جاء رجلٌ إلى رسولِ الله ﷺ من أهل نَجْدٍ، ثائرَ الرأس، يُسْمَع دَوِيُّ صوته، ولا يُفْقَه ما يقول؛ حتى دنا، فإذا هو يَسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله ﷺ:
«خَمْسُ صلوات في اليوم والليلة». قال: هل عليَّ غيرهنَّ؟ قال:
«لا؛ إلا أن تَطَّوَّع». قال: وذكر له رسول الله ﷺ صيامَ شهر رمضان. قال: هل عليَّ غيره؟ قال:
«لا؛ إلا أن تَطَّوَّعَ».
قال: وذكر له رسولُ الله ﷺ الصدقةَ. قال: فهل عليَّ غيرهُا؟ قال:
«لا؛ إلا أن تَطَّوَّعَ». فأدبر الرجلُ وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص! فقال رسول الله ﷺ:
«أفلحَ إنْ صدق».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عَمِّهِ أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول …
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٨٨ – ١٨٩).
ومن طريقه: أخرجه البخاري (١/ ٨٧ – ٨٨ و٥/ ٣٢٠)، ومسلم (١/ ٣١ – ٣٢)، وأبو عوانة (١/ ٤١٧ و٢/ ٣١٠ – ٣١١)، والنسائي (١/ ٧٩ – ٨٠)، وابن الجارود (١٤٤)، والبيهقي (٢/ ٤٦٦)، وأحمد (١/ ١٦٢)، وابن منده في «الإيمان» (ق ٢/ ١٧) كلهم عن مالك … به. وقال ابن منده:
«مجمع على صحته».
(تنبيه): زاد مسلم -وكذا المؤلف في الرواية الآتية- في رواية:
«.. وأبيه»!
وهي شاذة، وبيان ذلك في «الضعيفة» (٤٩٩٢)، وستأتي هذه الزيادة في رواية المؤلف في («الضعيف» في الأيمان والنذور).
٤١٦ – وفي رواية؛ قال:
«أفلح -وأبيه- إن صدق، دخل الجنة -وأبيه- إن صدق».
(قلت: إسنادها صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «صحيحيهما». وقال الحافظ ابن حجر: «وهو صحيح لا مرية فيه»؛ لكن قوله: «وأبيه» شاذ).
إسناده: حدثنا سليمان بن داود: نا إسماعيل بن جعفر المدني عن أبي سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر … بإسناده -يعني: الذي قبله-.
والحديث أخرجه البخاري (٤/ ٨٢ و١٢/ ٢٧٨)، ومسلم (١/ ٣٢)، والبيهقي (٢/ ٤٦٦) من طرق عن إسماعيل بن جعفر … به. وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٨٩):
«وهو صحيح لا مرية فيه».
قلت: لكن قوله: «وأبيه» شاذ؛ كما تقدم التنبيه عليه آنفًا.
١ – باب في المواقيت
٤١٧ – عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ:
«أمّني جبريل عليه السلام عند البيت مَرَّتين، فصلَّى بي الظهرَ: حين زالت الشمسُ وكانت قَدْرَ الشِّرَاك، وصلَّى بي العَصْرَ: حين كان ظِلُّهُ مثلَه، وصلَّى بي -يعني- المغربَ: حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاءَ: حين غاب الشَّفَقُ، وصلَّى بي الفَجْرَ: حين حَرُمَ الطعامُ والشرابُ على الصائم.
فلما كان الغَدُ؛ صلَّى بي الظُّهْرَ: حين كان ظِلُّهُ مِثْلَهُ، وصلَّى بي العَصْرَ: حين كان ظِلُّهُ مِثْلَيْهِ، وصلَّى بي المغربَ: حين أفطر الصائم، وصلَّى بي العشاءَ: إلى ثلث الليل، وصلَّى بي الفَجْرَ فَأسْفَرَ، ثم التفتَ إليَّ فقال: يا محمد! هذا وقت الأنبياءِ من قبلك، والوقتُ: ما بين هذين
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، والحاكم: «صحيح»! وأقرَّهُ الذهبي! وكذا قال النووي! وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»، وصححه أيضًا أبو بكر بن العربي، وابن عبد البر).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن سفيان: حدثني عبد الرحمن بن فلان ابن أبي ربيعة -قال أبو داود: هو عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة- عن حَكِيمِ بن حَكِيمٍ عن نافع بن جُبَيْرٍ بن مُطْعِمٍ عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي عبد الرحمن بن الحارث ضعف يسير من قبل حفظه، لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن؛ وقد وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي. وقال ابن معين:
«صالح». وقال أبو حاتم:
«شيخ». وقال النسائي:
«ليس بالقوي». وقال أحمد:
«متروك».
وضعفه ابن المديني. وقال ابن نمير:
«لا أُقْدِمُ على ترك حديثه». وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق له أوهام».
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٨٧)، والدارقطني (ص ٩٦)، والحاكم (١/ ١٩٣)، والبيهقي (١/ ٣٦٤)، وأحمد (١/ ٣٣٣ و٣٥٤) من طرق أخرى عن
وأخرجه الترمذي (١/ ٢٧٩ – ٢٨٢)، والطحاوي أيضًا، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وعبد الرزاق (٢٠٢٨) من طرق أخرى عن عبد الرحمن بن الحارث … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». والحاكم:
«صحيح»! وأقره الذهبي! وكذا قال النووي في «المجموع» (٣/ ٢٣)!
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» (١)، كما في «نصب الراية» (١/ ٢٢١)، و«التلخيص» (٣/ ٥)، وقال:
«وفي إسناده عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة؛ مختلف فيه؛ لكنه توبع: أخرجه عبد الرزاق [رقم ٢٠٢٩] عن العمري عن عمر بن نافع بن جبير ابن مطعم عن أبيه عن ابن عباس … نحوه. قال ابن دقيق العيد: هي متابعة حسنة. وصححه أبو بكر بن العربي وابن عبد البر».
قلت: وأخرجه الدارقطني من طريق محمد بن حِمْيَرٍ عن إسماعيل عن عبد الله بن عمر عن زياد بن أبي زياد عن نافع بن جبير … به بطوله.
وإسماعيل هذا؛ الظاهر أنه ابن عياش.
وعبد الله بن عمر: هو العمري.
وأما زياد بن أبي زياد؛ فإن كان هو الجَصَّاص؛ فهو ضعيف.
وإن كان المخزومي المدني مولى عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة -وهو الأقرب-؛ فهو ثقة من رجال مسلم.
وهذه متابعة قوية؛ لولا أن في طريقها الواقدي؛ وهو متروك!
ثم أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن إسماعيل البخاري: ثنا أيوب بن سليمان: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن الحارث ومحمد بن عمرو عن حكيم بن حكيم … به مختصرًا بلفظ:
أن جبريل أتى النبي ﷺ، فصلَّى به الصلوات وقتين؛ إلا المغرب.
وهذه متابعة قوية؛ فإن محمد بن عمرو -وهو ابن علقمة- ثقة حسن الحديث أيضًا.
ومثلهما حكيم بن حكيم؛ لكنه قد توبع كما سبق، فالحديث صحيح، لا سيما وأن له شواهد تأتي في الكتاب، ومنها: حديث أبي مسعود، وهو:
٤١٨ – عن ابن شهاب:
أن عمر بن عبد العزيز كان قاعدًا على المنبر، فأخَّرَ العصر شيئًا، فقال له عروةُ بنُ الزبير: أما إنّ جبريل عليه السلام قد أخبر محمدًا ﷺ بوقت الصلاة! فقال له عمر: اعلم ما تقول! فقال عروة: سمعتُ بَشِيرَ بن أبي مسعود يقول: سمعت أبا مسعود الأنصاري يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«نزل جبريل، فأحبرني بوقت الصلاة، فصلَّيت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صلَّيت معه، ثم صليت معه»؛ يحسب بأصابعه خمس صلوات، فرأيت رسول الله ﷺ صلَّى الظهر حين تزول الشمس،
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وهو على شرط مسلم. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٤٩٢). وقال الحاكم: «صحيح»، وأقره الذهبي، وقال الخطابي: «هو صحيح الإسناد»، وقوَّاه المنذري، والعسقلاني، وصححه ابن خزيمة أيضًا).
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب عن أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره (١).
قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي أسامة بن زيد كلام لا يضر.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص ٩٣)، والبيهقي (١/ ٣٦٣ – ٣٦٤ و٤٣٥) من طريق الربيع بن سليمان: ثنا عبد الله بن وهب … به.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٩٢)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٤٥٥) من طريق يزيد بن
«رواه أبو داود بإسناد حسن، قال الخطابي: هو صحيح الإسناد». وقوّاه المنذري، كما يأتي. وقول الخطابي هذا؛ في «المعالم» (١/ ٢٤٥).
وقد أفاد المصنف رحمه الله أن أسامة بن زيد تفرد بتفسير الأوقات في هذا الحديث دون أصحاب الزهري الذين ذكرهم! ونحن نذكر مَنْ خَرَّجَ أحاديثهم على الترتيب الذي أوردهم.
الأول: معمر -وهو ابن راشد-: أخرجه أحمد (٤/ ١٢٠ – ١٢١): ثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن الزهري … به.
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٤٣) من طريق عبد الرزاق.
الثاني: مالك: وقد أخرجه هو نفسه في «موطّئه» (١/ ١٣ – ١٩)، وهو أول حديث فيه.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٢ – ٥)، ومسلم (٢/ ١٠٣)، والبيهقي (١/ ٣٦٣)، وأحمد (٥/ ٢٧٤)، وأبو عوانة أيضًا (١/ ٣٤٠ – ٣٤١)، والدارمي (١/ ٢٦٨).
الثالث: ابن عيينة -وهو سفيان-: أخرجه الشافعي في «مسنده» (ص ٩): حدثنا سفيان عن الزهري.
ومن طريق الشافعي: أخرجه أبو عوانة (١/ ٣٤١).
ثم أخرجه هو، والبيهقي (١/ ٣٦٣) من طريقين آخرين عن سفيان.
الخامس: الليث بن سعد: أخرجه البخاري (٦/ ٢٣٨)، ومسلم أيضًا، وأبو عوانة (١/ ٣٤٢)، والنسائي (١/ ٨٦)، وابن ماجة (١/ ٢٢٨).
وأخرجه أبو عوانة من حديث ابن جريج أيضًا قال: حدثني ابن شهاب … به
وأما رواية هشام؛ فأخرجها سعيد بن منصور.
وأما رواية حبيب؛ فأخرجها الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» -كما في «الفتح» (٢/ ٤) -، قال:
«وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة، ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل، وذلك فيما رواه الباغندي في»مسند عمر بن عبد العزيز«، والبيهقي في»السنن الكبرى«[١/ ٣٦٥] من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود … فذكره منقطعًا. لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة، فرجع الحديث إلى عروة. ووضح أن له أصلًا، وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارًا. وبذلك جزم ابن عبد البر. وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة، فلا توصف -والحالة هذه- بالشذوذ». وقال المنذري في «مختصره» (رقم ٣٧٠):
«وهذه الزيادة في قصة الإسفار؛ رواتها عن آخرهم ثقات، والزيادة من الثقة مقبولة».
والحديث صححه ابن خزيمة أيضًا؛ كما في «الفتح» (٢/ ٤).
(قلت: وصله النسائي وغيره والترمذي بإسناد صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، والحاكم: «حديث صحيح مشهور». وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٤٧٠). وقال البخاري: إنه «أصح شيء في المواقيت»؛ يعني: في إمامة جبريل).
قلت: وصله النسائي (١/ ٩١)، والترمذي (١/ ٢٨١)، والدارقطني (ص ٩٥)، والحاكم (١/ ١٩٥ – ١٩٦)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٣٦٨)، وأحمد (٣/ ٣٣٠ – ٣٣١) من طرق عن عبد الله بن المبارك عن حسين بن علي بن حسين قال: أخبرني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله عن رسول الله ﷺ قال:
«أمَّني جبريل …» فذكر نحو حديث ابن عباس الذي سبق في الباب.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح غريب». وقال الحاكم:
«حديث صحيح مشهور»، ووافقه الذهبي.
قلت: وهو كما قالوا؛ فإن إسناده صحيح، رجاله -، كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حسين بن علي بن حسين -وهو أخو أبي جعفر الباقر-، وهو ثقة؛ وثقه النسائي وابن حبان، وأخرج حديثه هذا في «صحيحه» (١٤٧٠). قال الترمذي:
«قال محمد [يعني: البخاري]: حديث جابر أصح شيء في المواقيت».
«وحديث جابر في المواقيت؛ قد رواه عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وأبو الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي ﷺ … نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي ﷺ».
قلت: فوصف الترمذي فيما سبق للحديث بأنه غريب؛ لا يتمشى مع المعروف في «المصطلح»: أن الغريب ما تفرَّد به راوٍ واحد! وهذا قد رواه عن جابر جماعة، ورواه عن النبي ﷺ جماعة أيضًا؛ فكيف يكون غريبًا؟ ! إلا أن يكون أراد الغرابة النسبية!
وحديث عطاء بن أبي رباح عنه: أخرجه النسائي (١/ ٨٨)، وأحمد (٣/ ٣٥١ – ٣٥٢)، والطحاوي (١/ ٨٨) من طريق عبد الله بن الحارث: حدثني ثور بن يزيد عن سليمان بن موسى عن عطاء بن أبي رباح.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح».
ثم أخرجه النسائي (١/ ٨٩)، والدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق بُرْدِ بن سنان عن عطاء بن أبي رباح … به.
وهو إسناد صحيح أيضًا؛ وقد علقه المصنف من الطريق الأولى، كما يأتي رقم (٤٢٨).
٤٢٠ – قال أبو داود: «وكذلك روي عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
» … ثم صلى بي المغرب؛ يعني: من الغد؛ وقتًا واحدًا”.
(قلت: وصله النسائي وغيره بإسناد حسن عنه؛ كما قال الحافظ، وصححه
قلت: وصله النسائي (١/ ٨٩)، والطحاوي (١/ ٨٨)، والدارقطني (ص ٩٧)، والحاكم (١٩٤)، وعنه البيهقي (١/ ٣٦٩) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة … نحو حديث ابن عباس المتقدم.
وهذا إسناد حسن؛ كما قال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ١٠)؛ قال:
«وصححه ابن السكن، وقال الترمذي في»العلل«: حسن». وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر بيَّناه فيما سبق من الكتاب مرارًا.
ثم أخرج له الحاكم طريقًا أخرى من حديث عمر بن عبد الرحمن بن أسِيدٍ عن محمد بن عَبَّاد بن جعفر المؤذن أنه سمع أبا هريرة … به مختصرًا. وقال:
«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في «التلخيص» (٣/ ١٠).
ثم قال الحاكم:
«ولم يخرجاه؛ فإنهما لم يُخَرِّجا عن محمد بن عباد بن جعفر»!
قلت: محمد بن عباد بن جعفر: هو المخزومي المكي، وقد أخرج له الشيخان!
أما الذي لم يخرجا له؛ فإنما هو الراوي عنه: عمر بن عبد الرحمن بن أسيد، ولم أجد له ترجمة!
ثم رأيت البيهقي أخرج الحديث (١/ ٣٦٩) من طريق الحاكم … بإسناده.
هذا؛ إلا أنه قال:
«محمد: هو ابن عمار بن سعد المؤذن».
وهكذا أخرجه الدارقطني (ص ٩٧) عن محمد بن عمّار بن سعد المؤذن … مصرِّحًا به في صُلب الإسناد.
قلت: فهذا اختلاف عظيم بين ما في «المستدرك» -ويبعد أن يكون قد حُرِّف من قبل النساخ هذا التحريفَ الفاحشَ! -، وبين ما رواه البيهقي عنه!
ويغلب على الظن أن روايته هي الصواب؛ بدليل قول الحاكم في محمد هذا: «لم يخرجا له»؛ فقد علمت أن ابن عباد بن جعفر هو من رجالهما.
وأما محمد بن عمار بن سعد المؤذن؛ فهو من رجال الترمذي وحده!
وهذا يؤيد قول من ذهب من العلماء إلى أن الحاكم صنف «المستدرك» في آخر عمره، وكان إذ ذاك حصل له تَغَيُّرٌ وغفلة، كما ذكره الحافظ في «اللسان»، والله أعلم.
٤٢١ – وكذلك روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص: من حديث حسان بن عطية عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ.
(قلت: وصله البيهقي بإسناد حسن).
إسناده معلق؛ وقد وصله البيهقي (١/ ٣٦٩) من طريق عبد الرحمن بن أبي حاتم: أخبرني محمد بن عقبة بن علقمة -فيما كتب إلي-: ثنا أبي: ثنا الأوزاعي: ثنا حسان بن عطية: حدثني عمرو بن شعيب … به.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات معروفون؛ غير محمد بن
«يعتبر حديثه من غير رواية ابنه محمد عنه؛ لأن محمدًا كان يُدْخِلُ عليه الحديثَ، ويكذب فيه». وقال أبو محمد بن أبي حاتم:
«كتب إلي ببعض حديثه، وهو صدوق، وسئل أبي عنه؟ فقال: صدوق».
كذا في «اللسان».
٤٢٢ – عن أبي موسى:
أن سائلًا سأل النبي ﷺ، فلم يَرُدَّ عليه شيئًا، حتى أمر بلالًا فأقام الفجر حين انشقَّ الفَجْرُ؛ فصلَّى حين كان الرجل لا يعرف وجه صاحبه -أو أن الرجل لا يعرف مَنْ إلى جنبه-، ثم أمر بلالًا فأقام الظهر حين زالت الشمس، حتى قال القائل: انتصف النهار؟ وهو أعلم! ثم أمر بلالًا فأقام العصرَ؛ والشمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ، وأمر بلالًا فأقام المغرب حين غابت الشمس، وأمر بلالًا فأقام العشاء حين غاب الشفق. فلما كان من الغد؛ صلَّى الفجر وانصرف، فقلنا: طلعت الشمس! فأقام الظهر في وقت العصر الذي كان قبله، وصلَّى العصر وقد اصفرَّت الشمس -أو وقال: أمسى-، وصلَّى المغرب قبل أن يغيبَ الشفق، وصلَّى العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال:
«أينَ السائلُ عن وقتِ الصلاة؟ الوقتُ فيما بَيْنَ هَذَيْن».
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال «الصحيح». وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٧٤) من طريق المصنف.
وأخرجه هو (١/ ٣٦٦ – ٣٦٧ و٣٧٠ – ٣٧١)، ومسلم (٢/ ١٠٩ – ١١٠)، وأبو عوانة (١/ ٣٧٥)، والنسائي (١/ ٩١)، والطحاوي (١/ ٨٨)، والدارقطني (ص ٩٨)، وأحمد (٤/ ٤١٦) من طرق عن بدر بن عثمان … به.
٤٢٣ – قال أبو داود: «وروى سليمان بن موسى عن عطاء عن جابر عن النبي ﷺ … في المغرب نحو هذا؛ قال: ثم صلى العشاء، قال بعضهم: إلى ثلث الليل، وقال بعضهم: إلى شطره».
(قلت: وصله أحمد وغيره بإسناد صحيح عنه).
وصله الإمام أحمد (٣/ ٣٥١ – ٣٥٢): حدثنا عبد الله بن الحارث: حدثني ثور ابن يزيد عن سليمان بن يسار … به نحو حديث أبي موسى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح».
وأخرجه النسائي (١/ ٨٨)، والطحاوي (١/ ٨٨) -عن عبد الله بن الحارث.
والبيهقي (١/ ٣٧٢) من طريق أحمد.
ولجابر حديث آخر في إمامة جبريل للنبي ﷺ، وفيه:
أنه صلى به المغرب في اليومين في وقت واحد؛ حين غابت الشمس.
رواه بُرْدُ بن سنان عن عطاء بن أبي رباح عنه.
واعلم أنه لا تعارض بين حديثي جابر رضي الله عنه، كما لا تعارض بين أحاديث الباب؛ فإن في حديثه هذا، وحديث أبي موسى قبله، والأحاديث الأخرى الآتية حكمًا زائدًا على الأحاديث المتقدمة في إمامة جبريل للنبي ﷺ؛ ففي هذه: أن وقت المغرب يمتدُّ إلى أن يغيب الشفق، فوجب الأخذ بها ولا سيما أنها متأخرة عن تلك؛ لأن سؤال النبي ﷺ عن المواقيت كان في المدينة، في مسجده عليه السلام، وإمامة جبريل له عليهما السلام كانت بمكة عند البيت؛ كما سبق في حديث ابن عباس.
هذا إذا كان حديث جبريل عليه السلام إنما ورد في بيان وقت الجواز؛ فقد قيل: إنه إنما أراد بيان وقت الاختيار، لا وقت الجواز. واستحسنه النووي في «المجموع» (٣/ ١٣١). والله أعلم.
٤٢٤ – وكذلك روى ابن بُرَيْدَةَ عن أبيه عن النبي ﷺ.
(قلت: وصله مسلم، وابن حبان (١٤٩٠)، وأبو عوانة في «صحاحهم»، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال البخاري: «حديث حسن»).
وصله مسلم (٢/ ١٠٦)، وأبو عوانة (١/ ٣٧٣ – ٣٧٤)، والنسائي (١/ ٩٠)، والترمذي (١/ ٢٨٦)، والطحاوي (١/ ٨٨)، والدارقطني (ص ٩٨)، والبيهقي (١/ ٣٧١ و٣٧٤)، وأحمد (٥/ ٣٤٩) من طرق عن علقمة بن مرثد عن سليمان ابن بريدة عن أبيه. وقال الترمذي:
«حديث حسن غريب صحيح». وقال البيهقي:
«وفي»علل الترمذي«عن البخاري أنه قال: حديث أبي موسى حسن».
«وقت الظهر ما لم تَحْضُر العصر، ووقت العصر ما لم تَصْفَرَّ الشمس، ووقت المغرب ما لم يسقطْ فَوْر الشَّفَقِ، ووقت العشاء إلى نصف الليل، ووقت صلاة الفجر ما لم تَطْلُعِ الشمسُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الخطابي: «هو حديث حسن»).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا شعبة عن قتادة أنه سمع أبا أيوب عن عبد الله بن عمرو.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو على شرطهما وأبو أيوب: هو المَرَاغِي الأزدي العَتَكِيُّ البصري، اسمه يحيى -ويقال: حبيب- بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٠٤) عن هذا الشيخ … بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٦٧) من طريقين آخرين عن عبيد الله بن معاذ … به.
وأخرجه الطيالسي رقم (٢٢٤٩) قال: حدثنا شعبة وهمام عن قتادة … به.
قال أبو داود:
«قال شعبة: أحيانًا يرفعه وأحيانًا لا يرفعه».
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (١/ ٣٧١)، والنسائي (١/ ٩٠)، وابن خزيمة (٣٥٤ و٣٥٥)، وابن حبان (١٤٧١)، والطحاوي (١/ ٩٠)، والبيهقي أيضًا (١/ ٣٧١)، وأحمد (٢/ ٢١٣) من طرق عن شعبة … به؛ وزاد مسلم وأحمد والطحاوي:
ثم أخرجه مسلم وأبو عوانة والطحاوي، والبيهقي (١/ ٣٦٥ و٣٧١ و٣٧٤ و٣٧٨)، وأحمد (٢/ ٢١٠ و٢٢٣) من طرق أخرى عن قتادة … به مرفوعًا. وقال الخطابي في «المعالم» (١/ ٢٣٣):
«وهو حديث حسن».
٢ – باب وقت صلاة النبي ﷺ، وكيف كان يصليها
٤٢٦ – عن محمد بن عمرو -وهو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب- قال:
سألنا جابرًا عن وقت صلاة رسول الله ﷺ؟ فقال:
كان يصَلي الظُّهْرَ بالهَاجِرَة، والعصرَ والشمس حَيَّةٌ، والمغربَ إذا غربتِ الشمسُ، والعشاء: إذا كَثُرَ الناسُ عَجَّلَ، وإذا قَلُّوا أخَّر، والصبحَ بغَلَسٍ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «صحيحيهما» عن شيخ المصنف بإسناده، وأخرجه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: نا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن محمد ابن عمرو -وهو ابن الحسن بن علي بن أبي طالب-.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٤٩) من طريق المصنف.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٧٢٢): حدثنا شعبة … به.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٦٧)، والطحاوي (١/ ١٠٤).
ثم أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٤) من طريق آخر عن مسلم بن إبراهيم.
ثم أخرجه هو (١/ ٤٥٥)، والبخاري (٢/ ٣٣)، ومسلم، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ٩٢)، وأحمد (٣/ ٣٦٩) من طرق أخرى عن شعبة …. به.
وللحديث طريق أخرى: أخرجه أحمد (٣/ ٣٠٢) عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال:
الظهر كاسمها، والعصر بيضاء حَيَّةٌ، والمغرب كاسمها، وكنا نصلي مع رسول الله ﷺ المغرب، ثم نأتي منازلنا وهي على قدر مِيلٍ، فنرى مواقع النَّبْلِ، وكان يُعَجِّلُ العشاءَ ويؤَخِّر، والفجر كاسمها، وكان يغلِّس بها.
وإسناده حسن.
٤٢٧ – عن أبي بَرْزَةَ قال:
كان رسول الله ﷺ يصلِّي الظهر إذا زالت الشمس، ويصلِّي العصر؛ وإنَّ أحدنا لَيَذْهَب إلى أقصى المدينة ويرجع؛ والشمس حَيّةٌ -ونسيت المغرب (١) -، وكان لا يبالي تأخير العشاء إلى ثلث الليل، قال: ثم قال: إلى شطر الليل. قال: وكان يَكْره النومَ قبلها والحديثَ بعدها، وكان يصلي
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه» عن شيخ المصنف بإسناده، وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق المؤلف، ورواه مسلم بتمامه، والترمذي بعضه، وقال: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: نا شعبة عن أبي المنهال عن أبي برزة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وحفص بن عمر: هو ابن الحارث الحَوْضِيُّ.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٦)، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٦٦) من طريق المؤلف.
وأخرجه البخاري (٢/ ١٧) عن هذا الشيخ … بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي (رقم ٩٢٠): حدثنا شعبة … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٢١)، وأبو عوانة أيضًا، والنسائي (١/ ٨٦) من طرق أخرى عن شعبة … به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٤٢٥): ثنا حجاج ثنا شعبة … به، وفيه:
والمغرب -قال سيار: نسيتها-. وفي آخره:
قال سيار: لا أدري في إحدى الركعتين أو في كلتيهما؟ !
وقد تابعه عوف بن أبي جميلة عن أبي المنهال: أخرجه البخاري (٢/ ٢١)، والبيهقي (١/ ٤٥٠ و٤٥٤)، وأحمد (٤/ ٤٢٠، ٤٢٣) من طرق عنه.
كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها. وقال:
«حديث حسن صحيح».
وتابعه حماد بن سلمة عن سَيَّار بن سلامة -وهو أبو المنهال- … به مختصرًا؛ بلفظ:
كان يؤخر العشاء الآخرة إلى ثلث الليل، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها، وكان يقرأ في الفجر ما بين المئة إلى الستين، وكان ينصرف -حين ينصرف- وبعضنا يعرف وجه بعض.
أخرجه أحمد (٤/ ٤٢٤)، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وتابعه على الجملة الأخيرة منه: معتمر قال: أنبأني أبي عن أبي المنهال … به.
أخرجه أحمد أيضًا (٤/ ١٢٣)، وسنده صحيح على شرطهما.
٣ – باب وقت صلاة الظهر
٤٢٨ – عن جابر بن عبد الله قال:
كنت أصلِّي الظهر مع رسول الله ﷺ، فآخُذ قبضةً من الحصى؛ لِتَبْرُدَ في كَفِّي، أضعُهَا لِجَبْهَتِي؛ أسجدُ عليها؛ لشدة الحرِّ.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي!).
قلت: وهذا إسناد حسن. رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير أن محمد ابن عمرو -وهو ابن علقمة- أخرج له البخاري مقرونًا، ومسلمٌ متابعةً، وهو حسن الحديث، كما تقدم مرارًا. وعباد بن عباد: هو ابن حبيب أبو معاوية البصري.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٩) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (١/ ١٦٤): أخبرنا قتيبة قال: حدثنا عباد … به؛ وزاد -بعد قوله: كَفِّي-:
ثم أحوله في كفّي الآخر.
وقد أخرجه أحمد في «المسند» (٣/ ٣٢٧) … بهذا الإسناد؛ لكن رواه عن عَبَّاد بالواسطة، فقال: ثنا خلف بن الوليد: ثنا عباد بن عباد … به. فيظهر أن أحمد رحمه الله رواه عن عباد بواسطة خلف هذا، ثم رواه عنه مباشرة بلا واسطة؛ فقد أخرجه الحاكم أيضًا (١/ ١٩٥) -مثل رواية المصنف- من طريق أبي المثنى: ثنا مسدد. ومن طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قالا: ثنا عباد بن عباد … به.
لكن ليس هو في «المسند» إلا من طريق خلف كما ذكرنا. ثم قال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي! وفيه نظر.
ثم إن الحديث أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٧)، والطحاوي (١/ ١٠٩) من طرق أخرى عن محمد بن عمرو … به.
كانت قَدْرُ صلاة رسول الله ﷺ في الصيف ثلاثةَ أقْدَامٍ إلى خمسةِ أقدام، وفي الشتاء خمسةَ أقدامٍ إلى سبعةِ أقدام.
(قلت: إسناد صحيح).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا عَبِيدَةُ بن حُمَيْدٍ عن أبي مالك الأشجعي سعد بن طارق عن كثير بن مُدْرِكٍ عن الأسود أن عبد الله بن مسعود قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير سعد بن طارق وكثير بن مدرك؛ فإنهما من رجال مسلم؛ لكن الأول أخرج له البخاري تعليقًا، والآخر أخرج له مسلم حديثًا واحدًا في المتابعات، وهما ثقتان.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٦٥) من طريق المصنف.
وأخرجه النسائي (١/ ٨٧ – ٨٨) من طريق أخرى عن عَبيدة بن حميد … به.
٤٣٠ – عن أبي ذَرٍّ:
كنَّا مع النبي ﷺ، فأراد المؤذِّن أن يؤذِّن الظُّهْرَ، فقال:
«أبرد». ثم أراد أن يؤذن، فقال:
«أبرد»؛ مرتين أو ثلاثًا؛ حتى رأينا فَيْءَ التُّلُول، ثم قال:
«إن شدة الحَرِّ من فَيْحِ جهنم؛ فإذا اشتد الحَرُّ فأبْرِدُوا بالصلاة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا شعبة: أخبرني أبو الحسن -قال أبو داود: أبو الحسن: هو مهاجر- قال: سمعت زيد بن وهب يقول: سمعت أبا ذر يقول …
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٨) من طريق المؤلف. وأخرجه البخاري (٦/ ٢٥٦) عن شيخ المصنف … بهذا السند.
وأخرجه الطيالسي (رقم ٤٤٥): حدثنا شعبة … به. وقال: ثلاثًا … بدون شك.
وأخرجه البخاري أيضًا (٢/ ١٤ و١٦ و٨٨)، ومسلم (٢/ ١٠٨)، وأبو عوانة (١/ ٣٤٧)، والطحاوي (١/ ١١٠)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٥/ ١٥٥ و١٦٢ و١٧٦) من طرق عن شعبة … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ٢٩٧ – ٢٩٨) من طريق الطيالسي، ثم قال:
«هذا حديث حسن صحيح».
٤٣١ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا اشتد الحَرُّ؛ فأبردوا عن الصلاة (وفي رواية: بالصلاة)؛ فإنَّ شدة الحَرِّ من فَيْحِ جهنم».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
«بالصلاة».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٣٧) من طريق المصنف. وأخرجه مسلم (٢/ ١٠٧)، والنسائي (١/ ٨٧)، والترمذي (١/ ٢٩٥) عن قتيبة … به.
ثم أخرجه مسلم، والدارمي (١/ ٢٧٤)، وابن ماجة (١/ ٢٣٣) من طرق أخرى عن الليث … به.
وقد تابعه عن الزهري: يونس وعمرو: عند مسلم.
ومعمر وابن جريج: عند أحمد (٢/ ٢٦٦ و٢٨٥).
وأسامة بن زيد الليثي: عند الطحاوي (١/ ١١٠).
وزَمْعَةَ: عند الطيالسي (رقم ٢٣٠٢ و٢٣٥٢).
وتابعهم: سفيان -وهو ابن عيينة- عن الزهري عن سعيد وحده.
أخرجه أحمد (٢/ ٢٣٨)، والبخاري (٢/ ١٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٤٦ – ٣٤٧).
وله في «المسند» (٢/ ٥٠١)، والطحاوي طرق أخرى عن أبي سلمة.
وفي مسلم وأبي عوانة والطحاوي والبيهقي وأحمد (٢/ ٢٢٩ و٢٥٦ و٣١٨ و٣٤٨ و٣٧٧ و٣٩٣ و٣٩٤ و٤١١ و٤٦٢ و٥٠٧ و٣/ ٥٣) ومالك (١/ ٣٨) طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
٤٣٢ – عن جابر بن سَمُرَةَ: أن بلالًا كان يؤذِّن الظهر؛ إذا دَحَضَتِ الشمس.
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقد أخرجه مسلم في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن سِمَاك بن حرب عن جابر ابن سمرة.
قلت: هذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم؛ وفي سِمَاك بن حرب كلامٌ لا يضرُّ، وهو صحيح الحديث في رواية سفيان وشعبة عنه، وهذا الحديث مما رواه شعبة عنه كما، سنذكر.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ١٠٦): ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا حماد … به.
ولابن مهدي فيه إسناد آخر عن سماك؛ فقال أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا شعبة عن سماك … به.
وأخرجه مسلم (١/ ١٠٩) -عن عبد الرحمن-، وهو، وابن ماجة (١/ ٢٣١)، والبيهقي (١/ ٤٣٦) -عن يحيى بن سعيد- كلاهما عن شعبة … به.
٤٣٣ – عن أنس بن مالك:
أن رسول الله ﷺ كان يصلِّي العصرَ؛ والشمسُ بيضاءُ مرتفعةٌ حَيَّةٌ، ويذهبُ الذاهبُ إلى العَوَالي والشمسُ مرتفعةٌ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه أخبره.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٤٠) من طريق المؤلف.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٠٩)، والنسائي (١/ ٨٨) عن قتيبة … به.
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (١/ ٣٥٢)، وابن ماجة (١/ ٢٣٢)، والطحاوي (١/ ١١٢)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٣/ ٢٢٣) من طرق أخرى عن الليث … به.
وقد تابعه مالك عن ابن شهاب:
أخرجه في «موطَّئِه» (١/ ٢٦).
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٢٣)، ومسلم أيضًا، وأبو عوانة (١/ ٣٥١)، والطحاوي.
ثم أخرجه البخاري (٢/ ٢٢ – ٢٣)، ومسلم، وأبو عوانة، والطحاوي،
وله طرق أخرى عن أنس: في «الصحيحين» و«أبي عوانة» والنسائي والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم ٢١٣٢ و٢١٣٨)، وأحمد (٣/ ١٣١ و١٦٩ و١٨٤ و٢٠٩ و٢٢٨ و٢٣٢ و٢٣٦ – ٢٣٧).
٤٣٤ – عن الزهري قال: والعوالي على مِيلين أو ثلاثة. قال: وأحسبه قال: أو أربعة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: نا عبد الرزاق: نا معمر عن الزهري.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ والحسن بن علي: هو أبو علي الخَلَّال الحُلْواني.
وهذا الأثر؛ أخرجه أحمد (٣/ ١٦١): ثنا عبد الرزاق … به؛ إلا أنه قال:
وثلاثة. أحسبه قال: -وأربعة بالواو العاطفة-؛ أخرجه عقب حديثه عن أنس متصلًا به.
وهكذا أخرجه البيهقي (١/ ٤٤٠) عن عبد الرزاق.
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ١١٢) من طريق ابن المبارك قال: أنا معمر … به.
وأخرجه البخاري (٢/ ٢٢ – ٢٣)، والبيهقي (١/ ٤٤٠) من طريق شعيب عن الزهري … به، إلا أنه أدرجه في الحديث، ولم يصرِّح بأنه من قول الزهري، ولفظه:
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق يونس عن الزهري. ثم قال البيهقي:
«وهذا من قول الزهري؛ ذكره معمر عنه من قوله».
وجزم الحافظ بأنه مدرج من كلام الزهري، قال:
«ولم يقف الكرماني على هذا، فقال: هو إما كلام البخاري أو أنس أو الزهري، كما هي عادته»!
٤٣٥ – عن خيثمة قال:
حَيَاتُهَا أن تَجِدَ حَرَّها.
(قلت: إسناده صحيح كما قال الحافظ، وهو على شرط البخاري. وخيثمة: هو ابن عبد الرحمن).
إسناده: حدثنا يوسف بن موسى: نا جرير عن منصور عن خيثمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وخيثمة: هو ابن عبد الرحمن ابن أبي سَبْرة، وهو من التابعين. وقال الحافظ في «الفتح» (٢/ ٢١):
«إسناده صحيح».
٤٣٦ – عن عائشة:
أن رسول الله ﷺ كان يصلِّي العصرَ والشمسُ في حُجْرَتها قبل أن تظهر.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري في «صحيحه»
إسناده: حدثنا القعنبي قال: قرأت على مالك بن أنس عن ابن شهاب: قال عروة: ولقد حدثتني عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ٢ – ٥) عن عبد الله بن مسلمة -وهو القعنبي-.
وأخرجه عنه البيهقي أيضًا (١/ ٤٤١). وهو في «الموطأ» (١/ ١٣ – ١٩). ومن طريقه: أخرجه مسلم (٢/ ١٠٣) أيضًا، وأبو عوانة (١/ ٣٤٠ – ٣٤١)، والدارمي (١/ ٢٦٨)، والبيهقي (١/ ٣٦٣) أيضًا، والطحاوي (١/ ١١٣).
ثم أخرجه البخاري (٢/ ٢٠)، ومسلم (٢/ ١٩٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٥٠ – ٣٥١)، والنسائي (١/ ٨٨)، والترمذي (١/ ٢٩٨)، وابن ماجة (١/ ٢٣٢)، والطحاوي، وأحمد (٦/ ٣٧ و٨٥ و١٩٩) من طرق أخرى عن ابن شهاب … به.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وقد تابعه هشام بن عروة عن أبيه:
أخرجه الشيخان وأبو عوانة والطحاوي وأحمد (٦/ ٢٠٤ و٢٧٨ – ٢٧٩) من طرق عنه؛ وزاد أحمد في رواية:
وكان الجدار بَسْطَةً؛ وأشار عامر بيده.
لكنْ عامر هذا -وهو ابن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير- ضعيف لا يحتج به، وقد تفرد بهذه الزيادة، فهي منكرة.
أن رسول الله ﷺ قال يوم الخندق:
«حَبَسُونا عن صلاةِ الوسطى: صلاة العصر؛ ملأ اللهُ بيوتَهم وقبورَهم نارًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ويزيد ابن هارون عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عَبِيدَةَ عن علي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ١٤٤ / رقم ١٢٢٠): «حدثنا يزيد به».
وهكذا أخرجه الدارمي (١/ ٢٨٠) عن يزيد … به.
وأخرجه البخاري (٦/ ٨٠ و٧/ ٣٢٥ و٨/ ١٥٧ و١١/ ١٦٢)، ومسلم (٢/ ١١١)، وأحمد (رقم ٩٩٤) من طرق أخرى عن هشام.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ٨٣)، والترمذي (٢/ ١٦٣ – طبع بولاق)، وأبو عوانة أيضًا (١/ ٣٥٥)، وأحمد أيضًا (رقم ٥٩١ و١١٣٤ و١١٥٠ و١١٥١ و١٣٠٧ و١٣١٣ و١٣٢٦) من طريق قتادة عن أبي حسان الأعرج عن عبيدة … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح. وقد روي من غير وجه عن علي».
قلت: ومن تلك الوجوه: ما أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٣٢ – ٢٣٣)، والطيالسي
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٠٣) من طريق أخرى عن عاصم … به.
لكن أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (رقم ٩٩٠)، وابن أبي حاتم وابن جرير -كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٢٩١) – من طريق سفيان عن عاصم عن زِرِّ بْنِ حُبَيْش عن عَبِيدَةَ السَّلْمَاني عن علي … به. ولفظ ابن أبي حاتم:
عن زرٍّ قال:
قلت لعبيدة: سل عليًّا عن الصلاة الوسطى، فسأله؟ فقال: كنا نراها الفجر أو الصبح؛ حتى سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول … فذكر الحديث.
وأخرجه ابن حزم أيضًا (٤/ ٢٥٢).
فلعلَّ سؤال عبيدة كان بحضرة زرٍّ؛ فسمعه من علي! فعلى ذلك فالروايتان ثابتتان. والله أعلم.
وللحديث طرق أخرى عن علي رضي الله عنه، تُراجع في «مسلم» و«أبي عوانة» والطحاوي والبيهقي وأحمد (رقم ٦١٧ و٩١١ و١٠٣٦ و١١٣٢ و١٢٤٥ و١٢٩٨ و١٣٠٥).
كما أن للحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة؛ أخرح كثيرًا منها الطحاويُّ، ثم قال:
«فهذه آثار تواترت، وجاءت مجيئًا صحيحًا عن رسول الله ﷺ: أن الصلاة الوسطى هي العصر».
أمرتني عائشة أن أكتب لها مُصْحَفًا، وقالت: إذا بَلَغْتَ هذه الآيةَ فآذِنِّي: (حَافِظوا عَلى الصَّلَوَاتِ والصَّلاةِ الوُسْطى). فلما بلغْتُهَا آذَنْتُهَا، فأمْلَتْ عليَّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقُوموا لله قانتين)، ثم قالت عائشة: سمعتها من رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حَكِيمٍ عن أبي يونس مولى عائشة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٥٧ – ١٥٨).
ومن طريقه: أخرجه مسلم (٢/ ١١٢)، وأبو عوانة (١/ ٣٥٣)، والنسائي (١/ ٨٢ – ٨٣)، والترمذي (٢/ ١٦٣ – طبع بولاق)، والطحاوي (١/ ١٠٢)، والبيهقي (١/ ٤٦٢)، وأحمد (٦/ ١٧٨)، كلهم من طرق عن مالك … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وقد تابعه سعيد -وهو ابن أبي هلال- عن زيد بن أسلم؛ إلا أنه قال: عن زيد ابن أسلم أنه بلغه عن أبي يونس مولى عائشة.
أخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٢/ ٣٤٩).
كنت أكتب مصحفًا لحفصة أم المؤمنين، فقالت: إذا بلغتَ هذه الآية … الحديث إلى قوله: ﴿وقوموا لله قانتين﴾.
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٠٢) عن مالك عنه … بإسناديه.
وأخرجه ابن جرير (٢/ ٣٤٩) من طريق ابن أبي هلال عن زيد … به، وزاد في آخره:
أشهد أني سمعتها من رسول الله ﷺ.
ثم أخرجه ابن جرير (٢/ ٣٤٨ و٣٤٩)، والطحاوي (١/ ١٠٢)، من طرق أخرى عن عمرو بن رافع … به.
وفي رواية لابن جرير (٢/ ٣٤٤ و٣٤٩) من طريق عبيد الله عن نافع:
أن حفصة أمرت مولى لها … الحديث مثل رواية أسامة؛ وزاد: قال نافع:
فقرأت ذلك المصحف، فوجدت فيه الواو؛ يعني: في قوله: وصلاة العصر.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد وردت هذه القصة عن أم سلمة أيضًا من طريق عبد الله بن أبي رافع مولى أم سلمة قال:
أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفًا، وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني. فأعلمتُهَا، فأَمْلَتْ عليّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى؛ هي العصر).
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد ذكره ابن حزم في «المحلى» (٤/ ٢٥٤) من طريق عبد الرزاق عن داود بن قيس … به.
ثم إن للحديث طرقًا أخرى عن عائشة رضي الله عنها:
فأخرج الطحاوي وابن جرير (٢/ ٣٤٣) من طريق ابن جريج: أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن عن أمه أم حُمَيْدٍ بنت عبد الرحمن:
سألت عائشة عن قول الله عز وجل: (والصلاة الوسطى)؟ فقالت: كنا نقرأها على الحرف الأول على عهد رسول الله ﷺ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين). وفي رواية لابن جرير:
صلاة العصر … بدون الواو.
وعبد الملك هذا؛ قال ابن حبان في «الثقات»:
«عبد الملك بن عبد الرحمن بن خالد بن أسيد القرشي، من أهل مكة. يروي عن أمه عن عائشة رضي الله عنها. روى عنه ابن جريج». كذا في «اللسان».
وأما أمه أم حميد بنت عبد الرحمن؛ فقال في «التهذيب»:
«ويقال: أم حميدة بنت عبد الرحمن. عن عائشة. روى ابن جريج عن أبيه عنها». وقال في «التقريب»:
قلت: وقد استفدنا من هذه الرواية أنه روى عنها غير والد ابن جريج، وهو ابنها عبد الملك هذا، وهي فائدة نادرة.
ثم أخرج ابن جرير من طريق هشام بن عروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى؛ وهي صلاة العصر).
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وهذه الرواية -ورواية أم سلمة- تبين أن الواو في حديث الباب: (وصلاة العصر): أنها للتفسير والبيان، وليست للعطف المفيد للمغايرة.
ثم إن هذه العبارة: (وصلاة العصر) من منسوخ التلاوة؛ فقد روى مسلم (٢/ ١١٢) وغيره عن البراء بن عازب قال:
نزلت هذه الآية (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر)، فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى).
٤٣٩ – عن زيد بن ثابت قال:
كان رسول الله ﷺ يصلِّي الظهر بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاةً أشدَّ على أصحاب رسول الله ﷺ منها، فنزلت (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، وقال: إن قبلها صلاتين، وبعدها صلاتين.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال ابن حزم).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: حدثني محمد بن جعفر: نا شعبة:
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عمرو بن أبي حكيم، وشيخه الزبرقان -وهو ابن عمرو بن أمية الضَّمْرِي-، وهما ثقتان.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ١٨٣): ثنا محمد بن جعفر … به.
وأخرجه ابن جرير (٢/ ٣٤٨): حدثنا محمد بن المثنى: ثنا محمد بن جعفر … به.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٩٩)، والبيهقي (١/ ٤٥٨) من طريق عمرو بن مرزوق قال: ثنا شعبة … به.
وأخرجه الطحاوي من طريق خالد بن عبد الرحمن قال: ثنا ابن أبي ذئب عن الزِّبرقان قال:
إن رهطًا من قريش اجتمعوا، فمرّ بهم زيد بن ثابت، فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى؟ فقال: هي الظهر … إن رسول الله ﷺ كان يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف والصفان، والناس في قائلتهم وتجارتهم، فأنزل الله تعالى: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى)، فقال النبي ﷺ: «ليَنْتَهين رجال؛ أو لأُحَرِّقَن بيوتهم».
وإسناده حسن؛ لكن اختلف فيه على ابن أبي ذئب:
فأخرجه ابن جرير (٢/ ٣٤٨) من طريق يزيد بن هارون: قال أخبرنا ابن أبي ذئب … به؛ إلا أنه جعل المرفوع منه من مسند أسامة بن زيد.
وكذلك رواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب؛ إلا أنه قال: عن الزبرقان
كنا جلوسًا عند زيد بن ثابت … الحديث.
فأدخل -بين الزبرقان وزيد-: زهرة هذا، وجعله من مسند أسامة أيضًا.
أخرجه البيهقي، ثم قال:
«ورواه غيره عن ابن أبي ذئب عن الزبرقان عن زيد بن ثابت وأسامة نحوه».
٤٤٠ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«من أدرك من العصر ركعة فبل أن تَغْرُبَ الشمس؛ فقد أدرك، ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تَطْلُعَ الشمس؛ فقد أدرك».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم في «صحيحه» بإسناد المصنف، وأخرجه البخاري وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا الحسن بن الربيع: حدثني ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وابن طاوس: اسمه عبد الله.
والحسن بن الربيع: هو أبو علي الكوفي البُورَانِيّ.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١٠٣) عن الحسن بن الربيع … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٦٨) من طريق محمد بن أحمد بن النضر: ثنا الحسن
ثم أخرجه من طريق أخرى عن عبد الله بن مبارك … به.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ٩٠) – من طريق معتمر- وأحمد (٢/ ٢٨٢) – من طريق رباح كلاهما عن معمر.
وللحديث طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
فقد أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٢٢ – ٢٣) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة … به.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٤٤)، ومسلم، وأبو عوانة (١/ ٣٥٨)، والنسائي والترمذي (١/ ٣٥٣)، والدارمي (١/ ٢٧٧)، والطحاوي (١/ ٩٠)، والبيهقي (١/ ٣٦٧)، وأحمد (٢/ ٤٦٢) كلهم عن مالك … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وقد تابعه عن زيد بن أسلم: عبدُ العزيز بن محمد الدراوردي: عند ابن ماجة (١/ ٢٣٧).
وحفص بن ميسرة: عند أبي عوانة، وقرن مع زيدٍ: موسى بنَ عقبة، وذكر مكان عطاء بن يسار: «أبا صالح».
وكذلك رواه زهير بن محمد عن زيد بن أسلم:
أخرجه الطيالسي.
وقد أخرجه الطحاوي، وأحمد (٢/ ٤٥٩)، وكذا الطيالسي (رقم ٢٤٣١) (١) من
ثم أخرجه أحمد (٢/ ٣٩٩ و٤٧٤) من طريق أخرى عن عبد الرحمن -وهو الأعرج- عن أبي هريرة.
وأخرجه الدارقطني (ص ١٩٦).
وأخرجه البخاري (٢/ ٣٠ و٤٥)، ومسلم والنسائي والدارمي وابن ماجة والطحاوي، وأحمد (٢/ ٢٥٤ و٢٦٠ و٣٤٨) من طرق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
وانظر «الصحيحة» (٦٦).
٤٤١ – عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال:
دخلْنا على أنس بن مالك بعد الظُّهر، فقام يصلي العصر، فلما، فرغ من صلاته؛ ذَكَرْنَا تعجيل الصلاة -أو ذَكَرَها-، فقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«تلك صلاةُ المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين. يجلسُ أحدُهم حتى إذا اصفرَّت الشمس، فكانت بين قرني شيطان -أو على قرني الشيطان-؛ قام فَنَقَرَ أربعًا، لا يذكرُ اللهَ عز وجل فيها إلا قليلًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه البيهقي (١/ ٤٤٤) من طريق المؤلف.
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٥٦)، والطحاوي (١/ ١١٣)، وأحمد (٣/ ١٨٥)، من طرق عن مالك … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ١١٠)، والنسائي (١/ ٨٩)، والترمذي (١/ ٣٠١)، والبيهقي أيضًا من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن … به.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وانظر «الصحيحة» (١٧٤٥).
٤٤٢ – عن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال:
«الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا ابن حبان (١٤٥٠)، وأبو عوانة وابن خزيمة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن ابن عمر.
قال أبو داود:
«قال عبيد الله بن عمر:»أُتر«. واختلف على أيوب فيه. وقال الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي ﷺ قال:»وتر«…».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ومن طريقه أخرجه البخاري (٢/ ٢٤)، ومسلم (٢/ ١١١)، وأبو عوانة (١/ ٣٥٤ – ٣٥٥)، والبيهقي (١/ ٤٤٥)، وأحمد (٢/ ٦٤)، كلهم عن مالك … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٨٠)، وأحمد (٢/ ٥٤ و١٠٢) من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع بلفظ: «وتر».
وكذلك أخرجه أحمد أيضًا (٢/ ٤٨ و١٢٤) -عن أيوب-، و(٢/ ٧٥) -عن يحيى، وهو ابن أبي كثير- و(٢/ ١٤٨) -عن ابن جريج- و(٢/ ١٣ و٢٧ و٧٦) -عن حجاج وهو ابن أرطاة- كلهم عن نافع … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٣٠ – ٣٣١) عن الليث بن سعد عن نافع … به وقال:
«حديث حسن صحيح». وزاد ابن جريج:
قلت لنافع: حتى تغيب الشمس؟ قال: نعم.
وسنده صحيح على شرطهما. وزاد حجاج -بعد قوله: «صلاة العصر»-:
متعمدًا حتى تغرب الشمس”. لكن حجاج مدلس، وقد عنعنه.
وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه: فقد وصله مسلم، والنسائي (١/ ٨٩)، والدارمي، وابن ماجة (١/ ٢٣٣)، والبيهقي (١/ ٤٤٤ – ٤٤٥)، والطيالسي (رقم ١٨٠٣ و١٨٠٨)، وأحمد (٢/ ٨ و١٣٤ و١٤٥) من طرق عنه.
(تنبيه): روى المصنف عقب هذا الحديث من طريق الوليد قال: قال أبو عمرو -يعني: الأوزاعي-:
وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس صفراء!
حتى تغيب الشمس.
وهذا أولى من تفسير الأوزاعي؛ لأن نافعًا من رواة الحديث عن ابن عمر وتفسيره أولى؛ لا سيما وقد روي معناه مرفوعًا كما سبق.
٥ – باب وقتِ المغرب
٤٤٣ – عن أنس بن مالك قال:
كنا نصلِّي المغرب مع النبي ﷺ، ثم نرمي؛ فيرى أحدُنَا مَوْضعَ نَبْلِهِ.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا داود بن شبيب: ثنا حماد عن ثابت البناني عن أنس.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير حماد بن سلمة؛ فمن رجال مسلم وحده.
والحديث أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (٣٣٨) -عن يحيى بن إسحاق-، وأبو يعلى (٣٣٠٨) عن إبراهيم بن الحجاج-، والبيهقي (١/ ٤٤٧) -من طريق موسى بن إسماعيل-: ثنا حماد … به. وقال:
«غريب بهذا الإسناد».
وقد أخرجه أحمد (٣/ ١١٤ و١٨٩ و١٩٩ و٢٠٥) من طرق عن حميد عن أنس … به نحوه.
وللحديث شواهد في «الصحيحين» وغيرهما (١) من حديث رافع بن خَدِيج (١٥١٣)، وغيره:
كجابر: عند ابن حبان (٢٧١)، أخرجه من طريق غسان بن الربيع: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر … نحوه.
وغسان هذا؛ ذكره ابن حبان في «الثقات» (٩/ ٢). لكن قال الذهبي:
«ليس بحجة في الحديث».
قلت: والظاهر أنه كان سيئ الحفظ؛ فقد خرجت له حديثًا في «الضعيفة» (٦٠٥٨)؛ لزيادة زادها فيه على الثقات، فراجع.
وهذا مثال آخر لسوء حفظه؛ فإنه خالف الثقات عن حماد؛ فقال: عن أبي الزبير عن جابر! وهو عندهم عن حماد عن ثابت عن أنس.
وللحديث أصل عن جابر بإسناد آخر عنه.
أخرجه ابن خزيمة وغيره، فانظر «صحيح ابن خزيمة» (٣٣٧)؛ فإنه عنده من طريق القعقاع بن حكيم عن جابر.
ثم رأيته في «مسند البزار» (١/ ١٩٠/ ٣٧٤ – كشف) وغيره من طريق عبد الله ابن محمد بن عَقِيل عن جابر. وقال:
«لا نعلم له عن جابر طريقًا غير هذا»!
كذا قال! وطريق القعقاع يردُّه. وابن عقيل حسن الحديث.
كان النبي ﷺ يصلِّي المغرب ساعةَ تغربُ الشمس؛ إذا غاب حاجِبُهَا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عمرو بن علي عن صفوان بن عيسى عن يزيد بن أبي عُبَيْدٍ عن سلمة بن الأكوع.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٥١): ثنا صفوان … به. وأخرجه الدارمي (١/ ٢٧٥)، وأبو عوانة (١/ ٣٦٠) من طريق صفوان.
وإسناد أحمد ثلاثي.
وكذلك أخرجه البخاري (٢/ ٣٣ – ٣٤) فقال: ثنا المَكِّيُّ بن إبراهيم قال: ثنا يزيد بن أبي عبيد … به.
وبهذا الإسناد: أخرجه أحمد أيضًا (٤/ ٥٤).
وأخرجه أبو عوانة، والبيهقي (١/ ٤٤٦) من طرق عن المكي.
وأخرجه مسلم (٢/ ١١٥)، والترمذي (١/ ٣٠٤)، والبيهقي -عن حاتم بن إسماعيل-، وابن ماجة (١/ ٢٣٣) -عن المغيرة بن عبد الرحمن- كلاهما عن يزيد ابن أبي عبيد … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (٧/ ٣٥ / ٦٢٨٩) من طريق أخرى عن
وعبد بن حميد في «مسنده» (ق ٥٨/ ٢).
٤٤٥ – عن مَرْثَدِ بن عبد الله قال:
قَدِمَ علينا أبو أيوب غازيًا؛ وعقبةُ بنُ عامر يومئذٍ على مصر، فأخَّرَ المغرب، فقام إليه أبو أيوب فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة؟ ! فقال: شُغِلْنَا، قال: أما سمعتَ رسولَ الله ﷺ يقول:
«لا تزالُ أمتي بخير -أو قال: على الفطرة- ما لم يؤخِّروا المغرب إلى أن تَشْتَبِكَ النُّجُوم»؟ !
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال النووي: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر: نا يزيد بن زُرَيْعٍ: نا محمد بن إسحاق: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثَدِ بن عبد الله.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن إسحاق، وهو ثقة مدلس، وقد صرَّحَ بالتحديث، فأمنَّا شبهة تدليسه.
وعبيد الله بن عمر: هو ابن مَيْسَرَةَ القواريري أبو سعيد البصري. وقال النووي في «المجموع» (٣/ ٣٥):
«رواه أبو داود بإسناد حسن، وهو حديث حسن».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٩٠)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٣٧٠) من طريق الحارث بن أبي أسامة: ثنا يزيد بن هارون … به.
وكذلك في رواية إسماعيل عنه: في رواية الحاكم من طريق أحمد عنه، وفي رواية البيهقي عن الحاكم، وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر، كما نبهنا عليه مرارًا.
ثم أخرجه أحمد (٤/ ١٤٧): ثنا يعقوب قال: ثنا أبي عن ابن إسحاق قال: ثني يزيد بن أبي حبيب المصري … به نحوه؛ وزاد في آخره: قال:
فقال: بلى. قال: فما حملك على ما صنعت؟ ! قال: شُغِلْتُ! قال: فقال أبو أيوب: أما -والله- ما بي إلا أن يظن الناس أنك رأيت رسول الله ﷺ يصنع هذا!
وللحديث طريق أخرى: رواه ابن أبي ذئب عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب مرفوعًا؛ بلفظ:
«صَلُّوا المغرب لفطر الصائم، وبادِرُوا طلوع النجوم».
أخرجه أحمد (٥/ ٤٢١): ثنا حماد بن خالد عن ابن أبي ذئب.
وقد تابعه في إسناده، وخالفه في متنه: أبو داود الطيالسي؛ فقال في «مسنده» (رقم ٦٠٠): ثنا ابن أبي ذئب … به؛ بلفظ:
كان رسول الله ﷺ يصلِّي المغرب فِطرَ الصائم؛ مبادرةَ طلوعِ النَّجْمِ.
والصواب اللفظ الأول؛ فقد رواه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسْلَمَ
«بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجم».
أخرجه أحمد (٥/ ٤١٥)، والدارقطني (ص ٩٦)، والطبراني في «معجمه الكبير» من طرق عنه.
وهو إسناد حسن في المتابعات والشواهد.
وللحديث شواهد: من حديث عباس بن عبد المطلب والسائب بن يزيد، وقد تكلمت عليها في تعليقي على «المعجم الصغير» للطبراني، عند حديث العباس هذا رقم (٣٦٥)؛ فالحديث -بطرقه وشواهده- صحيح.
٦ – باب وقت العشاء الآخرة
٤٤٦ – عن النعمان بن بشير قال:
أنا أعْلَمُ الناس بوقت هذه الصلاة -صلاة العشاء الآخرة-:
كان رسول الله ﷺ يصلِّيها لِسُقُوط القمر لِثَالِثَةٍ.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن العربي: «حديث صحيح»، وقال النووي كما قلنا).
إسناده: حدثنا مسدد: نا أبو عَوانة عن أبي بِشْر عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير بشير بن ثابت، وهو ثقة؛ قال ابن معين:
وذكره ابن حبان في «الثقات».
وأبو بشر: اسمه جعفر بن إياس.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٤٨) من طريق أبي المثنى: ثنا مسدد … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٩٢)، والترمذي (١/ ٣٠٦)، والدارمي (١/ ٢٧٥)، والحاكم (١/ ١٩٤)، وعنه البيهقي (١/ ٣٧٣)، وأحمد (٤/ ٢٧٤) من طرق عن أبي عوانة … به.
وهو عند الدارمي: من طريق يحيى بن حماد: ثنا أبو عوانة؛ وقال في آخره:
قال يحيى: أملاه علينا من كتابه عن بشير بن ثابت.
وقد تابعه شعبة عن أبي بشر:
أخرجه أحمد (٤/ ٢٧٢): ثنا يزيد: نا شعبة عن أبي بشر … به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم أيضًا.
وخالفهما هشيم ورَقَبَةُ؛ فروياه عن أبي بشر عن حبيب بن سالم عن النعمان ابن بشير … به؛ فأسقطا من الإسناد: بشير بن ثابت.
أخرجه عن الأول: الطيالسيُّ (رقم ٧٩٧)، وأحمد (٤/ ٢٧٠) قالا: ثنا هشيم … به.
وأخرجه عن رقبة -وهو ابن مَصْقَلَة-: النسائيُّ فقال: أخبرنا محمد بن قدامة قال: حدثنا جرير عن رقبة … به.
ورجح الترمذي الرواية الأولى؛ فقال:
وتبعه على ذلك ابن العربي في «شرحه على الترمذي»، فصرح بأن هشيمًا أخطأ في روايته!
ولكن متابعة رقبة بن مصقلة له -وكلاهما ثقة- تبعد احتمال الخطأ! فالأقرب أن الروايتين صحيحتان، وأن أبا بشر سمعه من حبيب كما سمعه من بشير بن ثابت عن حبيب؛ فكان يرويه مرة هكذا، ومرة هكذا كما نراه في كثير من الأسانيد برواية الثقات الأثبات؛ والإسناد صحيح في الحالتين. وقد قال ابن العربي: «إن الحديث صحيح».
وقد أعله ابن حزم في «المحلى» (٣/ ١٨١)! فأخطأ. وقال النووي (٣/ ٥٦): «إسناده صحيح».
٤٤٧ – عن عبد الله بن عمر قال:
مَكَثْنَا ذاتَ ليلة ننتظر رسول الله ﷺ لصلاة العشاء، فخرج إلينا حين ذهب ثُلُثُ الليل أو بعده، فلا ندري أشيء شَغَلَهُ أم غير ذلك؟ ! فقال حين خرج:
«أتنتظرون هذه الصلاة؟ لولا أن تَثْقلَ على أمَّتي؛ لصلَّيْتُ بهم هذه الساعةَ»، ثم أمر المؤذِّن فأقام الصلاة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأخرجه البخاري بنحوه).
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ١١٦)، والنسائي (١/ ٩٣)، والبيهقي (١/ ٤٥٠) من طريق جرير … به.
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ٩٣).
وأخرجه أبو عوانة (١/ ٣٦٨) من طريق زائدة عن منصور.
وأخرجه البخاري (٢/ ٤٠)، ومسلم أيضًا، وأبو عوانة، وأحمد (٢/ ٨٨)، والسراج في «مسنده» (ق ٩٦/ ٢) من طريق ابن جريج: أخبرني نافع به نحوه.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٢٦) من طريق فليح عنه. وزاد: وإنما حبسنا لوفد جاءه.
وله في «المسند» (٢/ ٢٨) طريق أخرى عن ابن عمر قال: ثنا أسود: أنا أبو إسرائيل عن فضيل عن مجاهد عن ابن عمر.
وأبو إسرائيل سيئ الحفظ، واسمه إسماعيل بن خليفة العبسي.
٤٤٨ – عن معاذ بن جبل:
أبقَيْنا النبيَّ ﷺ في صلاة العَتَمَة، فتأخَّر حتى ظَنَّ الظانُّ أنه ليس بخارج، والقائل منا يقول: صلَّى؛ فإنَّا لَكَذَلِكَ حتى خرج النبيُّ ﷺ، فقالوا له كما قالوا. فقال:
«أَعْتِمُوا بهذه الصلاة؛ فإنكم قد فُضِّلتم بها على سائر الأمم، ولم تُصَلِّها أُمَّةُ قبلكم».
إسناده: حدثنا عمرو بن عثمان الحِمْصي: نا أبي: نا حَريز عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السَّكُوني أنه سمع معاذ بن جبل يقول …
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وفي هذا الإسناد ردٌّ على البزار حيث قال في ترجمة عاصم بن حميد هذا:
«روى عن معاذ، ولا أعلم سمع منه»!
فقد صرح بسماعه منه في هذا الحديث؛ بل هو من أصحابه، كما قال الدارقطني، وقد جاء ذلك في بعض طرق الحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٥١)، وأحمد (٥/ ٢٣٧) من طرق أخرى عن حريز … بإسناده عن عاصم بن حميد السَّكوني -وكان من أصحاب معاذ-: سمعت معاذًا … به.
٤٤٩ – عن أبي سعيد الخدري قال:
صلَّينا مع رسول الله ﷺ صلاة العَتَمَة، فلم يَخْرُج حتى مضى نحوٌ مِنْ شَطْرِ الليل، فقال:
«خذوا مقاعِدَكم». فأخذنا مقاعدنا. فقال:
«إن الناسَ قد صَلَّوا وأخذوا مضاجعهم؛ وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضَعْفُ الضَّعيفِ وسَقَمُ السَّقيمِ؛ لأخَّرْت هذه الصلاةَ إلى شَطْرِ الليلِ».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ، وابن خزيمة).
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال «الصحيح»؛ وأبو نضرة: اسمه المنذر بن مالك بن قُطَعَةَ.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٩٣)، وابن ماجة (١/ ٢٣٤ – ٢٣٥)، وابن خزيمة (٣٤٥)، والبيهقي (١/ ٤٥١)، وأحمد (٣/ ٥) من طرق عن داود بن أبي هند … به. وقال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٢٩):
«وإسناده صحيح».
وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا: أخرجه الطبراني (٣/ ١٤٩ / ٢).
ولجملة الانتظار شاهد من حديث أنس.
أخرجه النسائي بسند صحيح على شرط الشيخين. وهو عند البخاري (٥٧٢).
ورواه مسلم (٢/ ١١٦) من طريق أخرى عن أنس.
وكذا أبو عوانة (١/ ٣٦٢ – ٣٦٣)، وأحمد (٣/ ٤٦٧).
٧ – باب وقت الصبح
٤٥٠ – عن عائشة أنها قالت:
إنْ كان رسول الله ﷺ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ، فينصرفُ النساءُ متلفعاتٍ بمُرُوطهنَّ؛ ما يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَس.
إسناده: حدثنا للقعنبي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ٢٧٨): حدثنا عبد الله بن مَسْلمة عن مالك.
وعبد الله هذا: هو القعنبي.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة أيضًا، والبيهقي.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ١١٩)، وأبو عوانة (١/ ٣٧٠)، والنسائي (١/ ٩٤)، والترمذي (١/ ٢٨٧)، والطحاوي (١/ ١٠٤)، والبيهقي (١ /، ٤٥)، وأحمد (٦/ ١٧٨ – ١٧٩) كلهم من طرق عن مالك … به.
وهو في «الموطأ» (١/ ٢١ – ٢٢).
وله طريقان آخران عن عائشة:
أحدهما: من طريق الزهري عن عروة عنها.
أخرجه البخاري (٢/ ٤٣ – ٤٤)، ومسلم، وأبو عوانة، والنسائي، والدارمي أيضًا (١/ ٢٧٧)، وابن ماجة (١/ ٢٢٩)، والطحاوي، والبيهقي، والطيالسي (رقم ١٤٥٩)، وأحمد (٦/ ٣٣ و٣٧ و٢٤٨) من طرق عنه.
والطريق الآخر: من رواية فُلَيْحٍ عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن
أخرجه الطحاوي، والبيهقي، وأحمد (٦/ ٢٥٨ – ٢٥٩).
وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد عزاه البيهقي في «سننه» البخاري!
٤٥١ – عن رافع بن خَديج قال: قال رسول الله ﷺ:
«أصْبِحُوا بالصُّبْحِ؛ فإنّه أعظم لأجوركم -أو أعظم للأجر-».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال الحازمي: «حديث حسن»، وقال ابن تيمية: «حديث صحيح»).
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: نا سفيان عن ابن عجلان عن عاصم ابن عمر بن قتادة بن النعمان عن محمود بن لَبِيدٍ عن رافع بن خَدِيجٍ.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ وفي ابن عجلان كلام لا يضر؛ وقد توبع كما يأتي.
وإسحاق بن إسماعيل: هو الطَّالْقَاني: وهو ثقة.
وسفيان: هو ابن عيينة.
ومحمود بن لبيد: صحابي صغير.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ١٤٠): ثنا سفيان …. به.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٧٧)، وابن ماجة (١/ ٢٣٠)، والحازمي في «الاعتبار» (ص ٧٥) من طرق عن سفيان … به. وقال الحازمي:
وأخرجه النسائي (١/ ٩٤) -عن يحيى-، والطحاوي (١/ ١٠٥) -عن سفيان الثوري-، وأحمد (٣/ ٤٦٥) -عن محمد بن إسحاق-، و(٤/ ١٤٢) -عن أبي خالد الأحمر- كلهم عن ابن عجلان … به؛ بلفظ:
«أسفروا …»؛ إلا ابن إسحاق فرواه؛ بلفظ سفيان.
وقد دلَّسه مَرَّةً ابنُ إسحاق؛ فقال الطيالسي (رقم ٩٥٩): حدثنا شعبة عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة … به.
وهكذا أخرجه الدارمي عن شعبة.
والترمذي (١/ ٢٨٩)، والطحاوي (١/ ١٠٦) من طرق أخرى عن ابن إسحاق … به.
وقد بيَّنَتْ روايةُ أحمد السابقة عنه: أن بينه وبين عاصم بن عمر: محمدَ بنَ عجلان، وقد صرَّح فيها بسماعه منه. ثم قال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». وقال ابن القطان:
«طريقه طريق صحيح، وعاصم بن عمر؛ وثقه النسائي وابن معين وأبو زرعة وغيرهم، ولا أعرف أحدًا ضعفه، ولا ذكره في جملة الضعفاء» انتهى.
ورواه ابن حبان في «صحيحه»؛ كما في «نصب الراية» (١/ ٢٣٥)، و«التلخيص» (٣/ ٥٦).
وقد تابعه زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر:
أخرجه النسائي (١/ ٩١): أخبرني إبراهيم بن يعقوب قال: حدثنا ابن أبي
«ما أسفرتم بالفجر؛ فإنه أعظم للأجر». قال الزيلعي (١/ ٢٣٨): «سنده صحيح».
قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير إبراهيم بن يعقوب -وهو الجُوزَجَاني-، وهو ثقة حافظ.
وأبو غسان: هو محمد بن مُطَرِّف المدني؛ وقد أقام إسناده عن زيد بن أسلم؛ فقد اضطربوا عليه فيه، كما بينته في «الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب»: عند المسألة الرابعة من أحكام صلاة الفجر.
وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، لا تخلو أسانيدها من مقال، وقد خرَّجها الزيلعي في «نصب الراية»، فراجعها فيه (١/ ٢٣٥ – ٢٣٩). وقد قال ابن تيمية في «الفتاوى» (١/ ٦٧):
«إنه حديث صحيح».
٨ – باب المحافظة على الصلوات
٤٥٢ – عن عبد الله بن الصُّنَابِحِي قال:
زَعَمَ أبو محمد أن الوتر واجب! فقال عبادةُ بن الصامت: كَذَبَ أبو محمد؛ أشهد أني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول:
“خمسُ صلواتٍ افترضهن الله عز وجل؛ مَنْ أحسن وُضُوءهن، وصلاهنّ لوقتِهنَّ، وأتمَّ ركوعَهُن وخُشوعهن؛ كان له على الله عهد أن يغفر
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وصححه ابن عبد البر. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن حرب الواسطي: نا يزيد -يعني: ابن هارون-: أنا محمد بن مُطَرِّف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن الصنابحي (*).
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن الصنابحي؛ مختلف في صحبته، ولم يتبين لنا حقيقة أمره! ولكن الحديث صحيح؛ لأن له طرقًا أخرى عن عبادة، وشواهد.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٣١٧): ثنا حسين بن محمد: ثنا محمد بن مطرف … به.
وللحديث طريق ثان: أخرجه الطيالسي (رقم ٥٧٣): حدثنا زَمْعَةُ عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال:
كنت في مجلس من أصحاب النبي ﷺ؛ فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: واجب. وقال بعضهم: سنة. فقال عبادة بن الصامت:
أمّا أنا؛ فأشهد أني سمعت رسول الله ﷺ يقول … فذكره نحوه.
وزمعة ضعيف من قبل حفظه.
وله طريق ثالث، سيأتي في الكتاب (رقم ١٢٧٦).
وبالجملة؛ فالحديث -بهذه الطرق- صحيح، وقد صححه ابن عبد البر في
وأخرجه ابن حبان في «صحيحه»، كما يأتي هناك. وقال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٠):
«حديث صحيح».
وانظر «السنة» (٩٦٧) لابن أبي عاصم.
٤٥٣ – عن أم فَرْوَةَ (زاد في رواية: قد بايعت النبيّ ﷺ قالت: سُئل رسول الله ﷺ: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال:
«الصلاة في أول وقتها».
(قلت: حديث صحيح. أخرجه الحاكم وكذا ابن خزيمة في «صحيحهما» من حديث عبد الله بن مسعود. وقال الحاكم: «وهو صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي. وهو في «الصحيحين» بمعناه).
إسناده: حدثنا محمد بن عبد الله الخُزَاعي وعبد الله بن مَسْلَمَةَ قالا: ثنا عبد الله بن عمر عن القاسم بن غَنَّام عن بعض أمهاته عن أم فروة. قال الخزاعي في حديثه: عن عمة له -يقال لها: أم فروة- قد بايَعَتِ النبي ﷺ: أن النبيَّ ﷺ سئل …
قلت: هذا سند ضعيف؛ عبد الله بن عمر: هو العمري المُكَبّرِ-، وهو سيئ الحفظ.
وشيخه القاسم بن غنام؛ ليس بالمشهور، روى عنه أيضًا عبيد الله بن عمر -المصغر- والضحاك بن عثمان الحِزَامي؛ ذكره ابن حبان في «الثقات». وذكره العقيلي في «الضعفاء»، وقال:
«صدوق مضطرب الحديث».
وبعض أمهاته مجهولة؛ لم تُسَمَّ.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٧٥): ثنا الخزاعي: أنا عبد الله بن عمر العمري عن القاسم بن غَنَّام عن جدته الدُّنْيَا عن أم فروة -وكانت قد بايعت رسول الله ﷺ.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣١٩) -عن الفضل بن موسى-، والحاكم (١/ ١٨٩)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٤٣٤) -عن منصور بن سلمة الخزاعي-، والدارقطني (ص ٩٢) -عن إسحاق بن سليمان ووكيع والليث بن سعد- كلهم عن عبد الله بن عمر … به؛ إلا أن الليث ومنصورًا قالا: عن جدته الدنيا أم أبيه عن جدته أم فروة.
ولم يقل منصور: أم أبيه.
ولفظ وكيع مثل لفظ عبد الله بن مسلمة عند المصنف: عن بعض أمهاته.
ولفظ الفضل بن موسى: عن القاسم بن غنام عن عَمَّته أم فروة! فأسقط من بينهما جدته. وكذلك رواه الوليد بن مسلم ومعتمر بن سليمان: عند الدارقطني.
والليث: عند أحمد؛ إلا أنهم قالوا: عن جدته أم فروة.
وهذا اضطراب شديد؛ مما يزيد في ضعف الإسناد! وقد قال الترمذي:
«لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري؛ وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا عنه في هذا الحديث».
وتابعه الضحاك بن عثمان عن القاسم بن غَنَّام البَيَاضي عن امرأة من المبايعات.
أخرجهما الدارقطني.
فهذه المتابعات تبين أنَّ الاضطراب إنما هو من قبل القاسم هذا. وفي كلام العقيلي السابق ما يشير إلى ذلك.
وبالجملة؛ فعلة هذا الإسناد: القاسم بن غَنَّام هذا واضطرابه فيه، وجهالة الواسطة بينه وبين أم فروة رضي الله عنها.
ولكن الحديث صحيح؛ فإن له شواهد.
منها عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ: أيُّ العمل أفضل؟ قال:
«الصلاة في أول وقتها …» الحديث.
أخرجه الطبراني (٣/ ٥٠ / ١)، والدارقطني (ص ٩١)، والحاكم (١/ ١٨٨ – ١٨٩)، وعنه البيهقي (١/ ٤٣٤) من طريقين عن أبي عمروٍ الشيباني عنه. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين» ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وأخرجه ابن حبان (٢٨٠)، وابن خزيمة أيضًا في «صحيحه»، كما في «الفتح» (٢/ ٨).
«… على وقتها». والمعنى واحد عندنا. والله أعلم.
٤٥٤ – عن عبد الله بن فَضَالة عن أبيه قال:
علَّمني رسول الله ﷺ، فكان فيما عَلَّمني:
«وحَافِظْ على الصلواتِ الخَمْسِ».
قال: قلتُ: إن هذه ساعاتٌ لي فيها أشغال، فمُرْني بأمر جَامع؛ إذا أنا فعلته أجْزَأ عنِّي؟ فقال:
«حافظ على العَصْرَين». وما كانت لُغَتَنَا! فقلتُ: وما العصران؟ ! فقال:
«صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان والسيوطي).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أنا خالد عن داود بن أبي هند عن أبي حرب ابن أبي الأسود عن عبد الله بن فضالة.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الله بن فضالة؛ ذكره ابن حبان في «الثقات»، وكان على قضاء البصرة، وقيل: إن له صحبة. قال ابن عبد البر في «الاستيعاب»:
«واختلف في إتيانه النبيَّ ﷺ»، ثم قال:
“ما رواه عن النبي ﷺ فهو عندهم مرسل؛ على أنه قد أتى النبي ﷺ،
«ولا يختلف في صحبة أبيه فضالة». وقال ابن أبي حاتم:
«إسناده مضطرب، مشايخ مجاهيل»!
وتعقبه الحافظ في «الإصابة»؛ فقال:
«كذا قال! ولعبد الله رواية عن أبيه في»سنن أبي داود«، وصححها ابن حبان من طريق داود بن أبي هند …»؛ ويعني هذا الحديث.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٦٦) -من طريق يعقوب بن سفيان-، والحاكم (٣/ ٦٢٨) -من طريق علي بن عبد العزيز- كلاهما عن عمرو بن عون … به.
ثم أخرجه البيهقي من طريق علي بن عاصم: أَبَنا داود بن أبي هند … به.
وقد اختلف فيه على ابن أبي هند:
فرواه عنه خالد -وهو ابن عبد الله الطحان- وعلي بن عاصم هكذا.
ورواه هشيم فقال: أخبرنا داود بن أبي هند قال: حدثني أبو حرب بن أبي الأسود عن فضالة الليثي قال:
أتيت النبي ﷺ فأسلمت، وعلَّمني … الحديث.
فأسقط من الإسناد: عبد الله بن فضالة، ووافقهما في أن الحديث من مسند فضالة.
وخالفهم جميعًا: مسلمة بن علقمة فقال: عن داود عن أبي حرب عن عبد الله بن فضالة:
أنه أتى النبي ﷺ …
«وقول من قال فيه: عن أبيه أصح». وقال ابن عبد البر:
«وهو أصح إن شاء الله تعالى».
وهذا هو الحق إن شاء الله؛ لاتفاق ثقتين عليه؛ مع أن مسلمة بن علقمة في حفظه ضعف؛ لا سيما في روايته عن ابن أبي هند.
والحديث أخرجه ابن نصر في «قيام الليل» (ص ١١٣) من طريق خالد … مختصرًا.
٤٥٥ – عن أبي بكر بن عُمَارة بن رُؤَيْبَة عن أبيه قال:
سأله رجلٌ من أهل البصرة، فقال: أخْبِرْني ما سمعتَ من رسول الله ﷺ؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لا يَلِجُ النارَ رجلٌ صلَّى قبلَ طلوعِ الشمسِ وقبلَ أن تغرب». قال:
أنت سمعته منه؟ ثلاث مرات! قال: نعم، كلّ ذلك يقول: سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قلبي! فقال الرجل: وأنا سمعته ﷺ يقول ذلك.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح». وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن إسماعيل بن أبي خالد: نا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير أبي بكر
«مقبول»!
كذا قال وهو ثقة؛ لما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٦١): ثنا يحيى … به.
ثم قال: ثنا وكيع: ثنا ابن أبي خالد. قال: وثنا للسعر. قال: وثنا الْبَخْتَرِيّ ابن المختار عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة … به.
وهكذا أخرجه مسلم (١/ ١١٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٧٦)، والنسائي (١/ ٨٢) من طريق وكيع … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٤٦٦) من طريق أخرى عن إسماعيل بن أبي خالد … به.
وهو، ومسلم، وأحمد (٤/ ١٣٦) من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن عمارة ابن رؤيبة … به.
وله طريق أخرى: أخرجه أبو عوانة (١/ ٣٧٦ – ٣٧٧ و٣٧٧) من وجهين عن أبي الأحوص قال: ثنا أبو إسحاق قال: سمعت عمارة بن رؤيبة الثقفي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها؛ لن يَلِجَ النار».
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
«قال الله عز وجل: إني فرضت على أُمَّتِكَ خمسَ صلوات، وعهدتُ عندي عَهْدًا: أنه من جاء يحافظ عليهن لوقتهن؛ أدخلته الجنة، ومن لم يحافظ عليهن؛ فلا عهدَ لهُ عندي».
(قلت: حديث حسن).
إسناده: قال أبو سعيد بن الأعرابي: حدثنا محمد بن عبد الملك بن يزيد الرَّوَّاس -يكنى: أبا أسامة- قال: أنبأنا أبو داود: نا حَيْوَةُ بن شُرَيْحٍ المصري: نا بَقِيَّة عن ضُبَارة بن عبد الله بن أبي سُلَيْكٍ الألهاني قال: أخبرني ابن نافع عن ابن شهاب الزهري قال: قال سعيد بن المسيبَ أن أبا قتادة بن رِبْعِي أخبره.
قلت: هكذا جاء إسناد هذا الحديث والذي بعده مبتدَأً بأبي سعيد الأعرابي في نسخة الكتاب التي اعتمدنا عليها! وقد ذكر في الشرح أنها ليست في رواية أبي القاسم -يعني: ابن عساكر-.
قلت: وهذا الإسناد ضعيف؛ فإن ضبارة بن عبد الله بن أبي سليك الألهاني؛ ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
«يعتبر حديثه من رواية الثقات عنه».
وذكره ابن عدي في «الكامل»، وساق له ستة أحاديث مناكير. ولذلك؛ قال الذهبي في «الميزان»:
«فيه لين». وأما الحافظ؛ فذهب إلى أنه:
«مجهول».
«شيخ». وقال ابن حبان:
«مستقيم الحديث إذا كان دونه ثقة».
وأما أبو سعيد بن الأعرابي؛ فهو الإمام الحافظ أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري، صاحب «التصانيف»، وكان ثقة ثبتًا، مات سنة أربعين وثلاث مئة، كما في «تذكرة الحفاظ» (٣/ ٦٦).
وأما شيخه محمد بن عبد الملك بن يزيد الرَّوَّاس؛ فلم أجد له ترجمة في شيء من كتب الرجال التي عندي!
وبقية رجال الإسناد ثقات؛ إلا أن بقية مدلس، وقد عنعنه؛ بيد أنه قد صرَّح بالتحديث في بعض الروايات عنه، كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن نصر في «قيام الليل» (ص ١١٣): حدثنا محمد بن يحيى: ثنا حيوة بن شريح الحضرمي … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٤٢٨): ثنا يحيى بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي: ثنا بقية بن الوليد ثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليل … به.
وقد وجدت للحديث شاهدًا من رواية كعب بن عُجْرة، وله عنه طريقان:
الأول: أخرجه أحمد (٤/ ٢٤٤): ثنا هاشم: ثنا عيسى بن المسيّب البَجَلي عن الشعبي عن كعب بن عجرة قال:
بينما أنا جالس في مسجد رسول الله ﷺ، مُسْنِدي ظهورِنا إلى قبلة مسجد رسول الله ﷺ -سبعةَ رهط: أربعة موالينا وثلاثة من عربنا-؛ إذ خرج إلينا رسول الله ﷺ صلاةَ الظهر، حتى انتهى إلينا، فقال.
«أتدرون ما يقول ربكم عز وجل؟». قال: قلنا: الله ورسوله أعلم! قال:
«فإن ربكم عز وجل يقول: من صلى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها، ولم يضيعها استخفافًا بحقها؛ فله عليَّ عهد أن أدخله الجنة، ومن لم يصلِّ لوقتها، ولم يحافظ عليها، وضيَّعها استخفافًا بحقِّها؛ فلا عهد له: إن شئت عَذبته، وإن شئت غفرت له».
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عيسى بن المسيب -وهو البجلي الكوفي-، وهو مختلف فيه؛ قال أبو حاتم وأبو زرعة:
«ليس بالقوي». وقال المصنف:
«هو قاضي الكوفة، ضعيف». وقال يحيى بن معين:
«ليس بشيء». وقال ابن حبان:
«كان يقلب الأخبار، ولا يفهم، ويخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به».
وقال ابن عدي والدارقطني:
«صالح الحديث». وقال الحاكم -بعد أن ساق له حديثًا-:
إنه «صحيح، عيسى صدوق لم يُجَرَّحْ قط»!
كذا قال!
هذا كلُّه جاء في ترجمته من «الميزان». ومنها يتبين أنه من الضعفاء الذين لم يُتَّهموا، وإنما ضُعِّف من قبل حفظه؛ فهو ممن يكتب حديثهم ويحتجُّ به في
الطريق الآخر: أخرجه الدارمي (١/ ٢٧٨): أخبرنا أبو نعيم: ثنا عبد الرحمن -هو ابن النعمان الأنصاري-: حدثني إسحاق بن سعد بن كعب بن عُجْرة الأنصاري عن أبيه عن كعب … به.
هكذا هو في نسختنا: إسحاق بن سعد بن كعب!
وهو خطأ، والصواب: سعد بن إسحاق بن كعب. وليس في الرواة: إسحاق ابن سعد بن كعب، ولا سعد بن كعب! والظاهر أنه انقلب على بعض النساخ.
وأما سعد بن إسحاق؛ فهو ثقة.
وأما إسحاق بن كعب فمجهول الحال.
وبقية رجاله موثقون.
فالحديث -بهذا الشاهد من طريقيه- يأخذ قوة؛ ويرقى إلى درجة الحسن على أقل الدرجات.
٤٥٧ – عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«خمسٌ من جاء بهنَّ -مع إيمان- دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس؛ على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلًا، وأعطى الزكاة طيبةً بها نفْسُهُ، وأدّى الأمانة».
قالوا: يا أبا الدرداء! وما أداء الأمانة؟ قال: الغُسْلُ من الجَنَابة.
(قلت: إسناده حسن، وقال المنذري والهيثمي: «إسناده جيد»).
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى؛ محمد بن عبد الرحمن العنبري -وهو ابن عبد الصمد البصري- ثقة، قال علي بن الجُنَيْد:
«كان ثقة».
وذكره ابن حبان في «الثقات».
وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد المجيد وقتادة ثقتان من رجال الشيخين.
وأما أبان بن أبي عياش؛ فهو متروك؛ لكنه مقرون هنا بقتادة، فلا يضر.
وخليد العَصَرِيُّ؛ ثقة، روى له مسلم.
وأما عمران القطان؛ فهو ابن داور -بفتح الواو- العَمِّي أبو العوام البصري، وهو مختلف فيه؛ ويترجح عندي من النظر في أقوالهم: أنه حسن الحديث إذا لم يظهر خطؤه. وإليك مُلَخَّص ما جاء في «التهذيب» عنه: قال أحمد:
«أرجو أن يكون صالح الحديث». وقال ابن معين:
«ليس بالقوي». وقال مرة:
«ليس بشيء، لم يرو عنه يحيى بن سعيد». وقال عمرو بن علي:
«كان يحيى لا يحدث عنه، وقد ذكره يومًا، فأحسن الثناء عليه». وقال الآجُرِّي عن المصنف:
وقال النسائي:
«ضعيف». وقال ابن عدي:
«هو ممن يكتب حديثه».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الساجي:
«صدوق، وثقه عفان». وقال ابن شاهين في «الثقات»:
«كان من أخص الناس بقتادة». وقال الدارقطني:
«كان كثير المخالفة والوهم». وقال العجلي:
«بصري ثقة». وقال الحاكم:
«صدوق». وكذا قال البخاري، وزاد:
«يهم».
وقد تبنَّى هذا القولَ الحافظُ في «التقريب». وقال المنذري في خاتمة «الترغيب» (٤/ ٢٨٩):
«ومشّاه أحمد، واحتج به ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم».
ولذلك حسن المنذري -وكذا الهيثمي- حديثه هذا، كما يأتي.
وحسن له الترمذي حديثًا في «الدعاء» (٢/ ٢٤٢ – طبع بولاق).
والحديث أخرجه ابن الأعرابي في الجزء الأول من «معجمه» أيضًا فقال: ثنا
وأخرجه ابن جرير في «تفسيره» (٢٢/ ٣٩)، والطبراني في «المعجم الصغير» (ص ١٦٠)، وابن نصر في «قيام الليل» (ص ١١٣) من طرق أخرى عن عبيد الله … به؛ وليس عند الطبراني: قالوا … إلخ. وهي عند الباقين. وزاد ابن جرير:
فإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيره.
وقد أورده الهيثمي في «المجمع» (١/ ٤٧)، وسبقه المنذري في «الترغيب» (١/ ١٤١) بهذه الزيادة مرفوعةً، بلفظ:
قالوا: يا نبي الله! وما أداء الأمانة … إلخ. وقالا:
«رواه الطبراني في»الكبير«، وإسناده جيد»!
قلت: لكن رفع هذه الجملة شاذ؛ لاتفاق الجماعة عن عبيد الله على وقفها، ولم نقف على سند «المعجم الكبير» لننظر في حال من رفعها؛ فلعله مظعون فيه؛ فتكون الزيادة حينئذ منكرة؛ أعني: رفعها! والله تعالى أعلم.
٩ – باب إذا أخَّر الإمام الصلاة عن الوقت
٤٥٨ – عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله ﷺ:
«يا أبا ذر! كيف أنت إذا كانت عليك أمراءُ يميتُون الصلاة -، أو قال: يؤخرون الصلاة؟ -». قلت: يا رسول الله! فما تأمُرُنِي؟ قال:
«صَلِّ الصلاة لوقتها؛ فإن أدركتها معهم؛ فصلِّهْ؛ فإنها لك نافلةً».
إسناده: حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد عن أبي عمران -يعني: الجَوْنِي- عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله ابن الصامت؛ فهو ثقة من رجال مسلم.
وأبو عمران الجوني: اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي أو الكندي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٤٤) من طريق المؤلف، فقال: حدثنا أبو داود السِّجْزِيُّ قال: ثنا مسدد … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٢٠) من طرق أخرى عن حماد … به.
ثم أخرجاه، وكذا الدارمي (١/ ٢٧٩)، والترمذي أيضًا (١/ ٣٣٢)، والطحاوي (١/ ٢١٣)، والطيالسي (رقم ٤٤٩)، ومن طريقه البيهقي (٢/ ٣٠١)، وأحمد (٥/ ١٤٩ و١٦٣ و١٦٩) من طرق أخرى عن أبي عمران الجوني … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن».
ثم أخرجاه أيضًا، والنسائي (١/ ١٢٦ و١٣٨)، والدارمي، والطحاوي، والبيهقي (٢/ ٣٠٠)، وكذا البخاري في «الأدب المفرد» (ص ١٣٨ و١٣٩)، والطيالسي (رقم ٤٥٤)، وأحمد (٥/ ١٤٧ و١٦٠ و١٦٨) من طرق أخرى عن عبد الله بن الصامت … به نحوه.
٤٥٩ – عن عمرو بن ميمون الأوْدِيَّ قال:
قَدِمَ علينا معاذُ بن جبل اليمنَ رسولَ رسول الله ﷺ قال: فسمعت تكبيرَهُ مع الفجر، رجلٌ أجَشُّ الصوت، قال: فأُلْقِيَت عليه مَحَبَّتِي، فما فارقته حتى دَفَنْته بالشام مَيِّتًا، ثم نظرتُ إلى أفقه الناس بعدُ، فأتيت ابنَ مسعود، فلَزِمْتُه حتى مات، فقال: قال لي رسول الله ﷺ:
«كيفَ بكم إذا أتتْ عليكم أمراءُ يصلُّون الصلاة لِغَيْر ميقاتها؟».
قلت: فما تأمرني إذا أدركني ذلك يا رسول الله؟ ! قال:
«صَلِّ الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سُبْحَةً».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (١٤٧٩)، وقال المنذري: «حسن»!).
إسناده: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دُحَيْمٌ الدمشقي: نا الوليد: نا الأوزاعي: حدثني حسان -يعني: ابن عطية- عن عبد الرحمن بن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والوليد: هو ابن مسلم، وهو مشهور بأنه كان يدلس عن الأوزاعي تدليس التسوية؛ وصورته: أنه كان إذا سمع حديثًا عن الأوزاعي سمعه هذا من شيخ
إنه «حسن»!
وللحديث طرق أخرى، فقال الإمام أحمد (١/ ٣٧٩): ثنا أبو بكر: ثنا عاصم عن زر عن عبد الله مرفوعًا بلفظ:
«لعلكم ستدركون أقوامًا يصلُّون صلاة لغير وقتها، فإذا أدركتموهم؛ فصلُّوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون، ثم صلُّوا معهم؛ واجعلوها سُبْحَةً».
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ لكنَّ أبا بكر -وهو ابن عياش-؛ فيه ضعف من قبل حفظه.
وعاصم مثله، وهو ابن بهدلة.
ورواه النسائي (١/ ١٢٦)، وابن ماجة (١٢٥٥).
طريق أخرى: أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٠٢)، وأحمد (١/ ٣٩٩ – ٤٠٠) من طريق عبد الله بن عثمان بن خُثَيْمٍ عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود مرفوعًا:
«سيلي أموركم بعدي رجال يُطْفِئُون السُّنَّة، ويُعَجِّلون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها». فقلت: يا رسول الله! إن أدركتُهُم؛ كيف أفعل؟ قال:
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال «الصحيح»: وقد قيل: إن عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه؛ لكن قد ذكر الحافظ في «التهذيب»:
«وروى البخاري في»التاريخ الكبير«وفي»الأوسط«من طريق ابن خثَيم عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: إني مع أبي … فذكر الحديث في تأخير الصلاة. وزاد في»الأوسط«شعبة: يقولون لم يسمع من أبيه. وحديث ابن خُثَيم أولى عندي. وقال ابن المديني: سمع من أبيه حديثين، وحديث تأخير الوليد للصلاة».
قلت: يعني هذا. وقد روى أحمد (١/ ٤٥٠) من طريق عبد الله بن عثمان أيضًا عن القاسم عن أبيه:
أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة، فقام عبد الله بن مسعود، فَثَوَّبَ بالصلاة، فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما حملك على ما صنعت؟ أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما فعلت؛ أم ابتدعت؟ قال: لم يأتني أمرٌ من أمير المؤمنين، ولم أبتدع؛ ولكن أبي الله عز وجل علينا ورسولُه أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك.
وسنده صحيح أيضًا.
٤٦٠ – عن عُبَادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ:
«إنها ستكون عليكم بعدي أمراءُ، تَشْغَلُهم أشياءُ عن الصلاة لوقتها، حتى يذهبَ وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها».
فقال رجل: يا رسول الله! أُصلِّي معهم؟ قال:
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن قُدَامة بن أَعْيَنَ: نا جرير عن منصور عن هلال بن يِسَاف عن أبي المثنى عن ابن أخت عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
(ح) وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري: نا وكيع عن سفيان -المعنى- عن منصور عن هلال بن يِساف عن أبي المثنى الحمصي عن أبي أُبيٍّ ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
قلت: قد ساقه المصنف رحمه الله من وجهين عن منصور؛ ليبين ما فيه من الاختلاف:
فجرير قال: عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن ابن أخت عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
وسفيان -وهو الثوري- قال: عن منصور عن هلال عن أبي المثنى عن أبي أبيٍّ ابن امرأة عبادة بن الصامت عن عبادة بن الصامت.
قلت: وهذا هو الصحيح: أنه أبو أبيٍّ ابن امرأة عبادة بن الصامت؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن سفيان الثوري أحفظ من جرير -وهو ابن عبد الحميد-.
والآخر: أن الثوري قد تابعه سفيان بن عيينة وشعبة؛ إلا أن شعبة جعله من مسنده -أعني: أبا أبيّ هذا- لا من مسند عبادة بن الصامت، وهو رواية عن الثوري كما يأتي.
وأما الراوي عنه أبو المثنى؛ فاسمه: ضَمْضَم الأمْلُوُكِي الحمصي، وهو ثقة؛ وثقه العجلي وابن حبان وابن عبد البر وغيرهم.
وبقية رجال الإسنادين ثقات.
فالحديث صحيح الإسناد.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٣١٥): ثنا وكيع … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٣٧٩) من طريق أبي أحمد: ثنا سفيان بن عيينة عن منصور … به مثل رواية الثوري.
ثم أخرجه أحمد من طريق عبد الله -وهو ابن المبارك: أنا سفيان … به؛ إلا أنه قال: عن أبي أبيّ ابن امرأة عبادة بن الصامت قال:
كنا جلوسًا عند رسول الله ﷺ فقال … فذكر الحديث، فجعله من مسند أبي أُبي! وقال أحمد عقبه:
«وهو الصواب».
قلت: ويؤيده أن شعبة رواه كذلك عن منصور:
أخرجه أحمد (٥/ ٣١٤): ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن منصور … به.
ثم قال: ثنا حجاج: ثنا شعبة.
ثم جمع الروايتين تحت (حديث ابن أبي بن امرأة عبادة رضي الله عنهما؛ فقال (٦/ ٧): ثنا محمد بن جعفر وحجاج قالا: ثنا شعبة … به.
ومن هذا تعلم أنَّ ما وقع في مكان آخر من «المسند»، وهو قوله (٥/ ٢١٥)
فزاد هنا: (عن عبادة)؛ فهي زيادة شاذة عن شعبة، أو أنها خطأ من بعض النساخ! والله أعلم.
قلت: ورواه أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله ﷺ:
«يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي أمراءُ يُميتون الصلاة، فصَلِّ الصلاة لوقتها، فإن صليت لوقتها؛ كانت لك نافلة؛ وإلا كنتَ قد أحرزْتَ صلاتك».
أخرجه مسلم (٢/ ١٢٠)، والترمذي (١٧٦)، وأحمد (٥/ ١٤٩).
وله طرق أخرى عن عبد الله بن الصامت، وهي مخرجة في «الإرواء» (٤٨٣)، وبعضها في «صحيح ابن خزيمة» (٣/ ٦٦ / ١٦٣٧).
وله شاهد من حديث ابن عمروٍ، عند الطبراني في «الأوسط» (٩٥٨) بسند حسن في الشواهد.
ورواه في «الكبير» أيضًا كما في «المجمع» (١/ ٣٢٥).
٤٦١ – عن قَبِيصَةَ بن وَقّاص قال: قال رسول الله ﷺ:
«تكون عليكم أُمراءُ من بعدي، يؤخرون الصلاة، فهي لكم وهي عليهم، فصلُّوا معهم ما صَلَّوا القِبْلَةَ».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا أبو هاشم -يعني: الزعفراني-:
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات؛ غير صالح بن عبيد؛ قال ابن القطان وغيره:
«لا يعرف حاله».
وقبيصة بن وقاص، صحابي له هذا الحديث.
وأبو هاشم الزعفراني: اسمه عَمَّارُ بن عمارة، وهو ثقة.
لكن الحديث تشهد له الأحاديث التي قبله فهو صحيح لغيره.
والحديث أخرجه ابن سعد (٧/ ٥٦) … بإسناد المصنف.
١٠ – باب من نام عن صلاة أو نَسِيَها
٤٦٢ – عن أبي هريرة:
أن رسول الله ﷺ حين قَفَلَ من غزوة خيبر، فسار ليلة، حتى إذا أدْرَكَنَا الكَرَى عَرَّس، وقال لبلال:
«اكلأْ لنا الليل». فال: فغلبت بلالًا عيناه وهو مستندَ إلى راحلته، فلم يستيقظ النبيُّ ﷺ، ولا بلالَ. ولا أحدٌ من أصحابه؛ حتى ضَرَبتهم الشمس، فكان رسول الله ﷺ أوَّلهم استيقاظًا، فَفَزِعَ رسول الله ﷺ، فقال: «يا بلال!». فقال: أخذ بِنَفْسي الذي أخذ بِنَفْسك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! فاقتادُوا رواحِلَهم شيئًا، ثم توضأ النبي ﷺ، وأمر بلالًا فأقام لهم الصلاة، وصلَّى لهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق المصنف، ورواه مسلم أيضًا).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا ابن وهب: أخبرني يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة. قال يونس: وكان ابن شهاب يقرؤُها كذلك.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٢٥٣) من طريق المصنف؛ فقال: حدثنا أبو داود السجْزِيُّ: ثنا أحمد بن صالح … به.
وأخرجه البيهقي أيضًا (٢/ ٢١٧) من طريقه.
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ١٣٨)، وابن ماجة (١/ ٢٣٥) من طريق حرملة بن يحيى التُّجِيبِيِّ عن ابن وهب … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٠١) من طريق أخرى عن ابن وهب … به مختصرًا دون القصة.
ثم أخرجه كذلك مختصرًا من طريق عبد الله عن معمر عن الزهري … به؛ وزاد:
قلت للزهري: هكذا قرأها رسول الله ﷺ؟ قال: نعم -يعنى: “للذِّكرى؟ -.
وأخرجه الترمذي (٢/ ١٩٨ – طبع بولاق) من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري … به نحوه مع القصة، وقال:
قلت: لكن قد تابعه يونس ومعمر عن ابن شهاب كما سبق؛ فالحديث محفوظ.
ولا يعلُّه رواية من أرسله ولم يذكر أبا هريرة فيه؛ لأن من وصله ثقة، فيجب قبولها.
ولعل الترمذي رحمه الله لم يقف على هذه المتابعات؛ وإلا لما ساق الحديث من طريق ابن أبي الأخضر الضعيف، ولما ترك رواية يونس ومعمر الثقتين!
وللحديث طريق آخر:
أخرجه مسلم، وأبو عوانة (٢/ ٢٥١ – ٢٥٢)، والنسائي (١/ ١٠٢)، والبيهقي (٢/ ٢١٨) عن يزيد بن كَيْسَان: حدثنا أبو حازم عن أبي هريرة قال:
عَرَّسْنَا مع نبي الله ﷺ، فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس … الحديث نحوه؛ دون قوله: «من نسي …» إلخ.
وهكذا أخرجه الطحاوي (١/ ٢٣٤) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة … به.
٤٦٣ – وفي رواية … في هذا الحديث: «لذكري». قال أحمد (هو ابن صالح شيخ المؤلف فيه): الكَرَى: النُّعَاسُ.
(قلت: إسناده حسن؛ لكن هذا اللفظ منه شاذ! والأصح: «للذِّكرى»،
إسناده: قال أحمد: قال عنبسة -يعني- عن يونس … في هذا الحديث.
قلت: ظاهره أنه مُعَلَّق؛ لكن المصنف ذكره هكذا بعد أن ساق الرواية الأولى من طريق أحمد مصرحًا بسماعه منه كما تقدم، ثم قال: قال أحمد …
فالظاهر حينئذ أنه موصول! والله أعلم.
ثم إن الإسناد حسن رجاله رجال البخاري؛ غير أنه أخرج لعنبسة -وهو ابن خالد- مقرونًا بغيره، وهو حسن الحديث كما تقدم.
قلت: وهذه الرواية بلفظ: «لذكري» توافق رواية حرملة بن يحيى المتقدمة:
عند مسلم وغيره؛ فإنها بهذا اللفظ.
وكذلك لفظ رواية صالح بن أبي الأخضر: عند الترمذي؛ بخلاف رواية أحمد ابن صالح عن ابن وهب المتقدمة، ورواية معمر عن الزهري؛ فإنها بلفظ: «للذكرى».
وهذا هو الأصح إن شاء الله تعالى، وهو المناسب لسياق الحديث؛ فإن معناها: للتذكر؛ أي: لوقت الذكر.
وأما الرواية الأخرى: «لذكري»؛ فلا تناسب السياق؛ لأن المعنى إما: لتذكرني فيها! وإما: لأذكرك عليها!
ولذلك صرح القاضي عياض بأن هذه الرواية تغيير من بعض الرواة، وأن الحديث إنما هو: «للذكرى»، وأن استدلاله ﷺ إنما كان بهذه القراءة. انظر كلامه في ذلك في «تنوير الحوالك» (١/ ٣٤ – ٣٥).
«تَحَوَّلوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغَفْلَةُ». قال: فأمر بلالًا، فأذَّن وأقام وصلَّى.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق المصنف).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا أبان: نا معمر عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة.
قال أبو داود: «رواه مالك وسفيان بن عيينة والأوزاعي وعبد الرزاق عن معمر وابن إسحاق، لم يذكر أحد منهم الأذان في حديث الزهري هذا، ولم يسنده منهم أحد إلا الأوزاعي وأبان العطار عن معمر».
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وأبان: هو ابن يزيد العطار، وقد ذكر المصنف رحمه الله أنه تفرد بإسناد الحديث؛ يعني: بذكر أبي هريرة فيه، وبذكر الأذان فيه، وأنه تابعه على إسناده الأوزاعي!
والجواب: أن أبان ثقة محتج به في «الصحيحين»؛ فزيادته مقبولة؛ سواءً كانت في المتن أو السند، لا سيما وأن للزيادة في المتن شواهد عن جماعة من الصحابة، قد ذكرها المصنف في الباب كما يأتي.
وقد تابع معمرًا على إسناده: يونس؛ كما في الحديث الذي قبله، وصالح بنُ أبي الأخضر، كما ذكرته هاك.
ثم إن أبان لم يذكر في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: «من نسي …»
قلت للزهري: هكذا قرأها رسول الله ﷺ؟ قال: نعم.
أخرجه النسائي (١/ ١٠١ – ١٠٢).
وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة، ذكرتهما عند الحديث السابق، وليس فيهما الأذان؛ لكن يشهد له الحديث الآتي بعد هذا.
وقد أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٢٥٣): حدثنا أبو داود السِّجْزِيُّ وأبو أمية قالا: ثنا أبو سلمة المنقري .. به.
وأبو داود: هو المصنف.
وأبو سلمة: هو موسى بن إسماعيل.
وأخرجه البيهقي أيضًا (٢/ ٢١٨) من طريق المصنف، ثم قال:
«وهذا الخبر رواه مالك بن أنس وجماعة عن الزهري عن ابن المسيب عن النبي ﷺ … مرسلًا. ورواه مالك عن زيد بن أسلم عن النبي ﷺ … منقطعًا، ومن وصله ثقة».
قلت: وروايتا مالك في «الموطأ» (١/ ٣٢ – ٣٤ و٣٤ – ٣٦). وفي حديث زيد ابن أسلم:
وأمر بلالًا أن ينادي بالصلاة أو يقيم.
وممن وصل الحديث عن الزهري: محمدُ بنُ إسحاق، كما سبقت الإشارة إلى
وقد وصله النسائي (١/ ١٠١) من طريق ابن إسحاق عن الزهري … به؛ ولفظه:
«إذا نسيتَ الصلاة؛ فصَلِّ إذا ذكرتَ، فإن الله تعالى يقول: ﴿أقم الصلاة لذكري)».
٤٦٥ – عن أبي قتادة:
أن النبي ﷺ كان في سَفَرٍ له، فمال النبي ﷺ ومِلْتُ معه، فقال:
«انظر؛ هذا راكب، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثة»؛ حتى صِرْنَا سَبْعَةً، فقال:
«احفظوا علينا صلاتنا»؛ يعني: صلاةَ الفجر.
فَضُرِبَ على آذانهم، فما أيقظهم إلا حَرُّ الشمس، فقاموا، فساروا هُنَيَّةً، ثم نزلوا فتوضؤوا وأذَّن بلال فصلَّوْا ركعتَي الفَجْرِ، ثم صلوا الفجرَ ورَكِبُوا، فقال بعضهم لبعضٍ: قد فَرَّطْنَا في صلاتنَا! فقال النبي ﷺ:
«إنه لا تفريط في النوم؛ إنما التفريط في اليقظة، فإذا سها أحدُكم عن صلاة؛ فليصلِّها حين يذكرها، ومن الغَدِ للوقت».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الخطابي: «وإسناده جيد»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن ثابت البُنَاني عن عبد الله
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة، وقد تابعه حماد بن زيد، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٢٩٨): ثنا يزيد بن هارون: أنا حماد بن سلمة … به أتم منه؛ وزاد في آخره:
قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أُحَدِّث هذا الحديث في المسجد الجامع، فقال: من الرجل؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح الأنصاري. قال: القوم أعلم بحديثهم، انظر كيف تحدث؛ فإني أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت قال: ما كنتُ أحسب أن أحدًا يحفظ هذا الحديث غيري.
قال حماد: وثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة عن النبي ﷺ …. بمثله.
قلت: وأخرجه الطحاوي (١/ ٢٣٣)، والدارقطني (ص ١٤٨) من طريق يزيد ابن هارون … به؛ لكنه عند الدارقطني مختصر جدًّا، وليس عنده: قال عبد الله … إلخ.
ثم أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن الحجاج عن حماد بن سلمة … به نحوه.
وبه عن حماد عن حميد عن بكر بن عبد الله عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة عن النبي ﷺ … نحوه.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٣٨ – ١٣٩)، وأبو عوانة (٢/ ٢٥٧ – ٢٦٠)، والدارقطني (ص ١٤٨)، والبيهقي (٢/ ٢١٦) من طريق سليمان بن المغيرة: ثنا ثابت … به نحوه؛ وقال:
وهذا القدر -مع شيء من الاختصار- أخرجه النسائي أيضًا (١/ ١٠١) من هذا الوجه، وكذلك المصنف كما يأتي (رقم ٤٦٨).
ثم أخرجه النسائي (١/ ١٠٠ – ١٠١)، والترمذي (١/ ٣٣٥)، وابن ماجة (١/ ٢٣٦ – ٢٣٧)، والطحاوي (١/ ٢٧٠) عن حماد بن زيد عن ثابت … بهذا.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه أحمد (٥/ ٣٠٢) من طريق قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة … نحوه مطولًا.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وله طريق أخرى عن أبي قتادة، وهو:
٤٦٦ – عن أبي قتادة … في هذا الخبر؛ قال: فقال:
«إن الله قبض أرواحكم حيث شاء، وردَّها حيث شاء، قُمْ فأذِّنْ بالصلاة»، فقاموا فتَطَهَّروا؛ حتى إذا ارتفعت الشمس؛ قام النبي ﷺ، فصلَّى بالناس.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. وقد أخرجه الأول منهما في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أنا خالد عن حُصين عن ابن أبي قتادة عن
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وابن أبي قتادة: اسمه عبد الله.
وحصين هو ابن عبد الرحمن السُّلَمي، وخالد: هو الحذاء.
والحديث أخرجه البخاري (١٣/ ٣٨٤)، والطحاوي (١/ ٢٣٣)، والبيهقي (٢/ ٢١٦)، وأحمد (٥/ ٣٠٧) من طريق هُشيم: أنا حصين … به نحوه.
ثم أخرجه البخاري (٢/ ٥٣)، والطحاوي من طريقين آخرين عن حصين … به أتم منه.
وله عن حصين طريق خامسة عند المصنف، وهي:
٤٦٧ – وفي رواية عنه عن النبي ﷺ … بمعناه؛ قال:
فتوضأ حين ارتفعت الشمس، فصلَّى بهم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري نحوه).
إسناده: حدثنا هناد: نا عَبْثَرٌ عن حُصَيْنِ عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وبهذا الإسناد: أخرجه النسائي (١/ ١٣٥).
والحديث أخرجه البخاري وغيره من طرق أخرى عن حصين … به نحوه؛ وقد سبق ذكرها في الذي قبله.
«ليس في النوم تفريط؛ إنما التفريط في اليقظة: أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت أخرى».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال النووي والحافظ. وهو في «صحيح مسلم» وأبي عوانة مطولًا، وقد سبق نحوه (رقم ٤٦٥».
إسناده: حدثنا العباس العنبري: نا سليمان بن داود -وهو الطيالسي-: نا سليمان -يعني: ابن المغيرة- عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وكذا قال النووي في «المجموع» (٤/ ٢٥)، والحافظ في «التلخيص» (٤/ ٣١).
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٣٠٩): ثنا سليمان بن داود الطيالسي: ثنا شعبة عن ثابت … به مختصرًا؛ بلفظ:
أن رسول الله ﷺ وأصحابه لما قاموا إلى الصلاة فصلَّوا؛ قال لهم رسول الله ﷺ:
«صلوها الغدَ لوقتها».
وهكذا أخرجه النسائي (١/ ١٠١) عن عمرو بن علي قال: حدثنا أبو داود … به.
وأبو داود: هو الطيالسي صاحب «المسند»، ولم أر هذا الحديث فيه! ويظهر أن له شيخين، يرويه كل منهما عن ثابت.
وقد أخرجه النسائي من طريق أخرى عن سليمان بن المغيرة … به.
٤٦٩ – عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال:
«مَنْ نَسِيَ صلاةً؛ فلْيُصَلِّها إذا ذكرها؛ لا كفارةَ لها إلا ذلك».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: أنا همام عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ٥٦ – ٥٧)، ومسلم (٢/ ١٤٢)، والطحاوي (٢/ ٢٧٠)، والبيهقي (٢/ ٢١٨)، وأحمد (٣/ ٢٦٩) من طرق عن همام … به: وصرح قتادة بسماعه من أنس في إحدى روايتي أحمد والبخاري.
ثم أخرجه مسلم، وأبو عوانة (٢/ ٢٦٠ – ٢٦١)، والنسائي (١/ ١٠٠)، والترمذي (١/ ٣٣٥)، والدارمي (١/ ٢٨٠)، وابن ماجة (١/ ٢٣٥)، والطحاوي، والبيهقي، وأحمد (٣/ ٢١٦ و٢٤٣ و٢٦٧ و٢٨٢) من طرق أخرى عن قتادة … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
٤٧٠ – عن عمران بن حصين:
أن رسول الله ﷺ كان في مَسِيرٍ له، فناموا عن صلاة الفجر، فاستيقظوا بحَرِّ الشمسِ، فارتفعوا قليلًا حتى اسْتَقَلَّتِ الشمس، ثم أَمَرَ
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم أيضًا. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» وابن حبان (٢٦٤١)، وهو في «صحاح البخاري ومسلم وأبي عوانة»، دون ذكر الركعتين).
إسناده: حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن يونس بن عُبَيْد عن الحسن عن عمران بن حصين.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ وخالد: هو ابن عبد الله الطَّحان.
لكن أعله ابن حزم في «الإحكام في أصول الأحكام» (٧/ ١٠٨)، فقال:
«قد تُكُلِّم في سماع الحسن من عمران بن حصين، فقيل: سمع منه، وقيل: لم يسمع منه».
قلت: وهذا قول يحيى القطان وأحمد وأبي حاتم؛ قالوا:
«لم يصح أنه سمع منه». وقال ابن التركماني في «الجوهر النقي» (٢/ ٢١٦):
«ذكر البيهقي في باب (من جعل في النذر كفارة يمين) حديثًا من رواية الحسن عن عمران، ثم قال: منقطع، ولا يصح عن الحسن عن عمران من وجه صحيح يثبت مثله. وخالفه ابن خزيمة، فأخرج في»صحيحه«حديث الباب من رواية هشام عن الحسن عن عمران. فدلّ ذلك على صحة سماعه من عمران».
قلت: وجزم بسماعه منه: الحاكمُ، فقال في «المستدرك» (١/ ٢٩) -عقب حديث أخرجه من طريق الحسن عن عمران-:
وممن جزم بذلك أيضًا البزار؛ حيث ذكر عمران بن حصين في الصحابة الذين سمع منهم الحسن، كما في «نصب الراية» (١/ ٩٠).
وجنح إلى هذا ابنُ حزم؛ حيث صحح الحديث، كما ستراه قريبًا.
وهو الذي نرجِّحه ونميل إليه: أن الحسن سمع من عمران في الجملة؛ ولكننا لا نرى صحة حديثه عنه إذا لم يصرح بسماعه منه، كما ذكرنا مرارًا: أن الحسن معروف بالتدليس، فلا يحتجُّ به إذا عنعن. وهذا الحديث من الأحاديث التي وقفنا على تصريحه فيه بالتحديث؛ فكان حديثًا صحيحًا.
وأما الأحاديث الأخرى؛ فهي في «المسند» فأخرج (٤/ ٤٤٠ و٤٤٥) من طريق المبارك عن الحسن: أخبرني عمران بن حصين مرفوعًا حديثين:
أحدهما: في النهي عن المثلة، وسيأتي إن شاء الله تعالى في الجهاد من هذا الكتاب (رقم ٢٣٩٣).
والآخر: في النهي عن الحلقة من أجل الواهنة، وهو في الطب من «سنن ابن ماجة»، و«المستدرك» (٤/ ٢١٦) معنعنًا، وصححه هو والذهبي!
لكن المبارك -وهو ابن فَضَالة- مشهرر بالتدليس، ولم يصرح بسماعه من الحسن.
ثم أخرج أحمد (٤/ ٤٣٦) من طريق شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال:
«اقرأوا القرآن، وسلوا الله تبارك وتعالى به …» الحديث.
لكن خيثمة -وهو ابن أبي خيثمة- لين الحديث كما في «التقريب».
ثم إن فيه شريك بن عبد الله -وهو القاضي-، وهو سيئ الحفظ.
وقد خالفه سفيان الثوري؛ فرواه عن الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران بن حصين:
أنه مر على قاصٍّ قرأ، ثم سأله، فاسترجع وقال … الحديث.
أخرجه الترمذي (٢/ ١٥١ – طبع بولاق)، وأحمد (٤/ ٤٣٩). وقال الترمذي:
«ليس إسناده بذاك»؛ كأنه يعني من أجل خيثمة هذا.
وبالجملة؛ فليس في هذه الأسانيد ما تقوم به الحجة، وكأنه لذلك قال أحمد وغيره ممن سبق:
«لم يصح أنه سمع الحسن من عمران».
لكننا نقول: إنه صح ذلك بإسناد آخر؛ فانتظر قليلًا.
والحديث أخرجه ابن حزم (٣/ ٢٤) من طريق المؤلف محتجًّا به. ثم صرح فيما بعد (ص ٢٠٢) أنه صحيح.
وأخرجه الدارقطني (ص ١٤٧)، والحاكم (١/ ٢٧٤) من طريق إسحاق بن شاهين أبي بشر: نا خالد بن عبد الله … به. وقال الحاكم:
وأخرجه أحمد (٤/ ٤٤٤): ثنا عبد الوهاب بن عطاء: أنا يونس … به.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٢٣٣)، والبيهقي (١/ ٤٠٤) -من طريق عبد الوهاب-، وأحمد (٤/ ٤٣١)، والدارقطني -من طريقين آخرين- عن يونس … به.
وقد تابعه هشامُ بنُ حسان عن الحسن … به أتم منه؛ وزاد في آخره:
فقالوا: يا رسول الله! ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ ! قال:
«أينهاكم ربكم تبارك وتعالى عن الربا ويقبله منكم؟ !».
أخرجه أحمد (٤/ ٤٤١)، والطحاوي، وابن حبان (٢٦٤١)، والدارقطني، والبيهقي (٢/ ٢١٧)، وابن حزم في «الإحكام» (٧/ ١٠٨) من طرق عنه.
وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» كما سبق.
وأعله ابن حزم بالاختلاف في سماع الحسن من عمران، وذكرنا كلامه في ذلك آنفًا؛ لكن قد صرح الحسن بسماعه في رواية عن هشام عنه، فقال أحمد عقيب هذه الرواية: ثنا معاوية: ثنا زائدة عن هشام قال: زعم الحسن أن عمران بن حصين حدثه قال: أسْرينا مع النبي ﷺ ليلة … فذكر الحديث.
وكذلك أخرجه البيهقي من طريق علي بن الحسن بن بيان المُقْرِي: ثنا معاوية ابن عمرو بن المُهَلَّب: ثنا زائدة بن قدامة … فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وقال ابن التركماني:
فثبت بذلك أن الحديث موصول، وأنه صحيح، والحمد لله على هدايته وتوفيقه.
والحديث رواه الطيالسي (رقم ٨٣٧) مرسلًا؛ فقال: حدثنا أبو حُرَّة عن الحسن: أن رسول الله ﷺ كان في سفر …
وللحديث طريق آخر: أخرجه البخاري (١/ ٣٥٤ – ٣٦٠)، ومسلم (٢/ ١٤٠ – ١٤٢)، وأبو عوانة (٢/ ٢٥٤ – ٢٥٧)، والطحاوي (١/ ٢٣٣)، والبيهقي (١/ ٤٠٤)، وأحمد (٤/ ٤٣٤) من طريق أبي رجاء العُطَاردي: حدثني عمران بن حصين قال:
كنا في سفر مع رسول الله ﷺ ِ … الحديث نحوه، وليس فيه ذكر الإقامة وسنة الفجر.
وقد رواه الطيالسي (رقم ٨٥٧): حدثنا عقبة بن خالد -أو خالد بن عقبة؛ الشك من أبي داود- قال: ثنا أبو رجاء العُطَاردي … به؛ وزاد فيه ذكر الركعتين.
لكن عقبة هذا -أو خالد- لم أعرفه! والله أعلم.
٤٧١ – عن عمرو بن أُمَيَّة الضَّمْري قال:
كنَّا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره، فنام عن الصُّبْحِ حتى طلعت الشمسُ، فاستيقظ رسول الله ﷺ، فقال:
«تَنَحَّوْا عن هذا المكان».
قال: ثم أَمَرَ بلالًا، فأذَّن، ثم توضَّؤوا وصلَّوا ركعتي الفجر، ثم أَمَرَ
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: «حسن»!).
إسناده: حدثنا عباس العنبري. (ح) وحدثنا أحمد بن صالح -وهذا لفظ عباس- أن عبد الله بن يزيد حدثهم عن حيوة بن شريح عن عياش بن عباس -يعني: القِتْبَاني- أن كُلَيْب بن صُبْح حدثهم أن الزِّبرِقان حدثه عن عمِّه عمرو بن أمية الضَّمْرِي.
قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ والزبرقان: هو ابن عبد الله الضمري، وقيل: إنه الزبرقان بن عمرو بن أمية الضمري. وقال أحمد بن صالح:
«الصواب فيه: الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية». وقال غيره:
«هما اثنان». قال الحافظ في ترجمة الزبرقان بن عمرو:
«قلت: لم يفرِّق البخاري -فمن بعده- بينهما؛ إلا ابن حبان؛ ذكر هذا في ترجمة مفردة عن الذي روى عنه كليب بن صبح. وفي كتاب ابن حبان من هذا الجنس أشياء، يضيق الوقت عن استيعابها؛ من ذكره الشخص في موضعين وأكثر، فلا حجة في تفرقته؛ إذ لم ينصَّ على أنهما اثنان».
وذكر أنه ثقة عند يحيى بن سعيد والنسائي وغيرهما.
قلت: وسواءً كان الصواب في نسبه: أنه الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية، أو الزبرقان بن عمرو بن أمية؛ فإنه لا يتفق مع قوله في هذا الحديث: عن عمه عمرو بن أمية”؛ فإن عمرًا على القولين ليس هو عَمَّ الزبرقان، بل هو إما والده أو جده! فإذا صح قوله هذا: عن عمه عمرو، ولم يكن وهمًا من بعض الرواة؛ فهو دليل واضح على صواب ما صنع ابن حبان من التفريق. والله أعلم.
«حسن».
وقد أخرجه أحمد (٤/ ١٣٩): ثنا أبو عبد الرحمن المقري: ثنا حيوة .. به؛ وأبو عبد الرحمن هذا: هو عبد الله بن يزيد في إسناد المصنف.
ومن طريقه -أعني: أبا عبد الرحمن-: أخرجه البيهقي أيضًا (١/ ٤٠٤).
٤٧٢ – عن ذي مِخْبَرٍ الحَبَشِي -وكان يَخْدُمُ النبي ﷺ … في هذا الخبر؛ قال:
فتوضأ -يعني: النبيَّ ﷺ وضوءًا لم يَلُتَّ مَنه الترابُ، ثم أمرَ بلالًا، فأذَّن، ثم قام النبيُّ ﷺ فركع ركعتين غيْرَ عَجِلٍ، ثم قال لبلال:
«أقم الصلاة»، ثم صلى وهو غير عَجِلٍ.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن الحسن: نا حجاج -يعني: ابن محمد-: ثنا حريز. (ح) وحدثنا عبيد بن أبي الوزير: ثنا مبَشِّر -يعني: الحلبي-: حدثنا حريز -يعني: ابن عثمان-: حدثني يزيد بن صالح عن ذي مخبر الحبشي.
قال عن حجاج: (عن يزيد بن صليح): حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة.
وقال عبيد: «يزيد بن صالح».
قلت: وهذا إسناد صحيح، ذكره المصنف من طريقين عن حريز بن عثمان -وهو ثقة من رجال البخاري- عن يزيد بن صالح -أو صليح-؛ وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال المصنف:
وقد اختلف على حريز في اسم والد يزيد هذا، فسمّاه عنه عبيد بن أبي الوزير: (صالحًا).
وسمّاه حجاج بن محمد: (صليحًا)؛ وهو الصواب؛ لأنه قد تابعه على ذلك: الوليد بن مسلم؛ كما في الرواية الآتية في الكتاب.
وأبو النضر -واسمه هاشم بن القاسم البغدادي-: عند أحمد؛ كما يأتي.
ثم إن مخالفهم عبيد بن أبي الوزير لا يعرف حاله، فكانت روايته مرجوحة.
ولذلك قال الحافظ في «التهذيب»:
«وصحح المزي في»الأطراف«أن اسم أبيه (صليح). وبه جزم البخاري وابن أبي خيثمة ويعقوب بن سفيان وغير واحد».
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٩٠ – ٩١): ثنا أبو النضر: ثنا حريز عن يزيد بن صليح … به بطوله؛ وزاد في آخره:
فقال له قائل: أفَرَّطْنا؟ قال:
«لا، قبض الله عز وجل أرواحنا، وقد ردَّها إلينا، وقد صلَّينا». وقال في «المجمع» (١/ ٣٢٠):
«رواه أحمد والطبراني في»الأوسط«، ورجال أحمد ثقات».
وللحديث طريق أخرى؛ لكن فيه زيادة منكرة.
أخرجه الطحاوي (١/ ٢٦٩) من طريق مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن -مولى بني هاشم-عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي
كنا مع رسول الله ﷺ في سفر … الحديث مختصرًا؛ قال:
فصلى بنا رسول الله ﷺ، فلما كان من الغد حين بزغ الشمس؛ أمر بلالًا فأذن، ثم أمره فأقام، فصلَّى بنا الصلاة، فلما قضى الصلاة قال:
«هذه صلاتنا بالأمس».
وهذا إسناد ضعيف؛ مسلمة بن علقمة صدوق له أوهام.
والعباس بن عبد الرحمن مستور؛ كما في «التقريب».
وقد أورده الهيثمي في «المجمع» (١/ ٣٢٠) بلفظ: بَرَق الفجر، وزاد في آخره: ثم ائتنف صلاة يومه ذلك. وقال:
«رواه الطبراني في»الكبير«، وفيه العباس بن عبد الرحمن، وروى عنه داود ابن أبي هند، ولم أر له راويًا غيره، وروى هو عن جماعة من الصحابة».
وفي هذه الرواية أنه عليه السلام صلى الفائتة مرتين: الأولى وقتَ الانتباه، والأخرى في اليوم الثاني!
وهذا منكر؛ لضعف إسنادها، ولمخالفتها لسائر الأحاديث المتقدِّمة في الباب وغيرها؛ فإنها لم ترد في شيء منها! اللهم إلا في رواية من حديث أبي قتادة من قوله عليه السلام بلفظ:
«فمن أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحًا؛ فليقض معها مثلَها»!
وهذا منكر أو شاذ؛ لما ذكرنا، ولإنكاره عليه السلام ذلك على الصحابة حين قالوا له: ألا نعيدها في وقتها من الغَد؟ !:
وهو حديثٌ صحيح، كما سبق بيانه (رقم ٤٧٠)؛ فراجعه. ولذلك أوردنا حديث أبي قتادة المشار إليه في الكتاب الآخر (رقم ٦٥).
٤٧٣ – وفي رواية عن ذي مِخْبَرِ ابن أخي النجاشي … في هذا الخبر؛ قال: فأذَّن، وهو غير عَجِلٍ.
(قلت: هو بهذا اللفظ شاذ. والصحيح ما في الرواية الأولى: فركع ركعتين غير عجل).
إسناده: حدثنا مُؤَمَّلُ بن الفضل: ثنا الوليد عن حَرِيزٍ -يعني: ابن عثمان- عن يزيد بن صليح عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن الوليد مدلس، وقد عنعن؛ لكنه قد توبع كما تقدم في الرواية السابقة.
لكن قوله في الحديث: فأذن وهو غير عجل؛ شاذ لخالفتها للرواية التي قبلها، وقد اتفق عليها حجاج بن محمد وعبيد بن أبي الوزير وهاشم بن القاسم البغدادي، فروايتهم هي الصحيحة.
٤٧٤ – عن عبد الله بن مسعود قال:
أقبلتُ مع رسول الله ﷺ زَمَنَ الحُدَيْبِية، فقال رسول الله ﷺ:
«من يكلؤنا؟». فقال بلال: أنا. فناموا حتى طلعت الشمس؛ فاستيقظ النبي ﷺ، فقال:
«افعلوا كما كنتم تفعلون». قال: ففعلنا. قال:
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: «حسن»!).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن جامع ابن شداد: سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة: سمعت عبد الله بن مسعود.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن بن أبي علقمة -ويقال: ابن علقمة-؛ قال في «التقريب»:
«يقال: له صحبة. وذكره ابن صحبان في ثقات التابعين».
قلت: وقد روى عنه عبد الملك بن محمد بن بشر أيضًا، وعون بن أبي جحيفة.
والحديث قال المنذري:
«حسن. وأخرجه النسائي»!
قلت: ولم أجده عند النسائي في «المجتبى»! فلعله في «سننه الكبرى».
نعم؛ هو في «الصغرى» له من طريق أخرى مختصرًا، كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٤٦٤): ثنا محمد بن جعفر … به؛ وفيه قصة الناقة، ونزول ﴿إنا فتحنا …﴾.
وقال (١/ ٣٨٦): حدثنا يحيى: ثنا شعبة … به.
وأخرجه ابن جرير، والطيالسي (١/ ٤٩ – ٥٠) عن شعبة، وقرن به الطيالسي: المسعودي.
«رواه أحمد والبزار والطبراني في»الكبير«. وأبو يعلى باختصار عنهم؛ وفيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، وقد اختلظ في آخر عمره».
ولشعبة فيه إسناد آخر مختصرًا: أخرجه النسائي (١/ ١٠٠) عنه عن إبراهيم ابن محمد بن المنتشر عن أبيه:
أنه كان في مسجد عمرو بن شرَحْبِيل، فأقيمت الصلاة، فجعلوا ينتظرونه، فقال: إني كنت أوتر. قال: وسئل عبد الله: هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم، وبعد الإقامة. وحدَّث عن النبي ﷺ أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى.
ورجاله ثقات؛ لكني أخشى أن يكون منقطعًا بين محمد بن المنتشر وابن مسعود!
١١ – باب في بناء المساجد
٤٧٥ – عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ:
«ما أُمِرْتُ بتشْيِيدِ المساجد».
قال ابنُ عباس: لَتُزَخْرِفُنَّها كما زَخْرَفَتِ اليهودُ والنصارى!
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان (١٦١٣). وقول ابن عباس؛ عَلَّقَهُ البخاريُّ في «صحيحه»، وهو موقوف في حكم المرفوع، وقد روي مرفوعًا).
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح بن سفيان: نا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فَزَارة عن يزيد بن الأصَمِّ عن ابن عباس.
وأبو فزارة: اسمه راشد بن كَيْسان.
وصححه ابن حبان (١٦١٣).
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٨ – ٤٣٩)، وابن حزم (٤/ ٤٤٠) من طريق المؤلف.
ورواه البيهقي من طريق علي بن قادم: ثنا سفيان الثوري … به.
وقول ابن عباس منه؛ علقه البخاري في «صحيحه» (١/ ٤٢٨). قال الحافظ:
«وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه؛ للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله».
قلت: وقد وصله أبو فزارة، وهو ثقة، فيجب قبول زيادته.
وقول ابن عباس هذا؛ قال الشيخ القاري في «المرقاة» (١/ ٤٥٩):
«وهو موقوف؛ لكنه في حكم المرفوع».
قلت: وقد روي مرفوعًا؛ لكن بسند ضعيف:
أخرجه ابن ماجة من طريق أخرى عن ابن عباس، وقد تكلمنا عليه في «الثمر المستطاب».
٤٧٦ – عن أنس أن النبي ﷺ قال:
«لا تقومُ الساعةُ حتى يتباهى الناس في المساجد».
إسناده: حدثنا محمد بن عبد الله الخُزَاعي: ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس. وقتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عبد الله الخزاعي، وهو ثقة؛ وثقه ابن المديني وأبو حاتم وغيرهما.
والحديث أخرجه الطبراني في «معجمه الصغير» (ص ١٢٥): ثنا معاذ بن المثنى بن معاذ العنبري أبو المثنى: ثنا محمد بن عبد الله الخزاعي … به، وقال: «لم يروه عن قتادة إلا حماد. تفرد به الخزاعي».
قلت: وأخرجه النسائي (١/ ١١٢)، والدارمي (١/ ٣٢٧)، وابن ماجة (١/ ٢٥٠)، والبيهقي (٢/ ٤٣٩)، وأحمد (٣/ ١٣٤ و١٤٥ و١٥٢ و٢٣٠ و٢٨٣)، وأبو يعلى (٢/ ٢٧٠٣)، وعنه ابن حبان (٣٠٨) من طرق عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس … به.
وقال البخاري في «صحيحه» (١/ ٤٢٨): وقال أنس:
يتباهون بها، ثم لا يَعْمُرُونَهَا إلا قليلًا. قال الحافظ:
«وهذا التعليق رُوِّيناه موصولًا في»مسند أبي يعلى«و»صحيح ابن خزيمة«من طريق أبي قلابة أن أنسًا قال: سمعته يقول:»يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد، ثم لا يعمرونها إلا قليلًا«، وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان مختصرًا من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي ﷺ قال:»لا تقوم الساعة … “! إلخ.
انطلقنا مع أنس يريد الزاوية قال: فمررنا بمسجد، فحضرت صلاة الصبح، فقال أنس: لو صلينا في هذا المسجد؛ فإن بعض القوم يأتي المسجد الآخر! قالوا: أي مسجد؟ فذكرنا مسجدًا. قال: إن رسول الله ﷺ قال:
«يأتي على الناس …» إلخ. قال ابن خزيمة: الزاوية: قصر من البصرة على شبه من فرسخين.
وأبو عامر الخزاز: هو صالح بن رستم، صدوق كثير الخطأ.
ومن طريقه: أخرجه أبو يعلى أيضًا (٢/ ٧٤٦).
والحديث أخرجه ابن حبان أيضًا (٣٠٧) من طريق عفان: حدثنا حماد بن سلمة … بلفظ:
نهى رسول الله ﷺ أن يتباهى الناس بالمساجد.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.
٤٧٧ – عن عبد الله بن عمر:
أن المسجد كان على عهد رسول الله ﷺ مبنيًّا باللَّبِن وعَمَدُهُ (وفي رواية: وعُمُدُه) من خشب النخيل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا، وزاد فيه عمر، وبناه علي بنائه في عهد رسول الله ﷺ باللَّبِن والجريد، وأعاد عَمَدَه (وفي الرواية الأخرى: عُمُدَه) خشبًا، وغيَّرَهُ عثمانُ، فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقَصَّة، وجعل عَمَدَة من حجارةٍ منقوشة، وسَقْفَه بالسَّاج (وفي الرواية الأخرى: وسَقَّفَهُ الساجَ).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري).
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، ومجاهد بن موسى -وهو أتم- قالا: ثنا يعقوب بن إبراهيم: ثنا أبي عن صالح قال: نا نافع أن عبد الله بن عمر أخبره.
والرواية الأخرى لمجاهد.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فإن رجاله كلهم من رجالهما؛ غير محمد بن يحيى؛ فهو من رجال البخاري وحده.
ومجاهد بن موسى؛ فمن رجال مسلم وحده.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٣٠): ثنا يعقوب … به.
ومن طريق أحمد: أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٨).
وأخرجه البخاري (١/ ٤٢٨): حدثنا علي بن عبد الله: ثنا يعقوب بن إبراهيم … به.
(تنبيه): لم يَعْزُ المنذري في «مختصره» الحديث إلى البخاري! فأوهم أنه لم يخرجه، وذلك أنّ من عادة المنذري عزوه الحديث إلى من أخرجه من أصحاب الكتب الستة، فإذا لم يفعل؛ فقد أوهم، فلزم التنبيه عليه!
٤٧٨ – عن أنس بن مالك قال:
قَدِمَ رسول الله ﷺ المدينة، فنزل في عُلْوِ المدينةِ في حَيٍّ -يقال لهم: بنو عمرو بن عوف-، فأقام فيهم أربعَ عشْرةَ ليلةً، ثم أرسل إلى بني
«يا بني النَّجَّار! ثامِنُوني بحائطكم هذا». فقالوا: والله لا نطلبُ ثَمَنَه إلا إلى الله.
قال أنس: وكان فيه ما أقول لكم: كانت فيه قبور المشركين، وكانت فيه خِرَبٌ، وكانت فيه نخلٌ، فأمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَر بقبور المشركين فَنُبِشَتْ، وبالخرَبِ فسُوِّيَت، وبالنخيل فَقُطِعَ، فَصُفِّفَ النخلُ قِبْلَةَ المسجدِ، وجعلوا عَضَادَتَيْه الحجارة، وجعلوا ينْقُلُون الصَّخْرَ؛ وهم يَرْتَجِزُونَ والنبي ﷺ معهم يقول:
«اللهمَّ لا خَيْرَ إلا خير الآخِرَة … فانصُر ِالأنصارَ والمُهَاجِرَة».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه» بسند المؤلف. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأخرج الترمذي منه الصلاةَ في المرابض، وقال: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الوارث عن أبي التَّيَّاح عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وأبو التياح: اسمه يزيد بن حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ.
وأخرجه البخاري (١/ ٤١٦ – ٤١٧) … بإسناده.
وأخرجه الطيالسي (رقم ٢٠٨٥) قال: حدثنا حماد بن سلمة وعبد الوارث وشعبة؛ أحسبهم كلهم: حدثنا عن أبي التياح … به.
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٩٧ – ٣٩٨).
ثم أخرجه هو، ومسلم (٢/ ٦٥)، والنسائي (١/ ١١٤ – ١١٥)، والبيهقي أيضًا، وأحمد (٣/ ٢١١ – ٢١٢) من طرق أخرى عن عبد الوارث … به.
وحديث شعبة مختصر: أخرجه مسلم بلفظ:
كان يصلي في مرابض الغنم قبل أن يبنى المسجد.
وكذا أخرجه الترمذي (٢/ ١٨٦)، دون قوله: قبل أن يبنى المسجد. وقال: «حديث حسن صحيح».
وأما حديث حماد بن سلمة؛ فقد أخرجه المصنف أيضًا وغيره، وهو:
٤٧٩ – وفي رواية عنه قال:
كان مَوْضِعُ المسجد حائطًا لبني النجار؛ فيه حَرْثٌ ونخلٌ وقبورُ المشركين، فقال رسول الله ﷺ:
«ثَامِنُوني به».
فقالوا: لا نبغي به ثمنًا، فقُطِع النخلُ، وسُوِّي الحَرْثُ، ونُبِشَ قبور المشركين … وساق الحديث، وقال: «فاغفر». مكان: «فانصر».
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة عن أبي التَّيَّاح عن أنس بن مالك. قال موسى: حدثنا عبد الوارث … بنحوه.
وكان عبد الوارث يقول: خرب، وزعم عبد الوارث أنه أفاد حمادًا هذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأما رواية عبد الوارث؛ فقد تقدمت قبله.
والحديث أخرجه مسلم أيضًا، وابن ماجة (١/ ٢٥١)، وابن حبان (٩/ ١٩٠ / ٧٢١٥)، وأحمد (٣/ ١١٨ و١٢٣ و٢٤٤) من طرق عن حماد بن سلمة … به.
وهو في «الصحيحين» من طريق عبد الوارث، كما سبق.
١٢ – باب اتخاذ المساجد في الدُّور
٤٨٠ – عن عائشة قالت:
أمَرَ رسولُ الله ﷺ، ببناءِ المساجد في الدُّور، وأن تُنَظَّفَ وتُطَيَّبَ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»، وكذا ابن حبان (١٦٣٢».
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
ثم أخرجه من طريقين عن مالك بن سُعَيْر: أنبأنا هشام بن عروة … به.
وأخرجه أحمد (٦/ ٢٧٩): ثنا عامر بن صالح قال: ثني هشام بن عروة … به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الترمذي (٢/ ٤٩٠).
ثم أخرجه من طريق عبدة ووكيع وابن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه … مرسلًا؛ لم يذكر عائشة. وقال:
«هذا أصح من الحديث الأول».
قلت: لا شك أن رواية هؤلاء الثلاثة أصح من رواية عامر بن صالح -وهو الزُّبَيْري-؛ فإنه ضعيف.
لكن قد تابعه زائدة بن قدامة، ومالك بن سعير، وهما ثقتان حجتان، فوصلوه بذكر عائشة فيه، فعاد الحديث صحيحًا موصولًا. ومن رواه مرسلًا لا يُعِلُّه؛ لأن مَنْ حفظ حجة على من لم يحفظ، ولأن الراوي قد يرسل الحديث تارة وبوصله أخرى؛ فروى كل ما سمع، وكلٌّ ثقة؛ فوجب الأخذ بالزيادة.
ثم إن الحديث رواه ابن خزيمة في «صحيحه»؛ كما في «الترغيب» (١/ ١٢٠)، وابن حبان أيضًا في «صحيحه» (١٦٣٢).
٤٨١ – عن سَمُرَة: أنه كتب إلى بنيه:
أما بعد؛ فإن رسول الله ﷺ كان يأمرنا بالمساجد أن نَصْنَعَهَا في دورنا، ونُصْلِحَ صِنْعَتَها، ونُطَهِّرَها.
إسناده: حدثنا محمد بن داود بن سفيان: ثنا يحيى -يعني: ابن حسان-: ثنا سليمان بن موسى: ثنا جعفر بن سعد بن سمرة: ثني خُبَيْب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة. قال …
وهذا إسناد ضعيف؛ محمد بن داود بن سفيان لم يوثقه أحد، ولا ذكروا عنه راويًا غير المصنف؛ فهو مجهول. وفي «التقريب»: أنه «مقبول».
ويحيى بن حسان: هو التَّنِّيسيُّ.
وسليمان بن موسى: هو الأموي؛ وهما ثقتان.
ثم استدركت فقلت: وسليمان بن موسى ليس هو الأموي؛ فقد ساق المصنف بهذا الإسناد حديثًا آخر جاء فيه: .. ثنا سليمان بن موسى أبو داود … وسليمان ابن موسى أبو داود؛ كوفي، والأموي دمشقي، والكوفي فيه كلام كثير، حتى قال فيه البخاري:
«منكر الحديث». وفي «التقريب»:
«لين».
وأما جعفر بن سعد بن سمرة؛ فليس بالقوي، كما في «التقريب».
وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»! وقال ابن حزم:
«مجهول». وقال عبد الحق في «الأحكام»:
«ليس ممن يعتمد عليه». وقال ابن عبد البر:
«ما من هؤلاء من يُعْرَفُ حاله -يعني: جعفرًا وشيخه وشيخ شيخه-، وقد جهد المحدثون فيهم جهدهم، وهو إسناد يروى به جملة أحاديث، قد ذكر البزار منها نحو المئة».
وخبيب بن سليمان بن سمرة؛ لا يعرف، كما قال الذهبي. وقال العسقلاني: «مجهول».
وكذا قال ابن حزم. وقال عبد الحق:
«ليس بقوي».
وأما ابن حبان: فذكره على عادته في «الثقات». وقال ابن القطان -كما سبق-:
«لا يعرف حاله».
وكذا قال في أبيه سليمان بن سمرة. وذكره ابن حبان في «الثقات» أيضًا.
وقال الحافظ:
«مقبول». ولما سبق؛ قال الذهبي:
«وبكل حال؛ هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم».
لكن الحديث له طريق أخرى وشاهد؛ سنذكرهما قريبًا.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٤٠) من طريق المؤلف.
وللحديث طريق أخرى: فقال أحمد (٥/ ١٧)، ثنا سُرَيْج بن النعمان: ثنا بقية عن إسحاق بن ثعلبة عن مكحول عن سمرة بن جندب قال:
وهذا إسناد ضعيف أيضًا؛ إسحاق بن ثعلبة مجهول، كما قال أبو حاتم.
وبقية رجاله ثقات؛ لكن بقية مدلس، وقد عنعنه.
ومكحول لم يسمع من سمرة؛ كما قال الحافظ في «التعجيل».
وقد أورده مجد الدين ابن تيمية في «المنتقى» (٢/ ١٢٨ – بشرح الشوكاني) بلفظ أحمد هذا، ثم قال:
«رواه أحمد، والترمذي وصححه»! وعلق عليه الشوكاني بقوله:
«رواه أحمد بإسناد صحيح»!
وهذا غير صحيح كما علمت مما سبق! ويظهر لي أن الشوكاني لم يقف على إسناد أحمد هذا؛ وإنما وقف على هذه العبارة في «المجمع» للهيثمي؛ قد قالها في رواية أخرى لأحمد عن غير سمرة -كما يأتي-؛ على أنها غير صحيحة أيضًا، فنقلها الشوكاني، وجعلها تحت حديث سمرة، فأوهم أن إسناده عند أحمد صحيح!
ثم إنني لم أجد الحديث في «سنن الترمذي»؛ ولم يعزه إليه المنذري في «مختصره»، ولا النابلسي في «الذخائر»!
فهو وهم آخر من ابن تيمية أيضًا!
وقد سبقه إلى ذلك المنذري في «الترغيب» (١/ ١٢٠)!
وللحديث شاهد قوي: أخرجه أحمد (٥/ ٣٧١) قال: ثنا يعقوب: ثنا أبي عن أبي إسحاق (كذا! والصواب: ابن إسحاق): ثني عمرو بن عبد الله بن عروة بن الزبير (كذا: عمرو! والصواب بدون الواو) عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب رسول الله ﷺ قال:
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق -وقد روى له مسلم مقرونًا، وهو حسن الحديث، كما سبق. وأما قول الهيثمي (٢/ ١١):
«رواه أحمد، وإسناده صحيح»!
ففيه شيء من التساهل. وقد أخطأ الشوكاني فنقل هذا القول إلى «المنتقى»، وجعله تحت حديث سمرة كما سبق آنفًا؛ وإنما هذا إسناد آخر كما ترى! ثم قال الشوكاني إثر ذلك:
«وكذا رواه غيره بأسانيد جيدة»!
كذا قال! ولم أجد له أي إسناد جيد فيما بين يدي من كتب السنة غير هذا! والله أعلم.
١٣ – باب في السُّرُج في المساجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
١٤ – من باب في حصى المسجد
٤٨٢ – عن أبي صالح قال: كان يقال: إن الرجل إذا أخْرَج الحصاة من المسجد يُنَاشِدُه.
(قلت: إسناده صحيح. وقد روي مرفوعًا عن أبي هريرة، وهو في الكتاب الآخر رقم (٧٠».
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية ووكيع قالا: نا الأعمش
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى أبي صالح -وهو ذَكْوان السمان، وهو من التابعين الثقات المكثرين عن أبي هريرة.
وقد رواه شريك: ثنا أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة. قال أبو بدر -وهو شجاع بن الوليد الراوي له عن شريك-: أراه قد رفعه إلى النبي ﷺ قال:
«إن الحصاة لتناشد الذي يخرجها من المسجد».
لكن شريك سيئ الحفظ، وقد خالف، ولذلك أوردنا حديثه هذا في الكتاب الآخر (رقم ٧٠)، والصواب رواية الأعمش هذه عن أبي صالح: كان يقال … إلخ؛ ليس فيه ذكر أبي هريرة، ولا رفعه.
١٥ – باب كنس المسجد
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
١٦ – من باب اعتزال النساء في المسجد عن الرجال
٤٨٣ – عن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ:
«لو تَرَكْنَا هذا الباب للنساء!».
قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو أبو معمر: ثنا عبد الوارث: ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر. وقال غير عبد الوارث: قال عمر. وهو أصح.
ثم أخرجه من طريق إسماعيل عن أيوب عن نافع قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمعناه، قال:
«وهو أصح».
ثم رواه من طريق بكير عن نافع قال:
إن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء.
قلت: عبد الوارث -وهو ابن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم- ثقة ثبت، وقد رواه مرفوعًا عن ابن عمر؛ فهي زيادة منه يجب قبولها، ورواية غيره عن عمر لا يعله؛ بل لنافع روايتان: الأولى: عن ابن عمر مرفوعًا، وهي هذه. والأخرى: عن عمر موقوفًا، وهي رواية إسماعيل عن أيوب وبكير عن نافع. ولذلك قال في «عون المعبود»:
«والأشبه أن يكون الحديث مرفوعًا وموقوفًا، وعبد الوارث ثقة تقبل زيادته، والله أعلم».
قلت: على أن الرواية عن عمر منقطعة؛ ولذلك أوردناها في الكتاب الآخر (رقم ٧٢).
١٧ – باب ما يقول الرجل عند دخوله المسجد
٤٨٤ – عن أبي حُمَيد -أو أبي أُسَيد- الأنصاري قال: قال رسول الله ﷺ:
“إذا دخل أحدُكم المسجدَ؛ فَلْيُسَلِّم على النبيِّ ﷺ، ثم ليقل: اللهم
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وزاد أبو عوانة: التسليم عند الخروج أيضًا).
إسناده: حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي: ثنا عبد العزيز -يعني: الدراوردي- عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سُويد قال: سمعت أبا حميد -أو أبا أُسيد- الأنصاري يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عثمان الدمشقي -وهو أبو الجُمَاهر التَّنُوخي الكَفْرَسوسِيّ-، وهو ثقة اتفاقًا.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٤٢) من طريق المصنف، ومن طريق عبَيْد بن شَرِيك عن أبي الجمَاهر.
وأخرجه الدارمي (١/ ٣٢٤): حدثنا يحيى بن حسان: أنا عبد العزيز بن محمد … به.
وقد تابعه سليمان بن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن:
أخرجه مسلم (٢/ ١٥٥)، والبيهقي (٢/ ٤٤١) -عن يحيى بن يحيى-، والدارمي (٢/ ٢٩٣) -عن عبد الله بن مسلمة-، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٤١٤) -عن ابن أبي مريم-، والنسائي (١/ ١١٩)، وأحمد (٣/ ١٩٧ و٥/ ٤٢٥) -عن أبي عامر- كلهم عن سليمان … به، وكلهم قالوا: عنه عن أبي حميد أو أبي أسيد؛ على الشك؛ غير أبي عامر فقال: سمعت أبا حميد وأبا أسيد يقولان! وهي رواية شاذة، والصحيح رواية الجماعة.
وتابعه أيضًا عَمارة بن غَزِية: عند مسلم وأبي عوانة والبيهقي من طريق بشر
وتابعهما عنه إسماعيل بن عياش؛ لكنه قال: عن أبي حميد وحده.
وإسماعيل ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها.
هذا؛ وليس في حديث سليمان بن بلال التسليم على النبي ﷺ، وهو ثابت في سائر الروايات.
وفي حديث عمارة بن غزية -عند أبي عوانة-: التسليم عند الخروج أيضًا.
وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح على شرط مسلم، وفيه التسليم في الموضعين، وقد خرجته في «الثمر المستطاب»، وصححه ابن خزيمة (١/ ٦٢ / ١)، وابن حبان (٣٢١).
ثم إن الحديث رواه بعض الثقات عن عبد العزيز من فعله عليه السلام بلفظ آخر:
أخرجه أبو عوانة قال: حدثني محمد بن النعمان بن بَشِير -ببيت المقدس- قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأُويْسي قال: ثنا عبد العزيز عن ربيعة عن عبد الملك بن سُوَيد عن أبي حميد الساعدي:
أن النبي ﷺ كان يقول إذا دخل المسجد:
«اللهم»! افتح لنا أبواب رحمتك، وسَهِّلْ لنا أبواب رزقك«.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ لكنه شاذ سندًا ومتنًا.
ولعل الوهم فيه من الأويسي؛ فهو وإن كان ثقة؛ فقد روى الآجُرِّي عن المصنف أنه»ضعيف”. والله أعلم.
أنه كان إذا دخل المسجد قال:
«أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبسلطانه القديم من الشيطان الرجيم»؟ ! قال: أقَطْ؟ قلت: نعم. قال:
«فإذا قال ذلك؛ قال الشيطان: حُفِظ منِّي سائرَ اليوم».
(قلت: إسناده صحيح، وقال النووي: «حديث حسن، إسناده جيد!»).
إسناده: حدثنا إسماعيل بن بشر بن منصور: ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وقوّاه النووي كما ذكرنا آنفًا، وهو في «الأذكار» له.
والحديث من أفراد المؤلف رحمه الله.
ووهم الحافظ ابن كثير رحمه الله؛ حيث عزاه في «تفسيره» (٣/ ٢٩٣) لـ «صحيح البخاري»!
١٨ – باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد
٤٨٦ – عن أبي قتادة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا جاء أحدُكم المسجدَ؛ فَلْيُصَلِّ سجدتين من قبل أن يجلس».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو ابن سُلَيْمٍ الزُّرَقي عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٧٦ – ١٧٧).
ومن طريقه أيضًا: أخرجه محمد في «موطَّئه» (ص ١٥٠)، والبخاري (١/ ٤٢٦)، ومسلم (٢/ ١٥٥)، وأبو عوانة (١/ ٤١٥)، والنسائي (١/ ١١٩)، والترمذي (٢/ ١٢٩) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والدارمي (١/ ٣٢٣)، وابن ماجة (١/ ٣١٧)، والطحاوي (١/ ٢١٧)، وابن حبان (٤/ ٩٠ / ٢٤٨٨)، وأحمد (٥/ ٢٩٥ و٣٠٣)، والخطيب في «تاريخه» (٥/ ٢٣٦ و١٢/ ٣١٨)؛ كلهم من طريق مالك … به.
وقد تابعه عن عامر عبدُ الله بن سعيد. عند البخاري (٣/ ٣٧).
وعثمان بن أبي سليمان وابن عجلان معًا: عند أبي عوانة، والطحاوي، وأحمد (٥/ ٢٩٦ و٣٠٥).
وفليح بن سليمان: عند الدارمي.
ويحيى بن سعيد الأنصاري: عند ابن حبان (٢٤٨٦)، والطبراني في «الصغير» (صفحة ٧٦).
وسهيل بن أبي صالح: عند الطحاوي، والخطيب (٣/ ٤٧) كلهم عن عامر … به؛ إلا سهيل بن أبي صالح فقال: عن جابر بن عبد الله. قال الخطيب:
«وهو وهم؛ خالف سهيلٌ الناسَ في روايته، والصواب: عن أبي قتادة».
وتابعهم -عند ابن حبان (٢٤٩٠) -: ابنُ جريج عن عامر … به؛ وزاد: «أو يستخبر»!
وهي شاذة؛ تفرد بها ابن جريج؛ مع العنعنة.
وتابع عامرًا: محمد بن يحيى بن حَبَّان بلفظ: عن أبي قتادة صاحب رسول الله ﷺ قال:
دخلت المسجد ورسولُ الله ﷺ جالس بين ظهرانَي الناس، قال: فجلست، فقال رسول الله ﷺ:
«ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ !». قال: فقلت: يا رسول الله! رأيتك جالسًا والناس جلوس! قال … فذكره نحوه.
أخرجه مسلم، وأبو عوانة، واحمد (٥/ ٣٠٥).
وفيه فائدة عزيزة؛ وهي سبب ورود الحديث.
وللحديث طريق أخرى؛ فقال الحافظ بعد أن ذكر سبب الورود:
«وعند ابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي قتادة:»أعْطُوا المساجد حقها«.
قيل له: وما حقها؟ قال:»ركعتين قبل أن تجلس«…».
قلت: وقد أخرجه الخطيب (١٤/ ٤٤٠) من طريق عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعًا:
«إذا دخلت المسجد؛ فَحَيِّهِ ركعتين قبل الإمام».
وإسناده ضعيف؛ فيه جماعة لا يُعْرَفون.
«ثُمَّ لْيَقْعُدْ بَعْدُ إن شاء، أو لِيَذْهَبْ لحاجته».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد: أنا أبو عميس عُتْبةُ بن عبد الله عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن رجل من بني زريق عن أبي قتادة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ والرجل من بني زريق: هو عمرو بن سُلَيْم في الرواية الأولى؛ فإنه منهم (١).
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٣١١): ثنا وكيع عن أبي العُمَيْس … به دون الزيادة.
وهذا على شرطهما.
وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن عامر … به، وقد سبق بيانها عند الرواية الأولى.
١٩ – باب فضل القعود في المسجد
٤٨٨ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«الملائكة تُصَلِّي على أحدِكم ما دام في مُصَلاه الذي صلَّى فيه -ما لم يحدث؛ أو يقومَ-: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه».
فثبت بذلك ما ذهبنا إليه، والحمد لله على توفيقه.
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ١٨٥) من طريق المصنف.
وبإسناده: أخرجه البخاري (٢/ ١١٢).
وأخرجه أبو عوانة (٢/ ٢٢) من طريق القعنبي.
ثم أخرجه هو، والنسائي (١/ ١٢٠) من طرق أخرى عن مالك … به.
وهو في «الموطأ» (١/ ١٧٥).
وله طرق أخرى عن أبي هريرة:
منها: عن أبي صالح عنه: أخرجه الشيخان وغيرهما، وسيأتي في الكتاب (رقم ٥٦٨).
ومنها: عن ابن سيرين عنه: رواه مسلم وأبو عوانة.
ومنها: عن همام بن مُنَبِّهٍ: عندهما وعند الترمذي (٢/ ١٥١)؛ وقال: «حسن صحيح».
ومنها: عن أبي سلمة: عند الدارمي (١/ ٣٢٧).
ومنها: عن أبي رافع، ويأتي بعد حديث.
«لا يزال أحدُكم في صلاةِ؛ ما كانتِ الصلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُه أن ينقَلِبَ إلى أهلِهِ إلا الصلاة».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجه البخاري بإسناد المصنف، ورواه مسلم أيضًا وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه البخاري (٢/ ١١٢ – ١١٣) … بإسناد المصنف؛ لكنه قرنه بالحديث الذي قبله، وجعلهما حديثًا واحدًا.
وهو في «الموطَّأ» (١/ ١٧٥) مفرقًا. قال الحافظ:
«قوله:»لا يزال أحدكم«؛ هذا القدر أفرده مالك في»الموطأ«عما قبله، وأكثر الرواة ضموه إلى الأول، فجعلوه حديثًا واحدًا، ولا حَجْرَ في ذلك».
قلت: وكذلك أخرجه أبو عوانة (٢/ ٢٢) من طريق ابن وهب والقعنبي عن مالك؛ مضمومًا إلى الأول.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٢٩)؛ هذا القدر وحده.
ومما ذكرنا؛ تعلم أن عزو المنذري الحديث لمسلم وحده! قصور أو ذهول!
٤٩٠ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«لا يزال العبدُ في صلاة؛ ما كان في مُصَلَّاه ينتظرُ الصلاةَ، تقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؛ حتى ينصرفَ أو يُحْدِثَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح شرطهما؛ وحماد: هو ابن زيد. وأبو رافع: هو نُفَيْعٌ الصائغ.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٢٣) من طريق المصنف، ومن طريق أبي الوليد، والحسن بن موسى قالوا: ثنا حماد بن زيد … به.
وقد تابعه: حماد بن سلمة عن ثابت.
أخرجه مسلم (٢/ ١٢٩).
وله طرق أخرى عن أبي هريرة؛ سبق ذكرها قبله بحديث.
٤٩١ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«مَنْ أتى المسجدَ لشيءٍ فهو حَظُّه».
(قلت: إسناده حسن، ورمز له بذلك السيوطي).
إسناده: حدثنا هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد: نا عثمان بن أبي العاتكة الأزدي عن عمير بن هانئ العَنْسِيِّ عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال
«ليس بالقوي». وقال أبو مُسْهِر وإسحاق ويعقوب بن سفيان:
«ضعيف الحديث». وقال ابن عدي:
«مع ضعفه يكتب حديثه».
وساق له من طريق هشام عن صدقة عنه عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ثلاثين حديثًا، عامتها ليست مستقيمة.
قلت: علي بن يزيد: هو ابن أبي زياد الألهاني؛ قال الساجي:
«اتفق أهل العلم على ضعفه».
فالحمل في هذه الأحاديث عليه، فلا يقدح بها على عثمان بن أبي العاتكة.
ولذلك قال أبو حاتم عن دُحَيْمٍ:
«لا بأس به، كان قاصَّ الجند، ولم ينكر حديثه عن غير علي بن يزيد، والأمر من علي بن يزيد». وقال أحمد:
«لا بأس به، بليَّته من علي بن يزيد». وقال ابن أبي حاتم عن أبيه:
«لا بأس به، بأسه من كثرة روايته عن علي بن يزيد، فأما روايته عن غير علي؛ فهو مقارب، يكتب حديثه». وقال المصنف:
«صالح». وقال خليفة: «ثقة؛ كثير الحديث». وقال ابن سعد:
«كان ثقة في الحديث». وقال العجلي:
وذكره ابن حبان في «الثقات».
ويتلخص عندي مما سبق: أن الرجل ثقة في نفسه غير متهم في روايته؛ لكن في حفظه ضعف يسير إن شاء الله تعالى؛ فهو حسن الحديث حين لا يظهر خطؤه؛ وفي غير روايته عن علي بن يزيد الألهاني.
ولذلك لم يضعفه الحافظ في روايته عن غيره؛ فقال في «التقريب»:
«ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني».
والحديث رمز السيوطي في «الجامع» لحسنه، وعزاه للمصنف وحده. وقال الشارح المناوي:
«ورواه عنه: ابن ماجة أيضًا»!
قلت: وأظن أنه وهم؛ فإني لم أجده عند ابن ماجة! ولم يعزه إليه المنذري في «مختصره» (رقم ٤٤٣)! ولا النابلسي في «ذخائره» (رقم ٨٥٤٧)! ولا صاحب «المشكاة» رقم (٧٢٥)!
ثم إن الحديث يشهد له أحاديث كثيرة في إخلاص النية في العبادة:
منها الحديث المتفق عليه:
«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى …». الحديث.
…………………………… (*)
٤٩٢ – عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من سمع رجلًا ينشد ضالّة في المسجد؛ فليقل: لا أدّاها الله إليك؛ فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة وابن حبان في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن عمر الجُشَمِيُّ: ثنا عبد الله بن يزيد: ثنا حيوة -يعني: ابن شريح- قال: سمعت أبا الأسود -يعني: محمد بن عبد الرحمن بن نوفل- يقول: أخبرني أبو عبد الله مولى شداد أنه سمع أبا هريرة يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ وأبو عبد الله مولى شداد: اسمه سالم بن عبد الله النَّصْري.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٣٤٩): حدثنا أبو عبد الرحمن المقريء … به.
وأبو عبد الرحمن: هو عبد الله بن يزيد شيخ شيخ المصنف فيه.
ومن طريقه: أخرجه مسلم (٢/ ٨٢)، وأبو عوانة (١/ ٤٠٦) في «صحيحيهما»، والبيهقي (٢/ ٤٤٧).
ثم أخرجوه هم، وابن ماجة (١/ ٢٥٨)، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (رقم ١٤٨)، وأحمد (٢/ ٤٢٠) من طريق ابن وهب عن حيوة … به.
ورواه أبو عوانة من طريق أبي زرعة المصري قال: ثنا حيوة … به.
وأبو زرعة هذا: هو وهب الله بن راشد؛ وفيه ضعف.
٢١ – باب في كراهية البُزاق في المسجد
٤٩٣ – عن أنس بن مالك: أن النبي ﷺ قال:
«التَّفْلُ في المسجد خطيئة، وكفّارته أن يوارَيهُ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجا نحوه).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام وشعبة وأبان عن قتادة عن أنس.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٩٨٨): ثنا شعبة … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٤٠٦)، ومسلم (٢/ ٧٧)، وأبو عوانة (١/ ٤٠٤)، والدارمي (١/ ٣٢٤)، والبيهقي (٢/ ٢٩١)، وأحمد (٣/ ٢٧٧) من طرق عن شعبة … به، وصرح بسماع قتادة من أنس.
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ١١٨)، والترمذي (٢/ ٤٦١ – ٤٦٢)، والبيهقي أيضًا من طريق أبي عوانة عن قتادة … به.
وأخرجه المصنف أيضًا كما يأتي.
وأما حديث هشام؛ فأخرجه أحمد (٣/ ٢٣٢ و٢٧٧): ثنا محمد بن يزيد الواسطي عن هشام الدَّسْتُوائي وشعبة جميعًا عن قتادة … به.
وأخرجه أبو عوانة، وأحمد أيضًا (٣/ ١٨٣ و٢٧٤) من طرق أخرى عن هشام … وحده.
»ثنا بهز: ثنا أبان بن يزيد: ثنا قتادة … به.
وهذا على شرطهما.
(تنبيه): الحديث عند جميع من ذكرنا بلفظ:
«دَفْنُها»؛ كما في رواية المصنف الآتية؛ بدل قوله: «أن تواريه».
ويظهر لي أن هذا لفظ رواية هشام الدستوائي؛ فإنه عند أحمد في رواية عنه بهذا اللفظ. فقول المنذري في «مختصره»:
«رواه مسلم»!
إنْ كان يعني بهذا اللفظ -كما هو الظاهر-؛ فهو وهم. وإن كان يعني بالمعنى؛ فتخصيصه لمسلم دون البخاري وغيره؛ ليس له معنى!
٤٩٤ – وفي رواية عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«إن البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دَفْنها».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٧٦ – ٧٧)، والنسائي (١/ ١١٨)، والترمذي (٢/ ٤٦١ – ٤٦٢)، والبيهقي (٢/ ٢٩١) من طرق عن أبي عوانة … به. وقال الترمذي:
وقد أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من طريق شعبة عن قتادة … بهذا اللفظ؛ وقد سبق تخريجه في الرواية الأولى. وقول المنذري:
«رواه البخاري والترمذي والنسائي»! قصور؛ فقد رواه مسلم أيضًا.
٤٩٥ – وفي أخرى عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«النُّخَاعةُ في المسجد …» فذكر مثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا أبو كامل: ثنا يزيد بن زُريع عن سعيد عن قتادة عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو كامل: هو فُضَيْل بن حسين الجَحْدَرِيُّ.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ١٠٩ و٢٠٩ و٢٣١) من طرق عن سعيد … به.
٤٩٦ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«من دخل هذا المسجد، فبزق فيه أو تَنَخَّمَ؛ فليحفِرْ وليدفِنْهُ، فإن لم يفعل؛ فليبزُق في ثوبه، ثم ليخرج به».
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا أبو مودود عن عبد الرحمن بن أبي حدرد الأسلمي قال: سمعت أبا هريرة يقول …
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الرحمن بن أبي حدرد
«لا بأس به».
وذكره ابن حبان في «الثقات».
وأبو مودود: واسمه عبد العزيز بن أبي سليمان الهُذَلي مولاهم؛ وثقه المصنف وجماعة. فقول الحافظ فيه:
«مقبول»!
غير مقبول!
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٢٩١) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٦٠ و٤٧١ – ٤٧٢) من طريق زيد بن الحُبَاب ووكيع كلاهما عن أبي مودود … نحوه.
وأخرجه ابن خزيمة (١٣١٠) عن أبي عامر عن أبي مودود.
وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعًا بلفظ:
«إذا تنخَّم أحدكم في المسجد؛ فَلْيُغَيِّبْ نُخامته؛ أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيَهُ».
أخرجه أحمد (١/ ١٧٩) بإسناد حسن، كما قال الحافظ في «الفتح» (١/ ٤٠٦).
ورواه أبو يعلى أيضًا، كما في «المجمع» (٢/ ١٨)، وقال:
«ورجاله موثقون».
ولبعضه شواهد أخرى تأتي في الباب.
«إذا قام الرجل إلى الصلاة -أو: إذا صلَّى أحدكم-؛ فلا يَبْزُقَنَّ أمامه، ولا عن يمينه، ولكن عن تلقاء يساره إن كان فارغًا، أو تحت قدمه اليسرى، ثم ليقُلْ به».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وقال الحاكم: لـ «حديث صحيح»، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ عن أبي الأحوص عن منصور عن رِبْعِي عن طارق بن عبد الله المحاربي.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأبو الأحوص: هو سلّام بن سُلَيم الحنفي.
ومنصور: هو ابن المعتمر.
وَربْعِيٌّ: هو ابن حِراش.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ١١٩)، والترمذي (٢/ ٤٦٠ – ٤٦١)، وابن ماجة (١/ ٣١٩)، والحاكم (١/ ٢٥٦)، والبيهقي (٢/ ٢٩٢)، وأحمد (٦/ ٣٩٦) من طريق سفيان الثوري عن منصور … به.
وصححه الترمذي والحاكم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه الطيالسي (رقم ١٢٧٥): قال: حدثنا شعبة وورقاء وسلام وقيس كلهم عن منصور … به.
وأخرجه أحمد من طريق شعبة ومن طريق عَبِيدة بن حُمَيد كلاهما عن منصور.
«إن الله تعالى قِبَلَ وجه أحدكم إذا صلى؛ فلا يَبْزُقْ بين يديه».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»؛ دون ذكر اللطخ بالزعفران؛ وهي زيادة ثابتة، وقد رواها الإسماعيلي في «مستخرجه على البخاري»).
إسناده: حدثنا سليمان بن داود: ثنا حماد: ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر.
قال أبو داود:
“ورواه إسماعيل وعبد الوارث عن أيوب عن نافع. ومالك وعبيد الله وموسى ابن عقبة عن نافع … نحو حماد؛ إلا أنه لم يذكروا: الزعفران. ورواه معمر عن أيوب؛ وأثبت: الزعفران فيه. وذكر يحيى بن سُلَيم عن عبيد الله عن نافع: الخلوق.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وسليمان بن داود: هو أبو الربيع الزهراني العَتَكي.
وحماد: هو ابن زيد.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٢٩٣) من طريق سليمان بن حرب: ثنا حماد ابن زيد … به.
وأخرجه البخاري (٣/ ٦٥): ثنا سليمان بن حرب … به؛ لكن ليس فيه: وأحسبه قال: … فَلَطَخَه به.
وكذلك أخرجه الدارمي (١/ ٣٢٤) عن سليمان.
وأما رواية إسماعيل -وهو ابن عُلَيَّةَ-؛ فأخرجها أحمد (٢/ ٦): ثنا إسماعيل: أنا أيوب … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ٧٥).
وأما رواية مالك؛ فهي في «الموطأ» (١/ ٢٠٠).
ومن طريقه: أخرجه البخاري (١/ ٤٠٤)، ومسلم، وأبو عوانة (١/ ٤٠٣)، والنسائي (١/ ١١٨)، وأحمد (٢/ ٦٦) كلهم عن مالك عن نافع.
وأما رواية عبيد الله بن عمر؛ فأخرجها مسلم، وأبو عوانة، وأحمد (٢/ ٢٩ و٥٣).
وأما رواية موسى بن عقبة؛ فأخرجها مسلم أيضًا، وأبو عوانة، وعلقها البخاري (٢/ ١٨٧).
وليس في هذه الروايات ذكر: (الزعفران) كما ذكر المصنف.
وكذلك رواه الليث بن سعد عن نافع.
أخرجه البخاري (٢/ ١٨٧)، ومسلم، وابن ماجة (١/ ٢٥٧)، وأحمد (٢/ ٧٢).
وجويرية -عند البخاري (١٠/ ٤٢٥) -، وصخر بن جويرية -عند الطيالسي (رقم ١٨٤٣) -، ومحمد بن إسحاق -عند أحمد (٢/ ٣٢ و١١٤) -؛ كلهم عن نافع.
«زاد عبد الرزاق عن معمر عن أيوب: فلذلك صُنع الزعفران في المساجد».
وأخرج أحمد (٢/ ٣٤) من طريق ابن أبي رَوَّاد عن نافع … به نحوه؛ وفيه: ثم دعا بخَلُوق فَخَضَبَهُ.
وعلقه البخاري (٢/ ١٨٧).
وبالجملة؛ فذِكْرُ الزعفران في هذا الحديث محفوظ؛ وله شواهد تأتي في الباب.
٤٩٩ – عن أبي سعيد الخدري:
أن النبي ﷺ كان يُحبُّ العراجين، ولا يزال في يده منها؛ فدخل المسجد، فرأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها ثم أقبل على الناس مُغْضَبًا، فقال:
«أيَسُرُّ أحدَكم أن يُبصَق في وَجْهِهِ؟ ! إنّ أحدكم إذا استقبل القبلة؛ فإنما يستقبل ربه عز وجل، والملَك عن يمينه، فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فإن عَجِلَ به أمر؛ فليقل هكذا»؛ ووصف لنا ابن عجلان ذلك: أن يتفل في ثوبه ثم يردَّ بعضه على بعض.
(قلت: إسناده حسن صحيح. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه». وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهو في «الصحيحين» مختصر).
إسناده: حدثنا يحيى بن حبيب بن عَرَبِيٍّ: ثنا خالد -يعني: ابن الحارث-
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه إنما أخرج لابن عجلان متابعة، وهو حسن الحديث كما سبق.
وعياض بن عبد الله: هو القُرَشي العامري المكي.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٢٤): حدثنا يحيى عن ابن عجلان … به.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٥٧) من طريق يحيى بن سعيد … به، وقال: «حديث صحيح على شرط مسلم»!
كذا قال! ووافقه الذهبي! وفيه ما سبق.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» (٢/ ٤٦).
وله طريق أخرى؛ أخرجها أحمد (٣/ ٦٥) من طريق فُلَيْحٍ عن سعيد بن الحارث عن أبي سلمة عن أبي سعيد … به نحوه.
وهو على شرط الشيخين؛ على ضعف في فليح! وقد أخرجاه مختصرًا من طريق أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد معًا.
٥٠٠ – عن عمادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابرًا -يعني: ابن عبد الله- وهو في مسجده، فقال:
أتانا رسول الله ﷺ في مسجدنا هذا وفي يده عُرْجون ابنِ طابٍ، فنظر فرأى في قبلة المسجد نخامة، فأقبل عليها، فحتّها بالعرجون ثم قال:
«أيُّكم يحبُّ أن يُعْرِضَ الله عنه بوجهه؟ !»، ثم قال:
قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله رجال «الصحيح». وأخرجه مسلم في «صحيحه» مطولًا).
إسناده: حدثنا يحيى بن الفضل السِّجِسْتاني وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان -بهذا الحديث، وهذا لفظ يحيى بن الفضل السجستاني- قالوا: ثنا حاتم بن إسماعيل: ثنا يعقوب بن مجاهد أبو حَزْرَةَ عن عبادة بن الوليد ابن عبادة بن الصامت.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي حزرة فمن رجال مسلم؛ وأخرج له البخاري في «الأدب المفرد».
وغير يحيى بن الفضل السجستاني؛ فهو من شيوخ المصنف وحده، وهو مجهول الحال لم يوثقه أحد، لكن حديثه هذا مقرون مع ثقتين من رجال البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (٨/ ٢٣١ – ٢٣٦): حدثنا هارون بن معروف ومحمد ابن عَبَّاد -وتقاربا في لفط الحديث؛ والسياق لهارون- قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل … به مطولًا.
ورواه البيهقي (٢/ ٢٩٤) من طريق هارون مختصرًا؛ مثل رواية المصنف.
أن رجلًا أمّ قومًا، فبصق في القبلة ورسولُ الله ﷺ ينظر، فقال رسول الله ﷺ حين فرغ:
«لا يصلِّي لكم!». فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم؛ فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله ﷺ، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ؟ فقال:
«نعم -وحسبت أنه قال-؛ إنَّك آذيت الله ورسوله».
(قلت: حديث حسن. وقال العراقي: «إسناده جيد». ورواه ابن حبان في «صحيحه» (١٦٣٤».
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو عن بكر بن سَوَادة الجُذَامِيِّ عن صالح بن خَيْوانَ عن أبي سهلة السائب بن خلاد.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير صالح بن خيوان -بالمعجمة؛ ويقال بالمهملة-، ذكره ابن حبان في «الثقات». وقال العجلي: «تابعي ثقة»! وتعقبه الذهبي بقوله:
«قلت: ما روى عنه سوى بكر»! وقال عبد الحق:
«لا يُحْتَجُّ به».
وعاب ذلك عليه ابن القطان، وصحح حديثه، كما في «التهذيب»!
قلت: وما ذهب إليه عبد الحق هو الحق -إن شاء الله تعالى-، وتوثيق العجلي وابن حبان فيه لين؛ كما قد سبق.
«رواه الطبراني في»الكبير«بإسناد جيد». وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ٢٠):
«ورجاله ثقات».
ثم إن الحديث سكت عليه المنذري في «مختصره» (رقم ٤٥٣)! وكذا الحافظ في «الفتح» (١/ ٤٠٢)! وقال شيخه العراقي في «شرح التقريب» (١/ ٣٨٠):
«إسناده جيد».
وأخرجه الإمام أحمد (٤/ ٥٦): ثنا سُرَيْجُ بن النعمان قال: ثنا عبد الله بن وهب … به.
ورواه ابن حبان في «صحيحه» (١٦٣٤).
٥٠٢ – عن مُطَرِّفٍ عن أبيه [هو عبد الله بن الشِّخِّير] قال:
أتيت رسول الله ﷺ وهو يصلي، فبزق تحت قدمه اليسرى.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه بزيادة وهو التالي).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أنا سعيد الجُرَيري عن أبي العلاء عن مُطَرِّفٍ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة.
وأبو العلاء: هو يزيد بن عبد الله بن الشخير.
ومطرف: أخوه.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٥ – ٢٦): ثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة قال: أنا الجريري … به نحوه.
وهذا على شرط مسلم أيضًا.
وقد رواه غير حماد عن الجريري عن أبي العلاء عن عبد الله بن الشخير بإسقاط (مطرف) من بينهما؛ وهو صحيح أيضًا، وهو:
٥٠٣ – عن أبي العلاء عن أبيه [هو عبد الله بن الشِّخير] … بمعناه؛ زاد: ثم دلكه بنعله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الحاكم: «صحيح على شرطهما»، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ عن سعيد الجريري عن أبي العلاء عن أبيه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه مسلم (٢/ ٧٧): حدثني يحيى بن يحيى: أخبرنا يزيد بن زريع … به، ولفظه:
أنه صلى مع النبي ﷺ، قال: فتنخع فدلَكه … الحديث.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٢٩٣) من طريق أخرى عن مسدد.
وكذلك أخرجه الحاكم (١/ ٢٥٦) وقال:
«صحيح على شرطهما». ووافقه الذهبي.
وقد تابعه كَهْمَس عن أبي العلاء … به.
أخرجه مسلم وأبو عوانة.
٢٢ – باب ما جاء في المشرك يدخل المسجد
٥٠٤ – عن أنس بن مالك قال:
دخل رجل على جمل، فأناخه في المسجد ثم عَقَلَهُ، ثم قال: أيُّكم محمدٌ؟ ورسول الله ﷺ متَّكئ بين ظهرانَيْهم، فقلنا له: هذا الأبيض المتَّكئ، فقال له الرجل: يا ابن عبد المطلب! فقال له النبي ﷺ: «قد أجبتك».
فقال له الرجل: يا محمد! إني سائلك … وساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في «صحيحه» بتمامه، وهو:
… فمشدِّد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، فقال:
«سل عمّا بدا لك».
«اللهم! نعم». قال: آنْشُدُك بالله: آلله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال:
«اللهم! نعم».
قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال:
«اللهم! نعم».
قال: أنشدك بالله: آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي ﷺ:
«اللهم! نعم».
فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسولُ مَن ورائي من قومي، وأنا ضِمَامُ بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما» بأتم منه، وزادا في آخره: ثم ولّى، قال: والذي بعثك بالحق؛ لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فقال النبي ﷺ:
«لئن صدق ليدخُلَنَّ الجنة»).
إسناده: حدثنا عيسى بن حماد: أنا الليث عن سعيد المَقْبُرِيِّ عن شَرِيك بن عبد الله بن أبي نَمِرٍ أنه سمع أنس بن مالك يقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٤٤) من طريق المصنف.
وأخرجه البخاري (١/ ١٢٢ – ١٢٤)، وأحمد (٣/ ١٦٨) من طرق أخرى عن الليث … به.
وللحديث طريق أخرى بأتم منه: أخرجه مسلم (١/ ٣٢)، وأبو عوانة (١/ ٢ – ٣)، وأحمد (٣/ ١٤٣ و١٩٣) من طرق عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس.
وعلقه البخاري (١/ ١٢٥).
٥٠٥ – عن ابن عباس قال:
بَعَثَتْ بنو سعد بن بكر ضِمَامَ بن ثعلبة إلى رسول الله ﷺ، فَقدِم عليه، فأناخ بعيره عند باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد … فذكر نحوه، قال: فقال: أيُّكم ابنُ عبد المطلب؟ فقال:
«أنا ابن عبد المطلب».
قال: يا ابن عبد المطلب! … وساق الحديث.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي؛ وتمامه عنده:
إني سائلك ومغلِّط عليك في المسألة، فلا تجدنَّ عليّ في نفسك؛ فإني لا أجد في نفسي (١)، قال:
أنشدك اللهَ إلهَك وإلهَ مَنْ قَبْلك وإلهَ من هو كائن بعدك: آلله بعثك إلينا رسولًا؟ قال:
«اللهم! نعم». قال: أنشدك الله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك: آلله أمرك أن نعبده ولا نشرك به شيئًا، وأن نخلع هذه الأوثان والأنداد التي كان آباؤنا يعبدون؟ فقال ﷺ:
«اللهم! نعم».
ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وفرائض الإسلام كلها؛ ينشده عند كل فريضة كما أنشده في التي كان قبلها، حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله (١)، وسأؤدِّي هذه الفرائض، وأجتنب ما نهيتني عنه، لا أزيد ولا أنقص، ثم انصرف راجعًا إلى بعيره، فقال رسول الله ﷺ -حين ولّى-:
«إنْ يصدقْ ذو العَقِيصتين يدخلِ الجنة».
وكان ضمامٌ رجلًا جلدًا أشعر ذا غديرتين، ثم أتى بعيره فأطلق عقاله؛ حتى قدم على قومه، فاجتمعوا إليه، فكان أولَ ما تكلم به، وهو يَسُبُّ اللات والعُزَّى، فقالوا:
والظاهر أن لفظة (سيد) مُقْحمة من بعض النساخ؛ فإنها لم ترد في المكان الآخر من «المسند»؛ مع أن الإسناد واحد!
ويلكم! إنهما -والله- لا يضرَّان ولا ينفعان. إن الله قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. فوالله ما أمسى ذلك اليوم من حاضرته رجلٌ ولا امرأة إلا مسلمًا.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضِمامِ بن ثعلبة رضي الله تعالى عنه).
إسناده: حدثنا محمد بن عمرو: ثنا سَلَمَةُ: حدثني محمد بن إسحاق: حدثني سَلَمَةُ بن كُهَيْلٍ ومحمد بن الوليد بن نُوَيْفعٍ عن كُرَيْبٍ عن ابن عباس.
قلت: وهذا إسناد حسن، محمد بن عمرو: هو ابن بكر بن سالم أبو غسان الرازي الطيالسي المعروف بـ (زُنَيْج)؛ وهو ثقة من رجال مسلم.
وشيخه سلمة: هو ابن الفضل؛ وهو مختلف فيه، ويظهر من مجموع أقوال الأئمة فيه: أنه في نفسه ثقة، ولكنه سيئ الحفظ؛ فينظر فيما تفرد به.
لكن له اختصاص في الرواية عن ابن إسحاق؛ فقد ذكره الذهبي في «الميزان»:
«وقال زُنيج: سمعت سلمة الأبرش يقول: سمعت المغازي من ابن إسحاق مرتين، وكتبت عنه من الحديث مثل المغازي». وقال علي الهِسِنْجَانِيُّ عن ابن معين: سمعت جريرًا يقول:
«ليس من لَدُنْ بغداد إلى خراسان أثبتُ في ابن إسحاق من سلمة».
فهو عن ابن إسحاق حسن الحديث إن شاء الله تعالى.
«ما روى عنه سوى ابن إسحاق».
قلت: لكن حديثه هذا مقرون مع سلمة بن كُهَيل، وهو ثقة من رجال الشيخين؛ كشيخهما كريب.
وأما ابن إسحاق؛ فقد صرح بالسماع، وهو حسن الحديث، كما سبق ذكره مرارًا.
والحديث أخرجه الحاكم (٣/ ٥٤ – ٥٥)، وأحمد (١/ ٢٥٠ و٢٦٤ – ٢٦٥ و٢٦٥) من طرق أخرى عن ابن إسحاق: ثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب … به؛ ليس فيه: سلمة بن كهيل. وقال الحاكم:
«صحيح»، ووافقه الذهبي.
٢٣ – باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة
٥٠٦ – عن أبي ذر قال: قال رسول الله ﷺ:
«جُعِلَتْ لي الأرض طَهورًا ومسجدًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وهو عندهما وكذا أبي عوانة من حديث جابر بن عبد الله).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير عن الأعمش عن مجاهد عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن أبي ذر.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ١٤٨): ثنا عفان: ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش … به مطولًا؛ ولفظه:
«أعطيت خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحد قبلي: بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود، وجُعِلَت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأُحِلَّتْ لي الغنائم ولم تَحِلَّ لأحد قبلي، ونصِرْت بالرُّعْبِ فَيرْعَب العدو وهو مني مسيرة شهر، وقيل لي: سلْ تُعْطَه؛ واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي؛ فهي نائلة منكم -إن شاء الله تعالى- مَنْ لم يشرك بالله شيئًا».
وهذا على شرطهما أيضًا.
ورواه ابن إسحاق: حدثني سليمان الأ عمش … به؛ وزاد في آخره:
فكان مجاهد يرى أن الأحمر: الإنس، والأسود: الجن.
رواه أحمد (٥/ ١٤٥)؛ وسنده حسن.
وقد خالفه واصل الأحدب فقال: عن مجاهد عن أبي ذر … فأسقط من بينهما: عبيد بن عمير.
أخرجه الطيالسي (رقم ٤٧٢): حدثنا شعبة عن واصل … به.
وهكذا أخرجه أحمد (٥/ ١٦١) من طرق عن شعبة … به.
قلت: وواصل الأحدب ثقة ثبت، كما في «التقريب»؛ فلعل مجاهدًا سمعه عن عبيد أولًا، ثم سمعه من أبي ذر مباشرة؛ فإنه قد أدركه؛ فإن أبا ذر رضي الله عنه توفي سنة (٣٢) في خلافة عثمان، وولد مجاهد سنة (١٨) -على قول يحيى
والحديث له شواهد كثيرة؛ منها: عن جابر بن عبد الله: عند البخاري (١/ ٣٤٦ – ٣٤٨)، ومسلم (٢/ ٦٢)، والنسائي (١/ ٧٤ و١٢٠)، وأبي عوانة أيضًا في «صحيحه» (١/ ٣٩٥ – ٣٩٦)، والدارمي (١/ ٣٢٣)، والبيهقي (٢/ ٤٣٣)، وأحمد (٣/ ٣٠٤)، وصححه ابن حبان (٦٣٦٤).
٥٠٧ – عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ:
«الأرض كلُّها مسجدٌ؛ إلا الحمَّامَ والمقبرةَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه أيضًا ابن خزيمة وابن حبان، وقوّاه ابن حزم وابن دقيق العيد وابن التركماني، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أسانيده جيدة»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد. (ح) وحدثنا مسدد: ثنا عبد الواحد عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ. وقال موسى في حديثه: فيما يحسب عمرو أن النبي ﷺ قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح عاس شرط الشيخين؛ وحماد: هو ابن سلمة.
وقد تابعه عبد الواحد -وهو ابن زياد-، وهو من رجالهما.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٨٣): ثنا يزيد: أنا سفيان الثوري وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه -قال حماد في حديثه: عن أبي سعيد الخدري … -؛ ولم يجز سفيان أباه.
وهكذا أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٥١ – ٢٥٢)، والبيهقي (٢/ ٤٣٤ – ٤٣٥)، عن
وأخرجه ابن حزم في «المحلى» (٤/ ٢٧) من طريق حجاج بن منهال: ثنا حماد ابن سلمة … به موصولًا.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٥) من طريق أخرى عن مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد … به.
ثم أخرجه هو، وابن خزيمة (٢/ ٧ / ٣٩١)، وابن حبان (٣٣٨ و٣٣٩)، والحاكم (١/ ٢٥١)، وابن حزم، وأحمد، (٣/ ٩٦) من طرق أخرى عن عبد الواحد.
وقد تابعهما عبد العزيز بن محمد الدراوردي: ثنا عمرو بن يحيى … به.
أخرجه الترمذي (١/ ٣٢٣)، وابن خزيمة (٧٩٢)، والحاكم أيضًا، والبيهقي.
وتابعهم محمد بن إسحاق؛ لكنه شذ في لفظه؛ فقال:
«كلُّ الأرض مسجد وطهور؛ إلا المقبرة والحمام».
أخرجه أحمد (٣/ ٨٣). وقال البزار:
«أسنده أيضًا عن عمرو بن يحيى: أبو طُوالة عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري»؛ ذكره ابن حزم. ثم قال الحاكم:
«هذه الأسانيد كلها صحيحة على شرط البخاري ومسلم»؛ ووافقه الذهبي.
وأما الترمذي؛ فقد أعله برواية الثوري المتقدمة مرسلًا! فقال:
«وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي ﷺ: أثبت وأصح … مرسلًا»!
قلت: وهذا ترجيح عجيب! فكيف تكون رواية سفيان -وهو فرد- أصح من
على أننا نقول: لعل عمرو بن يحيى أو والده كان أحيانًا يرسله؛ فرواه الثوري كذلك؛ فذلك لا ينفي صحة الموصول؛ بل كلاهما صحيح ثابت. وقال ابن حزم:
«قال بعضهم: هذا حديث أرسله سفيان الثوري، وشك في إسناده موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة. قال علي [يعني: ابن حزم]: فكان ماذا؟ ! وأي منفعة لهم في شَكّ موسى ولم يَشُكَّ حجاج؟ ! وإن لم يكن فوق موسى فليس دونه! أو في إرسال سفيان؛ وقد أسنده حماد وعبد الواحد وأبو طوالة وابن إسحاق؛ وكلهم عدل؟ !». وقال صاحب «الإمام»:
«حاصل ما عُلِّلَ به: الإرسال، وإذا كان الواصل له ثقة؛ فهو مقبول. وأفحش ابن دِحْيَة، فقال في كتاب»التنوير«له: هذا لا يصح من طريق من الطرق. كذا قال؛ ولم يصب»؛ كذا في «التلخيص» (٤/ ٣٩).
قلت: على أن الثوري قد اختلف عليه فيه:
فرواه يزيد بن هارون عنه مرسلًا؛ كما تقدم.
ورواه أبو نعيم وقَبِيصة: ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد … به موصولًا.
رواه الدارقطني في «العلل»قال: حدثنا جعفر بن محمد المؤذن -ثقة-: ثنا السرِيُّ بن يحيى: ثنا أبو نعيم وقبيصة … به، وقال:
«المرسل المحفوظ».
وقد أشار إلى هذا البيهقي؛ حيث قال عقب رواية يزيد بن هارون:
«قلت: إذا وصله ابن سلمة، وتوبع على وصله من هذه الأوجه؛ فهو زيادة ثقة؛ فلا أدري ما وجه قول البيهقي: ليس بشيء؟ !»!
قلت: وهذا التعقُّب لا شيء! فإن قول البيهقي هذا إنما أراد به حديث الثوري خاصة لا أصل الحديث؛ كأنه يقول: وقد روي حديث الثوري موصولًا وليس بشيء؛ فهو بمعنى قول الدارقطني المتقدم: «المرسل المحفوظ»؛ يعني: المرسل عن الثوري هو المحفوظ، لا الموصول عنه.
ويدل على ما ذهبنا إليه؛ قول البيهقي عقب ذلك:
«وحديث ابن سلمة موصول …» إلخ؛ فإنه كالصريح على أنه أراد بذلك الكلام حديثَ الثوري وحده. ولذلك لا يمكن القول -كما فعل الحافظ في «التلخيص»-:
«إن البيهقي رجح المرسل أيضًا»! والله أعلم.
وثَمَّ وهَمٌ آخر يجب التنبيه عليه أيضًا؛ فقد قال الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي (٢/ ١٣٣) -إثر قول البيهقي المذكور آنفًا-:
«ولا أدري كيف يزعم الترمذي ثم البيهقي أن الثوري رواه مرسلًا؛ في حين أن روايته موصولة أيضًا؟ ! ثم الذي وصله عن الثوري: هو يزيد بن هارون، وهو حجة حافظ، وأنا لم أجده مرسلًا من رواية الثوري؛ إنما رأيته كذلك من رواية سفيان بن عيينة؛ فلعله اشتبه عليهم سفيان بسفيان»! !
قلت: لو وقف الأستاذ الفاضل على رواية أحمد المتقدمة عن يزيد بن هارون
ثم إن رواية سفيان التي زعم أنها موصولة؛ إنما عنى بها رواية البيهقي عن يزيد، فهي ليست صريحة فيما ادعى؛ بل هي تحتمل الوصل والإرسال؛ حيث إن سياقها هكذا: … ثنا يزيد بن هارون: أبَنا سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه. وحماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله ﷺ … حديث الثوري مرسل وقد روي موصولًا … إلخ.
فهذا -كما ترى- محتمل للوجهين الذين ذكرنا؛ لكن قول البيهقي: «حديث الثوري مرسل» دليل على أنه وقع عنده كذلك؛ وإلا فمن غير المعقول أن تكون الرواية عنده موصولة، ثم يقول: إنها مرسلة دون أن يبين وجه ذلك!
ويؤيد ذلك تصريح أحمد بأنها مرسلة كما سبق.
ثم إن الفاضل المذكور قد وقع في وهم آخر؛ حيث قال عند تخريج الحديث:
«ورواه أبو داود (ج ١ / ص ١٨٤)، والشافعي في»الأم«(ج ١ / ص ٧٩) عن سفيان بن عيينة عن عمرو … مرسلًا»!
وهذه الرواية ليست عند المصنف رحمه الله! وقد أشار بالجزء والصفحة إلى موضعها من النسخة التي عليها شرح «عون العبود»، والتي منها ننقل، وعليها نعتمد في هذا الكتاب، وليس في هذه الصفحة ولا في غيرها منها هذه الرواية؛ فهو وهم واضح! نسأل الله تعالى التوفيق.
ثم إن للحديث طريقًا أخرى هو في منجى من ذلك الاختلاف؛ فقد أخرجه الحاكم، ومن طريقه البيهقي: عن عُمَارة بن غَزِية عن يحيى بن عمارة الأنصاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا … به.
«أسانيده جيدة، ومن تكلم فيه؛ فما استوفى طرقه».
٢٤ – باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل
[تحت هذا الباب في الكتاب حديث البراء بن عازب، وقد مضى بنفس الإسناد في «الطهارة» (رقم ١٧٨) بأتم مما هنا؛ ولذلك حذفناه].
٢٥ – باب متى يُؤْمَرُ الغلام بالصلاة؟
٥٠٨ – عن عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه عن جده قال: قال النبي ﷺ:
«مُرُوا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين؛ فاضربوه عليها».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال النووي: «حديث صحيح». ورواه ابن خزيمة؛ يعني: في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى -يعني: ابن الطَّبَّاع-: ثنا إبراهيم بن سعد عن عبد الملك بن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبيه عن جده.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الملك بن الربيع بن سبرة؛ وقد أخرج له مسلم في «صحيحه» (٤/ ١٣٢ – ١٣٣) حديثًا في نسخ متعة النكاح بهذا السند، لكنه عنده متابعة؛ فإنه أخرجه -بعد أن ساقه- من طريق
«صدوق إن شاء الله. ضعفه يحيى بن معين فقط، فقال ابن أبي خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديثه عن أبيه عن جده؟ فقال: ضعاف». وقال أبو الحسن ابن القطان:
«لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له؛ فغير محتج به». قال الحافظ في «تهذيب التهذيب»:
«ومسلم إنما أخرج له حديثًا واحدًا -في المتعة- متابعة، وقد نبه على ذلك المؤلف»؛ يعني: المزي.
والحديث أخرجه الترمذي (٢/ ٢٥٩)، والدارمي (١/ ٣٣٣)، وابن خزيمة في «صحيحه» (١٠٠٢)، والطحاوي في «المشكل» (٣/ ٢٣١) والدارقطني (ص ٨٥)، والحاكم (١/ ٢٠١)، والبيهقي (٢/ ١٤ و٣/ ٨٣ – ٨٤)، وأحمد (٣/ ٤٠٤) من طرق عن عبد الملك … به.
وقد صححه من ذكرنا آنفًا، وكلام النووي في «المجموع» (٣/ ١٠) -وتمام كلام الحاكم-:
«فقد احتج -يعني: مسلمًا- بعبد الملك بن الربيع بن سَبْرَةَ عن أبائه»!
كذا قال، وأقره الذهبي! وقد علمت أنه إنما روى له متابعة.
ويقويه ما بعده، وحديث أبي هريرة مرفوعًا نحوه.
أخرجه البزار (ص ٤١ – زوائده) بسند حسن في الشواهد.
«مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشر سنين؛ وفرِّقوا بينهم في المضاجع».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال النووي: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا مُؤَمَّلُ بن هشام اليَشْكُرِيُّ: ثنا إسماعيل عن سَوَّارٍ أبي حمزة -قال أبو داود: هو سَوَّار بن داود أبو حمزة المُزَنِيُّ الصَّيْرفِيُّ- عن عمرو بن شعيب.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات -على الخلاف الشهور في عمرو بن شعيب، وقد سبق تحقيق الحق فيه، وأنه حسن الإسناد-؛ غير سوار بن داود أبي حمزة المزني الصيرفي، وهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وإليك ترجمته من «تهذيب التهذيب»:
«قال أبو طالب عن أحمد: شيخ بصري لا بأس به، روى عنه وكيع فقلب اسمه، وهو شيخ يوثق بالبصرة، لم يرْوَ عنه غير هذا الحديث».
قلت: يعني هذا: وقال ابن معين:
«ثقة». وقال الدارقطني:
«لا يتابع على أحاديثه، فيعتبر به».
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
«يخطيء». ولخَّص ذلك الحافظ في «التقريب»، فقال:
«صدوق له أوهام».
«رواه أبو داود بإسناد حسن».
وإسماعيل: هو ابن عُلَيَّةَ.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٨٧): ثنا محمد بن عبد الرحمن الطُّفَاوي وعبد الله بن بكر السَّهْمِيُّ -المعنى واحد- قالا: ثنا سوار أبو حمزة … به؛ وفيه الزيادة الآتية في الكتاب في الرواية الأخرى؛ بلفظ:
«إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره؛ فلا ينظرن إلى شيء من عورته؛ فإن ما أسفل من سُرَّته إلى ركبتيه من عورته».
وأخرجه من طريق عبد الله بن بكر السَّهْمِي: الدارقطني (ص ٨٥)، وعنه البيهقي (٢/ ٢٢٨ – ٢٢٩)، والحاكم (١/ ١٩٧)، والخطيب في «تاريخه» (٢/ ٢٧٨)؛ وليس عند الحاكم الزيادة.
وأخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي (٢/ ٢٢٩) من طريق النَّضْرِ بن شُمَيْلٍ: أنا أبو حمزة الصيرفي -وهو سوار بن داود- … به، ولفظها عنده:
«وإذا زوج أحدُكم عبدَه أَمَتَهُ أو أجيره؛ فلا تنظرِ الأمَةُ إلى شيء من عورته؛ فإن ما تحت السرة إلى الركبة من العورة».
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٢٢٦) من طريق المؤلف.
وقد رواه وكيع أيضًا عن سَوَّارٍ؛ لكنه قلب اسمه كما سبق؛ وقد أخرجه المصنف وهو:
«وإذا زوَّج أحدكم خادمه عبده أو أجيره؛ فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة».
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي).
إسناده: حدثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع: حدثني داود بن سَوَّارٍ المزني … بإسناده ومعناه؛ وزاد: قال أبو داود: وَهِمَ وكيع في اسمه، وروى عنه أبو داود الطيالسي هذا الحديث؛ فقال: ثنا أبو حمزة سوار الصيرفي.
قلت: وهذا إسناد حسن كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٨٠): ثنا وكيع … به دون الزيادة، قال: وقال الطفاوي محمد بن عبد الرحمن في هذا الحديث: سوار أبو حمزة … وأخطأ فيه!
قلت: هكذا في رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه. وخالفه أبو طالب فقال عن أحمد:
«سوار أبو حمزة لا بأس به، روى عنه وكيع فقلب اسمه»؛ كما تقدم ذكره في الرواية الأولى.
وهذا يوافق كلام المصنف هنا، وهو الصواب؛ لأن الطفاوي قد تابعه عبد الله ابن بكر السَّهمي وإسماعيل فقالوا: سوار أبو حمزة.
وكذلك قال الطيالسي عنه، فيما ذكره المصنف، وليست هذه الرواية في «مسنده».
٥١١ – عن أبي عمَيْرِ بن أنس عن عُمُومةٍ له من الأنصار قال:
اهتم النبي ﷺ للصلاة؛ كيف يجمع الناس لها؟ ! فقيل له: انصبْ راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يُعْجِبْهُ ذلك. قال: فذُكر له القُنْعُ؛ يعني: الشَّبُّور -وفي رواية: شَبُّور اليهود-، فلم يعجبه ذلك، وقال:
«هو من أمر اليهود».
قال: فذكر له الناقوس؟ فقال:
«هو من أمر النصارى».
فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه -وهو مهتمٌّ لِهَمِّ رسول الله ﷺ، فأريَ الأذانَ في منامِهِ، قال: فغدا على رسول الله ﷺ فأخبره، فقال: يا رسول الله! إني لَبَيْنَ نائم ويقظان؛ إذ أتاني آتٍ فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب قد رأى قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، قال: ثم أخبر النبي ﷺ، فقال له:
«ما منعك أن تخبرني؟».
فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله ﷺ:
«يا بلال! قم؛ فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله».
(قلت: إسناده صحيح. وقال الحافظ: «سنده صحيح إلى أبي عمير بن أنس. وقال ابن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعانٍ متقاربة، وهي من وجوه حسان، وهذا أحسنها»).
إسناده: حدثنا عَبَّاد بن موسى الخُتُّلي وزياد بن أيوب -وحديث عباد أتم- قالا: ثنا هُشَيْمٍ عن أبي بشر -قال: قال زياد: أنا أبو بشر- عن أبي عمير بن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير أبي عمير ابن أنس، وهو ثقة كما في «التقريب»، وصحح حديثه أبو بكر بن المنذر وغير واحد. وقال ابن سعد:
«كان ثقة قليل الحديث».
وذكره ابن حبان في «الثقات. وقول ابن عبد البر فيه:
»مجهول لا يحتج به«! مما لا يلتفت إليه ولا يحتج به؛ فقد عرفه من وثقة ومن صحح حديثه. وقد قال الحافظ في»الفتح«(٢/ ٦٤):
»أخرجه أبو داود بسند صحيح إلى أبي عمير بن أنس .. وقال أبو عمر بن عبد البر: روى قصة عبد الله بن زيد جماعة من الصحابة بألفاظ .. ” إلخ كلامه المذكور في أعلاه.
فهذا يفيد أن أبا عُمَيْرٍ حجة عنده؛ فلعله رجع عن قوله السابق! والله أعلم.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٩٠) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه (١/ ٣٩٩ – ٤٠٠) من طريق آخر عن هشيم.
٥١٢ – عن عبد الله بن زيد قال:
لما أمر رسول الله ﷺ بالناقوس يُعْمَلُ ليُضْرَبَ به الناس لجمع الصلاة؛ طاف بي وأنا نائم رَجل يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله! أتبيع الناقوس؟ فال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك؟ ! فقلت له: بلى، قال: فقال:
تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غيرَ بعيدٍ، ثم قال: ثم تقول إذا أقمتَ الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله الا
الله. فلما أصبحت؛ أتيت رسول الله ﷺ فأخبرته بما رأيت؛ فقال:
«إنها لرؤيا حقٍّ إن شاء الله، فقم مع بلال؛ فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به؛ فإنه أندى صوتًا منك». فقمت مع بلال، فجعلت أُلقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته؛ فخرج يجرُّ رداءه ويقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله! لقد رأيت مثل ما أُري! فقال رسول الله ﷺ: «فلله الحمد».
إسناده: حدثنا محمد بن منصور الطُّوسِيُّ: ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمِي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه: حدثني أبي عبد الله بن زيد.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٤٣): ثنا يعقوب … به.
ومن طريق أحمد: أخرجه الدارقطني (ص ٨٩)، والبيهقي (١/ ٣٩١).
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٦٩)، والبيهقي (١/ ٣٩٠ – ٣٩١) من طرق أخرى عن يعقوب … به.
وابن ماجة (١/ ٢٣٩ – ٢٤١) -عن محمد بن سلمة الحَرَّاني-، والدارمي -عن سلمة؛ وهو ابن الفضل الأبرش- كلاهما عن ابن إسحاق … به نحوه.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٥٨ – ٣٦٠) من طريق أخرى عنه … مختصرًا، وقال: «حديث حسن صحيح».
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» من حديث يعقوب بن إبراهيم … به.
وكذلك رواه البخاري في «أفعال العباد» (ص ٧٦).
«ليس في أخبار عبد الله بن زيد في قصة الأذان أصح من هذا. وفي كتاب»العلل«لأبي عيسى الترمذي قال:
سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؛ يعني: حديث محمد ابن إبراهيم التيمي؟ فقال: هو عندي حديث صحيح». وقال ابن خزيمة في «صحيحه»:
«هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل؛ لأن محمدًا سمع من أبيه، وابن إسحاق سمع من التيمي؛ وليس هذا مما دلسه». وقال الخَطَّابي في «المعالم»:
«روي هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها». وقال النووي في «المجموع» (٣/ ٧٦):
«إسناده صحيح». وقال الحافظ في «الفتح» (٢/ ٦٢):
«وشاهده: حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب … مرسلًا، ومنهم من وصله عن سعيد عن عبد الله بن زيد، والمرسل أقوى إسنادًا».
قلت: والموصول هذا؛ قد علقه المصنف؛ وهو:
٥١٣ – قال أبو داود: «هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد؛ وقال فيه ابن إسحاق عن الزهري: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر».
(قلت: وصله أحمد من طريق ابن إسحاق، وهو حديث صحيح).
لما أجمع رسول الله ﷺ أن يضرب بالناقوس، يجمع للصلاة الناس -وهو له كاره؛ لموافقته النصارى-؛ طاف بي من الليل طائف … الحديث نحو الرواية السابقة؛ وفي آخره زيادة في قول:
«الصلاة خير من النوم» في صلاة الفجر.
ومن طريقه: رواه البيهقي (١/ ٤١٥). وقال الحاكم في (مناقب عبد الله بن زيد) من «المستدرك» (٣/ ٣٣٦):
«وهو الذي أُري الأذان الذي تداوله فقهاء الإسلام بالقبول … وأمثل الروايات فيه رواية سعيد بن المسيب، وقد توهم بعض أئمتنا أن سعيدًا لم يلحق عبد الله بن زيد؛ وليس كذلك؛ فإن سعيد بن المسيب كان فيمن يدخل بين علي وبين عثمان في التوسط، وإنما توفي عبد الله بن زيد في أواخر خلافة عثمان. وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور؛ رواه يونس بن يزيد ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم». قال الشوكاني (٢/ ٣١):
«ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي تحتمله عنعنة ابن إسحاق».
ومما يشد في عضده: روايته الأخرى السابقة؛ وقد صرح فيها بالسماع، وفي كلتيهما تربيع التكبير؛ خلافًا له!
«الله أكبر الله أكبر» لم يثنِّيا.
(قلت: وصله عبد الرزاق عن معمر، والبيهقي عن يونس عن الزهري عن سعيد مرسلًا. ورواه بعضهم عن سعيد موصولًا. قال الحافظ: «والمرسل أقوى إسنادًا»، وقال البيهقي: «وسعيد بن المسيب أصح التابعين إرسالًا».
والحديث -على كل حال- صحيح، لكن الأصح تربيع التكبير فيه؛ كما في الروايتين المتقدمتين).
هو معلق، وقد سبق أن ذكرنا عن الحافظ أن عبد الرزاق رواه عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب مرسلًا.
ورواه البيهقي (١/ ٤١٤ – ٤١٥) من طريق عبد الله بن المبارك: أنا يونس عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن النداء:
أن أول من أُمر به في النوم رجل من الأنصار من بني الحارث بن الخزرج؛ يقال له: عبد الله بن زيد، قال عبد الله بن زيد: بيْنا أنا نائم … الحديث بطوله.
وهذا ليس صريحًا في الإرسال؛ لاحتمال أن يكون سعيد بن المسيب قد سمعه من عبد الله بن زيد، وقد لَحِقَه، كما نقلناه قريبًا عن الحاكم.
وأما قوله -أعني: الحاكم؛ فيما نقله ابن التركماني وغيره- أن الصحيح أن عبد الله بن زيد قتل بأحد، وأن الروايات عنه كلها منقطعة! فهو -بالرغم من مخالفته لقوله المتقدم-؛ فهو غير صحيح؛ لأمرين:
الأول: أنه مبني على قصة عن ابنة عبد الله بن زيد مع عمر بن عبد العزيز لا تصح؛ لانقطاعها، كما ذكره ابن التركماني، والحافط في «التلخيص» (٣/ ١٦٢).
وإذ قد بطل قوله هذا؛ لم يبق صحيحًا إلا قوله السابق؛ وإليه مال ابن دقيق العيد وابن التركماني والحافط وغيرهم.
وأما البيهقي؛ فجزم بأن الحديث هذا مرسل؛ قال (١/ ٤٢١):
«وسعيد بن المسيب أصح التابعين إرسالًا».
قلت: لكن قد ثبت موصولًا من طريق أخرى -كما قد سبق-؛ وفيه تربيع التكبير؛ فهو أصح من تثنيته؛ لأنه مرسل.
ويؤيد ذلك: أن التربيع جاء من طريق أخرى لهذه القصة بإسناد صحيح؛ كما يأتي (رقم ٥٢٣).
٥١٥ – عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال:
قلت: يا رسول الله! علِّمْني سنة الأذان، قال: فمسح مقدَّم رأسي؛ قال:
“تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، ترفع بها صوتك، ثم تقول: أشهد ان لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، تخفض بها صوتك، ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٦٨٠».
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف. وقال عبد الحق:
«لا يحتج بهذا الإسناد». وبينه ابن القطان؛ فقال:
«محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة مجهول الحال، لا نعلم روى عنه إلا الحارث». وقال الذهبي في «الميزان»:
«ليس بحجة؛ يكتب حديثه اعتبارًا، قد روى عنه الثوري وآخر، وذكره ابن حبان في»ثقاته«…».
ووالده عبد الملك بن أبي محذورة ليس بالمشهور أيضًا؛ وقد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقد قال الحافظ في كل منهما:
«مقبول»؛ يعني: عند المتابعة.
وقد توبعا كما يأتي.
والحارث بن عبيد: هو أبو قدامة الإيادي البصري، وهو ضعيف من قبل حفظه؛ وقد فرَّق ابن حبان بين الحارث بن عبيد هذا -الذي روى عن محمد بن عبد الملك، وعنه مسدد-، وبين الحارث بن عبيد أبي قدامة الإيادي؛ فأورد الأول
لكن الحديث صحيح؛ لأن له طرقًا كثيرة عن أبي محذورة؛ وقد ساقها المصنف.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٩٤) من طريق المصنف.
ثم أخرجه من طريق أبي المثنى: ثنا مسدد: ثنا الحارث بن عبيد أبو قدامة … به.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤٠٨ – ٤٠٩) من طريق أخرى عن الحارث … به.
ورواه ابن حبان (رقم ٢٨٨ و٢٨٩).
٥١٦ – وفي رواية عن أبي محذورة عن النبي ﷺ … نحو هذا الخبر؛ وفيه: «الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم في الأولى من الصبح».
قال أبو داود: «وحديث مسدد أبين [قلت: يعني: الرواية الأولى]، قال فيه: وعلمني الإقامة مرتين مرتين:
»الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، (زاد في رواية: وإذا أقمت الصلاة فقلها مرتين: قد قامت الصلاة؛ أسمعت؟)”.
قال: فكان أبو محذورة لا يَجُزُّ ناصيته ولا يفرقها؛ لأن النبي ﷺ
(قلت: حديث صحيح، دون قوله: فكان أبو محذورة لا يَجُزُّ … إلخ؛ فإنه من حصة الكتاب الآخر (رقم ٧٩».
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا أبو عاصم وعبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عثمان بن السائب: أخبرني أبي وأم عبد الملك بن أبي محذورة عن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عثمان بن السائب؛ قال ابن القطان:
«غير معروف».
ووالده السائب؛ قال الذهبي:
«لا يعرف».
وذكرهما ابن حبان في «الثقات»!
وأم عبد الملك بن أبي محذورة؛ لم أعرفها ولم أعرف اسمها؛ وقد أغفلوها فلم يوردوها في (فصل الكنى من النساء).
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤٢٢) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤٠٨): ثنا عبد الرزاق … به.
وأخرجه البيهقي أيضًا (١/ ٣٩٣ – ٣٩٤) من طريق أخرى عن عبد الرزاق.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٧٨ و٨٠): ثنا أبو بكرة قال: ثنا أبو عاصم … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٠٤)، والطحاوي أيضًا (٧٨ و٨٠ – ٨٢)، والدارقطني (ص ٨٦)، والبيهقي (١/ ٤١٨)، وأحمد (٣/ ٤٠٨) من طرق أخرى عن ابن
والصحيح في حديث أبي محذورة: التربيع، كما في أكثر الروايات عن ابن جريج في هذا الحديث، وكما في الحديث السابق، والآتي عن أبي محذورة.
ثم اعلم أن في الرواية السابقة: «فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم»؛ فهذا مطلق. وفي هذه الرواية تقييد ذلك بـ: «الأولى من الصبح».
وهذا هو الصواب: أن السنة جعل هذه الجملة في الأذان الأول للفجر، وعلى ذلك جاءت الأحاديث من طرق شتى، وقد ذكرتها في «الثمر المستطاب»؛ وليس في شيء منها أنها في الأذان الثاني للفجر. فما عليه الناس اليوم خلاف السنة، وتخصيصها الأذان الأول بها دون الثاني معقول جدًّا؛ للتفريق بينهما؛ فإن الأول لا يحرم طعامًا ولا يُحِلُّ الصلاة؛ بخلاف الآخر.
وإنما حكمنا بصحة الحديث مع ضعف إسناده؛ لكثرة طرقه عن أبي محذورة وقد مضى واحد منها، ويأتي سائرها.
ولما كانت الجملة الأخيره منه لا شاهد لها في جميع الطرق التي وقفت عليها؛ فقد حكمنا عليها بما يقتضيه إسنادها، فأوردناها في الكتاب الآخر (رقم ٧٩).
٥١٧ – وعنه:
أن رسول الله ﷺ علَّمه الأذان تسع عشره كلمةً، والإقامة سبع عشرة كلمةً: الأذان: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد
والإقامة: (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله).
(قلت: إسناده حسن صحح، وهو على شرط مسلم، وصححه ابن دقيق العيد على شرطه. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما» -دون ذكر الإقامة-، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» -مختصرًا-، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا عفان وسعيد بن عامر وحجاج -المعنى واحد- قالوا: ثنا همام: ثنا عامر الأحول: حدتني مكحول أن ابن مُحَيْرِيز حدثه أن أبا محذورة حدثه.
قلت: وهذا إسناد حسن وهو على شرط مسلم؛ لكنْ عامر الأحول -وهو ابن عبد الواحد- فيه كلام من قِبَلِ حفظه؛ قال أحمد:
«ليس بقوي».
وكذا قال النسائي. وقال ابن معين:
«ليس به بأس». وقال أبو حاتم:
«لا أرى برواياته بأسًا».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الساجي:
«يُحْتمل لصدقه، وهو صدوق». وقال الحافظ:
«صدوق يخطيء».
قلت: فهو حسن الحديث -إن شاء الله تعالى- إذا لم يخالف ولم يتبين خطؤه.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٤٠٩): ثنا عفان … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٧١): أخبرنا سعيد بن عامر … به. ثم قال: أخبرنا أبو الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال قالا: ثنا همام … به مختصرًا.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٣٠ – ٣٣١) من هذه الطرق؛ إلا طريق الحجاج.
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٦٧)، وابن ماجة (١/ ٢٤٣ – ٢٤٤)، والطحاوي (١/ ٧٨ و٨٠ – ٨١) من طريق عفان؛ بعضهم مختصرًا.
وأخرجه البيهقي (١/ ٤١٦ – ٤١٧) -من طريق سعيد بن عامر-، وهو، والطحاوي، والدارقطني (ص ٨٧ – ٨٨) -من طريق أبي الوليد- … به.
وأخرجه النسائي (١/ ١٠٣)، والطحاوي أيضًا، وأبو عوانة، وابن حزم (٣/ ١٥٠) من طرق أخرى عن همام … به مطولًا ومختصرًا.
وخالفهم في إسناده أبو داود الطيالسي؛ فقال في «مسنده» (رقم ١٣٥٤): ثنا همام عن عامر الأحول عن مكحول عن ابن أبي محذورة عن أبيه … به
«وذكروا أنه عن مكحول عن أبي [كذا! ولعله: ابن] محيريز عن ابن أبي محذورة عن أبيه»!
قلت: وهذا من أوهام الطيالسي رحمه الله؛ فليس هو من رواية ابن أبي محذورة عن أبيه؛ بل هو من رواية ابن محيريز عن أبي محذورة؛ سمعه منه؛ كما في رواية المصنف وغيره.
نعم؛ قد رواه ابن أبي محذورة عن أبيه -كما تقدم برقم (٥١٥)، ويأتي بعد هذا بحديث-؛ لكن ليس هو من حديث همام عن مكحول عنه! فلعله اختلظ عليه أحدهما بالآخر؛ والله أعلم.
وتابعه معاذ بن هشام عن أبيه عن عامر الأحول … به دون الإقامة.
أخرجه مسلم (٢/ ٣)، وأبو عوانة، والنسائي، والبيهقي من طرق عنه … به، لكن مسلمًا ذكر التكبير في أوله مرتين فقط! قال الحافظ (٣/ ١٦٠):
«وقال ابن القطان: الصحيح في هذا تربيع التكبير، وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة، وقد قُيِّدَ بذلك في نفس الحديث [يعني: حديث الباب] قال: وقد وقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير، وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح. انتهى. وقد رواه أبو نعيم في»المستخرج«والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده؛ وفيه تربيع التكبير، وقال بعده: أخرجه مسلم عن إسحاق».
قلت: وكذلك أخرجه النسائي عن إسحاق؛ فرواية مسلم بالتثنية شاذة. ثم قال أبو عوانة عقب الحديث:
“هذا لفظ هشام، وزاد همام في حديثه ذِكْرَ الإقامة، فتركته؛ لأن هشامًا
قلت: وبنحو هذا أعلّه البيهقي (١/ ٤١٧)! والجواب عن الأول:
أن هذا الاختلاف ليس اختلاف تعارض حتى يصار إلى ترجيح رواية الأحفظ؛ بل هو من قبيل زيادة الثقة على الثقة، وهي مقبولة.
وأيضًا؛ فإن همامًا لم يتفرد بذكر الإقامة فيه؛ بل قد تابعه سعيد بن أبي عروبة عن عامر … بسنده؛ ولفظه:
علَّمني رسول الله ﷺ الأذان تسع عشرة كلمة، والإقامة سبع عشرة.
أخرجه الطبراني؛ كما في «الجوهر النقي» وغيره.
والجواب عن الآخر: أنه لا حجة في إجماع طائفة بعد ثبوت الحديث؛ ولذلك قال الحافظ (٣/ ١٦٤):
«وتكلم البيهقي عليه بأوجه من التضعيف، ردَّها ابن دقيق العيد في»الإمام«، وصحح الحديث».
قلت: وتفصيل هذا في «الزيلعي» (١/ ٢٦٨).
٥١٨ – وفي رواية عنه قال:
ألقى عليَّ رسول الله ﷺ التأذين هو بنفسه، فقال:
“قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، مرتين مرتين -قال: – ثم ارجع فَمُدَّ مِنْ صوتك: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن
(قلت: إسناده حسن صحيح. وقال الترمذي: «حديث صحيح». ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا أبو عاصم: ثنا ابن جريج: أخبرني ابن عبد الملك بن أبي محذورة -يعني: عبد العزيز- عن ابن محيريز عن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد العزيز بن عبد الملك، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وروى عنه -غير ابن جريج-: ابنه إبراهيم وأبو سعيد محمد بن سعيد الطائفي، وصحح له الترمذي وابن خزيمة، كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٤١ – ٢٤٢): حدثنا محمد بن بشار ومحمد ابن يحيى قالا: ثنا أبو عاصم … به أتم منه؛ وزاد في آخره: قال: وأخبرني ذلك مَن أدرك أبا محذورة على ما أخبرني عبد الله بن محيريز.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص ٨٦)، والبيهقي (١/ ٣٩٣)، وأحمد (٣/ ٤٠٩).
وروراه النسائي (١/ ١٠٣ – ١٠٤)، ومن طريقه ابن حزم (٣/ ١٥١)، والطحاوي (١/ ٧٨) دون الزيادة؛ كلهم أخرجوه من طرق عن ابن جريج.
وعنه: أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» كما في «التهذيب» (٦/ ٣٤٧).
وأخرجه الترمذي (١/ ٣٦٦) من طريق إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: أخبرني أبي وجدي جميعًا عن أبي محذورة … به مختصرًا.
وروى منه البخاري في «أفعال العباد» (ص ٧٦) الترجيع. ثم قال الترمذي: «حديث صحيح».
٥١٩ – وفي رواية أخرى عنه قال:
ألقى عَليَّ رسول الله ﷺ الأذان حرفًا حرفًا:
«الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح».
قال: وكان يقول في الفجر: «الصلاة خير من النوم».
(قلت: حديث صحيح، كما قال الترمذي. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه». وصححه عبد الحق الإشبيلي).
إسناده: حدثنا النُّفَيْلِيُّ: نا إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يذكر أنه سمع أبا محذورة يقول …
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ إبراهيم بن إسماعيل بن عبد الملك بن أبي
وضعفه الأزدي، كما في «التقريب».
وجده عبد الملك بن أبي محذورة ليس بالمشهور، كما سبق (رقم ٥١٥).
لكن الحديث صحيح؛ بما له من الطرق، وقد سبق أكثرها.
والحديث أخرجه الطبراني في «الأوسط» (١/ ٥٧/ ٢/ ١٠٢٥) من طريق أخرى عن أبي جعفر النفيلي.
٥٢٠ – وعنه:
أن رسول الله ﷺ علَّمه الأذان؛ يقول:
«الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله …»، ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه (١).
قلت: يفهم منه أن في هذه الروايات الثلاث الترجيع، كما في حديث ابن جريج؛ وهذا حق لا مناقشة فيه. =
إسناده: حدثنا محمد بن داود الإسكندراني: ثنا زياد -يعني: ابن يونس- عن نافع بن عمر -يعني: الجُمَحِيُّ- عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن عبد الله بن محيريز الجمحي عن أبي محذورة.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل عبد الملك هذا، وبقية رجاله ثقات كلهم.
لكن الحديث صحيح؛ لما سبق بيانه في الرواية السابقة؛ إلا أن الأصح فيه تربيع التكبير في أوله.
كذلك رواه مكحول عن عبد الله بن محيريز، وقد سبقت روايته (رقم ٥١٧)، وهو أوثق من روى الحديث عن ابن محيريز، وعليه أكثر الرواة عن أبي محذورة، كما سلف.
وليست المخالفة هذه هي ما أشار إليه الشارح بقوله: «وفي حديث ابن جريج:»ثم ارجع فمد من صوتك«…»؛ فإن هذا اختلاف في اللفظ دون المعنى، وهذا قلما يُعْنَى المصنف ببيانه، وإنما المخالفة الحقيقية في مبتدأ الترجيع، ففي حديث ابن جريج أنه من الشهادتين، وفي حديث جعفر أنه من التكبير؛ إذ إن معنى حديثه: «فترفع صوتك قائلًا: الله أكبر الله أكبر»، فالتكبير إنما هو من صلب الحديث؛ ليس هو بيانًا من المصنف كما زعم الشارح!
وقد أشار إلى هذا الحديث وضعفه: البيهقي في «سننه»؛ وقد ذكرنا نص كلامه في الكتاب الآخر؛ فراجعه.
إسناده معلق كما ترى، ولم أجد من وصله؛ لا هذا، ولا الذي بعده (١).
والحديث صحيح لكن بتربيع التكبير في أوله لما سلف ذكره.
٥٢٢ – وكذلك حديث جعفر بن سليمان عن ابن أبي محذورة عن عمه عن جده؛ إلّا أنه قال:
«ثم ترجع فترفع صوتك: الله أكبر، الله أكبر».
(قلت: لم أجد من وصله! والحديث صحيح؛ لكن بتربيع التكبير في أوله كما تقدم قريبًا. وأما الرجوع إلى التكبير بعد الشهادتين -كما في هذه الرواية الأخيرة-؛ فمنكر. ولذلك أوردناها في الكتاب الآخر (رقم ٨٠».
صعدت إلى ابن أبي محذورة فوق المسجد الحرام بعد ما أذن، فقلت له: أخبرني عن أذان أبيك لرسول الله ﷺ؟ قال:
كان يبدأ فيكبر، ثم يقول: أشهد أن لا لله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، مرة، ثم يرجع فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حتى يأتى على آخر الأذان: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. وقال:
«تفرد به داود».
قلت: ولم أجد من ترجمه!
أُحِيلَت الصلاةُ ثلاثةَ أحوال. قال: وحدَّثنا أصحابنا أن رسول الله ﷺ قال:
«لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين -أو قال: المؤمنين- واحدة، حتى لقد هممت أن أبُثَّ رجالًا في الدُّور ينادون الناس بحين الصلاة، وحتى هممت أن آمر رجالًا يقومون على الآطام؛ ينادون المسلمين بحين الصلاة»، حتى نَقَسوا أو كادوا أن يَنْقُسُوا، قال: فجاء رجل من الأنصار فقال:
يا رسول الله! إني لما رجعتُ -لِمَا رأيت من اهتمامك- رأيت رجلًا كأنَّ عليه ثوبين أخضرين، فقام في المسجد فأذَّن، ثم قعد قَعْدَةً، ثم قام فقال مثلها؛ إلا أنه يقول: قد قامت الصلاة، ولولا أن يقول الناس (وفي رواية: أن تقولوا) لقلت: إني كنت يقظانًا غير نائم! فقال رسول الله ﷺ (زاد في الرواية المذكورة: «لقد أراك الله خيرًا)، فمُرْ بلالًا فليؤذن».
قال: فقال عمر: أما إني قد رأيت مثل الذي رأى، ولكن لمَّا سُبقت استحييت!
قال: وحدثنا أصحابنا: قال:
كان الرجل إذا جاء يَسأل؟ فيُخبر بما سُبِق من صلاته، وأنهم قاموا مع رسول الله ﷺ؛ من بين قائم وراكع وقاعد ومُصَلٍّ مع رسول الله ﷺ قال ابن المثنى: قال عمرو: وحدثني بها حُصَيْن عن ابن أبي ليلى-؛ حتى
قال أبو داود: ثم رجعت إلى حديث عمرو بن مرزوق. قال: فجاء معاذ فأشاروا إليه -قال شعبة: وهذه سمعتها من حصين- قال: فقال معاذ: لا آراه على حال إلا كنتُ عليها؛ قال: فقال: «إن معاذًا قد سَنَّ لكم سُنَّةً؛ كذلك فافعلوا».
قال: وحدثنا أصحابنا:
أن رسول الله ﷺ لما قدم المدينة؛ أمرهم بصيام ثلاثة أيام، ثم أُنزل رمضان، وكانوا قومًا لم يتعوَّدوا الصيام، وكان الصيام عليهم شديدًا، فكان من لم يصم أَطعم مسكينًا، فنزلت هذه الآية: ﴿فمن شهد منكم الشهر فلْيَصُمْهُ﴾؛ فكانت الرخصة للمريض والمسافر؛ فأمروا بالصيام.
قال: وحدثنا أصحابنا: قال:
وكان الرجل إذا أفطر فنام قبل أن يأكل؛ لم يأكل حتى يصبح. قال: فجاء عمر فأراد امرأته؛ فقالت: إني قد نمتُ، فظنَّ أنها تَعْتَلُّ؛ فأتاها، فجاء رجل من الأنصار فأراد الطعام، فقالوا: حتى نُسَخِّنَ لك شيئًا؛ فنام، فلما أصبحوا أُنزلت عليهم هذه الآية؛ فيها: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا أصحابنا)؛ يريد به أصحاب النبي عليه السلام. وقد صححه ابن حزم وابن
إسناده: حدثنا عمرو بن مرزوق: أنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى. (ح) وحدثنا ابن المثنى: ثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت ابن أبي ليلى. والرواية الأخرى لابن المثنى.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا أصحابنا) إنما أراد به الصحابة رضي الله عنهم، كما صرح به الأعمش عن عمرو ابن مرة، كما يأتي. وقد تردد في ذلك المنذري، فقال في «مختصره» (رقم ٤٧٧):
«وقول ابن أبي ليلى: (حدثنا أصحابنا)؛ إن أراد الصحابة؛ فهو قد سمع من جماعة من الصحابة، فيكون الحديث مسندًا؛ وإلا فهو مرسل»!
والرواية المشار إليها تعين الاحتمال الأول، كما قال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ١٧٤). قال:
«ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد». وقال الزيلعي في «نصب الراية» (١/ ٢٦٧):
«أراد به الصحابة؛ صرَّح بذلك ابن أبي شيبة في»مصنفه«، فقال: حدثنا وكيع: ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد ﷺ: أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله! رأيت في المنام كأن رجلًا قام وعليه بردان أخضران، فقام على حائط، فأذن مثنما مثنى، وأقام مثنى مثنى. انتهى. وأخرجه البيهقي في»سننه«عن وكيع … به. قال في»الإمام«: وهذا رجال»الصحيح«، وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة، وأن جهالة اسمهم لا تضر».
قلت: وكذا قال ابن التركماني في «الجوهر النقي» نحو ما قال ابن دقيق العيد
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ٧٩ و٨٠) -عن يحيى بن يحيى النيسابوري-، والبيهقي (١/ ٤٢٠) -عن عبد الله بن هاشم-، وابن حزم في «المحلى» (٣/ ١٥٧) -عن موسى بن معاوية- كلهم عن وكيع … به. وقال ابن حزم:
«وهذا إسناد في غاية الصحة».
ثم إن الحديث قد روى قسمًا منه: عمرو بن مرة أيضًا عن حصين عن ابن أبي ليلى وتابعه عليه شعبة عن حصين، كما قد ذكر ذلك المصنف في تضاعيف الحديث.
وقد رواه ابن حزم في «الإحكام» (٦/ ٧٠ – ٧١) من طريق بُنْدَار: ثنا غُنْدَرٌ -لقب محمد بن جعفر-: ثنا شعبة: ثنا عمرو بن مرة عن حصين … به من قوله: قال: وحدثنا أصحابنا إلى قوله: «كذلك فافعلوا».
والحديث فيه تربيع التكبير في أول الأذان، فهو يؤيد رواية ابن إسحاق المتقدمة عن عبد الله بن زيد (رقم ٥١٢)؛ ولذلك رجحنا هناك أنه أصح من تثنية التكبير في هذه القصة.
وأما رواية المسعودي عن عمرو بن مرة بالتثنية -كما في حديث معاذ الآتي-؛ فلا تصلح للمعارضة؛ لأن المسعودي ضعيف، كما يأتي.
٥٢٤ – عن معاذ بن جبل قال:
أُحيلت الصلاة ثلاثة أحوال، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال … وساق نص الحديث بطوله، واقتصَّ ابن المثنى منه قصة صلاتهم نحو بيت المقدس قط، قال:
أن رسول الله ﷺ قدم المدينة فصلَّى -يعني: نحو بيت المقدس- ثلاثة عشر شهرًا، فأنزل الله هذه الآية: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾؛ فوجَّهه الله عز وجل إلى الكعبة … وتمَّ حديثه. وسمى نصر صاحب الرؤيا. قال:
فجاء عبد الله بن زيد -رجل من الأنصار- … وقال فيه: فاستقبل القبلة. قال: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حي على الصلاة -مرتين-، حي على الفلاح -مرتين-، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ثم أمهل هُنَيَّةً، ثم قام فقال مثلها؛ إلا أنه قال: زاد -بعدما قال: حي على الفلاح-: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. قال: فقال رسول الله ﷺ:
«لقِّنْها بلالًا»؛، فأذَّن بها بلال.
وقال في الصوم: قال:
فإن رسول الله ﷺ كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم يوم عاشوراء، فأنزل الله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾؛ فكان من
فأنزل الله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾؛ فثبت الصيام على من شهد الشهر، وعلى المسافر أن يقضي، وثبت الطعام للشيخ الكبير والعجوز اللذَيْنِ لا يستطيعان الصوم، وجاء صِرْمَةُ وقد عمل يومه … وساق الحديث.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي. وعلق البخاري بعضه في «صحيحه». وقوّاه الحافظ؛ لكن الأصح تربيع التكبير في أوله).
إسناده: حدثنا ابن المثنى عن أبي داود. (ح) وثنا نصر بن المهاجر: ثنا يزيد ابن هارون عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ لكن المسعودي -واسمه عبد الرحمن بن عبد الله- كان قد اختلط.
لكن قد تابعه شعبة عن عمرو بن مرة؛ لكن خالفه في إسناده ومتنه.
أما الإسناد؛ فقال المسعودي: عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل … فَأُعِلَّ بالانقطاع، قال المنذري في «مختصره»:
“ذكر الترمذي وابن خزيمة أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل. وما قالاه ظاهر جدًّا؛ فإن ابن أبي ليلى قال: وُلِدْتُ لستٍّ بَقِين من خلافة عمر؛ فيكون مولده سنة سبع عشرة من الهجرة، ومعاذ توفي في سنة سبع عشرة أو
وبذلك أعله الدارقطني أيضًا؛ فقال في «السنن» (ص ٨٩):
«وقال الأعمش والمسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل … ولا يثبت، وللصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلًا»!
كذا قال! وفيه نظر من وجهين:
الأول: دعواه أن الأعمش رواه كرواية المسعودي عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ!
فلعل ذلك في بعض الروايات عن الأعمش؛ وإلا فقد رواه وكيع عنه عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: ثنا أصحاب محمد ﷺ.
فهذا متصل صحيح الإسناد، كما سبق ذكره في حديث ابن أبي ليلى (رقم ٥٢٣).
والوجه الآخر: زعمه أن رواية شعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى إنما هي مرسلة وأنها الصواب!
وقد سبقت هذه الرواية؛ وليست هي صريحة في الإرسال؛ بل هي -عند التحقيق- موصولة؛ فإن فيها أن ابن أبي ليلى قال: وحدثنا أصحابنا أن رسول الله ﷺ قال … الحديث. وقد بينت رواية وكيع عن الأعمش المذكورة آنفًا: أن الأصحاب في هذه الرواية إنما هم أصحاب محمد ﷺ؛ فعاد الحديث موصولًا صحيح الإسناد.
ولذلك علق البخاري في «صحيحه» (٤/ ١٥٢) قسمًا من الحديث من طريق الأعمش فقال: وقال ابن نمير: حدثنا الأعمش: حدثنا عمرو بن مرة: حدثنا ابن أبي ليلى:
حدثنا أصحاب محمد ﷺ:
نزل رمضان، فشَقَّ عليهم؛ فكان من أطعم كل يوم مسكينًا؛ ترك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّصَ لهم في ذلك، فنسختها: ﴿وَأن تصوموا خَيْرٌ لَكُم)؛ فأُمِروا بالصوم. فقال الحافظ:
«قوله: وقال ابن نمير … إلخ؛ وصله أبو نعيم في»المستخرج«والبيهقي من طريقه». قال:
«وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق شعبة والمسعودي عن الأعمش … مطولًا في الأذان والقِبْلَةِ والصيام. واختلف في إسناده اختلافًا كثيرًا؛ وطريق ابن نمير هذه أرجحها».
وقوله: «عن الأعمش»! وهم منه رحمه الله، أو سبق قلم؛ والصواب: «عن عمرو بن مرة»، كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٢٤٦ – ٢٤٧): ثنا أبو النَّضْرِ: ثنا المسعودي. ويزيد ابن هارون: أخبرنا المسعودي -قال أبو النضر في حديثه-: حدثني عمرو بن مرة … به بتمامه.
وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ٣٩١ و٤٢٠ – ٤٢١).
«حديث صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي!
وليس بجيد؛ لما علمت من حال المسعودي. والصواب أن يقال: حديث صحيح؛ لمتابعة شعبة له، كما في الرواية التي قبلها.
وقال أحمد (٥/ ٢٣٢): ثنا أسود بن عامر: أنبأنا أبو بكر -يعني: ابن عياش- عن الأعمش عن عمرو بن مرة … به مقتصرًا على قصة الأذان، وفيه:
فأذن مثنى مثنى، ثم جلس، ثم أقام فقال: مثنى مثنى.
وكذلك أخرجه الدارقطني (ص ٨٩ – ٩٠) من طريق الأسود.
فقد تابع الأعمشُ المسعوديَّ في روايته عن عمرو عن ابن أبي ليلى عن معاذ، وقد سبق أن الدارقطني أشار إلى هذه المتابعة.
لكن أبو بكر بن عياش -الراوي عن الأعمش- هو سيئ الحفظ أيضًا.
وقد خالفه وكيع؛ فقال: عن الأعمش عن عمرو عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد ﷺ … كما تقدم.
فالقول في هذه الرواية؛ ما قلنا في رواية المسعودي عن عمرو بن مرة.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح، ورواية من رواه مقطوعًا لا تعل رواية من رواه موصولًا.
لكن الأصح فيه تربيع التكبير في أوله، كما في رواية الأعمش هذه، وروايته الأخرى المشار إليها آنفًا، وقد ذكرنا لفظها عند الكلام على الحديث السابق.