١ – كتاب الطهارة -5

١١٣ – باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر
٣١٩ – عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر:
أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال:
تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتوضأ لكل صلاة؛ فإن غَلَبَها الدم استثفرت بثوب.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما).
إسناده: حدثنا القعنبي عن مالك عن سُمَيٍّ مولى أبي بكر.
٢ ‏/ ١٠٥
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٨١)، ومن طريقه رواه محمد في «موطئه» (ص ٨٠) بلفظ: طهر .. بالإهمال، ويأتي قريبًا ما نقله المؤلف عن مالك في ذلك.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٠٥) قال: أخبرنا يزيد بن هارون: حدثنا يحيى أن سُمَيًا مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أخبره … به.
وهذا صحيح أيضًا على شرطهما.
ومن طريق يزيد: أخرجه البيهقي (١/ ٣٣٠)؛ لكنه لم يذكر فيه: زيد بن أسلم.
وقد علقه المصنف فيما مضى من طريق حماد بن زيد عن يحيى … به (رقم ٢٨٨).
ورواه سفيان أيضًا عن سُمَيٍّ، وقد ذكرنا لفظه فيما سبق (رقم ٢٨٩).

٣٢٠ – قال أبو داود: «وروى عن ابن عمر وأنس بن مالك:
تغتسل من ظهر إلى ظهر».
(قلت: وصله عن ابن عمر الدارميُّ: من طريق نافع عنه؛ وإسناده حسن.
وأما أثر أنس؛ فلم أجده).
وصله من طريق ابن عمر: الدارمي فقال (١/ ٢٠٦). أخبرنا مروان عن بكير ابن معروف عن مقاتل بن حيان عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول:
المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر.
قال مروان: وهو قول الأوزاعي.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير بكير بن

٢ ‏/ ١٠٦
معروف؛ فقال الآجري عن المصنف:
«ليس به بأس».
وكذا قال النسائي، ونحوه أحمد في رواية. وقال في رواية أخرى:
«ذاهب الحديث». وقال ابن عدي:
«أرجو أنه لا بأس به، وليس حديثه بالمنكر جدًّا». وفي «التقريب»:
«صدوق، فيه لين».

٣١٧ – وكذلك روى داود وعاصم عن الشعبي عن امرأته عن قمير عن عائشة؛ إلا أن داود قال: كل يوم. وفي حديث عاصم: عند الظهر.
(قلت: كذا في هذه الرواية: (عن امرأته)! وهي -إن ثبتت في جميع نسخ الكتاب- شاذة، وقد سبق أن ذكره المصنف معلقًا على الصواب: عن الشعبي عن قمير. ووصلناه هناك بهذا الرقم من طريق داود. وأما طريق عاصم؛ فلم أقف عليه موصولًا).
سبق بهذا الرقم، وزيادة امرأة الشعبي في الإسناد شاذ؛ كما ذكرت أعلاه.
ويؤيد ذلك: أنه قد رواه عبد الملك بن ميسرة وبيان والمغيرة وفراس ومجالد عن الشعبي عن قمير … وقد مضى (رقم ٣١٦).

٣٢١ – وهو قول سالم بن عبد الله والحسن وعطاء.
(قلت: وصله الدارمي من طريق الحسن وعطاء. وهو عن الحسن صحيح على شرط مسلم، وعن عطاء ضعيف.

٢ ‏/ ١٠٧
قال أبو داود:»قال مالك (١): أني لأظن حديث ابن المسيب: «من ظهر إلى ظهر»، قال فيه: إنما هو: «من طهر إلى طهر»، ولكن الوهم دخل فيه، فقلبها الناس فقالوا: «من ظهر إلى ظهر».
ورواه مسور بن عبد الملك بن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع؛ قال فيه: «من طهر إلى طهر»، فقلبها الناس: «من ظهر إلى ظهر» (٢)«.
(قلت: وظن مالك هذا ليس بصحيح؛ مسور بن عبد الملك ليس بالقوي. وقد رواه يحيى بن سعيد القطان عن سمي باللفظ الأول:»من ظهر إلى ظهر«بالإعجام؛ أخرجه الدارمي بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه سفيان عن سمي؛ وقد ذكر لفظه فيما سبق من الكتاب (رقم ٢٨٩). وهكذا صححه


(١) قول مالك هذا ليس في»الموطأ«! وهو ظن غير صحيح؛ كما سأذكر تاليًا.
والمسور هذا أورده الحافظ في»التهذيب«من أجل هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلا. وقال في»التقريب«:
»مقبول«. وفي»الميزان«:
»مسور بن عبد الملك، حدث عنه معن القزاز؛ ليس بالقوي. قاله الأزدي«.
فالظاهر أنه هذا! ثم تأكد ذلك لدي حين رجعت إلى»اللسان«؛ فإذا به يقول:
»وسمى ابن أبي حاتم جده سعيد بن يربوع، وذكر في الرواة عنه أيضًا ابن وهب وأشهب وعبد الله بن الحكم«.
(٢) قال أبو الحسنات في»التعليق الممجد على موطأ محمد«:
»قال ابن سيد الناس: اختلف فيه: فمنهم من رواه بالطاء المهملة، ومنهم من رواه بالظاء المعجمة. وقال ابن العراقي: المروي إنما هو بالإعجام، وأما الإهمال؛ فليس رواية مجزومًا بها.
وقال ابن عبد البر: قال مالك: ما أرى الذي حدثني به: «من ظهر» إلا وقد وهم.
وليس ذلك بوهم؛ لأنه صحيح عن سعيد، معروف من مذهبه، وقد رواه كذلك السفيانان عن سُمَيٍّ … به بالإعجام”.
٢ ‏/ ١٠٨
ابن عبد البر وغيره أنه بالإعجام).
وصله من طريق الحسن -وهو البصري-: الدارميُّ فقال (١/ ٢٠٦): حدثنا حجاج بن منهال: ثنا حماد عن حميد عن الحسن قال:
المستحاضة تدع الصلاة أيام حيضها من الشهر، ثم تغتسل من الظهر إلى الظهر، وتوضأ عند كل صلاة، وتصوم، وتصلي، ويأتيها زوجها.
قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
ثم قال: حدثنا حجاج بن منهال: ثنا حماد عن عباد بن منصور عن الحسن وعطاء … مثل ذلك.
قلت: وعباد بن منصور فيه ضعف، وهو مدلس.

١١٤ – باب من قال: تغتسل كل يوم مرة، ولم يقل: عند الظهر
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا.) انظر «الضعيف»)]

١١٥ – باب من قال: تغتسل بين الأيام
٣٢٢ – عن محمد بن عثمان:
أنه سأل القاسم بن محمد عن المستحاضة؟ قال:
تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل في الأيام.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا القعنبي: نا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن محمد بن عثمان.

٢ ‏/ ١٠٩
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عثمان -وهو ابن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي-، وهو ثقة بلا خلاف.

١١٦ – باب من قال: توضأ لكل صلاة
…………… (١)

٣٢٣ – قال أبو داود:»وروي عن العلاء بن المسيب وشعبة عن الحكم عن أبي جعفر -قال العلاء-عن النبي ﷺ وأوقفه شعبة على أبي جعفر-: «تَوضَّأ لكل صلاة».
(قلت: الموقوف إسناده صحيح؛ فقد وصله الدارمي من طريق أخرى عن أبي جعفر. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأما المرفوع؛ فهو حديث صحيح؛ صح مسندًا من حديث عائشة، وقد مضى (رقم ٣١٨».
هو معلق كما ترى؛ وهو من طريق العلاء بن المسيب مرفوع مرسل، ومن طريق شعبة موقوف.
أما المرسل؛ فقد علقه المصنف أيضًا في باب سابق بلفظ آخر، وقد أوردناه في الكتاب الآخر (رقم ٤٦)، وذكرنا هناك أن ابن خزيمة وصله مرسلًا أتم من اللفظ المذكور هناك، كما قال البيهقي، ولم نقف على لفظه؛ فلعل فيه ما ذكره المؤلف هنا!
على أن هذا القدر منه صحيح مرفوعًا؛ لأنه صح إسناده مسندًا من حديث عائشة، وقد تقدم (رقم ٣١٨).


(١) هنا في بعض النسخ حديث تقدم بإسناده ومتنه برقم (٢٨٥ و٢٨٦).
٢ ‏/ ١١٠
وأما الموقوف؛ فقد وصله الدارمي من طريق أخرى عن أبي جعفر، فقال (١/ ٢٠٣): أخبرنا محمد بن يوسف: أنا إسرائيل: ثنا أبو إسحاق عن محمد أبي جعفر (وفي الأصل: محمد بن أبي جعفر، وهو خطأ مطبعي): أنه قال في المستحاضة:
تدع الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتحتشي كُرْسُفًا، وتوضأ لكل صلاة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين (١).

١١٧ – باب من لم يذكر الوضوء إلا عند الحدث
٣٢٤ – عن عكرمة قال:
إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت، فأمرها النبي ﷺ أن تنتظر أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلِّي، فإن رأت شيئًا من ذلك توضأت وصلت.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه عبد الحق في «أحكامه» (٥٢٢».
إسناده: حدثنا زياد بن أيوب: نا هشيم: نا أبو بشر عن عكرمة.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أعل بالانقطاع، ويأتي الجواب عنه.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٥١) من طريق يحيى بن يحيى: أنا هشيم … به؛ إلا أنه قال:


(١) تنبيه: أورد المصنف في الباب حديث: «دم الحيض أسود يعرف»؛ وقد اختصرناه؛ لأنه تقدم بإسناده ولفظه (رقم ٢٨٥).
٢ ‏/ ١١١
توضأت واستثفرت واحتشت وصلَّت». وأعله بقوله:
«وهذا منقطع»!
وتبعه المنذري والخطابي؛ وزاد:
«وعكرمة لم يسمع من أم حبيبة بنت جحش»! قال ابن التركماني:
«وفي تسميته هذا منقطعًا نظر».
قلت: ولعل وجهه أن عكرمة -وهو أبو عبد الله المدني البربري؛ مولى ابن عباس- تابعي مات سنة (١٠٧)؛ وهو غير معروف بالتدليس، فروايته محمولة على السماع إلا إذا وجد ما يدل على الانقطاع؛ وليس لدينا شيء من ذلك.
وقول الخطابي: «إن عكرمة لم يسمع من أم حبيبة»!
لا ندري ما مستنده في ذلك؟ ! ولم يذكره أحد ممن ترجم لأم حبيبة وعكرمة!
نعم؛ هناك مجال للشك في سماع عكرمة منها، كما فعل الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٤٠)، وسيأتي نص كلامه في ذلك (رقم ٣٢٨).
فلو كان صحيحًا ما ذكره الخطابي من نفي السماع؛ لجزم الحافظ بذلك ولم يشك!
على أن الشك المذكور خلاف الأصل؛ لما ذكرنا. والله تعالى أعلم.
(فائدة): هذا الحديث كالمخصص أو المقيد لحديث عائشة المشار إليه في الباب قبله:
أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة.
فإنه -بإطلاقه- يدل على أنها تتوضأ لكل صلاة؛ سواءً رأت الدم أو لم تره! وأما هذا الحديث؛ فإنه يدل على أن ذلك إنما يجب إذا رأت الدم.
٢ ‏/ ١١٢
فدل على أن المستحاضة إذا لم تر الدم؛ تصلي بالوضوء الواحد ما شاءت من الصلوات، حتى ينتقض وضوؤها؛ سواءً بخروج الدم أو غيره من النواقض.
هذا هو المراد من الحديث، ولا يحتمل غيره من المعنى؛ لا سيما على رواية البيهقي المذكورة عند تخريج الحديث.
وقد ذكر صاحب «العون» وجهًا آخر من المعنى، وهذا -وإن كان قد ذكره احتمالًا، ورجح المعنى الأول-؛ فإن المعنى المشار إليه باطل إذا ما قوبل برواية البيهقي، والله أعلم.

٣٢٥ – عن ربيعة:
أنه كان لا يرى على المستحاضة وضوءًا عند كل صلاة؛ إلا أن يصيبها حدث غير الدم؛ فتوضأ (١).
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
قال أبو داود: «وهذا قول مالك -يعني: ابن أنس-» (٢).


(١) قال الخطابي: «وقول ربيعة شاذ، ليس عليه العمل».
قلت: وهو قول باطل؛ لمخالفته لحديث الباب، ولحديث عائشة المشار إليه في الباب قبله.
(٢) قال في «عون المعبود»:
«هذه العبارة في النسختين، وليست في أكثر النسخ. قال ابن عبد البر: ليس في حديث مالك في»الموطأ«ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة، وذكر في حديث غيره، فلذلك كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه؛ كما لا يوجبه على صاحب التسلسل. ذكره الزرقاني».
قلت: لكن الحديث بوجوب الوضوء لكل صلاة؛ قد صح عند البخاري وغيره كما سبق؛ فوجب الأخذ به، ولا عذر بعد ذلك لمن يصر على تقليد غير المعصوم! !
٢ ‏/ ١١٣
(قلت: وهو قول باطل؛ لمخالفته لحديث الباب، ولحديث عائشة المشار إليه في الباب قبله).
إسناده: حدثنا عبد الملك بن شعيب: ثني عبد الله بن وهب: ثني الليث عن ربيعة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.

١١٨ – باب في المرأة ترى الصُّفْرة والكُدْرة بعد الطُّهْر
٣٢٦ – عن أم الهُذَيْلِ عن أم عطية -وكانت بايعت النبي ﷺ قالت: كنا لا نَعُدُّ الكُدْرة والصُّفْرة بعد الطُّهْرِ شيئًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن قتادة عن أم الهذيل.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٣٧) من طريق المصنف.
وأخرجه الدارمي (١/ ٢١٥)، والحاكم (١/ ١٧٤) من طريق حجاج بن منهال: ثنا حماد بن سلمة … به.
وقد تابعه أبان: عند البيهقي، وأيوب: عند ابن ماجة (١/ ٢٢٣) كلاهما عن حفصة به … وحفصة: هي بنت سيرين أم الهذيل، كما ذكره المصنف فيما بعد.
وقد رواه أيوب عن ابن سيرين أيضًا، وهو:

٢ ‏/ ١١٤
٣٢٧ – عن محمد بن سيرين عن أم عطية … بمثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وكذا قال النووي. وقد أخرجه في «صحيحه»، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي).
قال أبو داود: «أم الهُذَيل: هي حفصة بنت سيرين، كان ابنها اسمه هذيل، واسم زوجها عبد الرحمن».
إسناده: حدثنا مسدد: نا إسماعيل: نا أيوب عن محمد بن سيرين.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وكذا قال النووي في المجموع«(٢/ ٣٨٨).
وإسماعيل: هو ابن عُلَيَّةَ.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٧٤)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٣٣٧) من طريق أخرى عن مسدد.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٣٨)، والنسائي (١/ ٦٦)، والدارمي (١/ ٢١٤) من طرق أخرى عن إسماعيل … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢٢٣) من طريق معمر عن أيوب.
والحاكم من طريق هشام بن حسان عن محمد بن سيرين … به؛ وقال:»صحيح على شرط الشيخين«؛ ووافقه الذهبي.
(تنبيه): ليس في حديث ابن سيرين قوله: بعد الطهر؛ كما في حديث أم الهذيل؛ فقول المصنف في حديث ابن سيرين:
»بمثله”! فيه مسامحة!
٢ ‏/ ١١٥
١١٩ – باب المستحاضة يغشاها زوجها
٣٢٨ – عن عكرمة قال:
كانت أم حبيبة تُسْتَحَاضُ؛ فكان زوجها يغشاها.
(قلت: إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال «الصحيح»).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن خالد: نا مُعَلَّى بن منصور عن علي بن مُسْهِرٍ عن الشيباني عن عكرمة.
قال أبو داود: «قال يحيى بن معين: مُعَلَّى ثقة، وكان أحمد بن حنبل لا يروي عنه؛ لأنه كان ينظر في الرأي».
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»، وإبراهيم بن خالد: هو أبو ثور صاحب الشافعي.
والشيباني: هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان.
وعكرمة: هو أبو عبد الله البربري. وقال الحافظ:
«هو حديث صحيح؛ إن كان عكرمة سمعه منها»!
قلت: ولم تجد ما ينفي سماعه منها! وانظر الحديث المتقدم (رقم ٣٢٤).
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٢٩) من طريق المؤلف.

٣٢٩ – عن عكرمة عن حَمْنَةَ بنت جحش:
أنها كانت مستحاضة؛ وكان زوجها يجامعها.
(قلت: إسناده حسن).

٢ ‏/ ١١٦
إسناده: حدثنا أحمد بن أبي سُرَيْجِ الرازي: نا عبد الله بن الجَهْمِ: نا عمر بن أبي قيس عن عاصم عن عكرمة.
قلت: هذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي عمرو بن أبي قيس -وهو الرازي-، وشيخه عاصم -وهو ابن أبي النَّجود- كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن.
وأحمد بن أبي سريج؛ هو ابن الصَّبَّاح أبو جعفر الرازي المقري، وهو ثقة حافظ من شيوخ البخاري. وقال النووي في «المجموع» (٢/ ٣٧٢):
«رواه أبو داود وغيره بهذا اللفط بإسناد حسن».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣٢٩) من طريق المؤلف.

١٢٠ – باب ما جاء في وقت النفساء
٣٣٠ – عن مُسَّة عن أم سلمة قالت:
كانت النُّفَسَاءُ على عهد رسول الله ﷺ تَقْعُدُ بعد نِفَاسِها أربعين يومًا أو أربعين ليلة، وكنا نَطَّلِي على وجوهنا الوَرْسَ -تعني: من الكَلَفِ-.
(قلت: إسناده حسن صحيح. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقوّاه البيهقي. وقال النووي: «حديث حسن جيد»، وأقره الحافظ).
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: نا زهير: نا علي بن عبد الأعلى عن أبي سهل عن مُسَّةَ.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات؛ غير مُسَّةَ -بضم أولها والتشديد-؛ قال ابن القيم في «التهذيب»:
“وقد روى عنها أبو سهل كثير بن زياد والحكم بن عُتَيبة ومحمد بن عبيد الله

٢ ‏/ ١١٧
العرزمي وزيد بن علي بن الحسين».
وهو يشير بذلك إلى ارتفاع جهالة عينها برواية هؤلاء عنها؛ وكأنه يرد بذلك على ابن القطان؛ حيث قال -كما في «نصب الراية» (١/ ٢٠٥) -:
«لا يعرف حالها ولا عينها، ولا تعرف في غير هذا الحديث»! قال في «عون المعبود»:
«وأجاب عنه في»البدر المنير«، فقال: ولا نسلِّم جهالة عينها، وجهالة حالها مرتفعة؛ فإنه روى عنها جماعة: كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين. ورواه محمد بن عبيد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضًا؛ فهؤلاء رووا عنها، وقد أثنى على حديثها البخاري، وصحح الحاكم إسناده. فأقل أحواله أن يكون حسنًا. انتهى».
وقال الخطابي في «المعالم»:
«وحديث مسة أثنى عليه محمد بن إسماعيل، وقال: مسة هذه أزدية (*).
واسم أبي سهل: كثير بن زياد؛ وهو ثقة؛ وعلي بن عبد الأعلى ثقة».
وقال النووي في «المجموع» (٢/ ٥٢٥):
«حديث حسن». ثم قال:
«وذهب بعض أصحابنا إلى تضعيف الحديث، وهو مردود؛ بل الحديث جيد كما سبق، وإنما ذكرت هذا لئلا يغتر به». وأقره الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٥٧٤) قال:
«وأغرب ابن حبان، فضعفه بكثير بن زياد؛ فلم يصب».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٧٥) من طريق أخرى عن أحمد بن يونس … به.


(*) سجل الشيخ هنا تاريخ انتهائه من دفتره الثاني: ٢٢/ ٦ / ١٣٦٩ هـ.
٢ ‏/ ١١٨
وأخرجه الدارمي (١/ ٢٢٩)، وأحمد (٦/ ٣٠٠ و٣٠٤ و٣٠٩ – ٣١٠) من طرق أخرى عن زهير بن معاوية … به.
وهكذا أخرجه البيهقي (١/ ٣٤١).
ثم أخرجه هو، والترمذي (١/ ٢٥٦)، وابن ماجة (١/ ٢٢٣)، والدارقطني (ص ٨٢)، وأحمد (٦/ ٣٠٣) من طريق شجاع بن الوليد عن علي بن عبد الأعلى … به. وقال الترمذي:
«حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل عن مسة الأزدية عن أم سلمة. قال محمد بن إسماعيل: علي بن عبد الأعلى ثقة، وأبو سهل ثقة».
وقال البيهقي:
«وقد روي فيها أحاديث مرفوعة كلها -سوى ما ذكرناه- ضعيفة».
قلت: وفي هذا إشارة منه إلى أن حديث الباب عنده قوي ثابت.
والأحاديث المشار إليها: هي من رواية أنس وأبي هريرة وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص وعائشة؛ وهي وإن كان أفرادها ضعيفة؛ فمجموعها يعطي الحديث قوة.
قلت: وأما قول البوصيري في حديث أنس -عند ابن ماجة (١/ ٢٢٤) -: «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات»!
فمن أوهامه؛ لأن الحديث عنده -وكذا عند أبي يعلى (٣/ ٩٥٢) – من طريق المحاربي عن سَلَّام بن سُلَيْمٍ عن حميد عن أنس.
وذلك أنه توهم أن سلام بن سليم هذا: هو أبو الأحوص! وليس به؛ وإنما هو سلام الطويل المتهم.
وبه أعله الدارقطني (١/ ٢٢٠ / ٦٦)، والبيهقي (١/ ٣٤٣).
٢ ‏/ ١١٩
٣٣١ – وفي رواية عنها قالت:
حججتُ، فدخلتُ على أُمِّ سلمة فقلت: يا أم المؤمنين! إن سَمُرة بْنَ جُنْدُبٍ يأمر النساءَ يَقْضِينَ صلاةَ المحيض؟ فقالت:
لا يقضين؛ كانت المرأة من نساء النبي ﷺ! تقعد في النِّفَاسِ أربعين ليلة، لا يأمرها النبي ﷺ بقضاء صلاة النفاس.
(قلت: إسناده حسن، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا الحسن بن يحيى: نا محمد بن حاتم -يعني: حِبِّي-: نا عبد الله بن المبارك عن يونس بن نافع عن كثير بن زياد قال: حدثتني الأزدية -يعني: مُسَّة-.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير مُسَّةَ، وقد تقدم الكلام عليها في الرواية الأولى.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٧٥)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٣٤١) عن عَبْدان: ثنا عبد الله بن المبارك … به. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي!

١٢١ – من باب الاغتسال من الحيض
٣٣٢ – عن عائشة قالت:
دَخَلَتْ أسماءُ على رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله! كيف تغتسل إحدانا إذا طَهُرَتْ من المحيض؟ قال:

٢ ‏/ ١٢٠
«تأخذ سِدْرَها وماءَها فَتَوَضَّأُ، ثم تغسل رأسها وتدلكُهُ، حتى يبلغَ الماءُ أصولَ شعرها، ثم تُفيضُ على جسدِها، ثم تأخذ فِرْصَتها فتطَّهَّرُ بها».
قالت: يا رسول الله! كيف أتطهَّرُ بها؟
قالت عائشة: فعرفتُ الذي يَكْنِي عنه رسولُ الله ﷺ، فقلت لها: تَتَبَّعيِنَ آثار الدم.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأخرجه البخاري نحوه).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا سلَّام بن سُلَيْمٍ عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ -غير إبراهيم بن مهاجر؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد تُكُلِّمَ فيه من قِبَل حفظه، وقال الحافظ:
«صدوق، لَيِّنُ الحفط».
قلت: ولم يتفرد بالحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (١/ ١٨٠) من طريق أبي الأحوص … به؛ وأبو الأحوص كنية سلام بن سليم.
ثم أخرجه، والمصنف فيما بعد، وأبو عوانة (١/ ٣١٦ – ٣١٨)، والدارمي (١/ ١٩٧)، وابن ماجة (١/ ٢٢١)، والبيهقي (١/ ١٨٠)، والطيالسي (رقم ١٥٦٣)، وأحمد (٦/ ١٤٧ و١٨٨) من طرق أخرى عن إبراهيم … به.
٢ ‏/ ١٢١
وقد تابعه منصور بن صفية عن أمه:
أخرجه البخاري (١/ ٣٢٩ و٣٣١ و١٣/ ٢٨١ – ٢٨٢)، ومسلم أيضًا، وأبو عوانة، والنسائي (١/ ٤٩ و٧٢ – ٧٣)، والبيهقي (١/ ١٨٣)، وأحمد (٦/ ١٢٢) من طرق عنه … نحوه.

٣٣٣ – وفي رواية عنها:
أنها ذكرت نساء الأنصار، فأثنتْ عليهنَّ، وقالت لهنّ معروفًا. قالت:
دخلت امرأة منهن على رسول الله ﷺ … فذكر معناه؛ إلا أنه قال: «فِرْصةً مُمسَّكَةً».
(قلت: إسناده حسن. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا مُسَدَّد بن مُسَرْهَد: نا أبو عوانة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قال مسدد: كان أبو عوانة يقول: «فِرصةً»، وكان أبو الأحوص يقول: «قَرْصَة».
قلت: وهذا إسناد حسن كالذي قبله، ورجاله رجال «الصحيح».
والحديث أخرجه أبو عوانة (١/ ٣١٨) من طريق أبي المثنى قال: ثنا مسدد … به؛ دون الثناء عليهن.
ثم أخرجه هو، وأحمد (٦/ ١٨٨) من طرق أخرى عن أبي عوانة … به؛ وفيه عند أحمد ذكر نزول سورة (النور) ومبادرة نساء الأنصار رضي الله تعالى عنهم جميعًا إلى اتخاذ الخُمُرِ من حُجَزِ مناطقهن، وسيأتي هذا في كتاب «اللباس» [٣٣ – باب] (رقم …).

٢ ‏/ ١٢٢
٣٣٤ – وفي رواية أخرى عنها:
أن أسماء سألت النبي ﷺ … بمعناه؛ قال:
«فِرصة مُمسَّكة»، فقالت: كيف أتطهَّرُ بها؟ قال:
«سبحان الله! تطهَّري بها، واستتري بثوب»، وزاد: وسألته عن الغسل من الجنابة؟ قال:
«تأخذين ماءك، فَتَطَّهَّرين أحسنَ الطُّهور وأبلَغَهُ، ثم تصُبِّين على رأسك الماء، ثم تَدْلُكِينَه حتى يبلغ شؤونَ راسك، ثم تُفِيضِين عليك الماء».
وقالت عائشة: نِعْمَ النساءُ نساءُ الأنصار؛ لم يكن يمنعهن الحياءُ أن يسألْنَ عن الدِّين وأن يتفقهن فيه!
(قلت: إسناده حسن، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه بتمامه؛ هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأخرجه البخاري في «صحيحه دون قول عائشة: نِعْمَ النساء نساء الأنصار … إلخ؛ فإن هذا القدر منه أخرجه معلقًا مجزومًا به).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي. نا شعبة عن إبراهيم -يعني: ابنَ مهاجر- عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن كسابقه، وهو على شرط مسلم.
والحديث، أخرجه مسلم في»صحيحه” (١/ ١٧٩ – ١٨٠)، وأبو عوانة (١/ ٣١٦ – ٣١٧)، وابن ماجة (١/ ٢٢١ – ٢٢٢)، وأحمد (٦/ ١٤٧ – ١٤٨) من طرق عن شعبة … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ١٨٠) عن المصنف وغيره عن عبيد الله بن معاذ.
٢ ‏/ ١٢٣
١٢٢ – باب التيمم
٣٣٥ – عن عائشة قالت:
بعثَ رسولُ الله ﷺ! أُسَيْدَ بنَ حُضَيْرٍ وأُناسًا معه في طَلَبِ قِلادةٍ أضَلَّتها عائشةُ، وحضرتِ الصلاةُ، فصلَّوْا بغير وضوءٍ، فأتَوُا النبيّ ﷺ، فذكروا ذلك له، فأُنزِلت آية التيمم (زاد في رواية: فقال لها أُسيد: يرحمُكِ اللهُ! ما نزل بكِ أَمْرٌ تكرهينه؛ إلا جعلَهُ الله للمسلمين ولكِ فَرَجًا).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق المصنف، وأخرجه البخاري ومسلم وابن حبان (١٢٩٧».
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا أبو معاوية. (ح) وحدثنا عثمان ابن أبي شيبة: نا عَبْدَةُ -المعنى واحد- عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
زاد ابن نفيل: فقال لها أُسَيْد … إلخ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وعبدة: هو ابن سليمان الكِلابِيُّ.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٠٣) عن المصنف … بالإسنادين.
وأخرجه النسائي (١/ ٦١) من طريق إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا أبو معاوية … به.
والبخاري (٨/ ٢٠٣ و١٠/ ٢٨٢) من طريقين آخرين عن عبدة … به.
٢ ‏/ ١٢٤
وهو (١/ ٣٤٩)، وأحمد (٦/ ٥٧) -عن عبد الله بن نُمَيْر-، وهو أيضًا (٧/ ٨٥ و٩/ ١٨٦ – ١٨٧)، ومسلم (١/ ١٩٢)، والدارمي (١/ ١٩٠)، وابن ماجة (١/ ٢٠٠)، والبيهقي (١/ ٢١٤) -من طرق عن أبي أسامة- كلاهما عن هشام … به.
وللحديث طريقان آخران:
أخرج الأول منهما مالك: في «موطّئه» (١/ ٧٤) عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أنها قالت:
خرجنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره؛ حتى إذا كنا بالبَيْدَاء أو بذات الجيش؛ انقطع عِقْدٌ لي، فأقام رسول الله ﷺ على التماسه وأقام الناس معه … الحديث نحوه أتم منه، وفي آخره: قالت:
فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته.
وهكذا أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في «صحاحهم»، والنسائي (١/ ٥٩)، ومحمد في «موطّئه» (ص ٧٦)، والبيهقي (١/ ٢٠٤ و٢٢٣)، وأحمد (٦/ ١٧٩)؛ كلهم عن مالك … به.
وأخرجه البخاري (١٢/ ١٤٦)، والبيهقي من طريق عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم … حدثه به مختصرًا نحوه.
والطريق الآخر: أخرجه أحمد (٦/ ٢٧٢) عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت:
أقبلنا مع رسول الله ﷺ في بعض أسفاره؛ حتى إذا كنا بِتُرْبَانَ -بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال؛ وهو بلد لا ماء به-، وذلك من السحر؛ انسَلَّتْ قلادة لي من عنقي، فوقعتْ، فحُبِسَ رسولُ الله ﷺ لالتماسها حتى طلع الفجر … الحديث نحوه.
٢ ‏/ ١٢٥
وإسناده حسن.
وقد فات هذا الحافظ؛ فعزاه في «الفتح» (١/ ٣٤٥) للطبراني من طريق عَبُّاد ابن عبد الله بن الزبير عن عائشة … نحوه! ثم قال:
«وفي إسناده محمد بن حميد الرازي، وفيه مقال»!
قلت: وليس هو في سند أحمد!

٣٣٦ – عن عمار بن ياسر: أنه كان يحدِّث:
أنهم تمسَّحُوا وهم مع رسول الله ﷺ بالصعيد لصلاة الفجر، وضربوا بأكُفِّهِمُ الصعيدَ، ثم مسحوا وجوهَهم مَسْحَةً واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكُفِّهِمُ الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيدِيهم كلِّها إلى المناكبِ والآباطِ من بُطون أيديهم.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب: حدثني يونس عن ابن شهاب قال: إن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة حدثه عن عمار بن ياسر.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ لكن قال المنذري:
«وهو منقطع: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يدرك عمار بن ياسر».
قلت: لكن وصله المصنف وغيره بذكر ابن عباس بينهما، وهو الآتي بعد الرواية الأخرى، وجاء موصولًا على وجه آخر، سنذكره قريبًا إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٠١) -عن ابن وهب-، وأحمد (٤/ ٣٢١): ثنا عثمان بن عمر قال: ثنا يونس … به.

٢ ‏/ ١٢٦
وأخرجه الطحاوي (١/ ٦٦)، والطيالسي (رقم ٦٣٧)، وأحمد (٤/ ٣٢٠) -عن ابن أبي ذئب-، وابن ماجة (١/ ١٩٩) -عن الليث بن سعد-، وأحمد -عن معمر- كلهم عن ابن شهاب … به منقطعًا.
وقد وصله النسائي (١/ ٦٠)، والطحاوي، والبيهقي (١/ ٢٠٨) -عن مالك- وابن ماجة (١/ ٢٠٠)، والطحاوي -عن عمرو بن دينار- كلاهما عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه أخبره عن أبيه عن عمار بن ياسر … مختصرًا.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقول البيهقي:
«وأما سفيان بن عيينة؛ فإنه شك في ذكر أبيه في إسناده»!
فلا يضره بعد متابعة مالك له على ذكره.

٣٣٧ – وفي رواية عنه … نحو هذا الحديث؛ قال:
قام المسلمون فضربوا بأكُفِّهم الترابَ، ولم يقبضوا من التراب شيئًا … فذكر نحوه؛ ولم يذكر: المناكب والآباط (وفي رواية: إلى ما فوق المرفقين).
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا سليمان بن داود المَهْرِيُّ وعبد الملك بن شعيب عن ابن وهب … نحو هذا الحديث. قال ابن الليث: إلى ما فوق المرفقين.
قلت: يعني: بإسناده السابق.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ لولا ما فيه من الانقطاع الذي

٢ ‏/ ١٢٧
ذكرناه فيما قبل؛ إلا أننا قد ذكرنا أيضًا أنه صَحَّ موصولًا من وجهين، ذكرنا أحدهما. وأما الآخر فهو:

٣٣٨ – عن عمار بن ياسر:
أن رسول الله ﷺ عرَّس بأُولاتِ الجيشِ، ومَعَهُ عائشةُ، فانقطع عِقدٌ لها من جَزْعِ ظِفَارٍ، فحُبِس الناس ابتغاءَ عِقْدِها ذلك، حتى أضاء الفجر وليسر مع الناس ماءٌ، فتغَيَّظ عليها أبو بكر؛ وقال: حَبَسْتِ الناس وليس معهم ماء؟ ! فأنزل الله تعالى ذكره على رسوله رُخْصَةَ التطهُّرِ بالصعيد. الطيِّب، فقام المسلمون مع رسول الله ﷺ، وضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديَهُمْ ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا بها وجُوهَهُم وأيديَهُمْ إلى المناكب، ومن بُطُون أيديهم إلى الأباط. (زاد في رواية: قال ابن شهاب في حديثه: ولا يعتبرُ بهذا الناسُ).
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خلف ومحمد بن يحيى النيسابوري -في آخرين- قالوا: نا يعقوب: نا أبي عن صالح عن ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمار بن ياسر. زاد ابن يحيى في حديثه: قال ابن شهاب … إلخ.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فإن رجاله كلهم من رجال «صحيحيهما»؛ غير محمد بن يحيى النيسابوري؛ فهو من رجال البخاري وحده؛ لكن قرن به محمد بن أبي خلف، وهو من رجال مسلم.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٦٠): أخبرنا محمد بن يحيى بن عبد الله … به.

٢ ‏/ ١٢٨
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٦٣ – ٢٦٤): ثنا يعقوب … به؛ إلا أنه قال -عقب قوله: إلى الآباط-:
ولا يغتر بهذا الناس، وبلغنا أن أبا بكر قال لعائشة رضي الله تعالى عنهما: والله؛ ما علمت إنَّكِ لَمُباركة!
وأخرجه البيهقي (١/ ٢٠٨) من طريق أحمد.

٣٣٩ – قال أبو داود: «وكذلك رواه ابن إسحاق قال فيه: عن ابن عباس … وذكر ضربتين كما ذكر يونس».
(قلت: وصله الطحاوي بإسناد صحيح إلى ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن عبد الله بن عباس عن عمار؛ لكن ابن إسحاق مدلس).
قال الطحاوي (١/ ٦٦): حدثنا ابن أبي داود قال: ثنا الوَهْبِيُّ قال، ثنا ابن إسحاق.
وابن إسحاق مدلس.

٣٤٠ – ورواه معمر عن الزهري: ضربتين.
(قلت: وصله أحمد عنه؛ وليس فيه: عن ابن عباس).
قال أحمد (٤/ ٣٢٠): حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر … به.

٣٤١ – وقال مالك: «عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار».
(قلت: وصله النسائي وغيره عن مالك … به مختصرًا؛ بلفظ: تَيمَّمْنا مع رسول الله ﷺ بالتراب، فمسحنا بوجُوهِنا وأيدِينا إلى المناكب. وإسناده

٢ ‏/ ١٢٩
صحيح على شرط الشيخين).
وصله النسائي (١/ ٦٠)، والطحاوي (١/ ٦٦)، وابن حبان (١٣٠٧)، والبيهقي (١/ ٢٠٨) عن مالك … به.
وقد تابعه عن الزهري: عمرو بن دينار؛ كما مضى، ويأتي.
وتابعه أبو أويس؛ كما علقه المصنف بعد هذا؛ ولكني لم أجده موصولًا!

٣٤٢ – وكذلك قال أبو أويس عن الزهري.
(قلت: لم أجد من وصله).

٣٤٣ – وشك فيه ابن عيينة، قال مرة: عن عبيد الله عن أبيه، أو عن عبيد الله عن ابن عباس. ومرة قال: عن أبيه. ومرة قال: عن ابن عباس. اضطرب ابن عيينة فيه، وفي سماعه عن الزهري.
(قلت: الصحيح من ذلك الروايتان الأخيرتان: عن أبيه. وعن ابن عباس. وقد وصله ابن ماجة وغيره عن سفيان بن عيينة قال: ثنا عمرو بن دينار عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبيه. وتابعه على هذه الرواية مالك، كما سبق (رقم ٣٤١). وأبو أويس كما في التي بعدها. وأما الرواية الأخرى: عن ابن عباس؛ فلم أجد من وصلها عن ابن عيينة! لكن تابعه عليها ابن إسحاق كما مضى (رقم ٣٣٩). وصالح بن كيسان -وهي الرواية المتقدمة (رقم ٣٣٨) -. فهذا الاضطراب لا يضر في الحديث؛ بل يزيده قوة لموافقة ابن عيينة في الروايتين الراجحتين رواية من ذكرنا من الثقات، لكن اختلفوا فيه على الزهري في متن الحديث؛ كما بينه المصنف بقوله:)

٢ ‏/ ١٣٠
«ولم يذكر أحد منهم في هذا الحديث الضربتين إلا من سَمّيْتُ»!
(قلت: وهم يونس في الرواية الأولى (رقم ٣٣٦) والتي بعدها، وابن إسحاق (رقم ٣٣٩)، ومعمر (رقم ٣٤٠)؛ والحكم لهؤلاء؛ لأنهم ثقات حفظوا في الحديث ما لم يحفظ غيرهم. لكن العمل ليس عليه؛ لأن الصحابة لم يفعلوا ذلك بتعليم من النبي ﷺ؛ وإنما العمل على حديثه الآخر الآتي بعده.
قلت: واضطراب ابن عيينة في إسناد هذا الحديث ليس من الاضطراب الذي يعل الحديث به؛ لأنه رواه على ثلاثة وجوه، وافق -في الوجهين الأخيرين منها- غيره من الثقات كما بيناه في الأعلى، وهما وجهان صحيحان ثابتان كما سبق بيانه، فهو صحيح عن عبيد الله عن أبيه وعن ابن عباس؛ كلاهما عن عمار.
ولعل ابن عيينة كان يظن أن الحديث إنما هو من طريق أحدهما؛ مع أنه قد حدث به عن كليهما؛ فكان يقع في هذا التردد والشك. ولكن متابعة غيره له قد رفع هذا الشك، ورجح الروايتين الأخيرتين كما ذكرنا. والله أعلم.

٣٤٤ – عن شقيق قال:
كنت جالسًا بين عبد الله وأبي موسى، فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! أرأيت لو أن رجلًا أجْنَبَ فلم يجد الماء شهرًا؛ أما كان يتيمم؟ قال: لا، وإن لم يَجِدِ الماء شهرًا. فقال أبو موسى: كيف تصنعون بهذه الآية التي في سورة المائدة: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾؟ فقال عبد الله: لو رُخِّصَ لهم في هذا؛ لأوْشَكُوا إذا بَرَدَ عليهم الماءُ أن يتيمموا بالصعيد. فقال له أبو موسى: وإنما كرهتم هذا لهذا؟ قال: نعم. فقال له أبو موسى: ألم تسمع قول عمار لِعُمَرَ: بعثني رسولُ الله ﷺ في

٢ ‏/ ١٣١
حاجة، فأجْنَبْتُ، فلم أجد الماء، فتمَرَّغْتُ في الصعيد كما تَتَمَرَّغُ الدابَّةُ، ثم أتيتُ النبي ﷺ، فذكرتُ ذلك له؟ فقال:
«إنما كان يكفيكَ أنْ تصنع هكذا»؛ وضرب بيده على الأرض، فنفضها، ثم ضرب بشماله على يمينه، ويمينه على شماله على الكفين، ثم مسح وجهه؟ فقال له عبد الله: أفَلَمْ تَرَ عُمَرَ لم يَقْنَعْ بقولِ عمار؟ !
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه البخاري ومسلم، وابن حبان (١٣٠١ و١٣٠٢)، وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا محمد بن سليمان الأنباري: نا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن شقيق.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير محمد بن سليمان الأنباري، وهو ثقة.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٦٤): ثنا أبو معاوية … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٣٦٢)، ومسلم (١/ ١٩٢)، والنسائي (١/ ٦١)، والدارقطني (ص ٦٦) من طرق أخرى عن أبي معاوية … به؛ وزاد أحمد:
لم يُجِزِ الأعمش الكفين. وزاد مسلم:
ضربة واحدة.
ثم أخرجه هو، وأحمد (٤/ ٢٦٥)، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٠٣ – ٣٠٤ و٣٠٤ – ٣٠٥)، والبيهقي (١/ ٢١١ – ٢٢٦) من طرق أخرى عن الأعمش … به.
وقال البيهقي:
٢ ‏/ ١٣٢
«لا يشك حديثيٌّ في صحة إسناده». وزاد أحمد إثر الآية: قال:
فما درى عبد الله ما يقول! وقال: لو رخصنا … إلخ.
وإسناده صحيح على شرطهما.

٣٤٥ – عن عبد الرحمن بن أبْزَى قال:
كنتُ عند عمر، فجاءه رجل فقال: إنا نكون بالمكان الشهرَ أو الشهرين؟ فقال عمر: أمَّا أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء. قال: فقال عمار: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ كنتُ أنا وأنت في الإبل، فأصابتنا جنابة؛ فأما أنا فتمعّكتُ، فأتينا النبيّ ﷺ وذكرت ذلك له؟ فقال: «إنما كان يكفيك أن تقول هكذا»؛ وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما، ثم مَسَّ بهما وجهَهُ ويديه إلى نصف الذراع؟ ! فقال عمر: يا عمار! اتقِ الله! فقال: يا أمير المؤمنين! إن شئت -والله- لم أذكره أبدًا، فقال عمر: كلا؛ والله لنوَلِّيَنَّكَ من ذلك ما تولَّيْتَ.
(قلت: إسناده صحيح، لكن قوله: إلى نصف الذراع … شاذ؛ ولذلك لم يخرجه الشيخان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العَبْدِي: نا سفيان عن سَلَمَةَ بن كُهَيْلٍ عن أبي مالك عن عبد الرحمن بن أبزى.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي مالك -واسمه غزوان الغفاري-، وهو ثقة.
وقد تابعه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى، كما يأتي.

٢ ‏/ ١٣٣
لكن قوله في الحديث: إلى نصف الذراع … شاذ؛ تفرد به سلمة بن كهيل، وكان يشك في هذه الزيادة، فمرة يثبتها كما في هذه الرواية والرواية الآتية، ومرة يشك فيها كما في الرواية الآتية (رقم ٣٤٧) من طريق أخرى، وبإسناد آخر له عن عبد الرحمن بن أبزى، ومرة ينفيها فلا يذكرها، كما سنذكره (رقم ٣٤٨).
وقد تابعه على ذلك: الحكم بن عتيبة وغيره، كما يأتي، فانظر (رقم ٣٥١).
فهذا هو الصحيح في هذا الحديث: الاقتصار على ذكر الكفين فقط، وهو الذي ثبت من طريق شقيق المتقدمة (رقم ٣٤٤)، وهو الذي رجحه البيهقي؛ فقال في «عون المعبود»:
«قال البيهقي في»المعرفة«: واختلفوا فيه على أبي مالك حبيب بن صهبان؛ فقيل: عنه عن عبد الرحمن بن أبزى: إلى نصف الذراع. وقيل: عنه عن عمار نفسه: وجهه وكفيه. والاعتماد على رواية الحكم بن عتيبة؛ فهو فقيه حافظ لم يشك في الحديث. وسياقه أحسن»!
قلت: كذا قال البيهقي: «أبي مالك حبيب بن صهبان»! وهو من طبقة أبي مالك غزوان الغفاري، كلاهما من التابعين، وهما -وإن كانا اشتركا في الرواية عن عمار بن ياسر- فإني أرى أن الراوي لهذا الحديث إنما هو غزوان الغفاري كما ذكرت آنفًا؛ وذلك لأمور:
أولًا: أنهم ذكروا في ترجمته في الرواة عنه: سلمة بن كهيل وحصين بن عبد الرحمن، وهما من رواة هذا الحديث عنه؛ بخلاف حبيب بن صهبان؛ فلم يذكروا ذلك في ترجمته.
٢ ‏/ ١٣٤
ثانيًا: أنهم ذكروا أنه من رجال «السنن الثلاثة». وأما حبيب؛ فمن رجال البخاري في «الأدب المفرد» وحده (١).
ثم إن الحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٦٧)، والبيهقي (١/ ٢١٠) من طرق أخرى عن محمد بن كثير … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٠)، وأحمد (٤/ ٣١٩) عن عبد الرحمن بن مهدي: ثنا سفيان عن سلمة عن أبي مالك وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الرحمن بن أبزى … به. وزادا:
ولا تجد الماء.
وهذه متابعة قوية؛ عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى؛ ذكره ابن حبان في «الثقات». وقال أحمد عنه وعن أخيه سعيد -الآتي حديثه (رقم ٣٤٨) -:
«كلاهما حسن الحديث».

٣٤٦ – عن ابن أبزى عن عمار بن ياسر … في هذا الحديث؛ فقال:
«يا عمار! إنما كان يكفيك هكذا»، ثم ضرب بيديه الأرض، ثم ضرب إحداهما على الأخرى، ثم مسح وجهه والذراعين إلى نصف الساعد -ولم يبلغ المرفقين- ضربةً واحدةً.
(قلت: حديث صحيح دون قوله: والذراعين … إلى قوله: ولم يبلغ المرفقَيْنِ؛ فإنه شاذ، والصواب: والكفين، وبه حكم البيهقي، وهو الذي لم يَرْوِ


(١) ثم رأيت ابن أبي حاتم أورد الحديث في «العلل» (١/ ١١)، ثم قال:
«قلت لأبي زرعة: ما اسم أبي مالك؟ قال: لا يسمى، وهو الغفاري».
فهذا يؤيد ما ذهبنا إليه؛ فإن حبيب بن صهبان ليس غفاريًّا؛ بل هو أسدي كاهلي!
٢ ‏/ ١٣٥
صاحبا «الصحيحين» غيره).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: نا حفص: نا الأعمش عن سلمة بن كُهَيْلٍ عن ابن أبزى.
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ ولكنه منقطع بين سلمة وابن أبزى، والصواب أن بينهما سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، كما يأتي بعد رواية.

٣٤٧ – قال أبو داود: «ورواه وكيع عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن عبد الرحمن بن أبزى».
(قلت: هذا منقطع بين سلمة وعبد الرحمن؛ بينهما ابنه سعيدُ بن عبد الرحمن؛ وهو التالي).
هو معلق كما ترى، ولم أجد من وصله من هذا الوجه! وهو منقطع أيضًا كسابقه؛ والصواب رواية جرير وغيره، وهي:

٣٤٨ – ورواه جرير عن الأعمش عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن ابن أبزى -يعني- عن أبيه).
(قلت: وصله أبو عوانة بإسناد صحيح إلى جرير، وسائر رجاله على شرط الشيخين، وليس في حديثه: الذراعين).
هو معلق أيضًا؛ وقد وصله أبو عوانة في «صحيحه» قال (١/ ٣٠٥): حدثنا يزيد بن سنان قال: ثنا الحسن بن عمر بن شقيق قال: ثنا جرير … به؛ ولفظه: قال:

٢ ‏/ ١٣٦
جاء رجل إلى عمر … فذكر الحديث:
«إنما كان يكفيك كذا وكذا»؛ ووضع يده بالصعيد، ثم مسح يديه ووجهه … وذكر الحديث.
هكذا ساقه أبو عوانة إثر حديث شقيق المتقدم (رقم ٣٤٤)! فالظاهر أنه أحال عليه بقوله: «فذكر الحديث».
وعليه؛ فليس في حديث جرير ذكر الذراعين.
وقد تابعه على ذلك عيسى بن يونس: عند الطحاوي (١/ ٦٧)؛ ولفظه: ثم مسح وجهه وكفيه.
وإسناد أبي عوانة صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير يزيد بن سنان -وهو ابن يزيد بن الذَّيَّال الأموي، مولى عثمان، أبو خالد القزاز البصري-؛ وهو ثقة بلا خلاف.

٣٤٩ – عن عمار. .. بهذه القصة؛ فقال:
«إنما كان يكفيك»، وضرب النبي ﷺ بيده إلى الأرض، ثم نفخ فيها، ومسح بها وجهه وكَفَّيْهِ … شكَّ سلمة، قال: لا أدري؛ فيه إلى المرفقين -يعني- أو: إلى الكفين؟ ! .
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ والصحيح أنه ليس فيه: إلى المرفقين .. كما سبق ويأتي).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: نا محمد -يعني: ابن جعفر-: نا شعبة عن سلمة عن ذَرّ عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار.

٢ ‏/ ١٣٧
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٦٣٩) قال: ثنا شعبة … به؛ إلا أنه قال:
ثم شكَّ سلمة، فلم يدر: إلى الكوعين، أو: إلى المرفقين.
ومن طريقه: أخرجه البيهقي (١/ ٢٠٩ – ٢١٠)، والطحاوي (١/ ٦٧).
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٦٥): ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة … به مثل رواية المصنف.
وقد بين السببَ في شك سلمة الروايةُ الآتية:

٣٥٠ – وفي رواية … بهذا الحديث؛ قال:
ثم نَفَخَ فيها، ومسح بها وجهه وكَفَّيْهِ إلى المرفقين والذراعين.
قال شعبة: كان سلمة يقول: الكفين والوجه والذراعين، فقال له منصور ذات يوم: انظر ما تقول؛ فإنه لا يذكر الذراعين غيرك!
(قلت: إسناده صحيح، ومن أجل قول منصور هذا؛ كان سلمة ربما لا يذكر فيه: الذراعين؛ كما في رواية عيسى بن يونس: عند الطحاوي، ويعلى بن عبيد: عند الدارقطني؛ كلاهما عن الأعمش عنه. وهذا هو الصحيح؛ فقد تابعه على ذلك ذرّ، في حديثه التالي).
إسناده: حدثنا علي بن سهل الرملي: نا حجاج -يعني: الأعور-: حدثني شعبة … بإسناده بهذا الحديث.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير علي بن سهل الرملي، وهو ثقة.

٢ ‏/ ١٣٨
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٦١): أخبرنا عبد الله بن محمد بن تميم قال: ثنا حجاج … به؛ وزاد في آخره:
فشك سلمة فقال: لا أدري؛ ذكر الذراعين أم لا!
قلت: وهذا هو السبب في اضظراب سلمة في هذه الزيادة؛ حيث كان مرة يثبتها، ومرة ينفيها، كما سبق بيانه (رقم ٣٤٥)، وتارة يشك، كما في هذه الرواية وغيرها.
وقد مضت رواية جرير عن الأعمش بدون ذكر الذراعين (رقم ٣٤٨).
وكذلك رواه عيسى بن يونس ويعلى بن عبيد عن الأعمش:
أما الأولى: فأخرجها الطحاوي (١/ ٦٧): حدثنا محمد بن الحجاج قال: ثنا علي بن معبد قال: ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن عبد الرحمن … به؛ بلفظ: أن رسول الله ﷺ قال له:
«إنما يكفيك أن تقول هكذا»؛ وضرب الأعمش بيديه الأرض، ثم نفخهما ومسح بهما وجهه وكفيه.
ورجاله ثقات، غير محمد بن الحَجَّاج؛ فلم أجد من وثقه أو جرحه!
وأما الرواية الأخرى: فأخرجها الدارقطني (ص ٦٧) قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، نا يوسف بن موسى: نا جرير. (ح) وحدثنا الحسين: نا ابن كرامة: نا ابن نمير. (ح) وحدثنا الحسين: نا أحمد بن منصور: ثنا يعلى بن عبيد عن الأعمش … به.
وهذه أسانيد صحيحة إلى الأعمش؛ غير أني لم أعرف ابن كَرَامَةَ هذا!
وقد تابعه الحسن بن عفان -وهو الن علي بن عفان-: عند أبي عوانة
٢ ‏/ ١٣٩
(١/ ٣٠٥).
كما تابعه الحسن بن عمر بن شقيق عن جرير: عنده.

٣٥١ – عن عمار … في هذا الحديث؛ قال: فقال -يعني: النبي ﷺ:
«إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك إلى الأرض، وتمسح بهما وجهك وكفيك …» وساق الحديث.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن شعبة: حدثني الحكم عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ٦٣٨): حدثنا شعبة … به.
وأخرجه مسلم (١/ ١٩٣): حدثني عبد الله بن هاشم العبدي: حدثنا يحيى -يعني: ابن سعيد القطان- … به؛ وزاد في آخره: فال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه … مثل حديث ذر، قال: وحدثني سلمة عن ذر.
ثم أخرجه هو، والبخاري (١/ ٣٥١ و٣٥٣ و٣٥٤)، وأبو عوانة (١/ ٣٠٥ – ٣٠٦)، والنسائي (١/ ٦١)، وابن ماجة (١/ ٢٠٠ – ٢٠١)، والطحاوي (١/ ٦٧)، والبيهقي (١/ ٢٠٩)، وأحمد (٤/ ٢٦٥) من طرق عن شعبة … به.
وابن عبد الرحمن بن أبزى: هو سعيد؛ كما صرح به في «الصحيحين»

٢ ‏/ ١٤٠
وغيرهما. ثم قال البيهقي:
«هذا الاختلاف في متن حديث ابن أبزى عن عمار؛ إنما وقع أكثره من سلمة بن كهيل؛ لشك وقع له. والحكم بن عتيبة فقيه حافظ، قد رواه عن ذر بن عبد الله عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم سمعه من سعيد بن عبد الرحمن، فساق الحديث على الإثبات من غير شك فيه، وحديث قتادة عن عَزْرَة يوافقه [يعني: حديثه الآتي (رقم ٣٥٤)]، وكذلك حديث حصين عن أبي مالك»؛ يعني: الحديث الآتي:

٣٥٢ – ورواه شعبة عن حصين عن أبي مالك قال:
سمعت عمارًا يخطب … بمثله؛ إلا أنه قال: لم ينفخ.
(قلت: وصله الدارقطني من طريق شبابة عن شعبة … به؛ إلا أنه لم يقل: لم ينفخ، وإسناده صحيح. ثم رواه من طريق زائدة: نا حصين بن عبد الرحمن … به نحوه؛ إلا أنه قال: ثم نفخ فيها. وهو المحفوط).
قال الدارقطني (ص ٦٧): حدثنا أبو عمر: نا الحسن بن محمد: ثنا شبابة: نا شعبة … به.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي عمر -وهو محمد بن يوسف بن يعقوب القاضي الأزدي، مولى آل جرير بن حازم -وهو ثقة فاضل-، كما قال الخطيب، وله في «تاريخه» (٣/ ٤٠١ – ٤٠٥) ترجمة حافلة بالفضائل والكمالات رحمه الله تعالى.
ثم قال الدارقطني: حدثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا جعفر بن محمد: ثنا معاوية: نا زائدة: نا حصين بن عبد الرحمن … به؛ بلفظ: عن عمار:

٢ ‏/ ١٤١
أنه غمس باطن كفيه في التراب، ثم نفخ فيها، ثم مسح وجهه ويديه إلى المفصل، وقال عمار: هكذا التيمم.
وهذا إسناد صحيح أيضًا؛ الحسين بن إسماعيل: هو المحاملي.
وجعفر بن محمد: هو ابن شاكر الصاء؛ من شيوخ المصنف، وهما ثقتان.
ومعاوية: هو ابن عمرو الأزدي، وهو ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٦٧) من طريق الطيالسي عن زائدة وشعبة معًا عن حصين … به.
وإسناده صحيح أيضًا.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق إبراهيم بن طهمان عن حصين … به مرفوعًا نحوه، وقال:
«لم يروه عن حصين مرفوعًا غير إبراهيم بن طهمان. ووقفه شعبة وزائدة وغيرهما. وأبو مالك في سماعه من عمار نظر؛ فإن سلمة بن كهيل قال فيه: عن أبي مالك عن ابن أبزى عن عمار. قاله الثوري عنه»!
قلت: حديث الثوري مضى في الكتاب (رقم ٣٤٥)؛ ولا يلزم منه أن لا يكون أبو مالك سمعه من عمار؛ لا سيما وقد صرح بسماعه منه في رواية شعبة المتقدمة (رقم ٣٥٢)؛ لاحتمال أن يكون رواه عن عمار على الوجهين: بالواسطة وبدونها.
ومثله حديث الحكم المتقدم (رقم ٣٥١)؛ فإنه رواه عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن، ثم رواه عن ابن عبد الرحمن مباشرة، فكذلك الشأن هنا.
ثم إن إبراهيم بن طهمان ثقة حجة، وقد زاد الرفع؛ فهو منه مقبول؛ لا سيما وأصل الحديث مرفوع، كما سبق.
٢ ‏/ ١٤٢
٣٥٣ – وذكر حسين بن محمد عن شعبة عن الحكم … في هذا الحديث؛ قال: فضرب بكفيه الأرض ونفخ.
(قلت: هو في «الصحيحين» وغيرهما من طرق شتى عن شعبة … به).
قلت: لم أجد من وصله من طريق حسين! ولكن هذه الزيادة وردت من طرق شتى عن شعبة عند جميع الذين أخرجوا الحديث، وقد سبق ذكرهم قريبًا (رقم ٣٥١).

٣٥٤ – عن عمار بن ياسر قال:
سألت النبي ﷺ عن التيمم؟ فأمرني ضربةً واحدةً للوجه والكفين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال الدارمي: «صح إسناده»، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، ونقل مثله عن ابن راهويه).
إسناده: حدثنا محمد بن المنهال: نا يزيد بن زُرَيْع عن سعيد عن قتادة عن عزرة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمَّار بن ياسر.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الترمذي (١/ ٢٦٨)، والدارقطني (ص ٦٧) من طرق أخرى عن يزيد بن زريع … به.
ثم أخرجه الطحاوي (١/ ٦٧)، والبيهقي (١/ ٢١٠) من طريق عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد … به.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٦٣): ثنا عفان ويونس قالا: ثنا أبان: ثنا قتادة … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ١٩٠)، والدارقطني من طريق عفان وحده؛ لكن الدارمي

٢ ‏/ ١٤٣
ليس عنده: عن عزرة. ثم قال:
«صح إسناده». وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ثم نقل (١/ ٢٧٠) مثله عن إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي -وهو ابن راهويه-.

١٢٣ – باب التيمُّمِ في الحضر
٣٥٥ – عن عُمَيْرٍ مولى ابن عباس أنه سمعه يقول:
أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ﷺ، حتى دخلنا على أبي الجُهَيْم بن الحارث بن الصِّمَّة الأنصاريِّ، فقال أبو الجهيم: أقبل رسول الله ﷺ من نحو بئر جَمَلٍ، فلقيَهُ رجلٌ، فسلم عليه، فلم يَرُدّ رسولُ الله ﷺ عليه السلام؛ حتى أتى على جدارٍ، فمسح بوجهه ويديه، ثم ردَّ عليه السلام.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد علقه في «صحيحه».
وأخرجه البخاري وأبو عوانة في «صحيحيهما» موصولا).
حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث قال: ثني أبي عن جدي عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد علقه في «صحيحه» (١/ ١٩٤)، فقال:

٢ ‏/ ١٤٤
وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة … به.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٥٩): أخبرنا الربيع بن سليمان قال: ثنا شعيب ابن الليث … به.
وبهذا الإسناد: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٣٠٧)، والطحاوي (١/ ٥١).
وأخرجه البخاري (١/ ٣٥٠)، والبيهقي (١/ ٢٠٥) من طريق يحيى بن بكير قال: ثنا الليث … به.
وقد تابعه عن عبد الرحمن بن هرمز: ابن إسحاق: عند الطحاوي (١/ ٥٢)، والدارقطني (ص ٦٤ و٦٥)؛ وصرح عنده بسماعه منه.
وابنُ لهيعة: عند أحمد (٤/ ١٦٩)؛ وكلهم قالوا: ويديه.
وخالف أبو صالح -وهو عبد الله بن صالح-؛ فرواه عن الليث … به بلفظ: وذراعيه.
أخرجه الدارقطني، وعنه البيهقي.
ثم روى من طريق الشافعي: ثنا إبراهيم بن محمد عن أبي الحويرث عن الأعرج عن ابن الصَّمَّة قال:
مررت على رسول الله ﷺ وهو يبول، فسلَّمْتُ عليه، فلم يَرُدَّ عليّ حتى قام إلى جدار، فَحَتَّه بعصًا كانت معه، ثم وضع يديه على الجدار؛ فمسح وجهه وذراعيه؛ ثم رد عليّ. ثم قال البيهقي:
“وهذا شاهد لرواية أبي صالح كاتب الليث؛ إلا أن هذا منقطع: عبد الرحمن ابن هرمز الأعرج لم يسمعه من ابن الصمة؛ إنما سمعه من عمير مولى ابن عباس
٢ ‏/ ١٤٥
عن ابن الصمة، وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قد اختلف الحفاظ في عدالتهما؛ إلا أن لروايتهما بذكر (الذراعين) فيه شاهدًا من حديث ابن عمر»!
قلت: في هذا الكلام كثير من التساهل؛ فإن حديث ابن عمر -وهو المشار إليه في الكتاب عقيب هذا- حاله كحال حديث أبي صالح هذا؛ فكما تفرد أبو صالح بذكر الذراعين في هذا الحديث عن الليث دون سائر الثقات؛ فكذلك تفرد بذلك محمد بن ثابت عن نافع عن ابن عمر دون سائر الثقات.
وقد رواه مالك عن نافع موقوفًا؛ وهو الصحيح، كما قال الحافظ (١/ ٣٥١).
وأبو صالح تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه، فحديثه عند المخالفة شاذ اتفاقًا! فلا أدري كيف استساغ البيهقي تقوية الخطأ بالخطأ؟ !
ثم إن ما رواه عن الشافعي لا يصلح شاهدًا؛ لما ذكر هو من حال الراويين، لا سيَّما وقد خالفا الجماعة: جعفرَ بنَ ربيعة ومحمدَ بنَ إسحاق وابنَ لهيعة سندًا ومتنًا؛ ولذلك قال الحافظ (١/ ٣٥١):
«والثابت في حديث أبي جهيم أيضًا بلفظ: يديه، لا: ذراعيه؛ فإنها رواية شاذة، مع ما في أبي الحويرث وأبي صالح من الضعف».

٣٥٦ – ساق المصنف هنا هذه القصة من حديث ابن عمر بزيادة:
ثم ضرب ضربةً أخرى، فمسح ذراعيه.
وهي زيادة منكرة، أوردناه من أجلها في الكتاب الآخر (رقم ٥٨)، ثم قال المصنف:
“لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي

٢ ‏/ ١٤٦
ﷺ. رَوَوْهُ فِعْلَ ابنِ عمر».
(قلت: رواه كذلك موقوفًا الإمام مالك (١/ ٧٦) عن نافع: أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجُرُف، حتى إذا كان بالمِرْبَد نزل عبد الله، فتيمَّم صعيدًا طيبًا، فمسح وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى. وهو صحيح على شرطهما.
قال الحافظ: «وهو الصحيح»؛ يعني: موقوفًا).

٣٥٧ – عن ابن عمر قال:
أقبل رسول الله ﷺ الغائط، فلقيَهُ رجلٌ عند بئر جمل، فسلّم عليه، فلم يَرُدَّ عليه رسولُ الله ﷺ، حتى أقبل على الحائط، فوضع يده على الحائط، ثم مسح وجهه ويديه، ثم رَدَّ رسول الله ﷺ على الرجل السلامَ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان، وقال المنذري: «حسن»).
إسناده: حدثنا جعفر بن مسافر: نا عبد الله بن يحيى البُرُلُّسِيُّ: أنا حيوة بن شريح عن ابن الهاد قال: إن نافعًا حدثه عن ابن عمر.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير جعفر بن مسافر، وهو ثقة، وقد توبع.
ونقل صاحب «العون» عن المنذري أنه قال:
«حسن». وفي النسخة المطبوعة حديثًا من «مختصره»:
«مرسل»! وهو خطأ!
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٢٠٦) من طريق المصنف.

٢ ‏/ ١٤٧
وأخرجه الدارقطني (ص ٦٥) قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن عَتَّاب: نا الحسن بن عبد العزيز: أخبرنا عبد الله بن يحيى المَعَافِريُّ … به.
وهذا إسناد صحيح؛ الحسن بن عبد العزيز: هو الجَروِيُّ أبو علي المصري؛ ثقة من شيوخ البخاري.
وعبد الله بن أحمد بن عتاب ثقة أيضًا؛ وثقه الخطيب في «تاريخه» (٩/ ٣٨٢ – ٣٨٣)، وذكر وفاته (سنة ٣١٨).
وأخرجه ابن حبان (١٣١٣) من طريق أخرى عن المعافري.
والحديث رواه الضحاك بن عثمان عن نافع مختصرًا، وقد مضى في الكتاب مختصرًا (رقم ١٢).

١٢٤ – باب الجنب يتيمم
٣٥٨ – عن أبي ذر قال:
اجتمعتْ غُنَيْمَةٌ عند رسول الله ﷺ، فقال:
«يا أبا ذر! ابْدُ فيها». فبدَوْتُ إلى الرَّبَذَة، فكانت تُصِيبني الجنابة، فأمكث الخَمْسَ والسِّتَّ، فأتيتُ النبي ﷺ فقال:
«أبو ذر؟». فسكتُّ، فقال:
«ثكلتْكَ أمُّك أبا ذر! لأُمِّكَ الوَيْلُ». فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بِعُسٍّ فيه ماء، فسَتَرَتْنِي بثوبٍ، واستترت بالراحلة واغتسلت، فكأني ألقيتُ عَنِّي جَبلًا، فقال:

٢ ‏/ ١٤٨
«الصعيدُ الطيبُ وَضُوءُ المسلم ولو إلى عشْرِ سنين، فإذا وجدتَ الماءَ؛ فأمِسَّه جِلْدَك؛ فإن ذلك خير. (وفي رواية: غُنَيْمَة من الصدقة)».
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، والحاكم: «حديث صحيح»، ووافقه الذهبي والنووي، وصححه أيضًا أبو حاتم وابن حبان والدارقطني).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: نا خالد. (ح) وحدثنا مسدد قال: نا خالد -يعني: ابن عبد الله الواسطي-عن خالد الحَذَّاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدَانَ عن أبي ذر.
قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عمرو بن بُجْدان -بضم الموحدة وسكون الجيم-، وقد وثقه ابن حبان. وقال العجلي:
«بصري تابعي ثقة».
ووثقه أيضًا جماعة ممن صححوا حديثه هذا، ويأتي ذكرهم. ولذلك قال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٣٩):
«وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول».
قلت: يعني: مجهول الحال؛ كما صرح به الزيلعي (١/ ١٤٩) عنه. ثم غفل الحافظ ابن حجر نفسه؛ فقلّد ابن القطان، فقال في «التقريب»:
«لا يعرف حاله»! ثم رأيت الذهبي قال:
«مجهول الحال»!
٢ ‏/ ١٤٩
وذلك لأنه لم يرو عنه غير أبي قلابة.
والحديث أخرجه ابن حبان (١٠٦)، والحاكم (١/ ١٧٦)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٢٢٠) عن أبي المثنى: ثنا مسدد … به.
وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن مسدد … به نحوه؛ وقال:
غنم من غنم الصدقة.
وأخرجه الطيالسي (رقم ٤٨٤) قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال:
رأيت أبا ذر في مسجد قُبَاء، فصلى وعليه رداء قِطْرِي، فسلّمت عليه، فلم يَرُدَّ عليّ، فلما قضى صلاته ردَّ علي، قلت: أنت أبو ذر؟ قال: نعم، اجتويتُ المدينة، فأمَرني رسول الله ﷺ بذَوْدٍ، وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها … الحديث نحو الرواية الآتية في الكتاب.
وأخرجه الترمذي (١/ ٢١٢) من طريق سفيان عن خالد الحذاء … به مختصرًا دون القصة.
وكذلك أخرجه النسائي (١/ ٦١) من طريق مخلد عن سفيان أيضًا عن أيوب عن أبي قلابة عن عمرو بن بُجْدان … به.
وهو صحيح من طريق سفيان عن خالد وأيوب معًا.
فقد أخرجه البيهقي (١/ ٢١٢) من طريق مخلد أيضًا -وهو ابن يزيد-عن سفيان عن أيوب السَّخْتِيَانِيِّ وخالد الحذاء عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان … به. لكن قال البيهقي:
“تفرد به مخلد هكذا. وغيره يرويه عن الثوري عن أيوب السختياني عن أبي
٢ ‏/ ١٥٠
قلابة عن رجل عن أبي ذر، وعن خالد عن أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عن أبي ذر، كما رواه سائر الناس».
يعني: أن الصواب من رواية أيوب عن أبي قلابة أنه قال: عن رجل؛ لم يسمه، ومن رواية خالد عنه: عن عمرو بن بجدان؛ سمّاه.
وهكذا أخرجه أحمد (٥/ ١٥٥): ثنا عبد الرزاق: أنا سفيان عن أيوب السختياني وخالد الحذاء عن أبي قلابة كلاهما؛ ذكره خالد: عن عمرو بن بجدان؛ وأيوب: عن رجل عن أبي ذر.
ثم أخرجه أحمد (٥/ ١٨٠) من طريق سفيان عن خالد وحده؛ مثل رواية الترمذي.
وتابعه يزيد بن زريع عن خالد: عند الدارقطني (ص ٦٨). ثم قال الترمذي: «حديث حسن صحيح». والحاكم:
«حديث صحيح»، ووافقه الذهبي، وكذا النووي (٢/ ٢٤٤ و٢٩٤). وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٥٤):
«وصححه الترمذي وابن حبان والدارقطني». زاد في «التلخيص»:
«وصححه أبو حاتم أيضًا».

٣٥٩ – عن رجل من بني عامر [هو عمرو بن بُجْدان] قال:
دخلتُ في الإسلام، فأهمَّني دينِي، فأتيت أبا ذر، فقال أبو ذر: إني اجْتَويتُ المدينةَ. فَأمَرَ لي رسول الله ﷺ بِذَوْدٍ وبِغَنَم، فقال لي: «اشرب من ألبانها» -قال حماد: وأشك في: أبوالها- فقال أبو ذر: فكنتُ أعْزُبُ

٢ ‏/ ١٥١
عن الماء؛ ومعي أهلي، فتُصِيبني الجنابةُ، فأصلّي بغير طُهُور، فأتيتُ رسولَ الله ﷺ بنصف النهار وهو في رَهْطٍ من أصحابه، وهو في ظِلِّ المسجد، فقال ﷺ:
«أبو ذر؟». فقلت: نعم؛ هلكتُ يا رسول الله! قال:
«وما أهلكك؟ !». قلت: إني كنت أعْزُبُ عن الماء ومعي أهلي، فتصيبني الجنابةُ، فأصلي بغير طُهُور! فأمَرَ لي رسولُ الله ﷺ بماء، فجاءت به جاريةٌ سوداءُ -بعُسٍّ يتخَضْخَضُ، ما هو بملآن؛ فتسترتُ إلى بعير، فاغتسلتُ، ثم جئت، فقال رسول الله ﷺ:
«يا أبا ذر! إن الصعيد الطيب طَهورٌ؛ وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين؛ فإذا وجدتَ الماء فأمِسَّهُ جِلْدَكَ».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان والدارقطني).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر.
وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير الرجل من بني عامر -وهو عمرو بن بجدان-، كما في الحديث قبله؛ سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة، وسماه سفيان الثوري عن أيوب في رواية مخلد بن يزيد عنه، كما تقدم.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٢١٧) من طريق المصنف.
وأخرجه الطيالسي (رقم ٤٨٤): حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن أيوب … به؛ بلفظ:
٢ ‏/ ١٥٢
وأمرني أن أشرب من ألبانها وأبوالها.
ولا أدري إذا كان السياق للحمادين، أو لابن سلمة وحده؟ ! فإن كان الأول؛ ففيه رَدٌّ لما ذكره المؤلف عقيب الحديث. والله أعلم.
وقد تابعهما عن أيوب: إسماعيل -وهو ابن عُلَيَّةَ-؛ وليس في حديثه ذكر الألبان والأبوال.
أخرجه أحمد (٥/ ١٤٦).
ثم أخرجه من طريق سعيد -وهو ابن أبي عَرُوبة- عن أيوب … به؛ إلا أنه قال: عن رجل من بني قشير.
وهذا الرجل هو الأول نفسه؛ لأن بني قشير من بني عامر؛ كما نقله بعضهم عن «الاشتقاق» لابن دُرَيْدٍ (ص ١٨١)؛ وهو عمرو بن بجدان نفسه.
وأخرجه ابن حبان (١٩٦ – ١٩٨).
ثم إن الحديث قال ابن القيم في «التهذيب»:
«وصححه الدارقطني. وفي»مسند البزار«عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:»الصعيد الطيب وَضُوُء المسلم؛ وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء، فلْيَتَّقِ اللهَ ولْيُمِسَّه بشْرَتَهُ؛ فإن ذلك خير«. وذكره ابن القطان في (باب أحاديث، ذكَرَ أن أسانيدها صحاح)».
قلت: فهذا شاهد قوي لحديث الباب، وقد ذكر إسناده الزيلعي في «نصب الراية» (١/ ١٤٩)، فرأيناه إسنادًا صحيحًا على شرط البخاري.
ثم ذكر أن الطبراني رواه في «الأوسط» من هذا الوجه؛ لكن مطولًا، وساق فيه قصة أبي ذر.
٢ ‏/ ١٥٣
ثم أخرجته في «الصحيحة» (٣٠٢٩).

٣٦٠ – قال أبو داود: «رواه حماد بن زيد عن أيوب … لم يذكر: أبوالها، هذا ليس بصحيح، وليس في أبوالها إلا حديث أنس؛ تفرد به أهل البصرة»!
(قلت: وصله الطيالسي (رقم ٤٨٤) قال: حدثنا حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن أيوب … فذكر: أبوالها؛ لكن يحتمل أن يكون السياق لحماد بن سلمة وحده. والله أعلم. وحديث أنس المشار إليه يأتي في «الحدود» (برقم …) [باب ما جاء في المحاربة].

١٢٥ – باب إذا خاف الجُنُبُ البَرْدَ؛ أيتيمَّم؟
٣٦١ – عن عمرو بن العاص قال:
احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السًّلاسل؛ قأشفقتُ أن أغتسل فأهْلِكَ، فتيمَّمتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبحَ، فذكروا ذلك لرسول الله ﷺ؟ فقال:
«يا عمرو! صَلَّيْتَ بأصحابكَ وأنت جنبٌ؟ !». فأخبرتُه بالذي منعني من الاغتسال، وقلتُ: إني سمعتُ الله يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾! فضحك رسولُ الله ﷺ ولم يقل شيئًا.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان، وقال الحافظ: «وإسناده قوي». وعلقه البخاري)

٢ ‏/ ١٥٤
إسناده: حدثنا ابن المثنى: نا وهب بن جرير: نا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص.
قال أبو داود: «عبد الرحمن بن جبير مصري، مولى خارجة بن حذافة، وليس هو ابن جبير بن نفير».
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه منقطع؛ فقد ذكر البيهقي في «الخلافيات» أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع الحديث من عمرو بن العاص.
قلت: وبينهما أبو قيس مولى عمرو بن العاص؛ كما في الرواية الآتية، ويظهر لي أنه سقط من رواية يحيى بن أيوب للحديث؛ فإنه وإن كان ثقة من رجال الشيخين؛ فقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة من قبل حفظه. وقال أحمد: إنه «سيئ الحفظ».
وقد خالفه من هو أوثق منه وأحفظ؛ وهو عمرو بن الحارث؛ فوصله بذكر أبي قيس بينهما.
وتابعه ابن لهيعة كما يأتي، فزالت بذلك علة الحديث، وصار حديثًا صحيحًا.
والحديث علقه البخاري (١/ ٣٦٠) فقال: ويذكر:
أن عمرو بن العاص أجنب في ليلة باردة،؟ فتيمم، وتلا: ﴿ولا تقتلوا أنفسَكم …﴾ الآية، فذُكر للنبيَ ﷺ؛ فلم يُعَنِّفْ.
وقد وصله الدارقطني أيضًا (ص ٦٥) من طريق أبي موسى -وهو محمد بن
٢ ‏/ ١٥٥
المثنى؛ شيخ المصنف فيه-.
ثم أخرجه هو، والحاكم (١/ ١٧٧ – ١٧٨)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٢٢٥) من طرق أخرى عن وهب بن جرير … به. وقال الحافظ في «شرح البخاري»:
«وإسناده قوي، لكنه علقه بصيغة التمريض؛ لكونه اختصره».

٣٦٢ – وفي رواية عنه: كان على سَرِيَّةٍ … وذكر الحديث نحوه؛ قال:
فغسل مَغَابِنَهُ، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم … فذكر نحوه، ولم يذكر التيمم.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي! وقال النووي: إن «الحديث حسن أو صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة: نا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص: أن عمرو بن العاص كان …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ إلا ابن لهيعة، ولكنه مقرون بعمروٍ.
والحديث رواه ابن حبان (١٣١٢)، والدارقطني (ص ٦٥)، والحاكم (١/ ١٧٧)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٢٢٦) من طرق أُخر عن ابن وهب … به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!

٢ ‏/ ١٥٦
وقد وهما؛ فإنه على شرط مسلم وحده؛ لأن عمران بن أبي أنس وعبد الرحمن ابن جبير المصري؛ لم يخرج لهما البخاري في «صحيحه». وقال النووي في «الخلاصة» -كما في «نصب الراية» (١/ ١٥٧) -:
«إن الحديث حسن أو صحيح».
ولا مبرِّر عندي لهذا التردد؛ فالحديث صحيح لا شك فيه بهذا الإسناد، والاختلاف الذي وقع فيه من بعض الرواة -ممن هو سيئ الحفظ- لا يُعِلُّه، بعد أن جوَّده عمرو بن الحارث، وهو ثقة حجه كما سبق؛ وقد تابعه ابنُ لهيعة كما رأيت.
ولكن قد بدا لي رأي، وهو أنه يجوز أن تكون هذه المتابعة في الجملة لا في التفضيل: إسنادًا ومتنًا، وذلك وإن كان خلاف الظاهر؛ فإنه هو الراجح بعد البحث؛ فقد رأيتُ الإمامَ أحمد قد أخرج حديث ابن لهيعة مستقلًا عن قرينه عمرو، فساق إسناده ومتنه مخالفًا لعمرو فيهما، وموافقًا لرواية يحيى بن أيوب المتقدمة؛ فقال أحمد (٥/ ٢٠٣ – ٢٠٤): ثنا حسن بن موسى: قال: ثنا ابن لهيعة قال: ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عمران بن أبي أنس عن عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص أنه قال:
لما بعثه رسول الله ﷺ عام ذات السّلاسل قال: احتلمت … الحديث، وفيه:
فتيممت وصليت … والبافي نحوه.
فقد اتفقت رواية ابن لهيعة مع رواية ابن أيوب في إثبات التيمم؛ ولم يتعرضا لغسل الغابن والوضوء.
ووافقهما على ذلك رواية الأوزاعي عن حسان بن عطية؛ التي علقها المؤلف، ولم أجد من وصلها كما يأتي.
٢ ‏/ ١٥٧
وهذا بخلاف رواية عمرو هذه؛ فإنه عكَس ذلك! قال الحافظ:
«ورواها عبد الرزاق من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم يذكر التيمم».
فقد توبع عمرو بن الحارث، ولم ينفرد بذكر التيمم، فيجب ضم ذلك إلى ما رواه ابن لهيعة ومن معه. وهذا ما جنح إليه البيهقي، فقال:
«يحتمل أن يكون قد فعل ما نقل في الروايتين جميعًا: غَسَلَ ما قدر على غسله، وتيمم للباقي». قال النووي (٢/ ٢٨٣):
«وهذا الذي قاله البيهقي متعين؛ لأنه إذا أمكن الجمع بين الروايتين تعيَّن».
وأقرّه الحافظ.

٣٦٣ – قال أبو داود: «وروى هذه القصةَ: الأوزاعيُّ عن حسان بن عطية … قال فيه: فتيمم».
(قلت: لم أجد من وصله).

١٢٦ – باب المجروح يتيمم
٣٦٤ – عن جابر قال:
خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجرٌ فشجَّهُ في رأسه، ثم احتلم، فسأل أصحابه، فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء. فاغتسل، فمات، فلما قدمنا على النبي ﷺ، أُخبر بذلك، فقال:

٢ ‏/ ١٥٨
«قتلوه؛ قاتلهم الله! ألا سألوا إذ لم يعلموا؛ فإنما شفاءُ العِيِّ السؤال! إنما كان يكفيه أن يتيمَّم، ويَعْصِرَ -أو يَعْصِبَ؛ شك موسى- على جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثم يمسحَ عليها، وبغسلَ سائر جسده».
(قلت: حديث حسن؛ إلا قوله: «إنما كان … إلخ»؛ فإنه ضعيف؛ لأنه ليس له شاهد معتبر، وصححه ابن السكن).
إسناده: حدثنا موسى بن عبد الرحمن الأنطاكي: ثنا محمد بن سلمة عن الزُّبَيْرِ بن خُرَيْق عن عطاء عن جابر.
قلت: هذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير الزبير بن خُريق؛ وثقه ابن حبان. وقال الدارقطني:
«ليس بالقوي». وقال الحافظ في «التقريب»:
«لين الحديث». ولذلك قال في «بلوغ المرام»:
«رواه أبو داود بسند فيه ضعف». وقال في «التلخيص» (٢/ ٢٨٨):
«وصححه ابن السكن».
وأما قوله في ترجمة الزبير هذا من «التهذيب»:
«روى له أبو داود حديثًا واحدًا في التيمم». ثم قال:
«قال أبو داود عقب حديثه في كتاب»السنن«: ليس بالقوي»!
قلت: وليس هذا في نسخة «عون المعبود»، ولا في النسخة التي صححها وطبعها حديثًا الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد من «السنن»! فلعل ذلك في بعض النسخ القديمة من الكتاب!
٢ ‏/ ١٥٩
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٢٢٧) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه هو (١/ ٢٢٨)، والدارقطني (ص ٦٩) من طريق أبي بكر عبد الله ابن سليمان بن الأشعث: ثنا موسى بن عبد الرحمن الحلبي … به. وقال الدارقطني:
«قال أبو بكر: هذه سنة تفرَّد بها أهل مكة. وحملها أهل الجزيرة؛ لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق؛ وليس بالقوي. وخالفه الأوزاعي؛ فرواه عن عطاء عن ابن عباس. واختلف على الأوزاعي؛ فقيل: عنه عن عطاء، وقيل: عنه بلغني عن عطاء. وأرسل الأوزاعي آخره عن عطاء عن النبي ﷺ؛ وهو الصواب».
قلت: وقيل أيضًا: عنه: ثنا عطاء؛ ويأتي بيان ذلك عند حديث ابن عباس المشار إليه؛ وهو في الكتاب عقب هذا.
وأبو بكر عبد الله بن سليمان: هو ابن المصنف رحمه الله، وقد شارك أباه في السماع من كثير من شيوخه، منهم هذا.
وقد ضعف الحديثَ من سبق ذكرهم، وضعفه أيضًا البيهقي، فقال (١/ ٢٢٨):
«ولا يثبتُ عن النبي ﷺ في هذا الباب شيء، وأصح ما روي فيه حديث عطاء بن أبي رباح الذي قد تقدم، وليس بالقوي».
قلت: لكن الزبير بن خريق قد توبع على القسم الأكبر من الحديث كما يأتي، فهو بذلك يَقْوى ويَرْقَى إلى درجة الحسن على أقل الدرجات.
لكن قوله في آخره: «ويعصر …» إلخ. من أفراده؛ كما قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٢٩٢ – ٢٩٥)؛ فكان ضعيفًا.
٢ ‏/ ١٦٠
(تنبيه): عزا الشوكاني في «النيل» (١/ ٢٢٤) حديث جابر هذا إلى ابن ماجة.
وتبعه على ذلك الشيخ أبو الطيب شمس الحق في تعليقه على «الدارقطني»!
وهو وهم منهما؛ فإنه ليس عند ابن ماجة؛ وإنما عنده حديث ابن عباس الآتي، وهو:

٣٦٥ – عن عبد الله بن عباس قال:
أصاب رجلًا جُرْحٌ في عهد رسول الله ﷺ، ثم احتلم، فأُمِرَ بالاغتسال، فاغتسل، فمات، فبلغ ذلك رسولَ الله ﷺ، فقال:
«قتلوه؛ قاتلهم الله! ألم يَكُنْ شِفاءُ العِيِّ السؤالَ؟ !».
(قلت: حديث حسن. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»،
وقال الحاكم: «حديث صحيح»! ووافقه الذهبي!).
إسناده: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي: ثنا محمد بن شعيب: أخبرني الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح أنه سمع عبد الله بن عباس.
قلت: هذا إسناد صحيح -لولا جهالة الواسطة بين الأوزاعي وعطاء-، رجاله كلهم ثقات إن شاء الله تعالى؛ وقد ذكر العقيلي نصر بن عاصم في «الضعفاء»، وأورد له حديثًا، ثم قال:
«لا يتابع على حديثه»! قال الذهبي عقيبه:
«قلت: نصر بن عاصم محدث رَحَّال، ذكره ابن حبان في»الثقات«…».
والحديث أخرجه الدارقطني (ص ٧٠)، والبيهقي (١/ ٢٢٧) من طريق العباس ابن الوليد بن مَزْيَدٍ: ثنا أبي قال: سمعت الأوزاعي يقول: بلغني عن عطاء …

٢ ‏/ ١٦١
به؛ وزاد: قال عطاء:
فبلغنا أن رسول ﷺ سئل عن ذلك؟ فقال:
«لو غسل جسده، وترك رأسه حيث أصابه الجرح».
ثم أخرجه الدارقطني، والدارمي أيضًا (١/ ١٩٢) من طريق أبي المغيرة: ثنا الأوزاعي … به.
ثم أخرجه أيضًا هو، والحاكم (١/ ١٧٨) من طريق هِقْلِ بن زياد عن الأوزاعي قال: قال عطاء … به؛ وزاد في آخره:
«أجزأه».
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢٥٢)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (١/ ٨٨) -عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين-، والدارقطني -عن أيوب بن سويد- كلاهما عن الأوزاعي عن عطاء … به.
ثم أخرجه الدارقطني من طريق أخرى عن الأوزاعي عن رجل عن عطاء … به.
وخالف هؤلاء كلَّهم: بشرُ بنُ بكر فقال: ثني الأوزاعي: ثنا عطاء … به؛ فصرح بسماع الأوزاعي من عطاء! وهو شاذ.
أخرجه الحاكم، ثم قال:
«وقد رواه الهِقْلُ بن زياد، وهو من أثبت أصحاب الأوزاعي، ولم يذكر سماع الأوزاعي من عطاء …»، ثم ساق إسناده بذلك كما ذكرته آنفًا. وقد قال ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٣٧):
“سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه هِقْل والوليد بن مسلم وغيرهما عن
٢ ‏/ ١٦٢
الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس: أن رجلًا أصابته جراحة … وذكرت لهما الحديث؟ فقالا: روى هذا الحديث: ابنُ أبي العشرين عن الأوزاعي عن إسماعيل ابن مسلم عن عطاء عن ابن عباس، وأفسد الحديث».
قلت: حديث ابن أبي العشرين عند ابن ماجة كما سبق، وليس فيه: عن إسماعيل بن مسلم! فلعله اختلف فيه على ابن أبي العشرين، وهو متكلَّم فيه من قبل حفظه، فيبعد أن يحفط ما لم يحفظه الثقات من أصحاب الأوزاعي، ولذلك قالا: إنه أفسد الحديث.
وبالجملة؛ فالإسناد منقطع؛ ولكن قد جاء موصولًا؛ فقد أخرجه ابن حبان في «صحيحه» -كما في «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» (١) -، والحاكم (١/ ١٦٥) من طريق عمر بن حفص بن غياث: حدثني أبي: أخبرني الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح أن عطاء حدثه … به؛ إلا أنه قال:
«ما لهم قتلوه! قتلهم الله (ثلاثًا)! قد جعل الله الصعيد -أو التيمم- طهورًا».
وقال الحاكم:


(١) هو كتاب قيم للحافظ نور الدين الهيثمي مؤلف «مجمع الزوائد»، اختصر به «صحيح ابن حبان»، وأورد فيه ما فيه من الزوائد على «الصحيحين» دون أن يجردها من أسانيدها، مرتبًا لها على ترتيب كتب الفقه والسنن.
رأيت هذا الكتاب في (المكتبة المحمودية) في المدينة المنورة، حين سافرت إليها من مكة لزيارة المسجد النبوي، أواخر شهر المحرم من هذه السنة (١٣٦٩)، وقد مررت على الكتاب كله، وكتبت منه بعض المنتخبات من أحاديثه.
ومما يؤسف له: أن هذه المكتبة مغلَّقة الأبواب، ليس لها راع ولا قيم! ومفتاحها مع رئيس المحكمة الشرعية هناك: الشيخ ابن مزاحم، وبواسطته -جزاه الله خيرًا- تمكنت من مطالعة فهرسها المملوء بالكتب القيمة، وقد فقد غير قليل من كتبها القيمة! ! ولما كنت أطالع فيها كان يلقى القفل على الباب وأنا في داخلها، من الصلاة إلى الصلاة، حتى يأتي الشيخ يصلي فيها، فيفتح علي!
٢ ‏/ ١٦٣
«صحيح»، ووافقه الذهبي.
وأخرجه ابن خزيمة أيضًا -كما في «التلخيص» (٢/ ٢٩٢) -، والبيهقي (١/ ٢٢٦) من طريق الحاكم، وقال:
«حديث موصول». ثم قال الحافظ:
«والوليد بن عبيد الله؛ ضعفه الدارقطني، وقوّاه من صحح حديثه هذا».
ثم رأيت الحديث في «صحيح ابن خزيمة» (٢٧٣)، وعنه ابن حبان، وابن الجارود (١٢٦).
وله شاهد يرويه جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ رفعه: في قوله عز وجل: ﴿وإن كنتم مرضى أو على سفر﴾؛ قال:
«إذا كان بالرجل الجراحة في سبيل الله، أو القروح، أو الجُدَرِيُّ، فيُجْنِبُ، فيخاف -إن اغتسل- أن يموت؛ فَلْيَتَيَمَّمْ».
أخرجه ابن خزيمة (١/ ١٣٨ / ٢٧٢)، والدارقطني (١/ ١٧٧ / ٩)، والحاكم (١/ ١٦٥)، والبيهقي (١/ ٢٢٤). وقال ابن خزيمة:
«لم يرفعه غير عطاء بن السائب».
وذكر البيهقي أنه رواه عنه جمع موقوفًا.
قلت: وقال الدارقطني:
«وهو الصواب».
ولكنه في حكم المرفوع؛ لأنه في التفسير، ولا سيما أنه من ترجمان القرآن: ابن عباس رضي الله عنهما.
٢ ‏/ ١٦٤
قلت: وهو شاهد لا بأس به لحديث جابر قبله؛ فإن فيه -كما في هذا- ذكر التيمم.

١٢٧ – باب المتيمِّمُ يجد الماء بعدما يصلي في الوقت
٣٦٦ – عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج رجلان في سفر، فحضرتِ الصلاة وليس معهما ماء، فتيمَّما صعيدًا طيِّبًا، فصلَّيا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولم يُعِدِ الآخر، ثم أتيا رسولَ الله ﷺ، فذكرا ذلك له؟ فقال للذي لم يُعِدْ:
«أصبتَ السُّنَّة، وأجْزَأتْكَ صلاتُك». وقال للذي توضأ وأعاد:
«لك الأجر مرتين».
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين»!
ووافقه الذهبي! وقوّاه النووي. وأخرجه ابن السكن في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن إسحاق المُسَيَّبي: نا عبد الله بن نافع عن الليث بن سعد عن بكر بن سَوَادة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.
قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أن عبد الله بن نافع -وهو ابن أبي نافع الصائغ- في حفظه ضعف؛ فقال أحمد:
«لم يكن صاحب حديث؛ كان ضعيفًا فيه». وقال أبو حاتم:
«ليس بالحافظ، هو ليّن في حفظه، وكتابه أصح». وذكره ابن حبان في

٢ ‏/ ١٦٥
«الثقات»، وقال:
«كان صحيح الكتاب، وإذا حدَّث من حفظه ربما أخطأ». وقال أبو أحمد الحاكم:
«ليس بالحافط عندهم». وفال الخليلي:
«لم يرضوا حفظه، وهو ثقة، أثنى عليه الشافعي». وقال الحافظ:
«ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين».
قلت: وقد دلَّ على سوء حفظه إسناده لهذا الحديث؛ فقد خالفه من هو أحفظ منه كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٧٤)، والدارمي (١/ ٩٠)، والدارقطني (٦٩)، والحاكم (١/ ١٧٨)، والبيهقي (١/ ٢٣١) من طرق عن عبد الله بن نافع … به.
وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! وأعله المصنف، فقال عقب الحديث:
«وغير ابن نافع يرويه عن الليث عن عَمِيرَةَ بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار عن النبي ﷺ». قال:
«وذكر أبي سعيد في هذا الحديث ليس بمحفوظ؛ هو مرسل». وقال الدارقطني:
«تفرد به عبد الله بن نافع عن الليث بهذا الإسناد متصلًا. وخالفه ابن المبارك وغيره».
٢ ‏/ ١٦٦
ثم ساقه من طريق عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك عن ليث عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار … مرسلًا.
وأخرجه النسائي من طريق سُوَيد بن نصر عن عبد الله … به؛ إلا أنه قال: عن ليث بن سعد قال: حدثني عميرة وغيره عن بكر بن سوادة.
وهكذا رواه يحيى بن بكير عن الليث؛ إلا أنه لم يقل: وغيره.
أخرجه البيهقي. قال ابن القطان -كما في «نصب الراية» (١/ ١٦٠) -:
«فالذي أسنده أسقط من الإسناد رجلًا -وهو عميرة-، فيصير منقطعًا، والذي يرسله؛ فيه مع الإرسال عميرة، وهو مجهول الحال». قال:
«لكن رواه أبو علي بن السكن: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الواسطي: ثنا عباس بن محمد: ثنا أبو الوليد الطيالسي: ثنا الليث بن سعد عن عمرو بن الحارث وعميرة بن أبي ناجية عن بكر بن سوادة عن عطاء عن أبي سعيد: أن رجلين خرجا في سفر … الحديث. قال:
فوصله ما بين الليث وبكر: بعمروٍ بن الحارث -وهو ثقة- وقرنه بعميرة، وأسنده بذكر أبي سعيد.
قلت: وعميرة ثقة أيضًا؛ وليس بمجهول الحال، كما زعم ابن القطان! وقد أشار الحافظ بالرد عليه كما يأتي في الكلام على الرواية الآتية.
فقد ثبت الحديث مسندًا ومرسلًا. وقد قال النووي في»المجموع«(٢/ ٣٠٦):
»ومثل هذا المرسل يحتج به الشافعي وغيره، كما قدَّمنا في مقدمة الكتاب: أن الشافعي يحتج بمرسل كبار التابعين إذا أسند من جهة أخرى، أو يرسل من جهة أخرى، أو يقول به بعض الصحابة، أو عوام العلماء، وقد وجد في هذا
٢ ‏/ ١٦٧
الحديث شيئان من ذلك:
أحدهما: ما قدمناه قريبًا عن ابن عمر رضي الله عنه: أنه أقبل من الجُرُفِ، حتى إذا كان بالمربد؛ تيمم وصلى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم يُعِدِ الصلاة. وهذا صحيح عن ابن عمر كما سبق.
الثاني: روى البيهقي بإسناده عن أبي الزناد قال: كان مَنْ أدركتُ من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم؛ منهم سعيد بن المسيب -وذكر تمام فقهاء المدينة السبعة- يقولون: من تيمم وصلى، ثم وجد الماء وهو في الوقت أو بعده؛ لا إعادة عليه».
(تنبيه): الحديث؛ عزاه الأستاذ الدَّعَّاس -في تعليقه على الحديث (٣٣٨) -: البخاري! وهو من أوهامه.

٣٦٧ – عن عطاء بن يسار:
أن رجُلينِ من أصحاب رسول الله ﷺ … بمعناه.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا ابن لهيعة عن بَكْرِ بن سَوَادَةَ عن أبي عبد الله مولى إسماعيل بن عُبَيْدٍ عن عطاء بن يسار.
قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أبو عبد الله هذا لا يعرف، كما قال الذهبي. وقال الحافظ:
«مجهول».
وابن لهيعة سيئ الحفظ، وقد خالفه غيره؛ فلم يُدْخِلْ بين بكر وعطاء أحدًا كما سبق. وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٥٣):

٢ ‏/ ١٦٨
«وابن لهيعة ضعيف، فلا يلتفت لزيادته ولا يُعَلُّ بها رواية الثقة عمرو بن الحارث ومعه عميرة بن أبي ناجية، وقد وثقه النسائي ويحيى بن بكير وابن حبان، وأثنى عليه أحمد بن صالح وابن يونس وأحمد بن سعيد بن أبي مريم».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٢٣١) من طريق المصنف.

١٢٨ – باب في الغسل للجمعة
٣٦٨ – عن أبي هريرة:
أنَّ عمر بن الخطاب بينا هو يخطب يوم الجمعة؛ إذ دخل رجل، فقال عمر: أتَحْتَبِسُون عن الصلاة؟ ! فقال الرجل: ما هو إلا أنْ سمعتُ النداءَ فتوضَّأْتُ! قال عمر: والوُضُوءَ أيضًا؟ ! أوَلَمْ تسمعوا رسولَ الله ﷺ يقول:
«إذا أتى أحدُكم الجمعةَ فلْيغتسِلْ»؟ !
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: نا معاوية عن يحيى: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة أخبره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ ومعاوية: هو ابن سلَّام -بالتشديد-.
ويحيى: هو ابن أبي كثير.
والحديث أخرجه أحمد (رقم ٩١ و٣١٩ و٣٢٠) من طرق أخرى عن يحيى … به.

٢ ‏/ ١٦٩
وأخرجه البخاري (٢/ ٢٩٦) من طريق شيبان عنه، وهو رواية لأحمد.
وأخرجه مسلم (٣/ ٣)، والدارمي (١/ ٣٦١)، والبيهقي (١/ ٢٩٤ – ٢٩٥) من طريق الأوزاعي قال: حدتني يحيى بن أبي كثير … به؛ وسمى مسلم والبيهقي الرجلَ: عثمان بن عفان.
وأخرج الطحاوي (١/ ٦٩) المرفوع منه.
وللحديث طريق أخرى عن عمر.
أخرجه الشيخان وغيرهما.

٣٦٩ – عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ قال:
«غُسْل يومِ الجمعة واجبٌ على كل مُحْتَلِمٍ».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه في «الصحيحين»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب عن مالك عن صفوان بن سلَيْمٍ عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٢٤) … بهذا السند.
ومن طريقه: أخرجه البخاري (٢/ ٢٨٧)، ومسلم (٣/ ٣)، والنسائي (١/ ٢٠٤)، والبيهقي (١/ ٢٩٤)، وأحمد (٣/ ٦٠)، ومحمد في «مُوطئه» (٧٢) كلهم عن مالك … به.
وقد تابعه ابن عيينة؛ فقال أحمد (٣/ ٦): ثتا سفيان عن صفوان بن سليم … به.

٢ ‏/ ١٧٠
وأخرجه البخاري (٢/ ٢٧٥)، والدارمي (١/ ٣٦١)، وابن ماجة (١/ ٣٣٨)، والطحاوي (١/ ٦٩) كلهم عن سفيان … به.
وقد أبعد الحافظ النُّجْعَة؛ حيث قال -عقب رواية البخاري عن مالك-:
«وقد تابع مالكًا على روايته: الدراورديُّ عن صفوان: عند ابن حبان»!
وكأنه ذهل عن رواية سفيان هذه!
وفي رواية الدراوردي زيادة شاذة، نبهت عليها في «الضعيفة» (٣٩٥٨).
ولأبي سعيد حديث آخر أتم من هذا، يأتي قريبًا (رقم ٣٧٢).

٣٧٠ – عن حفصة عن النبي ﷺ قال:
«على كل مُحْتَلِمٍ رَوَاحُ الجُمُعَةِ، وعلى كل مَنْ راحَ الجمعةَ الغُسْلُ».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (١٢١٧)، وقال المنذري: «حسن»، والمناوي: «صالح»).
قال أبو داود: «إذا اغتسل الرجل بعد طلوع الفجر؛ أجزأه من غسل الجمعة، وإن أجنب».
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد الرملي: نا المُفَضَّلُ بن فَضَالة عن عَيَّاشِ بن عَبَّاسٍ عن بُكَيْرٍ عن نافع عن ابن عمر عن حفصة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يزيد بن خالد، وهو ثقة. وقال المناوي في «فيض القدير»:
«إسناده صالح»!

٢ ‏/ ١٧١
وكأنه اعتمد على سكوت المصنف عليه. وفي «عون المعبود»:
«قال المنذري: حسن، وأخرجه النسائي».
قلت: وليس في النسخة المطبوعة من «مختصر السنن» قوله: «حسن»!
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٦٩)، وابن خزيمة (١٧٢١) من طرق عن المفضل … به.
وأخرج النسائي (١/ ٢٠٣) الشطر الأول منه.
وإسناده صحيح على شرط مسلم، كما قال النووي في «المجموع» (٤/ ٤٨٣).

٣٧١ – عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله ﷺ:
«من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومَسَّ من طيب -إن كان عنده-، ثم أتى الجمعة، فلم يَتَخَطَّ أعناقَ الناس، ثم صلَّى ما كَتَبَ الله له، ثم أنصتَ إذا خرج إمامُه حتى يفرغ من صلاته؛ كانت كفارةً لما بينها وبين جُمْعَتِهِ التي قَبْلها»قال: ويقول أبو هريرة-، وزيادةٌ ثلاثةُ أيام -ويقول-؛ إن الحسنة بعشر أمثالها.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه». وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي! وأخرج مسلم بعضه ويأتي (رقم ٩٦٤».
إسناده: حدثنا يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن مَوْهَبٍ الرملي الهَمْدَاني.
(ح) وحدثنا عبد العزيز بن يحيى الحَرَّاني قالا: نا محمد بن سلمة. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد -وهذا حديث محمد بن سلمة- عن محمد بن

٢ ‏/ ١٧٢
إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن -قال يزيد وعبد العزيز في حديثيهما: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي أمامة بن سهل- عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة.
قال أبو داود: «وحديث محمد بن سلمة أتم، ولم يذكر حماد كلام أبي هريرة».
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ واين إسحاق مدلس وقد عنعنه؛ لكنه قد صرَّح بالتحديث في بعض الروايات الصحيحة عنه، كما يأتي، فزالت شبهة تدليسه. ولذلك قال النووي في «المجموع» (٤/ ٥٣٧):
«إسناده حسن».
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٨١): ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن إسحاق: ثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف وأبي أمامة بن سهل بن حُنَيْفٍ … به.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٨٣) من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق: ثني محمد بن إبراهيم … به.
وأخرجه أيضًا من طريق حجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة … به. وقال: «حديث صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا، كما نبَّهنا عليه مرارًا.
ورواه أيضًا ابن حبان، والبيهقي -كما في «التلخيص» (٢/ ٦١٩) -، ورواه الطحاوي (١/ ٢١٦).
ورواه مسلم (٣/ ٨)، وأحمد (٢/ ٤٢٤) عن أبي صالح عن أبي هريرة … مرفوعًا نحوه ببعضه.
٢ ‏/ ١٧٣
وأحمد (٣/ ٣٩) من طريق عطية عن أبي سعيد … به.
وقد جعل أبو صالح قول أبي هريرة: «وزيادة ثلاثة أيام» من صلب الحديث.
وسيأتي عند المصنف في «الجمعة» (٩٦٤) من رواية الأعمش عنه.
وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة … مرفوعًا.
أخرجه ابن حبان (٥٦٦ – موارد)؛ دون ذكر التخطِّي وما بعده.

٣٧٢ – عن أبي سعيد الخدري أن النبي ﷺ! قال:
«الغُسْلُ يوم الجمعة على كل محتلم، والسواكُ، وَيمَسّ مِنَ الطِّيبِ ما قُدِّرَ له (زاد في رواية: ولو من طِيب المرأة)».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه». وأخرجه البخاري بنحوه).
إسناده: حدثنا محمد بن سلمة المرادي: نا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشَجِّ حدثاه عن أبي بكر بن المنكدر عن عمرو بن سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه؛ إلا أن بكيرًا لم يذكر عبد الرحمن؛ وقال في (الطيب):
«ولو من طيب المرأة».
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٢٠٤) بهذا الإسناد قال: أخبرنا محمد بن سلمة … به.

٢ ‏/ ١٧٤
وأخرجه مسلم (٣/ ٣): حدثنا عمرو بن سَوَادٍ العامري: حدثنا عبد الله بن وهب … به.
قلت: فقد اختلف سعيد بن أبي هلال وبكير بن الأشج في إسناده، فالأول زاد فيه عبد الرحمن بن أبي سعيد، وأسقطه الآخر.
وعندي أن الروايتين صحيحتان؛ لأن كلًّا منهما ثقة.
وقد تابع بكير بن الأشج على إسقاطه شعبة: عند البخاري (٢/ ٢٩٠).
ومحمد بن المنكدر أخو أبي بكر:
أخرجه ابن خزيمة من طريقه. قال الحافظ (٢/ ٢٩٢):
“والذي يظهر: أن عمرو بن سليم سمعه من عبد الرحمن ابن أبي سعيد عن أبيه، ثم لقي أبا سعيد فحدَّثه، وسماعه منه ليس بمنكر؛ لأنه قديم وُلِدَ في خلافة عمر بن الخطاب، ولم يوصف بالتدليس.
قلت: وقد رواه ابن لهيعة عن بكير مثل رواية ابن أبي هلال … بزيادة عبد الرحمن في الإسناد.
أخرجه أحمد (٣/ ٣٠).
لكن ابن لهيعة سيئ الحفظ، فلا يُحْتَجُّ به.
ثم أخرجه (٣/ ٦٩) من طريق خالد بن زيد عن سعيد … به.
وأخرجه (٣/ ٦٥) عن فُلَيْحٍ قال: سمعت أبا بكر بن المنكدر عن أبي سعيد … به نحوه.
وهذا منقطع وفليح سيئ الحفظ أيضًا.
٢ ‏/ ١٧٥
٣٧٣ – عن أوْسِ بن أوْسٍ الثَّقَفِي قال: سمعتُ رسولَ الله ﷺ يقول:
«من غَسَّلَ يوم الجمعة واغتسل، ثم بَكَّر وابْتَكَرَ، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، فاستمعَ ولم يَلْغُ؛ كان له بكل خُطْوةٍ عملُ سَنَةٍ أجْرُ صيامها وقيامها».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (٢٧٧٠) في «صحيحيهما»، وقال الحاكم: «إسناده صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: «حديث حسن»، ووافقه النووي).
إسناده: حدثنا محمد بن حاتم الجَرْجَرَائي -حِبِّي-: نا ابن المبارك عن الأوزاعي: حدثني حسان بن عطية: حدثني أبو الأشعث الصنعاني: حدثني أوس ابن أوس الثقفي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم؛ غير محمد بن حاتم الجرجرائي، وهو ثقة.
وأبو الأشعث الصنعاني: اسمه شَرَاحيل بن آدَةَ، وهو ثقة كما في «التقريب»، وثقه العجلي وابن حبان، واحتج به مسلم، وأخرج له البخاري في «الأدب المفرد».
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٣٣٧ – ٣٣٨)، والحاكم (١/ ٢٨٢)، وأحمد (٤/ ٩ و٩ – ١٠ و١٠٤) من طرق عن ابن المبارك … به.
وقد رواه عن أبي الأشعث: يحيى بنُ الحارث الذّمَارِيُّ وعبد الرحمن بن يزيد ابن جابر.
أما حديث يحيى: فأخرجه النسائي (١/ ٢٠٥)، والترمذي (٢/ ٣٦٧ – ٣٦٨)،
٢ ‏/ ١٧٦
والدارمي (١/ ٣٦٢)، والحاكم (١/ ٢٨١)، وعنه البيهقي (٣/ ٢٢٧)، وأحمد (٤/ ١٠)، والطحاوي أيضًا (١/ ٣١٦) من طرق عنه. وقال الترمذي:
«حديث حسن»!
ووافقه النووي في «المجموع» (٤/ ٥٤٢)!
وهذا من تساهلهما؛ فإن رجاله كلهم ثقات لا خلاف فيهم. وقد صحح النووي في «الرياض» (ص ٤٢٨) حديثًا آخر لأوس هذا من رواية عبد الرحمن -المذكور- عن أبي الأشعث الصنعاني عنه، وسيأتي في الكتاب في «الجمعة» (رقم ٩٦٢)! وقال الحاكم:
«قد صح هذا الحديث بهذه الأسانيد على شرط الشيخين»!
كذا قال، ووافقه الذهبي!
وفيه ما ذكرنا في ترجمة أبي الأشعث.
وأما حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: فأخرجه النسائي، والحاكم، وأحمد (٤/ ٩ و١٠٤) من طرق عنه.
وهو صحيح أيضًا على شرط مسلم.
والحديث رواه ابن خزيمة أيضًا، وابن حبان في «صحيحيهما» -كما في «الترغيب» (١/ ٢٤٧) -.
وله طريق أخرى صحيحة عن أوس؛ وهو:

٣٧٤ – عن أوس الثقفي عن رسول الله ﷺ أنه قال:
«من غَسَلَ رأسَهُ يوم الجمعة واغتَسَلَ …» وساق نحوه.

٢ ‏/ ١٧٧
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا ليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن عُبَادة بن نُسَيٍّ عن أوس الثقفي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبادة بن نُسَيٍّ وهو ثقة بلا خلاف.
وللحديث طريق أخرى عن أوس بلفظ آخر، وهو الذي قبله.

٣٧٥ – عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي ﷺ أنه قال:
«من اغتسل يوم الجمعة، ومَسَّ من طيب امرأته إن كان لها، ولَبِسَ من صالح ثيابه، ثم لم يتَخَطَّ رقاب الناس، ولم يَلْغُ عند الموعظةِ؛ كانت كفارةً لما بينهما، ومن لغا وتخطى رقاب الناس؛ كانت له ظُهْرًا».
(قلت: إسناده حسن، وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (١٨١٠».
إسناده: حدثنا ابن أبي عقيل ومحمد بن سلمة المصريان قالا: نا ابن وهب -قال ابن أبي عقيل- قال: أخبرني أسامة -يعني: ابن زيد- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمرو بن شعيب وأبيه؛ وهما ثقتان، كما سبق تحقيق ذلك (رقم ١٢٤).
وغير ابن أبي عقيل؛ فإني لم أعرفه إلى الآن، كما سبق أيضًا (رقم ٢٨٣) مقرونًا مع ابن سلمة، كما هو هنا.
والحديث سكت عليه الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٦٢٣)!

٢ ‏/ ١٧٨
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» (١٨١٠).
وأخرجه الطحاوي (١/ ٢١٦): حدثنا إبراهيم بن مُنْقِذٍ قال: ثنا ابن وهب … به، دون قوله: «ومن لغا … إلخ».
وإبراهيم هذا: هو أبو إسحاق العُصْفُرِيُ؛ قال ابن يونس: «ثقة».
ورواه البيهقي (٣/ ٢٣١) من طريق المؤلف.

٣٧٦ – عن علي بن حوشب قال: سألت مكحولًا عن هذا القول: «غسل واغتسل»؟ قال: غَسَّلَ رأسَهُ وجَسَدَهُ.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي: نا مروان: نا علي بن حوشب.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات؛ ومروان: هو ابن محمد.

٣٧٧ – عن سعيد بن عبد العزيز في: «غسّل واغتسل»؛ قال: قال سعيد: غَسَّل رأسَه، وغَسَل جَسَده.
(قلت: إسناده صحيح، وهو والذي قبله تفسير لحديث أوس المتقدم (رقم ٣٧٣».
إسناده: حدثنا محمد بن الوليد الدمشقي: نا أبو مُسْهِرٍ عن سعيد بن عبد العزيز.
قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات؛ وأبو مُسْهِر: هو عبد الأعلى بن

٢ ‏/ ١٧٩
مُسْهِرٍ الغَسَّاني الدمشقي.

٣٧٨ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ! قال:
«من اغتسل يوم الجمعة غُسْلَ الجنابةِ، ثم راحَ؛ فكأنما قَرَّبَ بَدَنَةً، ومَنْ راحَ في الساعةِ الثانية؛ فكأنما قَرَّبَ بقرةً، ومَنْ راحَ في الساعة الثالثة؛ فكأنما قَرَّبَ كبشًا أقْرَنَ، ومن راح في الساعة الرابعة؛ فكأنما قرب دجَاجَةً، ومن راح في الساعة الخامسة؛ فكأنما قرب بيضةً، فإذا خرج الإمام حضرتِ الملائكة يستمعون الذِّكْرَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «الصحيحين». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مَسْلَمَةَ عن مالك عن سُمَيٍّ عن أبي صالح السَّمَّان عن أبي هريرة.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ١٢١ – ١٢٢).
وأخرجه البخاري (٢/ ٢٩٢ – ٢٩٣)، ومسلم (٣/ ٤)، والنسائي (١/ ٢٠٦)، والترمذي (٢/ ٣٧٢)، وأحمد (٢/ ٤٦٠) كلهم عن مالك … به.
وقد تابعه ابن عجلان عن سُمَيٍّ.
أخرجه النسائي.
وله طرق أخرى عن أبي هريرة: عند البخاري (٢/ ٣٢٥)، ومسلم (٣/ ٧ – ٨

٢ ‏/ ١٨٠
و٨)، والنسائي، والدارمي (١/ ٣٦٢ و٣٦٣)، وابن ماجة (١/ ٣٣٩)، وأحمد (٢/ ٢٨٠ و٢٣٩ و٢٥٩ و٢٨٢ و٤٥٧ و٤٨٣ و٤٩١ و٥٠٥ و٥١٢) … بنحوه مختصرًا ومطولًا.

١٢٩ – باب الرخصة في ترك الغُسْلِ يوم الجمعة
٣٧٩ – عن عائشة قالت:
كان الناسُ مُهَّانَ أنفسِهِم، فيَرُوحُون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم!
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم في «الصحيحين»).
إسناده: حدثنا مسدد: نا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٦٢) عن سفيان -وهو الثوري-، ومحمد في «الموطأ» (ص ٧٥)، والبخاري (٢/ ٣٠٩) -عن عبد الله بن المبارك-، ومسلم (٣/ ٣) -عن الليث- كلهم عن يحيى بن سعيد … به نحوه.
ثم أخرجه مسلم من طريق أخرى عنها … أنم منه.
والنسائي (١/ ٢٠٤) من طريق ثالث عنها.
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٧٠) أيضًا من طرق عن يحيى.

٢ ‏/ ١٨١
٣٨٠ – عن عكرمة:
أن أناسًا من أهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عباس! أترى الغُسْلَ يوم الجمعة واجبًا؟ قال: لا؛ ولكنه أطهر وخيرٌ لمن اغتسل، ومَنْ لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبِرُكُم كيف بدأ الغُسْلُ:
كان الناسُ مجهودينَ، يلْبَسُونَ الصُّوفَ، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيِّقًا مقَارِبَ السقْفِ؛ إنما هو عَرِيشٌ، فخرج رسول الله ﷺ في يوم حارٍّ، وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصُّوف، حتى ثارَتْ منهم رياحٌ آذى بذلك بعضُهُم بعضًا، فلما وَجَدَ رسولُ الله ﷺ تلك الريحَ قال:
»أيها الناس! إذا كان هذا اليومُ؛ فاغتسلوا، ولْيَمسَّ أحدُكم أفضلَ ما يجد مِنْ دهنهِ وطِيبِه«.
قال ابن عباس: ثم جاء الله تعالى بالخير، ولبسوا غَيْرَ الصوف، وكُفُوا العمل، وَوُسِّعَ مسجدُهم، وذهب بعضُ الذي كان يُؤْذي بعضُهم بعضًا من العَرَقِ.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي والعسقلاني، وقال الحاكم:»حديث صحيح على شرط البخاري«! يوافقه الذهبي»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: نا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح». وقال الحافظ في «الفتح» (٢/ ٢٨٩):
٢ ‏/ ١٨٢
«إسناده حسن» (١).
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٦٩ – ٧٠) من طريق القَعْنَبِي، ومن طريق ابن أبي مريم: أنا الدراوردي … به.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٨٠)، وأحمد (١/ ٢٦٨) من طريق سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو … به. وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط البخاري»، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا.
ثم استدركت فقلت: إن الحديث إسناده حسن؛ لأن مداره على عمرو بن أبي عمرو، وهو وإن كان قد خُرِّجَ له في «الصحيحين» محتجًّا به؛ فقد تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه؛ فقال ابن معين:
«في حديثه ضعف؛ ليس بالقوي». وقال أبو زرعة:
«ثقة». وقال أبو حاتم:
«لا بأس به». وقال النسائي:
«ليس بالقوي». وقال ابن عدي:
«لا بأس به». وقال ابن حبان في «الثقات»:
«ربما أخطأ».
فيتلخَّص من أقوالهم هذه أنه في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفًا. ولذلك قال الحافظ في «التقريب»:


(١) وكذا قال النووي (٤/ ٥٣٦).
٢ ‏/ ١٨٣
«ثقة، ربما وهم».
فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يظهر خطؤه، ولذلك حسن النووي والحافظ حديثه هذا كما سبق. وقال الذهبي في ترجمته من «الميزان» -بعد أن ذكر بعض الأقوال المتقدمة فيه-:
«حديثه صالح حسن، مُنْحَطٌ عن الدرجة العُليا من الصحيح»! قال الحافظ: «كذا قال! وحق العبارة: أن يحذف (العُليا)».

٣٨١ – عن سَمُرَةَ قال: قال رسول الله ﷺ:
«مَنْ توضأ؛ فبها ونِعْمَتْ، ومَنِ اغتسل؛ فهو أفضلُ».
(قلت: حديث حسن، وكذا قال الترمذي، ووافقه النووي. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه». وقوّاه البيهقي لكثرة طرقه).
إسناده: حدثنا أبو الوليد الطيالسي: نا همَّام عن قتادة عن الحسن عن سَمُرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ لكن الحسن -وهو البصري- مدلس، وقد عنعن.
وأبو الوليد الطيالسي: اسمه هشام بن عبد الملك.
وقد اختلفوا في سماع الحسن من سمرة، ويأتي تحقيق الحق من ذلك إن شاء الله تعالى.
وهذا الإسناد -وإن كان معلولًا-؛ فالحديث صحيح؛ لأن له شواهد كثيرة، سنذكرها قريبًا إن شاء الله.
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٧١): حدثنا فهد قال: ثنا أبو الوليد … به.

٢ ‏/ ١٨٤
ثم أخرجه هو، والدارمي (١/ ٣٦٢)، وأحمد (٥/ ٨ و١١ و١٦ و٢٢) من طرق عن همام … به.
وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ٢٩٥).
ثم أخرجه هو، والنسائي (١/ ٢٠٤ – ٢٠٥)، والترمذي (٢/ ٣٦٩)، والخطيب في «تاريخه» (٢/ ٣٥٢) من حديث شعبة عن قتادة … به.
وقد اختلف العلماء في صحة هذا الحديث؛ بسبب اختلافهم في سماع الحسن من سمرة بن جندب؛ فقال النسائي عقيب هذا الحديث:
«الحسن عن سمرة؛ كتاب، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة»! وكذا قال ابن حزم في «المحلى» (٢/ ١٢):
«ولا يصح للحسن سماع من سمرة؛ إلا حديث العقيقة وحده».
وهو قول البزار والدارقطني، كما في «نصب الراية»! وقال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٦١٤):
«وقال في»الإمام«: من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث. قلت: وهو مذهب علي بن المديني؛ كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم». قال الزيلعي:
«والظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول، فإنه صحح في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة. واختار الحاكم هذا القول، فقال في كتابه»المستدرك«-بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة: أن النبي ﷺ كانت له سكتتان … الحديث-: ولا يُتَوَهَّمْ أن الحسن لم يسمع من سمرة؛ فإنه سمع منه. وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة، وقال في بعضها: على شرط البخاري».
٢ ‏/ ١٨٥
قلت: وهذا الحديث من الأحاديث التي صححها الترمذي، فقال:
«حديث حسن صحيح»؛ في نقل الزيلعي عنه. والذي في نسخة «جامعه» -التي صححها المحقق أحمد محمد شاكر-:
«حديث حسن»؛ فقط، ليس فيها: «صحيح»؛ ولم يشر المحقق أن هذه الزيادة وردت في شيء من النسخ التي وقف عليها! والله أعلم.
فهذان قولان متقاربان: أنه سمع منه مطلقًا، وأنَّه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- في «الأضاحي» (رقم ٢٥٢٧ و٢٥٢٨)، وسنذكر هناك الحجة في سماعه لهذا الحديث منه.
وثمة قول ثالث مباين لهذين القولين، وهو أنه لم يسمع منه شيئًا! واختاره ابن حبان في «صحيحه»! وقال في «التنقيح»:
«قال ابن معين: الحسن لم يلق سمرة. وقال شعبة: الحسن لم يسمع من سمرة»!
وهذا القول غير صحيح؛ ففي «صحيح البخاري» (٩/ ٤٨٧) وغيره -كما سيأتي هناك- تصريح الحسن بسماعه لحديث العقيقة من سمرة.
وأيضًا؛ فإن في «مسند أحمد» (٥/ ١٢): ثنا هشيم: ثنا حميد عن الحسن قال:
جاءه رجل فقال: إن عبدًا له أبق، وإنه نذر -إن قدر عليه- أن يقطع يده؟ فقال الحسن: ثنا سمرة قال:
قلّما خطب النبي ﷺ خطبة؛ إلَّا أمر فيها بالصدقة؛ ونهى فيها عن المُثْلَةِ.
قال الحافظ:
٢ ‏/ ١٨٦
«وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة».
قلت: لكن رواه قتادة عن الحسن فقال: عن الهَياح بن عمران:
أن عمران أبق له غلام، فجعل لله عليه: لئن قدر عليه ليقطعن يده، فأرسلني لأسأل، فأتيت سمرة بن جندب فقال … فذكر الحديث نحوه.
أخرجه المصنف في «الجهاد»، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- (رقم ٢٣٩٣).
قد أدخل قتادة بين الحسن وسمرة: الهياج بن عمران؛ وهذا يخدج فيما ادّعاه الحافظ رحمه الله، وسيأتي تحقيق الكلام فيه هناك إن شاء الله تعالى!
فتبين مما تقدم صحة القول الأول، وبطلان القول الأخير، وبقي النظر في القول الثاني -وهو أنه سمع منه مطلقًا-وهو أيضًا غير صحيح عندي؛ وذلك لأمرين:
الأول: أننا لم نجد تصريح الحسن بالسماع من سمرة في غير ما سبق من الحديث.
ثانيًا: أنه قد ثبت أن بينه وبين سمرة -في بعض الأحاديث- واسطة كما تقدم.
ومن ذلك ما رواه الطبراني في «المعجم الصغير» (ص ١٨) من طريق قتادة أيضًا عن الحسن عن سعد بن هشام عن سمرة بن جندب مرفوعًا:
«خير أمتي؛ القرن الذي بعثت فيهم …» الحديث.
فإذ الأمر كذلك -وكان الحسن معروفًا بالتدليس، كما سبق مرارًا-؛ فلا يكفي في تصحيح مطلق حديثه عن سمرة: أنه سمع منه بعض الأحاديث؛ لاحتمال أن يكون بينهما في الأحاديث الأخرى بعض الرواة ممن دلسهم! ألا ترى أن الحاكم قد روى (٤/ ٣٦٧) بهذا الإسناد -الحسن عن سمرة مرفوعًا-:
٢ ‏/ ١٨٧
«من قتل عبده قتلناه …» الحديث، ثم حكم بصحته؛ فقال:
«صحيح على شرط البخاري»! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا؛ فإن الحسن لم يسمع هذا الحديث من سمرة؛ كما صرح بذلك قتادة أيضًا في رواية عنه، كما أخرجه أحمد (٥/ ١٠) عن شعبة عن قتادة عن الحسن عن سمرة -ولم يسمعه منه- أن رسول الله ﷺ قال … فذكره.
لذلك؛ كان الصواب من الأقوال الثلاثة القول الأول.
وعليه؛ فكل حديث تفرد بروايته الحسن عن سمرة معنعنًا غير مصرح بالتحديث؛ فهو في حكم الأحاديث الضعيفة، وسيكون من نصيب الكتاب الآخر؛ ما لم نجد له متابعًا أو شاهدًا معتبرًا، كهذا الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه؛ فإن له شواهد تقويه، وكالحديث المشار إليه آنفًا، فسيأتي في «الدِّيَاتِ».
والحديث قال النووي في «المجموع» (٤/ ٥٣٣):
«حديث حسن، رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حسنة»!
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه»؛ كما في «الجامع الصغير».
وأما شواهد الحديث؛ فكثيرة؛ فمنها:
عن أنس.
وله عنه طرق:

١ – عن يزيد الرقاشي عنه: أخرجه الطيالسي (رقم ٢١١٠): حدثنا الربيع عن يزيد … به.

٢ ‏/ ١٨٨
وأخرجه البيهقي (١/ ٢٩٦) من طريقه، ومن طريق أخرى عن الربيع … به.
وبهذا الإسناد: أخرجه الإمام محمد في «الموطأ» (ص ٧٣) وفي «كتاب الحجج»؛ إلا أنه زاد فقال: عن أنس بن مالك وعن الحسن البصري كلاهما يرفعه إلى النبي ﷺ!
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ٧١) من طريق يعقوب الحضرمي قال: ثنا الربيع ابن صَبِيحٍ عن الحسن وعن يزيد الرقاشي عن أنس.
ثم قال الطحاوي: حدثنا أحمد بن خالد البغدادي قال: ثنا علي بن الجعد قال: أنا الربيع بن صبيح وسفيان الثوري عن يزيد الرقاشي عن أنس … به مرفوعًا.
وهذا إسناد صحيح إلى الرقاشي، رجاله كلهم ثقات معروفون.
والربيع بن صبيح ثقة، ولكنه سيئ الحفظ؛ لكن قد تابعه -كما ترى- سفيان الثوري.
وتابعه أيضًا إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرقاشي.
أخرجه ابن ماجة (١/ ٣٣٩).
وإسماعيل هذا ضعيف؛ فالعمدة على رواية الثوري.
ومدار الحديث على يزيد الرقاشي، وهو ضعيف لسوء حفظه، لا لتهمة في صدقه، فقد قال الآجُري عن المصنف:
«هو رجل صالح، سمعت يحيى يقول: رجل صدق». وقال ابن عدي:
“له أحاديث صالحة عن أنس وغيره، وأرجو أنه لا بأس به؛ لرواية الثقات
٢ ‏/ ١٨٩
عنه». وقال أبو حاتم:
«كان واعظًا بكَّاءً، كثير الرواية عن أنس بما فيه نظر، وفي حديثه ضعف».
لكنه لم يتفرد به؛ فقد فال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٦١٤):
«ورواه الطبراني من حديثه -يعني: أنسًا- في»الأوسط«بإسناد أمثل من ابن ماجة».

٢ – قلت: وإسناده في «الأوسط» هكذا -كما في «نصب الراية» (١/ ٩٢) -: حدثنا محمد بن عبد الرحمن المروزي: ثنا عثمان بن يحيى القرساني (*): ثنا مُؤَمَّل بن إسماعيل: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس … فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن عبد الرحمن المروزي وعثمان بن يحيى القرساني فإني لم أجد من ترجمهما!
وهذا هو الطريق الثاني عن أنس.

٣ – والطريق الثالث: أخرجه الطحاوي (١/ ٧١)، والبزار في «مسنده» من طريق الضحاك بن حُمْرَة الأُمْلُوكي عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن المهاجر عن الحسن بن أبي الحسن عن أنس.
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ فهو إسناد لا بأس به؛ لولا عنعنة الحجاج والحسن ابن أبي الحسن -وهو البصري-.
والضحاك بن حمرة سيئ الحفظ.


(*) كذا في أصل الشيخ! ! وليس في الرواة من هذه نسبته! وإنما هو (عثمان بن يحيى القرقساني)؛ وهو في «ثقات» ابن حبان (٨/ ٤٥٥) و«أنساب» السمعاني. ثم رأيت الشيخ يوثقه في «الصحيحة» (٦/ ٢٩٣). (الناشر).
٢ ‏/ ١٩٠
ومنها: عن جابر:
أخرجه الطحاوي (١/ ٧١) من طريق عُبَيْدٍ بن إسحاق العَطَّار قال: أنا قيس ابن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر.
وهذا إسناد رجاله موثقون؛ غير عبيد بن إسحاق العظار؛ ضعفه يحيى والبخاري والدارقطني.
وأما ابن حبان؛ فذكره في «الثقات»! وقال:
«يُغْرِب». ورضيه أبو حاتم فقال:
«ما رأينا إلا خيرًا، وما كان بذاك الثبت، في حديثه بعض الإنكار». وقال الهيثمي في «المجمع» (٢/ ١٧٥):
«رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع؛ وثقه شعبة والثوري، وضعفه جماعة»!
قلت: إعلال الحديث بـ (عبيد بن إسحاق) أولى؛ لكنْ لعل البزار رواه من طريق أخرى عن الربيع، فلذلك لم يعله الهيثمي به! والله أعلم.
وله طريق أخرى؛ فرواه عبد بن حميد في «مسنده»: حدثنا عمر بن سعد عن الثوري عن أبان عن أبي نضرة عن جابر مرفوعًا.
ورواه عبد الرزاق في «مصنفه»: أخبرنا الثوري عن رجل عن أبي نضرة … به.
وأبان: هو ابن أبي عياش، وحاله كحال يزيد بن أبان الرقاشي في الضعف.
وأما قول الزيلعي (١/ ٩٢): «والحسن لم يسمع من أنس؛ كما قال البزار»؛ فوهم منه وذهول؛ فقد نقل هو قبل صفحة (ص ٩٠) كلام البزار في سماع الحسن من الصحابة، وفيه أن البزار قال:
٢ ‏/ ١٩١
«فأما الذين سمع منهم؛ فهو أنس بن مالك …» إلخ.
وقد جزم بسماعه منه أحمد وأبو حاتم، ولكن علته أنه معنعن، كما سلف.
وفي الباب: عن ابن عباس، وأبي سعيد الخدري: عند البيهقي.
وهذه الأحاديث وإن كانت أفرادها ضعيفة؛ فمجموعها مما يعطي الحديث قوة، ويرقِّيه إلى درجة الحسن على أقل الدرجات. وقد حسنه الترمذي والنووي كما سبق، وقوّاه البيهقي؛ فقال الزيلعي (١/ ٩٣):
«قال البيهقي: والآثار الضعيفة إذا ضُمَّ بعضها إلى بعض؛ أحدثت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم. انتهى».
لكن الحديث ليس نصًّا فيما بوب له المصنف؛ لأن غاية ما فيه: أن الوضوء نِعْمَ العملُ، وأن الغسل أفضل، وهذا مما لاشكَّ فيه، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾. قال ابن حزم رحمه الله (٢/ ١٤):
«فهل دلَّ هذا اللفظ على أن الإيمان والتقوى ليس فرضًا؟ ! حاشا لله من هذا!».
قال:
«ثم لو كان في جميع هذه الأحاديث نصٌّ على أن غسل الجمعة ليس فرضًا؛ لما كان في ذلك حجة؛ لأن ذلك كان يكون موافقًا لما كان الأمر عليه قبل قوله عليه السلام غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم». و«على كل مسلم». وهذا القول منه عليه السلام شرع وارد، وحكم زائد ناسخ للحالة الأولى بيقين لا شك فيه، ولا يحل ترك الناسخ بيقين والأخذ بالمنسوخ”.
قلت: والحق أن غسل الجمعة واجب؛ لأن الأحاديث الواردة في الباب قبله صريحة في ذلك لا تقبل التأويل إلا بتكلف واضح؛ لكنها لا تفيد الشرطية، فمن اغتسل يوم الجمعة؛ فقد أدى الواجب الذي عليه، ومن تركه فقد أثم؛ لكن صلاة
٢ ‏/ ١٩٢
الجمعه صحيحة. والله تعالى أعلم (١).

١٣٠ – باب الرجل يُسْلِمُ فيُؤْمَرُ بالغُسْل
٣٨٢ – عن قيس بن عاصم قال:
أتيتُ النبيَّ ﷺ أريد الإسلامَ، فأمَرَني أن أغتسل بماءٍ وسِدْرٍ.
(قلت: إسناده صحيح. وقال الترمذي: «حديث حسن»! ووافقه النووي! وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (١٢٣٧) في «صحيحيهما». وصححه ابن السكن).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العبدي: أنا سفيان: نا الأغَرُّ عن خليفة بن حُصَيْنٍ عن جده قيس بن عاصم.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٤٠)، والترمذي (٢/ ٥٠٢ – ٥٠٣)، والبيهقي (١/ ١٧١)، وأحمد (٥/ ٦١) كلهم من طرق عن سفيان … به.
ورواه ابن خزيمة، وابن حبان (١٢٣٧) كما في «التلخيص» (٤/ ٦١٧)، قال:
«وصححه ابن السكن، ووقع عنده: عن خليفة بن حصين عن أبيه عن جده قيس بن عاصم. وعند غيره: عن خليفة عن جده. قال أبو حاتم في»العلل«: الصواب هذا، ومن قال: عن أبيه عن جده؛ فقد أخطأ».


(١) كتب الشيخ رحمه الله -ها هنا- قوله: «آخر الجزء الثاني، ويتلوه الجزء الثالث من تجزئة الإمام الخطيب البغدادي».
٢ ‏/ ١٩٣
قلت: رواه ابن أبي حاتم: في «العلل» (١/ ٢٤) عن أبيه، وقد ذكر الحديث من طريق قَبِيصة عن سفيان … بزيادة: عن أبيه، ثم قال:
«أخطأ قبيصة».
وقد وصله من طريقه: البيهقي.
وتابعه وكيع عند أحمد.
لكن رواه البيهقي من طريقه دون هذه الزيادة: عن أبيه.
فقد اختلف فيه على وكيع، والصواب رواية الجماعة عن سفيان، كما تقدم.
ثم قال الترمذي:
«حديث حسن»! ووافقه النووي في «المجموع» (٢/ ١٥٢)!

٣٨٣ – عن عُثَيْمِ بنِ كُلَيْبٍ عن أبيه عن جده:
أنه جاء النبي ﷺ فقال: قد أسلمت. فقال له النبيّ ﷺ:
«أَلْقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ»؛ يقول:
«احلق».
قال: وأخبرني آخرُ: أن النبيَّ ﷺ قال لآخرَ معه:
«أَلقِ عنك شَعْرَ الكُفْرِ واخْتَتِنْ».
(قلت: حديث حسن، وقوَّاه شيخ الإسلام ابن تيمية).
إسناده: حدثنا مخلد بن خالد: نا عبد الرزاق: نا ابن جريج قال: أُخْبِرْتُ عن عُثَيْمِ بن كلَيْبٍ.

٢ ‏/ ١٩٤
قلت: وهذا سند ضعيف؛ لجهالة الواسطة بين ابن جريج وعُثيم، ولجهالة عثيم وأبيه كليب أيضًا.
وقد ادعى الحافظ في «تهذيب التهذيب»: أن كُلَيْبًا هذا هو صحابيّ هذا الحديث، وأنه جد عثيم، لا أبوه؛ فقال:
«ذكر ابن منده وغيره أن اسم والد كُلَيْب: الصَّلْت، وترجم له في»الصحابة«بناءً على ظاهر الإسناد! وليس الأمر كذلك؛ بل هو عثيم بن كثير بن كليب، والصُّحبة لكليب، وكأن من حدَّث ابن جريج نسب عثيمًا إلى جده، فصار الظاهر أن الصحابي والد كليب؛ وإنما كليب هو الصحابي، ولا نعرف لأبيه صحبة، وقد روى ابن منده الحديث من طريق إبراهيم بن أبي يحيى عن عثيم على الصواب، وكذا رواه أحمد في»المسند«…»!
قلت: ولم أجد الحديث في «المسند» هكذا على الصواب؛ وإنما رواه كما رواه المصنف، ويأتي قريبًا، وما أظن إلا أن الحافظ قد وهم في هذا العزو، وكلامه في «التعجيل» يشير إلى هذا؛ فقد قال في ترجمة كثير بن كليب هذا -عقب قول الحُسَيني: «روى عن أبيه، وله صحبة، وعنه: ابنُه عُثيم مجهول»-:
«قلت: وقع في حديثه اختلاف؛ فعند أحمد وأبي داود: عن عثيم بن كليب عن أبيه. ولا ذكر عندهما لكثير في السند …»، ثم ذكر رواية ابن منده المتقدمة، ثم قال:
«فقيل إن ابن جريج حَمَلَه عن إبراهيم بن أبي يحيى؛ فأبهمه، ونسب عُثيمًا إلى جده».
قلت: وعلى ما صوَّبه الحافظ؛ كان عليه أن يُفْرِد لكثير هذا ترجمةً خاصة في «التهذيب»، وفي «التقريب»، ولم يفعل ذلك، لا هو ولا الخزرجي! وهذا مما يُسْتَدرك عليهم.
٢ ‏/ ١٩٥
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٧٢) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (٣/ ٤١٥): ثنا عبد الرزاق … به.
والحديث قال النووي في «المجموع» (٢/ ١٥٤):
«وإسناده ليس بقوي؛ لأن عثيمًا وكليبًا ليسا بمشهورين ولا وُثِّقا، ولكن أبا داود رواه ولم يضعفه، فهو عنده حسن»!
قلت: وهو حديث حسن لغيره؛ فقد وجدت له شاهدًا من حديث قتادة أبي هشام قال:
أتيت رسول الله ﷺ، فقال لي:
«يا قتادة! اغتسل بماءٍ وسِدْرٍ، واحلق عنك شعر الكفر».
وكان رسول الله ﷺ يأمر من أسلم أن يختتن وإن كان ابن ثمانين. قال الهيثمي (١/ ٢٨٣):
«رواه الطبراني [١٤/ ١٩] في»الكبير«، ورجاله ثقات»! كذا قال! وأما الحافظ؛ فقال في «التلخيص» (٤/ ٦١٨):
«وإسناده ضعيف».
قلت: ولكنه -على كل حال- يعطي الحديث قوة. ولعله من أجل ذلك جزم بنسبته إلى النبي ﷺ شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله في «الفتاوى» (١/ ٤٤)، واحتجَّ به على أنه يجوز للجنب أن يقص شعره وظفره، فقال:
«وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلًا شرعيًّا؛ بل قد قال النبي ﷺ للذي أسلم:»ألْقِ عنك شعر الكفر واختنن”. فأمر الذي أسلم أن يغتسل،
٢ ‏/ ١٩٦
ولم يأمر بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال؛ فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين».
ثم إن لبعض الحديث شاهدًا آخر من حديث واثلة بن الأسقع قال:
لما أسلمت أتيت النبي ﷺ، فقال لي:
«اغتسل بماء وسِدْر، واحْلِقْ عنك شعر الكفر».
أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» (ص ١٨٣)، وفي «الكبير» أيضًا، والحاكم في «المستدرك» (٣/ ٥٧٠).
وإسناده ضعيف؛ كما قال الحافظ.

١٣١ – باب المرأة تَغْسِلُ ثوبَها الذي تَلْبَسُه في حَيْضِها
٣٨٤ – عن معَاذَةَ قالت:
سألت عائشةَ عن الحائض يُصيب ثوبَها الدمُ؟ قالت:
تَغْسِلُه، فإن لم يذهب آثَرُهُ؛ فَلْتغَيِّرْهُ بشيء مِنْ صُفْرةٍ. قالت:
ولقد كنتُ أحيضُ عند رسول الله ﷺ ثلاث حِيَضٍ جميعًا، لا أغسل لي ثوبًا.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا أحمد بن إبراهيم: نا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثني أبي: حدثتني أم الحسن -يعني: جدة أبي بكر العدوي-عن معاذة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أم الحسن هذه؛ قال

٢ ‏/ ١٩٧
الذهبي والعسقلاني:
«لا تعرف».
وأحمد بن إبراهيم: هو ابن كثير الدَّوْرَقِيُّ أبو عبد الله البغدادي؛ وله ترجمة في «التاريخ» (٤/ ٦ – ٧).
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٠٨) من طريق المصنف.
وقد وجدت للحديث بعض المتابعات والطرق؛ فهو بها صحيح:
فقد أخرج الدارمي (١/ ٢٣٨) من طريق ثابت بن يزيد: ثنا عاصم عن معاذة العدوية عن عائشة قالت:
«إذا غسلتِ المرأةُ الدمَ فلم يذهب؛ فَلْتُغَيِّرْهُ بصُفرة ورس أو زعفران».
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وثابت هذا: هو الأحول أبو زيد البصري.
ثم أخرجه من طريق يزيد الرِّشْك قال: سمعت معاذة العدوية عن عائشة:
قالت لها امرأة: الدم يكون في الثوب، فأغسله، فلا يذهب فأقطعه؟ قالت: الماء طهور.
وإسناده صحيح أيضًا على شرطهما.
ثم أخرجه (١/ ٢٤٠) من طريق كريمة قالت:
سمعت عائشة؛ وسألتها امرأة تصيب ثوبها من دم حيضها؟ قالت: لتغسِلْهُ بالماء. قالت: فإنا نغسله فيبقى أثره؟ ! قالت: إن الماء طهور.
ورجاله رجال الشيخين؛ غير كريمة هذه، وهي بنت همام، وهي مجهولة الحال.
٢ ‏/ ١٩٨
وأما الشطر الثاني من الحديث؛ فهو بمعنى حديثها الآتي:

٣٨٥ – عن مجاهد قال: قالت عائشة:
ما كان لإحدانا إلا ثوبٌ واحدٌ تحيضُ فيه، فإذا أصابه شيءٌ مِنْ دمٍ؛ بَلَّتْه بريقها، ثم قَصَعَتْهُ بريقها.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه البخاري في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير العبدي: أنا إبراهيم بن نافع قال: سمعت الحسن -يعني: ابن مسلم- يذكر عن مجاهد.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ لكن اختلفوا في سماع مجاهد من عائشة؛ فقال ابن معين وأبو حاتم:
«لم يسمع منها». وقال علي بن المديني:
«لا أنكر أن يكون مجاهد لقي جماعة من الصحابة، وقد سمع من عائشة».
قال الحافظ في «الفتح» (١/ ٣٢٨):
«وقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته على ابن المديني؛ فهو مقدم على مَنْ نفاه».
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٠٥) من طريق المؤلف.
ولإبراهيم بن نافع فيه شيخ آخر عن مجاهد:
أخرجه البخاري (١/ ٣٢٧) من طريق أبي نعيم قال: حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نَجِيحٍ عن مجاهد … به.

٢ ‏/ ١٩٩
ولابن أبي نَجِيحٍ فيه شيخ آخر عن عائشة، ويأتي في الكتاب قريبًا (رقم ٣٩٠).

٣٨٦ – عن أسماءَ بنت أبي بكر قالت.
سمعتُ امرأةً تَسْألُ رسولَ الله ﷺ: كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأتِ الطُّهْرَ؛ أتُصَلِّي فيه؟ قال:
«تنظرُ، فإنْ رأتْ فيه دمًا؛ فَلْتَقْرُصه بشيء من ماء، ولْتَنْضَحْ ما لم تَرَ، ولْتصَلِّ فيه».
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا محمد بن سلمة عن محمد ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر.
قلت: هذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أن ابن إسحاق قرنه بغيره، وقد صرَّح بسماعه من فاطمة في غير هذه الرواية؛ كما في «الفتح».
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٢٣٩): أخبرنا محمد بن عبد الله الرّقَاشي: ثنا يزيد -هو ابن زريع-: ثنا محمد -هو ابن إسحاق-: حدثتني فاطمة بنت المنذر.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم رجال مسلم؛ مع القيد السابق.
ثم أخرجه هو (١/ ١٩٧)، والبيهقي (٢/ ٤٠٦) من طريق أخرى عن ابن إسحاق عن فاطمة.
وله شاهد من حديث عائشة قالت:
كانت إحدانا تحيض، ثم تقترص الدم من ثوبها عند طهرها، فتغسله، وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه.

٢ ‏/ ٢٠٠
أخرجه البخاري (١/ ٣٢٦)، وابن ماجة (١/ ٢١٧)، والبيهقي (٢/ ٤٠٦ – ٤٠٧).

٣٨٧ – وعنها أنها قالت:
سألتِ امرأةٌ رسولَ الله ﷺ فقالتْ: يا رسول الله! أرأيتَ إحدانا إذا أصابَ ثوبَهَا الدمُ مِنَ الحَيْضَةِ؛ كيف تصنع؟ قال:
«إذا أصابَ إحْدَاكُنَ الدم من الحيضِ؛ فلْتَقْرُصْهُ، ثم لتنضَحْهُ بالماء، ثمَّ لتُصَلِّ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في «الصحيحين». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه ابن حبان (١٣٩٣».
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٧٩).
ورواه البخاري (١/ ٣٢٥)، ومسلم (١/ ١٦٦) عن مالك، وكذلك رواه البيهقي (١/ ١٣).
ثم أخرجه البخاري (١/ ٢٦٤)، ومسلم أيضًا، والنسائي (١/ ٦٩)، والترمذي (١/ ٢٥٤ – ٢٥٥)، والدارمي (١/ ٢٣٩)، وابن ماجة (١/ ٢١٧)، وأحمد (٦/ ٣٤٥ و٣٤٦ و٣٥٣) من طرق عن هشام … به.

٢ ‏/ ٢٠١
ويأتي بعض طرقه في الكلام على الرواية الآتية:

٣٨٨ – وفي رواية عنها:
«حُتِّيه، ثم اقْرُصِيه بالماء، ثم انْضَحِيه».
(قلت: إسنادها صحيح على شرطهما. وأخرجاه في «الصحيحين». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا حماد. وحدثنا مسدد قال: حدثنا عيسى بن يونس. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد -يعني: ابن سلمة- عن هشام … بهذا المعنى قالا:
«حُتِّيه …» إلخ.
قلت: إسناده من طريق عيسى بن يونس صحيح على شرط البخاري، ومن طريق حماد على شرط مسلم؛ فالحديث على شرطهما.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٦٣٨): حدثنا حماد بن سلمة … به؛ إلا أنه قال:
«وانضحي ما حوله».
وأخرجه النسائي (١/ ٦٩) من طريق حماد.
وأخرجه الشيخان وأحمد -من طريق يحيى بن سعيد-، والترمذي والدارمي -عن سفيان بن عيينة- عن هشام … به.

٣٨٩ – عن أم قَيْسٍ بنت مِحْصَنٍ:
سألتُ النبيَّ ﷺ عن دَمِ الحيضِ يكون في الثوب؟ قال:

٢ ‏/ ٢٠٢
«حُكِّيهِ بِضِلَعٍ، واغْسِليه بماءٍ وسِدْرٍ».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن القطان. وأخرجه ابن خزيمة (٢٧٧)، وابن حبان (١٣٩٢) في «صحيحيهما». وقال الحافظ: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان قال: ثني ثابت الحداد: ثني عَدِيُّ بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ثابت الحداد -وهو ابن هُرْمُزٍ-، أبو المقدام-؛ وعدي بن دينار؛ وهما ثقتان. وأما الحافظ فقال في «الفتح» (١/ ٢٦٦):
«إسناده حسن».
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٥٥): ثنا يحيى بن سعيد … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٩)، وابن ماجة (١/ ٢١٧)، وابن حبان (١٣٩٢)، وابن خزيمة (٢٧٧) من حديث يحيى.
ثم قال الإمام أحمد (٦/ ٣٥٦): ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: ثنا سفيان … به.
ومن طريق عبد الرحمن: أخرجه الدارمي (١/ ٢٣٩)، وابن ماجة أيضًا.
وقد تابعه إسرائيل عن ثابت: أخرجه أحمد.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٠٧) من طريق المؤلف.
وذكر الحافظ في «التهذيب»: أنه أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، وصححه ابن القطان، وقال عقبه:
٢ ‏/ ٢٠٣
«لا أعلم له علة، وثابت ثقة، ولا أعلم أحدًا ضعفه غير الدارقطني».

٣٩٠ – عن عائشة قالت:
قد كان يكون لإحدانا الدِّرْعُ؛ فيه تحيضُ، وفيه تُصِيبُهَا الجنابةُ، ثم ترى فيه قَطْرَةً من دم؛ فَتَقْصَعُهُ بِريِقها.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا القعنبي: ثنا سفيان عن ابن أبي نَجِيحٍ عن عطاء عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ٢٣٨)، وعبد الرزاق في «المصنف» (١/ ٢٣٠ / ١٢٢٩) عن ابن عيينة … به.
وتابعه إبراهيم بن نافع عن ابن أبي نجيح، فقال البيهقي في «السنن» (٢/ ٤٠٥) -بعد أن ساق الحديث المتقدم (٣٨٥) من طريق إبراهيم هذا عن الحسن ابن مسلم عن مجاهد عن عائشة … به-؛ قال البيهقي:
«والمشهور: عن إبراهيم عن الحسن بن مسلم بن يَنَّاقٍ عن مجاهد، وعن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها … فهو صحيح من الوجهين جميعًا».
ثم إن الحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٤) من طريق المؤلف رحمهما الله.

٣٩١ – عن أبي هريرة:
أن خَوْلَةَ بنتَ يسارٍ أتت إلى النبي ﷺ، فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوبٌ واحدٌ؛ وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال:

٢ ‏/ ٢٠٤
»إذا طَهُرْتِ فاغسلِيه، ثم صلِّي فيه! . فقالت: فإنْ لم يخرجِ الدمُ؟ قال: «يكفيكِ غَسْلُ الدمِ؛ ولا يضُرُّكِ أثَرُهُ».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: نا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن لهيعة، وهو ثقة؛ لكنه سيئ الحفظ؛ إلا أنه قد روى عنه هذا الحديث: ابن وهب أيضًا كما يأتي، وهو صحيح الحديث عنه؛ فقد قال عبد الغني بن سعيد الأزدي:
«إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: ابنُ المبارك وابن وهب والمقري، وذكر الساجي وغيره مثله».
فحديثه هذا صحيح (١).
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٣٨٠): حدثنا قتيبة بن سعيد … به.
وأخرجه البيهقي (٢/ ٤٠٨) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح: ثنا أبي: ثنا ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب … به.
ومن طريق ابن وهب عن ابن لهيعة عن ابن أبي حبيب … به. وقال:
«تفرد به ابن لهيعة».


(١) وإسناده هذا -أيضًا- صحيح، فرواية قتيبة بن سعيد عنه ملحقة برواية العبادلة عنه؛ كما حققه الشيخ رحمه الله في غير ما موضع من كتبه، فانظر -على سبيل المثال- ما حرره الشيخ رحمه الله في «الصحيحة» (٢/ ٦٤٦ و٦/ ٨٢٥ – ٨٢٦). (الناشر).
٢ ‏/ ٢٠٥
قلت: وقد رواه عنه موسى بن داود الضبِّيُّ، فخالف في إسناده؛ فقال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة … به.
أخرجه أحمد (٢/ ٣٤٤).
فإن كان ابن لهيعة قد حفظه؛ فهو إسناد آخر له صحيح؛ وإلا فهو من سوء حفظه، والصواب رواية ابن وهب ومن تابعه عنه.

١٣٢ – باب الصلاة في الثوب الذي يُصيبُ أهلَهُ فيه
٣٩٢ – عن معاوية بن أبي سفيان:
أنه سأل أختَهُ أمَّ حبيبةَ زَوْجَ النبي ﷺ: هل كان رسولُ الله ﷺ يُصلِّي في الثوب الذي يجامِعُها فيه؟ فقالت:
نعم؛ إذا لم يَرَ فيه آذىً.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (٢٣٢٥».
إسناده: حدثنا عيسى بن حماد المصري: أنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سُوَيْدِ بن قيس عن معاوية بن حُدَيْجٍ عن معاوية بن أبي سفيان.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفيه ثلاثة من الصحابة: أم حبيبة ومعاوية بن أبي سفيان ومعاوية بن حُدَيْجٍ؛ وقد صححه ابن خزيمة، وابن حبان (٢٣٢٥)؛ كما في «الفتح» (١/ ٣٧٠).
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٥٦)، والدارمي (١/ ٣١٩)، وابن ماجة (١/ ١٩٢)، والبيهقي (٢/ ٤١٠) من طرق عن الليث … به؛ وقد قرن البيهقي -مع الليث- عبدَ الله بنَ لهيعة وعمرو بن الحارث.

٢ ‏/ ٢٠٦
وتابعهم عبد الحميد بن جعفر: عند الدارمي.
وابن إسحاق: عند أحمد (٦/ ٣٢٥).
والحديث أخرجه الطحاوي أيضًا (١/ ٣٠).
وله في «المسند» (٦/ ٣٢٥ و٤٢٦) طريق أخرى من حديث معاوية بن صالح قال: ثنا ضَمْرة بن حبيب أن محمد بن أبي سفيان الثقفي حدثه أنه سمع أم حبيبة تقول:
رأيت النبي ﷺ يصلي وعَلَيَّ وعليه ثوب واحد؛ فيه كان ما كان.
ورجاله ثقات؛ غير محمد بن أبي سفيان؛ قال الحافظ في «التقريب»:
«مقبول، وقيل: الصواب: عنبسة بن أبي سفيان».
قلت: وجزم بذلك الخزرجي في «الخلاصة».
فإذا صح هذا فالإسناد صحيح؛ لأن عنبسة ثقة من رجال مسلم.
وللحديث شاهد من رواية عائشة رضي الله تعالى عنها بلفظ:
كان يصلِّي في الثوب الذي يجامع فيه.
أخرجه أحمد (٦/ ٢١٧)، ورجاله ثقات، لكنه منقطع.
وآخر من حديث أبي الدرداء: رواه ابن ماجة (٥٤١) بسند ضعيف.
وثالث: عنده (٥٤٢) عن جابر بن سمرة، وسنده صحيح، وصححه ابن حبان (٢٣٦).
٢ ‏/ ٢٠٧
١٣٣ – باب الصلاة في شُعُر النساء
٣٩٣ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ لا يصلِّي في شُعُرِنا أو لُحُفِنَا- شكَّ معاذ؛ يعني: العنبريَّ-.
(قلت: إسناده صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: نا أبي: نا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة. قال عبيد الله: شك أبي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير الأشعث -وهو ابن عبد الملك الحُمْرَاني؛ كما في بعض الروايات الآتية-، وهو ثقة، روى له البخاري تعليقًا، وقد قال ابن معين فيه:
«لم أدرك أحدًا من أصحابنا أثبت عندي منه، ولا أدركت أحدًا من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عَوْنٍ أثبت منه».
ومن طريق معاذ -وهو ابن معاذ العنبري-: أخرجه ابن حبان (٤/ ٣٨ / ٢٣٣٠ – الإحسان).
والحديث أخرجه النسائي (٢/ ٣٠٢)، والترمذي (٢/ ٤٩٦)، وابن الجارود (١٣٤)، والطحاوي (١/ ٣٠)، والبيهقي (٢/ ٤٠٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٤٢٩) من طرق أخرى عن الأشعث … به بلفظ:
لحفنا؛ بدون شك. وفي رواية للنسائي:
٢ ‏/ ٢٠٨
ملاحفنا.
وأخرجه الحاكم (١/ ٢٥٢)، ومن طريقه البيهقي من طريق أخرى عن عبيد الله بن معاذ. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وليس كما قالا. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ثم إن ابن سيرين نَسِي؛ فروى الحديث مرسلًا -بلفظ آخر- ومنقطعًا.
أما المرسل؛ فأخرجه أحمد (٦/ ١٢٩): ثنا همام قال: ثنا قتادة عن ابن سيرين:
أن النبي ﷺ كَرِه الصلاة في ملاحف النساء.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ ولكنه مرسل؛ وهو بهذا اللفظ شاذ.
وأما المنقطع؛ فهو:

٣٩٤ – وفي رواية عنها: أنّ النبيَّ ﷺ كان لا يصلِّي في مَلاحِفِنَا.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: نا سليمان بن حرب: نا حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة.
قال حماد: وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال: سألت محمدًا عنه؟ فلم

٢ ‏/ ٢٠٩
يحدثني، وقال: سمعته منذ زمان، ولا أدري أسمعته من ثبت أوْ لا، فسلوا عنه!
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤١٠) من طريق المصنف.
وكذلك رواه سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين عن عائشة رضي الله عنها -لم يذكر ابن شقيق- قالت:
كان رسول الله ﷺ لا يصلي في شُعُرِنا.
أخرجه البيهقي من طريق وُهَيْب عن سلمة.
وأخرجه أحمد (٦/ ١٠١): ثنا عفان قال: ثنا بشر -يعني: ابن مُفَضَّل- قال: ثنا سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نُبِّئْتُ أن عائشة … به. قال بشر:
هو الثوب الذي يُلْبَسُ تحت الدِّثار.
فهذه الرواية صريحة في أن ابن سيرين لم يسمعه من عائشة. ورواية سعيد ابن أبي صدقة صريحة بأن ابن سيرين نسي لبعْدِ العَهْد.
وقد حفظ الأشعثُ الحديثَ عنه، فأدخل بينه وبينها عبدَ الله بنَ شقيق، كما في الرواية الأولى، فاتصل بذلك الإسناد وصح، وقد صححه من سبق ذكرهم هناك.
(تنبيه): هكذا وقع الحديث في جميع المصادر المتقدمة بلفظ:
كان لا يصلي … إلخ؛ إلا في رواية لابن حبان (٢٣٢٤)؛ فهي بلفظ: كان يصلي … !
بحذف (لا) النافية! وهي عنده من طريق أشعث بن سَوَّار عن ابن
٢ ‏/ ٢١٠
سيرين … به.
وأشعث هذا ضعيف، ودونه أحد المجهولين؛ كما بينته في «الصحيحة» (٣٣٢١) تحت حديث عائشة الصحيح هذا.

١٣٤ – بابُ الرُّخْصَةِ في ذلك
٣٩٥ – عن ميمونة:
أن النبي ﷺ صلَّى وعليه مِرْطٌ، وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وهو يصلِّي وهو عليه.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»، وأخرجه الشيخان وأبو عوانة أيضًا بنحوه، وسيأتي (رقم ٦٦٣».
إسناده: حدننا محمد بن الصَّبَّاح بن سفيان: نا سفيان عن أبي إسحاق الشيباني سمعه من عبد الله بن شَدَّاد يحدثه عن ميمونة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن الصَّبَّاح بن سفيان، وهو ثقة.
وأبو إسحاق الشيباني: اسمه سليمان بن أبي سليمان.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٠٩) من طريق المصنف.
وأخرجه أحمد (٦/ ٣٣٠): ثنا سفيان بن عيينة … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢٢٤)، والبيهقي (٢/ ٢٣٩) من طرق أخرى عن سفيان.

٢ ‏/ ٢١١
وكذلك أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٥٣).
ثم أخرجه هو، والبخاري (١/ ٣٤١ و٣٨٨)، ومسلم (٢/ ٦١)، وأحمد (٦/ ٣٣٠ و٣٣١) من طرق أخرى عن الشيباني؛ بلفظ: كان يصلي وأنا حذاءَه، وأنا حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد. وسيأتي في الكتاب.
انظر ابن خزيمة (٢/ ١٠٤ – ١٠٦).

٣٩٦ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يصلِّي بالليل وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعليَّ مِرْطٌ وعليه بعضُه.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وهو على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وأخرجه الحاكم مختصرًا، وقال: «صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي! وقوّاه البيهقي).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: نا وكيع بن الجراح: نا طلحة بن يحيى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير طلحة بن يحيى -وهو ابن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني-؛ فمن رجال مسلم وحده، وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد القطان والبخاري وغيرهما.
ووثقه ابن معين ويعقوب بن شيبة والعجلي وابن حبان، وقال:
«كان يخطيء». وقال أبو حاتم:
«صالح الحديث، حسن الحديث، صحيح الحديث». وقال المصنف:

٢ ‏/ ٢١٢
«ليس به بأس». وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق يخطيء».
قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى؛ حيث إنه ثقة في نفسه، ولم يشتدَّ ضَعْفُ حِفظِه ليسقط الاحتجاج بحديثه. وقد توبع على الحديث كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٢٠٤): ثنا وكيع … به.
وأخرجه مسلم (٢/ ٦١)، والنسائي (١/ ١٢٥)، وابن ماجة (١/ ٢٢٤)، والبيهقي (٢/ ٤٠٩)؛ كلهم عن وكيع. وقال البيهقي (٢/ ٢٣٩):
«إنه ثبت عن عائشة».
وقد تابعه سفيان الثوري عن يحيى … نحوه؛ بلفظ:
… مرط من هذه المُرَحَّلات.
أخرجه أحمد (٦/ ٩٩ و١٩٩)، وأبو عوانة في «صحيحه» (٢/ ٦٠)؛ وزاد أحمد:
«المرط من أكْسِيَةٍ سُودٍ». زاد أبو عوانة:
«والمرحَّلات المخطَّطة».
وتابعه أيضًا أبو يحيى الحِمَّاني … مختصرًا: عند أبي عوانة.
وللحديث طريق أخرى: عند أحمد (٦/ ١٢٩ و١٤٦)، والحاكم (٤/ ١٨٨) عن قتادة عن كثير بن أبي كثير عن أبي عِياض عنها … مختصرًا؛ بلفظ:
كان نبي الله يصلي؛ وإن بعض مِرْطي عليه. وقال الحاكم:
٢ ‏/ ٢١٣
«صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي.
وهو كما قالا؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير كثير هذا -وهو مولى عبد الرحمن بن سَمُرة-؛ وثقه العجلي.
وله طريق ثالث مختصر -نحو رواية الحاكم- عند المصنف (رقم ٦٤٢).

١٣٥ – باب المنيّ يُصيب الثوبَ
٣٩٧ – عن هَمَّام بن الحارث:
أنه كان عند عائشة، فاحتلم، فأبصَرَتْهُ جاريةٌ لعائشة وهو يغسل أثر الجنابة من ثوبه -أو يغسل ثوبه-، فأخبرتْ عائشة؟ فقالتْ:
لقد رأيتُنِي وأنا أفْرُكُهُ من ثوب رسول الله ﷺ!
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر عن شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن هَمَّام بن الحارث (١).
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه الطيالسي (رقم ١٤٠١): حدثنا شعبة … به.
وأخرجه أحمد (٦/ ١٢٥ و٢٦٣)، والطحاوي (١/ ٢٩) من طرق عن شعبة … به؛ وكلهم قالوا:


(١) ورواه الأعمش كما رواه الحكم.
٢ ‏/ ٢١٤
لقد رأيتني وما أزيد على أن أفركه … إلخ.
وهذا القدر منه؛ أخرجه النسائي (١/ ٥٦).
وأما رواية الأعمش التي أشار إليها المصنف؛ فوصلها مسلم (١/ ١٦٤ – ١٦٥)، وأبو عوانة (١/ ٢٠٥ – ٢٠٦)، والترمذي (١/ ١٩٨ – ١٩٩)، وابن ماجة (١/ ١٩٢)، والطحاوي أيضًا، وأحمد (٦/ ٤٣) من طرق عنه عن إبراهيم … به نحوه. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه النسائي أيضًا مختصرًا.
وهو رواية لابن ماجة، وأحمد (٦/ ١٩٣).
ورواه منصور أيضًا عن إبراهيم … به.
أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والطحاوي والبيهقي (٢/ ٤١٧)، وأحمد (٦/ ١٣٥).
وللحديث طرق أخرى مطولًا ومختصرًا: عند مسلم وأبي عوانة والنسائي والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم ١٤٢٠)، وأحمد (٦/ ٦٧ و٢٥٥ و٢٨٠).
وفي رواية لأبي عوانة والطحاوي وكذا الدارقطني (ص ٤٦) من طريق الحميدي: ثنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت:
كنت أفْرُكُ المني من ثوب رسول الله ﷺ إذا كان يابسًا، وأمسَحُه -أو أغسله؛ شك الحميدي- إذا كان رطبًا.
٢ ‏/ ٢١٥
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
وقد شك الحميدي في المسح أو الغسل، وكلاهما ثابت:
أما المسح؛ فرواه عكرمة بن عمار عن عبد الله بن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ عن عائشة قالت:
»كان رسول الله ﷺ يَسْلُتُ المنيَّ من ثوبه بعرق الإذخر، ثم يصلي فيه، ويَحُته من ثوبه يابسًا، ثم يصلي فيه.
أخرجه أحمد (٦/ ٢٤٣)، والبيهقي (٢/ ٤١٨).
وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم.
وأخرجه ابن خزيمة (٢٩٤).
وأما الغسل؛ فيأتي بعد هذا بحديث.

٣٩٨ – عن عائشة قالت:
كنتُ أفْرُكُ المنيَّ من ثوبِ رسول الله ﷺ، فيصلِّي فيه.
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن حماد عن إبراهيم عن الأسود: أن عائشة قالت …
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أن حمادًا -وهو ابن أبي سليمان الأشعري مولاهم أبو إسماعيل الكوفي الفقيه- قد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه. وقال الحافظ في «التقريب»:

٢ ‏/ ٢١٦
«صدوق له أوهام».
فهو حسن الحديث على أقل الدرجات. وقد أورده الذهبي في «الميزان»، وقال:
«تُكُلِّمَ فيه للإرجاء، ولولا ذكر ابن عدي له في»كامله«لما أوردته».
وهذا إشارة منه إلى توثيقه.
وحماد الآخر -شيخ موسى بن إسماعيل-: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤١٦) من طريق المصنف.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٣١)، وأحمد (٦/ ١٢٥ – ١٣٢ و٢١٣) من طرق عن حماد بن سلمة … به. وقال المصنف عقب الحديث:
«ووافقه مغيرة وأبو معشر وواصل».
قلت: يعني: عن إبراهيم.
وقد وصله عنهم: مسلم (١/ ١٦٥)، والطحاوي (١/ ٣٠ و٣١)، وأحمد (٦/ ٣٥ و٩٧ و١٠١ و٢٣٩) عن الأخيرين.
وأبو عوانة (١/ ٢٠٤ و٢٠٥) عن واصل ومغيرة.
والنسائي (١/ ٥٦)، وابن ماجة (١/ ١٩٢) عن مغيرة.
والبيهقي (٢/ ٤١٦) عن واصل.
فهذه طرق مستفيضة، تشهد بصحة الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة؛ فليس صوابًا قولُ الترمذي -عقب حديث الأعمش عن إبراهيم عن همام ابن الحارث عنها، وقد تقدم-:
٢ ‏/ ٢١٧
«وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة. وحديث الأعمش أصح»!
قلت: وأبو معشر ثقة، وهو زياد بن كُلَيْبٍ التميمي الحنظلي الكوفي. فلو تفرد بهذا الإسناد لكان حجة؛ فكيف وقد تابعه الثلاثة الذين سبق ذكرهم؟ !
بل تابعه الأعمش نفسه، فرواه حفص عنه عن إبراهيم عن الأسود بن يزيد وهمام عن عائشة.
أخرجه مسلم (١/ ١٦٤ – ١٦٥)، والطحاوي (١/ ٢٩).
فهذا كله يدل على صحة الإسنادين، وأن لإبراهيم فيه شيخين.
بل له شيخ ثالث؛ فقد رواه خالد -وهو الحَذَّاء- عن أبا معشر عن إبراهيم عن علقمة والأسود:
أن رجلًا نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه … الحديث نحو حديث الأعمش السابق.
أخرجه مسلم (١/ ١٦٤).

٣٩٩ – عن عائشة:
أنها كانت تَغْسِلُ المنيَّ من ثوبِ رسولِ الله ﷺ، قالت: ثم أراه فيه بُقْعَةً أو بُقَعًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: نا زهير. (ح) وثنا محمد بن

٢ ‏/ ٢١٨
عبيد بن حِسَابٍ البصري: نا سُليم -يعني: ابن أخضر؛ المعنى؛ والأخبار في حديث سليم- قالا: نا عمرو بن ميمون بن مهران قال: سمعت سليمان بن يسار يقول: سمعت عائشة تقول …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد صَرَّحَ سُلَيْمٌ في حديثه بسماع سليمان بن يسار من عائشة، وهو ثقة من رجال مسلم.
وكذلك الراوي عنه محمد بن عبيد بن حِسَاب البصري.
وزهير: هو ابن معاوية الجُعْفي.
والحديث أخرجه البخاري (١/ ٢٦٧): حدثنا عمرو بن خالد قال: حدثنا زهير … به.
وأخرجه أحمد (٦/ ١٤٢ و٢٣٥): ثنا يزيد قال: أنا عمرو بن ميمون قال: ثنا سليمان بن يسار قال: أخبرتني عائشة.
وهذا إسناد صحيح متصل بالسماع على شرط الشيخين.
وقد أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٠٣)، والبيهقي (٢/ ٤١٨)، وكذا الطحاوي (١/ ٣٠) من طرق عن يزيد بن هارون … به.
وأخرجه البخاري (١/ ٢٦٦) عن قتيبة قال: ثنا يزيد … به؛ فلم ينسب يزيد كما فعل أحمد، وهو عنده يزيد بن هارون حتمًا.
وأما عند البخاري؛ فقيل: إنه هذا، وقيل: إنه ابن زُرَيْع، ورجحه الحافظ. والله أعلم.
ثم أخرجه البخاري، ومسلم (١/ ١٦٥)، والنسائي (١/ ٥٦)، والترمذي (١/ ٢٠١)، وابن ماجة (١/ ١٩١ – ١٩٢)، والطحاوي، والبيهقي، وأحمد
٢ ‏/ ٢١٩
(٦/ ١٦٢) من طرق عن عمرو بن ميمون … به نحوه، وليس عند الترمذي قولها: ثم أراه … إلخ. وقال:
«حديث حسن صحيح». ولفظ ابن ماجة:
كان النبي ﷺ يصيبُ ثوبَهُ، فيغسلُهُ من ثوبه، ثم يخرج في ثوبه إلى الصلاة؛ وأنا أرى أثَرَ الغسلِ فيه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو رواية لمسلم والبيهقي.
وأخرجه الدارقطني (ص ٤٦)، وقال:
«صحيح».

١٣٦ – باب بول الصبيِّ يصيبُ الثوبَ
٤٠٠ – عن أم قيس بنت مِحْصَن:
أنها أتت بابْنٍ لها صغير -لم يأكلِ الطعام- إلى رسول الله ﷺ، فأجْلَسَهُ رسولُ الله ﷺ في حِجْرِه، فبالَ على ثوِبهِ، فدعا بماء، فنضحه ولم يُغْسِلْهُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس بنت محصن.
قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

٢ ‏/ ٢٢٠
والحديث في «الموطأ» (١/ ٨٣) بإسناده هذا ولفظه.
وأخرجه البخاري (١/ ٢٦٠)، وأبو عوانة (١/ ٢٠٢ – ٢٠٣)، والنسائي (١/ ٥٦)، والدارمي (١/ ١٨٩)، والطحاوي (١/ ٥٥)، والبيهقي (٢/ ٤١٤) كلهم عن مالك … به.
وأخرجه البخاري (١٠/ ١٢١)، ومسلم (١/ ١٦٤)، وأبو عوانة أيضًا، والترمذي (١/ ١٠٥ – ١٠٦). وابن ماجة (١/ ١٨٨)، والطحاوي، والبيهقي، والطيالسي (رقم ١٦٣٦)، وأحمد (٦/ ٣٥٥ و٣٥٦) من طرق أخرى عن ابن شهاب … به.

٤٠١ – عن لُبابة بنت الحارث قالت:
كان الحسين رضي الله تعالى عنه في حِجْرِ رسول الله ﷺ، فبال عليه، فقلتُ: الْبَسْ ثوبًا وأعْطِني إزارَكَ حتى أغسِلَهُ. قال:
«إنما يُغْسَل مِنْ بَوْل الأُنثى، ويُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع أبو توبة -المعنى- قالا: نا أبو الأحوص عن سِمَاكٍ عن قابوس عن لبابة بنت الحارث.
قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير مسدد فمن رجال البخاري وهو مقرون بأبي توبة، وهو من رجالهما.
لكنّ سماكًا -وهو ابن حرب- فيه كلام من قبل حفظه، وهو حسن الحديث في غير روايته عن عكرمة، كما سبق بيانه.

٢ ‏/ ٢٢١
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ١٨٧)، والطحاوي (١/ ٥٥)، والحاكم (١/ ١٦٦)، ومن طريقه البيهقي (٢/ ٤١٤) من طرق أخرى عن أبي الأحوص … به. وقال الحاكم:
«صحيح»، ووافقه الذهبي.
وصححه ابن خزيمة أيضًا، كما في «الفتح» (١/ ٢٦٠). وقال البيهقي:
«وكذلك رواه إسرائيل وشريك عن سماك: ولبابة هي أم للفضل».
قلت: وحديث إسرائيل: أخرجه أحمد (٦/ ٣٣٩)؛ وفيه:
فضربت بين كتفيه فقال: «ارفقي بابني رحمك الله -أو أصلحك الله-! أوجعت ابني». قالت: قلت يا رسول الله! اخلع إزارك … الحديث.
وحديث شريك: أخرجه الطحاوي (١/ ٥٦). ثم قال البيهقي:
وروي عن علي بن صالح عن سماك بن حرب عن قابوس عن أبيه قال: جاءت أم الفضل إلى النبي ﷺ …. فذكر قصة، وفيها: فقال النبي ﷺ: «إنما يُغْسَلُ …» الحديث؛ ثم ساق إسناده بذلك إلى علي بن صالح.
أخرجه من طريق حَسَنُونَ البَنَّاء الكوفي: ثنا عثمان بن سعيد المري عنه.
وحَسَنُونَ هذا؛ لم أعرفه الآن.
وعثمان بن سعيد؛ ليس بالمشهور. وقال الحافظ في «التقريب»:
«مقبول».
وقد رواه ابن ماجة بإسناد أصح منه عن علي؛ فلم يذكر في سنده: عن أبيه ….. فقال (٢/ ٤٥٦): ثنا أبو بكر: ثنا معاذ بن هشام: ثنا علي بن صالح عن
٢ ‏/ ٢٢٢
سماك عن قابوس قال: قالت أم الفضل …
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى علي بن صالح.
وهو الصحيح عنه، ليس فيه: عن أبيه؛ لمتابعة الثقات له كما سبق.
وقابوس قديم الوفاة، فقد ذكره ابن يونس فيمن قَدِمَ مع محمد بن أبي بكر مصر في خلافة علي، فلا يمتنع إدراكه لأم الفضل؛ كما قال الحافظ في «التهذيب».
وقد وجدت للحديث طريقين آخرين صحيحين عن لُبابة:
أحدهما: من طريق حماد بن سلمة قال: أنا عطاء الخراساني عن لبابة أم الفضل.
أخرجه أحمد (٦/ ٣٣٩): ثنا عَفَّان وبهز قالا: ثنا حماد بن سلمة.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكنه منقطع بين عطاء ولبابة.
لكن قد جاء موصولًا: أخرجه أحمد والبيهقي (٢/ ٥١٥) من طريق عفان قال: ثنا حماد قال حميد: كان عطاء يرويه عن أبي عياض عن لبابة.
وأبو عياض هذا: هو عمرو بن الأسود العَنْسِيُّ، وهو ثقة من رجال الشيخين، فعاد الحديث صحيحًا موصولًا على شرط مسلم.
والطريق الآخر: أخرجه أحمد أيضًا (٦/ ٣٣٩ – ٣٤٠): ثنا عفان: ثنا وُهَيْبٌ قال: ثنا أيوب عن صالح أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
٢ ‏/ ٢٢٣
٤٠٢ – عن أبي السَّمْحِ قال:
كنتُ أخْدُمُ النبيَّ ﷺ، فكان إذا أراد أن يغتسل قال:
«ولِّني قَفَاك». قال: فأُوَلِّيهِ قفايَ، فأسْتُرُهُ به، فأُتِيَ بِحَسَنٍ أو حُسَين رضي الله تعالى عنهما، فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال:
«يُغْسَل من بول الجارية، ويُرَشُّ من بول الغلام».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الحاكم، يوافقه الذهبي، وصححه ابن خزيمة أيضًا، وفال البخاري: «حديث حسن»).
إسناده: حدثنا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري -المعنى- قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي: حدثني يحيى بن الوليد: حدثني مُحِلُّ بن خليفة: حدثني أبو السمح.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يحيى بن الوليد، وهو ثقة، وهو أبو الزَّعْراءِ الكوفيُّ؛ قال النسائي:
«ليس به بأس».
وذكره ابن حبان في «الثقات».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٤١٥) من طريق المصنف.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٨٨ – ١٨٩): حدثنا عمرو بن علي ومجاهد بن موسى والعباس بن عبد العظيم قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٤٦، ٥٧) -عن مجاهد بن موسى وحده-، والدارقطني (ص ٥٧)، وابن حزم (١/ ١٠٠) -عن عمرو بن علي وحده-، وأخرجه الحاكم
٢ ‏/ ٢٢٤
(١/ ١٦٦) -من طريق أحمد بن حنبل-: ثنا عبد الرحمن بن مهدي به. وقال: «صحيح»، ووافقه الذهبي. وقال البخاري:
«حديث حسن»؛ كما في «التلخيص» (١/ ٢٥٤) وغيره.
وصححه ابن خزيمة أيضًا، كما في «الفتح» (١/ ٢٦٠).

٤٠٣ – عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
يُغْسَل بولُ الجارية، ويُنْضَحُ بول الغلام؛ ما لم يَطْعَمْ.
(قلت: إسناده صحيح، وهو موقوف، وقد صح عنه مرفوعًا، وهو التالي).
إسناده: حدثنا مسدد: نا يحيى عن ابن أبي عَرُوبة عن قتادة عن أبي حَرْب ابن أبي الأسود عن أبيه عن علي.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فمن رجال البخاري وحده، وأبي حرب بن الأسود؛ فمن رجال مسلم فقط.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤١٥) من طريق المصنف، ثم قال:
«وفيما بلغني عن أبي عيسى [يعني: الترمذي] أنه قال: سألتُ البخاريَّ عن هذا الحديث؟ فقال: سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه. وهشام الدَّسْتُوائي يرفعه، وهو حافظ.
قلت: إلا أن غير معاذ بن هشام رواه عن هشام مرسلًا».
قلت: ثم ساق إسناده بذلك من طريق مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام عن قتادة عن ابن أبي الأسود عن أبيه أن رسول الله ﷺ قال … فذكره.

٢ ‏/ ٢٢٥
وهذا لا يضر أيضًا؛ فإن معاذ بن هشام تقة، وقد احتج به الشيخان، ولم يتفرد بوصله ورفعه كما قد يُوهِمُ ذلك كلام البيهقي؛ بل قد توبع عليه؛ كما سنبينه عند حديثه الآتي، وهو:

٤٠٤ – عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أن نبي الله ﷺ قال … فذكر معناه، ولم يذكر: «ما لم يَطْعَمْ»؛ زاد:
قال قتادة: هذا ما لم يَطْعَمَا، فإذا طَعِمَا غُسِلا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: «حديث صحيح على شرطهما»! يوافقه الذهبي! وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقال الحافظ: «إسناده صحيح، وقد رَجَّحَ البخاري صحته، وكذا الدارقطني»، ورواه ابن حبان في «صحيحه» (١٣٧٢)، وكذا ابن خزيمة).
إسناده: حدثنا ابن المثنى: نا معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عن علي بن أبي طالب.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٩٧ / رقم ٧٥٧): ثنا معاذ بن هشام … به.
وأخرجه الترمذي (٢/ ٥٠٩)، وابن ماجة (١/ ١٨٨)، والطحاوي (١/ ٥٥)، والدارقطني (٤٧)، والحاكم (١/ ١٦٥ – ١٦٦)، ومن طريقه البيهقي (٢/ ٥١٥)، وعبد الله بن أحمد في «زوائده» على «المسند» (رقم ١١٤٨) من طرق عن معاذ بن هشام … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». والحاكم:
«حديث صحيح على شرطهما»! ووافقه الذهبي!

٢ ‏/ ٢٢٦
وإنما هو على شرط مسلم وحده كما ذكرنا؛ لأن أبا حرب بن أبي الأسود ليس من رجال البخاري. وقال الحافظ في»الفتح«(١/ ٢٦٠):
»وإسناده صحيح. ورواه سعيد عن قتادة فوقفه؛ وليس ذلك بعلة قادحة«.
قلت: ورواية سعيد الموقوفة هي الني في الكتاب قبل هذا. وقال في»التلخيص«:
»إسناده صحيح؛ إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وفي وصله وإرساله، وقد رجح البخاري صحته، وكذا الدارقطني. وقال البزار: «تفرد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه. وقد روي هذا الفعل من حديث جماعة من الصحابة، وأحسنها إسنادًا حديث علي».
وقد تبع البزارَ في قوله: «تفرد برفعه معاذ بن هشام عن أبيه»: البيهقيُّ، وقد ذكرنا كلامه في ذلك في الحديث السابق!
وليس هذا القول بصحيح؛ فقد قال الدارقطني:
«تابعه عبد الصمد عن هشام».
قلت: أخرجه من طريقه: أحمد (رقم ٥٦٣ و١١٤٩): حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا هشام … به.
وأخرجه ابنه عبد الله في «زوائده» مقرونًا مع رواية معاذ (رقم ١١٤٨).
وأخرجه الدارقطني أيضًا (ص ٤٧).

٤٠٥ – عن الحسن عن أمه قالت:
إنها أَبْصَرَتْ أم سَلَمَةَ تَصُبُّ الماءَ على بول الغلام ما لم يَطْعَم، فإذا طَعِمَ غسلته، وكانت تغسل بول الجارية.

٢ ‏/ ٢٢٧
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وهو موقوف، وصححه البيهقي والحافظ ابن حجر).
إسناده: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبو معمر: نا عبد الوارث عن يونس عن الحسن.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وأم الحسن -وهو البصري-: اسمها خَيْرَةُ. وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٢٥٥):
«وسنده صحيح. ورواه البيهقي من وجه آخر عنها موقوفًا أيضًا، وصححه».
قلت: إنما أخرجه البيهقي (٢/ ٤١٦) من طريق المصنف بإسناده هذا.
وأما الوجه الآخر عنها؛ فأخرجه (٢/ ٤١٥) مرفوعًا من طريق عبد الرحمن بن عبد العزيز بن صادر: ثنا الفضيل بن سليمان النُّمَيْري: ثنا كثير بن قارْوَنْدا: أبَنا عبد الله بن حزم عن معاذة بنت حُبَيْش عنها. وقال:
«وهذا الحديث صحيح عن أم سلمة من فعلها …»، ثم ساقه موقوفًا عليها من طريق المصنف.
وفي إسناد هذا المرفوع جماعة لم أجد لهم ترجمة! وهم: عبد الرحمن بن عبد العزيز -ويعرف بابن صادر- وعبد الله بن حزم ومعاذة بنت حُبَيْش.
وقد روي مرفوعًا من وجه آخر ضعيف أيضًا.
رواه الطبراني في «الأوسط» عنها.
والحديث صحيح مرفوعًا؛ ورد كذلك عن جماعة من الصحابة بأسانيد قوية، كما سبق.
٢ ‏/ ٢٢٨
١٣٧ – باب الأرض يُصِيبها البول
٤٠٦ – عن أبي هريرة:
أن أعرابيًّا دخل المسجد ورسولُ الله ﷺ جالس، فصلى (زاد في رواية: ركعتين)، ثم قال: اللهم ارْحَمْنِي ومحمدًا، ولا تَرْحَمْ معنا أحدًا! فقال النبي ﷺ: «تَحَجَّرْت واسعًا». ثم لم يَلْبَثْ أن بال في ناحية المسجد؛ فأسرعَ الناسُ إليه، فنهاهم النبي ﷺ، وقال:
«إنما بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرينَ! صُبُّوا عليه سَجْلًا من ماء -أو قال: ذَنوبًا من ماء-».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». ورواه ابن حبان في «صحيحه» نحوه، والبخاري مفرقًا).
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْحِ وابن عَبْدة -في آخرين؛ وهذا لفظ ابن عبدة-: قال: أنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. قال ابن عبدة: … ركعتين …..
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وابن عبدة: هو أحمد أبو عبد الله الضبِّي.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٢٣٩): ثنا سفيان … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ٢٧٥ – ٢٧٦)، والبيهقي (٢/ ٤٢٨) من طرق عن سفيان … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
٢ ‏/ ٢٢٩
وللحديث طرق أخرى؛ فقال أحمد (٢/ ٥٠٣): ثنا يزيد: أنا محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة … نحوه.
وهذا إسناد حسن.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٨٩)، وابن حبان في «صحيحه» (٢/ ٣٣٩ / ١٣٩٩) من طريق محمد -وهو ابن عمرو – … به.
ورواه البخاري (١٠/ ٣٦٠) من طريق الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن … به مختصرًا، دون قصة البول في المسجد.
لكنه أخرج هذه القصة من طريق الزهري أيضًا قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة قال … فذكره دون قصة الدعاء.
أخرجه في موضعين (١/ ٢٥٨ و١٠/ ٤٣٢).
وأخرجه النسائي أيضًا (١/ ٢٠ و٦٣)، والبيهقي (٢/ ٤٢٨)، وأحمد (٢/ ٢٨٢).
وله شاهد في «ابن حبان» (٩٨٢) من حديث ابن عمر؛ دون قصة البول.
ورجاله ثقات.

٤٠٧ – عن عبد الله بن مَعْقِل بن مُقَرِّن قال:
صَلَّى أعرابي مع النبي ﷺ … بهذه القصة؛ قال فيه: وقال -يعني: النبي ﷺ:
«خُذوا ما بال عليه من التراب فألقوه، وأهْرِيقُوا على مكانه ماءً».
قال أبو داود: «هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي ﷺ».

٢ ‏/ ٢٣٠
(قلت: وكذا قال الدارقطني. والحديث صحيح، وقوّاه الحافظ).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا جرير -يعني: بن حازم- قال: سمعت عبد الملك -يعني: ابن عمير- يحدث عن عبد الله بن مَعْقِلِ بن مُقَرِّن.
قال أبو داود: «هو مرسل؛ ابن معقل لم يدرك النبي ﷺ».
قلت: وهو مرسل صحيح الإسناد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.
وقد جاء مرسلًا وموصولا من طرق أخرى، فالحديث بها صحيح كما يأتي.
والحديث أخرجه الدارقطني (ص ٤٨)، والبيهقي (٢/ ٤٢٨) كلاهما عن المصنف … به.
ومن شواهده: مرسل آخر؛ فقال الطحاوي (١/ ٨):
«وروى طاوس: أن النبي ﷺ أمر بمكانه أن يُحْفَرَ. حدثنا بذلك أبو بكرة بَكَّار ابن قتيبة البكراوي قال: ثنا إبراهيم بن يشار قال: ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو ابن دينار عن طاوس … بذلك».
قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد أيضًا.
وكذا رواه سعيد بن منصور عن ابن عيينة -كما في «التلخيص» (١/ ٢٥٠) -، وعبد الرزاق في «مصنفه» -كما في «نصب الراية» (١/ ٢١٢) -.
وقد روي عنه موصولًا من حديث أنس، بإسناد رجاله ثقات، كما قال الحافظ:
«قال الدارقطني: ثنا ابن صاعد: ثنا عبد الجبار بن العلاء: ثنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس: أن أعرابيًّا بال في المسجد، فقال النبي ﷺ:»احفروا
٢ ‏/ ٢٣١
مكانه، ثم صُبُّوا عليه ذَنوبًا من ماء«. وأعله الدارقطني بأن عبد الجبار تفرد به دون أصحاب ابن عيينة الحفاظ، وأنه دخل عليه حديث في حديث، وأنه عند ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن طاوس مرسلًا، وفيه:»احفروا مكانه«، وعن يحيى ابن سعيد عن أنس موصولًا، وليست فيه الزيادة»! قال الحافظ:
«وهذا تحقيق بالغ؛ إلا أن هذه الطريق المرسلة -مع صحة إسنادها- إذا ضُمَّت إلى أحاديث الباب؛ أخذت قوة».
وأقول: عبد الجبار -مع كونه ثقة من رجال مسلم-؛ فقد تابعه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي: عند الترمذي (١٤٨)، وصححه؛ لكنه لم يَسُقْ لفظه. ثم قال الحافظ: «وله إسنادان موصولان:
أحدهما: عن ابن مسعود: رواه الدارمي والدارقطني ولفظه: فأمر بمكانه فاحتفر، وصبَّ عليه دَلوًا من ماء؛ وفيه سمعان بن مالك؛ وليس بالقوي، قاله أبو زرعة. وقال ابن أبي حاتم في»العلل«عن أبي زرعة: وهو حديث منكر. وكذا قال أحمد. وقال أبو حاتم: لا أصل له.
ثانيهما: عن واثلة بن الأسقع: رواه أحمد والطبراني؛ وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهُذَلي، وهو منكر الحديث. قاله البخاري وأبو حاتم»! !
قلت: حديث ابن مسعود؛ أخرجه الدارقطني (ص ٤٨)، وأخرجه الطحاوي أيضًا (١/ ٨). ولم أجده في «سنن الدارمي»؛ فليراجع!
ورواه أبو يعلى أيضًا -كما في «المجمع» (١/ ٢٨٦ و٢/ ١١) -، وقال:
«وروى أبو يعلى عقبه بإسناد رجاله رجال»الصحيح«عن النبي ﷺ قال … مثله».
وأما حديث واثلة؛ فلم أجده أيضًا في «المسند»! وأحاديثه في موضعين منه
٢ ‏/ ٢٣٢
(٣/ ٤٩٠ – ٤٩١ و٤/ ١٠٦ – ١٠٧)!
وأكاد أجزم أن الحافظ وهم في عزوه لـ «المسند»؛ بل أظن أنه ليس لواثلة حديث في هذا الباب! وذلك لأمور:
أولًا: أنني لم أجد أحدًا من الجامعين -كالحافظ الزيلعي- ذكره في الباب؛ بل الحافظ نفسه لم يذكره في «الفتح»، ونص كلامه فيه ملخصًا، قال (١/ ٢٥٩):
«إن الحديث جاء من ثلاث طرق: أحدها موصول من حديث ابن مسعود.
أخرجه الطحاوي؛ لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره. والآخران: مرسلان …». إلخ كلامه.
ثانيًا: أن الحافظ الهيثمي لم يذكره في الموضعين المشار إليهما سابقًا من كتابه «مجمع الزوائد»، وهو من شرطه.
ثالثًا: أنني لم أجده في أحاديث واثلة من «المسند»، كما سبق! والله أعلم.

١٣٨ – باب في طُهُور الأرضِ إذا يَبِسَتْ
٤٠٨ – عن ابن عمر قال:
كنتُ أبِيتُ في المسجد في عهد رسول الله ﷺ، وكنتُ فتىً شابًّا عَزَبًا، وكانت الكلاب تبول، وتُقْبِلُ وتُدْبِرُ في المسجد، فلم يكونوا يَرشُّون شيئًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد رواه في «صحيحه» معلقًا).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: نا عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن

٢ ‏/ ٢٣٣
شهاب: ثني حمزة بن عبد الله بن عمر قال: قال ابن عمر …
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٢٩) من طريق هارون بن معروف: ثنا ابن وهب … به.
ورواه البخاري (١/ ٢٢٣) تعليقًا فقال: وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس … به.
وقد وصله البيهقي، وأبو نعيم أيضًا من طريق أحمد بن شبيب.

١٣٩ – باب الأذى يصيبُ الذَّيْلَ
٤٠٩ – عن أم وَلَدٍ لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أنها سألت أمَّ سلمة زوجَ النبي ﷺ، فقالت:
إني امرأة أُطِيل ذَيْلِي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال رسول الله ﷺ:
«يُطَهِّرُهُ ما بعدَهُ».
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن العربي، وقال ابن حجر الهيتمي: «حديث حسن»، وقال العقيلي: «إسناده صالح جيد»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن محمد بن عمارة بن عمرو ابن حزم عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
قلت، وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أم ولد إبراهيم هذه؛ فإنها مجهولة،

٢ ‏/ ٢٣٤
وقد سماها النسائي في «مسند مالك»: «حميدة» ففي «التهذيب» ما نصه:
«كن -حميدة: أنها سألت أم سلمة فقالت: إني امرأة طويلة للذيل. وعنها محمد بن إبراهيم بن الحارث. وقيل: عنه عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو المشهور». قال الحافظ:
«يجوز أن يكون اسم أم الولد حميدة؛ فيلتئم القولان».
قلت: وبذلك جزم الذهبي في «الميزان» فقال:
«حميدة. سألت أم سلمة: هي أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. تفرد عنها محمد بن إبراهيم التيمي». وقال الشيخ علي القاري في «المرقاة» (١/ ٣٥٦):
«قال ابن حجر -يعني: الهيتمي-: ومَرَّ أنها مجهولة، ومع ذلك الحديث حسن. وهو غير صحيح؛ إلا أن يقال: إنه حسن لغيره؛ فيتوقف على إسناد آخر ليس فيه المجهولة، فيعتضد به؛ وهو غير معلوم؛ فتأمل»!
قلت: قد تأملنا، فوجدنا كلام الهيتمي صحيحًا؛ لأن مراده أنه حسن لغيره، وقد علمنا له إسنادًا آخر، وقد أخرجه المصنف بعد هذا، وهو إسناد صحيح، فيعتضد به، كما أن له شاهدًا آخر من حديث أبي هريرة يأتي ذكره.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٤٧).
ومن طريقه: أخرجه الإمام محمد (ص ١٥٩)، والترمذي (١/ ٢٦٦)، والدارمي (١/ ١٨٩)، وابن ماجة (١/ ١٩٠)، والبيهقي (٢/ ٥٠٦) كلهم عن مالك … به.
وأخرجه أحمد (٦/ ٢٩٠، ٣١٦) من طرق أخرى عن محمد بن عمارة … به.
٢ ‏/ ٢٣٥
والحديث سكت عليه الترمذي!
وضعفه الخطابي والمنذري والنووي، فقال في «المجموع» (٢/ ٩٦): إنه «ضعيف؛ لأن أم ولد إبراهيم مجهولة»!
وأما الخطابي؛ فقال -عقب حديثي الباب-:
«وفي إسناد الحديثين مقال؛ لأن الأول عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن، وهي مجهولة لا يعرف حالها في الثقة والعدالة. والحديث الآخر عن امرأة من بني عبد الأشهل، والمجهول لا تقوم به الحجة في الحديث»! قال المنذري:
«وما قاله في الحديث الأول ظاهر. وأما ما قاله في الحديث الثاني؛ ففيه نظر؛ فإن جهالة اسم الصحابي غير مؤثرة في صحة الحديث».
قلت: وهذا هو الذي تقرر في المصطلح: أن جهالة اسم الصحابي لا تضر؛ وعليه جمهور أهل العلم من المحدثين وغيرهم. وقال أبو بكر بن العربي:
«هذا الحديث مما رواه مالك؛ فصح، وإن كان غيره لم يَرَهُ صحيحًا»!
وقد اغتر بهذا بعض المعاصرين، وهو صاحب «التاج»، فقال في الحديث:
«رواه أبو داود ومالك والترمذي بسند صالح، وسند مالك صحيح»!
وهذا -مع ما فيه من إيهام أن إسنادي المصنف والترمذي غير إسناد مالك، وليس كذلك؛ لأنهما أخرجاه من طريقه كما سبق-؛ فليس صحيح الإسناد؛ لجهالة أم ولد هذه كما تقدم! على أن العقيلي قال عقبه (٢/ ٢٥٦):
«إسناد صالح جيد»!
نعم؛ الحديث صحيح باعتبار أن له شاهدين:
٢ ‏/ ٢٣٦
أحدهما: عن أبي هريرة قال:
قيل: يا رسول الله! إنا نريد المسجد، فنطأ الطريق النجسة؟ فقال:
«الأرض يظهرُ بعضُها بعضًا».
أخرجه ابن ماجة والبيهقي من طريق إبراهيم بن إسماعيل اليَشْكُرِيِّ عن ابن أبي حبيبة عن داود بن الحُصَين عن أبي سفيان عنه.
وهذا إسناد ليس بالقوي، كما قال البيهقي.

٤١٠ – عن امرأة من بني عبد الله الأشْهَل قالت:
قلت: يا رسول الله! إن لنا طريقًا إلى المسجد مُنْتِنَةً فكيف نفعل إذا مُطِرْنَا؟ قال:
«أليس بعدها طريقٌ هي أطيبُ منها؟». قالت: قلت: بلى. قال:
«فهذه بهذه».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه المنذري وعبد الحق الإشبيلي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وأحمد بن يونس قالا: نا زهير: نا عبد الله بن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن امرأة من بني عبد الأشهل.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير موسى بن عبد الله بن يزيد؛ فمن رجال مسلم وحده.
وأعله الخطابي بجهالة المرأة الصحابية! وردَّه المنذري بأن ذلك لا يوثر في صحة

٢ ‏/ ٢٣٧
الحديث؛ يعني: لأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكرنا نص كلامهما في ذلك في الحديث قبله.
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٤) من طريق أبي الوليد: ثنا زهير … به.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٩٠) من طريق شريك عن عبد الله بن عيسى … به.
وزهير: هو ابن معاوية.

١٤٠ – باب الأذى يصيبُ النَّعْلَ
٤١١ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا وَطِئَ أحدُكُم بِنَعْلِهِ الأذى؛ فإنَّ الترابَ له طَهُورٌ».
(قلت: حديث صحيح، وقد صححه من سنذكر في الرواية الآتية):
إسناده: حدثنا أحمد بن حنبل: نا أبو المغيرة. (ح) وحدثنا عباس بن الوليد ابن مَزْيَدٍ: أخبرني أبي. (ح) وحدثنا محمود بن خالد: نا عمر -يعني: ابن عبد الواحد- عن الأوزاعي -المعنى- قال: أنبئت أنّ سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِي حدث عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لولا جهالة من أنبأ الأوزاعي.
وقد سماه محمد بن كثير الصنعاني عن الأوزاعي فقال: عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد … به نحوه؛ وهو في الكتاب بعد هذا.
لكن محمد بن كثير سيئ الحفظ؛ فلا يحتج به؛ لا سيما فيما خالف فيه الثقات، وسيأتي زيادة بيان لهذا.

٢ ‏/ ٢٣٨
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ٦٦)، والبيهقي (٢/ ٤٣٠) من طريق العباس بن الوليد بن مَزْيَدٍ … به.

٤١٢ – وفي رواية عنه عن النبي ﷺ … بمعناه؛ قال:
«إذا وطئ الأذى بخُفَّيْهِ؛ فَطَهُورُهُمَا الترابُ».
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٤٠٠ و١٤٠١). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال ابن تيمية: إنه: «حسن»).
إسناده: حدثنا أحمد بن إبراهيم: حدثني محمد بن كثير -يعني: الصنعاني- عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن محمد بن كثير سيئ الحفظ، فلا يحتج به؛ لا سيما وقد خولف في إسناده:
فرواه جماعة من الثقات عن الأوزاعي فقالوا: عنه قال: أُنْبِئْتُ أن سعيد بن أبي سعيد … به.
فرجع الحديث إلى أنه عن مجهول.
هكذا أخرجه المصنف وغيره كما سبق. ولذلك قال النووي في «المجموع» (١/ ٩٧):
«رواه أبو داود من طرق كلها ضعيفة». وقال الحافظ في «التلخيص» (٤/ ٤٤):
«وهو معلول؛ اختلف على الأوزاعي، وسنده ضعيف».
وأما الزيلعي؛ فنقل في «نصب الراية» (١/ ٢٠٧) عن النووي أنه قال في

٢ ‏/ ٢٣٩
«الخلاصة»:
«رواه أبو داود بإسناد صحيح»!
فإذا صح هذا عن النووي؛ فقد تناقض! ثم قال الزيلعي:
«وقال ابن القطان: هذا حديث رواه أبو داود من طريق لا يظن بها الصحة؛ فإنه رواه من حديث محمد بن كثير عن الأوزاعي … به؛ إذ محمد بن كثير -الصنعاني الأصل المصيصي الدار أبو يوسف ضعيف، وأضعف ما هو: عن الأوزاعي؛ قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: هو منكر الحديث؛ يروي أشياء منكرة. وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: هو عندي ليس بثقة».
قلت: لكن الحديث صحيح؛ لأن له شاهدين يأتي ذكرهما. ولذلك قال ابن تيمية في «الفتاوى» (٢/ ٢٨): أنه «حسن».
والحديث أخرجه الطحاوي (١/ ٣١)، والحاكم (١/ ١٦٦)، والبيهقي (٢/ ٤٣٠) من طرق أخرى عن محمد بن كثير … به. وقال الحاكم:
«حديث صحيح على شرط مسلم؛ فإن محمد بن كثير الصنعاني هذا صدوق، وقد حفط في إسناده ذِكْرَ ابن عجلان»!
قلت: كذا قال! ولم يتعقبه الذهبي يشيء! فكأنه أقره ووافقه! وفي ذلك نظر من وجهين:
الأول: أن الصنعاني هذا ليس بالحافظ؛ بل هو سيئ الحفظ كما سبق، فلا تقبل زيادته في الإسناد.
والآخر: أن مسلمًا لم يخرج للصنعاني شيئًا، كما أنه إنما أخرج لابن عجلان
٢ ‏/ ٢٤٠
متابعة.
والحديث رواه أيضًا ابن حبان في «صحيحه» (١٤٠٠ و١٤٠١)، وابن السكن؛ كما في «التلخيص»
وله شاهدان يشهدان له بالصحة:
الأول: من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا؛ بلفظ:
«إذا جاء أحدكم إلى المسجد؛ فلينظر، فإن رأى في نَعْلَيْهِ قذرًا أو أذىً؛ فَلْيَمْسَحْهُ، ولْيُصَلِّ فيهما».
أخرجه المصنف وغيره بإسناد صحيح، وسيأتي في (الصلاة في النعل) (رقم ٦٥٧).
وأما الشاهد الآخر؛ فهو من حديث عائشة، وهو:

٤١٣ – عن عائشة عن رسول الله ﷺ … بمعناه.
(قلت: إسناده صحيح، وقال المنذري: «حديث حسن»، وأقره ابن تيمية).
إسناده: حدثنا محمود بن خالد: نا محمد -يعني: ابن عائذ-: حدثني يحيى بن حمزة عن الأوزاعي عن محمد بن الوليد: أخبرني أيضًا سعيد بن أبي سعيد عن القعقاع بن حكيم عن عائشة.
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.
وقد أعله البيهقي بالانقطاع؛ فقال ابن التركماني:
«سكت -يعني: البيهقي-عن هذا الحديث؛ وقال في»الخلافيات”:

٢ ‏/ ٢٤١
القعقاع لم يسمع من عائشة».
قلت: وقد رجعت إلى ترجمة القعقاع من «التهذيب»؛ فإذا به يقول:
«روى عن أبي هريرة -وقيل: لم يلقه-، وجابر، وعائشة، وابن عمر، وعلي ابن الحسين …» إلخ.
فلم ينفِ سماعه منها، والقعقاع لم يعرف بتدليس، فروايته محمولة على الاتصال.
ولذلك؛ فإنا نرجح صحة هذا الإسناد عن عائشة، وأنه متصل غير منقطع؛ والله تعالى أعلم. ولذلك قال المنذري في «مختصره» (رقم ٣٦٣):
«وأما حديث عائشة؛ فحديث حسن». وأقره ابن تيمية في «الفتاوى» (٢/ ٢٨)، فقال:
«وقد قيل: حديث عائشة حديث حسن».
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٤٣٠) من طريق المصنف.

١٤١ – باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]

١٤٢ – باب البُزَاق يصيبُ الثوبَ
٤١٤ – عن أبي نَضْرَةَ قال:
بَزَقَ رسولُ الله ﷺ في ثوبه، وحَكَّ بعضَه ببعض.

٢ ‏/ ٢٤٢
(قلت: حديث صحيح، وهو مرسل صحيح الإسناد).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد: أنا ثابت البُناني عن أبي نضرة.
قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكنه مرسل؛ فإن أبا نضرة تابعي -واسمه المنذر بن مالك بن قُطَعَةَ؛ بضم القاف وفتح المهملة.
ويشهد له حديث أنس بن مالك، وهو:
٤١٤ / م-عن أنس عن النبي ﷺ … بمثله.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه البخاري في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: نا حماد عن حميد عن أنس.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٥٨) من طريق إسماعيل عن حميد … به؛ ولفظه:
أن النبي ﷺ أخذ طرف رداءه، فَبَصَقَ فيه، فردَّ بعضه على بعض.
وهذا مختصر؛ فقد أخرجه البخاري (١/ ٤٠٣ – ٤٠٤)، والبيهقي (٢/ ٢٩٢) من طريق إسماعيل أيضًا -وهو ابن جعفر- … به؛ بلفظ:
أن النبي ﷺ رأى نُخَامة في القبلة، فشقَّ ذلك عليه، حتى رُئيَ في وجهه، فقام، فحكه بيده، فقال:
“إن أحدكم إذا قام في صلاته؛ فإنه يُنَاجي ربه -أو: إن ربه بينه وبين
٢ ‏/ ٢٤٣
القبلة-؛ فلا يَبْزُقَنَّ أحدُكُم قِبَل قِبْلَتِهِ، ولكنْ عن يساره أو تحت قدميه»، ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم ردَّ بعضه على بعض فقال:
«أو يفعل هكذا».
وأخرجه أحمد (٣/ ١٩٩): ثنا يزيد: ثنا حميد … به.
وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، سيأتي (رقم ٤٩٩).
آخر كتاب الطهارة من «صحيح سنن أبي داود»
٢ ‏/ ٢٤٤

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

١ – كتاب الطهارة -4

٨٩ – باب من قال: يتوضأ الجنب ٢٢١ – عن عائشة: أن النبي ﷺ كان …