٢ – أول كتاب الصلاة -2

٢٨ – باب في الإقامة
٥٢٥ – عن أنس قال:
أُمِرَ بلالٌ أن يَشْفَعَ الأذان ويُوتِرَ الإقامة -زاد في رواية- إلا الإقامة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه، وكذا ابن حبان (١٦٧٣)، وأبو عوانة في «صحاحهم» الرواية الأولى. وأخرج الأخرى: البخاريُّ بإسناد المصنف، ومن طريقه أخرجه أبو عوانة).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب وعبد الرحمن بن المبارك قالا: ثنا حماد عن سِمَاكِ بن عطية. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا وهَيْبٌ -جميعًا- عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس؛ زاد حماد في حديثه: إلا الإقامة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين من الوجهين؛ وحماد: هو ابن زيد.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٢٧) عن المؤلف.
وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ٤١٣).
وأخرجه البخاري (٢/ ٦٥ – ٦٦)، والدارمي (١/ ٢٧١) قالا: حدثنا سليمان ابن حرب: ثنا حماد بن زيد … به.
ثم أخرجه أبو عوانة والبيهقي (١/ ٤١٢) والطحاوي أيضًا من طرق أخرى عن سليمان بن حرب … به.
٢ ‏/ ٤٣٤
ثم أخرجه البيهقي من طريق أخرى عن موسى بن إسماعيل … به أتم منه؛ ولفظه: قال:
لما كثر الناس ذكروا أن يُعْلِمُوا وقت الصلاة بشيءٍ يعرفونه، فذكروا أن يوقدوا نارًا، أو يضربوا ناقوسًا؛ فأمر بلال … الحديث.
وهكذا على التمام: أخرجه مسلم (٢/ ٣) من طريق بَهْزٍ: حدثنا وهيب … به.
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٢٦ – ٣٢٧) من طريق عفان عنه؛ لكن شيخ وهيب عندهم جميعًا: هو خالد الحَذَّاء؛ ليس هو أيوب! فلعله كان له فيه شيخان عن أبي قلابة.
وقد رواه جماعة عن خالد، كما يأتي.
وقد تابع وهيبًا: عبدُ الوهاب الثقفي:
أخرجه أحمد (٣/ ١٠٣): ثنا عبد الوهاب: ثنا أيوب … به.
ومن طريق عبد الوهاب: أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ١٠٣)، والبيهقي (١/ ٤١٢ و٤١٣)؛ لكن النسائي قال:
أن رسول الله ﷺ أمر بلالًا … فصرح بالآمر.
وهو رواية البيهقي.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٩٨)، وقال:
«لم يخرجاه بهذه السياقة؛ وهو على شرطهما»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه أبو عوانة أيضًا (١/ ٣٢٨).
٢ ‏/ ٤٣٥
وتابعه شعبة أيضًا: عند أبي عوانة.
ولشعبة فيه إسناد آخر، نذكره في الرواية الآتية:

٥٢٦ – وفي رواية عنه مثل حديث وهيب (يعني: الرواية الأولى). قال إسماعيل: فحدَّثت به أيوب؛ فقال: إلا الإقامة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو والبخاري في «صحيحيهما»، وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» عن المؤلف).
إسناده: حدثنا حُمَيْدٌ بن مَسْعَدَةَ: ثنا إسماعيل عن خالد الحَذَّاء عن أبي قلابة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وإسماعيل: هو ابن إبراهيم بن علية.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ١٨٩): ثنا إسماعيل … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٦٧)، ومسلم (٢/ ٢)، والطحاوي (١/ ٧٩)، والبيهقي (١/ ٤١٢) من طرق عن إسماعيل … به.
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٢٨) عن المؤلف.
وقد بين إسماعيل أن زيادة: إلا الإقامة؛ ليست في حديث خالد؛ وإنما هي في حديث أيوب. فهذا يؤيد رواية حماد بن زيد عن أيوب المتقدمة بهذه الزيادة.
ثم إن حديث خالد؛ أخرجه الطيالسي (رقم ٢٠٩٥): ثنا شعبة عن خالد الحذاء … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٧٠)، وأبو عوانة (١/ ٣٢٧) من طرق أخرى عن

٢ ‏/ ٤٣٦
شعبة … به.
ثم أخرجاه، وكذا الشيخان، والترمذي (١/ ٣٦٩ – ٣٧٠)، وابن ماجة (١/ ٢٤٨)، والطحاوي (١/ ٧٩)، وابن حبان (١٦٧٤)، والبيهقي من طرق عن خالد … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ولشعبة فيه إسناد آخر: أخرجه الطبراني في «الصغير» (ص ٢٢٢) من طريق عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي: ثنا شعبة عن قتادة عن أنس … به. وقال:
«لم يروه عن شعبة إلا عبد الملك الجُدِّيُّ».
قلت: ورواه أبان بن يزيد عن قتادة:
أن أنس بن مالك كان أذانه مثنى مثنى، وإقامته مرة مرة.
أخرجه البيهقي.
ورواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس … من فعل بلال؛ وسنذكر لفظه في الكلام على الحديث الآتي:

٥٢٧ – عن ابن عمر قال:
إنما كان الأذان على عهد رسول الله ﷺ مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة؛ غير أنه يقول: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، فإذا سمعنا الإقامة؛ توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة.
(قلت: إسناده حسن، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وقال النووي: «إسناده صحيح». وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في

٢ ‏/ ٤٣٧
«صحيحيهما». وقال المنذري: «حسن». وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»؛ دون قوله: غير أنه … إلخ. وقال ابن الجوزي: «إسناده صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة قال: سمعت أبا جعفر يحدث عن مسلم أبي المثنى عن ابن عمر.
قال شعبة: لم أسمع عن أبي جعفر غير هذا الحديث.
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا أبو عامر -يعني: العَقَدِي- عبد الملك ابن عمرو: ثنا شعبة عن أبي جعفر -مؤذن مسجد العُرْيَانِ- قال: سمعت أبا المثنى -مؤذن مسجد الأكبر- يقول: سمعت ابن عمر … وساق الحديث.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير أبي جعفر -واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى، ويقال في نسبه غير ذلك؛ وهو كوفي، ويقال: بصري-، وهو حسن الحديث على أقل الدرجات؛ قال ابن معين:
«ليس به بأس». وقال الدارقطني:
«بصري يحدث عن جده [يعني: مسلمًا أبا المثنى] ولا بأس بهما». وقال ابن حبان في «الثقات»:
«كان يخطيء». وقال ابن عدي:
«ليس له من الحديث إلا اليسير؛ ومقدار ما له لا يتبين صدقه من كذبه».
وقال الحافظ:
«صدوق يخطيء».
قلت: وحسن له الترمذي حديثًا في (الصلاة قبل العصر)، سيأتي في
٢ ‏/ ٤٣٨
الكتاب -إن شاء الله تعالى – (رقم ١١٥٤).
وقد زعم الحاكم -ووافقه الذهبي-: أن أبا جعفر هذا: هو عمير بن يزيد بن حبيب الخَطْمِيُّ، كما يأتي! وهو وهم منهما؛ لأمور:
أولًا: أن أبا جعفر الخطمي عميرًا هذا؛ لم يذكروا في ترجمته أنه كان مؤذنًا؛ بخلاف أبي جعفر محمد بن إبراهيم؛ فهو مؤذن مسجد (العريان)، كما في رواية المصنف الثانية عن شعبة.
ثانيًا: أنهم لم يذكروا له رواية عن مسلم أبي المثنى؛ بل ذكروا ذلك لمحمد بن إبراهيم.
ثالثًا: أن شعبة يقول: إنه لم يسمع من أبي جعفر غير هذا الحديث، وهو قد روى عن أبي جعفر الخطمي غير هذا؛ من ذلك: حديث توسل الأعمى بدعاء النبي ﷺ؛ وهو عند الترمذي (٢/ ٢٧٧ – طبع بولاق) وغيره. فدل على أن أبا جعفر راوي هذا الحديث: هو غير الخطمي.
وأما مسلم أبو المثنى؛ فهو مسلم بن المثنى -ويقال: ابن مهران بن المثنى-؛ قال أبو زرعة:
«ثقة».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وفي «التقريب» أنه:
«ثقة» وهو جد أبي جعفر الذي روى هذا الحديث عنه، كما تقدم.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٨٥ / رقم ٥٥٦٩): حدثنا محمد بن جعفر … به.
ثم قال (رقم ٥٥٧٠): حدثنا حجاج: حدثنا شعبة: سمعت أبا جعفر -مؤذن
٢ ‏/ ٤٣٩
العُرْيَانِ في مسجد بني هلال -عن مسلم أبي المثنى- مؤذن مسجد الجامع- … فذكر هذا الحديث.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٩٥ – ١٩٦) من طريق أحمد من الوجه الأول.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٩٢٣): حدثنا شعبة قال: أخبرني أبو جعفر -وليس بالفَرَّاء-عن أبي المثنى … به.
وخالفه وهب بن جرير فقال: ثنا شعبة عن أبي جعفر الفراء … به.
أخرجه الطحاوي (١/ ٧٩ – ٨٠). وتابعه أبو النضر: ثنا شعبة عن أبي جعفر -يعني: الفراء- … به.
أخرجه البيهقي (١/ ٤١٣ – ٤١٤)؛ ثم قال.
«رواه غندر [وهو محمد بن جعفر] وعثمان بن جَبَلَةَ عن شعبة عن أبي جعفر المدني عن مسلم بن المثنى. ورواه أبو عامر عن شعبة عن أبي جعفر مؤذن مسجد العريان قال: سمعت أبا المثنى مؤذن مسجد الأكبر».
فقد اختلف الرواة في أبي جعفر هذا:
فأبو عامر العقدي وحجاج قالا: إنه مؤذن العريان -أو العربان-؛ وهو كوفي أو بصري كما سبق.
وقال وهب بن جرير وأبو النضر: إنه أبو جعفر الفَرَّاء؛ وهو غير مؤذن العريان، وهو كوفي أيضًا، اختلف في اسمه.
وأما الطيالسي؛ فنفى أن يكون هو.
وقال غندر وعثمان بن جبلة عن شعبة: إنه أبو جعفر المدني؛ وفي الرواة بهذه
٢ ‏/ ٤٤٠
الكنية ثلاثة:
أحدهم: أبو جعفر عمير بن يزيد الخطمي المدني، وقد سبق.
ثانيهم: أبو جعفر القاري المدني المخزومي مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، اختلفوا في اسمه أيضًا، روى عن مولاه وأبي هريرة وابن عمر وغيرهم، وعنه مالك وغيره.
والثالث: أبو جعفر الأنصاري المدني المؤذن، روى عن أبي هريرة أيضًا، وعنه يحيى بن أبي كثير فقط.
وكل هؤلاء ثقات؛ غير هذا الأخير؛ فإنه مجهول.
والراجح عندنا من ذلك: أنه مؤذن العريان؛ لاتفاق ثقتين عليه، وعدم الاختلاف فيه، ولأنهم لم يذكروا غيره في الرواة عن مسلم بن المثنى. والله أعلم.
ثم إن الحديث أخرجه النسائي أيضًا (١/ ١٠٣)، والدارمي (١/ ٢٧٠)، والدارقطني (ص ٨٨)، والحاكم أيضًا، والبيهقي من طرق أخرى عن شعبة عن أبي جعفر … به.
ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» -كما في «نصب الراية» (١/ ٢٦٢) -، وقال الحاكم:
«هذا حديث صحيح الإسناد؛ فإن أبا جعفر هذا: عمير بن يزيد بن حبيب الخطمي، وقد روى عنه سفيان الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم من أئمة المسلمين»! ووافقه الذهبي!
وليس لدينا ما يدل على أن أبا جعفر هذا هو الخطمي؛ بل هو مؤذن العريان كما تقدم. وقال المنذري:
٢ ‏/ ٤٤١
«حسن». والنووي (٣/ ٩٥):
«إسناده صحيح».
وللحديث طريق أخرى مختصرًا: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٢٩)، والدارقطني من طريق سعيد بن المغيرة الصياد قال: ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر. قال ابن الجوزي:
«وهذا إسناد صحيح: سعيد بن المغيرة؛ وثقه ابن حبان وغيره».
قلت: وممن وثقه أبو حاتم؛ كما في «التلخيص» (٣/ ١٥٩).
وله عندهما شاهد من حديث أنس بن مالك قال:
كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة؛ إلا قوله: قد قامت الصلاة.
وإسناده صحيح على شرطهما؛ وقد سبقت الإشارة إليه في منتهى الكلام على الحديث الذي قبله.

٢٩ – باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]

٣٠ – باب رفع الصوت بالأذان
٥٢٨ – عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال:
«المؤذن يُغْفَرُ له مَدَى صوته، ويشهد له كل رَطْبٍ ويابس، وشاهد الصلاة يُكْتَبُ له خمس وعشرون صلاةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهما».

٢ ‏/ ٤٤٢
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (١٦٦٤) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر النَّمَري: ثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان عن أبي يحيى عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات معروفون؛ غير موسى ابن أبي عثمان وهو الكوفي؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه:
«شيخ».
قلت: وقد روى عنه شعبة هذا الحديث، وهو لا يروي إلا عن ثقة كما ذكروا، وروى عنه الثوري أيضًا وغيرهما.
وشيخه أبو يحيى؛ قال المنذري في «مختصره» (رقم ٤٨٤):
«لم ينسبْ فيعْرَفَ حاله»!
قلت: هكذا هو في أكثر الروايات غير منسوب، وقد قال في «التهذيب»:
«أبو يحيى المكي، روى عن أبي هريرة حديث:»المؤذن يغفر له مدى صوته«؛ وعنه موسى بن أبي عثمان؛ ذكره ابن حبان في»الثقات«، وزعم أنه سمعان الأسلمي. قلت: قال ابن عبد البر: أبو يحيى المكي؛ اسمه: سمعان، سمع من أبي هريرة، روى عنه بعض المدنيين في الأذان. وقال ابن القطان: لا يعرف أصلًا، وقد ذكره ابن الجارود، فلم يزد على ما أخذ من هذا الإسناد، ولم يسمه. وقال المنذري والنووي [في الأصل: الثوري! وهو تصحيف]: إنه مجهول». ثم قال في «التهذيب»:
“أبو يحيى مولى آل جعدة بن هبيرة المخزومي المدني، روى عن أبي هريرة: ما
٢ ‏/ ٤٤٣
عاب رسول الله ﷺ طعامًا قط … الحديث، وعنه الأعمش». وفي «الميزان» ما نصه:
«أبو يحيى عن أبي هريرة فثقة (!) وعنه موسى بن أبي عثمان، قال ابن القطان: لا يعرف». قال:
«فأما أبو يحيى مولى جعدة عن أبي هريرة؛ فثقة. وأبو يحيى اسمه: قيس عن أبي هريرة، حدث عنه بكير بن الأشج. وآخر عن أبي هريرة من شيوخ صفوان ابن سليم»!
وأخشى أن يكون في هذه العبارة زيادات من الناسخ أو الطابع؛ ومن ذلك لفظة: «فثقة» الأولى؛ فإن إثباتها لا يتناسب مع سياق الكلام! والله أعلم.
فقد جزم الحافظ أن راوي الحديث عن أبي هريرة: هو أبو يحيى المكي المجهول!
وأنا أرى أنه ليس به؛ بل هو الآخر أبو يحيى مولى آل جعدة؛ فقد صرح بذلك يحيى بن سعيد -وهو القطان الحافظ الحجة الثقة الثبت- في روايته لهذا الحديث عن شعبة؛ فقال الإمام أحمد (٢/ ٤٢٩): ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة قال: ثني موسى بن أبي عثمان قال: حدثني أبو يحيى مولى جعدة قال: سمعت أبا هريرة؛ أنه سمع من فم رسول الله ﷺ يقول … فذكره.
وأبو يحيى مولى جعدة هذا: هو أبو يحيى مولى آل جعدة نفسه؛ فقد روى له الإمام أحمد الحديث المذكور في ترجمته آنفًا -نقلًا عن «التهذيب»-؛ فقال في «مسنده» (٢/ ٤٢٧ و٤٩٥): ثنا أبو معاوية قال: ثنا الأعمش عن أبي يحيى مولى جعدة بن هبيرة عن أبي هريرة قال:
ما رأيت رسول الله ﷺ عاب طعامًا … الحديث.
وقد رواه مسلم (٦/ ١٣٤) من طرق عن أبي معاوية فقال: عن أبي يحيى مولى
٢ ‏/ ٤٤٤
آل جعدة.
وإذ قد ثبت أنه هو راوي حديث الباب؛ فلا بد من الوقوف قليلًا؛ لنعرف منزلته في الرواية؟ !
وإنه ليسبق إلى النظر أن مقتضى كونه من رجال «صحيح مسلم»: أنه ثقة عنده على الأقل!
غير أن الحديث عنده قد اختلف في إسناده على أبي معاوية؛ فقد رواه عنه جماعة كما سبق.
وخالفهم أبو كريب ومحمد بن المثنى فقالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة … فأسقطا منه أبا يحيى مولى آل جعدة، وجعلا مكانه: أبا حازم.
وهذه الرواية هي الصواب؛ فقد تابع أبا معاوية عليها: جرير وزهير وسفيان: عند مسلم، وسفيان أيضًا وشعبة ووكيع: عند أحمد (٢/ ٤٧٤ و٤٧٩ و٤٨١)؛ فقالوا كلهم: عن الأعمش عن أبي حازم.
وسفيان وشعبة أثبت في الرواية عن الأعمش من أبي معاوية، كما قال ابن معين وغيره؛ فروايته الموافقة لروايتهما هي الصواب حتمًا. ولذلك أنكر الدارقطني على مسلم إسناد أبي معاوية الأول، وقال:
«هو معلل»، كما في «شرح مسلم» للنووي.
فإذا كان الأمر كما ذكرنا؛ فلا يمكن حينئذ الاعتماد على تخريج مسلم لهذا الرجل في توثيقه، ولم تجد من نص على توثيقه من المتقدمين! نعم؛ وثقه الذهبي فيما تقدم.
٢ ‏/ ٤٤٥
ثم وجدت له سلفًا؛ وهو ابن معين؛ فانظر «الصحيحة» (١٩٠).
والحديث صحيح على كل حال.
وقد أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص ٧٦) بإسناد المصنف هذا.
ثم أخرجه هو، والنسائي (١/ ١٠٦)، وابن ماجة (١/ ٢٤٦ – ٢٤٧)، وأحمد (٢/ ٤٥٨) من طرق عن شعبة … به؛ وكلهم قالوا: عن أبي يحيى … غير منسوب.
لكن أخرجه الطيالسي (رقم ٢٥٤٢): حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان -قال شعبة: وكان يؤذن على أطول منارة بالكوفة- قال: حدثني أبو يحيى -وأنا أطوف معه؛ يعني: حول البيت- قال سمعت أبا هريرة … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٩٧) من طريق الطيالسي.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»؛ كما في «الترغيب» (١/ ١٠٧ / رقم ٥).
وله طرق أخرى عن أبي هريرة: عند البيهقي (١/ ٤٣١)؛ لكن فيها ضعف (١).
وله شواهد:
فمنها عن ابن عمر مرفوعًا … به، دون قوله: «وشاهد الصلاة …» إلخ.
أخرجه الإمام أحمد (٢/ ١٣٦): ثنا أبو الجَوَّاب: ثنا عمار بن رُزيق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر.
وهذا سند صحيح، كما قال المنذري، وهو على شرط مسلم.
وقد أخرجه الطبراني في «الكبير» والبزار والبيهقي أيضًا.


(١) وقد بينت ذلك في كتابنا «نقد التاج الجامع للأصول» (رقم ٩١).
٢ ‏/ ٤٤٦
ومنها: عن البراء بن عازب مرفوعًا مثله؛ وزاد:
«وله مثل أجر من صلى معه».
أخرجه النسائي، وأحمد (٤/ ٢٨٤) من طريق معاذ بن هشام قال: ثني أبي عن قتادة عن أبي إسحاق الكوفي عنه.
وهذا صحيح أيضًا على شرطهما، وصححه ابن السَّكَن -كما في «التلخيص» (٣/ ١٨٤)، و«الفتح» (٢/ ٧٠) -. وقال المنذري:
«إسناده حسن جيد».
وأما بقية الحديث؛ فشواهده مشهورة؛ وانظر ما سيأتي (رقم …).

٥٢٩ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا نودي بالصلاة؛ أدبَرَ الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قُضي النداء أقبل؛ حتى إذا ثوِّب بالصلاة أدبر؛ حتى إذا قُضِي التثويِب أقبل؛ حتى يَخطُر بين المرء ونفسه؛ ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا -لما لم يكن يذكر-؛ حتى يظلّ الرجل إنْ يدري كم صلى!».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٨٩ – ٩١).

٢ ‏/ ٤٤٧
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٦٧ – ٦٩ و٣/ ٨١)، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٤٣٤)، والنسائي (١/ ١٠٨ – ١٠٩)، وأحمد (٢/ ٤٦٠) كلهم عن مالك … به.
ثم أخرجه البخاري (٣/ ٧٠)، وكذا مسلم (٢/ ٦) من طرق أخرى عن الأعرج … به.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة: فأخرجه البخاري (٦/ ٢٦١ – ٢٦٢)، والدارمي (١/ ٢٧٣ – ٢٧٤)، والطيالسي (رقم ٢٣٤٥)، وأحمد (٢ / و٤٨٣ و٥٠٣ – ٥٠٤ و٥٢٢) -من طريق أبي سلمة-، ومسلم (٢/ ٥) وأحمد (٢/ ٣٩٨ و٥٣١) والبيهقي (١/ ٤٣٢) -من طريق أبي صالح-، ومسلم أيضًا (٢/ ٦)، وأحمد (٢/ ٣١٣) -من طريق همام بن منبه-، ورواه البيهقي أيضًا، وأحمد (٢/ ٤١١) -من طريق العلاء؛ وهو ابن عبد الرحمن عن أبيه-، كلهم عن أبي هريرة مطولًا ومختصرًا.
وأخرجه أبو عوانة أيضًا من حديث أبي صالح مختصرًا.
***
انتهى بحمد الله وفضله المجلد الثاني من «صحيح سنن أبي داود»، ويليه إن شاء الله تعالى المجلد الثالث، وأوله:

٣١ – باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت
و«سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك».

٢ ‏/ ٤٤٨
جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لـ دار غراس – الكويت وشريكهما ويحظَر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخاله على الكمبيوتر أو برمجته على أسطوانات ضوئية إلا بموافقة خطيّة من الناشر.
الطبعة الأولى
١٤٢٣ هـ
٢٠٠٢ م
الناشر
مؤسسة غراس للنشر والتوزيع
الكويت- شارع الصحافة- مقابل مطابع الرأي العام التجارية
هاتف: ٤٨١٩٠٣٧ – فاكس: ٤٨٣٨٤٩٥ – هاتف وفاكس: ٤٥٧٨٨٦٨
الجهراء: ص. ب: ٢٨٨٨ – الرمز البريدي: ٠١٠٣٠
Website: www.gheras.com
E-mail: [email protected]
٣ ‏/ ٢
٣١ – باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت
٥٣٠ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم! أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين».
(قلت: حديث صحيح. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما». وصححه اليَعْمَرِيُّ).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا محمد بن فُضَيْلٍ: ثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الرجل الذي لم يُسَمَّ، لكن قد ثبت أن الأعمش سمعه من أبي صالح، كما سمعه منه غيره من الثقات، كما يأتي بيانه، فالحديث صحيح لا شبهة فيه.
والحديث في «مسند أحمد» (٢/ ٢٣٢) … بهذا السند.
وأخرجه البيهقي (١/ ٤٣٠) من طريق المصنف عنه.
وأخرجه الترمذي (١/ ٤٠٣) معلقًا فقال:
«وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال: حُدِّثْتُ عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ».
ثم أخرجه هو (١/ ٤٠٢)، والشافعي في «الأم» (١/ ١٤١)، والطيالسي (رقم ٢٤٠٤)، وأحمد (٢/ ٢٨٤ و٤٢٤ و٤٦١ و٤٧٢)، والطبراني في «معجمه الصغير» (ص ٥٩ و١٢٣ و١٦٤)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٧/ ١١٨)، والخطيب في «تاريخه» (٣/ ٢٤٢ و٤/ ٣٨٧ و٩/ ٤١٣ و١/ ٣٠٦١) من طرق أخرى
٣ ‏/ ٣
كثيرة عن الأعمش عن أبي صالح … به.
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» -كما في «الترغيب» (١/ ١٠٨)، و«التلخيص» (٣/ ١٩٣) -.
ورواه البيهقي أيضًا (١/ ٤٣٠)؛ وقال:
«وهذا الحديث لم يسمعه الأعمش باليقين من أبي صالح؛ وإنما سمعه من رجل عن أبي صالح …»!
ثم ساق إسناده من طريق المصنف هذه. قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (٢/ ٢٩):
«فيجاب عنه بأن ابن نمير قد قال: عن الأعمش عن أبي صالح؛ ولا أراني إلا قد سمعته منه [قلت: وهو عند المصنف عقب هذه الرواية]. وقال إبراهيم بن حميد الرُّؤَاسيُّ: قال الأعمش: وقد سمعته من أبي صالح. وقال هشيم: عن الأعمش: حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة. ذكر ذلك الدارقطني [يعني: في»العلل«]. فبينت هذه الطرق أن الأعمش سمعه عن غير أبي صالح، ثم سمعه منه. قال اليعمري: والكل صحيح، والحديث متصل».
قلت: ويؤيده أن الحديث رواه ثقتان آخران عن أبي صالح موصولًا:
الأول: سهيل بن أبي صالح.
أخرجه الشافعي في «مسنده» (ص ٢١)، وأحمد (٢/ ٤١٩)، والخطيب (٦/ ١٦٧)، والبيهقي (١/ ٤٣٠) -عن الشافعي- من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة … به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد قال الحافظ:
٣ ‏/ ٤
«قال ابن عبد الهادي: أخرج مسلم بهذا الإسناد نحوًا من أربعة عشر حديثًا».
ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»؛ -وهو في «زوائد ابن حبان» (٣٦٣) -. وأعله البيهقي بقوله:
«وهذا الحديث لم يسمعه سهيل من أبيه؛ إنما سمعه من الأعمش»!
ثم أخرج البيهقي -من طريق محمد بن جعفر-، والطبراني في «الصغير» (ص ١٢٣) -من طريق روح بن القاسم- كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن الأعمش عن أبي صالح … به.
قلت: وليس في هذه الرواية ما ينفي أن يكون سهيلٌ سمع الحديث من أبيه؛ فإنه ثقة كثير الرواية عن أبيه، وهو لم يعرف بالتدليس، فروايته محمولة على الاتصال -كما هو مقرر في الأصول-، ولا مانع أن يكون سمعه من الأعمش عن أبيه، وعن أبيه مباشرة؛ فكان يحدث به مرة هكذا، ومرة هكذا، كما يقع ذلك في كثير من الأسانيد.
والآخر: أبو إسحاق السَّبيعي -واسمه عمرو بن عبد الله الهَمْداني-: أخرج حديثه الإمام أحمد فقال (٢/ ٣٧٧ – ٣٧٨ و٥١٤): ثنا موسى بن داود: حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن أبي صالح عن أبي هريرة … به.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم؛ لكن زهير -وهو ابن معاوية- سمع من أبي إسحاق في حالة اختلاطه؛ لكن هو شاهد قوي للأسانيد الأخرى.
وقد أخرجه الطبراني أيضًا (ص ١٥٥)؛ وقال:
«تفرد به موسى بن داود».
٣ ‏/ ٥
وقد خالفهم محمد بن أبي صالح أخو سهيل، فقال: عن أبيه أنه سمع عائشة تقول … فذكر الحديث.
أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (٣/ ٥٣)، وابن حبان (٣٦٢)، وأحمد (٦/ ٦٥)، والبيهقي (١/ ٤٣١) من طريق أبي عبد الرحمن المقري: ثنا حيوة: حدثني نافع بن سليمان أن محمد بن أبي صالح حدثه … به.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» من رواية ابن وهب عن حيوة … بسنده. وقال ابن خزيمة في «صحيحه» -بعد أن أخرجه من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة-: «رواه محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة. والأعمش أحفظ من مائتين مثل محمد بن أبي صالح».
قلت: ومحمد هذا؛ ليس بالمشهور؛ بل قال الذهبي:
«لا يعرف». ولذلك فالصواب قول أبي زرعة:
«حديث أبي صالح عن أبي هريرة أصح من حديث أبي صالح عن عائشة».

٥٣١ – وفي رواية عنه قال: قال رسول الله ﷺ … مثله.
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا ابن نمير عن الأعمش قال: نُبِّئْتُ عن أبي صالح -قال: ولا أراني إلا قد سمعته منه- عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح موصول، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وقد ذكر الأعمش أنه سمعه من أبي صالح فيما يظن، وقد جزم بسماعه منه في غير هذه الرواية، كما سبق ذكره في الرواية الأولى، فكان الإسناد موصولًا صحيحًا.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٠) من طريق المصنف.

٣ ‏/ ٦
وأخرجه الإمام أحمد (٢/ ٣٨٢): ثنا عبد الله بن نمير … به.
وقد سبق الكلام على الحديث وتخريجه في الرواية الأولى.

٣٢ – باب الأذان فوق المنارة
٥٣٢ – عن امرأة من بني النَّجار قالت:
كان بيتي من أطول بيت حول المسجد؛ فكان بلال يؤذن عليه الفجر، فيأتي بِسَحَرٍ، فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى، ثم قال:
اللهم! إني أحمدك؛ أستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن.
قالت: والله! ما علمته تركها ليلة واحدة.
(قلت: إسناده حسن، كما قال الحافظ، وقال ابن دقيق العيد: «هذا الخبر حسن»).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب: ثنا إبراهيم بن سعد عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. ولذلك قال النووي في «المجموع» (٣/ ١٠٦):
«إسناده ضعيف». فقول الحافظ في «الفتح» (٢/ ٨١):
«وإسناده حسن»! غير حسن.

٣ ‏/ ٧
ولو سكت عليه كما فعل في «التلخيص»؛ (٣/ ١٧٥)؛ لكان أحسن.
نعم؛ هو حسن لغيره، فقد وجدت له طريقًا أخرى، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٥) من طريق المصنف رحمه الله تعالى.
قلت: ثم وجدث الحديث في «سيرة ابن هشام» (٢/ ٢٠): قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير … به. فاتصل السند -والحمد لله-، فهو حسن.
وأما الطريق الآخر للحديث؛ فهو ما أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (٨/ ٣٠٧) قال: أخبرنا محمد بن عمر: ثني معاذ بن محمد عن يحيى بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال: أخبرني من سمع النَّوَّارَ أم زيد بن ثابت تقول:
كان بيتي أطول بيت حول المسجد؛ فكان بلال يؤذن فوقه -من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله ﷺ مسجده-، فكان يؤذن -بعدُ- على ظهر المسجد؛ وقد رفع له شيء فوق ظهره.
ومحمد بن عمر: هو الواقدي؛ ضعيف. وقال ابن دقيق في «الإمام»:
«هذا الخبر حسن» (١).
وفي الباب أحاديث أوردتها في «الثمر المستطاب»؛ فلتراجع. وانظر «المجموع» أيضًا.


(١) انظر تمام كلامه على الحديث فيما يأتي من الكلام على الحديث (رقم ٥٤٢ / ص ٣٥).
٣ ‏/ ٨
٣٣ – باب المؤذن يستدير في أذانه
٥٣٣ – عن أبي جُحَيْفة قال:
أتيت النبي ﷺ بمكة وهو في قُبَّةٍ حمراء من أدَم، فخرج بلال فأذّن، فكنت أتتبَّع فمه ها هنا وههنا، قال: ثَم خرج رسول الله ﷺ وعليه حُلَّةٌ حمراءُ بُرُودٌ يَمانِيَةٌ قِطْريٌّ (وفي رواية: قال: رأيت بلالًا خرج إلى الأبطح، فأذن، فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر، ثم دخل فأخرج العنزة) … وساق حديثه.
(قلت: إسناد الرواية الأولى صحيح. وقد أخرجها مسلم في «صحيحه» تامًّا، والبخاري وأبو عوانة مختصرًا. والرواية الأخرى صحيحة؛ لكن قوله فيها: (ولم يستدر) شاذ بل منكر. والحديث قال الترمذي: «حسن صحيح»، وتمام الحديث سيأتي برقم (٦٨٩».
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا قيس -يعني: ابن الربيع-. (ح) وثنا محمد بن سليمان الأنباري: ثنا وكيع عن سفيان جميعًا عن عون بن أبي جُحيَفة عن أبيه. وقال موسى: قال: رأيت بلالًا … إلخ.
قلت: الإسناد الأول ضعيف؛ لأن قيس بن الربيع -وإن كان ثقة- فهو سيئ الحفظ، لكن يقويه متابعة سفيان له؛ وإسناد روايته صحيح؛ غير أن قوله:
ولم يستدر … مما تفرد به قيس بن الربيع؛ فهي شاذة. وأما قول النووي في «المجموع» (٣/ ١٠٤):
«وفي رواية أبي داود: فلما بلغ: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ لوى عنقه يمينًا وشمالًا ولم يستدر. وإسناده صحيح»!
٣ ‏/ ٩
فغير صحيح؛ بل هو من أوهامه رحمه الله تعالى! ولعله اختلطت عليه رواية سفيان الخالية من الاستدارة برواية قيس هذه.
وقد جاءت الاستدارة عن سفيان في بعض الروايات الثابتة عنه؛ كما سنذكره.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٩٥) من طريق المصنف برواية قيس بن الربيع فقط، وقال:
«هكذا رواه قيس. وخالفه الحجاج بن أرطاة فقال: واستدار في أذانه …»؛ ثم ساق إسناده بذلك، ثم قال:
«ويحتمل أن يكون الحجاج أراد بالاستدارة التفاته في: حي على الصلاة، حي على الفلاح؛ فيكون موافقًا لسائر الرواة؛ والحجاج بن أرطاة ليس بحجة».
قلت: وهذا الجمع هو الذي يجب المصير إليه؛ فإن الاستدارة قد ثبتت في الحديث من طرق أخرى عن عون:
فروى الطبراني من حديث إدريس الأَوْدِي عن عون عن أبيه … الحديث؛ وفيه:
وجعل يستدير.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني الحديث من جهة حماد بن سلمة وهشيم عن عون عن أبيه؛ وفيه:
فجعل يستدير يمينًا وشمالًا.
ذكره ابن التركماني، والحافظ في «التلخيص» (٣/ ١٧٩).
٣ ‏/ ١٠
وقد ثبت في بعض الروايات عن سفيان أيضًا، كما يأتي.
ثم إن الحديث أخرجه أحمد (٤/ ٣٠٨ – ٣٠٩): ثنا وكيع … به.
ومن طريق أحمد: أخرجه البيهقي (١/ ٣٩٥).
وأخرجه مسلم (٢/ ٥٦) من طرق أخرى عن وكيع … به.
ثم قال أحمد: ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان … به، ولفظه:
رأيت بلالًا يؤذن ويدور، وأتتبع فاه ها هنا وههنا، وإصبعاه في أذنيه، قال: ورسول الله ﷺ في قبة له حمراء -أراها من أدم-، قال: فخرج بلال بين يديه بالعنزة، فركزها، فصلى رسول الله ﷺ -قال عبد الرزاق: وسمعته بمكة قال- بالبطحاء، يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار؛ وعليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بريق ساقيه.
قال سفيان: نراها حِبَرَةً.
ومن طريقه: أخرجه الحاكم (١/ ٢٠٢)، وعنه البيهقي.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٧٥) من طريق أخرى عن عبد الرزاق، وقال:
«حديث حسن صحيح».
وروى البخاري (٢/ ٩١)، والدارمي (١/ ٢٧١ – ٢٧٢)، من طريق محمد بن يوسف قال: ثنا سفيان … به مختصرًا؛ بلفظ:
أنه رأى بلالًا يؤذن، فجعلت أتتبع فاه ها هنا وههنا بالأذان. ثم قال الحاكم: «حديث صحيح على شرطهما»، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
٣ ‏/ ١١
وفيه إثبات الدوران في الأذان؛ وهو مما يدل على ضعف رواية قيس بن الربيع الذي نفى الدوران.
لكن قد ذكر البيهقي أن هذه اللفظة: (ويدور) رواها عبد الرزاق إجازةً عن سفيان عن عون بن أبي جحيفة … مدرجًا في الحديث. وبيَّن ذلك الحافظ في «الفتح» (٢/ ٩١)، فقال:
«فأما قوله: (ويدور) فهو مدرج في رواية سفيان عن عون، بيَّن ذلك يحيى ابن آدم عن سفيان عن عون عن أبيه قال: رأيت بلالًا أذَّن، فأتبع فاه ها هنا وههنا، والتفتَ يمينًا وشمالًا. قال سفيان: كان حجاج -يعني: ابن أرطاة- يذكر لنا عن عون أنه قال: فاستدار في أذانه، فلما لقينا عونًا؛ لم يذكر فيه الاستدارة. أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من طريق يحيى بن آدم. وكذا أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان، لكن لم يُسَمِّ حجاجًا، وهو مشهور عن حجاج. أخرجه ابن ماجة وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم من طريقه. ولم يتفرد به؛ بل وافقه إدريس الأودي ومحمد العرزمي عن عون، لكن الثلاثة ضعفاء. وقد خالفهم من هو مثلهم أو أمثل، وهو قيس بن الربيع، فرواه عن عون فقال في حديثه: ولم يستدر. أخرجه أبو داود».
قلت: ثم ذكر الحافظ الجمع بين الروايتين بنحو ما نقلناه عن البيهقي آنفًا، ثم قال:
«وأما وضع الإصبعين في الأذنين؛ فقد رواه مُؤَمَّلٌ عن سفيان. أخرجه أبو عوانة. وله شواهد ذكرتها في»تغليق التعليق«، أصحها ما رواه أبو داود واين حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه قال: قلت لبلال: كيف كانت نفقة النبي ﷺ … فذكر الحديث، وفيه: قال بلال: فجعلت أصبعي في أذنيَّ فأذنت».
٣ ‏/ ١٢
قلت: الحديث عند المصنف في «الخراج»، وسيأتي إن شاء الله تعالى (رقم …)؛ لكن ليس فيه هذا المقدار؛ إلا أن المصنف قد أشار إلى أنه لم يسق الحديث بتمامه؛ فالظاهر أن هذا مما اختصره، وهو في الطبراني «الكبير» (١/ ٥٦ / ١)؛ لكن ظاهره أنه ليس في الأذان.
ثم إن كلام الحافظ هذا يشعر أن الاستدارة تفرد بها الثلاثة الضعفاء عن عون، وعبد الرزاق عن سفيان عنه! وليس كذلك.
أما الأول؛ فقد نقلنا -فيما سبق- عن الحافظ نفسه: أن حماد بن سلمة وهشيمًا قد رويا الاستدارة أيضًا.
وأما الآخر؛ فقال ابن التركماني:
«وروى أبو نعيم الحافظ في»مستخرجه«على كتاب البخاري قال: وثنا أبو أحمد: ثنا المُطَرِّزُ: ثنا بُنْدار ويعقوب قالا:
ثنا عبد الرحمن بن مهدي ثنا سفيان عن عون عن أسامة [كذا! والصواب عن أبيه]: رأى بلالًا يؤذن ويدور … إلى آخره».
فهذه الطرق تبين أن الاستدارة صحيحة عن عون، وأن نفيها من قيس بن الربيع وهم منه؛ فكان شاذًّا بل منكرًا.
لكن المراد منها الالتفات يمينًا وشمالًا، كما سبق عن البيهقي والحافظ. ورواية حماد وهشيم المتقدمة صريحة في ذلك.
ثم إن الحديث أخرجه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه» (١/ ٣٢٩) مختصرًا كالبخاري؛ لكن من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان.
ثم رواه أتم منه من طريق مؤمل عن سفيان؛ وفيه الزيادة التي عزاها الحافظ
٣ ‏/ ١٣
إليه آنفًا.
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (٤/ ٥٢) من طريق إسحاق الأزرق عن سفيان.

٣٤ – باب في الدعاء بين الأذان والإقامة
٥٣٤ – عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يُرَدُّ الدعاءُ بين الأذان والإقامة».
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
أخرجه ابن خزيمة وابن حبان (١٦٩٤) في «صحيحيهما»).
إسناده: ثنا محمد بن كثير: نا سفيان عن زيد العَمِّي عن أبي إياس عن أنس بن مالك.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير زيد العمي -وهو ابن الحَوَارِي-، وهو مِمَّن اختلفت فيه أقوال الأئمة؛ لكن الجمهور على تضعيفه؛ وذلك لضعف في حفظه. وقد قال ابن عدي:
«عامة ما يرويه ضعيف، على أن شعبة قد روى عنه، ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه». ولذلك جزم الحافظ في «التقريب» بأنه:
«ضعيف»، لكن لم يتفرد بهذا الحديث كما يأتي؛ فكان صحيحًا.
وأبو إياس: هو معاوية بن قرة.
وسفيان: هو الثوري.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤١٠) من طريق المصنف.

٣ ‏/ ١٤
وأخرجه الترمذي (١/ ٤١٥ – ٤١٦) و(٢/ ٢٧٩ – طبع بولاق)، وأحمد (٣/ ١١٩) من طرق عن سفيان … به.
وخالفهم يحيى بن اليمان عن سفيان؛ فزاد في آخره:
قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ ! قال:
«سَلُوا الله العافية في الدنيا والآخرة».
أخرجه الترمذي، وقال:
«حديث حسن».
قلت: كلا؛ فهو بهذه الزيادة ضعيف؛ لأنه تفرد بها ابن اليمان، وهو ضعيف الحفظ.
وأما الحديث بدونها فصحيح. وقد قال الترمذي أيضًا:
«حديث حسن صحيح. وقد رواه أبو إسحاق الهمداني عن بُرَيْدِ بن أبي مريم عن أنس عن النبي ﷺ … مثل هذا»؛ يعني رواية الجماعة عن سفيان. وزاد في المكان الآخر:
«وهذا أصح». وقال المنذري في «مختصره»:
«وأخرجه الترمذي والنسائي في»اليوم والليلة«، وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه النسائي من حديث يزيد [كذا بالمثناة! وهو تصحيف، والصواب: بريد، بضم الباء الموحدة] بن أبي مريم عن أنس؛ وهو أجود من حديث معاوية بن قُرَّة، وقد روي عن قتادة عن أنس موقوفًا».
قلت: وقال الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (١/ ٢٧٤):
٣ ‏/ ١٥
«رواه أبو داود والنسائي في»اليوم والليلة «والترمذي -وحسنه- من حديث أنس. وضعفه ابن عدي وابن القطان. ورواه في»اليوم والليلة«-بإسناد آخر جَيِّد- وابن حبان في»صحيحه«والحاكم -وصححه-».
قلت: وقد أخرجه ابن السُّنِّيِّ في «اليوم والليلة» (رقم ١٠٠) من طريق النسائي، وإسناده هكذا: أخبرنا أبو عبد الرحمن: أخبرنا إسماعيل بن مسعود: ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن بُرَيْدِ بن أبي مريم … به؛ وزاد في آخره:
«فادعوا».
وكذا أخرجه أحمد (٣/ ١٥٥) من طريقين عن إسرائيل.
وهذا إسناد صحيح، فإن بريدًا ثقة بلا خلاف. وبقية الرجال ثقات مشهورون.
وأبو إسحاق: هو عمرو بن عبد الله السَّبيعي.
وقد تابعه ابنه يونس فقال: ثنا بريد بن أبي مريم … به.
أخرجه أحمد أيضًا (٣/ ٢٢٥)؛ وهو صحيح أيضًا.
والحديث عزاه المنذري في «الترغيب» (١/ ١١٥) لابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»! وإنما أخرجاه من هذه الطريق الصحيح، كما في «التلخيص» (٣/ ٢٠٦).
وعزاه العراقي -كما سبق- للحاكم! ولم أجده عنده بهذا اللفظ؛ وإنما أخرجه بلفظ:
«الدعاء مستجاب ما بين النداء».
٣ ‏/ ١٦
وسنده ضعيف جدًّا. وأشار إلى حديث الباب (١/ ١٩٨). وله طريق رابع عند الخطيب في «تاريخه» (٨/ ٧٠).

٣٥ – باب ما يقول إذا سمع المؤذن
٥٣٥ – عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال: «إذا سمعتم النداء؛ فقولوا مثل ما يقول المؤذن».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه، وكذا ابن حبان (١٦٨٤)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٨٦ – ٨٧).
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٧٢)، ومسلم (٢/ ٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٣٧) والنسائي (١/ ١٠٩)، ومن طريقه: ابن السني (رقم ٨٨)، والترمذي (١/ ٤٠٧ – ٤٠٨) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، وابن ماجة (١/ ٢٤٥)، والطحاوي (١/ ٨٥)، وأحمد (٣/ ٦ و٥٣ و٧٨)، والبيهقي (١/ ٤٠٨)، والخطيب (٩/ ٣٣٥) كلهم عن مالك … به.
وقد تابعه يونس بن يزيد عن الزهري: عند الدارمي (١/ ٢٧٢)، وأبي عوانة، والطحاوي، والطيالسي (رقم ٢٢١٤)، وأحمد (٣/ ٩٠).

٣ ‏/ ١٧
وابن جريج ومعمر: عند أبي عوانة.
وخالفهم في إسناده: عَبَّاد بن إسحاق -أو عبد الرحمن بن إسحاق-، فقال: عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة … مرفوعًا نحوه.
أخرجه ابن ماجة والطحاوي. وذكره الترمذي معلقًا، وقال:
«ورواية مالك أصح». وكذا قال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود؛ كما في «الفتح».

٥٣٦ – عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي ﷺ يقول:
«إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثل ما يقول، ثم صلُّوا علي؛ فإنه مَنْ صلى عليَّ صلاة؛ صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة؛ حلَّت عليه الشفاعة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه» بإسناد المصنف. ومن طريقه أبو عوانة في «صحيحه»، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن سَلَمة: ثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وحَيوَة وسعيد ابن أبي أيوب عن كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جُبَيْرٍ عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٣٧) من طريق المصنف؛ إلا

٣ ‏/ ١٨
أنه لم يقع في إسناده ابن لهيعة.
وأخرجه مسلم (٢/ ٤) … بهذا الإسناد، لكن لم يصرح باسم ابن لهيعة، بل قال: عن حيوة وسعيد بن أبي أيوب وغيرهما.
ثم أخرجه أبو عوانة من طريق أخرى عن ابن وهب عن حيوة وحده.
وكذلك أخرجه النسائي (١/ ١١٠)، ومن طريقه ابن السني (ص ٣٣ رقم ٩١)، والترمذي (٢/ ٢٨٢ – طبع بولاق)، والطحاوي (١/ ٨٥)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ٢١٨ – ٢١٩)، وكذا ابن حبان (٣/ ٩٩ / ١٦٨٨ – ١٦٩٠)، وأحمد (٢/ ١٦٨) من طرق أخرى عن حيوة … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».

٥٣٧ – عن عبد الله بن عمرو:
أن رجلًا قال: يا رسول الله! إن المؤذنين يَفْضُلُوننا؟ فقال رسول الله ﷺ: «قُلْ كما يقولون؛ فإذا انتهيت؛ فَسَلْ تعْطَهْ».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا ابن السَّرْح ومحمد بن سلمة قالا: ثنا ابن وهب عن حُيَيٍّ عن أبي عبد الرحمن -يعني: الحُبُلِيَّ- عن عبد الله بن عمرو.
قلت: وهذا إسناد محتمل للتحسين، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير حيي -بضم أوله ويائين من تحت، الأولى مفتوحة-، وهو ابن عبد الله بن شُريح المَعَافِرِي المصري؛ وهو مختلف فيه. فقد جاء في ترجمته من «التهذيب» ما نصه:

٣ ‏/ ١٩
»قال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال البخاري: فيه نظر. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة … وذكره ابن حبان في «الثقات»«.
قلت: وقال الذهبي في»الميزان«:
»قلت: ما أنصفه ابن عدي؛ فإنه ساق في ترجمته عدة أحاديث من رواية ابن لهيعة عنه، كان ينبغي أن تكون في ترجمة ابن لهيعة«.
وقد ذكر الذهبي أن الترمذي حسن له، وكذا حسن له المنذري في»الترغيب«(١/ ٢١١ و٢١٤)، والهيثمي في»المجمع«(٢/ ٢٥٤ و١٠/ ١٢٢)، وصحح له ابن حبان كما يأتي، والحاكم في»المستدرك«(١/ ٣٢١)، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في»التقريب«:
»صدوق يهم«.
قلت: فهو -إن شاء الله تعالى- حسن الحديث ما لم يظهر خطؤه؛ كغيره من الثقات الذين في حفظهم ضعف غير شديد، وقد مر منهم جماعة.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤١٠) من طريق المصنف. وقال المنذري في»مختصره«:
»وأخرجه النسائي في «اليوم والليلة» … «، وزاد في»الترغيب«(١/ ١١٣):»وابن حبان في «صحيحه»”.
وليعلم أن الحديث يشهد لمعناه الحديثان المتقدمان في الباب، وحديث أنس في الباب الذي قبله، فهو صحيح.
٣ ‏/ ٢٠
٥٣٧ / م – عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله ﷺ قال:
«من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًّا، وبمحمد رسولًا، وبالإسلام دينًا؛ غُفِرَ له».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وبه أخرجه في «صحيحه»، وكذا ابن حبان (١٦٩١)، وأبو عوانة في «صحيحه». وقال الحاكم: «صحيح»، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن الحُكَيْمِ بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن سعد بن أبي وقاص.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ورجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤١٠) من طريق المصنف.
وأخرجه بإسناده مسلم (٢/ ٥). والنسائي (١/ ١١٠). ومن طريقه ابن السني (رقم ٩٥)، وأحمد (١/ ١٨١)، والترمذي (١/ ٤١١ – ٤١٢)، وقال:
«حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث الليث بن سعد عن حُكَيْم بن عبد الله بن قيس».
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٠٣) من طرق عن قتيبة … به، وقال:
«صحيح، ولم يخرجاه»! ووافقه الذهبي!
وقد وهما في الاستدراك على مسلم؛ وقد أخرجه في «صحيحه» كما رأيت.
٣ ‏/ ٢١
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة أيضًا (١/ ٣٤٠)، وابن ماجة (١/ ٢٤٥)، والطحاوي (١/ ٨٧) من طرق أخرى عن الليث … به.
وفي كلام الترمذي السابق ما يشير إلى أن الليث تفرد به!
وليس كذلك؛ فقد تابعه عبيد الله بن المغيرة: عند الطحاوي، وإسناده هكذا: ثنا روح بن الفرج قال: ثنا سعيد بن كثير بن عُفَيْر قال: ثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن الحُكَيْمِ بن عبد الله بن قيس … فذكر مثله بإسناده؛ وزاد أنه قال:
«من قال حين يسمع المؤذن يتشهد …».
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مترجم لهم في «التهذيب».
وفيه هذه الزيادة التي عَيَّنَتْ مكان هذا القول، وهو بعد تشهد المؤذن، لا بعد فراغه من أذانه كما استظهره السندي؛ ففيه إشارة إلى عدم وجوب المتابعة في كل ما يقوله المؤذن؛ كما ذكرته في «الثمر المستطاب».

٥٣٨ – عن عائشة:
أن رسول الله ﷺ كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال:
«وأنا وأنا».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم والنووي، وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٦٨١».
إسناده: حدثنا إبراهيم بن مهدي: ثنا علي بن مُسْهِر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.

٣ ‏/ ٢٢
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير إبراهيم بن مهدي، وهو ثقة.
وقال النووي في «الأذكار» (ص ٤٩):
«إسناد صحيح».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٠٩) من طريق المصنف.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٠٤)، والطبراني في «الأوسط» (١/ ٢٩١ / ١) من طريق سهل بن عثمان العسكري: ثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة … به. وقال الحاكم:
«إسناد صحيح».
قلت: وهو على شرط مسلم؛ فإن سهلًا هذا من شيوخه، وسائر الرواة من رجالهما.
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣/ ٩٦ – ٩٧/ ١٦٨١)، وسقط من «الموارد»: عن سهل.
وله في «المسند» (٦/ ١٢٤) طريق أخرى بلفظ آخر.
وسنده صحيح على شرط مسلم.
وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام: أخرجه أحمد أيضًا (٥/ ٤٥١)، ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير يحيى بن عبد الرحمن -وهو الثقفي-؛ قال الذهبي:
«تفرد عنه سعيد بن أبي هلال».
٣ ‏/ ٢٣
قلت: ومع ذلك؛ أورده ابن حبان في «الثقات» على قاعدته! وقال الحافظ في «التقريب»:
«مقبول».

٥٣٩ – عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، فإذا قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدًا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله -من قلبه-، دخل الجنة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو، وابن حبان (١٦٨٣)، وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا محمد بن جَهْضَمٍ: ثنا إسماعيل بن جعفر عن عمَارةَ بن غَزِيَّةَ عن خُبَيْبِ بن عبد الرحمن بن إساف عن حفص بن عاصم بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٣٩)، والبيهقي (١/ ٤٠٨ – ٤٠٩) من طرق عن محمد بن جهضم … به.

٣ ‏/ ٢٤
ثم أخرجه أبو عوانة، والطحاوي (١/ ٨٦) من طريق إسحاق بن محمد الفَرْوِيِّ قال: ثنا إسماعيل بن جعفر … بإسناده مثله.
وعزاه المنذري في كتابيه «مختصر السنن» و«الترغيب» (١/ ١١٢) للنسائي! ولم أجده عنده؛ ولم يعزه إليه النابلسي في «الذخائر» رقم (٥٥٨٨)! فالظاهر أنه في «سننه الكبرى»، أو في «عمل اليوم والليلة» له!

٣٦ – باب ما جاء في الدعاء عند الأذان
٥٤٠ – عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ:
«من قال حين يسمع النداء: اللهم! ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته؛ إلا حَلَّتْ له الشفاعة يوم القيامة» (١).
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه».
وقال الترمذي: «حديث صحيح حسن». ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: ثنا علي بن عياش: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث في «مسند أحمد» (٣/ ٣٥٤) … بهذا السند.


(١) تم الجزء الثالث من تجزئة الخطيب، ويتلوه الجزء الرابع.
٣ ‏/ ٢٥
وبه أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٧٥ – ٧٦) وفي «أفعال للعباد». (ص ٧٤).
وأخرجه النسائي (١/ ١١٠ – ١١١)، وعنه ابن السني (رقم ٩٣)، والترمذي (١/ ٤١٣ – ٤١٤)، وابن ماجة (١/ ٢٤٥)، والطحاوي (١/ ٨٧)، والطبراني في «المعجم الصغير» (ص ١٤٠)، والبيهقي (١/ ٤١٠) من طرق عن علي بن عياش … به. وقال الترمذي:
«حديث صحيح حسن غريب، لا نعلم أحدًا رواه غير شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر»! وكذا قال الطبراني أنه:
«لم يروه عن محمد بن المنكدر إلا شعيب»! قال الحافظ:
«وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر: أخرجه الطبراني في»الأوسط«من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه».
قلت: والظاهر أنه يعني ما أخرجه أحمد (٣/ ٣٣٧)، وابن السني (رقم ٩٤) وغيرهما من طريق الحسن بن موسى: ثنا ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعًا؛ بلفظ:
«من قال حين ينادي النادي: اللهم! ربَّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة! صَلِّ على محمد، وارْضَ عنه رضًا لا تسخط بعده؛ استجاب الله دعوته».
وهذا السياق مخالف لحديث الباب! والظاهر أن ذلك من ابن لهيعة؛ فقد كان سيئ الحفظ.
فحديثه هذا يصلح شاهدًا ومتابعة في الجملة.
٣ ‏/ ٢٦
(تنبيهات):
الأول: زاد البيهقي من طريق محمد بن عوف عن علي بن عياش زيادتين: الأولى: «اللهم! إني أسألك بحق هذه الدعوة»، والأخرى في آخره: «إنك لا تخلف الميعاد»!
وهاتان زيادتان شاذتان عندي؛ لأنهما لم تردا في سائر الطرق عن علي بن عياش، ولا في الطريق الأخرى عن جابر، اللهم إلا الزيادة الأخرى؛ فإنها مما ثبت للكُشْمِيهَنيِّ في «صحيح البخاري» -كما في «المقاصد الحسنة» للسخاوي-، ولكنها شاذة أيضًا؛ لأنها لم تثبت في غير رواية الكشميهني لـ «الصحيح»! وكأنه لذلك لم يعرج عليها الحافظ في «شرحه».
ويؤيد ذلك: أنها لم ترد في الكتاب الآخر البخاري ألا وهو «أفعال العباد»؛ مع أن إسناده فيهما واحد!
الثاني: قال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٢٠٣) -وتبعه السخاوي في «المقاصد»-:
«وليس في شيء من طرق الحديث ذكر الدرجة الرفيعة».
قلت: قد وقعت في رواية ابن السني لحديث الباب؛ لكن الظاهر أنها مدرجة من قبل بعض النساخ؛ فقد علمت مما سبق في تخريج الحديث أنه عنده من طريق النسائي؛ وليست هي في «سننه»!
وقد وقعت أيضًا في كتاب «قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة» لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ معزوًا البخاري! وهو وهم فاحش -من قبل بعض النساخ حتمًا-. ومن الغريب: أن السيد رشيد رضا رحمه الله تعالى مرَّ عليها دون أي تنبيه! والمعصوم من عصمه الله وحده!
الثالث: رواية المصنف والبخاري والجمهور: «مقامًا محمودًا» بالتنكير.
٣ ‏/ ٢٧
وأما النسائي والبيهقي فقالا: «المقام المحمود» بالتعريف؛ وهي رواية الطحاوي أيضًا، والطبراني وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، كما في «الفتح». والصحيح رواية البخاري ومن معه؛ لوجوه كثيرة؛ أوردها المحقق ابن القيم في «بدائع الفوائد» (٤/ ١٠٥)؛ فراجعها.

٣٧ – باب ما يقول عند أذان المغرب
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]

٣٨ – باب أَخذ الأجر على التأذين
٥٤١ – عن عثمان بن أبي العاص قال:
قلت (وفي رواية: أن عثمان ابن أبي العاص قال): يا رسول الله! اجعلني إمام قَوْمِي. قال:
«أنت إمامهم، واقْتَدِ بأضعفهم، واتَّخِذْ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» نحوه بتمامه، ومسلم: الفصل الأول منه، والترمذي: الفصل الأخير، وقال: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أنا سعيد الجُريري عن أبي العلاء عن مُطَرِّف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص قال: قلت … وقال موسى في موضع آخر: إن …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة.

٣ ‏/ ٢٨
وقد تابعه حماد بن زيد، كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١٠٩)، والطحاوي (٢/ ٢٧٠)، والحاكم (١/ ١٩٩ و٢٠١)، وعنه البيهقي (١/ ٤٢٩)، وأحمد (٤/ ٢١ و٢١٧) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي.
ثم أخرجه أحمد من طريق عفان قال: ثنا حماد بن زيد: أنا سعيد الجريري … به.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
وللحديث طريق أخرى: أخرجها أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٨٦ – ٨٧) من طريق عمرو بن عثمان بن مَوْهَبٍ عن موسى بن طلحة عن عثمان بن أبي العاص قال: قال النبي ﷺ:
«أُمَّ قومَكَ، وصلِّ بهم صلاة أضعفهم …» الحديث، وزاد في رواية:
«واتخذ مؤذنًا …» إلخ.
وإسنادها صحيح.
وهو في «مسلم» (٢/ ٤٣ – ٤٤) بدونها.
وقد أخرجها وحدها: الترمذيّ (١/ ٤٠٩ – ٤١٠)، وابن ماجة (١/ ٢٤٤)، والحميدي في «مسنده» (٩٠٦)، وابن حزم (٣/ ١٤٥) من طريق أشعث بن عبد الملك الحُمْرَانيِّ عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
٣ ‏/ ٢٩
وله شاهد: يرويه الوليد بن مسلم عن سعيد القطيعي عن المغيرة بن شعبة قال:
سألت النبي ﷺ أن يجعلني إمام قومي، فقال … فذكره نحوه.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٤٣٤ – ٤٣٥).
ورجاله ثقات؛ غير سعيد هذا، ويمكن أن يكون الذي في «الجرح» (٢/ ١ / ٥٦/ ٢٤٥):
«سعيد بن قطن القطعي .. شيخ»!
فإن كان هو؛ فهو -في ظني- منقطع بينه وبين المغيرة، أو بينه وبين الوليد!

٣٩ – باب في الأذان قبل دخول الوقت
٥٤٢ – عن ابن عمر:
أن بلالًا أذَّن قبل طلوع الفجر؛ فأمره النبي ﷺ أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام، ألا إن العبد نام (زاد في رواية: فرجع فنادى: ألا إن العبد نام).
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقد قواه ابن التركماني والحافظ ابن حجر العسقلاني).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب -المعنى- قالا: ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
قال أبو داود: «وهذا الحديث لم يروه عن أيوب إلا حماد بن سلمة»!

٣ ‏/ ٣٠
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أُعل بما لا يقدح، كما يأتي.
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٨٣)، والبيهقي (١/ ٣٨٣) من طرق أخرى عن موسى بن إسماعيل … به.
ثم أخرجاه من طرق أخرى عن حماد بن سلمة … به.
وأخرجه الدارقطني أيضًا (ص ٩٠).
وقد علمت أن الحديث صحيح الإسناد. لكن أعلَّه الأئمة بعلتين:
الأولى: تفرد حماد به.
والأخرى: مخالفة الحديث للحديث الصحيح الوارد من طرق؛ منها: عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:
«إن بلالًا يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم».
أخرجه مسلم (٣/ ١٢٩) وغيره!
أما العلة الأولى: فقد أعلَّه بها المصنف كما سبق؛ وقال عقب حديث نافع الآخر الآتي بعد هذا:
«وهذا أصح من ذاك»؛ يعني من حديث حماد هذا! وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ١١٤ / رقم ٣٠٨) عن أبيه:
“ولا أعلم روى هذا الحديث عن أيوب … إلا حماد بن سلمة، وشيئًا حدثنا عمر بن علي الإسْفَذْنِيُّ قال: حدثنا ابن أبي محذورة عن عبد العزيز بن أبي روَّاد عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ، قال: والصحيح عن نافع عن ابن عمر: أن
٣ ‏/ ٣١
عمر أمر مسروحًا: أذِّن قبل الفجر، وأمره أن يرجع. وفي بعض الأحاديث: أن بلالًا أذن قبل الفجر»!
وأما العلة الأخرى: فقد أعلَّه بها أبو حاتم؛ فقال -وهو تمام كلامه السابق-:
«فلو صح هذا الحديث؛ لدفعه حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، والقاسم بن محمد عن عائشة عن النبي ﷺ أنه قال:»إنَّ بلالًا يؤذن بليل، وكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم«؛ فقد جوَّز النبي ﷺ الأذان قبل الفجر، مع أن حديث حماد بن سلمة خطأ. قيل له: فحديث ابن أبي محذورة؟ قال: ابن أبي محذورة شيخ»! وقال الترمذي -بعد أن علق الحديث (١/ ٣٩٤) -:
«هذا حديث غير محفوظ. والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي ﷺ قال:»إن بلالًا يؤذن بليل … «…» الحديث.
قال: «ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث» قال:
«ولو كان حديث حماد صحيحًا؛ لم يكن لهذا الحديث معنى؛ إذ قال رسول الله ﷺ:»إن بلالًا يؤذن بليل«؛ فإنما أمرهم فيما يستقبل، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر؛ لم يقل:»إن بلالًا يؤذن بليل«. قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ .. هو غير محفوظ؛ وأخطأ فيه حماد بن سلمة»!
أقول: وهاتان العلتان غير قادحتين عندنا في صحة الحديث؛ وإليك البيان:
أما الأولى: فذلك لأن حماد بن سلمة لم يتفرد بالحديث؛ بل تابعه عن أيوب: سعيد بن زَرْبِيٍّ، كما قال الدارقطني والبيهقي، وهو وإن قالا فيه: إنه ضعيف؛ فقد رواه معمر بن راشد عن أيوب قال:
٣ ‏/ ٣٢
أذن بلال مرة بليل … فذكره مرسلًا.
أخرجه الدارقطني (ص ٩١).
ثم إنه لم يتفرد به أيوب عن نافع؛ بل قد تابعه ابن أبي رواد؛ كما سبق في كلام أبي حاتم.
وقد أخرجه البيهقي (١/ ٣٨٣) من طريق أخرى عن إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي محذورة عن ابن أبي رواد.
وهذا إسناد -على انفراده- قوي حسن؛ فإن إبراهيم هذا؛ ذكره ابن حبان في «الثقات»، وصحح له الترمذي حديثًا في الأذان، وقد ذكرناه فيما مضى (رقم ٥١٨). وابن أبي رواد، وهو ثقة. ولا يلتفت إلى طعن ابن حبان فيه؛ فإنه بدون بينة؛ كما قال الذهبي. ولذا قال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق عابد ربما وهم». وقال ابن التركماني -بعد أن وثق إبراهيم المذكور-:
«وباقي السند صحيح أيضًا».
ثم إن إبراهيم لم يتفرد به؛ فقد أخرجه الدارقطني (٩١) من طريق عامر بن مُدْرَكٍ: ثنا عبد العزيز بن أبي رواد … به. وقال:
«وهم فيه عامر بن مدرك، والصواب ما تقدم عن شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن مؤذن عمر عن عمر … قوله»!
قلت: يعني: الأثر الآتي عقب الحديث! وزعْمُهُ أن عامرًا وهم فيه؛ يرده متابعة ابن أبي محذورة له؛ ويظهر أنه لم يقف عليها.
ثم إن عامرًا قد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
«ربما أخطأ».
٣ ‏/ ٣٣
وأخرج له في «صحيحه»، والحاكم في «المستدرك»، كما قال ابن التركماني.
ثم إن للحديث شواهد:
فمنها: ما أخرجه الدارقطني من طريق أبي يوسف القاضي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس:
أن بلالًا أذن قبل الفجر، فأمره ﷺ أن يصعد فينادي … الحديث. وقال:
«تفرد به أبو يوسف عن سعيد. وغيره يرسله عن سعيد عن قتادة عن النبي ﷺ»!
ثم رواه من طريق عبد الوهاب عن سعيد … به مرسلًا. قال ابن التركماني:
«قلت: أبو يوسف؛ قد وثقه البيهقي وابن حبان، وقد زاد الرفع، فوجب قبول زيادته»!
كذا قال: الرفع! وهو سبق قلم، والصواب «الوصل»، كما يدل عليه السياق.
ثم هب أن الصواب أنه مرسل؛ فهو مرسل قوي الإسناد -كالآتي بعده- يصلح شاهدًا لحديث الباب، كما لا يخفى.
ومنها: ما أخرجه الدارقطني -من طريق يونس بن عبيد-، والبيهقي (١/ ٣٨٤ – ٣٨٥) -من طريق سليمان بن المغيرة- كلاهما عن حميد بن هلال قال:
أذن بلال بليل، فقال رسول الله ﷺ: «ارجع …» الحديث. قال البيهقي:
«هكذا رواه جماعة عن حميد مرسلًا». قال الزيلعي (١/ ٢٨٤):
«قال في»الإمام«: لكنه مرسل جيد، ليس في رجاله مطعون فيه».
وبالجملة؛ فالحديث لا شك في صحته بعد هذه المتابعات والشواهد؛ وهي ترد
٣ ‏/ ٣٤
دعوى وهم حماد بن سلمة فيه؛ مهما كان شأن قائلها.
وذلك من الأدلة على أنه ليس من السهل رد رواية الثقة لمجرد مخالفته لرواية غيره من الثقات؛ لأنه قد تكون المخالفة مخالفة تعدد لا تعارض، كما هو الحال في هذا الحديث، على ما سنبينه في كلامنا الآتي؛ وهو:
وأما الجواب عن العلة الأخرى: فهو أنه لا تعارض ولا مخالفة بين حديث الباب والحديث الآخر:»إن بلالًا يؤذن بليل … «إلخ؛ إلا على افتراض أن بلالًا بقي طيلة حياته يؤذن بليل قبل انشقاق الفجر، ودون إثبات ذلك خَرْطُ القَتَادِ!
بل قد ثبت خلافه، وهو أن بلالًا رضي الله تعالى عنه كان يؤذن بُرْهة من الزمن عند طلوع الفجر؛ وذلك في عهد النبي عليه الصلاة والسلام. والدليل على ما ذهبنا إليه أحاديث.
الأول: الحديث المتقدم في الكتاب (رقم ٥٣٢)؛ وفيه أن بلالًا كان ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم يؤذن. والكلام على إسناده سبق تحقيقه هناك فراجعه. قال الزيلعي (١/ ٢٨٧) -بعد أن ساق الحديث-:
»قال عبد الحق: والصحيح أن بلالًا كان يؤذن بليل. وقال ابن القطان: وهذا أيضًا صحيح على أصله؛ فإن ابن إسحاق عنده ثقة، ولم يعرض له المصنف إلا من جهة معارضة غيره له. قال الشيخ في «الإمام»: والتعارض بينهما لا يتحقق إلا بتقدير أن يكون قوله: «إن بلالًا يؤذن بليل» في سائر العام؛ وليس كذلك؛ إنما كان ذلك في رمضان. والذي يقال في هذا الخبر: إنه حسن. انتهى«.
الثاني: عن أبي ذر: أن النبي ﷺ قال لبلال:
»أنت يا بلال تؤذن إذا كان الصبح ساطعًا في السماء؛ فليس ذلك بالصبح؛ إنما الصبح هكذا معترضًا”؛ ثم دعا بسحوره فتسحَّر.
٣ ‏/ ٣٥
أخرجه أحمد (٥/ ١٧٢)، والطحاوي (١/ ٨٤).
وفي رواية لأحمد:
ثم أذن بلال للصلاة، فقال:
«أفعلت؟ !». قال: نعم. قال:
«يا بلال! إنك لتؤذن إذا كان …» الحديث.
وهو حسن أو صحيح، كما سيأتي تحقيقه بعد، فانظر الحديث (رقم ٥٤٥ / م).
الثالث: عن ابن عمر قال:
تسحر رسول الله ذات ليلة؛ وعنده قوم، فجاء علقمة ابن عُلَاثة العامري، فدعا له النبي ﷺ برأس، فجاء بلال ليؤذن بالصلاة، فقال:
«رويدك يا بلال! يَتَسَحَّرْ علقمة». قال في «المجمع» (٣/ ١٥٣):
«رواه الطبراني في»الكبير«؛ وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة وسفيان الثوري، وفيه كلام».
قلت: ومن طريقه: أخرجه الطيالسي في «مسنده» (ص ٢٥٨ رقم ١٨٩٨)، وإسناده هكذا: حدثنا قيس عن زهير بن أبي ثابت الأعمى عن تميم بن عياض عن ابن عمر.
وزهير هذا؛ قال الذهبي في «الميزان»:
«ثقة».
وأما تميم بن عياض؛ فلم أعرفه.
الرابع: عن أنس بن مالك مرفوعًا:
٣ ‏/ ٣٦
«لا يمنعنكم أذان بلال من السحور؛ فإن في بصره شيئًا».
أخرجه الطحاوي (١/ ٨٤)، وأحمد (٣/ ١٤٠) من طريق محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال ابن التركماني (١/ ٣٨٥):
«سنده جيد».
الخامس: عن سمرة بن جندب مرفوعًا:
«لا يغرَّنَّكم نداء بلال؛ فإن في بصره سوءًا».
أخرجه أحمد (٥/ ٩): ثنا عفان: ثنا همام: حدثني سوادة قال: سمعت سمرة بن جندب.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد أخرجه في «صحيحه» (٣/ ١٣٠) من طريق سوادة هذا -وهو ابن حنظلة-؛ دون قوله:
«فإن …» إلخ.
وقد ذكره الزيلعي (١/ ٢٨٤) بتمامه، وذكر أنه رواه أبو داود والنسائي والترمذي وأحمد!
وعزوه لغير أحمد وهم أو تساهل؛ فإنه عندهم كرواية مسلم؛ وسيأتي في الكتاب إن شاء الله تعالى (رقم ٢٠٣١).
السادس: عن شيبان:
أنه غدا إلى السجد .. فرأى النبي ﷺ يتغدَّى؛ قال:
٣ ‏/ ٣٧
«هَلُمَّ إلى الغداء». فقال: يا رسول الله! إني أريد الصيام! قال:
«وأنا أريد الصيام؛ إن مؤذننا في بصره سوء؛ أذن قبل الفجر».
أخرجه الطبراني في «الكبير» و«الأوسط»؛ وفيه قيس بن الربيع أيضًا.
والظاهر أن هذا المؤذن هو بلال؛ المصرَّح به في الأحاديث المتقدمة.
السابع: عن عائشة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل؛ فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال»؛ وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر.
أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» -كما في «نصب الراية» (١/ ٢٨٩) -.
وللحديث طريقان:
الأول: أخرجه النسائي (١/ ١٠٥) من طريق خُبَيْبِ بن عبد الرحمن عن عمَّته أُنَيْسَةَ.
والطريق الثاني: أخرجه أحمد (٦/ ١٨٥): ثنا إسماعيل بن عمر قال: ثنا يونس بن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال:
قلت لعائشة أم المؤمنين: أيَّ ساعة توترين؟ لعله قالت: ما أوتر حتى يؤذنون، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر. قالت: وكان لرسول الله ﷺ مؤذنان: بلال وعمرو ابن أم مكتوم؛ فقال رسول الله ﷺ:
«إذا أذن عمرو فكُلُوا واشربوا؛ فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم؛ فإن بلالًا لا يؤذن -كذا قال- حتى يصبح».
وهذا رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه منقطع بين يونس بن أبي إسحاق والأسود بن يزيد؛ فإن بين وفاتيهما (٨٤) سنة. ولعل يونس رواه عن أبيه عن
٣ ‏/ ٣٨
الأسود؛ فسقط ذكر الأب من الناسخ أو الطابع (*)!
ومما يؤيد هذا الاحتمال: أن أبا إسحاق معروف بالرواية عن الأسود بن يزيد.
والله أعلم.
ثم رأيت للحديث طريقًا ثالثًا: أخرجه البيهقي (١/ ٣٨٢) من طريق يعقوب ابن محمد بن عيسى المدني: ثنا عبد العزيز بن محمد: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة … مرفوعًا به نحوه؛ وزاد: قالت عائشة:
وكان بلال يبصر الفجر. قال هشام:
وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر! وقال البيهقي:
«كذا روي بإسناده. وحديث عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة أصح».
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن يعقوب ابن محمد بن عيسى المدني قد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه.
وحديث عبيد الله بن عمر الذي أشار إليه البيهقي ورجحه على هذا؛ قد أخرجه هو (١/ ٣٨٢ و٤٢٩)، ومسلم (١٣/ ٢٩) من طرق عن عبيد الله … به؛ بلفظ حديثه عن نافع عن ابن عمر، وقد تقدم في صدر هذا البحث.
ورواية الجماعة عنه أصح كما قال البيهقي؛ لكن رواية حفص قوية أيضًا؛ لأنه قد شهد لها الطريقان الآخران للحديث، ويشهد له أيضًا الحديث الآتي، وهو:
الثامن: عن أنيسة بنت خبيب قالت: قال رسول الله ﷺ:


(*) كذا قال الشيخ رحمه الله، والذي يبدو -والله أعلم- أن (يونس عن أبي إسحاق) في السند تحرف إلى (يونس بن أبي إسحاق) في بعض الطبعات ومنها طبعة الشيخ، فإنها على الصواب في بعض الطبعات الأخرى، وبذا يكون السند متصلًا.
٣ ‏/ ٣٩
«إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا».
قالت: وإن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها؛ فتقول لبلال: أمْهِلْ حتى أفرغ من سحوري.
أخرجه أحمد (٦/ ٤٣٣): ثنا هشيم: ثنا منصور -يعني: ابن زاذان- عن خبيب بن عبد الرحمن عنها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٨٣)، وكذا النسائي (١/ ١٠٥)، والطبراني.
وقد تابعه شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن … به.
أخرجه البيهقي (١/ ٣٨٢) بإسناد صحيح عنه.
لكن اختلف فيه أيضًا على شعبة؛ كما بينته في «الثمر المستطاب». لكن الأصح عندي: هذه الرواية؛ لمتابعة منصور له عليها ولا اختلاف فيها.
وقد أخرجه ابن حبان (رقم ٨٨٧)، وابن خزيمة وابن المنذر من طرق عن شعبة … به، كما في «الفتح» (٢/ ٨١)، وقال:
«وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب، وأن الصواب حديث الباب [قلت: يعني: حديث ابن عمر من طريق عبد الله بن دينار عنه]. وقد كنت أميل إلى ذلك، إلى أن رأيت الحديث في»صحيح ابن خزيمة«من طريقين آخرين؛ وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه، وهو قوله:»إذا أذن عمرو؛ فإنه ضرير البصر؛ فلا يغرَّنَّكم، وإذا أذن بلال فلا يطعَمَنَّ أحد”. وأخرجه أحمد.
وجاء عن عائشة أيضًا: أنها كانت تنكر حديث ابن عمر، وتقول: إنه غلط.
أخرج ذلك البيهقي من طريق الدراوردي عن هشام عن أبيه عنها … فذكر
٣ ‏/ ٤٠
الحديث؛ وزاد: قالت عائشة: وكان بلال يبصر الفجر. قال: وكانت عائشة تقول: غلط ابن عمر». انتهى.
وقد جمع ابن خزيمة والضبعي بين الحديثين بما حاصله: أنه يحتمل أن يكون الأذان كان نُوَبًا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان النبي ﷺ يعلِّم الناس أن الأذان الأول منهما لا يحرِّم على الصائم شيئًا، ولا يدل على دخول وقت الصلاة؛ بخلاف الثاني. وجزم بذلك ابن حبان؛ ولم يُبْدهِ احتمالًا. وأنكر ذلك عليه الضياء وغيره. وقيل: لم يكن نوبًا؛ وإنما كانت لهما حالتان مختلفتان؛ فإن بلالًا كان في أول ما شرع الأذان يؤذن وحده، ولا يؤذن للصبح حتى يطلع الفجر.
وعلى ذلك تحمل رواية عروة عن امرأة من بني النجار قالت:
كان بلال يجلس على بيتي وهو أعلى بيت في المدينة؛ فإذا رأى الفجر تمطَّى ثم أذن.
أخرجه أبو داود، وإسناده حسن.
ورواية حميد عن أنس:
أن سائلًا سأل عن وقت الصلاة؟ فأمر رسول الله ﷺ بلالًا، فأذن حين طلع الفجر … الحديث.
أخرجه النسائي، وإسناده صحيح (١). ثم أردف بابن أم مكتوم، وكان يؤذن


(١) الحديث في «سننه الصغرى» (١/ ٩٤) بإسناد صحيح كما قال الحافظ؛ لكن ليس فيه أن المأمور هو بلال! فلعل ذلك في «سننه الكبرى»!
وقد أخرجه البيهقي (١/ ٣٧٧ – ٣٨٨)، وأحمد (٣/ ١١٣).
ومعناه في «صحيح مسلم» و«أبي عوانة» من حديث أبي موسى وبريدة؛ وقد مضيا في الكتاب (رقم ٤٢٢ و٤٢٤).
٣ ‏/ ٤١
بليل، واستمر بلال على حالته الأولى. وعلى ذلك تنزل رواية أنيسة وغيرها. ثم في آخر الأمر؛ أخر ابن أم مكتوم لضعفه، ووكل به من يراعي له الفجر، واستمر أذان بلال بليل، وكان سبب ذلك ما روي أنه ربما كان أخطأ الفجر، فأذن قبل طلوعه وأنه أخطأ مرة، فأمره النبي ﷺ أن يرجع فيقول: ألا إن العبد نام، يعني: أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبيُّن الفجر.
وهو حديث أخرجه أبو داود وغيره من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موصولًا مرفوعًا، ورجاله ثقات حفاظ؛ لكن اتفق أئمة الحديث -علي بن المديني وأحمد بن حنبل والبخاري والذُّهْلِيُّ وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني- على أن حمادًا أخطأ في رفعه، وأن الصواب وقفه على عمر ابن الخطاب، وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه، وأن حمادًا تفرد برفعه. ومع ذلك؛ فقد وجد له متابع.
أخرجه البيهقي من طريق سعيد بن زَرْبِيّ -وهو بفتح الزاي، وسكون الراء، بعدها موحدة، ثم ياء كياء النسب-؛ فرواه عن أيوب موصولًا؛ لكن سعيد ضعيف.
ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب أيضًا؛ لكن أعضله فلم يذكر نافعًا ولا ابن عمر. وله طريق أخرى عن نافع: عند الدارقطني وغيره، اختلف في رفعها ووقفها أيضًا.
وأخرى مرسلة من طريق يونس بن عبيد وغيره عن حميد بن هلال.
وأخرى من طريق سعيد عن قتادة مرسلًا. ووصلها يونس عن سعيد بذكر أنس.
وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا قُوَّةً ظاهرةً. فلهذا -والله أعلم- استقر أن بلالًا يؤذن الأذان الأول.
٣ ‏/ ٤٢
فتبين مما تقدم أن حديث الباب حديث صحيح، وأن ما أعلّوه به -من التفرُّد والمخالفة- غير صحيح؛ فلا يغتر بذلك أحد؛ فإن المعصوم من عصمه الله الواحد الأحد!

٥٤٣ – عن نافع عن مؤذنٍ لعمر -يقال له: مسروح-:
أذن قبل الصبح، فأمره عمر … فذكر نحوه.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا أيوب بن منصور: ثنا شعيب بن حرب عن عبد العزيز بن أبي رواد: نا نافع.
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ غير مسروح؛ ففيه جهالة، كما قال الذهبي في «الميزان».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الحافظ:
«مقبول».
وقد خولف ابن أبي روَّاد في إسناده، فقال عبيد الله بن عمر: عن نافع عن ابن عمر قال:
كان لعمر مؤذن … الحديث نحوه، كما يأتي عقب هذا. وقال المصنف: إنه أصح. وذلك لأن عبيد الله بن عمر أحفظ من ابن أبي رواد، وهذا موصول.
ولذلك صححه أبو حاتم، كما سبق في الحديث الذي قبله.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص ٩٠)، والبيهقي (١/ ٣٨٤) من طريق المصنف.

٣ ‏/ ٤٣
٥٤٤ – قال أبو داود: «وقد رواه حماد بن زيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع أو غيره: أن مؤذنًا لعمر -يقال له: مسروح- …».
(قلت: وهذا منقطع بين نافع وعمر، لكنه صح موصولًا بذكر ابن عمر بينهما؛ وهو الذي بعده).
إسناده: لم أجد من وصله! وعلقه الترمذي أيضًا، فقال (١/ ٣٩٤ – ٣٩٥):
«وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع: أن مؤذنًا لعمر أذن بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان. وهذا لا يصح؛ لأنه عن نافع عن عمر منقطع»!
قلت: ورواية ابن أبي رواد؛ قد وصلها المصنف كما سبق، وهي ليست منقطعة؛ بل هي موصولة بذكر مسروح بين نافع وعمر، وإنما علتها جهالة مسروح هذا، كما نقلناه عن الذهبي هناك.

٥٤٥ – قال أبو داود: «ورواه الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: كان لعمر مؤذن -يقال له: مسعود … وذكر نحوه. وهذا أصح من ذاك».
(قلت: لم أجد من وصله -كالذي قبله-؛ وقد صححه أبو حاتم).
إسناده: لم أجد من وصله! وفي هذه الرواية زيادة (ابن عمر) بين نافع وعمر، فعادت بذلك موصولة، وزالت بذلك شبهة الانقطاع أو الجهالة. ولذلك صححه أبو حاتم، كما تقدم ذكره قريبًا.
واعلم أن هذه القصة لا تردُّ قصة بلال المذكورة في الباب، ولا تدل على ضعفها، كما توهم بعضهم! بل كلا القصتين صحيح. ومما يدل على ذلك: أن ابن أبي رواد -الذي هو من رواة هذه- قد روى القصة الأخرى أيضًا عن نافع عن ابن

٣ ‏/ ٤٤
عمر؛ كما سبق ذكره عند الكلام على حديث بلال؛ فتنبه لهذا؛ فإنه يفيدك -إن شاء الله تعالى- قناعة زائدة على ما تقدم في صحة حديث بلال.
٥٤٥ / م- عن بلال: أن رسول الله ﷺ قال له:
«لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر هكذا»؛ ومدَّ يديه عرضًا.
(قلت: حديث حسن).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع: ثنا جعفر بن بُرْقان عن شداد مولى عياض بن عامر عن بلال.
قال أبو داود: «وشداد مولى عياض لم يدرك بلالًا».
قلت: وكذا قال الهيثمي (٣/ ١٥٢)؛ فهو إسناد منقطع.
وبذلك أعله البيهقي في «المعرفة». وقال ابن القطان:
«وشداد أيضًا مجهول، لا يعرف بغير رواية جعفر بن برقان عنه». نقله الزيلعي (١/ ٢٨٤). وقال الذهبي في ترجمة شداد:
«لا يعرف».
وأما ابن حبان؛ فذكره في «الثقات» على قاعدته! وقال الحافظ:
«مقبول يرسل».
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم.
لكن الحديث عندي حديث حسن؛ لأن له شاهدًا من حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال لبلال:
٣ ‏/ ٤٥
«أنت يا بلال! تؤذن إذا كان الصبح ساطعًا في السماء؛ فليس ذلك بالصبح؛ إنما الصبح هكذا معترضًا …» الحديث؛ وقد ذكرناه بتمامه فيما مضى من الكلام على حديث ابن عمر في الباب (رقم ٥٤٢).
أخرجه أحمد (٥/ ١٧٢)، والطحاوي (١/ ٨٤) من طريق ابن لهيعة عن سالم ابن غَيْلان عن سليمان بن أبي عثمان عن عدي بن حاتم الحمصي عنه.
وله طريق أخرى عن ابن أبي عثمان؛ فقال أحمد (٥/ ١٧١): ثنا يحيى بن غَيْلان: ثنا رشدين -يعني: ابن سعد-: حدثني عمرو بن الحارث. قال: وحدثني رشدين عن سالم بن غيلان التُّجِيبي حدثه أن سليمان بن أبي عثمان حدثه … به.
وسليمان بن أبي عثمان؛ قال أبو حاتم:
«مجهول»؛ كما في «التعجيل» و«الميزان».
وقد يشهد له أيضًا حديث سَمُرَةَ:
«لا يمنعن من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق الذي هكذا؛ حتى يستطير».
أخرجه مسلم وغيره، وسيأتي في «الصيام» (رقم ٢٠٣١).

٤٠ – باب الأذان للأعمى
٥٤٦ – عن عائشة:
أن ابن أم مكتوم كان مؤذنًا لرسول الله ﷺ وهو أعمى.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه في «صحيحه» بإسناد

٣ ‏/ ٤٦
المصنف. وعنه رواه أبو عوانة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة: ثنا ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم بن عبد الله بن عمر، وسعيد بن عبد الرحمن عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وسعيد بن عبد الرحمن هذا: هو ابن عبد الله بن جميل بن عامر الجُمَحِيُّ أبو عبد الله المدني قاضي بغداد، وهو ثقة، وفيه ضعف يسير من قبل حفظه. على أن حديثه هذا مقرون برواية يحيى بن عبد الله بن سالم؛ وهو ثقة من رجال مسلم أيضًا؛ ولم يتفردا به.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٣٥) عن المصنف.
وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٧).
وأخرجه مسلم (٢/ ٣) بإسناد المصنف.
ثم أخرجه -من طريق محمد بن جعفر-، وأبو عوانة -من طريق الدراوردي- كلاهما عن هشام … به.
وللحديث طريق أخرى عنها: أخرجه مسلم (٣/ ١٢٩)، والدارمي (١/ ٢٧٠)، والبيهقي (١/ ٣٨٢) من طريق عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن عائشة. وعن نافع عن ابن عمر قالا:
كان للنبي ﷺ مؤذنان: بلال وابن أم مكتوم؛ فقال رسول الله ﷺ:
«إن بلالًا يؤذن بليل …» الحديث.
وله طريق ثالث بلفظ: كان للنبي ﷺ ثلاثة مؤذنين: بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم.
٣ ‏/ ٤٧
أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٩) من طريق أبي إسحاق عن الأسود عنها.
وإسناده صحيح. وقال البيهقي:
«قال أبو بكر بن إسحاق: والخبران صحيحان -يعني: هذا وما تقدم-، فمن قال: كان له مؤذنان؛ أراد اللذين كانا يؤذنان بالمدينة. ومن قال: ثلاثة؛ أراد أبا محذورة الذي كان يؤذن بمكة».

٤١ – باب الخروج من المسجد بعد الأذان
٥٤٧ – عن أبي الشعثاء قال:
كنا مع أبي هريرة في المسجد؛ فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر؛ فقال أبو هريرة: أمَّا هذا؛ فقد عصى أبا القاسم ﷺ!
(قلت: إسناده حسن صحيح على شرط مسلم. وأخرجه هو، وابن حبان (٢٠٥٩)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أنا سفيان عن إبراهيم بن المهاجر عن أبي الشعثاء.
وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي إبراهيم بن المهاجر كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وقد مر الكلام فيه عند الكلام على إسناد الحديث رقم (٣٣١)، ثم إنه لم يتفرد به -كما سنبينه-؛ فكان حديثه هذا صحيحًا.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٨)، والترمذي (١/ ٣٩٨)، وأحمد (٢/ ٤٧١) من طرق أخرى عن سفيان … به. وقال الترمذي:

٣ ‏/ ٤٨
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه مسلم (٢/ ١٢٤ – ١٢٥)، والدارمي (١/ ٢٧٤)، وابن ماجة (١/ ٢٤٨)، وأحمد أيضًا (٢/ ٤١٠ – ٤١٦) من طرق أخرى عن ابن المهاجر … به.
وقد تابعه أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه:
أخرجه مسلم، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١١١)، وأحمد (٢/ ٥٠٦) من طرق عنه … به.
ورواه شريك عن أشعث بزيادة: ثم قال:
أمرنا رسول الله ﷺ:
«إذا كنتم في المسجد، فنودي بالصلاة؛ فلا يخرج أحدكم حتى يصلي».
أخرجه الطيالسي (رقم ٢٥٨٨)، وأحمد (٢/ ٥٣٧). وقال المنذري في «الترغيب» (١/ ١١٥):
«وإسناده صحيح»! وقال الهيثمي (٢/ ٥):
«ورجاله رجال (الصحيح)»! كذا قالا! وذلك غير صحيح؛ لأن شريكًا قد تفرد بهذه الزيادة، وهو سيئ الحفظ، ولم يحتجَّ به مسلم؛ وإنما أخرج له متابعة؛ كما صرح به الذهبي في «الميزان».
وتابعه أيضًا أبو صخرة جامع بن شداد عن أبي الشعثاء:
أخرجه أبو عوانة والنسائي.
وقد وجدت له طريقًا أخرى عن أبي هريرة؛ فقال الطبراني في “معجمه
٣ ‏/ ٤٩
الصغير» (ص ١٦٨): ثنا محمد بن المديني -فُسْتُقَةُ- البغدادي: ثنا سُرَيْجُ بن يونس: ثنا أبو حفص الأبَّارُ عن محمد بن جُحَادة عن أبي صالح عنه. وقال:
«لم يروه عن محمد بن جُحَادة إلا أبو حفص الأبَّار».
قلت: وهو ثقة حافظ؛ واسمه عمر بن عبد الرحمن.
وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير فستقة هذا، وهو لقبه، وهو محمد بن علي بن الفضل أبو العباس، وهو ثقة مات سنة (٢٨٩)، كما في «تاريخ بغداد» (٣/ ٦١).
فهذا إسناد صحيح أيضًا.

٤٢ – باب في المؤذن ينتظر الإمام
٥٤٨ – عن جابر بن سمرة قال:
كان بلال يؤذن، ثم يُمْهِلُ، فإذا رأى النبي ﷺ قد خرج؛ أقام الصلاة.
(قلت: إسناده حسن، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه»، ورواه أبو عوانة في «صحيحه» أيضًا. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا شَبَابَةُ عن إسرائيل عن سِمَاك عن جابر بن سمرة.
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي سماك كلام لا يضر إن شاء الله تعالى.

٣ ‏/ ٥٠
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٣٠ – ٣١) من طريق المصنف.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٩١)، وأحمد (٥/ ٨٦ و٨٧ و٩١ و١٠٥) من طريق إسرائيل: أخبرني سماك بن حرب سمع جابر بن سمرة … به. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وأخرجه مسلم (٢/ ١٠٢)، وأبو عوانة أيضًا (٢/ ٣١)، والبيهقي (١/ ٣٨٥) و(٢/ ١٩)، وأحمد أيضًا (٥/ ٩١) من طريق زهير بن معاوية عن سماك … به نحوه.

٤٣ – باب في التثويب
٥٤٩ – عن مجاهد قال:
كنت مع ابن عمر؛ فثوّب رجل في الظهر أو العصر، قال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أنا سفيان: ثنا أبو يحيى القَتَّاتُ عن مجاهد.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي يحيى القتات؛ وهو ضعيف؛ ضعفه أحمد وابن معين -في رواية- والنسائي. وقال ابن معين -في رواية-:
«ثقة».
وفصَّل أحمد رحمه الله، فقال -في رواية الأثرم عنه-:

٣ ‏/ ٥١
«روى إسرائيل عن أبي يحيى القتات أحاديث مناكير جدًّا كثيرة. وأما حديث سفيان عنه فمُقَارَبٌ».
قلت: وهذه الرواية -على أنها ليست حديثًا مرفوعًا- من رواية سفيان عنه، كما ترى؛ فهي حسنة الإسناد إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٤) من طريق المصنف. ورواه الترمذي (١/ ٣٨١) معلقًا، فقال:
«وروي عن مجاهد قال: دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدًا وقد أذن فيه، ونحن نريد أن نصلي فيه، فثوب المؤذن، فخرج عبد الله بن عمر من المسجد، وقال: اخرج بنا من عند هذا المبتدع، ولم يُصَلِّ فيه».

٤٤ – باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام؛ ينتظرونه قعودًا
٥٥٠ – عن أبي قتادة عن النبي ﷺ قال:
«إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تقوموا حتى تروني».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا أبان عن يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
قال أبو داود: «هكذا رواه أيوب وحجاج الصواف عن يحيى. وهشام الدستوائي قال: كتب إليَّ يحيى».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ ويحيى: هو ابن أبي كثير،

٣ ‏/ ٥٢
وقد صرَّح بسماعه للحديث من عبد الله كما سنبينه.
ومراد المصنف بهذا القول: أن أيوب وحجاجًا وافقا أبان في روايته الحديث عن يحيى بصيغة: (عن). وأما هشام فقال في روايته: «كتب إليَّ يحيى»؛ يعني: بهذا الحديث.
وقد وصله من طريق هشام: الدارمي (١/ ٢٨٩)، وأحمد (٥/ ٣٠٩ و٣١٠)، والبخاري أيضًا (٢/ ٩٤).
ووصله من طريق حجَّاج الصَّوَّاف: مسلم (٢/ ١٠١)، وأبو عوانة (٢/ ٢٧)، والنسائي (١/ ١٢٧ – ١٢٨) -وقرن به هشامًا-، وأحمد (٥/ ٤٩٦ و٣٠٣ و٣٠٤).
ووصله من طريق أيوب: أبو عوانة وحده.
وأخرجه من طريق أبان: أحمد أيضًا (٣٠٥ و٣٠٧).
وأخرجه الشيخان، وأبو عوانة، والترمذي (٢/ ٤٨٧)، والنسائي (١/ ١١١)، والدارمي، وأحمد (٣٠٨) من طرق أخرى عن يحيى … به؛ وصرح الدارمي في روايته بسماع يحيى من عبد الله بن أبي قتادة.
وإسنادها صحيح على شرطهما.
وقد ثبت ذلك أيضًا عند أبي نعيم في «المستخرج» من وجه آخر عن هشام، كما في «الفتح»؛ قال:
«فأُمِنَ بذلك تدليس يحيى».
والحديث أخرجه البيهقي أيضًا (٢/ ٢٠ – ٢١).
وفي بعض الروايات المتقدمة زيادات في متن الحديث، وقد علَّق المصنف
٣ ‏/ ٥٣
رحمه الله إحداها؛ وهي:

٥٥١ – (زاد في رواية: «حتى تروني وعليكم السكينة»).
(قلت: هي صحيحة. وقد وصلها البخاري وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: علَّقها المصنف فقال: «ورواه معاوية بن سلام وعلي بن المبارك عن يحيى وقالا فيه:»حتى تروني وعليكم السكينة«…».
قلت: وقد وصله من طريق علي بن المبارك: البخاري (٢/ ٣١٣)، وأبو عوانة (٢/ ٢٨)، وأحمد (٥/ ٣١٠) -وقرن به شيبان-.
وروايته -عند البخاري (٢/ ٩٥ – ٩٦) أيضًا، وكذا أبي عوانة-: منفصلة.
ووصله الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعًا عن يحيى؛ كما في «الفتح» (٢/ ٩٦).

٥٥٢ – (وفي رواية أخرى: «حتى تروني قد خرجت»).
(قلت: إسنادها صحيح على شرطهما. وأخرجها مسلم وابن حبان (٤٤٢٠)، وأبو عوانة في «صحاحهم» وصححها الترمذي)
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى: أنا عيسى عن معمر عن يحيى … بإسناده مثله؛ قال:
«حتى تروني قد خرجت».
قال أبو داود: «لم يذكر:»قد خرجت«إلا معمر. ورواه ابن عيينة عن معمر، لم يقل فيه:»قد خرجت«…».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضًا؛ وإبراهيم بن موسى: هو ابن

٣ ‏/ ٥٤
يزيد التميمي أبو إسحاق الرازي المعروف بالصغير. وشيخه عيسى: هو ابن يونس.
ومعمر: هو ابن راشد؛ وهم ثقات من رجال الشيخين، وكذلك من فوقهم، كما تقدم ذكره عند الكلام على الرواية الأولى.
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ١١١)، والترمذي (٢/ ٤٨٧) -وقال: «حسن صحيح»-، والبيهقي من طرق عن معمر … به.
وأما إعلال المصنف لهذه الزيادة بأن أحدًا من رواة الحديث عن يحيى لم يذكرها غير معمر!
فليس بشيء؛ فإنما تكلم على قدر ما بلغه من الرواية؛ وإلا فقد تابعه عليها غيره من الثقات. ولذلك قال البيهقي عقبها:
«وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن يحيى:»حتى تروني قد خرجت«. وكذلك قاله الحجاج الصواف عن يحيى من رواية محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عنه. ورواه سفيان بن عيينة عن معمر، وأبو نعيم عن شيبان وعبيد الله بن سعيد عن يحيى القطان عن الحجاج دون قوله:»قد خرجت«…».
قلت: ورواية شيبان بهذه الزيادة: هي عند مسلم مقرونًا برواية معمر؛ وصرح بأنها في روايتيهما.
فهي زيادة صحيحة ثابتة؛ لأنها من ثقتين عن يحيى. ولا يضر ذلك أن ابن عيينة رواه عن معمر، دون قوله: «قد خرجت»؛ فقد رواه جماعة -كما سبقت الإشارة إليه- عن معمر بإثباتها؛ فهي مقدمة على روايته.
هذا لو تفرد به معمر؛ فكيف وقد توبع؟ !
٣ ‏/ ٥٥
٥٥٣ – عن أبي هريرة:
أن الصلاة كانت تقام لرسول الله ﷺ؛ فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يأخذ النبي ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وهو عند البخاري بمعناه، وقد مضى في الكتاب (رقم ٢٣٣».
إسناده: حدثنا محمود بن خالد: ثنا الوليد قال: قال أبو عمرو. (ح) وثنا داود ابن رشيد: ثنا الوليد -وهذا لفظه- عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح؛ وهو على شرطهما من طريق شيخه الثاني فيه: داود بن رشيد.
والوليد: هو ابن مسلم الدمشقي وهو ثقة يدلس تدليس التسوية، لكنه قد صرح بسماعه من الأوزاعي، وبسماع هذا من الزهري في روايته في هذا الحديث؛ كما أنه قد توبع عليه؛ على ما سنذكره.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٢٩ – ٣٠)؛ وقال:
«أظنه لم يروه إلا الوليد»! ويعني بهذا اللفظ؛ فقد رواه غيره عن الأوزاعي بمعناه.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٠١)، وأبو عوانة أيضًا من طرق أخرى عن الوليد … به.
ثم أخرجه مسلم من طريق زهير بن حرب: حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا أبو عمرو -يعني: الأوزاعي-: حدثنا الزهري … به نحوه.
٣ ‏/ ٥٦
وكذلك أخرجه البخاري (٢/ ٩٧)، وأبو عوانة (٢/ ٢٨) من طرق أخرى عن الأوزاعي … بمعناه.
وقد رواه المصنف من طريق أخرى عن الأوزاعي، وقد مضى (رقم ٢٣٣)، ورواه من طرق كثيرة عن الزهري، قد تكلمنا عليها وخرجناها هناك؛ فأغنى عن الإعادة هنا.

٥٥٤ – عن حُمَيْدٍ قال:
سألت ثابتًا البُناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة؟ فحدثني عن أنس بن مالك قال:
أقيمت الصلاة، فعرض لرسول الله ﷺ رجل، فحبسه بعد ما أقيمت الصلاة.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه البخاري في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا حسين بن معاذ: ثنا عبد الأعلى عن حميد.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الحسين ابن معاذ، وهو ثقة بلا خلاف، وقد توبع كما يأتي.
وعبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السامي -بالمهملة-.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ٩٨): حدثنا عَيَّاش بن الوليد قال: ثنا عبد الأعلى … به.
وللحديث طريقان آخران عن أنس؛ مضى أحدهما في «الطهارة» (رقم ١٩٨)، ويأتي الآخر عقب هذا.

٣ ‏/ ٥٧
٥٥٥ – عن أنس قال:
أقيمت الصلاة؛ ورسول الله ﷺ نَجيٌّ في جانب المسجد، فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الوارث عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه البخأري (٢/ ٩٨)، ومسلم (٢/ ١٩٥) من طريقين آخرين عن عبد الوارث … به.
ثم أخرجه البخاري (١١/ ٧١)، ومسلم، وأبو عوانة (٢/ ٣٠)، والنسائي (١/ ١٢٨)، والبيهقي (٢/ ٢٢)، وأحمد (٣/ ١٠١) من طرق أخرى عن عبد العزيز … به نحوه.

٤٥ – باب التشديد في ترك الجماعة
٥٥٦ – عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«ما من ثلاثة -في قرية ولا بَدْوٍ- لا تقام فيهم الصلاة؛ إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة؛ فإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصيةَ».
قال زائدة: قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة”.

٣ ‏/ ٥٨
(قلت: إسناده حسن، وقال النووي: «إسناده صحيح»، وقال الحاكم: «صدوق رواته»، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٠٩٨) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة: ثنا السائب بن حُبَيْشٍ عن مَعْدان ابن أبي طلحة اليَعْمَرِي عن أبي الدرداء.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال «الصحيح»؛ غير السائب بن حبيش، وهو الكَلاعي الحمصي، وقد وثقه العجلي وابن حبان. وقال الدارقطني:
«صالح الحديث من أهل الشام، لا أعلم حدث عنه غير زائدة».
قلت: وقال الحاكم بعد أن أخرج الحديث:
«وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات». ووافقه الذهبي.
وهذه فائدة لا تجدها في كتب الرجال؛ فينبغي أن تقيد.
هذا وقد ذكر في «التهذيب» راويًا آخر عنه؛ وهو حفص بن عمر بن رواحة الحلبي.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١٣٥)، والحاكم (١/ ٢١١)، وأحمد (٥/ ١٩٦ و٦/ ٤٤٦) من طرق عن زائدة بن قدامة … به. وقال الحاكم:
«حديث صدوق رواته، متفق على الاحتجاج بهم؛ إلا السائب بن حبيش؛ وقد عرف من مذهب زائدة أنه لا يحدث إلا عن الثقات»، ووافقه الذهبي.
ثم أخرجه الحاكم في موضع آخر (١/ ٢٤٦)، وقال:
«حديث صحيح»، ووافقه الذهبي أيضًا.
٣ ‏/ ٥٩
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٠٩٨) في «صحيحيهما»؛ كما في «الترغيب» (١/ ١٥٦). وقال النووي في «المجموع» (٤/ ١٨٣):
«إسناده صحيح». وأما في «الرياض»؛ فقال -كما قلنا نحن-: «إسناده حسن».
وللحديث طريق أخرى: عند أحمد (٦/ ٤٤٥).
وفيه حاتم بن أبي نصر؛ وهو مجهول.

٥٥٧ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لقد هممت أن آمُرَ بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال -معهم حُزَمٌ من حَطَبٍ- إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأُحَرِّق عليهم بيوتهم بالنار».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٢٣)، وابن ماجة (١/ ٢٦٥) … بإسناد المصنف.
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ٥) عن شيخ آخر عن أبي معاوية.

٣ ‏/ ٦٠
ثم أخرجه هو، ومسلم، والبخاري (٢/ ١١١ – ١١٢) من طرق أخرى عن الأعمش … به نحوه.
وللحديث -في «الصحاح الثلاثة: البخاري ومسلم وأبا عوانة»، والنسائي (١/ ١٣٥)، والترمذي، والدارمي (١/ ٢٩٢)، و«المسند» (٢/ ٢٤٤ و٢٩٢ و٣١٤ و٣٧٦) – طرق أخرى عن أبي هريرة؛ ومنها ما يأتي في الكتاب عقب هذا.
وله في «مسند الطيالسي» (رقم ١٧١٧) شاهد من حديث جابر رضي الله تعالى عنه.

٥٥٨ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لقد هممت أن آمر فِتْيَتِي، فيجمعوا حزمًا من حطب، ثم آتيَ قومًا يصلُّون في بيوتهم -ليست بهم علة-، فأحرِّقها عليهم».
قلت ليزيد بن الأصم: يا أبا عوف! الجمعةَ عَنَى أو غيرها؟
قال: صُمَّتَا أُذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يَأْثِرُهُ عن رسول الله ﷺ! ما ذكر جمعة ولا غيرها.
(قلت: حديث صحيح؛ دون قوله: «ليست بهم علة»؛ وإن كانت صحيحة المعنى، والصحيح: «يسمعون النداء». وأخرجه مسلم مختصرًا.
وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا النُّفَيْلِيُّ: ثنا أبو المَلِيح: حدثني يزيد بن يزيد: حدثني يزيد ابن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ …
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير يزيد بن يزيد؛ وهو يزيد بن يزيد بن

٣ ‏/ ٦١
جابر، شيخ من أهل الرَّقَةِ:
كذا رواه الطبراني في «المعجم الأوسط»: عن أحمد بن عبد الرحمن بن عفان عن أبي جعفر النفيلي عن أبي المليح قال: حدثنا … فذكره؛ كما في «تهذيب التهذيب»؛ وهو غير يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي؛ فإن هذا ثقة مشهور.
والمترجم -كما في «التقريب»- مجهول؛ وقال:
«قيل: هو الذي قبله -يعني: الأزدي-. وقيل: آخر من أهل الرقة مجهول».
قلت: لكنه لم يتفرد بالحديث؛ بل قد تابعه عليه غير ما واحد؛ فكان حديثه هذا صحيحًا، كما يأتي بيانه.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٥٦) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد من طريق أخرى عن ابن الأصم، فقال: (٢/ ٥٣٩): ثنا كثير: ثنا جعفر: ثنا يزيد بن الأصم … به نحوه؛ وقال:
«يسمعون النداء ثم لا يأتون الصلاة». فسئل يزيد: أفي الجمعة هذا أم في غيرها؟ قال: ما سمعت أبا هريرة يذكر جمعة ولا غيرها؛ إلا هكذا.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وكثير: هو ابن هشام أبو سهل الرَّقيُّ.
وجعفر: هو ابن برقان.
وقد أخرجه البيهقي (٣/ ٥٥ – ٥٦) من طريق أبي نعيم: ثنا جعفر بن برقان … به.
دون سؤال يزيد.
٣ ‏/ ٦٢
وكذلك أخرجه مسلم (٢/ ١٢٣)، والترمذي (٢/ ٤٢٢ – ٤٢٣)، وأحمد (٢/ ٤٧٢) من طريق وكيع عن جعفر … به؛ وليس عندهم:
«يسمعون النداء». وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
قلت: فقد اختلف جعفر بن برقان في جملة من الحديث مع يزيد بن يزيد؛ فقال هذا:
«ليست بهم علة». وقال جعفر في رواية أحمد الصحيحة والبيهقي:
«يسمعون النداء».
وهذا هو الصحيح؛ لما علمت من جهالة يزيد، وإن كانت روايته -من حيث المعنى- صحيحة. وإنما كلامنا من حيث الإسناد والمبنى.
ثم إن الروايتين اتفقتا على أن أبا هريرة لم يذكر في الحديث نوع الصلاة التي هدَّد ﷺ المتخلفين عنها بالحرق.
فذلك مما يدل على شذوذ ما رواه البيهقي من طريق عبد الرزاق: ثنا معمر عن جعفر بن برقان … به؛ إلا أنه قال:
«لا يشهدون الجمعة»! وقال البيهقي عقبها:
«كذا قال:»الجمعة«. وكذلك روي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود. والذي يدل عليه سائر الروايات: أنه عبر بـ»الجمعة«عن الجماعة، والله أعلم». وتعقبه ابن التركماني بقوله:
«قلت: التعبير بـ»الجمعة” وإرادة الجماعة بعيد؛ وفيه تلبيس على
٣ ‏/ ٦٣
المخاطبين. والوجه أن يقال: لا منافاة بين رواية: «لا يشهدون الجمعة»، ورواية: «لا يشهدون الصلاة»؛ فيعْمَلُ بالروايتين، ويتوجه الذم إلى من ترك الجمعة، وإلى من ترك الجماعة! قلت: هذا الجمع إنما يصح أن يقال في حق حديث أبي هريرة وحديث ابن مسعود -الذي أشار إليه البيهقي، وهو في «صحيح مسلم» وغيره، ويأتي-، ولكنه لا يصح أن يقال في الجمع بين روايتي حديث أبي هريرة؛ لأن في بعض طرقه -في «الصحاح الثلاثة» و«مسند أحمد» (٢/ ٢٩٢) -:
«إنها صلاة النساء»!
ولذلك رجح الحافظ في «الفتح» أنها لا تختص بصلاة الجمعة. والله أعلم.

٥٥٩ – عن عبد الله بن مسعود قال:
حافظوا على هؤلاء الصلوات الخمس حيثُ يُنادى بهن؛ فإنهن من سنن الهدى، وإن الله عز وجل شرع لنبيه ﷺ سنن الهدى، ولقد رأيتُنا وما يتخلف عنها إلا منافق بيِّن النفاق، ولقد رأيتُنا وإن الرجل ليُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف، وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته، ولو صلَّيتم في بيوتكم وتركتم مساجدكم؛ تركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»؛ إلا أنهما قالا: لضللتم؛ بدل: لكفرتم).
إسناده: حدثنا هارون بن عَبَّاد الأزدي: ثنا وكيع عن المسعودي عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود.

٣ ‏/ ٦٤
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ هارون بن عباد الأزدي لم يذكروا توثيقه عن أحد؛ وقد روى عنه محمد بن وضاح القرطبي أيضًا؛ فهو مجهول الحال.
والمسعودي ضعيف؛ لاختلاطه كما قد سبق. لكن قال عبد الله بن أحمد عن أبيه:
«سماع وكيع من المسعودي قديم، وأبو نعيم أيضًا».
فهذا من صحيح حديثه؛ لأنه من رواية وكيع عنه كما ترى؛ لولا أن الراوي عن وكيع مجهول.
لكن قد توبع عليه كما يأتي؛ فالحديث صحيح على كل حال.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١٣٦) -من طريق عبد الله بن المبارك-، وأحمد (١/ ٤٥٥) -من طريق أبي قَطَن (واسمه عمرو بن الهيثم) – كلاهما عن المسعودي … به.
وأخرجه الطيالسي في «مسنده» (رقم ٣١٣): حدثنا المسعودي … به.
وقد تابعه أخوه أبو العميس -واسمه عتبة بن عبد الله المسعودي- عن علي ابن الأقمر … به.
أخرجه مسلم (٢/ ١٢٤)، وأبو عوانة (٢/ ٧)، والبيهقي (٣/ ٥٨ – ٥٩)، وأحمد (١/ ٤١٤ – ٤١٥).
وتابع عليًّا عن أبي الأحوص: إبراهيم بن مسلم الهَجَرِي: عند ابن ماجة (١/ ٢٦١)، وأحمد (١/ ٣٨٢).
وكل هؤلاء قالوا: لضللتم؛ بدل: لكفرتم.
٣ ‏/ ٦٥
فقد تفرد بها المؤلف.

٥٦٠ – عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ:
«من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر -قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض-؛ لم تُقْبَلُ منه الصلاة التي صلَّى».
(قلت: حديث صحيح؛ لكن بلفظ:
«من سمع النداء، فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر».
وقال النووي: «حديث صحيح»، وقال الحاكم: «هو صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٢٠٦١). وصححه أيضًا عبد الحق في «أحكامه»، وأبو محمد بن حزم في «المحلى»).
إسناده: حدثنا قتيبة: ثنا جرير عن أبي جناب عن مَغْراءَ العبدي عن عدي ابن ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي جناب -واسمه: يحيى بن أبي حية الكلبي-، وقد اتفقت كلمات الأئمة على تضعيفه، وهم على طائفتين: منهم من أطلق فيه الضعف، ومنهم من ضعفه بسبب تدليسه. وقال الحافظ:
«ضعفوه؛ لكثرة تدليسه».
وشيخه مغراء العبدي -وكنيته أبو المخارق الكوفي-؛ قال الذهبي: «تكلم فيه».
وذكره ابن حبان في «الثقات».

٣ ‏/ ٦٦
وقد روى عنه جماعة من الثقات. ونقل أبو العرب التميمي وابن خُلْفون عن العِجْلي أنه قال:
«لا بأس به». وقال ابن القطان:
«لم أره في كتاب الكوفي»؛ يعني: العجلي. قال:
«ولا يعرف فيه تجريح»، وأنكر على عبد الحق طعنه في حديثه. كذا في «تهذيب التهذيب». وفي «التقريب»:
«مقبول». والله أعلم.
وقال المنذري في «مختصره» (رقم ٥١٩):
«في إسناده أبو جناب يحيى بن أبي حية الكلبي؛ وهو ضعيف». وزاد الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٣٠٤):
«.. ومدلس؛ وقد عنعن»، وقال النووي (٤/ ١٩١):
«إسناده ضعيف».
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٧٥) من طريق المصنف ومحمد بن داود بن دينار: ثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد … به.
وأخرجه الدارقطني (١٦١) من طريق المصنف أيضًا.
والحاكم (١/ ٢٤٥ – ٢٤٦) من طريق أخرى عن قتيبة، ومن طريق سليمان بن قرم عن أبي جناب … به.
– لكن الحديث له طريق أخرى صحيحة عن عدي بن ثابت: أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٦٥)، والدارقطني، والحاكم، وابن حبان في «صحيحه» (٢٠٦١) -عن
٣ ‏/ ٦٧
عبد الحميد بن بيان-، والحاكم أيضًا -عن عمرو بن عون-، والبيهقي (٣/ ١٧٤) -من طريق أحمد: ثنا أبو معمر- ثلاثتهم قالوا: ثنا هُشَيْمُ بن بَشِير: ثنا شعبة ثنا عدي بن ثابت: ثنا سعيد بن جبير … مرفوعًا باللفظ الذي أوردناه آنفًا (ص ٦٦) وقال الحاكم:
«هو صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا. وقال الحافظ في «بلوغ المرام» (٢/ ٢٧):
«وإسناده على شرط مسلم؛ لكن رجح بعضهم وقفه»!
قلت: يأتي الجواب عن هذا الترجيح.
ثم إن هشيمًا لم يتفرد به؛ بل تابعه قُرَادٌ -واسمه: عبد الرحمن بن غزوان-: عند الدارقطني والحاكم.
وسعيد بن عامر وأبو سليمان داود بن الحكم: عند الحاكم؛ وقال:
«هذا حديث قد أوقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة، وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وهشيم وقراد أبو نوح ثقتان؛ فإذا وصلاه؛ فالقول فيه قولهما». وقال الحافظ في «التلخيص»:
«وإسناده صحيح؛ لكن قال الحاكم: وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة»!
قلت: لكن الحاكم قد أجاب عن ذلك، وهو جواب صائب، مبني على القاعدة المسلّمة المشهورة: أن زيادة الثقة مقبولة! فكان الأولى بالحافظ أن ينقل تمام كلام الحاكم على سبيل الحكاية، إذا كان لا يريد أن يتبناه كله!
هذا؛ ومن الغرائب قول الدارقطني:
«رفعه هشيم وقراد -شيخ من البصريين مجهول-»!
٣ ‏/ ٦٨
ولعله خفي عليه أن قراد إنما هو لقبه وأن اسمه ما ذكرنا آنفًا، وهو ثقة كما قال الحاكم؛ بل الدارقطني نفسه وثقه في «الجرح والتعديل»، كما نقله في «التهذيب»؛ وهو من رجال البخاري.
ومتابعه سعيد بن عامر ثقة أيضًا؛ وهو الضُّبَعي، من رجال «الصحيحين».
ولشعبة فيه شيخ آخر: أخرجه قاسم بن أصبغ في كتابه فقال: ثنا إسماعيل ابن إسحاق القاضي: ثنا سليمان بن حرب: ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير … به مرفوعًا. قال ابن التركماني:
«ذكره عبد الحق في»أحكامه«؛ وقال: حسبك بهذا الإسناد صحة».
قلت: ورواه ابن حزم في «المحلى» (٤/ ١٩٠) من طريق قاسم بن أصبغ، ثم صححه (ص ١٩١).
وأخرجه الخطيب في «تاريخه» (٦/ ٢٨٥)، والبيهقي (٣/ ١٧٤) من طرق أخر عن إسماعيل بن إسحاق … به. وقال الخطيب:
«قال لنا أبو بكر البرقاني: تفرد به إسماعيل بن إسحاق عن سليمان بن حرب».
قلت: وهما ثقتان إمامان حافظان؛ فلا يضر تفردهما بالحديث بهذا الإسناد.
ولذلك صححه ابن حزم وابن عبد الحق.
وقد خلط الأستاذ الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على «المحلى» بين إسناد شعبة هذا: عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير، وبين إسناده المتقدم: عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير، فجعلهما إسنادًا واحدًا من روايته عن عدي عن سعيد! وهو وهم، تبعته عليه في كتابي «نقد التاج»؛ فليصحح.
٣ ‏/ ٦٩
كما أن صاحب «التاج» خلط أيضًا بين إسناد المصنف للحديث وبين إسناد ابن ماجة فيه، فجعلها إسنادًا واحدًا؛ حيث قال (١/ ٢٦٨):
«رواه أبو داود، وابن ماجة؛ قال: بسند ضعيف»!
وهذا خلط فاحش؛ حيث أدّى إلى تضعيف الإسناد الصحيح.
وله مثل هذا كثير في الكتاب المذكور ذلك؛ مما حملنا على نقده، وقد فرغنا من الجزء الأول فيه منذ أمد، ولما يَتَسَنَّ لنا الاستمرار في نقده إلى نهايته! ومن الله تعالى التوفيق، ومنه نرجو العصمة من الخطأ والزلل.
هذا؛ وللحديث شواهد:
منها: ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي حَصِين عن أبي بُرْدة بن أبي موسى عن أبيه مرفوعًا بلفظ:
«من سمع النداء فارغًا صحيحًا، فلم يجب؛ فلا صلاة له».
وهو على شرط البخاري؛ لولا أن أبا بكر بن عياش سيئ الحفظ. لكنه قد توبع؛ فقال الحافظ:
«ورواه البزار من طريق قيس بن الربيع عن أبي حَصِينٍ أيضًا».
قلت: فهو صحيح أيضًا مرفوعًا؛ وإن صح موقوفًا.
ومن شواهده: ما روى في «الحلية» (٩/ ٢٥٠) … بإسناده عن ابن عمر مرفوعًا:
«من سمع الفلاح، فلم يجبه؛ فلا هو معنا، ولا هو وحده». وقال: «غريب».
٣ ‏/ ٧٠
قلت: وفيه من لم أعرفه!

٥٦١ – عن ابن أم مكتوم:
أنه سأل النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إني رجل ضرير البصر، شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني؛ فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: «هل تسمع النداء؟». قال: نعم. قال: «لا أجد لك رخصة».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال النووي: «إسناده صحيح أو حسن».
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبي رَزِين عن ابن أم مكتوم.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أنه روى لعاصم مقرونًا بغيره؛ وهو حسن الحديث كما سبق.
وأبو رزين: اسمه مسعود بن مالك الأَسَدي الكوفي، وقد أنكر ابن القطان سماعه من ابن أم مكتوم؛ كما في «التهذيب».
لكن قد ذكر أيضًا أن أبا رزين هذا كان غلامًا على عهد عمر، وأن ابن أم مكتوم مات في آخر خلافة عمر. ومعنى هذا أن أبا رزين قد أدرك ابن أم مكتوم وهو غلام يعقل؛ فروايته عنه محمولة على الاتصال عند الجمهور؛ فإنكار ابن القطان لسماعه منه؛ لا ندري ما وجهه؟ ! فإن ثبت فالإسناد منقطع.

٣ ‏/ ٧١
لكن الحديث صحيح على كل حال؛ لما له من الطرق والشواهد، كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٦٥) -عن زائدة-، وأحمد (٣/ ٤٢٣) -عن شيبان- كلاهما عن عاصم … به. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ١٩١) -بعد أن عزاه للمصنف:
«إسناده صحيح أو حسن».
وأخرجه أيضًا الطبراني في «الصغير» (ص ١٥٠)، والحاكم (١/ ٢٤٦ – ٢٤٧ و٣/ ٦٣٥)، والبيهقي (٣/ ٥٨) من طرق عن عاصم.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»، كما في «الترغيب» (١/ ١٥٧).
وللحديث طريقان آخران:
الأول: أخرجه الدارقطني (ص ١٤٦)، وأحمد (٣/ ٤٢٣) من طريقين عن حُصَيْنِ بن عبد الرحمن عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن أم مكتوم … به؛ إلا أنه قال:
«أتسمع الإقامة؟» بدل: «النداء».
وهذا إسناد صحيح على شرطهما. وقال المنذري:
«إسناده جيد».
وأخرجه الحاكم من طريق ثالثة عنه؛ وصححه، ووافقه الذهبي.
وأما الطريق الأخرى؛ فتأتي في الكتاب عقب هذا.
وله شاهد من حديث أبي هريرة في «صحيح مسلم» (٢/ ١٢٤)، و«أبي عوانة» (٢/ ٦).
٣ ‏/ ٧٢
وشواهد أخرى؛ تراجع في «مجمع الزوائد» (٢/ ٤٢ – ٤٣).

٥٦٢ – وعنه قال:
يا رسول الله! إن المدينة كثيرة الهوامِّ والسباع؟ فقال النبي ﷺ: «تسمع: حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ فحيّ هلًا».
(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء: ثنا أبي: نا سفيان عن عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم.
قال أبو داود: «وكذا رواه القاسم الجَرْمِيُّ عن سفيان، ليس في حديثه:»حي هلًا«…».
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير هارون بن زيد بن أبي الزرقاء وأبيه؛ وهما ثقتان بلا خلاف.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٥٨) من طريق المصنف.
وبإسناده: أخرجه النسائي (١/ ١٣٦ – ١٣٧).
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٤٦ – ٢٤٧) من طريق علي بن سهل الرملي: ثنا زيد بن أبي الزرقاء … به؛ إلا أنه سقط من روايته: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فصارت عنده هكذا: عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن أم مكتوم! ولذلك قال:
«حديث صحيح الإسناد؛ إن كان ابن عابس سمع من ابن أم مكتوم»!
قلت: لكن الحديث موصول برواية ابن زيد بن أبي الزرقاء؛ حيث ذكر بينهما: عبد الرحمن بن أبي ليلى.

٣ ‏/ ٧٣
وقد تابعه على ذلك غيره عن غير أبيه: فأخرجه النسائي قال: وأخبرني عبد الله بن محمد بن إسحاق قال: ثنا قاسم بن يزيد قال: ثنا سفيان … به.
وهذا إسناد صحيح أيضًا كالأول؛ والقاسم هذا: هو الجرمي الذي علَّقه المصنف عنه.
هذا؛ وقد ذكر المنذري في «مختصره» (رقم ٥٢١) أن النسائي قال:
«وقد اختلف على ابن أبي ليلى في هذا الحديث: فرواه بععضهم عنه مرسلًا»! وليس هذا القول في «سننه الصغرى»! فلعله في «الكبرى» له، أو في غيرها من كتبه.
وللحديث طريقان آخران: أحدهما الذي قبله، وقد ذُكِرَ الآخر عند الكلام عليه؛ فراجعه إن شئت.

٤٦ – باب في فضل صلاة الجماعة
٥٦٣ – عن أُبَيِّ بن كعب قال:
صلَّى بنا رسول الله ﷺ يومًا الصبح، فقال:
«أشاهدٌ فلانٌ؟». قالوا: لا. قال: «أشاهدٌ فلانٌ؟». قالوا: لا. قال:
«إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما؛ لأتيتموهما ولو حَبْوًا على الرُّكَبِ، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته؛ لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل».

٣ ‏/ ٧٤
(قلت: حديث حسن، وصححه علي بن المديني وابن السكن والعقيلي والحاكم. وأخرجه ابن خزيمة، وابن حبان (٢٠٥٤) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: نا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بَصِير عن أُبيّ بن كعب.
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن أبي بصير؛ قال في «التهذيب»:
«لا يعرف له راوٍ غير أبي إسحاق. ذكره ابن حبان في»الثقات«…». وقال فيه العجلي:
«كوفي تابعي ثقة». وقال الذهبي في «الميزان»:
«لا يعرف إلا من رواية أبي إسحاق عنه».
وقد اختلف فيه على أبي إسحاق على أربعة أوجه؛ كما يأتي بيانه.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٥٥٤): ثنا شعبة … به.
وكذلك أخرجه الدارمي (١/ ٢٩١)، والحاكم (١/ ٢٤٧)، والبيهقي (٣/ ٦٧ – ٦٨)، وأحمد (٥/ ١٤٠) من طرق عن شعبة … به. وقال الحاكم:
«هكذا رواه الطبقه الأولى من أصحاب شعبة -يزيد بن زريع ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر وأقرانهم-. وهكذا رواه سفيان بن سعيد عن أبي إسحاق».
قلت: ورواية سفيان هذه: أخرجها هو، وأحمد عنه عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أُبيّ بن كعب … نحو حديث شعبة. ثم قال:
٣ ‏/ ٧٥
«وهكذا رواه زهير بن معاوية وَرَقَبَةُ بن مَصْقَلَةَ ومطرِّفٌ وإبراهيم بن طهمان وغيرهم».
قلت: وقد أخرجه البيهقي (٣/ ٦١) -عن إبراهيم بن طهمان-، وأحمد (٥/ ١٤١) -عن الحجاج بن أرطاة- كلاهما عن أبي إسحاق … به.
فهذا وجه من أوجه الاختلاف على أبي إسحاق.
والوجه الثاني: أخرجه الحاكم (١/ ٢٤٨)، وعنه البيهقي (٣/ ٦٨) من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي بصير عن أُبيّ بن كعب … به؛ فجعل (أبا بصير) مكان (ابنه عبد الله). قال الحاكم:
«وهكذا قال إسرائيل بن يونس وأبو حمزة السُّكَّرِيُّ وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي وجرير بن حازم؛ كلهم قالوا: عن أبي إسحاق عن أبي بصير عن أبي».
ورواية جرير بن حازم: أخرجها أحمد (٥/ ١٤١) مثل رواية ابن المبارك عن شعبة عنه.
ورواية المسعودي: أخرجها البيهقي (٣/ ١٠٢).
والوجه الثالث: أخرجه النسائي (١/ ١٣٥)، وأحمد، والحاكم (١/ ٢٤٩)، والبيهقي (٢/ ٦٨) من طريق خالد بن الحارث: ثنا شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه -قال أبو إسحاق: وقد سمعته منه ومن أبيه- قال: سمعت أبيّ بن كعب يقول:
صلى رسول الله ﷺ صلاة الصبح يومًا … فذكر الحديث.
وتابعه معاذ بن معاذ العنبري ويحيى بن سعيد عن شعبة: عند الحاكم والبيهقي.
٣ ‏/ ٧٦
ورواه زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه عن أُبيّ.
أخرجه الدارمي والبيهقي وأحمد. قال البيهقي:
«وكذلك رواه خالد بن ميمون وجماعة عن أبي إسحاق».
ورواية خالد: أخرجها الدارمي.
وكذلك رواه الأعمش عن أبي إسحاق … به.
أخرجه أحمد، وابن ماجة (١/ ٢٦٥) عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه؛ بلفظ:
«صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعًا وعشرين -أو خمسًا وعشرين- درجة»!
وقوله: «أربعًا وعشرين»! منكر؛ لم أره إلا في هذه الرواية.
والوجه الرابع: أخرجه أحمد والحاكم والبيهقي من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق عن العَيْزارِ بن حُرَيْثٍ عن أبي بصير قال: قال أُبيّ … الحديث. قال الحاكم:
«فقد اختلفوا في الحديث على أبي إسحاق من أربعة أوجه؛ والرواية فيها عن أبي بصير وابنه عبد الله؛ كلها صحيحة، والدليل عليه رواية خالد بن الحارث ومعاذ بن معاذ العنبري ويحيى بن سعيد عن شعبة». ثم قال:
«وقد حكم أئمة الحديث -يحيى بن معين وعلي بن المديني ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم- لهذا الحديث بالصحة …».
٣ ‏/ ٧٧
ثم ذكر النقول عنهم في ذلك؛ وليست صريحة في تصحيحهم الحديث! وإنما صححوا رواية أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي بصير عن أبيه، وروايته عن أبي بصير مباشرة، ولا يلزم منه صحة الحديث، كما لا يخفى!
اللهم إلا ما نقله عن ابن المديني؛ ففيه التصريح بذلك؛ حيث قال:
«وما أرى الحديث إلا صحيحًا».
قلت: وترجيح هؤلاء الأئمة للوجه الثالث؛ يقتضي أن الوجه الأول فيه انقطاع بين ابن أبي بصير وأُبيّ؛ لأن الوجه الثالث قد بيَّن أن بينهما أبا بصير.
وأيضًا؛ فليس في شيء من الروايات تصريح ابن أبي بصير بسماعه من أبيّ؛ فقد عاد الحديث إلى أنه من رواية أبي إسحاق عن أبي بصير -سمعه منه- عن أُبيّ -سمعه منه-.
وهذا إسناد متصل؛ إلا أنه يبقى النظر في حال أبي بصير هذا! ويظهر أنه كحال ابنه لا يعرف؛ فإنهم لم يذكروا توثيقه عن غير ابن حبان، ولم يذكروا في الرواة عنه غير من دار الحديث عليهم عنه، وهم: أبو إسحاق -وهو ثقة-، وابنه عبد الله بن أبي بصير -وهو مجهول-، والعيزار بن حريث -وهو ثقة-؛ لكن الرواية عنه شاذة فيما يظهر: رواها عنه أبو الأحوص -كما تقدم-عن أبي إسحاق عنه.
وقد روى البيهقي عن محمد بن يحيى -وهو الذهلي- أنه قال:
«في رواية خالد بن الحارث ويحبي بن سعيد دلالة أن هذه الروايات محفوظة -من قال: عن أبيه، ومن لم يقل-؛ خلا حديث أبي الأحوص؛ ما أدري كيف هو؟».
لكن الحديث له شاهد يأتي ذكره، فيرقى إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى؛ لا سيما وقد صححه من عرفت، وصححه أيضًا ابن السكن والعقيلي -كما في «التلخيص» (٤/ ٢٨٤) -.
٣ ‏/ ٧٨
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» (٢٠٥٤)؛ كما في «الترغيب» (١/ ١٥٢) و(١/ ١٥٥).
وأما الشاهد؛ فهو ما أخرجه البيهقي (٣/ ٦١) من طريق عيسى بن يونس عن ثور. ومن طريق الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر وثور بن يزيد عن يونس بن سيف الكلاعي عن قباث بن أَشْيَمَ أن رسول الله ﷺ قال:
«صلاة الرجل -يؤم أحدهما صاحبه- أزكى عند الله …» الحديث نحوه.
قال البيهقي:
«هذا حديث الوليد بن مسلم. وقال عيسى بن يونس في روايته عن ثور: عن يونس عن عبد الرحمن بن زياد عن قُباث. وكذلك رواه البخاري في»التاريخ«عن عبد الله بن يوسف عن الوليد عن ثور عن يونس عن عبد الرحمن بن زياد عن قُباث».
قلت: وكذلك رواه معاوية بن صالح عن يونس عن عبد الرحمن … به.
أخرجه الحاكم (٣/ ٦٢٥). وقال الحافظ:
«في إسناده نظر». والله أعلم.

٥٦٤ – عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«من صلى العشاء في جماعة؛ كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة؛ كان كقيام ليلة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: نا إسحاق بن يوسف: نا سفيان عن أبي

٣ ‏/ ٧٩
سهل -يعني: عثمان بن حكيم-: ثنا عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم.
والحديث في «مسند أحمد» (رقم ٤٩١) … بهذا السند.
وأخرجه هو (رقم ٤٠٨)، ومسلم في «صحيحه» (٢/ ١٢٥)، وأبو عوانة (٢/ ٤)، والترمذي (١/ ٤٣٣)، من طرق أخرى عن سفيان … به.
وقد تابعه عبد الواحد بن زياد عن عثمان بن حكيم: عند مسلم وأبي عوانة.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وهو في «الموطأ» (١/ ١٥٢ – ١٥٣) من طريق محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة … به موقوفًا على عثمان.
لكن أخرجه أحمد (رقم ٤٠٩) من طريق أخرى عن محمد بن إبراهيم عن عثمان بن عفان … به مرفوعًا، لكنه منقطع؛ إلا أن رواية مالك قد بينت أن بين محمد بن إبراهيم وعثمان: عبد الرحمن بن أبي عمرة، وعنه رواه عثمان بن حكيم أيضًا كما سبق؛ فالحديث موصول مرفوع.

٤٧ – باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة
٥٦٥ – عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
«الأبعد فالأبعد من المسجد: أعظم أجرًا».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي).

٣ ‏/ ٨٠
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عبد الرحمن بن سعد عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير عبد الرحمن بن مهران -وهو المدني مولى بني هاشم-؛ لم يذكروا في الرواة عنه غير ابن أبي ذئب؛ ومع ذلك ذكره ابن حبان في «الثقات» على قاعدته! وقال أبو الفتح الأزدي:
«فيه نظر». وقال الحافظ في «التقريب».
«مجهول».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٠٨)، ومن طريقه البيهقي (٣/ ٦٤ – ٦٥) من طريق أخرى عن مسدد … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢٦٣)، وأحمد (٢/ ٣٥١) من طريقين آخرين عن ابن أبي ذئب … به.
ثم قال الحاكم:
«هذا حديث صحيح رواته مدنيون»! ووافقه الذهبي!
لكن الحديث صحيح لغيره؛ فإنه يشهد له حديث أبي موسى مرفوعًا:
«أعظم الناس أجرًا في الصلاة: أبعدهم فأبعدهم ممشى …» الحديث.
أخرجه البخاري (٢/ ١٠٩)، ومسلم (٢/ ١٣٠)، وأبو عوانة (١/ ٣٨٨ و٢/ ١٠)، والبيهقي (٣/ ٦٤).
(فائدة): وأما الحديث الذي أخرجه أحمد (٥/ ٣٩٩) من طريق بكر بن عمرو: أن أبا عبد الملك علي بن يزيد الدمشقي حدثه: أنه بلغه عن حذيفة عن النبي ﷺ أنه قال:
٣ ‏/ ٨١
«إن فضل الدار القريبة -يعني: من المسجد- على الدار البعيدة؛ كفضل الغازي على القاعد»:
فهو حديث منكر جدًّا؛ وعلي بن يزيد هذا: هو الألهاني، وهو متروك؛ وقد رواه بلاغًا عن حذيفة، فبينهما مجهول.
وقد أسقطه ابن لهيعة في روايته عن بكر بن عمرو.
أحرجه أحمد أيضًا (٥/ ٣٨٧)، وهو من سوء حفظ ابن لهيعة.

٥٦٦ – عن أُبيّ بن كعب قال:
كان رجل، لا أعلم أحدًا من الناس -ممن يصلي القبلة من أهل المدينة- أبعد منزلًا من المسجد من ذلك الرجل، وكان لا تخطئه صلاة في المسجد، فقلت: لو اشتربتَ حمارًا تركبه في الرَّمْضَاءِ والظلمة؟ فقال: ما أُحِبُّ أن منزلي إلى جنب المسجد! فَنُمِي الحديث إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن قوله ذلك؟ فقال: أردت يا رسول الله! أن يُكْتَبَ لي إقبالي الى المسجد، ورجوعي إلى أهلي إذا رجعت! فقال:
«أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله ما احتسبت كله أجمع».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير. نا سليمان التيمي أن أبا عثمان حدثه عن أُبيّ بن كعب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

٣ ‏/ ٨٢
والحديث أخرجه أبو عوانة (١/ ٣٨٩) من طريق يحيى بن أبي بكير قال: ثنا زهير … به.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ١٣٠)، والدارمي (١/ ٢٩٤)، وأحمد (٥/ ١٣٣) من طرق أخرى عن سليمان التيمي … به.
ثم أخرجه أربعتهم -إلا الدارمي-، وابن ماجة (١/ ٢٦٣) من طريق عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي … به نحوه.
وأخرجه البيهقي (٣/ ٦٤) عن سليمان.
وله شاهد -عند ابن ماجة- من حديث أنس مختصرًا.
وسنده صحيح.

٥٦٧ – عن أبي أمامة: أن رسول الله ﷺ قال:
«من خرج من بيته متطهرًا إلى صلاة مكتوبة؛ فأجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرح إلى تسبيح الضحى لا يُنصِبُه إلا إياه؛ فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة -لا لغو بينهما- كتاب في عِلِّيينَ».
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا أبو توبة: نا الهيثم بن حميد عن يحيى بن الحارث عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن في القاسم هذا -وهو ابن عبد الرحمن الشامي الدمشقي- اختلافًا، وقد وثقه ابن معين والعجلي ويعقوب ابن سفيان والترمذي، وصحح له وغيرهم. وقال البخاري:

٣ ‏/ ٨٣
«روى عنه العلاء بن الحارث وابن جابر وكثير بن الحارث ويحيى بن الحارث وسليمان بن عبد الرحمن أحاديث مقاربة. وأما من يُتكلم فيه -مثل جعفر بن الزبير وبشر بن نمير وعلي بن يزيد وغيرهم- ففي حديثهم عنه مناكير واضطراب».
وقال أبو حاتم:
«حديث الثقات عنه مستقيم لا بأس به، وإنما ينكر عنه الضعفاء». وأما أحمد فخالف حيث قال:
«في حديث القاسم مناكير مما يرويها الثقات، يقولون: من قبل القاسم»! وقال أيضًا: «روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، وما أراها إلا من قبل القاسم»!
قلت: فإذا كانت هذه الأعاجيب من رواية علي بن يزيد -وهو متروك كما ذكرنا قريبًا في الحديث الذي قبله-؛ فلا يمكن الحمل فيها على القاسم! ولئن صح أن في حديثه مناكير من رواية الثقات عنه؛ فينبغي اجتنابها إذا تبين ذلك؛ وإلا فالرجل في نفسه ثقة، ولا يسقط ذلك الاحتجاج به، ولا حديثه عن مرتبة الحسن. ولذلك قال الحافظ في ترجمته من «التقريب»:
«صدوق». فلم يلتفت إلى من جرحه، ولم يعتدَّ به.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٢٦٣ و٢٦٨)، وابن عدي (١٠٢/ ٢)، وابن عساكر (١٦/ ٥٦ / ٥) من طريقين آخرين عن القاسم.
وأخرجه البيهقي (٣/ ٦٣) عن المؤلف.

٥٦٨ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
“صلاة الرجل في جماعة؛ تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه خمسًا وعشرين درجة، وذلك بأن أحدكم إذا توضأ فأحسن

٣ ‏/ ٨٤
الوضوء، وأتى المسجد لا يريد إلا الصلاة، ولا يَنْهَزُهُ -يعني- إلا الصلاة، ثم لم يَخْطُ خطوه؛ إلا رفع له بها درجة، وحُطَّ بها عنه خطيئة؛ حتى يدخل المسجد، فإذا دخل المسجد؛ كان في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه، والملائكة يصلُّون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه، فيقولون: اللهم! اغفر له، اللهم! ارحمه، اللهم! تب عليه؛ ما لم يؤذِ فيه، أو يحدث فيه».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه» بإسناد المصنف. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٤٤٧ – ٤٤٨) بإسناد المصنف.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٢٨ – ١٢٩)، وأبو عوانة (١/ ٢٨٨ و١/ ٢١ – ٢٢)، وابن ماجة (١/ ٢٦٠ و٢٦٤ و٢٦٥) -مفرقًا-، والبيهقي (٣/ ٦١) من طرق أخرى عن أبي معاوية … به.
ورواه عنه أحمد (٢/ ٢٥٢).
ثم أخرجه البخاري (٢/ ١٠٦ – ١٠٧) من طريق عبد الواحد قال: ثنا الأعمش قال: سمعت أبا صالح … به، فقد صرح بسماع الأعمش له من أبي صالح.
وكذلك صرح شعبة في روايته عن الأعمش بسماعه منه.
٣ ‏/ ٨٥
أخرجه الطيالسي (رقم ٢٤٠٠ و٢٤١٢ و٢٤١٤ و٢٤١٥).
وروى -من طريقه بعضه-: أبو عوانة (٢/ ٢٢)، والترمذي (٢/ ٤٩٩)، وقال: «حسن صحيح».
وقد تقدم بعض الحديث من طريق أخرى (رقم ٤٨٨ و٤٨٩)، وذكرنا هناك طرقه.
وللجملة الأولى منه طرق أخرى في «الصحيحين» وغيرهما: عن أبي هريرة وغيره؛ وفي بعض الروايات عن أبي هريرة بلفظ:
«صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده».
أخرجه مسلم (٢/ ١٢٢)، وأبو عوانة (٢/ ٣)، وأحمد (٢/ ٢٧٣ و٥٢٩).

٥٦٩ – عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ:
«الصلاة في جماعة تعدل خمسًا وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة، فأتم ركوعها وسجودها، بلغت خمسين صلاة».
قال أبو داود: «قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث:»صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة … «وساق الحديث».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الزيلعي: «إسناده جيد». وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٢٠٥٣). وأخرج البخاري منه الشطر الأول).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا أبو معاوية عن هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري.

٣ ‏/ ٨٦
قال أبو داود: «قال عبد الواحد في هذا الحديث:»صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة … «وساق الحديث».
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وفي هلال كلام لا يضر.
ولذلك قال الزيلعي في «نصب الراية» (٢/ ٢٣):
«إسناده جيد».
وسكت عليه الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٢٨٣).
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٦٤): حدثنا أبو كريب: ثنا أبو معاوية … به الشطر الأول منه فقط؛ بلفظ:
«صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته خمسًا وعشرين درجة».
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٠٨) بتمامه؛ لكن وقع في إسناده خطأ؛ فقد رواه من طريق يحيى بن يحيى: ثنا أبو معاوية … به؛ إلا أنه قال: هلال بن أبي ميمونة! ثم قال الحاكم:
«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين؛ فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال بن أبي هلال -ويقال: ابن أبي ميمونة، ويقال: ابن علي، ويقال: ابن أسامة-، وكله واحد»! ووافقه الذهبي!
قلت: راوي هذا الحديث؛ إنما هو هلال بن ميمونة؛ ليس هو هلال بن أبي ميمونة؛ وهذا محتج به في «الصحيحين»؛ بخلاف الأول وإن كان ثقة، ولا أدري ممن الوهم؟ ! وإن كان يغلب على الظن أنه من الحاكم نفسه؛ فإن له أوهامًا كثيرة في هذا الكتاب؛ كما ظهر لنا ولغيرنا بالتتبع!
والحديث أخرجه ابن حبان أيضًا في «صحيحه» (٢٠٥٣).
٣ ‏/ ٨٧
وأخرج الشطر الأول منه: البخاري (٢/ ١٠٦)، والبيهقي (٣/ ٦٠)، وأحمد (٣/ ٥٥) من طريق آخر عن أبي سعيد.

٤٨ – باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظُّلَم
٥٧٠ – عن بُرَيْدة عن النبي ﷺ قال:
«بشِّرِ المشَّائين في الظُّلَمِ إلى المساجد بالنور التامِّ يوم القيامة».
(قلت: حديث صحيح، وصححه النووي).
إسناده: حدثنا يحيى بن معبن: نا أبو عبيدة الحداد: نا إسماعيل أبو سليمان الكَحَّال عن عبد الله بن أوس عن بريدة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير إسماعيل أبي سليمان الكحال -وهو ابن سليمان-؛ قال أبو حاتم:
«صالح الحديث».
واختلف فيه قول ابن حبان؛ فقد ذكره في «الثقات»، وقال: «يخطيء».
وذكره في «الضعفاء» وقال:
«ينفرد عن المشاهير بمناكير». ولخص ذلك الحافظ في «التقريب»، فقال:
«صدوق يخطيء».
فمثل هذا قد يكون حديثه حسنًا؛ لا سيما إذا كان له شواهد؛ كهذا الحديث على ما يأتي.
ولكن شيخه عبد الله بن أوس؛ لم يرو عنه غيره -كما في «الميزان»- ولذلك

٣ ‏/ ٨٨
قال ابن القطان:
«مجهول الحال، ولا نعرف له رواية إلا بهذا الحديث من هذا الوجه».
وأما ابن حبان؛ فأورده في «الثقات» على قاعدته!
ولا أدري كيف وافقه الذهبي في هذه الترجمة؛ حيث قال -عقب قول القطان: «مجهول»-:
«قلت: صدوق»!
وهذا ما لا تساعد القواعد الحديثية على الأخذ به؛ ما دام لا يعرف إلا في هذا الحديث! ولذلك قال الحافظ فيه:
«لين الحديث».
ومن ذلك تعلم أن قول المنذري في «الترغيب» (١/ ١٢٩):
«ورجال إسناده ثقات»! ليس بصواب.
وصنيعه في «مختصر السنن» (رقم ٥٢٩) أقرب إلى الصواب؛ حيث قال:
«وأخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث غريب. وقال الدارقطني: تفرد به إسماعيل بن سليمان الضبي البصري الكحال عن عبد الله بن أوس».
فقد نقل عن الترمذي تضعيفه للحديث ثم أقره؛ لكننا -على الرغم من ذلك كله- نرى أن الحديث حسن أو صحيح لغيره؛ نظرًا لكثرة شواهده.
والحديث أخرجه الترمذي أيضًا (١/ ٤٣٥) من طريق يحيى بن كثير أبي غسان العنبري عن إسماعيل الكحال … به، وقال ما نقله المنذري آنفًا عنه؛ إلا أنه زاد -كما في بعض النسخ الصحيحة-:
٣ ‏/ ٨٩
«… من هذا الوجه».
وفي هذا إشارة إلى أنه قد يصح من وجه آخر أو لوجوه أخر؛ وهذا ما ذهبنا إليه آنفًا. ولعله لذلك أورده النووي رحمه الله في «رياض الصالحين» (ص ٤٠٤) -الذي قال في مقدمته (ص ٣) -:
«وألتزمُ فيه أن لا أذكر إلا حديثًا صحيحًا».
فالحديث عنده صحيح؛ وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى.
وقد أخرجه البيهقي أيضًا (٣/ ٦٣ – ٦٤) من طريق أخرى عن الكحال.
وعزاه الحافظ في «تخريج أحاديث الكشاف» (ص ٦ / رقم ٣٤) للبزار أيضًا من طريق إسماعيل، ثم قال:
«وله شاهد من رواية ثابت عن أنس وسهل بن سعد رضي الله عنه: أخرجه ابن ماجة والحاكم. وأخرجه ابن حبان عن أبي الدرداء رضي الله عنه. والطبراني من رواية ابن عباس، وابن عمر، وزيد بن حارثة، وأبي موسى، وأبي أمامة رضي الله عنهم بأسانيد ضعيفة. وحديث زيد: في»الكامل«لابن عدي. وحديث أبي موسى: عند البزار. ورواه الطبراني في»الأوسط«من حديث عائشة في ترجمة (أحمد بن محمد بن صدقة) وقال: تفرد به قتادة بن الفضل عن الحسن بن علي البيروتي. ورواه الطيالسي وأبو يعلى من حديث أبي سعيد، وإسناده ضعيف أيضًا. ورواه عمر بن شاهين في»الترغيب«-له- من حديث حارثة بن وهب الخُزَاعي».
قلت: حديث أنس؛ علَّته أن فيه -عند ابن ماجة (١/ ٢٦٢)، والحاكم (١/ ٢١٢)، والبيهقي أيضًا (٣/ ٦٣) – سليمان بن داود -وهو ابن مسلم الصائغ-، وقد نسب عند غير ابن ماجة إلى جده؛ قال العقيلي:
«لا يتابع على حديثه»؛ يعني: هذا. وقال الحاكم:
٣ ‏/ ٩٠
«رواية مجهولة عن ثابت».
وحديث سهل بن سعد: رواه البيهقي من طريق الحاكم، وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! وغمزه المنذري، فقال: «كذا قال»!
وبيانه أنه من رواية إبراهيم بن محمد الحلبي البصري: ثنا يحيى بن الحارث الشيرازي؛ وليسا من رجال الشيخين! والأول منهما؛ روى عنه ابن ماجة وجمع، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
«يخطيء» وفي «التقريب»:
«صدوق يخطيء».
والآخر لا يعرف توثيقه إلا في رواية الحاكم لهذا الحديث؛ ففيها: أن إبراهيم هذا قال: أبَنا يحيى بن الحارث الشيرازي -وكان ثقة، وكان عبد الله بن داود يثتي عليه-.
فهو في عداد المجهولين. وفي «التقريب» أنه:
«مقبول»؛ يعني: إذا توبع؛ وإلا فهو لين الحديث.
ومن هذا يتبين أن قول البوصيري في «الزوائد»:
«إسناده حسن»! غير حسن؛ إلا أن يقصد أنه حسن لغيره؛ فهو حق.
وأما حديث أبي الدرداء: فرواه الطبراني أيضًا في «الكبير» بإسناد؛ قال المنذري:
«حسن»! وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٣٠):
٣ ‏/ ٩١
«ورجاله ثقات»!
قلت: ويخطر في البال أن فيهم من تفرد بتوثيقه ابن حبان، كمثل من سبق؛ وإلا لما صرح الحافظ بتضعيف إسناده وهو يستحق التحسين، وهو عندنا أقعد في الحديث وأعلم به ممن حسنه ووثقه.
وحديث ابن عباس؛ فيه -كما قال الهيثمي-:
«العباس بن عامر الضَّبِّيُّ؛ ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله موثقون».
وحديث ابن عمر؛ فيه داود بن الزبرقان، وهو ضعيف.
وحديث زيد بن حارثة؛ فيه ابن لهيعة؛ وما ضعفه إلا من قبل حفظه، فيحتج به في الشواهد.
وحديث أبي موسى؛ فيه محمد بن عبد الله بن عمير بن عبيد، وهو منكر الحديث.
وحديث أبي أمامة؛ فيه رجل مجهول، وآخر لم يُسَمَّ.
وحديث عائشة؛ فيه رجل لا يعرف.
وحديث أبي سعيد الخدري؛ فيه عبد الحكم بن عبد الله، وهو ضعيف.
وهو عند الطيالسي في «مسنده» (رقم ٢٢١٢).
وفي الباب أيضًا عن أبي هريرة؛ قال المنذري -وتبعه الهيثمي-:
«رواه الطبراني في»الأوسط«بإسناد حسن».
وبالجملة فالحديث يرتقي إلى درجة الصحة بهذه الشواهد الكثيرة، التي بلغت اثني عشر شاهدًا، وفيها ما هو حسن عند بعضهم، وفيها ما هو محتج به في
٣ ‏/ ٩٢
الشواهد كما سبقت الإشارة إليه. والله تعالى أعلم.

٤٩ – باب ما جاء في الهَدْي في المشي إلى الصلاة
٥٧١ – عن أبي ثُمَامةَ الحَنَّاط:
أن كعب بن عُجْرَةَ أدركه وهو يريد المسجد، أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مُشَبِّكٌ بيديَّ؛ فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله ﷺ قال: «إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه، ثم خرج عامدًا إلى المسجد؛ فلا يشبكنَّ يديه؛ فإنه في صلاة».
(قلت: حديث صحيح، وقال المنذري: «إسناده جيد»، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (٢٠٣٤».
إسناده: محمد بن سليمان الأنباري أن عبد الملك بن عمرو حدثهم عن داود ابن قيس: ثني سعد بن إسحاق: ثني أبو ثمامة الحناط.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير أبي ثمامة الحناط؛ ذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الدارقطني:
«لا يعرف، يترك». ووافقه الذهبي، فقال في «الميزان»:
«لا يعرف، وخبره هذا منكر». وقال الحافظ في «التقريب»: «مجهول الحال».
ومن هنا تعلم أن قول المنذري في «الترغيب» (١/ ١٢٣):
«رواه أحمد وأبو داود بإسناد جيد»! غير جيد؛ لجهالة أبي ثمامة هذا.

٣ ‏/ ٩٣
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٣٢٦ – ٣٢٧)، والبيهقي (٣/ ٢٣٠)، وأحمد (٤/ ٢٤١) من طرق عن داود بن قيس … به.
وفي الحديث علة أخرى، وهي الاضطراب؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق الضحاك بن عثمان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي ثمامة … به نحوه.
ثم قال:
«ورواه أيضًا عيسى بن يونس عن سعد بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي ثمامة، فعاد الحديث إلى المقبري عن أبي ثمامة».
وقد اختلف فيه على سعيد المقبري على أوجه أخرى؛ فقد أخرجه الترمذي (٢/ ٢٢٨) من طريق الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن رجل عن كعب ابن عجرة.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٤٢) عن ابن جريج: أخبرني محمد بن عجلان عن سعيد القبري عن بعض بني كعب بن عجرة عن كعب.
وقال ابن أبي ذئب: عن سعيد المقبري عن رجل من بني سالم عن أبيه عن جده عن كعب.
أخرجه أحمد (٤/ ٢٤٢)، والطيالسي (رقم ١٠٦٣)؛ إلا أنه ليس فيه: عن جده.
وهكذا رواه البيهقي من طريقه.
وأخرجه الدارمي، وابن ماجة (١/ ٣٠٦)، وأحمد (٢/ ٢٤٢ و٢٤٣ – ٢٤٤) من طرق عن ابن عجلان عن المقبري عن كعب بن عجرة؛ فأسقط الواسطة من بينهما.
٣ ‏/ ٩٤
وثمة اختلاف آخر عليه، فقال يحيى بن سعيد عن ابن عجلان: ثنا سعيد عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال لكعب بن عجرة: «إذا توضأت …» الحديث نحوه.
وقال شريك: عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ … فذكره نحوه.
أخرجهما الحاكم (١/ ٢٠٦ – ٢٠٧) وعلَّق الترمذي حديث شريك، وقال: «إنه غير محفوظ».
وأخرجه الدارمي (١/ ٣٢٧) من طريق إسماعيل بن أمية عن المقبري عن أبي هريرة … به.
وإسناده صحيح.
وأخرجه في «المستدرك» من طريقين قالا: ثنا عبد الوارث: ثنا إسماعيل بن أمية … به. وقال:
«هذا حديث صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! وتعقبه المنذري بقوله:
«وفيما قاله نظر».
ولعل وجهه هذا الاختلاف على سعيد المقبري، وهو اختلاف شديد، يحار الباحث في استخراج الصواب منه. ولذلك ضعَّفَ الحديثَ بعضُهم، كما ذكره الحافظ في «الفتح» (١/ ٤٤٨).
لكني وجدت للحديث طريقًا عن كعب، هي في منجاة من هذا الاضطراب؛
٣ ‏/ ٩٥
وهو ما أخرجه البيهقي (٣/ ٢٣٠ – ٢٣١) من طريق الحسن بن علي: ثنا عمرو بن قُسَيْطٍ: ثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن الحكم عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن النبي ﷺ قال له:
«يا كعب! إذا توضأت فأحسنت الوضوء، ثم خرجت إلى المسجد؛ فلا تشبكن بين أصابعك؛ فإنك في صلاة». وقال:
«هذا إسناد صحيح؛ إن كان الحسن بن علي الرَّقّيُّ هذا حفظه، ولم أجد له بعد متابعًا»!
قلت: وقد توبع عليه؛ فقد قال ابن التركماني عقبه:
«قلت: أخرجه ابن حبان في»صحيحه«؛ فقال: ثنا أبو عروبة: ثنا محمد ابن معدان الحَرَّاني: ثنا سليمان بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمرو … فذكره بسنده».
قلت: وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير سليمان بن عبيد الله -وهو أبو أيوب الرقي-؛ قال أبو حاتم:
«صدوق، ما رأيت إلا خيرًا».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال النسائي:
«ليس بالقوي». وقال ابن معين:
«ليس بشيء».
وذكره العقيلي في «الضعفاء». وقال الحافظ:
«صدوق ليس بالقوي».
٣ ‏/ ٩٦
قلت: لكن يقويه متابعة عمرو بن قسيط له عند البيهقي، وهو صدوق، كما قال الحافظ.
فالحديث -بهذا الإسناد، مع المتابعة- صحيح إن شاء الله تعالى. وقد قال الحافظ:
«وصححه ابن خزيمة وابن حبان».
وله شاهد من حديث أبي سعيد: في «المسند» (٣/ ٤٢ – ٤٣)، حسنه المنذري!
وفيه نظر بينته في «التعليق الرغيب».

٥٧٢ – عن سعيد بن المسيَّب قال:
حضر رجلًا من الأنصار الموتُ، فقال: إني مُحَدِّثُكم حديثًا ما أحدِّثكموه إلا احتسابًا، سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى الصلاة؛ لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عز وجل له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حَطَّ الله عز وجل عنه سيئة، فليُقَرِّبْ أحدكم أو ليُبَعِّدْ، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة؛ غُفِرَ له، فإن أتى المسجد وقد صلَّوا بعضًا وبقي بعض؛ صلى ما أدرك وأتم ما بقي؛ كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلَّوا، فأتم الصلاة؛ كان كذلك».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن معاذ بن عَبَّاد العنبري: أنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء عن معبد بن هُرمُز عن سعيد بن المسيب.

٣ ‏/ ٩٧
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة معبد هذا؛ قال الذهبي:
«لا يعرف. ذكره ابن حبان في»ثقاته«، وتفرد عنه يعلى بن عطاء». وقال ابن القطان:
«لا يعرف حاله». وفي «التقريب»:
«مجهول».
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي (٣/ ٦٩) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن نصر في «الصلاة» (١/ ١٦٢/ ١٠٦)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (٣/ ١٠٧) من طريقين آخرين قالا: ثنا أبو عوانة عن يعلى بن عطاء.
لكن الحديث صحيح لغيره؛ فقد ورد معناه مفرقًا في أحاديث:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «من تطهر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله؛ كانت خطوتاه؛ إحداهما تحظ خطيئته، والأخرى ترفع درجة».
أخرجه مسلم (٢/ ١٣١)، وأبو عوانة (١/ ٣٩٠)، والبيهقي (٣/ ٦٢).
ورواه النسائي (١/ ١١٥)، والحاكم (١/ ٢١٧)، وأحمد (٢/ ٣١٩ و٤٣١ و٤٧٨) من طريق أخرى مختصرًا؛ بلفظ:
«مِنْ حينِ يخرج أحدكم من منزله إلى مسجده؛ فرِجْلٌ تكتب حسنة، وأخرى تمحو سيئة». وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
٣ ‏/ ٩٨
ورواه ابن حبان في «صحيحه» -كما في «الترغيب» (١/ ١٢٥) -، والبيهقي أيضًا.
وله طريق ثالث بنحو الأول: في «الصحيحين» وغيرهما، وقد مضى في الكتاب قريبًا (رقم ٥٦٨).
الثاني: عن عثمان رضي الله عنه مرفوعًا: «من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد؛ غفر الله له ذنوبه».
أخرجه مسلم (١/ ١٤٤)، وأحمد (رقم ٤٨٣)، وابن خزيمة أيضًا في «صحيحه» -كما في «الترغيب» (١/ ١٢٦ و١٥٠) -.
ورواه النسائي أيضًا (١/ ١٣٧)، وأبو عوانة (٢/ ٧٩).
الثالث: عن أبي هريرة أيضًا، وهو الآتي في الكتاب عقب هذا.

٥٠ – باب من خرج يريد الصلاة فسُبق بها
٥٧٣ – عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ:
«من توضأ فأحسن وضوءه، ثم راح فوجد الناس قد صلَّوا؛ أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها، لا يَنقُص ذلك من أجرهم شيئًا».
(قلت: حديث صحيح، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: نا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن محمد -يعني: ابن طَحْلاء-عن مُحصِن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة.

٣ ‏/ ٩٩
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال «الصحيح»؛ غير محمد بن طحلاء؛ فقال أبو حاتم:
«ليس به بأس».
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وروى عنه جمع من الثقات.
وغير محصن بن علي -وهو الفِهْرِيُّ الدني-؛ فلم يوثقه غير ابن حبان، وقد روى عنه ثقتان آخران: عمرو بن أبي عمرو، وسعيد بن أبي أيوب، فهو كما قال ابن القطان:
«مجهول الحال»؛ كما نقله الذهبي وغيره. واعتمده الحافظ، فقال في «التقريب»:
«مستور».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٢٠٨) -من طريق عبد الله بن مسلمة-، والنسائي (١/ ١٣٧) -من طريق إسحاق بن إبراهيم-: ثنا عبد العزيز بن محمد … به.
وأخرجه البيهقي (٣/ ٦٩) -من طريق المصنف-، والحاكم، ثم قال -أعني: الحاكم-:
«حديث صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وهو من أوهامهما؛ فقد علمت مما ذكرنا أن في الإسناد راويين ليسا من رجال «الصحيح»، وأن أحدهما مجهول الحال؛ باعتراف الذهبي نفسه!
لكن الحديث عندي صحيح؛ فإنه يشهد له حديث سعيد بن المسيب الذي قبل هذا؛ وفيه:
٣ ‏/ ١٠٠
«فإن أتى المسجد فصلى في جماعة؛ غفر له، فإن أتى المسجد وقد صلّوا وبقي بعض، صلى ما أدرك وأتم ما بقي؛ كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا، فإن أتم الصلاة؛ كان كذلك».
ويشهد له أيضًا عموم قوله عليه الصلاة والسلام:
«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».

٥١ – باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد
٥٧٤ – عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال:
«لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله، لكن ليخرجْنَ وهنَّ تَفِلاتٌ».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه النووي. وأخرجه ابن خريمة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أن محمد بن عمرو أخرج له مسلم متابعة، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن كما تقدم.
وذهل عن هذا كله النوويُّ في «المجموع»، فقال (٤/ ١٩٩):
«رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم»!
كما أخطأ الحافظ العراقي؛ حيث عزا الحديث لمسلم في «التقريب»، وشرحه «طرح التقريب» (١/ ٣١٤ و٣١٦)!

٣ ‏/ ١٠١
وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٢٩٣)، والبيهقي (٣/ ١٣٤)، وأحمد (٢/ ٤٣٨ و٤٧٥ و٥٢٨) من طرق أخرى عن محمد بن عمرو … به.
ورواه ابن خزيمة اْيضًا؛ كما في «الفتح» (٢/ ٢٧٩).
والحديث صحيح؛ لأن له شاهدين بهذا اللفظ:
الأول: عن زيد بن خالد الجُهَني: أخرجه أحمد (٥/ ١٩٢ و١٩٣) بإسناد؛ قال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٣٣):
«حسن»! وفيه نظر بينته في «الثمر المستطاب».
ورواه ابن حبان أيضًا (رقم ٣٢٦).
والآخر: عن عائشة رضي الله عنها: أخرجه أحمد أيضًا (٦/ ٦٩ – ٧٠).
وإسناده حسن، وقد بينته في الكتاب المشار إليه آنفًا.

٥٧٥ – عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تمنعوا إماءَ الله مساجدَ الله».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «صحيحيهما»، وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» عن المصنف).
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وحماد: هو ابن زيد؛ كما

٣ ‏/ ١٠٢
صرح به أبو عوانة في روايته عن المصنف، كما يأتي؛ وقد اشتركا في الرواية عن أيوب، كما اشترك في الرواية عنهما سليمان بن حرب؛ فلزم التنبيه على ذلك.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٥٩): حدثنا أبو داود السِّجْزِيُّ قال: ثنا سليمان بن حرب قال: ثنا حماد بن زيد عن أيوب … به.
وأخرجه أحمد (رقم ٤٩٣٢ و٥٠٤٥) من طريقين آخرين عن أيوب … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٣٠٦)، ومسلم (٢/ ٣٢)، وأحمد (٤٦٥٥) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع … به. وعند البخاري زيادة في أوله، ونصها: قال:
كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لِمَ تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ ! قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ ! قال: يمنعه قول رسول الله ﷺ … فذكر الحديث.
وللحديث طريقان آخران عن ابن عمر؛ بلفظ:
«لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد».
أخرجه مسلم (٢/ ٣٣)، والبخاري في «التاريخ» (٤/ ٢ / ٣٥٧).
وطريق أخرى بزيادة، فيه وهو:

٥٧٦ – عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا تمنعوا نساءَكم المساجدَ؛ وبيوتُهن خير لهن».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال الحاكم، وزاد: «على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة أيضًا، وقال النووي والعراقي: «إسناده صحيح»، وزاد الأول منهما: «على شرط البخاري»).

٣ ‏/ ١٠٣
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا يزيد بن هارون: أنا العَوَّام بن حَوْشَبٍ: حدثني حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وقد أثبتوا لحبيب بن أبي ثابت سماعًا من ابن عمر؛ لكن وصفه غير واحد بالتدليس، كما قد سبق؛ فلولا ذلك وعنعنته في هذا الإسناد؛ لقلت إنه: صحيح على شرط الشيخين؛ كما فعل من قبلي؛ على ما يأتي.
والحديث أخرجه الإمام أحمد (رقم ٥٤٦٨): حدثنا يزيد … به.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٠٩)، وعنه البيهقي (٣/ ١٣١) من طريق أخرى عن يزيد.
ثم قال الإمام أحمد (رقم ٥٤٧١): حدثنا محمد بن يزيد عن العوام بن حوشب ….. به؛ وزاد يزيد عند أحمد: قال:
فقال ابن لعبد الله بن عمر: بلى والله لَنَمْنَعَهُنَّ!، فقال ابن عمر: تسمعني أحدث عن رسول الله ﷺ؛ وتقول ما تقول؟ ! . ثم قال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ١٩٧)، والعراقي في «التقريب» (١/ ٣١٤) -بعد أن عزواه للمصنف-:
«إسناده صحيح»؛ وزاد الأول:
«على شرط البخاري».
وصححه ابن خزيمة كما في «الفتح» (٢/ ٢٧٩).
قلت: والحق من ذلك قول الحاكم والذهبي؛ لولا التدليس الذي أشرت إليه!
٣ ‏/ ١٠٤
لكن الحديث صحيح؛ فقد صح عن ابن عمر من طرق تقدم بعضها قبل هذا، ويأتي بعضها عقبه، دون قوله:
«وبيوتهن خير لهن». وهذه الزيادة لها شواهد، منها ما يأتي في الباب التالي:
«صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها …» الحديث.

٥٧٧ – عن مجاهد قال: قال عبد الله بن عمر: قال النبي ﷺ: «ائذنوا للنساء إلى المساجد بالليل».
فقال ابن له: والله لا نأذن لهن؛ فيتخذنه دَغَلًا، والله لا نأذن لهن!
قال: فَسَبَّهُ وغضب وقال: أقول:
قال رسول الله ﷺ: «ائذنوا لهن»؛ وتقول: لا نأذن لهن؟ !
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه في «صحيحيهما».
ورواه أبو عوانة في «صحيحه» عن المصنف. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وليس عند البخاري قصة الابن).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جَرِير وأبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد.
قلت. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أبو عوانة (٢/ ٥٨) من طريق المؤلف.
وأخرجه مسلم (٢/ ٣٣) من طريق أبي معاوية وحده.

٣ ‏/ ١٠٥
ثم أخرجاه هما، والترمذي (٢/ ٤٥٩)، والطيالسي (رقم ١٨٩٤)، وعنه البيهقي (٣/ ١٣٢)، وأحمد (رقم ٥٠٢١ و٥١٠١ و٦١٠١) من طرق أخر عن الأعمش … به. وقال الترمذي:
«حسن صحيح».
وأخرجه البخاري (٢/ ٣٠٦) ومسلم أيضًا من طريق عمرو بن دينار عن مجاهد … به.
وهو عند الطيالسي (رقم ١٩٠٤) من طريق أخرى عن عمرو بن دينار عن ابن عمر؛ بإسقاط مجاهد من بينهما.
وكذلك أخرجه أبو عوانة (٢/ ٥٨) من طريق الطيالسي؛ وقد سمع عمرو من ابن عمر.
وله في «المسند» (رقم ٤٩٣٣ و٥١٠١ و٥٧٢٥) طرق أخرى عن مجاهد؛ وزاد في بعضها:
فما كلَّمه عبدُ الله حتى مات.
وإسنادها صحيح.
ورواه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم» من طريق سالم بن عبد الله عن ابن عمر.
ومسلم وأبو عوانة من طريق بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه؛ وفيه أن القائل: لا نأذن لهن. . . هو ابنه بلال هذا.
وكذلك في رواية لهما عن سالم.
٣ ‏/ ١٠٦
وأخرجها أحمد أيضًا (٢/ ١٤٠)، لكن في رواية عمرو بن دينار -عند مسلم-: أن اسم الابن: (واقد)! لكن هذه الرواية شاذة، كما أشار إلى ذلك الحافظ في «الفتح» (٢/ ٢٧٨)، وقال:
«والراجح أن صاحب القصة بلال؛ لورود ذلك من روايته نفسه، ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك». قال:
«فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته (واقدًا)؛ فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقد وقع منه ذلك؛ إما في مجلس أو في مجلسين، وأجاب ابن عمر كلًّا منهما بجواب يليق به».

٥٢ – باب التشديد في ذلك
٥٧٨ – عن عائشة رضي الله تعالى عنها زوج النبي ﷺ قالت:
لو أدرك رسول الله ﷺ ما أحْدَث النساءُ؛ لمنعهن المسجد كما مُنِعَه نساءُ بني إسرائيل.
قال يحيى: فقلت لعمرة: أمُنِعه نساء بني إسرائيل؟ قالت: نعم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أن عائشة رضي الله عنها …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ٢٧٨ – ٢٨٠) من طريق أخرى عن مالك.

٣ ‏/ ١٠٧
وأخرجه مسلم (٢/ ٣٤)، وأبو عوانة (٢/ ٥٩)، والبيهقي (٣/ ١٣٣)، وأحمد (٦/ ٩١) من طرق أخرى عن يحيى بن سعيد … به.
وله طريق أخرى عن عمرة: في «المسند» (٦/ ٦٩ – ٧٠): ثنا الحكم: ثنا عبد الرحمن بن أبي الرِّجَال فقال أبي: يذكره عن أمه عن عائشة عن النبي ﷺ قال:
«لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات».
قالت عائشة: ولو رأى حالهن اليوم؛ منعهنَّ!
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الرحمن بن أبي الرجال، وهو ثقة، فيه كلام قليل من قبل حفظه.
والحكم: هو ابن موسى القنطري.
وأم أبي الرجال: هي عمره بنت عبد الرحمن هذه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٢٠٣).

٥٧٩ – عن عبد الله عن النبي ﷺ قال:
«صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدَعها أفضل من صلاتها في بيتها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال النووي، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا ابن المثنى أن عمرو بن عاصم حدثهم قال: ثنا همام عن قتادة عن موَرّقٍ عن أبي الأحوص عن عبد الله.

٣ ‏/ ١٠٨
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وكذا قال النووي في «المجموع» (٤/ ١٩٨).
والحديث أخرجه ابن حزم في «المحلى» (٣/ ١٣٦ – ١٣٧) من طريق المؤلف؛ لكنه قال -مكان: «مخدعها»-:
«مسجدها»! وهو تصحيف؛ فقد أخرجه هكذا على الصواب: الحاكم (١/ ٢٠٩)، وعنه البيهقي (٣/ ١٣١) من طريق أخرى عن عمرو بن عاصم الكلابي … به، وقال:
«حديث صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وقد وهما؛ فإن أبا الأحوص -واسمه عوف بن مالك بن نَضْلَةَ- ما أخرج له البخاري في «صحيحه»؛ وإنما روى له في «الأدب المفرد».
وللحديث شواهد:
من حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي، وله عنها طريقان: أخرج أحدهما: أحمد (٦/ ٣٧١)، وابن خزيمة، وابن حبان في «صحيحيهما».
ومن حديث أم سلمة، وله طريقان أيضًا؛ أحدهما في «المسند» (٦/ ٣٠١)، و«المستدرك» (١/ ٢٠٩)، وابن خزيمة في «صحيحه».
وقد تكلمنا عليها في «التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب» (١/ ١٣٤ – ١٣٥)، وانظر «مجمع الزوائد» (٢/ ٣٣ – ٣٤).
………………… (١)


(١) هنا في الأصل حديث ابن عمر: «لو تركنا هذا الباب للنساء»؛ وقد سبق (رقم ٤٨٣)، فحذفناه؛ لأنه هو هو بسنده ومتنه.
٣ ‏/ ١٠٩
٥٣ – باب السعي إلى الصلاة
٥٨٠ – عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إذا أقيمت الصلاة؛ فلا تأتوها تَسْعَون، وَأْتُوها تمشون وعليكم السكينةُ؛ فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فَأتِمُّوا».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه البخاري ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
قال أبو داود: «وكذا قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة عن الزهري:»وما فاتكم فأتمُّوا«. وقال ابن عيينة عن الزهري وحده:»فاقضوا«…».
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عنبسة: أخبرني يونس عن ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول …
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ إلا أنه إنما أخرج لعنبسة -وهو ابن خالد بن يزيد الأموي- مقرونًا، وقد مرّت ترجمته؛ ولم يتفرد بالحديث كما يأتي؛ فهو صحيح.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٠٠) من طريق ابن وهب: أخبرني يونس … به؛ إلا أنه لم يذكر فيه: سعيد بن المسيب.
ثم أخرجه هو، وأبو عوانة (٢/ ٨٣)، وابن ماجة (١/ ٢٦٠)، والبيهقي (٢/ ٢٩٧) من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب … به.
٣ ‏/ ١١٠
وهكذا أخرجه البخاري (٢/ ٩٢ و٣١٩)، والطحاوي في «شرح المعاني» (١/ ٢٣١)، والطيالسي (رقم ٢٣٣٨)، وأحمد (٢/ ٥٣٢) من طريق ابن أبي ذئب قال: حدثنا الزهري … به.
وأخرجه الترمذي (٢/ ١٤٩) عن معمر عن الزهري عنهما … مفرقًا.
ومن هذا الوجه: أخرجه أحمد (٢/ ٢٧٠) عن ابن المسيب وحده.
وأخرجه البخاري (٢/ ٣١٩)، والبيهقي (٢/ ٢٩٧ و٣/ ٢٢٨) -من طريق شعيب بن أبي حمزة-، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٢٧٠) -عن يزيد بن الهاد-، وهو أيضًا (٢/ ٤٥٢) -عن عقيل- ثلاثتهم عن الزهري عن أبي سلمة وحده.
وأخرجه النسائي (١/ ١٣٨)، والترمذي أيضًا، وكذا مسلم (٢/ ٩٩)، والدارمي (١/ ٢٩٣ – ٢٩٤)، والطحاوي والبيهقي، وأحمد (٢/ ٢٣٨) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحده … به نحوه.
وقد علَّق المصنف رحمه الله أحاديث هؤلاء كلهم -غير حديث ابن الهاد وعقيل-، وقد علقه من حديث الزُّبيدي أيضًا؛ ولم أجد الآن من وصله!
ومقصوده من هذه التعليقات واضح، وهو بيان أن قول ابن عيينة في هذا الحديث عن الزهري: «فاقضوا»؛ شاذ أو خطأ؛ لمخالفتها لرواية جمهور أصحاب الزهري الذين قالوا فيه عنه: «فأتموا»؛ وأن هذه اللفظة عي الصواب. وقد نقل البيهقي عن مسلم أنه قال:
«أخطأ ابن عيينة في هذه اللفظة».
قلت: وكأن فيه إشارة إلى أن الخطأ لفظي ليس معنويًّا، وهو كذلك؛ فإن القضاء هو الأداء في الأصل، بشهادة القرآن فما غير آية، كقوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة)؛ قال السندي رحمه الله:
٣ ‏/ ١١١
«والفرق بينهما اصطلاح الفقهاء، وهو حادث؛ فلا فرق بين الروايتين».
فالاختلاف في هذه اللفظة في هذه الرواية وغيرها -كما يأتي- ليس له كبير شأن؛ فلا حاجة للإطالة.

٥٨١ – وقال محمد بن عمرو: عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
(قلت: وصله الطحاوي وغيره، وإسناده حسن صحيح).
قلت: وصله الطحاوي والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو … به مختصرًا؛ بلفظ:
«إذا ثُوِّبَ بالصلاة فعليكم بالسكينة؛ فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا».
وقد تابعه عمرو بن أبي سلمة عن أبيه.
أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٧ و٤٧٢).

٥٨٢ – وجعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة: «فأتموا».
(قلت: لم أقف على من وصله من هذا الوجه. ووصله مسلم وغيره من وجه آخر).
لم أقف على من وصله من هذا الوجه!
وقد وصله مالك (١/ ٨٨) عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه وإسحاق بن عبد الله أنهما أخبراه أنهما سمعا أبا هريرة … به مثل لفظ محمد بن عمرو سواءً، وزاد:
«فإن أحدكم في صلاة؛ ما كان يَعْمِدُ إلى الصلاة».
ومن طريق مالك: رواه أبو عوانة (١/ ٤١٣)، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٤٦٠).

٣ ‏/ ١١٢
ورواه مسلم (٢/ ١٠٠) من طريق أخرى عن العلاء عن أبيه وحده.
وهي رواية للطحاوي وأحمد (٢/ ٢٣٧ و٥٢٩) عن مالك.

٥٨٣ – وابن مسعود عن النبي ﷺ.
(قلت: لم أقف عليه موصولًا).
لم أقف على من وصله!

٥٨٤ – وأبو قتادة وأنس عن النبي ﷺ؛ كلهم قالوا: «فأتِمُّوا».
(قلت: أما حديث أبي قتادة؛ فقد وصله الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم». وأما حديث أنس؛ فوصله أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين. ووصله المصنف في «الاستفتاح» (رقم ٧٤١)؛ لكن بلفظ: «وليقضِ ما سبقه». وكذا أخرجه أبو عوانة في «صحيحه»).
قلت: أما حديث أبي قتادة؛ فقد وصله البخاري (٢/ ٩٢)، ومسلم (٢/ ١٠٠ – ١٠١)، وأبو عوانة (٢/ ٨٣)، والدارمي (١/ ٢٩٤)، والبيهقي (٢/ ٢٩٨ و٣/ ٢٢٨)، وأحمد (٥/ ٣٠٦) من طرق عن يحيى بن أبي كثير: أخبرني عبد الله بن أبي قتادة أن أباه أخبره قال:
بينما نحن نصلي مع رسول الله ﷺ، فسمع جَلَبَةً، فقال: «ما شأنكم؟ !» قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال:
«فلا تفعلوا؛ إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة؛ فما أدركتم فصلوا، وما سُبِقْتُمْ فَأتِمُّوا».
لكن قد اختلف في هذه اللفظة منه: «فَأتِمُّوا»:

٣ ‏/ ١١٣
فرواه هكذا الجمهور، كما في»الفتح«(٢/ ٩٤)، قال:
»ووقع لمعاوية بن هشام عن سفيان: «فاقضوا»، كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه. وأخرج مسلم إسناده في «صحيحه» عن ابن أبي شيبة، فلم يسق لفظه … «، ثم ذكر روايات المصنف الآتية، ثم قال:
»والحاصل: أن أكثر الروايات ورد بلفظ: «فَأتِمُّوا»؛ وأقلها بلفظ: «قاقضوا» …«.
قلت: وقد ذكرنا قريبًا أنه لا فرق بينهما في المعنى؛ فالاختلاف لفظي.
وأما حديث أنس؛ فوصله أحمد (٣/ ٢٢٩): ثنا سليمان بن حَيَّان: ثنا حميد عن أنس … مرفوعًا.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد وصله المؤلف فيما يأتي، وأبو عوانة (٢/ ٩٩) من طرق أخرى عن حميد … به أتم منه؛ لكن بلفظ:
»وليقضِ ما سبقه«؛ فقد اختلف فيه أيضًا.

٥٨٥ – عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
»ائتوا الصلاة وعليكم السَّكينةُ؛ فصلوا ما أدركتم، واقضوا ما سبقكم”.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.

٣ ‏/ ١١٤
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٢٣٥٠): حدثنا شعبة … به.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٢٣١)، وأحمد (٢/ ٣٨٢ و٣٨٦) من طرق أخرى عن شعبة … به؛ لكن الطحاوي قال: «فأتموا»؛ فلا أدري أهي محفوظة أم لا؟ !

٥٨٦ – قال أبو داود: «وكذا قال ابن سيرين عن أبي هريرة:»وليقضِ«….».
(قلت: وصله مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
قلت: وصله مسلم (٢/ ١٠٠)، وأبو عوانة (٢/ ١٠)، والطحاوي (١/ ٢٣١)، والبيهقي (٢/ ٢٩٨)، وأحمد (٢/ ٣٨٢ و٤٢٧) من طرق عن محمد بن سيرين … به؛ ولفظه:
«إذا ثُوِّبَ بالصلاة؛ فلا يَسْعَ إليها أحدكم؛ ولكن ليمشِ وعليه السكينةُ والوقار، صلِّ ما أدركت، واقض ما سبقك».

٥٨٧ – وكذا قال أبو رافع عن أبي هريرة.
(قلت: لم أجده موصولًا من هذا الوجه).
قلت: لم أجد من وصله من هذا الوجه!
وقد وصله أحمد من طريق آخر فقال (٢/ ٣١٨): ثنا عبد الرزاق بن همام: ثنا معمر عن همام بن مُنَبِّهٍ قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله ﷺ …
قلت: بهذا السند أحاديث كثيرة؛ منها هذا؛ بلفظ:
«إذا نودي بالصلاة؛ فأْتوها وأنتم تمشون وعليكمُ السكينةُ؛ فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم قاقضوا»!

٣ ‏/ ١١٥
لكن قد أخرجه مسلم (٢/ ١٠٠)، وأبو عوانة (١/ ٤١٣ – ٤١٤ و٢/ ١٠)، والبيهقي (٢/ ٢٩٨) من طرق عن عبد الرزاق … به بلفظ: «فأتموا».
وعلى هذا أكثر الرواة لحديث أبي هريرة وغيره كما سبق. والله أعلم.

٥٥٨ – وأبو ذر روى عنه: «فأتِمُّوا»، و: «اقضوا»؛ واختلف فيه.
(قلت: لم أقف عليه موصولًا).
لم أقف عليه موصولًا!

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

١ – كتاب الطهارة -5

١١٣ – باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر ٣١٩ – عن سُمَيٍّ …