وأخرجه مسلم بنحوه»!
وفاته أنه عنده باللفظ الأول أيضًا، كما رأيت.

٢٩ – باب متى يقطع المعتمر التلبية؟
[تحته حديث واحد. انظره في «الضعيف»]

٣٠ – باب المُحْرِمِ يؤدِّب غلامه
١٥٩٥ – عن أسماء بنت أبي بكر قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ حُجَّاجًا، حتى إذا كُنَّا بالعَرْجِ؛ نزل رسول الله ﷺ ونزلنا، فجلست عائشة رضي الله عنها إلى جَنْبِ رسول الله ﷺ، وجلستُ إلى جَنْبِ أبي، وكانت زِمَالَةُ أبي بكر وزِمَالَةُ رسول الله ﷺ واحدةً مع غلامٍ لأبي بكر، فجلس أبو بكر ينتظر أن يَطْلُعَ عليه، فطَلَعَ وليس معه بعيرُهُ. قال: أين بعيرك؟ قال: أضللته البارحة. قال: فقال أبو بكر: بعيرٌ واحدٌ تُضِلُّهُ؟ ! قال: فَطَفِقَ يَضْرِبُهُ؛ ورسولُ الله ﷺ يَبْتَسِمُ ويقول:
«انظروا إلى هذا المُحْرِمِ ما يصنع؟ !».
قال ابن أبي رِزْمَةَ: فما يزيد رسول الله ﷺ على أن يقول:
«انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع؟ !»؛ ويبتسم.

٦ ‏/ ٨٢
(قلت: حديث حسن، وصححه الحاكم والذهبي. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل قال: حدثنا. (ح) وحدثنا محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمَةَ: أخبرنا عبد الله بن إدريس: أخبرنا ابن إسحاق عن يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ابن إسحاق، فهو مدلس، ولم أقف على تحديثه فيه حتى الآن!
والحديث في «مسند أحمد» (٦/ ٣٤٤): ثنا عبد الله بن إدريس … به.
وأخرجه ابن ماجة (٢/ ٢١٨ – ٢١٩) من طريق ابن أبي شيبة: ثنا عبد الله بن إدريس … به.
وابن خزيمة (٢٦٧٩)، والحاكم (١/ ٤٥٣ – ٤٥٤)، وعنه البيهقي (٥/ ٦٧ – ٦٨) من طريق أخرى عن عبد الله بن إدريس … به. وقال الحاكم:
«حديث غريب صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر؛ فإن ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، ثم هو مدلس، وقد عنعنه.
لكنه لم يتفرد به؛ فقد قال ابن سعد في «الطبقات» (٨/ ٢٠٦): أخبرنا محمد بن عمر: حدثني يعقوب بن يحيى بن عَبَّاد عن عيسى بن معمر عن عَبَّاد ابن عبد الله … به.
لكن عيسى بن معمر لين الحديث.
ومحمد بن عمر -وهو الواقدي- متروك. والله أعلم.
٦ ‏/ ٨٣
٣١ – باب الرجل يُحْرِمُ في ثيابه
١٥٩٦ – عن يعلى بن أميَّة:
أن رجلًا أتى النبي ﷺ وهو بالجِعْرَانَةِ، وعليه أثَرُ خَلُوقٍ -أو قال: صُفْرَةٍ-، وعليه جُبَّةٌ، فقال:
يا رسول الله! كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله تبارك وتعالى على النبي ﷺ الوحي، فلما سُرِّيَ عنه قال:
«أين السائل عن العمرة؟». قال:
«اغسل عنك أثر الخلوق -أو قال: أثر الصُّفرة-، واخلع الجُبَّةَ، واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وابن حبان).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا همام قال: سمعت عطاء: أخبرنا صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٤٨٥ و٤/ ٥١)، ومسلم (٤/ ٣)، والبيهقي (٥/ ٥٦) من طرق أخرى عن همام بن يحيى … به؛ وفيه عندهم قصة.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٣٦٤).
ثم أخرجه البخاري (٣/ ٣٠٧) -معلقًا- و(٨/ ٣٨) -موصولًا-، وكذا مسلم، والترمذي (٨٣٦)، والنسائي (٢/ ١٢)، وابن الجارود (٤٤٧ – ٤٤٩)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٤/ ٢٢٢ و٢٢٤) من طرق أخرى عن عطاء … به؛ وأسقط
٦ ‏/ ٨٤
بعضهم: صفوان بن يعلى من الإسناد! وهي رواية الترمذي، وأعلها وقال: «الرواية الأولى أصح».

١٥٩٧ – وفي رواية عنه … بهذه القصة؛ قال فيه: فقال له النبي ﷺ:
«اخلع جبتك»؛ فخلعها من رأسه … وساق الحديث.
(حديث صحيح؛ إلا قوله: فخلعها من رأسه؛ فإنه منكر).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن عطاء عن يعلى بن أمية. وهشيم عن الحجاج عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه.
قلت: حديث صحيح، ورجال إسناده من الوجهين ثقات، وهو من الوجه الآخر موصول، لكن فيه عنعنة الحجاج -وهو ابن أرطاة-، وهو مدلس.
ومن الوجه الأول منقطع بين عطاء ويعلى؛ فإن بينهما صفوان بن يعلى، كما رواه جمع من الثقات، منهم همام عن عطاء، كما سبق في الرواية الأولى. ولذلك قال الترمذي -عقب الرواية المشار إليها آنفًا-:
«هكذا رواه قتادة والحجاج بن أرطاة وغير واحد عن عطاء. والصحيح: ما روى عمرو بن دينار وابن جريج عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه عن النبي ﷺ».
ثم إن المصنف إنما ساق هذه الرواية؛ لما فيها من زيادة: فخلعها من رأسه؛ وهي زيادة منكرة عندي؛ لعدم ورودها في كل طرق الحديث التي وقفت عليها، وإن كان الحافظ سكت عليها في «الفتح» (٣/ ٣٠٩)، وهو لا يسكت إلا عما كان حسنًا على الأقل عنده، كما نص عليه في «المقدمة»، ولكني لاحظت عليه شيئًا من التساهل في غير ما حديث واحد. والله أعلم.
على أنه قد روي من حديث جابر ما ينافي صراحة هذه الزيادة، كما ينافي

٦ ‏/ ٨٥
ظاهر الحديث، لكن في إسناده ضعف؛ كما بينته في «الضعيفة» (٤٨٤٤).
ومثل هذه الزيادة: ما في رواية النسائي في آخر الحديث: ثم أحدث إحرامه! وقد أنكرها النسائي؛ فقال عقبها:
«ما أعلم أحدًا قاله غير نوح بن حبيب، ولا أحسبه محفوظًا».

١٥٩٨ – وفي رواية ثالثة عنه … بهذا الخبر؛ قال فيه:
فأمره رسول الله ﷺ، أن يَنْزِعَها نزعًا، ويغتسل مرتين أو ثلاثًا … وساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه الشيخان وابن الجارود بنحوه).
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن مَوْهَب الهَمْدَانِي الرَّمْلِي قال: حدثني الليث عن عطاء بن أبي رباح عن يعلى ابن مُنْيَة عن أبيه … بهذا الخبر؛ قال فيه …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير الرملي، وهو ثقة.
وإنما ساقه المصنف؛ لما فيه من زيادة الاغتسال مرتين أو ثلاثًا، وهي زيادة صحيحة ثابتة في «الصحيحين» وغيرهما فما بعض طرق الحديث المشار إليها تحت الرواية الأولى، وهو طريق ابن جريج قال: أخبرني عطاء … به نحوه.
وهو عند ابن الجارود أيضًا (٤٤٧).

١٥٩٩ – وفي رابعة عنه:
أن رجلًا أتى النبي ﷺ بالجِعْرَانَةِ وقد أحْرَمَ بعمرة؛ وعليه جُبَّةٌ، وهو مَصَفِّرٌ لِحْيَتَهُ ورأسَهُ … وساق هذا الحديث.

٦ ‏/ ٨٦
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه بإسناد المصنف وغيره).
إسناده: حدثنا عقبة بن مُكْرَمٍ: ثنا وهب بن جرير: ثنا أبي قال: سمعت قيس بن سعد يحدث عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه: أن رجلًا …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد أخرجه (٤/ ٥) … بسند المصنف وغيره.
وأخرجه النسائي (٢/ ١٢).

٣٢ – باب ما يَلْبَسُ المُحْرِمُ
١٦٠٠ – عن سالم عن أبيه قال:
سأل رجل رسول الله ﷺ: ما يترك المحرمُ من الثياب؟ فقال:
«لا يلبس القميص، ولا البُرْنُسَ، ولا السَّراويلَ، ولا العِمَامةَ، ولا ثوبًا مَسَّه وَرْسٌ ولا زَعْفَرانٌ، ولا الخُفَّيْنِ؛ إلا لمن لم يجد النعلين، فمن لم يجد نعلين؛ فليلبس الخفين، وليقطعهما، حتى يكونا أسفلَ من الكعبين».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا مسدد وأحمد بن حنبل قالا: ثنا سفيان عن الزهري عن سالم.

٦ ‏/ ٨٧
حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ … بمعناه.
قلت: وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه من الوجهين، وكذا ابن الجارود، وصححه الترمذي من الوجه الثاني، وهما مخرجان في «الإرواء» (١٠١٢).

١٦٠١ – ومن طريق نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ … بمعناه؛ زاد:
«ولا تَنْتَقِبُ المرأةُ الحَرَامُ، ولا تَلْبَسُ القُفَّازينِ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن نافع.
قال أبو داود: «وقد روى هذا الحديث: حاتمُ بن إسماعيل ويحيى بن أيوب عن موسى بن عقبة عن نافع … على ما قال الليث. ورواه موسى بن طارق عن موسى بن عقبة … موقوفًا على ابن عمر. وكذلك رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفًا. وإبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ:»المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين«…».
قال أبو داود: «إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة، ليس له كبير حديث».
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وأخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه الترمذي (٨٣٣)، والنسائي (٢/ ٩) … بإسناد المصنف ومتنه؛ إلا أنهما ساقاه بتمامه، وقال الترمذي،
«حديث حسن صحيح».

٦ ‏/ ٨٨
وأخرجه البخاري (٤/ ٤٢)، والبيهقي (٥/ ٤٦)، وأحمد (٢/ ١١٩) من طرق أخرى عن الليث … به. وقال البخاري:
«تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق … في النقاب والقفازين».
ثم أشار إلى رواية عبيد الله ومالك اللتين علقهما المصنف موقوفًا.
وكأن البخاري والمصنف رحمهما الله أشارا برواية الجماعة المذكورين عن نافع … به مرفوعًا بأن الصواب رفع الزيادة، وإن أوقفها مالك ومن معه؛ لأن زيادة الثقة مقبولة.
وقد وصل البيهقي أكثر هذه المعلقات عند البخاري والمصنف. ووصل هذا مُعَلَّقَ ابنِ إسحاق وإبراهيم بن سعيد المديني كما يأتي.

١٦٠٢ – وفي رواية ثانية عنه عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال:
«المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا إبراهيم بن سعيد المديني عن نافع عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير إبراهيم هذا، وقد أشار المصنف بقوله فيما تقدم قريبًا: «شيخ من أهل المدينة، ليس له كبير حديث»: إلى أنه مجهول لا يعرف. وقد روى عنه زكريا بن يحيى بن حَمَّوَيهِ أيضًا. ولذلك قال الحافظ في «التقريب»:
«مجهول الحال».

٦ ‏/ ٨٩
قلت: وقد تابعه الليث بن سعد، كما في الرواية التي قبلها، وابن إسحاق كما في الرواية الآتية، ولذلك قلنا: حديث صحيح.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٤٧) من طريق المصنف.

١٦٠٣ – وفي ثالثة عنه عن عبد الله بن عمر:
أنه سمع رسول الله ﷺ نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مَسَّ الورسُ والزعفرانُ من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحَبَّت من ألوان الثياب معَصْفرًا أو خَزًّا، أو حُلْيًّا، أو سراويلَ، أو قميصًا أو خفًّا.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الحافظ الذهبي).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا يعقوب: ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: فإن نافعًا مولى عبد الله بن عمر حدثني عن عبد الله بن عمر.
قال أبو داود: «روى هذا الحديثَ عن ابن إسحاق: عبدة بن سليمان ومحمد ابن سلمة إلى قوله: وما مس الورسُ والزعفرانُ مع الثياب … ولم يذكرا ما بعده».
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد فعل هنا كما ترى.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٤٨٦)، وعنه البيهقي (٥/ ٤٧): أخبرنا أحمد بن جعفر القَطِيعِيُّ: ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وقد ذكرنا مرارًا أن مسلمًا لم يحتجَّ بابن إسحاق.

٦ ‏/ ٩٠
واعلم أنني لم أرَ الحديث من هذا الوجه في «المسند»! وإنما أخرجه فيه (٢/ ٣٢) من طريق يزيد: أنا محمد -يعني. ابن إسحاق- عن نافع … به.

١٦٠٤ – عن نافع عن ابن عمر:
أنه وَجَدَ القُرَّ، فقال: ألقِ عليَّ ثوبًا يا نافع! فألقيت عليه بُرْنُسًا، فقال: تُلْقِي علي هذا وقد نهى رسول الله ﷺ أن يَلْبَسَه المُحْرم؟ !
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن أيوب عن نافع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٣١): حدثنا يزيد: أخبرنا جرير بن حازم: حدثنا نافع … به.
ثم أخرجه (٢/ ٥٧)، والبيهقي (٥/ ٥٢) عن يحيى بن سعيد عن ابن عجلان: حدثني نافع … به نحوه. وقال المنذري في «مختصره»:
«وأخرجه البخاري والنسائي: المسند منه بنحوه أتم منه»!
قلت: وكأنه يعني: الحديث الأول (١٦٠٠)! فإذا كان كذلك؛ فلماذا لم يعزه لمسلم أيضًا؛ وقد أخرجه أيضًا كما تقدم؟ !
وإن كان يعني غيره؛ فما أراه إلا وهمًا؛ فإني لم أره عند البخاري والنسائي، ولم يعزه النابلسي في «الذخائر» (٢/ ١١٩) إلا للمصنف! ولو كان عند البخاري لعزاه إليه البيهقي إن شاء الله، كما هي عادته.
ثم وجدت لحماد -وهو ابن سلمة- متابعًا، فقال أحمد (٢/ ١٤١): ثنا محمد

٦ ‏/ ٩١
ابن عبد الرحمن الطُّفَاوِيُّ: ثنا أيوب عن نافع:
أن ابن عمر خرج حاجًّا، فأحرم فوضع رأسه في برد شديد، فألقيت عليه برنسًا، فانتبه فقال: ما ألقَيتَ عليَّ؟ قلت: برنسًا. قال: تلقيه عليَّ وقد حدثتك أن رسول الله ﷺ نهانا عن لبسه؟ !
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.

١٦٠٥ – عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«السراويل لمن لا يجد الإزار، والخُفُّ لمن لا يجد النعلين».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي وابن الجارود وأبو نعيم في «مستخرجه»).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه مع بقية الستة وغيرهم، كما تراه في «الإرواء» (١٠١٣)؛ وفيه تحقيق شذوذ زيادة النسائي:
«وليقطعهما أسفل من الكعبين» بما لا تراه في مكان آخر.

١٦٠٦ – عن عائشة قالت:
كنا نخرج مع النبي ﷺ إلى مكة، فَنُضَمِّدُ جباهنا بالسُّكِّ المُطَيَّبِ عند الإحرام، فإذا عَرِقت إحدانا؛ سال على وجهها، فيراه النبي ﷺ؛ فلا ينهانا.
(قلت: إسناده صحيح).

٦ ‏/ ٩٢
إسناده: حدثنا الحسين بن الجُنَيْدِ الدَّامَغَانِيُّ: ثنا أبو أسامة قال: أخبرني عمر ابن سويد الثقفي قال: حدثتني عائشة بنت طلحة أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حدثتها قالت …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٤٨) من طريق المصنف.
وأحمد (٦/ ٧٩) من طريق آخر عن عمر بن سويد … به.

١٦٠٧ – عن سالم بن عبد الله:
أن عبد الله -يعني: ابن عمر- كان يصنع ذلك؛ يعني يقطع الخفين للمرأة المحرمة.
ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد؛ أن عائشة حدثتْها:
أن رسول الله ﷺ كان رَخَّصَ للنساء في الخفين، فترك ذلك.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق قال: ذكرتُ لابن شهاب، فقال: حدثني سالم بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٥٢) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٩): حدثني ابن أبي عدي … به.
وأخرجه الشافعي (٢/ ٢٠ – ٢١)، وعنه البيهقي: أخبرنا ابن عيينة عن

٦ ‏/ ٩٣
الزهري … به؛ إلا أنه لم يرفعه.
وسنده صحيح على شرط الشيخين.

٣٣ – باب المحرم يحمل السلاح
١٦٠٨ – عن البراء قال:
لمَّا صالح رسول الله ﷺ أهل الحُدَيْبِيَة؛ صالحهم على أن لا يدخلوها إلا بِجُلُبَّانِ السلاحِ.
فسألته: ما جُلُبَّانُ السلاح؟ قال: القِرَابُ بما فيه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه بأتم منه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت للبراء يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «المسند» (٤/ ٢٩١) … بهذا الإسناد والمتن؛ ولكنه أتم منه.
وكذلك أخرجه البخاري (٥/ ٣٣٢)، ومسلم (٥/ ١٧٤) من طرق أخرى عن محمد بن جعفر … به.
وأحمد (٤/ ٢٨٩ و٣٠٢)، ومسلم، والبيهقي (٥/ ٦٩) من طرق أخرى عن شعبة … به.

٣٤ – باب في المحرمة، تغطي وجهها
[تحته حديث واحد. انظره في «الضعيف»]

٦ ‏/ ٩٤
٣٥ – باب في المحرم يُظَلَّلُ
١٦٠٩ – عن أم الحُصَيْنِ قالت:
حَجَجْنَا مع النبي ﷺ حَجَّةَ الوداع، فرأيت أسامة وبلالًا وأحدهما آخِذٌ بخِطَامِ ناقة النبي ﷺ، والآخر رافعٌ ثَوْبَه لِيَسْتُرَهُ من الحَرِّ، حتى رمى جمرة العقبة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه بإسناد المصنف ومتنه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم زيد بن أبي أنَيْسَةَ عن يحيى بن حُصَيْنٍ عن أم الحصين.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو عبد الرحيم: اسمه خالد بن أبي يزيد الحَرَّاني، وهو خال محمد بن سلمة.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٨٠) … بإسناد المصنف ومتنه.
وهو في «المسند» (٦/ ٤٠٢).
وعنه: أخرجه البيهقي أيضًا (٥/ ٦٩).
ثم أخرجه مسلم من طريق أخرى عن زيد بن أبي أنيسة.
وأخرجه النسائي (٢/ ٤٩ – ٥٠) من طريق أخرى عن محمد بن سلمة … به. وانظر «الإرواء» (١٠١٨).
٦ ‏/ ٩٥
٣٦ – باب المحرم يحتجم
١٦١٠ – عن ابن عباس:
أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا سفيان عن عمرو عن عطاء وطاوس عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «المسند» (١/ ٢٢١) … بهذا السند والمتن.
وكذلك رواه الحميدي في «مسنده» (٥٠٠).
ورواه البخاري (٤/ ٤٠ – ٤١)، ومسلم (٤/ ٢٢)، والترمذي (٨٣٩) -وقال: «حسن صحيح»-، والنسائي (٢/ ٢٨)، وابن الجارود (٤٤٢)، والبيهقي (٥/ ٦٤) من طرق عن سفيان -وهو ابن عيينة- … به.
وله عند أحمد طرق أخرى: عن ابن عباس (١/ ٢١٥ و٢٨٣ و٢٨٦ و٢٩٢ و٣٠٥ و٣١٥ و٣٥١ و٣٧٤)، ويأتي أحدها في الكتاب بعده.

١٦١١ – ومن طريق آخر عنه … به؛ وزاد:
في رأسه من داءٍ كان به.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون: أخبرنا هشام عن

٦ ‏/ ٩٦
عكرمة عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٢٣٦): ثنا يزيد: أنا هشام. وابن جعفر قال: حدثنا هشام … به؛ إلا أنه قال: أذى مكان: داء.
ثم أخرجه (١/ ٢٤٩ و٢٥٩ و٣٤٦)، والبخاري (١٠/ ١٢٥) من طرق أخرى عن هشام بن حسان … به، ولفظ البخاري:
من وجع كان به بماء يقال له: لَحْيُ جمل.
وهو رواية لأحمد؛ إلا أنه قال:
من صُدَاعٍ كان به.
وهو رواية البخاري معلقة؛ لكنه قال: شقيقة بدل: صداع.
ووصلها الإسماعيلي.
وفي رواية لأحمد (١/ ٣٧٤) من طريق هلال عن عكرمة بلفظ: احتجم وهو محرم من أُكْلَةٍ أكَلَها؛ من شاة مسمومة، سَمَّتْها امرأة من أهل خيبر.
وسنده حسن.
وفي رواية (١/ ٣٠٥) من هذا الوجه:
وكان رسول الله ﷺ إذا وجد من ذلك شيئًا احتجم، قال: فسافر مرة، فلما أحرم وجد من ذلك شيئًا، فاحتجم.
وللحديث؛ شاهد من حديث عبد الله ابن بُحَيْنَة: أخرجه البخاري والنسائي وأحمد (٥/ ٣٤٥).
٦ ‏/ ٩٧
وله شاهد آخر من حديث أنس: أخرجه المصنف وغيره؛ لكن فيه نكارة، من أجل ذلك أخرجته في الكتاب الآخر (٣١٨) (*).
١٦١١ / م-عن معمر عن قتادة عن أنس:
أن رسول الله ﷺ احتجم وهو محرم على ظهر القدمِ من وجع كان به.
قال أبو داود: «سمعت أحمد قال: ابن أبي عروبة أرسله. يعني عن قتادة».
(قلت: يشير إلى إعلاله بالإرسال؛ لأن ابن أبي عروبة أحفظ من معمر، ولم يجاوز به قتادة، وله علة أخرى، وهي المخالفة؛ فقد رواه الضياء المقدسي في «المختارة» من طريق أخرى عن أنس بلفظ: «من وجع كان برأسه»، وإسناده صحيح، وهو الموافق لحديث ابن عباس وابن بحينة في «صحيح البخاري»، وهو في الكتاب الآخر (١٦١١».
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر …
قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين. لكن أعله المصنف تبعًا لشيخه الإمام أحمد بمخالفة سعيد بن أبي عروبة؛ فإنه أرسله، قال الحافظ:
«وسعيد أحفظ من معمر، وليست هذه بعلة قادحة، والجمع بين حديثي ابن عباس وأنس واضح بالحمل على التعدد».


(*) انظر الحديث التالي، فهو المقصود، وقد أشار الشيخ رحمه الله إلى نقله من «الضعيف» إلى هنا، وكن من هذا على ذكر؛ فإن بعض مفرداته متفقة مع كونه في «الضعيف». (الناشر).
٦ ‏/ ٩٨
قلت: حديث ابن عباس الذي يشير إليه أخرجه المصنف في الباب قبل حديث أنس هذا ولفظه: «في رأسه»، وهو في الكتاب الآخر (١٦١١) (*) برواية البخاري وغيره، وذكر له هناك شاهدًا من حديث ابن بُحَيْنَةَ، فهو أقوى من حديث أنس، وقد جمع الحافظ بينهما بما سمعت، وهو جمع حسن معهود في مثل هذا المقام، لولا أني رأيت الضياء المقدسي قد أخرج الحديث في «المختارة» (٣/ ١٠٢) من طرق عن المعتمر بن سليمان قال: سمعت حميدًا يحدث عن أنس:
أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم من وجع كان برأسه.
وهذا إسناد صحيح، وأصله في «المسند» (٣/ ١٦٤) سندًا ومتنًا.
وأخرجه ابن حبان (١٤٠٠)، والحاكم (١/ ٤٥٣)، وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! مشيًا على ظاهر الإسناد.
ثم وجدت له شاهدًا من حديث جابر من طريقين عنه، فلينقل إلى «الصحيح»، وقد ذكرته فيه تحت الحديث (٦١٥).

٣٧ – باب يكتحل المحرم
١٦١٢ – عن نُبَيْهِ بن وَهْبٍ قال:
اشتكى عمر بن عبيد الله بن معمر عَيْنَيْهِ، فأرسل إلى أبان بن عثمان -قال سفيان: وهو أمير-: ما يصنع بهما؟ قال: اضمِدْهما بالصَّبِرِ؛ فإني سمعت عثمان رضي الله عنه يحدث ذلك عن رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه. وصححه الترمذي


(*) الحديث السابق. (الناشر).
٦ ‏/ ٩٩
وابن الجارود).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا ابن عُلَيَّةَ عن أيوب عن نافع عن نبيه بن وهب … بهذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير نبيه بن وهب، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث في «المسند» (١/ ٦٨) … بهذا السند والمتن.
وكذلك أخرجه الحميدي في «مسنده» (٣٣).
ورواه مسلم (٤/ ٢٢)، والترمذي (٩٥٢)، والنسائي (٢/ ١٢)، وابن الجارود (٤٤٣)، والبيهقي (٥/ ٦٢) من طرق أخرى عن سفيان بن عيينة … به.
ثم أخرجه مسلم والبيهقي وأحمد (١/ ٦٥ و٦٩) من طرق أخرى عن أيوب … به.
وقد تابعه في إسناد المصنف الثاني: نافع، وهو مولى ابن عمر.
وأيوب الراوي عنه: هو السَّخْتِيَانِيّ:
وابن عُلَيَّةَ: هو إسماعيل بن إبراهيم.
وتابعه معمر: عند أحمد (١/ ٥٩) كلاهما عن أيوب … به.
٦ ‏/ ١٠٠
٣٨ – باب المحرم يغتسل
١٦١٣ – عن عبد الله بن حُنَيْنٍ:
أن عبد الله بن عباس والمِسْوَرَ بن مَخْرَمَةَ اختلفا بالأبْوَاءِ، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه. وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه. فأرسله عبد الله بن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري، فوجده يغتسل بين القرتين، وهو يُسْتَرُ بثوب. قال: فسلَّمْتُ عليه. فقال: من هذا؟ قلت: أنا عبد الله ابن حنين، أرسلني إليك عبد الله بن عباس أسألك:
كيف كان رسول الله ﷺ يغسل رأسه وهو محرم؟ قال:
فوضع أبو أيوب يده على الثوب، فطأطأه حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصْبُبْ. قال: فَصَبَّ على رأسه، ثم حَرَّكَ أبو أيوب رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، ثم قال: هكذا رأيته يفعل ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن زيد بن أسلم عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٠٢) … سندًا ومتنًا.
ومن طريقه أيضًا، أخرجه البخاري (٤/ ٤٥)، ومسلم (٤/ ٢٣)، والنسائي (٢/ ٨)، وابن ماجة (٢/ ٢١٩)، والبيهقي (٥/ ٦٣)، وأحمد (٥/ ٤١٨) كلهم عن مالك … به.
٦ ‏/ ١٠١
وتابعه سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم … به: أخرجه أحمد (٥/ ٤١٦)، والحميدي (٣٧٩)، والدارمي (٢/ ٣٠)، وابن الجارود (٤٤١). وزاد الحميدي:
فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا.
وهذه الزيادة: عند أحمد (٥/ ٤٢١)، ومسلم أيضًا من طريق ابن جريج: أخبرني زيد بن أسلم … به.

٣٩ – باب المحرم يتزوج
١٦١٤ – عن نُبَيْه بن وهب أخي بني عبد الدار:
أن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان بن عفان يسأله -وأبان يومئذ أمير الحاج- وهما محرمان: إني أردت أن أنكح طلحة بن عمر: ابنةَ شيبةَ بنِ جُبَيْرٍ، فأردت أن تحضر ذلك؟ فأنكر ذلك عليه أبان، وقال: إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله ﷺ:
«لا يَنكِحُ المحرم، ولا يُنكِحُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه. وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن نبيه بن وهب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير نبيه بن وهب، فهو على شرط مسلم وحده؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٣٢١) … بهذا الإسناد والمتن؛ ولكنه زاد:

٦ ‏/ ١٠٢
«ولا يَخْطُبُ».
وكذلك أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن مالك … به.
وتابعه أيوب السَّخْتِيَانِيُّ عن نافع … به: أخرجه مسلم والترمذي (٨٤٠)، والدارمي (٢/ ٣٧)، وأحمد (١/ ٦٨)؛ دون الزيادة.
والحديث مخرج في «الإرواء» (١٠٣٧).

١٦١٥ – زاد في رواية:
«ولا يَخْطُبُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. أخرجه ابن الجارود).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد أن محمد بن جعفر حدثهم: ثنا سعيد عن مطر ويعلى بن حكيم عن نافع عن نُبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان أن رسول الله ﷺ: … ذكر مثله؛ زاد:
«ولا يخطب».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٦٤): ثنا عبد الله بن بكر ومحمد بن جعفر قالا: ثنا سعيد … به.
وأخرجه مسلم (٤/ ١٣٧) من طريقين آخرين عن سعيد … به، وهو سعيد ابن أبي عروبة.
(تنبيه): عزا المنذري في «مختصره» هذه الزيادة للترمذي أيضًا!

٦ ‏/ ١٠٣
وهو وهم؛ وقد سبق بيان من رواها من الطريق الأولى. وزاد ابن حبان (١٢٧٤) من طريق فُلَيْحِ بن سليمان عن عبد الجبار بن نبيه بن وهب عن أبيه … به؛ زاد:
«ولا يَخْطُبُ، ولا يخْطَبُ عليه»!
فأقول:
هذه الزيادة الثانية: «ولا يخطب عليه» منكرة؛ لتفرد هذه الطريق بها، وهي إما من عبد الجبار بن نبيه، وإما من فليح بن سليمان؛ فإن الأول غير مشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان، وقال (٧/ ١٣٥):
«يروي عن أبيه، عداده في أهل المدينة، روى عنه فليح بن سليمان وأهلها».
والآخر: فليح بن سليمان؛ فهو -مع كونه من رجال الشيخين- فإنه صدوق كثير الخطأ.
وأنا أرجح أن الخطأ منه؛ فقد خالفه أبو عامر -واسمه عبد الملك بن عمرو العَقَديُّ، وهو ثقة- فرواه عن عبد الجبار بن نبيه … به دون الزيادة الثانية.
أخرجه الطحاوي (١/ ٤٤١).

١٦١٦ – عن ميمونة قالت:
تَزَوَّجَنِي رسول الله ﷺ ونحن حلالان بِسَرِفَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن الجارود. وأخرجه مسلم بإسناد آخر. واستدركه الحاكم عليه؛ لكن بزيادة في متنه).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن حبيب بن الشهيد عن

٦ ‏/ ١٠٤
ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم ابن أخي ميمونة عن ميمونة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ على ضعف في حماد -وهو ابن سلمة-؛ ولكنه لم يتفرد به كما يأتي.
والحديث أخرجه الدارمي (٢/ ٣٨)، والبيهقي (٧/ ٢١٠ – ٢١١)، وابن الجارود (٤٤٥)، وأحمد (٦/ ٣٣٥) من طرق أخرى عن حماد … به.
وأخرجه مسلم (٤/ ١٣٧)، وابن ماجة (١/ ٦٠٦)، والحاكم (٤/ ٣١)، والبيهقي (٥/ ٦٦)، وابن الجارود أيضًا (٤٤٦)، وأحمد (٦/ ٣٣٣) من طرق أخرى عن يزيد بن الأصم … به.
وعزاه المنذري للترمذي أيضًا!
وهو إنما رواه (٣/ ١٩٢) معلقًا، ثم وصله بَعْدُ برقم (٨٤٥)، وأعله بقوله:
«وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم … مرسلًا»!
قلت: لا وجه لهذا الإعلال؛ فقد رواه -مع ميمون بن مهران- عمرو بن ميمون وأبو فَزَارَةَ -واسمه راشد بن كَيْسَانَ العَبْسِيُّ- وكلهم ثقات عن يزيد بن الأصم … به موصولًا.

١٦١٧ – عن ابن عباس:
أن النبي ﷺ تَزَوَّجَ ميمونة وهو مُحْرِمٌ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه»، وأخرجه هو ومسلم وابن الجارود والحاكم من طرق أخرى عنه).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس.

٦ ‏/ ١٠٥
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه الترمذي (٨٤٣)، وابن سعد (٨/ ١٣٦) من طرق أخرى عن حماد بن زيد … به.
والبخاري (٧/ ٤١١)، وأحمد (١/ ٣٥٩ و٣٦٠) من طرق أخرى عن أيوب … به؛ وزاد البخاري -وهو رواية لأحمد-:
وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف.
وتابعه هشام: ثنا عكرمة … به. أخرجه أحمد (١/ ٣٤٦ و٣٥٤)، والترمذي (٨٤٢)، وصححه.
وتابعه خالد عن عكرمة … به دون الزيادة: أخرجه أحمد (١/ ٣٥١).
ثم أخرجه هو (١/ ٢٢١ و٢٢٨ و٢٧٥ و٢٨٥ و٢٨٦ و٣٢٤ و٣٢٨ و٣٣٠ و٣٣٢ – ٣٣٣ و٣٣٦ و٣٣٧ و٣٦٢)، والبخاري (٤/ ٤٢ و٩/ ١٣٥)، ومسلم (٤/ ١٣٧)، والترمذي (٨٤٤)، والنسائي (٢/ ٢٧)، والدارمي (٢/ ٣٧)، والطحاوي (١/ ٤٤٢)، وكذا ابن ماجة (١/ ٦٠٦)، وابن الجارود (٤٤٦)، والحاكم (٤/ ٣١ – ٣٢)، والبيهقي (٥/ ٦٦)، والحميدي في «مسنده» (٥٠٣)، وابن سعد (٨/ ٢٣٥ – ٢٣٦) من طرق كثيرة عن ابن عباس … مختصرًا ومطولًا. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ومن طريقه -عند ابن حبان (٤١٢١) – عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس:
أن النبي ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم في عمرة القضاء.
وسنده حسن.
٦ ‏/ ١٠٦
وللحديث شاهدان من حديث عائشة وأبي هريرة: أخرجهما الطحاوي، وصححهما الحافظ في «الفتح» (٤/ ٤٢).
والأول منهما أخرجه ابن حبان أيضًا (١٢٧١).
وشواهد أخرى مرسلة: أخرجها ابن سعد.
وقد عارض هذه الأحاديثَ: حديثُ ميمونة الذي قبله. وله شاهدان أيضًا:
الأول: عن أبي رافع قال:
تزوج رسول الله ﷺ ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما.
أخرجه الترمذي (٨٤١)، والدارمي (٢/ ٣٨)، وابن حبان (١٢٧٢)، والبيهقي وابن سعد (٨/ ١٣٤)، وأحمد (٦/ ٣٩٢ – ٣٩٣) من طريق مَطَرٍ الوَرَّاقِ عن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عنه. وقال الترمذي:
«حديث حسن»!
قلت: مطر في حفظه ضعف، ولذلك لم يحتج به مسلم.
وقد خالفه مالك في «الموطأ» (١/ ٣٢٠ – ٣٢١)؛ فرواه عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سليمان بن يسار … مرسلًا، لم يذكر فيه أبا رافع.
وكذلك خالفه أنس بن عياض أبو ضَمْرَةَ فقال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن … به مرسلًا:
أخرجه ابن سعد.
فالصحيح مرسل.
٦ ‏/ ١٠٧
ومع ذلك؛ صحح ابن القيم -في «الزاد» (٢/ ٢١٤) – الموصولَ.
الثاني: عن صفية بنت شيبة -ولها رؤية، وفي «البخاري» التصريح بسماعها من النبي ﷺ. قال ميمون بن مهران:
دخلت على صفية بنت شيبة -عجوز كبيرة- فسألتها: أتزوج رسول الله ﷺ ميمونة وهو محرم؟ فقالت: لا والله؛ لقد تزوجها وإنهما لحلالان!
أخرجه ابن سعد (٨/ ١٣٣) -عن عبيد الله بن عمرو-، والبيهقي (٧/ ٢١١) -عن معمر-، كلاهما عن عبد الكريم عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وعبد الكريم: هو ابن مالك الجَزَرِيّ الحَرَّانِيُّ.
وللحديث شواهد أخرى مرسلة أيضًا؛ فلا مجال لترجيح أحد الحديثين على الآخر من حيث الإسناد.
ولذلك؛ فالتعارض بينهما شديد، ولا سبيل إلى التوفيق بينهما؛ إلا إن ثبت ما ذكره الحافظ في «الفتح» (٩/ ١٣٦):
أن ابن عباس كان يرى أن من قلد الهدي يصير محرمًا، كما تقدم تقرير ذلك عنه في (كتاب الحج)، والنبي ﷺ كان قَلَّدَ الهدي في عمرته تلك التي تزوج فيها ميمونة، فيكون إطلاقه أنه ﷺ تزوجها وهو محرم؛ أي: عقد عليها بعد أن قَلَّدَ الهدي؛ وإن لم يكن تلبَّس بالإحرام، وذلك أنه كان أرسل إليها أبا رافع يخطبها، فجعلت أمرها إلى العباس.
قلت: فإن صح أن هذا هو مراد ابن عباس؛ زال التعارض وثبت الحديثان؛ وإلا فلا مناص من القول بتوهيم ابن عباس، ومن قال بقوله. وقد صرح بتوهيمه سعيد ابن المسيب، كما يأتي في الكتاب بعده، وهو قول جمهور أهل النقل، كما قال
٦ ‏/ ١٠٨
ابن القيم؛ وذلك لأن ميمونة صاحبة القصة أعلم بشأنها من غيرها، وقد أخبرت بحالها وبكيفية الأمر في ذلك العقد. قال الخطابي:
«وهو من أدل الدليل على وهم ابن عباس. وقال الأثرم: قلت لأحمد: إن أبا ثور يقول: بأي شيء يُدْفَعُ حديث ابن عباس؛ أي: مع صحته؟ قال: فقال: الله المستعان! ابن المسيب يقول: وَهِمَ ابنُ عباس. وميمونة تقول: تزوجني وهو حلال».
وعلى هذا؛ فلا يصح أن يعارض به حديث عثمان التقدم (١٦١٤ – ١٦١٥)؛ لا سيما والقول مقدم على الفعل عند التعارض.

١٦١٨ – عن سعيد بن المُسَيَّبِ قال:
وَهِمَ ابن عباس في تزويج ميمونة وهو مُحْرِمٌ.
(قلت: حديث مقطوع صحيح، واستدل به أحمد).
إسناده: حدثنا ابن بشار: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا سفيان عن إسماعيل بن أمية عن رجل عن سعيد بن المسيب.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الرجل، فإنه مجهول لم يُسَمَّ، لكن الظاهر من رواية البيهقي الآتية: أنه عطاء بن أبي رباح، وهو تابعي جليل.
والحديث أخرجه البيهقي (٧/ ٢١٢) من طريق المصنف.
ثم أتبعه برواية عبد القدوس: ثنا الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم. قال (يعني: عطاء بن أبي رباح): فقال سعيد: وَهِلَ ابن عباس؛ وإن كانت خالته! ما تزوجها رسول الله ﷺ إلا بعد ما أحَلَّ. وقال البيهقي:

٦ ‏/ ١٠٩
«رواه البخاري في»الصحيح«عن عبد القدوس بن الحجاج»! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
«قلت: ليس في»صحيح البخاري«: قال سعيد: وَهِلَ ابنُ عباس! والمفهوم من كلام البيهقي أنه في»صحيحه«…».
قلت: وقد اغتر بهذا المفهوم ابنُ القيم رحمه الله؛ فعزاه في «الزاد» (٢/ ٢١٤) للبخاري!
وإنما يعني البيهقي بقوله المذكور أصل الحديث، كما هي عادته.
وروى ابن سعد (٨/ ١٣٥) بسند حسن عن عطاء الخراساني قال:
قلت لابن المسيب: أن عكرمة يزعم أن رسول الله ﷺ تزوج ميمونة وهو محرم؟ فقال: كَذبَ مَخْبَثَانٌ! اذهب إليه فسُبَّهُ، سأحدثك: قَدِمَ رسول الله ﷺ وهو مُحْرِمٌ، فلما حَلَّ تزوجها.
قلت: لا يد لعكرمة في هذا الوهم؛ فقد تابعه جماعة عن ابن عباس كما تقدم؛ وإنما هو من ابن عباس كما في رواية عطاء.
وعطاء الخراساني له أوهام.

٤٠ – باب ما يَقْتُلُ المحْرِمُ من الدواب
١٦١٩ – عن سالم عن أبيه (عبد الله بن عمر):
سئل النبي ﷺ عما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال:
«خمس لا جُنَاحَ في قَتْلِهِنَّ على منْ قَتَلَهُنَّ في الحِلِّ والحَرَمِ: العقرب، والفأرة، والحدَأة، والغراب، والكلب العَقور».

٦ ‏/ ١١٠
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم، وأخرجه الشيخان من طرق أخرى عنه).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «المسند» (٢/ ٨) … بهذا الإسناد والمتن.
وكذلك رواه الحميدي في «مسنده» (٦١٩).
ورواه مسلم وابن الجارود من طرق أخرى عن سفيان … به.
وله طرق أخرى عن ابن عمر في «الصحيحين» وغيرهما؛ تراها في «الإرواء» (١٠٣٦).

١٦٢٠ – عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
«خَمْسٌ قَتْلُهُنَّ حلالٌ في الحَرَمِ: الحية، والعقرب، والحِدَأةُ، والفأرة، والكلب العقور».
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا علي بن بَحْرٍ: ثنا حاتم بن إسماعيل: حدثني محمد بن عَجْلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن.
وقد أخرجه البيهقي من طريق المصنف ومن طريق أخرى عن ابن عجلان … به، وهو مخرج في المصدر السابق.

٦ ‏/ ١١١
ويشهد له الحديث الذي قبله؛ إلا قوله: «الحية»؛ ففي ذاك بدلها: «الغراب».
لكن لها شواهد من حديث عائشة وابن عمر: عند مسلم وغيره، تراها مخرجة هناك.

٤١ – باب لحم الصيد للمحرم
١٦٢١ – عن عبد الله بن الحارث -وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف-، فصُنِعَ لعثمان طَعَامٌ فيه من الحَجَلِ واليَعَاقِيبِ (١) ولَحْم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب، فجاءه الرسول، وهو يخبط لأباعِرَ له، فجاء وهو ينفض الخَبَطَ عن يده، فقالوا له: كُلْ. فقال علي رضي الله عنه: أنْشُدُ الله مَنْ كان ها هنا مِنْ أشْجَعَ؛ أتعلمون أن رسول الله ﷺ أُهْدِيَ إليه رِجْلُ حِمارِ وَحْشٍ وهو محْرِمٌ، فأبى أن يأكله؟ ! قالوا: نعم.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا سليمان بن كثير عن حمَيْدٍ عن إسحاق ابن عبد الله بن الحارث عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير إسحاق بن عبد الله بن الحارث -وهو ابن نوفل الهاشمي-، وهو ثقة كما قال الحافظ؛ وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ١٩٤) من طريق المصنف.
وتابعه علي بن زيد: حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي … به نحوه.


(١) ذَكَر الحجل؛ كما في «النهاية».
٦ ‏/ ١١٢
وابن زيد: هو ابن جدعان، ضعيف.
أخرجه أحمد (١/ ١٠٠ و١٠٤)، والطحاوي (١/ ٣٨٦).
ثم رواه من طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن عبد الله بن الحارث.

١٦٢٢ – عن ابن عباس؛ أنه قال:
يا زَيْدَ بْنَ أرْقَمَ! هل علمت أن رسول الله ﷺ أُهْدِيَ إليه عَضُد صَيْدٍ فلم يقبله، وقال: «إنا حرم»؟ !
قال: نعم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه مسلم من طريق أخرى عنه نحوه).
إسناده: حدثنا أبو سَلَمَة موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن قيس عن عطاء عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ على ضعف في حماد بن سلمة، ولكنه قد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (٢/ ٢٥)، والطحاوي (٢/ ٣٨٧)، وابن حبان (٩٨١)، والحاكم (١/ ٤٥٢)، وأحمد (٤/ ٣٦٩ و٣٧١) من طرق أخرى عن حماد … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي.
وتابعه ابن جريج: أخبرني الحسن بن مسلم عن طاوس عن ابن عباس عن زيد بن أرقم … نحوه؛ وفيه: قال:

٦ ‏/ ١١٣
أُهدي له عَضْوٌ من لحم صيد، فَرَدَّهُ، فقال:
«إنا لا نأكله؛ إنّا حُرُمٌ».
أخرجه مسلم (٤/ ١٤)، والنسائي، والطحاوي، والبيهقي (٥/ ١٩٤)، وأحمد (٤/ ٣٦٧ و٣٧٤).

١٦٢٣ – عن أبي قتادة:
أنه كان مع رسول الله ﷺ؛ حتى إذا كان ببعض طريق مكة؛ تخلَّفَ مع أصحاب له مُحْرِمينَ وهو غير محرم، فرأى حمارًا وحشيًّا، فاستوى على فرسه، قال: فسأل أصحابَهُ أن يناولوه سَوْطَهُ فأبَوْا، فسألهم رُمْحَهُ فأبَوْا، فأخذه، ثم شَدَّ على الحمار فقتله، فأكل منه بعضُ أصحاب رسول الله ﷺ وأبى بعضُهم، فلما أدركوا رسول الله ﷺ؛ سألوه عن ذلك؟ فقال:
«إنما هي طعمة أطعمكموها الله تعالى».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله التيمي عن نافع مولى أبي قتادة عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناده صحيح على شرطهما؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٦/ ٧٥ و١٠/ ٥٠٣)، ومسلم (٤/ ١٥)، والترمذي (٩٥٣) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والنسائي (٢/ ٢٤)، والطحاوي (١/ ٣٨٩)، والبيهقي (٥/ ١٨٧)، وأحمد (٥/ ٣٠١) كلهم عن مالك … به.

٦ ‏/ ١١٤
وهو في «الموطأ» (١/ ٣٢٢).
وله شاهد صحيح في «ابن حبان» (٩٨٤).

٤٢ – باب في الجراد للمحرم
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]

٤٣ – باب في الفِديَةِ
١٦٢٤ – عن كَعْبِ بن عُجْرَةَ:
أن رسول الله ﷺ مَرَّ بِهِ زمَنَ الحُدَيبِيّةِ، فقال:
«قد آذاك هَوَامُّ رأسك؟». قال: نعم. فقال النبي ﷺ:
«احلِقْ، ثم اذبح شاةً نسكًا، أو صمْ ثلاثة أيام، أو أطْعِمْ ثلاثةَ آصُعٍ من تمرٍ: على ستة مساكينَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه، وأخرجه الشيخان والترمذي -وصححه- نحوه).
إسناده: حدثنا وهب بن بقية عن خالد الطَّحَان عن خالد الحَذَّاء عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عُجْرَةَ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير وهب بن بقية، فهو على شرط مسلم وحده، وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٢١)، والبيهقي (٥/ ٥٥) من طرق أخرى عن

٦ ‏/ ١١٥
خالد بن عبد الله -وهو الطحان- … به.
وتابعه وُهَيْبٌ: ثنا خالد عن أبي قلابة … به: أخرجه أحمد (٤/ ٢٤٢).
وتابعه عنده أيضًا (٤/ ٢٤١): هشيم: أنا خالد عن أبي قلابة عن كعب بن عجرة … به نحوه؛ لم يذكر في سنده: عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وزاد:
ونزلت الآية.
وأخرجه الشيخان وغيرهما من طرق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى … به نحوه.
وتابعه جماعة عن كعب، وقد خرجت أحاديثهم في «الإرواء» (١٠٤٠).

١٦٢٥ – وفي طريق أخرى عنه:
أن رسول الله ﷺ قال له:
«إن شئت فانْسُكْ نَسِيكَةً، وإن شئت فصُمْ ثلاثةَ أيامٍ، وإن شئت فأطْعِمْ ثلاثةَ آصُعٍ من تَمْرٍ: لسِتَّةِ مساكينَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن داود عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة.
قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط مسلم؛ وداود: هو ابن أبي هند.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ١٨٥) من طريق أخرى عن حماد بن سلمة … به.
وقال أحمد (٤/ ٢٤٣): ثنا عفان: ثنا حماد … به.

٦ ‏/ ١١٦
وقال أيضًا: ثنا ابن أبي عدي (الأصل: ثنا إسماعيل بن أبي عدي! وهو خطأ) عن داود … به.
وابن أبي عدي: اسمه محمد.

١٦٢٦ – وفي رواية عنه:
أن رسول الله ﷺ مَرَّ بِهِ زمنَ الحُدَيْبِيَّةِ … فذكر القصة؛ فقال: «أمعك دم؟». قال: لا. قال:
«فصم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصُعٍ من تمر على ستة مساكين، بين كل مسكينين صاع».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم أيضًا).
إسناده: حدثنا ابن المثنى: ثنا عبد الوهاب. (ح) وثنا نصر بن علي: ثنا يزيد ابن زُرَيْعٍ -وهذا لفظ ابن المثنى- عن داود عن عامر عن كعب بن عجرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو على شرط الشيخين؛ غير داود -وهو ابن أبي هند-، فهو على شرط مسلم وحده.

٤٤ – باب الإحصار
١٦٢٧ – عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ:
«من كُسِرَ أو عَرِجَ؛ فقد حَلَّ، وعليه الحجُّ من قابلٍ».
قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك؟ فقالا: صدق.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الترمذي والحاكم والذهبي).

٦ ‏/ ١١٧
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى بن حَجَّاج الصَّوَّافُ: حدثني يحيى بن أبي كثير عن عكرمة قال: سمعت الحجاج بن عمرو الأنصاري.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير الحجاج بن عمرو الأنصاري، وله صحبة، وقد صرح بسماعه لهذا الحديث من رسول الله في بعض طرقه، كما يأتي.
والحديث أخرجه الترمذي (٩٤٠)، والنسائي (٢/ ٢٩)، والدارمي (٢/ ٦١)، وابن ماجة (٢/ ٢٥٩)، والطحاوي (١/ ٤٣١)، والحاكم (١/ ٤٨٢ – ٤٨٣)، والبيهقي (٥/ ٢٢٠)، وأحمد (٣/ ٤٥٠) من طرق أخرى عن الصواف … به.
وهو عند ابن ماجة والحاكم والبيهقي وأحمد؛ مسلسل بالتحديث من الصواف إلى الحجاج، وصرح هذا بالسماع من النبي ﷺ، وهذا التصريح: عند النسائي أيضًا، والطحاوي وأحمد. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». وقال الحاكم:
«صحيح على شرط البخاري»، ووافقه الذهبي.
وخالفه معمر -عند الترمذي وابن ماجة والحاكم والبيهقي-، ومعاوية بن سلام -عند الطحاوي- فقالا: عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو … به، زاد في إسناده: عبد الله بن رافع. وقال الترمذي:
«وسمعت محمدًا يقول: رواية معمر ومعاوية بن سلام أصح». قال الترمذي:
«وحجاج الصواف ثقة حافظ عند أهل الحديث».
٦ ‏/ ١١٨
وأقول: كأن الترمذي يشير إلى صحة الروايتين. وهو كذلك عندي؛ لأن رواية الصواف متصلة، ورواية الآخرين كأنها من المزيد فيما اتصل من الأسانيد. والله أعلم.

١٦٢٨ – وفي رواية عنه عن النبي ﷺ قال:
«من عَرِجَ أو كُسِرَ أو مَرِضَ …» فذكر معناه.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن المتوكِّل العسقلاني وسلمة قالا: ثنا عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن عبد الله بن رافع عن الحجاج بن عمرو.
قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم؛ وعبد الله بن رافع: هو مولى أم سلمة.
والحديث سبق تخريجه والكلام على إسناده هذا في الذي قبله.

٤٥ – باب دخول مكة
١٦٢٩ – عن نافع:
أن ابن عمر كان إذا قَدِمَ مكة؛ بات بذي طُوىً؛ حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا، وَيذْكُرُ عن النبي ﷺ أنه فعله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري).
إسناده: حدثنا محمد بن عُبَيْدٍ: ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع.

٦ ‏/ ١١٩
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير محمد بن عبيد -وهو ابن حِسَاب الغُبَرِيُّ-؛ فإنه على شرط مسلم وحده، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (٤/ ٦٢): حدثنا أبو الربيع الزهراني: حدثنا حماد … به.
ومن طريق أبي الربيع: أخرجه البيهقي (٥/ ٧١).
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٤١) من طريق ابن عُلَيَّةَ: أخبرنا أيوب … به.
وأخرجه البيهقي أيضًا.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٦)، والبخاري، والدارمي (٢/ ٧٠) من طريق عبيد الله: أخبرني نافع … به؛ دون الاغتسال.
وكذلك رواه موسى بن عقبة: حدثني نافع … به.
أخرجه مسلم، والنسائي (٢/ ٢٩).

١٦٣٠ – وعن ابن عمر:
أن النبي ﷺ كان يدخل مكة من الثَّنِيَّةِ العُلْيَا. [قالا عن يحيى: إن النبي ﷺ كان يدخل مكة من كَدَاء من ثَنِيَّة البطحاءِ]، ويَخْرُجُ من الثنية السفلى -زاد البرمكي: يعني: ثَنيَّتَيْ مكة-.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه).
إسناده: حدثنا عبد الله بن جعفر البَرمكَيُّ: ثنا مَعْنٌ عن مالك. [وحدثنا مُسَدَّدٌ وابن حنبل عن يحيى]. وثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر- .. [وحديث مسدد أتم].

٦ ‏/ ١٢٠
قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي؛ إلا الزيادة فهي على شرط مسلم وحده.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٧١) عن المصنف من الوجه الثاني: مسدد وابن حنبل.
وهو في «المسند» (٢/ ٢١): ثنا يحيى عن عبيد الله … به.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٤٢)، ومسلم (٤/ ٦٢)، والنسائي (٢/ ٣٠) من طرق أخرى عن يحيى … به.
وقال أحمد (٢/ ١٤٢): ثنا ابن نمير: ثنا عبيد الله وحماد -يعني: أبا أسامة- قال (كذا! ولعل الصواب: قالا): أخبرني عبيد الله … به.
وأخرجه مسلم أيضًا عن ابن نمير.
ثم أخرجه أحمد (٢/ ١٤ و٢٩)، والدارمي (٢/ ٧١)، وابن ماجة (٢/ ٢٢١) من طرق أخرى عن عبيد الله … به.
وأخرجه البخاري والبيهقي من طريق أخرى عن معن … به.

١٦٣١ – وعنه:
أن النبي ﷺ كان يخرج من طريق الشجرة، ويدخل من طريق المُعَرَّسِ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.

٦ ‏/ ١٢١
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٤٢): ثنا ابن نمير: ثنا عبيد الله وحماد -يعنى: أبا أسامة- قال (كذا الأصل! ولعل الصواب: قالا): أخبرني عبيد الله … به.
وأخرجه مسلم (٤/ ٦٢) من طريق ابن نمير. والبخاري (٣/ ٣٠٥) من طريق أنس بن عياض عن عبيد الله … به.
وخالف عبد الله بن الحارث الجُمَحِيُّ فقال: عن عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة … به.
أخرجه ابن حبان (٩٦٨).
فإن لم يتابع الجُمَحِيُّ؛ فروايته شاذة.
ومن هذا الوجه: أخرجه البزار (١٦٩٧).
وللشطر الثاني منه شاهد مرسل عن سعيد بن المسيب قال:
كان رسول الله ﷺ إذا قدم من سفر؛ نزل المُعَرَّسَ.
أخرجه الدارمي (١/ ١١٨)، وسنده صحيح مرسلًا.

١٦٣٢ – عن عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل رسول الله ﷺ عامَ الفتح من كَداءَ من أعلى مكة، ودخل في العمرة من كُدىً. قال: وكان عروة يدخل منها جميعًا، وكان أكثر ما يدخل من كُدىً، وكان أقربهما إلى منزله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري).

٦ ‏/ ١٢٢
إسناده: حدثنا هارون بن عبد الله: ثنا أبو أسامة: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير هارون بن عبد الله -وهو أبو موسى الحَمَّال-، فهو على شرط مسلم وحده، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٧١) من طرق أخرى عن هارون بن عبد الله.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٤٢)، ومسلم (٤/ ٦٢) من طرق أخرى عن أبي أسامة … به.

١٦٣٣ – وفي رواية عنها:
أن النبي ﷺ كان إذا دخل مكة دخل من أعلاها، وخرج من أسفلها.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه بإسناد المصنف. وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا ابن المثنى: ثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد في «المسند» (٦/ ٤٠): ثنا سفيان … به.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٤٢)، ومسلم (٤/ ٦٢)، والترمذي (٨٥٣)، وقال:
«حسن صحيح» … بإسناد المصنف وغيره عن سفيان.
والبيهقي (٥/ ٧١) من طريقين آخرين عن ابن المثنى … به.

٦ ‏/ ١٢٣
٤٦ – باب في رفع اليدين إذا رأى البيت
١٦٣٤ – عن أبي هريرة:
أن النبي ﷺ لَمَّا دخل مكة؛ طاف بالبيت وصلى ركعتين خلف المقام. يعني: يوم الفتح.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه دون الركعتين، وهو طرف من الرواية الآتية).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا سلام بن مسكين: ثنا ثابت البُناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير عبد الله بن رباح الأنصاري، فهو على شرط مسلم وحده، وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث طرف من الحديث الذي بعده، وهو طرف من حديث فتح مكة الطويل.
وقد أخرجه بتمامه: الطيالسي في «مسنده» (٢٣٦٧ – ترتيبه): حدثنا سليمان ابن المغيرة: ثنا ثابت البناني … به بطوله؛ وفيه موضع الشاهد منه.
وهذا القدر أخرجه البيهقي (٥/ ٩٣) من طريق الطيالسي.
وقد أخرجه مسلم؛ لكن ليس عنده: وصلى ركعتين خلف المقام.
وهو رواية للمصنف، وهي التي بعده.
٦ ‏/ ١٢٤
١٦٣٥ – وفي رواية عنه قال:
أقبل رسول الله ﷺ، فدخل مكة، فأقبل رسول الله ﷺ إلى الحَجَرِ فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا فعلاه، حيث ينظر إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكُرَهُ ويَدْعُوَهُ، قال: والأنصار تحته. قال هاشم: فدعا وحَمِدَ الله، ودعا بما شاء أن يَدْعُوَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه مطولًا في قصة فتح مكة، وهذا طرف منه، لكن ليس عنده قوله: «والأنصار تحته»).
إسناده: حدثنا ابن حنبل: ثنا بهز بن أسد وهاشم -يعني: ابن القاسم- قالا: ثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث في «المسند» (٢/ ٥٣٨) عن الشيخين المذكورين عن سليمان … به
مطولًا.
وكذلك أخرجه مسلم (٥/ ١٧٠ – ١٧٢). حدثنا شيبان بن فَرُّوخ: حدثنا سليمان بن المغيرة.
ومن هذا الوجه: أخرجه البيهقي … موضع الشاهد منه.

٤٧ – باب في تقبيل الحَجَرِ
١٦٣٦ – عن عمر:
أنه جاء إلى الحَجَرِ فقبَّله، فقال: إني أعلم أنك حَجَرٌ لا تنفع ولا تضرُّ، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبِّلك؛ ما قبَّلتك.

٦ ‏/ ١٢٥
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري بإسناد المصنف، وهو ومسلم من طرق أخرى. وصححه الترمذي وابن الجارود).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن عابس بن ربيعة عن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٣٦٢) … بإسناد المصنف.
وأخرجه البيهقي (٥/ ٧٤) من طريق أخرى عن شيخهما.
وأخرجه مسلم (٤/ ٦٧)، والترمذي (٨٦٠) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والنسائي (٢/ ٣٧ – ٣٨)، وأحمد (١/ ١٦ و٢٦ و٤٦) من طرق أخرى عن الأعمش … به.
ثم أخرجه البخاري (٣/ ٣٧٠ و٣٧٣)، ومسلم والنسائي والدارمي (٢/ ٥٢ – ٥٣)، وابن ماجة (٢/ ٢٢١)، وابن الجارود (٤٥١ – ٤٥٢)، وأحمد (١/ ٢١ و٣٤ و٣٩ و٥٠ و٥٣ و٥٤)، والحميدي (٩) من طرق أخرى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

٤٨ – باب استلام الأركان
١٦٣٧ – عن ابن عمر قال:
لم أرَ رسول الله ﷺ يَمْسِحُ من البيت إلا الركنين اليمَانِييْنِ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وابن حبان).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر.

٦ ‏/ ١٢٦
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (٥/ ٧٦) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري (٣/ ٣٧٢) … بإسناده.
وأخرجه مسلم (٤/ ٦٥)، والنسائي (٢/ ٣٩)، وأحمد (٢/ ١٢٠) من طرق أخرى عن الليث بن سعد … به.
وتابعه يونس عن ابن شهاب … به مثله.
أخرجه مسلم والنسائي، وابن ماجة (٢/ ٢٢٢).
وتابعه نافع عن ابن عمر … به.
أخرجه مسلم والنسائي، وأحمد (٢/ ١١٤ و١٤١).
وله شاهد من حديث ابن عباس … مرفوعًا مثله.
أخرجه مسلم، وأحمد (١/ ٢٤٦ و٣٣٢ و٣٧٢) من طرق عنه.

١٦٣٨ – ومن طريق أخرى عنه:
أنه أُخْبِرَ بقول عائشة رضي الله عنها: أن الحِجْرَ بَعْضُهُ من البيت. فقال ابن عمر:
والله! إني لأظن عائشة أن كانت سمعت هذا من رسول الله ﷺ؛ إني لأظن رسول الله ﷺ لم يَتْرُكِ استلامهما؛ إلا أنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس وراءَ الحِجْرِ إلا لذلك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري بإسناد

٦ ‏/ ١٢٧
آخر نحوه؛ دون قوله: ولا طاف الناس …).
إسناده: حدثنا مَخْلَدُ بن خالد: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير مخلد بن خالد -وهو الشَّعِيرِيُّ-، فهو على شرط مسلم.
والحديث أخرجه مالك (١/ ٣٣٢)، وعنه البخاري (٦/ ٣١٧)، ومسلم (٤/ ٩٧)، والنسائي (٢/ ٣٤)، والبيهقي (٥/ ٧٧)، وأحمد (٦/ ١٧٦ و٢٤٧) كلهم عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن محمد بن أبي بكر الصديق أخبر عبد الله بن عمر عن عائشة … به نحوه؛ دون قوله: ولا طاف الناس وراء الحِجْرِ إلا لذلك.
لكن تابعه أبو أُوَيْسٍ عن الزهري … به؛ وفيه الزيادة بلفظ:
إلا أن البيت لم يُتَمَّمْ على قواعد إبراهيم عليه السلام؛ إرادةَ أن تَسْتَوْعِبَ الناسُ الطوافَ بالبيت كله من وراء قواعد إبراهيم.
أخرجه أحمد (٦/ ١١٣).
وأبو أويس هذا: اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، قريب مالك وصهره، وهو صدوق يهم من رجال مسلم.

١٦٣٩ – وعنه قال:
كان رسول الله ﷺ لا يَدعُ أن يستلم الرُّكْنَ اليمانِيَ في كل طَوْفَةٍ.
قال: وكان عبد الله بن عمر يفعله.

٦ ‏/ ١٢٨
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن عبد العزيز بن أبي رَوَّادٍ عن نافع عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال «الصحيح»: على ضعف يسير في ابن أبي رواد، وهو من رجال مسلم.
والحديث رواه الحاكم والنسائي وغيرهما، وهو مخرج في «الإرواء» (١١١٠).

٤٩ – باب الطواف الواجب
١٦٤٠ – عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ طاف في حَجَّةِ الوداع على بعير، يستلم الركن بِمِحْجَنٍ.
(قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه بإسناد المصنف، وأخرجه هو ومسلم وابن الجارود من طرق أخرى).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله -يعني: ابن عبد الله بن عتبة- عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ غير أحمد بن صالح، فهو على شرط البخاري وحده؛ وقد أخرجه عنه كما يأتي.
والحديث أخرجه البخاري (٣/ ٣٧١): حدثنا أحمد بن صالح ويحيى سليمان قالا: حدثنا ابن وهب … به.

٦ ‏/ ١٢٩
وأخرجه مسلم (٤/ ٦٧)، والنسائي (٢/ ٣٩)، وابن الجارود (٤٦٣) من طرق أخرى عن ابن وهب … به.
ثم أخرجه البخاري (٣/ ٣٧٣ و٣٧٤)، وأحمد (١/ ٢٣٧ و٢٦٤) من طرق أخرى عن ابن عباس.
وأخرجه البيهقي من طريق المصنف ومن الطرق الأخرى؛ وزاد في رواية: يُقَبِّلُ ذلك الشيء الذي في يده.
وإسناده صحيح.
ويشهد له حديث أبي الطفيل الآتي بعد حديث.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

١ – كتاب الطهارة -5

١١٣ – باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر ٣١٩ – عن سُمَيٍّ …