١٥١ – عن المغيرة بن شعبة:
أن رسول الله ﷺ كان يمسح على الخفين.
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح البزاز: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال: ذكره أبي عن عروة بن الزبير عن المغيرة بن شعبة.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات؛ غير عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو مختلف فيه، ويظهر لنا من النظر في كلمات من تكلم فيه: أن ذلك من أجل حفظه، فهو من الذين يكتب حديثهم ويحتج به؛ ما لم يخالف أو يشذ؛ فهو حسن الحديث. وقد ترجمه الذهبي في «الميزان» ترجمة واسعة، ثمّ قال
«قلت: قد مشَّاه جماعة وعدَّلوه، وكان من الحفاظ المكثرين؛ ولا سيما عن أبيه وهشام بن عروة، حتى قال يحيي بن معين: هو أثبت الناس في هشام، وذكر محمد بن سعد أنه كان مفتيًا، وقد روى أرباب»السنن الأربعة«. له، وهو إن شاء الله تعالى حسن الحال، وقد صحح له الترمذي». وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا».
والحديث أخرجه البخاري في «التاريخ الأوسط» بهذا الإسناد عن هذا الشيخ -كما في «التلخيص» (٢/ ٣٩١) -، ولفظه:
رأيت رسول الله ﷺ يمسح على خفيه ظاهرهما. قال:
«وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة».
قلت: يشير إلى حديث آخر للمغيرة، رواه المصنف أيضًا بلفظ:
فمسح أعلى الخفين وأسفله!
وهو معلول، ولذلك أودعناه في الكتاب الآخر (رقم ٢٣).
وأخرجه الترمذي -عن علي بن حجْرٍ-، والدارقطني (٧١) -عن سليمان بن داود الهاشمي-، وأحمد (٤/ ٢٥٤) -عن إبراهيم بن أبي العباس-؛ ثلاثتهم عن ابن أبي الزناد … به، وكلهم قالوا:
على ظهر الخفين؛ إلا علي بن حجر فقال:
على ظاهرهما. وقال الترمذي:
“حديث حسن، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عروة
قلت: لكن الأحاديث الأخرى التي وردت في مسح الخفين؛ كلها أو جُلُّها تقول:
مسح على الخفين، وهي نصوص ظاهرة في معنى اللفظ الذي رواه ابن أبي الزناد، بل هو نص في ذلك؛ لأنه لا يحتمل -ولو احتمالًا بعيدًا- المسح أسفله، فهي شواهد صحيحه لهذا الحديث؛ فهو على هذا صحيح. فتأمل!
ثم الحديث؛ أخرجه الطيالسي (رقم ١٩٢): ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن المغيرة عن المغيرة بن شعبة:
أنّ النّبيّ ﷺ مسح على ظاهر خفيه.
فخالف الجماعة؛ حيث قال: عروة بن المغيرة. قال البيهقي (١/ ٢٩١) -بعد أن رواه من طريق الطيالسي-:
«كذا رواه أبو داود الطيالسي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد. وكذلك رواه إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد. ورواه سليمان بن داود الهاشمي ومحمد ابن الصباح وعلي بن حجر عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة». قال الشيخ أحمد محمد شاكر:
«فإن كانت الروايتان محفوظتين؛ وإلا كانت إحداهما وهمًا والأخرى صوابًا، ولا ضرر في ذلك؛ لأنه تردد بين راويين ثقتين: عروة بن الزبير، وعروة بن المغيرة».
قلت: والرواية الأولى أرجح؛ لاتفاق الأكثر عليها. والله أعلم.
وللحديث طريق أخرى: عند البيهقي عن الحسن عن المغيرة.
١٥٢ – وفي رواية: على ظهر الخُفَّين (١).
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقال الترمذي: «حديث حسن»).
١٥٣ – عن علي رضي الله عنه قال:
لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله ﷺ يمسح على ظاهر خفيه.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا حفص بن غِيَاث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد خير عن علي.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد خير؛ وهو ثقة، وقد مر.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف.
وكذلك رواه ابن حزم (٢/ ١١١).
ثمّ أخرجه البيهقي، والدارقطني (٧٣) من طرق أخرى عن حفص … به.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٩٢) -بعد أن عزاه للمصنف-:
«وإسناده صحيح». وقال في «البلوغ»:
«إسناده حسن»!
١٥٤ – وفي رواية: قال:
ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحقَّ بالغَسْل؛ حتى رأيت رسول الله ﷺ يمسح على ظهر خفيه.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن رافع: ثنا يحيى بن آدم قال: ثنا يزيد بن عبد العزيز عن الأعمش … بإسناده قال.
وهذا إسناد صحيح كالسابق.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف … بهذا السند والمتن.
١٥٥ – وفي لفظ: قال:
لو كان الدين بالرأي؛ لكان باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، وقد مسح النّبي ﷺ على ظهر خفيه.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: هو إسناد الرواية الأولى (رقم ١٥٣)؛ وهو ثابت في «مختصر المنذري» (رقم ١٥٤)، وليس هو في نسخة «عون المعبود».
١٥٦ – وفي رواية: قال:
كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله ﷺ يمسح ظاهرهما.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: علقه المصنف بقوله: «ورواه وكيع عن الأعمش بإسناده».
وهو في «المسند» (١/ ٩٥ / رقم ٧٣٧) موصولًا: ثنا وكيع … به.
ووصله ابنه عبد الله فقال (رقم ١٠١٣): ثنا إسحاق بن إسماعيل وأبو خيثمة قالا: حدثنا وكيع … به؛ وليس عندهما قول وكيع في آخره: يعني: الخفين.
وقد تابعه إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق … به؛ ولفظه:
حتى رأيت رسول الله ﷺ توضأ ومسح على ظهر قدميه على خفيه … والباقي مثله سواءً.
أخرجه البيهقي.
وتابعه يونس؛ ولفظه:
رأيت عليًّا توضأ ومسح على النعلين، ثمّ قال: لولا أني رأيت رسول الله ﷺ فعل كما رأيتموني فعلت؛ لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما.
أخرجه أحمد (رقم ١٢٦٣)، والدارمي (١/ ١٨١): حدثنا -وقال الدارمي: أخبرنا- أبو نعيم: حدثنا يونس عن أبي إسحاق … به.
وهذا إسناد صحيح.
ولم ينفرد أبو إسحاق بذكر المسح على النعلين: عن علي مرفوعًا، بل تابعه السُّدِّيُّ:
أنه دعا بكوز من ماء، ثمّ قال: أين هؤلاء الذين يزعمون أنهم يكرهون الشرب قائمًا؟ قال: فأخذه فشرب وهو قائم، ثم توضأ وضوءا خفيفًا، ومسح على نعليه، ثمّ قال: هكذا وضوء رسول الله ﷺ للطاهر؛ ما لم يُحْدِثْ.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات.
وابن الأشجعي يعرف بكنيته: أبو عبيدة بن عبيد الله بن عبيد الرحمن.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» عن سفيان -كما في «نصب الراية» (١/ ١٨٩) -.
ورواه شريك عن السدي … نحوه؛ وفيه: ثمّ قال:
لولا أني رأيت رسول الله ﷺ مسح على ظهر قدميه؛ رأيت أن بطونهما أحق … الحديث: أخرجه أحمد أيضًا (رقم ٩٤٣).
(فائدة): واعلم أن بعض العلماء فهموا من قوله في هذه الرواية: للطاهر ما لم يحدث؛ أي: حدثًا أصغر، وبناءً على ذلك قالوا: (إنما يجوز المسح على النعلين لمن كان على وضوء، ثم أراد تجديده)! !
وليس يظهر لنا هذا المعنى؛ بل المراد ما لم يحدث حدثًا أكبر؛ أي: ما لم يُجْنِب؛ فهو بمعنى حديث صفوان بن عسال بلفظ:
«إلا من جنابة، ولكن من غائط أو بول أو نوم».
وقد سبق ذكره عند الحديث (رقم ١٤٥). والدليل على ما ذهبنا إليه أمور:
الأول: أن راوي الحديث نفسه -أعني: عليًّا رضي الله عنه قد مسح على
فروى الطحاوي (١/ ٥٨) من طريقين عن شعبة عن سلمة بن كُهَيْل عن أبي ظَبْيَانَ:
أنه رأى عليًّا بال قائمًا، ثمّ دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد، فخلع نعليه ثمّ صلّى.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأبو ظبيان هذا: هو حصين بن جندب.
وأخرجه البيهقي (١/ ٢٨٧) من طريق سفيان عن سلمة بن كهيل … به نحوه؛ وفيه: أنه صلّى الظهر.
ثمّ أخرجه البيهقي من طريق الأعمش عن أبي ظبيان قال:
رأيت علي بن أبي طالب بالرَّحْبَة بال قائمًا، حتى أرغى، فأتي بكوز من ماء، فغسل يديه، واستنشق وتمضمض، وغسل وجهه، وذراعيه، ومسح برأسه، ثمّ أخذ كفًّا من ماء فوضعه على رأسه، حتى رأيت الماء ينحدر على لحيته، ثمّ مسح على نعليه، ثمّ أقيمت الصلاة، فخلع نعليه؛ ثمّ تقدّم فأم الناس.
قال ابن نمير: قال الأعمش: فحدثت إبراهيم، قال: إذا رأيت أبا ظبيان فأخبرني، فرأيت أبا ظبيان قائمًا في الكناسة، فقلت: هذا أبو طبيان، فأتاه فسأله عن الحديث.
وإسناده صحيح أيضًا.
وقال عبد الحق الإشبيلي في «الأحكام الكبرى» (ق ١٨/ ١):
قلت: وسكت عبد الحق عليه؛ مشيرًا لصحة الإسناد، كما نص عليه في مقدمة الكتاب.
الثاني: أنه ثبت السح على النعلين مرفوعًا في غير ما حديث؛ كما صح المسح على الخفين، فهما في الحكم سواءٌ؛ والتفريق بينهما بدون دليل لا يجوز.
الثالث: أننا لا نعلم وضوءًا تصح به النافلة دون الفريضة؛ فتأمل!
١٥٧ – ورواه عيسى بن يونس عن الأعمش كما رواه وكيع.
(قلت: لم أقف عليه موصولًا).
إسناده: لم أقف عليه موصولًا.
١٥٨ – ورواه أبو السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال:
رأيت عليًّا توضأ؛ فغسل ظاهر قدميه، وقال:
لولا أني رأيت رسول الله ﷺ يفعله … وساق الحديث.
(قلت: وبقية الحديث: لظننت أن بطونهما أحق بالغسل. وسنده صحيح).
إسناده: ذكره كما ترى معلقًا، وهو في بعض روايات الكتاب موصول، ففي
«واعلم أن هذا الحديث هكذا معلقًا في رواية اللؤلؤي. وأما في رواية أبي بكر ابن داسة؛ فموصول. وهذه عبارته: حدثنا حامد بن يحيى: نا سفيان عن أبي السوداء عن ابن عبد خير عن أبيه قال: رأيت عليًّا توضأ … الحديث».
قلت: ووصله عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (رقم ٩١٨ و١٠١٤) قال: ثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان … به؛ وتتمة الحديث منه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وأبو السوداء: اسمه عمرو بن عمران النَّهدي الكوفي.
وابن عبد خير: اسمه المسيب.
٦٤ – باب الانتضاح
١٥٩ – عن سفيان -هو الثوري- عن منصور عن مجاهد عن سفيان بن الحكم الثقفي -أو الحكم بن سفيان- قال:
كان رسول الله ﷺ إذا بال؛ يتوضأ ينتضح.
قال أبو داود: «وافق سفيانَ جماعةٌ على هذا الإسناد. وقال بعضهم: الحكم -أو ابن الحكم-».
(قلت: إسناده ضعيف؛ لاضطرابه الشديد؛ وقد ذكر المصنف رحمه الله شيئًا منه. لكن الحديث صحيح لشواهده).
إسناده: ثنا محمد بن كثير: ثنا سفيان -هو الثوري-.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٦١) من طريق أحمد بن سيار: ثنا محمد بن كثير … به.
ومن هذا الوجه: أخرجه الحاكم أيضًا (١/ ١٧١)، وقال:
«صحيح على شرطهما؛ وإنما تركاه للشك فيه؛ وليس ذلك مما يوهنه؛ وقد رواه جماعة عن منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان».
وأخرجه النسائي (١/ ٣٣)، وأحمد (٣/ ٤١٠ و٤/ ٢١٢ و٥/ ٤٠٨ و٤٠٩) من طرق أخرى عن سفيان … به. قال البيهقي:
«وكذا رواه معمر وزائدة عن منصور».
قلت: ومن طريق زائدة: أخرجه أحمد أيضًا؛ وهو في الكتاب (رقم ١٦١)؛ لكن زاد فيه: عن أبيه.
ثمّ روى بإسناده الصحيح عن شريك قال: سألت أهل الحكم بن سفيان؟ فذكروا أنه لم يدرك النّبيّ ﷺ.
قلت: فعلى هذا؛ فهو مرسل.
وصحح إبراهيم الحربي وأبو زرعة وغيرهما: أن للحكم بن سفيان صحبة! فالله أعلم.
وقد اضطربوا في هذا الحديث اضطرابًا كثيرًا على نحو عشرة وجوه؛ لخصها الحافظ في «تهذيب التهذيب»، وذكر المصنف بعضها كما يأتي، ويتبين من ذلك
(فقال أبو زرعة: الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان؛ وله صحبة. وسمعت أبي يقول: الصحيح: مجاهد عن الحكم بن سفيان عن أبيه؛ ولأبيه صحبة»!
وكذا قال الترمذي في «العلل» عن البخاري، والذهلي عن ابن المديني: مثل قول أبي حاتم.
وبالجملة: فهذا الاضطراب يستلزم ضعف الإسناد.
لكن الحديث صحيح باعتبار ما له من الشواهد:
فمنها: عن ابن عباس:
أنّ النّبيّ ﷺ توضأ مرة مرة، ونضح فرجه.
أخرجه الدارمي (١/ ١٨٠): أخبرنا قبيصة: أبَنا سفيان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البيهقي (١/ ١٦٢) من طريق العباس الدوري: ثنا قبيصة … به. وقال:
«قوله: ونضح … تفرد به قبيصة عن سفيان. رواه جماعة عن سفيان دون هذه الزيادة».
قلت: كذلك رواه البخاري وغيره بدون الزيادة، وقد مضى في الكتاب (رقم ١٢٧)، ولكنها زيادة من ثقة غير منافية لرواية الجماعة؛ فيجب قبولها.
ومنها عن زيد بن حارثة قال: قال رسول الله ﷺ:
أخرجه ابن ماجة والدارقطني (٤١)، والبيهقي، وأحمد (٤/ ١٦١).
وهو حديث حسن؛ فقد تابع ابنَ لهيعة على متنه: رشدين بن سعد؛ دون الأمر: عند الدارقطني، كما سنبينه في «صحيح ابن ماجة» إن شاء الله، وانظر «الضعيفة» (١٣١٢).
١٦٠ – عن سفيان عن ابن أبي نَجِيحٍ عن مجاهد عن رجل من ثَقيف عن أبيه قال:
رأيت رسول الله ﷺ بال، ثمّ نضح فرجه.
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان.
وهذا وجه آخر من الاضظراب، وهو مثل الآتي بعده؛ إلا أن فيه التصريح باسم شيخ مجاهد فيه على الشك.
وأخرجه أحمد (٤/ ٦٩)، والحاكم، والبيهقي عن سفيان … هكذا.
١٦١ – عن زائدة عن منصور عن مجاهد عن الحكم -أو ابن الحكم- عن أبيه:
أن رسول الله ﷺ بال، ثمّ توضأ ونضح فرجه.
إسناده: حدثنا نصر بن المهاجر: ثنا معاوية بن عمرو: ثنا زائدة.
ونصر بن المهاجر ثقة حافظ.
ولم أجد رواية زائدة على هذا الوجه عند غير المصنف؛ وهي في المسند أحمد» (٥/ ٤٠٨) مقرونة مع رواية سفيان الثوري المذكورة في أول الباب (رقم ١٥٩)؛ وليس فيها: عن أبيه.
وكذلك علقها البيهقي، كما سبق ذكره هناك؛ فلعل منصورًا رواه مرة هكذا ومرة هكذا!
ورواه شعبة عن منصور فقال: عن مجاهد عن الحكم -أو أبي الحكم- رجل من ثقيف -عن أبيه:
أخرجه الطيالسي (رقم ١٢٦٨) وعنه البيهقي.
وأخرجه النسائي عن خالد بن الحارث عن شعبة … به؛ لكنه لم يقل: أو أبي الحكم.
ثم رواه البيهقي عن حفص بن عمر: ثنا شعبة … به مثل رواية الطيالسي؛ ثم قال:
«وكذلك رواه وهيب عن منصور».
قلت: وكذلك رواه جرير عن منصور: أخرجه أحمد (٣/ ٤١٠، ٤/ ٤١٢).
٦٥ – باب ما يقول الرجل إذا توضأ
١٦٢ – عن عقبة بن عامر قال:
كنا مع رسول الله ﷺ، خُدَّامَ أنفسنا؛ نتناوب الرعاية -رعاية إبلنا-؛ فكانت عليَّ رعاية الإبل، فروَحتها بالعَشِيِّ، فأدركت رسول الله ﷺ
«ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يقوم فيركع ركعتين، يقبل عليهما بقلبه ووجهه؛ إلا قد أوجب».
فقلت: بَخٍ بَخٍ! ما أجود هذه! فقال رجل بين يدي: التي قبلها يا عقبة! أجود منها. فنظرت فإذا هو عمر بن الخطاب. قلت: ما هي يا أبا حفص؟ ! قال: إنه قال آنفًا قبل أن تجيء:
«ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء، ثمّ يقول حين يَفْرُغُ من وضوئه: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و[أشهد] (١) ان محمدًا عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وابن حبان وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا أحمد بن سعيد الهَمْداني: ثنا ابن وهب: سمعت معاوية -يعني: ابن صالح- يحدث عن أبي عثمان عن جبيرِ بن نُفَيْرٍ عن عقبة بن عامر.
ثم قال المصنف عقب الحديث: قال معاوية: وحدثني ربيعةُ بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة بن عامر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أحمد بن سعيد الهمداني -وهو ابن بشر أبو جعفر المصري-؛ وهو ثقة.
قال أبو بكر بن منجويه: يشبه أن يكون سعيد بن هانئ الخولاني المصري.
وقال ابن حبان: يشبه أن يكون حريز بن عثمان الرَّحَبِيّ.
قلت: وكلاهما ثقة؛ فالتردد بينهما لا يضر.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٢٥): حدثنا بحر بن نصر قال: ثنا ابن وهب … به؛ وزاد في آخره:
قال معاوية -وهو ابن صالح-: وحدثني عبد الوهاب بن بُخْتٍ عن ليث بن سليم [وفي الأصل: ابن أبي سليم]! والظاهر أنه خطأ مطبعي -عن عقبة بن عامر.
فللحديث عن عقبه ثلاثة أسانيد؛ يرويها جميعًا معاوية بن صالح برواية ابن وهب عنه.
وقد تابعه عن معاوية: ليث -وهو ابن سعد-:
أخرجه أحمد (٤/ ١٤٥ – ١٤٦): ثنا أبو العلاء الحسن بن سَوَّار قال: ثنا ليث عن معاوية .. به.
وتابعه أيضًا عبد الله بن صالح الجهني قال: حدثني معاوية بن صالح الحمصي … به:
أخرجه البيهقي (١/ ٧٨)؛ ووقع ليث بن سليم منسوبًا عندهما فقالا: (الجهني).
وليث بن سليم الجهني مجهول؛ كما في «التعجيل».
وتابعهم عن معاوية -بإسناديه المذكورين عند المصنف-: عبد الرحمن بن
وتابعه زيد بن الحباب أيضًا: عند مسلم، وأبي عوانة (١/ ٢٢٤ – ٢٢٥)، والبيهقي؛ واقتصرا على القول بعد الوضوء.
وروى منه النسائي (١/ ٣٦) صلاة الركعتين بعده.
وقد كان زيد بن الحباب يضطرب في إسناده أحيانًا؛ فقد روى منه القول بعد الوضوء: النسائي (١/ ٢٥) -من طريق محمد بن علي بن حرب المروزي-، والبيهقي (١/ ٧٨) -من طريق العباس بن محمد الدوري- قالا: ثنا زيد بن الحباب قال: ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة -وقال الدوري: حدثني ربيعة- بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبه بن عامر … وليس عند الدوري: عن أبي إدريس الخولاني؛ إنما عنده عن أبي عثمان وحده.
فهذا منقطع؛ أخطأ فيه زيد؛ حيث جعله من رواية أبي عثمان عن عقبة! والصواب أن بينهما جبير بن نفير؛ كما في روايته الأخرى الموافقة لرواية الجماعة.
فهذا وجه من الاضطراب عنه.
ووجه ثان معاكس لهذا؛ فقد أخرج المصنف فيما يأتي (رقم ٨٤١) قطعة منه من طريق عثمان بن أبي شيبة: ثنا زيد بن الحباب: ثنا معاوية بن صالح عن ربيعة ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن جبير بن نفير الحضرمي عن عقبة بن عامر الجهني.
وهذا خلاف الذي قبله؛ فقد أدخل بين أبي إدريس وعقبة: جبير بن نفير!
والصواب حذفه؛ فإنما رواه أبو إدريس عن عقبة بدون واسطة؛ كما في رواية الجماعة والرواية الصحيحة عن زيد.
«من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال …» الحديث، وزاد في آخره:
«اللهم! اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين».
فهذا مثل رواية النسائي المضطربة؛ لكنه أشد اضطرابًا منها؛ حيث جعل عمر ابن الخطاب مكان عقبة بن عامر.
فالصواب أنه من رواية ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس، ومن رواية أبي عثمان عن جبير؛ كلاهما عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب؛ كما في رواية الجماعة.
ثم قال الترمذي:
«وهذا حديث في إسناده اضطراب، ولا يصح عن النبي ﷺ في هذا الباب كبير شيء»!
كذا قال وهو بعيد عن الصواب؛ فقد تبين لك مما حررنا آنفًا أن الاضطراب إنما هو في رواية زيد بن الحباب وحده، وأن رواية الجماعة -عند مسلم وأبي عوانة والمصنف وغيرهم- سالمة منه؛ فلا يجوز تضعيف الحديث لمجرد اضطراب راوٍ واحد فيه، قد وافق الجماعة المتابعين له على الصواب. ولذلك قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٥٤) -متعقبًا كلام الترمذي المذكور-:
«لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض؛ والزيادة التي عنده؛ رواها البزار، والطبراني في»الأوسط«من طريق ثوبان ولفظه:»من دعا بوَضوء فتوضأ، فساعة
قلت: حديث ثوبان هذا؛ سكت عليه الحافظ! وقد أورده الهيثمي في»المجمع«(١/ ٢٣٩) بهذا اللفط؛ ثمّ قال:
»رواه الطبراني في «الأوسط»، و«للكبير» باختصار، وقال في «الأوسط»: «تفرد به مِسْوَرُ بن مُوَرِّع»؛ ولم أجد من ترجمه. وفيه أحمد بن سهيل الوراق؛ ذكره ابن حبان في «الثقات». وفي إسناد «الكبير» أبو سعيد (١) البقال؛ والأكثر على تضعيفه، ووثقه بعضهم«!
قلت: ورواه ابن السني أيضًا (رقم ٣٠) من طريق أبي سعد الأعور عن أبي سلمة عن ثوبان مرفوعًا.
والأعور: هو البقال؛ وهو ضعيف مدلس، كما في»التقريب«.
ثم ذكر الحافظ أن لفظ رواية البزار عن ثوبان:
»من توضأ فأحسن الوضوء، تمّ رفع طرفه إلى السماء … «الحديث.
قلت: وهذه الزيادة -أعني: رفع الطرف إلى السماء- رويت من طريق أخرى عن عقبة بن عامر أيضًا.
لكن الراوي لها عنه مجهول؛ من أجل ذلك أوردناها في الكتاب الآخر (رقم ٢٤).
والشاهد المذكور لا يقويه؛ لما بينا هناك فليراجعه من شاء.
١٦٣ – عن عمرو بن عامر البَجَلِي -هو أبو أسد بن عمرو- قال:
سألت أنس بن مالك عن الوضوء؟ فقال:
كان النّبيّ ﷺ يتوضأ لكل صلاة، وكنا نصلّي الصلوات بوضوء واحد.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه البخاري في «صحيحه». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا شَرِيكٌ عن عمرو بن عامر البجلي -قال محمد: هو أبو أسد بن عمرو-.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات: غير أن شريكًا -وهو ابن عبد الله القاضي- كان سيئ الحفظ؛ لكنه لم يتفرد به كما يأتي فدل ذلك على أنه قد حفظ؛ فالحديث صحيح.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ١٨٣)، وأحمد (٣/ ١٥٤) عن شريك … به.
وتابعه سفيان الثوري: عند البخاري (١/ ٢٥٢)، والترمذي (١/ ٨٨) -وقال: «حديث حسن صحيح»-، والدارمي (١/ ١٨٣)، وأحمد أيضًا (٣/ ١٢٢ و١٢٣)؛ وزاد في آخره:
ما لم نحدث.
وشعبة: عند النسائي (١/ ٣٢)، والطحاوي (١/ ٢٦)، وأحمد (٣/ ١٩٠ و٢٦٠)؛ وفيه الزيادة.
وهو عند الطيالسي (رقم ٢١١٧)؛ دون قوله: وكنا نصلّي … إلخ.
وللحديث طريق أخرى عند الترمذي (١/ ٨٦). من طريق محمد بن إسحاق عن حميد عن أنس.
قلت: وسنده ضعيف؛ لعنعنة ابن إسحاق، ولأن شيخ الترمذي فيه -محمد ابن حُميد الرازي- ضعيف.
فالاعتماد على الطريق الأولى.
(تنبيه): عمرو بن عامر البجلي أبو أسد بن عمرو؛ أورده المِزي في «التهذيب» تمييزًا بعد ترجمة عمرو بن عامر الأنصاري الذي أشار إلى أنه من رجال الستة! وتبعه على ذلك الحافظ في «التهذيب»، و«التقريب»!
وقد وهما؛ فإنه من رجال المصنف كما ترى، وأشارا بذلك إلى أن البجلي غير الأنصاري، وذكرا في ترجمة هذا الأنصاري أنه روى عن أنس، وعنه جماعة فيهم شريك، ثمّ لم يذكرا في ترجمة البجلي ذلك! بل قال المزي فيها:
«وذكر الآجري عن أبي داود:»الذي يروي عن أنس: هو والد أسد بن عمرو«؛ وكذا قال ابن عساكر في»الأطراف«في الرواة عن أنس:»عمرو بن عامر الأنصاري والد أسد بن عمرو«؛ فكأنه تبع في ذلك أبا داود، وذلك وهم؛ فإن والد أسد بجلي؛ وهو متأخر عن طبقة الأنصاري. والله أعلم»!
لكن الحافظ تعقبه في «تهذيب التهذيب» بقوله:
«قلت: مثل أبي داود لا يرد قوله بلا دليل».
قلت: ويؤيد ما ذهب إليه المصنف رحمه الله: أن شريكًا -في رواية أحمد عنه-
وفي رواية المصنف: عمرو بن عامر البجلي.
فدل على أنهما واحد، ويبعد جدًّا أن يكونا اثنين، يروي شريك عن كل منهما هذا الحديث الواحد! والله أعلم.
١٦٤ – عن سليمان بن بُريدة عن أبيه قال:
صلّى رسول الله ﷺ يوم الفتح خمس صلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه. فقال له عمر: إني رأيتك صنعت شيئًا لم تكن تصنعه؟ قال:
«عمدًا صنعته».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وابن حبان وأبو عوانة في «صحاحهم»، والترمذي، وقال: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد: أخبرنا يحيى عن سفيان: حدثني علقمة بن مَرْثَدٍ عن سليمان بن بريدة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فمن رجال البخاري وحده.
وسليمان بن بريدة؛ فمن رجال مسلم فقط، وقد أخرج حديثه هذا في «صحيحه»، كما يأتي.
والحديث أخرجه مسلم (١/ ١٦٠)، والنسائي عن يحيى بن سعيد … به.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٣٧)، والترمذي (١/ ٨٩) – وقال: «حديث حسن صحيح»-، والطحاوي (١/ ٢٥)، وابن حبان (١٧٠٣
وقد تابعه قيس -وهو ابن الربيع- عن علقمة بن مرثد … به مختصرًا؛ بلفظ: أن رسول الله ﷺ صلّى الصلوات بوضوء واحد.
أخرجه الطيالسي (رقم ٨٠٥).
وقيس بن الربيع ثقة؛ لكنه سيئ الحفظ، وقد اختصر الحديث اختصارًا مخلًا، كما ترى.
ولسفيان فيه إسناد آخر: أخرجه ابن ماجة (١/ ١٨٤) عنه عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة … به.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وأعله الترمذي بالإرسال!
وليس كذلك عندنا؛ كما سنبينه في «صحيح ابن ماجة» إن شاء الله تعالى.
وفي الباب: عن عبد الله بن حنطلة بن أبي عامر، وقد مضى في الكتاب (رقم ٣٨)؛ فراجعه.
٦٧ – باب تفريق الوضوء
١٦٥ – عن أنس بن مالك:
أن رجلًا جاء إلى النّبيّ ﷺ، وقد توضأ وترك على قدمه مثل موضع الظُّفْرِ، فقال له رسول الله ﷺ:
(قلت: إسناده صحيح. ورواه ابن خزيمة في «صحيحه». وسكت عليه الحافظ).
إسناده: حدثنا هارون بن معروف: ثنا اين وهب عن جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دِعَامة قال: ثنا أنس بن مالك.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
ولكن المصنف أشار إلى إعلاله بقوله عقبه:
«وهذا الحديث ليس بمعروف عن جرير، ولم يروه إلا ابن وهب»!
قلت: ابن وهب -وهو عبد الله- ثقة حافظ؛ فلا يضر تفرده به. وكذلك جرير ابن حازم؛ حتى قال الذهبي في ترجمته من «الميزان»:
«هو أحد الأئمة الكبار، ولولا ذكر ابن عدي له لما أوردته».
ثمّ ذكر بعض أقوال الأئمة فيه، وفي بعضها التكلم في روايته عن قتادة خاصة، كقول عبد الله بن أحمد:
«سألت يحيى عن جرير بن حازم؟ فقال: ليس به بأس. فقلت: إنه يحدث عن قتادة عن أنس بمناكير؟ فقال: هو عن قتادة ضعيف». ولذلك قال الذهبي:
«وفي الجملة؛ لجرير عن قتادة أحاديث منكرة». وقال الحافظ:
«هو ثقة؛ لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدَّث من حفظه».
وكذلك صحح الحديث من يأتي ذكره.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ١٤٦) وابنه عبد الله بهذا السند.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٥٣)، والبيهقي (١/ ٨٣) عن المؤلف.
ثمّ أخرجه أبو عوانة وابن ماجة، والدارقطني (٤٠) من طرق عن ابن وهب.
وقال الدارقطني:
«تفرد به جرير بن حازم عن قتادة، وهو ثقة».
ورواه ابن خزيمة أيضًا؛ كما في «التلخيص» (١/ ٤٤١) (*)
١٦٦ – قال أبو داود: «وقد روي عن معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر عن النبي ﷺ … نحوه، قال: ارجع فأحسن وضوءك».
(قلت: وصله مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: أورده هكذا معلقًا، وقد وصله مسلم في «صحيحه» (١/ ١٤٨)، وأبو عوانة (١/ ٢٥٢) من طريق الحسن بن محمد بن أعْيَن قال: ثنا معقل بن عبيد الله … به.
وقد تابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر … به.
أخرجه أبو عوانة، وابن ماجة (١/ ٢٢٧)، وأحمد (١ / رقم ١٣٤ و١٥٣).
وهذا إسناد صحيح؛ لولا ما يخشى من تدليس أبي الزبير؛ فقد عنعنه في الروايتين عنه.
١٦٧ – عن الحسن عن النبي ﷺ … بمعنى قتادة.
(قلت: هو مرسل، وإسناده صحيح بما قبله).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا يونس وحميد عن الحسن عن النبي ﷺ.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم، لكنه مرسل.
لكنه شاهد قوي للموصولين قبله.
والحسن: هو البصري.
١٦٨ – عن بعض أصحاب النبي ﷺ:
أن النبي ﷺ رأى رجلًا يصلي، وفي ظهر قدمه لُمْعَةٌ قَدْرَ الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي ﷺ أن يعيد الوضوء والصلاة.
(قلت: حديث صحيح. وقال الإمام أحمد: «هذا إسناد جيد»، وقوّاه ابن التركماني وابن القيم وابن حجر”.
إسناده: حدثنا حيوة بن شريح: ثنا بقية عن بَحِيرٍ -هو ابن سعد- عن خالد
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أن بقية مدلس وقد عنعنه، لكن قد ورد عنه مصرحًا بالتحديث كما يأتي؛ فالحديث صحيح.
وخالد: هو ابن معدان.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٨٣) من طريق المؤلف وقال:
»وهو مرسل«! وقال الذهبي في»مختصره«:
»ما أراه إلا متصلًا«.
قلت: وهذا هو الحق؛ وقد بينه ابن التركماني بقوله:
»قلت: تسميته هذا مرسلًا ليس بجيد؛ لأن خالدًا هذا أدرك جماعة من الصحابة، وهم عدول؛ فلا يضرهم الجهالة. قال الأثرم: قلت -يعني: لابن حنبل-: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي ﷺ ولم يسمه؛ فالحديث صحيح؟ قال: نعم .. ثم إن في سند الحديث بقية، وهو مدلس، وقد عنعن، والحاكم أورد هذا الحديث في «المستدرك» من طريقه؛ ولفظه: قال: حدثني بحير … فكان الوجه أن يخرجه البيهقي من طريق الحاكم؛ ليسلم الحديث من تهمة بقية.
وأعله المنذري في «مختصره» بأن:
«في إسناده بقية؛ وفيه مقال»! قال ابن القيم رحمه الله في «تهذيبه»:
“هكذا علل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقية له؛ وزاد ابن حزم تعليلًا آخر؛ وهو أن راويه مجهول لا يدرى من هو؟ ! والجواب على هاتين العلتين:
قال الأثرم: قلت لأحمد بن حنبل: هذا إسناد جيد؟ قال: جيد.
وأما العلة الثانية؛ فباطلة أيضًا على أصل ابن حزم وأصل سائر أهل الحديث؛ فإن عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في الحديث؛ لثبوت عدالة جميعهم، وأما أصل ابن حزم؛ فإنه قال في كتابه في أثناء مسألة: كل نساء النبي ﷺ ثقات فواضل عند الله عز وجل مقدسات بيقين.
قلت: والعلة الثانية إنما هي باطلة على أصل ابن حزم بالنسبة إلى الرواية التي نقلها ابن للقيم عن «المسند». وأما بالنسبة للرواية التي أوردها ابن حزم في «المحلى» (٢/ ٧٠ – ٧١) ثم أعلها بما سبق؛ فليست بواردة إلا على أصل سائر الحدثين؛ لأنها كراوية المصنف: عن بعض أصحاب رسول الله ﷺ.
وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٤٢):
«وأعله المنذري بأن فيه بقية، وقال: عن بحير؛ وهو مدلس. لكن في»المسند«، و»المستدرك«تصريح بقية بالتحديث؛ وفيه: (عن بعض أزواج النبي ﷺ:
وأجمل النووي القول في هذا فقال في»شرح المهذب«[١/ ٤٥٥]:
»هو حديث ضعيف الإسناد«. وفي هذا الإطلاق نظر؛ لهذه الطرق».
٦٨ – باب إذا شك في الحدث
١٦٩ – عن سعيد بن المسيب وعَبَّاد بن تميم عن عمه:
شُكِيَ إلى النبي ﷺ الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يُخَيَّلُ إليه؟ فقال:
«لا ينفتلُ حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين البخاري ومسلم. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: ثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعباد بن تميم.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف من رجال مسلم وحده؛ لكنه مقرون مع قتيبة، وهو من رجالهما.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٣٧): أخبرنا قتيبة عن سفيان … به.
ثم أخرجه هو والشيخان في «صحيحيهما»، وابن ماجة والبيهقي من طرق عن سفيان بن عيينة … به.
وكذلك أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٣٨) من طريق الشافعي ومن طريق يونس بن عبد الأعلى: ثنا سفيان … به.
وتابعه محمد بن أبي حفصة قال: ثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وعباد ابن تميم … به مختصرًا بلفظ: أن رسول الله ﷺ قال: «لا وضوء إلا فيما وجدت الريح أو سمعت الصوت».
وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم؛ لكن رواية سفيان أصح؛ لأن ابن أبي حفصة -وإن كان ثقة من رجالهما- فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وهذا المتن الذي رواه إنما هو من حديث أبي هريرة الآتي في بعض الروايات عنه؛ فلعله اشتبه عليه به، أو رواه بالمعنى! والله أعلم.
١٧٠ – عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال:
«إذا كان أحدكم في الصلاة، فوجد حركة في دُبُرِه -أحدث أو لم يحدث- فأشكل عليه؛ فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه».
وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وأخرجه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في «صحيحه» كما يأتي.
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ١٨٣)، وأحمد (٢/ ٤١٤) من طريقين آخرين عن حماد … به.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٦٧)، وكذا مسلم والترمذي والبيهقي من طرق أخرى عن سهيل … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ورواه الطيالسي (رقم ٢٤٢٢): ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح … به مختصرًا بلفظ:
«لا وضوء إلا من صوت أو ريح».
وكذلك رواه الترمذي أيضًا وابن ماجة وأحمد (٢/ ٤١٠ و٤٣٥) من طرق عن شعبة … به.
وله شاهد من حديث السائب بن خَبَّاب: في «المسند» (٣/ ٤٢٦)، وابن ماجة، وسوف نتكلم عليه في «صحيحه» إن شاء الله. ثم قال الترمذي أيضًا:
«هذا حديث حسن صحيح».
وآخر من حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد (٣/ ٩٦)، وأبو يعلى (١٢٤٩)، وابن عدي (٥/ ١٩٩) من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه.
وعلي بن زيد -وهو ابن جدعان- حسن الحديث في الشواهد.
ورواه ابن ماجة (٥١٤) من وجه آخر عن سعيد … به مختصرًا؛ ولكنه معلول.
١٧١ – عن إبراهيم التيمي عن عائشة:
أن النبي ﷺ قبَّلها ولم يتوضأ.
قال أبو داود: «وهو مرسل: إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة».
(قلت: وهو كما قال، لكن الحديث صحيح؛ لأنه جاء موصولًا عنها وهو [التالي]).
إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان عن أبي رَوْقٍ عن إبراهيم التيمي.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي روق هذا -واسمه عطية بن الحارث-، وهو صالح كما قال ابن معين. وقال غيره:
«ليس به بأس».
فالإسناد صحيح لولا ما فيه من الانقطاع الذي صرح به المؤلف في الكتاب.
لكن يقويه أنه جاء موصولًا من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها؛ وهو المذكور بعده، ولذلك صححه السيوطي في آخر «الجامع الكبير».
والحديث رواه النسائي (١/ ٣٩)، والدارقطني (٥١)، والبيهقي (١/ ١٢٦ – ١٢٧)، وعبد الرزاق (١/ ١٣٥ / ٥١١)، وأحمد (٦/ ٢١٠) من طرق أخرى عن سفيان … به. وفي لفظ للدارقطني:
كان رسول الله ﷺ يتوضأ، ثم يقبل بعدما يتوضأ، ثم يصلي ولا يتوضأ.
وأعله هو والبيهقي بما سبق ذكره من الانقطاع؛ وزاد البيهقي:
قلت: كذا نقل البيهقي عن يحيى! وقد نقلنا عنه آنفًا أنه قال فيه:
«صالح»؛ وهو الذي ذكره في «التهذيب»، ولم يَحْكِ عن ابن معين غيره؛ كما أنه لم يذكر عن أحد من الأئمة تضعيفه؛ فلا أدري أفات هذا الذي ذكره البيهقي على المزي ثم الحافظ؟ ! أم أنهما تركاه عمدًا؟ ! أم أن البيهقي وهم في نقله عن يحيى وغيره؟ ! والله أعلم.
والحديث قال المصنف عقبه: «كذا رواه الفريابي وغيره، وهو مرسل …» إلخ.
قلت: والفريابي: هو محمد بن يوسف الضَّبِّيُّ، وهو ثقة من رجال الشيخين، روى عن الثوري ولازمه، ويعني المصنف أنه رواه كغيره عن سفيان منقطعًا.
وقد روي موصولًا، فقد قال الدارقطني:
«وقد روى هذا الحديث: معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة؛ فوصل إسناده». قال ابن التركماني (١/ ١٢٥):
«ومعاوية هذا؛ أخرج له مسلم في»صحيحه«، فزال بذاك انقطاعه».
١٧٢ – عن عروة عن عائشة:
أن النبي ﷺ قبّل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ.
قال عروة: فقلت لها: من هي إلا أنت؟ ! فضحكت.
(قلت: حديث صحيح، وعروة: هو ابن الزبير، وقد صححه ابن التركماني والزيلعي وقال: “وقد مال ابن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث،
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن حبيب عن عروة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ وعروة: هو ابن الزبير، كما جاء منسوبًا في بعض الروايات الصحيحة في هذا الإسناد وغيره، كما يأتي بيانه.
ومع ذلك؛ فإن لهذا الإسناد علةً تمنع من الحكم عليه بالصحة؛ إذا ما تجردنا عن العصبية المذهبية، وحكّمنا فيه القواعد الحديثية المحكمة.
وهذه العلة: هي عنعنة حبيب بن أبي ثابت؛ فإنه موصوف بالتدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، ولذلك قال الحافظ في «التقريب»:
«ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس».
وعلى ذلك أورده في كتابه «طبقات المدلسين» في المرتبة الثالثة، وهي مرتبة مَن أكثر من التدليس فلم يَحْتَجَّ الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم؛ كأبي الزبير المكي. كذا ذكر في المقدمة، ثم قال (ص ١٢):
«حبيب بن أبي ثابت الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلًا حدثني عنك ما باليت إن رويته عنك؛ يعني: وأسقطه من الوسط».
وقد ذهل عن هذا كله بعض المحققين من المعاصرين؛ فقال: إنه «لم يعرف بالتدليس»!
ثم قال المصنف عقب الحديث:
«هكذا رواه زائدة وعبد الحميد الحِمَّاني عن سليمان الأعمش».
قلت: حديث زائدة لم أقف عليه!
وأما عبد الحميد الحِمَّاني -وهو ابن عبد الرحمن أبو يحيى-؛ فأخرج حديثه الدارقطني (ص ٥٠) من طرق شتى عنه قال: نا الأعمش … به ولفظه:
كان رسول الله ﷺ يصبح صائمًا، ثم يتوضأ للصلاة، فَتَلْقَاهُ المرأة من نسائه، فيقبِّلها ثم يصلي. قال عروة: من ترينها غيرك؟ فضحكت.
ورواه من طريق علي بن هاشم وأبي بكر بن عياش عن الأعمش … به دون ذكر الصوم.
ثم أخرجه هو، والترمذي (١/ ١٣٣)، وابن ماجة (١/ ١٨١)، وأحمد (٦/ ٢١٠) من طرق عن وكيع … به؛ إلا أن أحمد وابن ماجة قالا: عروة بن الزبير … فعيَّنا وبيَّنا ما أُبهم في رواية الآخرين؛ وقد ذكرنا آنفًا ما يؤيد -من المعنى- أنه عروة بن الزبير. ولذلك قال الزيلعي (١/ ٧٢):
كذا قال! وفيه ما علمت من التدليس. ثم قال:
«وقد مال أبو عمر بن عبد البر إلى تصحيح هذا الحديث؛ فقال: صححه الكوفيون وثبتوه؛ لرواية الثقات من أئمة الحديث له، وحبيب لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة وأقدم موتًا. وقال في موضع آخر: لا شك أنه أدرك عروة. انتهى»!
قلت: وهذا كلام صحيح قويم؛ لولا أن حبيبًا عرف بالتدليس كما سبق؛ فلا بد من الوقوف على تصريح بالسماع في هذا الحديث لتزول شبهة التدليس؛ لا سيما وأن الترمذي قال عقب الحديث:
«وسمعت محمد بن إسماعيل يضعف هذا الحديث، وقال: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة». وقال ابن أبي حاتم في كتاب «المراسيل» عن أبيه:
«أهل الحديث اتفقوا على ذلك [يعني: على عدم سماعه منه، قال] واتفاقهم على شيء يكون حجة». كذا في «تهذيب التهذيب».
فتصحيح هذا الإسناد لذاته -كما فعل ابن التركماني والزيلعي وغيرهم- ليس بصحيح! ومن العجيب أن هؤلاء ومخالفيهم لم يتعرضوا لهذه العلة -علة التدليس- لا طعنًا ولا دفعًا؛ بل سودوا صحائف كثيرة في إيراد علل أو دفعها؛ الحديث في منجىً منها، وذهلوا جميعًا عن العلة الحقيقية فيه، والمعصوم من عصمه الله!
لكن هذه العلة لا تقدح في صحة الحديث؛ لأن حبيبًا لم يتفرد به، فقد تابعه هشام بن عروه عن أبيه عروة بن الزبير؛ فقال الدارقطني (٥٠): حدثنا أبو بكر النيسابوري: نا حاجب بن سليمان: نا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
وهذا إسناد صحيح: أبو بكر النيسابوري ثقة إمام مشهور.
وحاجب بن سليمان ثقة عند النسائي وابن حبان وغيرهما، ولم يتكلم فيه أحد إلا الدارقطني من أجل هذا الحديث.
وبقية رجاله ثقات مشهورون رجال الستة. قال الدارقطني عقبه: «تفرد به حاجب عن وكيع، ووهم فيه، والصواب عن وكيع بهذا الإسناد: أن النبي ﷺ كان يقبّل وهو صائم. وحاجب لم يكن له كتاب، إنما كان يحدث من حفظه»!
ورد عليه الزيلعي -تبعًا لابن التركماني- بما خلاصته: أن حاجبًا ثقة، وتوهيمه بمجرد مخالفته للأكثرين لا يجوز؛ لأنه جاء بزيادة غير منافية لروايتهم.
قلت: ويؤيد ذلك: أن الحماني روى الحديث عن الأعمش، وجمع فيه بين التقبيل وهو صائم، وبين الصلاة بعد ذلك كما سبق. فالظاهر أن هذا هو أصل الحديث، فروى بعضهم منه التقبيل وهو صائم، وبعضهم ترك الوضوء من التقبيل؛ وكل ثقة، فما رواه هذا لا يعارض رواية ذاك وبالعكس.
ومما يدفع دعوى الدارقطني هذه: أن حاجبًا لم يتفرد به؛ بل تابعه أبو أويس: حدثني هشام بن عروة … به.
أخرجه الدارقطني أيضًا: حدثنا الحسين بن إسماعيل: نا علي بن عبد العزيز الوَرَّاق: نا عاصم بن علي: نا أبو أويس … به، ولفظه:
أنها بلغها قول ابن عمر: (في القبلة الوضوء). فقالت:
كان رسول الله ﷺ يُقَبِّل وهو صائم ثم لا يتوضأ.
وهذا يؤيد ما ذكرت آنفًا أن أصل الحديث: الجمع بين القضيتين.
وبقية رجاله ثقات؛ ولم يستطع الدارقطني أن يتكلم عليه بشيء غير قوله:
«ولا أعلم حدث به عن عاصم بن علي هكذا غير علي بن عبد العزيز»!
قلت: وهذا لا شيء؛ فإن علي بن عبد العزيز: هو البغوي، وهو إمام مشهور، والدارقطني نفسه يروي عنه كثيرًا، وقد قال فيه:
«ثقة مأمون».
فمثله لا يتوقف في قبول ما تفرد به؛ بل ينظر فيما يخالفه فيه غيره من الثقات، فلعله يكون أحفط منهم وأرجح رواية، كما قال بعض المحققين.
وأما عاصم بن علي؛ فيكفي فيه أنه من شيوخ البخاري في «صحيحه».
وقد تابعه آخرون عن هشام بن عروة عن أبيه: عند الدارقطني وغيره؛ وفيما ذكرنا كفاية لمن أنصف.
وقد جاء الحديث عن عائشة بإسناد آخر صحيح؛ فقال ابن التركماني -وتبعه الزيلعي-:
«قال أبو بكر البزار في»مسنده”: حدثنا إسماعيل بن يعقوب بن صَبِيح: حدثنا محمد بن موسى بن أَعْيَنَ: حدثنا أبي عن عبد الكريم الجَزرِيِّ [عن عطاء] عن عائشة:
أنه عليه الصلاة والسلام كان يقبِّل بعض نسائه ولا يتوضأ.
وأخرج الدارقطني هذا الحديث من وجه آخر عن عبد الكريم. وقال عبد الحق بعد ذكره لهذا الحديث من جهة البزار: لا أعلم له علة توجب تركه، ولا أعلم فيه مع ما تقدم أكثر من قول ابن معين: حديث عبد الكريم عن عطاء حديث رديءٌ؛ لأنه غير محفوظ. وانفراد الثقة بالحديث لا يضره».
وقال الحافظ ابن حجر في «الدراية» (ص ٢٠):
«رجاله ثقات».
وإسناده عند الدارقطني (٥٠) هكذا: حدثنا عثمان بن أحمد الدَّقَّاق: نا محمد بن غالب: نا الوليد بن صالح: نا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم الجزري … به.
وهذا إسناد صحيح.
وأما الدارقطني؛ فقد أعله -على طريقته في إعلال كل إسناد لهذا الحديث، ولو بدون حجة ناهضة- فقد قال:
«يقال: إن الوليد بن صالح وهم في قوله: عن عبد الكريم؛ وإنما هو حديث غالب»!
يريد ما ساقه قبل هذا بإسناده إلى جَنْدَل بن وَالِق: نا عبيد الله بن عمرو عن غالب عن عطاء عن عائشة … به. قال:
أقول: إن عجبي من الدارقطني لا يكاد ينتهي؛ فكيف يجوّز رد رواية الثقة أو تخطئته بمجرد قوله: «يقال: إن الوليد بن صالح وهم»؟ ! ليس هذا من الممكن أن يقال في كل حديث مهما كان شأن رجاله في الثقة والعدالة؟ !
فإن الوليد هذا متفق على توثيقه، واحتج به الشيخان، ولم يتكلم فيه أحد بضعف في روايته.
ثم إن الأغرب من ذلك: أنه يخطئه بمخالفة من هو دونه في الثقة والحفظ بدرجات؛ وأعني به، جندل بن والق، الذي جعل (غالب بن عبيد الله المتروك) مكان (عبد الكريم الجزري)! وإليك ترجمته من «تهذيب التهذيب»:
«ذكره ابن حبان في»الثقات«. وقال مسلم: متروك. وقال البزار: ليس بالقوي».
فكيف يجوز ترجيح رواية من هذا شأنه على رواية الثقة اتفاقًا؟ ! يضاف إلى ذلك أنه لم ينفرد بهذا الإسناد؛ بل تابعه محمد بن موسى بن أعين عن أبيه عن عبد الكريم؛ كما سبق في رواية البزار.
وبالجملة؛ فهذا الحديث صحيح لا شك فيه؛ ولو لم يكن له من الأسانيد إلا هذا لكفى حجة؛ فكيف وله طرق أخرى كما سبق؟ ! وله طرق أخرى وشواهد؛ فراجعها في «نصب الراية».
١٧٣ – عن عبد الرحمن بن مَغْراء: ثنا الأعمش: أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة … بهذا الحديث.
(قلت: هذا إسناد ضعيف؛ أصحاب الأعمش مجهولون، والراوي عنه ابن
إسناده: حدثنا إبراهيم بن مَخْلَدٍ الطَّالْقَاني: ثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء-.
وهذا إسناد ضعيف؛ لأمرين:
الأول: جهالة أصحاب الأعمش.
والآخر: أن ابن مغراء -بفتح الميم وإسكان المعجمة- ضعيف في روايته عن الأعمش خاصة، وهو في غيره صدوق. قال ابن المديني:
«ليس بشيء، كان يروي عن الأعمش ستمائة حديث، تركناه، لم يكن بذاك». قال ابن عدي:
«وهو كما قال علي؛ إنما أنكرت على أبي زهير هذا أحاديث يرويها عن الأعمش، لا يتابعه عليها الثقات، وله عن غير الأعمش، وهو من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم». وقال الحافظ:
«صدوق تُكُلِّمَ في حديثه عن الأعمش».
قلت: وقد خالفه كل الثقات الذين رووا هذا الحديث عن الأعمش؛ فلم يقل أحد منهم في عروة: إنه «المزني» بل بعضهم أطلق فقال: «عروة»، وبعضهم نسبه فقال: «عروة بن الزبير»؛ كما في رواية أحمد وابن ماجة؛ وهو الصحيح كما سبق بيانه.
فالتمسك بهذه الرواية الضعيفة في تأييد أن راوي الحديث عن عائشة هو عروة
وقد أشار المصنف رحمه الله إلى أن هذه الرواية مرجوحة، حيث قال عقبها:
«قال: يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب، وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى: احك عني أنهما شبه لا شيء»! !
قلت: وهذا من هذا الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، والظاهر أنه لم يقف على الأسانيد الأخرى للحديث! ثم قال المصنف:
«وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني؛ يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء»!
قلت: وهذا لا حجة فيه؛ لأن المصنف لم يسنده؛ بل أشار إلى أنه لم يرضه، حيث قال عقيبه:
«وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثًا صحيحًا».
فهذا يدل على أن عروة في هذا الإسناد: هو عروة بن الزبير، كما سبق في رواية أحمد. وتصحيح المؤلف لهذا الحديث يدل على أنه يرى صحة رواية حبيب عن عروة! وفيه ما سبق من التدليس. وهو -على كل حال- يدل على أن الحديث لابن الزبير.
ويؤيد ذلك قوله:
(قلت: يشير إلى ما أخرجه الترمذي في «الدعوات» من هذا الوجه عنها).
قال العلماء: يشير إلى حديث أخرجه الترمذي في «الدعوات» (٢/ ٢٦١ – طبع بولاق) قال: حدثنا أبو كُرَيْب: حدثنا معاوية بن هشام عن حمزة الزيات … به قالت: كان رسول الله ﷺ يقول:
«اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين».
وقال الترمذي:
«هذا حديث غريب -وفي بعض النسخ: حسن غريب-»قال:
«سمعت محمدًا يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا»!
٧٠ – باب الوضوء من مَسِّ الذَّكرِ
١٧٥ – عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول:
دخلت على مروان بن الحكم، فذكرنا ما يكون منه الوضوء. فقال مروان: ومِنْ مَسِّ الذكر. فقال عروة: ما علمت ذلك! فقال مروان: أخبرتني بُسْرَةُ بنت صفوان أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«من مَسَّ ذكره فليتوضأ».
إسناده: حدثنا عبد الله بن مَسْلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر.
وهنا إسناد صحيح على شرط البخاري، فقد أخرج في «صحيحه» لمروان بن الحكم، وانتقد ذلك عليه، فأورده الذهبي في «الميزان» فقال:
«وله أعمال موبقة، نسأل الله السلامة، ورمى طلحة بسهم، وفعل وفعل». وقال الحافظ في «تهذيب التهذيب»:
«وعاب الإسماعيلي على البخاري تخريج حديثه، وعد من موبقاته: أنه رمى طلحة أحد العشرة يوم الجمل، وهما جميعًا مع عائشة، فقتله، ثم وثب على الخلافة بالسيف، واعتذرت عنه في مقدمة»شرح البخاري«. وقول عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث؛ هو في رواية ذكرها البخاري في قصة نقلها عن مروان عن عثمان في فضل الزبير».
قلت: ولم يوثقه الحافظ في «التقريب» ولا جرحه؛ بل قال:
«لا تثبت له صحبة».
وكيفما كان حال مروان في الرواية؛ فإن حديثه هذا صحيح؛ لأن عروة قد سمعه بعد ذلك من بُسْرة مشافهة كما يأتي؛ فالحديث -من طريقه صحيح لا شك فيه.
ويأتي قريبًا كلام ابن حزم في مروان.
وقد تابعه الزهري قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم … به؛ وزاد في آخره:
قال عروة: فلم أزل أماري مروان، حتى دعا رجلًا من حرسه، فأرسله إلى بسرة، فسألها عمّا حدثت مروان؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروان.
أخرجه النسائي، وأحمد (٦/ ٤٠٧).
ثم أخرجه من طريق سفيان -وهو ابن عيينة- عن عبد الله بن أبي بكر … نحوه.
ومن طريق إسماعيل بن علي قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن حزم … به نحو رواية مالك؛ دون الزيادة.
وفي هذه الزيادة ما يفيد أن عروة لم يَكْتَفِ برواية مروان للحديث، حتى دفعه إلى أن يرسل رسولًا، فجاء عن بسرة موافقًا لما حدثه مروان عنها، وكأن ذلك لم يقنعه أيضًا تمامَ الإقناع؛ حيث ذهب بنفسه إلى بسرة، فحدثته بذلك.
روى هذا ابنه هشام؛ فقال أحمد (٦/ ٤٠٧): ثنا يحيى بن سعيد عن هشام قال: ثنا أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته أن رسول الله ﷺ قال: «من مس ذكره؛ فلا يُصَلِّ حتى يتوضأ».
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ متصل بسماع هشام من أبيه، وسماع أبيه
وفيه رد على من زعم انقظاعه بين هشام وأبيه من جهة، وبين عروة وبسرة من جهة أخرى.
وأخرجه الترمذي من طريق يحيي بن سعيد القطان … به. وقال: «حديث حسن صحيح». ثم قال:
«قال محمد: وأصح شيء في هذا الباب حديث بسرة».
وأخرجه الدارقطني (ص ٥٣)، والحاكم (١/ ١٣٧)، ومن طريقه البيهقي (١/ ١٢٩) من طريق شعيب بن إسحاق: حدثني هشام بن عروة … به؛ وزاد في آخره:
قال عروة: فسألت بسرة؟ فصدقته بما قال. وقال الدارقطني:
«هذا صحيح، تابعه ربيعة بن عثمان والمنذر بن عبد الله الحِزَامي وعنبسة بن عبد الواحد وحميد بن الأسود؛ فرووه هكذا عن أبيه عن مروان عن بسرة، قال عروة: فسألت بسرة بعد ذلك؟ فصدقته».
قلت: وقد أخرج هذه المتابعاتِ كلها: الحاكمُ؛ وصححه على شرط الشيخين.
ففي رواية هؤلاء عن هشام التصريح بذهاب عروة بنفسه إلى بسرة، وسؤاله إياها عن الحديث، وتصديقها لما روى مروان عنها، فبرئت عهدته منه. ولذلك قال ابن حبان في «صحيحه» (٢/ ٢٢٠ – الإحسان):
“ومعاذ الله أن نحتج بمروان بن الحكم في شيء من كتبنا، ولكن عروة لم يقنع بسماعه من مروان حتى بعث مروان شرطيًّا له إلى بسرة فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم بما قالت بسرة، ثم لم يقنعه ذلك، حتى ذهب عروة إلى بسرة فسمع منها؛ فالخبر
والحديث أخرجه الترمذي أيضًا، وابن ماجة، والطحاوي (١/ ٤٣ – ٤٤)، وكذا الدارمي، والطيالسي (رقم ١٦٥٧)، والطبراني في «الصغير» (ص ٢٣٠)، وابن حزم (١/ ٢٣٥) -محتجًّا به- كلهم عن عروة … به؛ بعضهم يذكر مروان بينه وبين بسرة، وبعضهم لا يذكر.
والكل صحيح لما سبق، فمن أعل الحديث بالانقطاع لم يصب، وكذلك من أعله بمروان؛ فقد قال ابن حزم:
«مروان ما نعلم له شيئًا يجرح به قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنه؛ ولم يلقه عروة قط، لا قبل خروجه على أخيه ولا بعد خروجه؛ هذا مما لا شك فيه»! وأقره الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٩)؛ ولذلك صحح الحديث من سبق ذكرهم. قال الحافظ:
«وصححه أيضًا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر، وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي، وقال البيهقي: هذا الحديث وإن لم يخرجه الشيخان -لاختلاف وقع في سماع عروة منها أو من مروان- فقد احتجا بجميع رواته؛ واحتج البخاري بمروان بن الحكم في عدة أحاديث؛ فهو على شرط البخاري بكل حال».
وروى المصنف في كتابه «مسائل الإمام أحمد» (ص ٣٠٩) أنه سأل أحمد عن هذا الحديث؟ فقال:
«هو صحيح».
(تنبيه): عرفت من التخريج المذكور أنه رواه مالك والزهري عن عبد الله بن
«من مس ذكره فليتوضأ».
وخالفهم عبد الرحمن بن نمر اليَحْصُبِيُ فقال: عن الزهري عن عروة … به، فأسقط منه عبد الله بن أبي بكر، وزاد في المتن فقال:
«والمرأة مثل ذلك»!
أخرجه ابن حبان (٢١٤ – موارد) والبيهقي في «السنن» (١/ ١٣٢) من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا عبد الرحمن …
ويمكن أن يكون الإسقاط من الوليد؛ لأنه كان يدلس تدليس التسوية، وقد أثبته في رواية للبيهقي، فالعلة من عبد الرحمن بن نمر هذا؛ فإنه مختلف فيه: فمن موثق، ومن مضعف.
وقد أنكر عليه هذه الزيادة في المتن: ابن معين، وابن عدي في «الكامل» (٤/ ٢٩٢ – ٢٩٣)، واستظهر البيهقي أنها من قول الزهري، أدرجت في الحديث، وأستدل لذلك برواية أخرى للوليد عن ابن نمر؛ فيها ما استظهره.
٧١ – باب الرخصة في ذلك
١٧٦ – عن عبد الله بن بدرعن قيس بن طَلْقٍ عن أبيه قال:
قَدِمنا على نبي الله ﷺ، فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مَسِّ الرجلِ ذَكَرَهُ بعد ما يتوضأ؟ فقال:
«هل هو إلا مُضْغَةٌ منه -أو قال: بَضْعَةٌ منه؟ ! -».
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا ملازم بن عمرو الحنفي: ثنا عبد الله بن بدر.
وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد تكلم بعضهم في قيس بن طلق بغير حجة نعلمها! وقد وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان. وقال الذهبي في «الميزان» -بعد أن ذكر قول من جرحه-:
«قال ابن القطان: يقتضي أن يكون خبره حسنًا لا صحيحًا».
قلت: وعلى ذلك جرى الترمذي، فروى له ثلاثة أحاديث بإسناد واحد من طريق هَنَّاد: حدثنا ملازم بن عمرو … به:
الأول في «الوتر»، وسيأتي في الكتاب (رقم ١٢٩٣).
والثاني في «الصوم»، وسيأتي (رقم ٢٠٣٣).
والثالث في «النكاح» (١/ ٢١٧ – طبع بولاق)؛ وحسنها كلها.
وصحح له الحاكم في «المستدرك» (٤/ ١٤٦) حديثًا رابعًا في الرقية، ووافقه الذهبي على تصحيحه.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٣٨)، والطحاوي (١/ ٤١٦)، والدارقطني (ص ٥٤)، والبيهقي (١/ ١٣٤)، وابن حبان في «صحيحه» (٢/ ٤٢٣ / ١١١٦ و١١١٧) من طرق عن ملازم بن عمرو … به.
وأخرجه الترمذي (١/ ١٣١): حدثنا هناد: ثنا ملازم بن عمرو … به
«وهذا الحديث أحسن شيء روي في هذا الباب». وقال الطحاوي:
«حديث صحيح مستقيم الإسناد». قال في «التلخيص» (١/ ٤٨ – ٤٩):
«وصححه عمرو بن علي الفلاس وقال: هو عندنا أثبت من حديث بسرة.
وروي عن ابن المديني أنه قال: هو عندنا أحسن من حديث بسرة. وصححه أيضًا ابن حبان والطبراني وابن حزم [١/ ٢٣٩]».
قلت: ولست أشك أن حديث بسرة أصح من هذا؛ لأن إسناده أشهر، ولأن له شواهد قوية؛ بخلاف هذا، فليس له إلا شواهد ضعيفة الأسانيد، كما يتبين لك ذلك بمراجعة «نصب الراية» و«التلخيص».
ولكن الحديث على كل حال صحيح، ولا ضرورة لادعاء للنسخ في أحدهما؛ لأنه يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن كان المس بدون شهوة فهو لا ينقض؛ لأنه يكون كما لو مسّ بضعة أخرى من بدنه، وإن كان المس بشهوة؛ فالعمل على حديث بسرة، ولا يخالفه هذا؛ لأنه لا يكون المس حينئذ كما لو مس بضعة أخرى.
وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الجمع بين الحديثين، وتبعه بعض المحققين من المتأخرين.
قلت: ومما يؤيد ذلك أن: الحديث صدر جوابًا لمن سأله عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة؛ كما في روايتين عن قيس بن طلق: لابن حبان. ولا يخفى أن هذه قرينة قوية جدًّا للجمع المذكور؛ لأنه لا يتصور وقوع المسّ بشهوة في الصلاة، وقد أشار إلى ذلك من قاله من السلف: سواءً مَسسْتُهُ أو مَسسْتُ أنفي.
قلت: روايتين .. وأعني بإحداهما: روايته من طريق عبد الله بن بدر،
وقول البيهقي (١/ ١٣٥) أن عكرمة أرسله عن قيس لم يذكر أباه … لعله في رواية وقعت له.
والرواية الأولى: عند الدارقطني أيضًا بإسناد جيد، رجاله ثقات معروفون؛ غير الراوي عن ملازم بن عمرو: محمد بن زياد بن فَرْوة البَلَدِي أبي روح، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات» (٩/ ٨٤) برواية محمد بن طاهر البلدي وأهل الجزيرة عنه.
قلت: والحافظ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي الراوي لهذا الحديث عنه؛ فهو صدوق إن شاء الله تعالى.
١٧٧ – عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق … بإسناده ومعناه قال: «في الصلاة».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا محمد بن جابر.
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات؛ فإن رجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن جابر -وهو أبو عبد الله اليمامي-وهو صدوق؛ لكنه ضُعِّفَ من قبل حفظه، وقد فضله أبو حاتم على ابن لهيعة.
قلت: وقد تابعه عبد الله بن بدر في الإسناد السابق؛ فحديثه هذا صحيح.
وتابعه غيره أيضًا كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ١٧٧) من طريق وكيع: ثنا محمد بن
وأخرجه الطحاوي (١/ ٤٦) عن مسدد … به.
وقد قال المصنف عقب الحديث السابق: «رواه هشام بن حسان وسفيان الثوري وشعبة وابن عيينة وجرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق».
قلت: وحديث ابن عيينة: عند الطحاوي والحازمي.
وأخرجه الدارقطني (٥٤) عن إسحاق بن أبي اسرائيل.
وأحمد (٤/ ٢٣) عن موسى بن داود، وقُرَّان بن تَمَّام ثلاثتهم عن محمد بن جابر … به.
وتابعه أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق؛ فقال الإمام محمد في «موطئه» (ص ٥٠): أخبرنا أيوب بن عتبة التيمي -قاضي اليمامة- عن قيس بن طلق.
وكذا أخرجه الطيالسي (رقم ١٠٩٦)، وعنه الحازمي عن أيوب … به.
ورواه الطحاوي من طرق أخرى عن أيوب … به.
وأيوب حاله كحال قرينه محمد بن جابر؛ بل قال أبو حاتم: «أيوب أعجب إليَّ من عبد الله بن بدر». قال:
«وهو أحب إليَّ من محمد بن جابر».
وبالجملة؛ فالحديث صحيح، وقد سبق ذكر من صححه في الكلام على الإسناد قبله.
١٧٨ – عن البراء بن عازب قال:
سئل رسول الله ﷺ عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال:
«توضّأوا منها».
وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال:
«لا توضَّأوا منها».
وسئل عن الصلاه في مبارك الإبل؟ فقال:
«لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين».
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال:
«صلوا فيها؛ فإنها بركة».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»، وصححه أحمد وإسحاق بن راهويه. وقال ابن خزيمة: «لم أر خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو معاوية: ثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرّازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الله بن عبد الله الرازي، وهو ثقة اتفاقًا.
وأخرجه الترمذي (١/ ١٢٢ – ١٢٣)، وابن ماجة (١/ ١٧٩) مختصرًا من طرق عن أبي معاوية … به.
وتابعه سفيان -عند أحمد (٤/ ٣٠٣) -، وشعبة -عند الطيالسي (رقم ٧٣٤ – ٧٣٥)، وعنه البيهقي (١/ ١٥٩) – كلاهما عن الأعمش … به.
وتابعهم أيضًا عبد الله بن إدريس: عند الطحاوي (١/ ٢٢٤). ثم قال الترمذي:
«قال إسحاق: صح في هذا الباب حديثان عن رسول الله ﷺ: حديث البراء وحديث جابر بن سمرة».
قلت: وقد رواه الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله الرازي؛ لكنه جعله من (مسند أسيد بن حضير)؛ كما أخرجه الطحاوي؛ وهو خطأ، والصواب رواية الأعمش، كما قال الترمذي.
والحجاج مدلس، وقد عنعنه، ومن طريقه: رواه ابن ماجة مختصرًا بلفظ: «لا توضأوا من ألبان الغنم، وتوضأوا من ألبان الإبل».
والحديث رواه ابن حبان وابن الجارود أيضًا وابن خزيمة في «صحيحه»، وقال:
«لم أر خلافًا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة للنقل؛ لعدللة ناقليه».
ونقل البيهقي تصحيحه عن أحمد وإسحاق.
قلت: وروي من حديث ابن عمر؛ وفيه الأمر بالوضوء من ألبان الإبل.
أخرجه ابن ماجة (٤٩٧) بسند ضعيف.
١٧٩ – عن مروان بن معاوية: أخبرنا هلال بن ميمون الجُهَنِي عن عطاء ابن يزيد الليثي -قال هلال: لا أعلمه إلا- عن أبي سعيد (وفي رواية: وأراه عن أبي سعيد):
أن النبي ﷺ مَرَّ بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله ﷺ:
«تَنَحَّ حتى أرِيَكَ»؛ فأدخل يده بين الجلد واللحم، فَدَحَسَ بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ (زاد في رواية: يعني: لم يمس ماءً).
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء وأيوب بن محمد الرّقّيُّ وعمرو بن عثمان الحمصي -المَعْنَى- قالوا: ثنا مروان بن معاوية.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي هلال بن ميمون الجهني كلام لا يضر؛ وفي «التقريب»:
«صدوق».
والحديث أخرجه ابن ماجة (٢/ ٢٨٤): حدثنا أبو كريب: ثنا مروان بن معاوية … به؛ وزاد -بعد قوله: إلى الإبط-: وقال:
«يا غلام! هكذا فاسلخ»، ثم مضى وصلى … إلخ.
وأبو كريب: هو محمد بن العلاء أحد شيوخ المصنف فيه.
(قلت: لم أقف عليه، وهو يقوي الذي قبله).
إسناده: لم أقف عليه مرسلًا، وهو لا يعل الموصول قبله؛ لأن مروان بن معاوية ثقة حافظ، وقال المصنف عن أحمد:
«ثقة ما كان أحفظه!».
وهو قد حفظ الحديث على وجهه فوصله؛ وهي زيادة منه يجب قبولها.
ثم إن من رواه مرسلًا يقوي الموصول؛ لأن الراوي قد يرسل الحديث أحيانًا وقد يوصله؛ فروى كل ما سمعه منه.
٧٤ – باب ترك الوضوء مِنْ مَسِّ الميتة
١٨١ – عن جابر:
أن رسول الله ﷺ مَرّ بالسوق داخلًا من بعض العالية والناس كَنَفَتَيْه فَمَرَّ بِجَدْي أَسَكَّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال:
«أيُّكم يحب أن هذا له …» وساق الحديث.
(قلت: وتمامه: «بدرهم؟». فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ ! قال:
«أتحبون أنه لكم؟».
قالوا: والله لو كان حيًّا كان عيبًا فيه؛ لأنه أسكُّ، فكيف وهو ميت؟ !
«فوالله؛ للدنيا أهون على الله من هذا عليكم».
(قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه» بتمامه بإسناد المصنف).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا سليمان -يعني: ابن بلال- عن جعفر عن أبيه عن جابر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وجعفر: هو ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب؛ المعروف بـ (جعفر الصادق).
والحديث أخرجه مسلم في «صحيحه» (٨/ ٢١٠ – ٢١١) … بهذا الإسناد؛ والتتمة نقلناها منه.
ثم أخرجه هو، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص ١٤٠ – طبع الهند)، وأحمد (٣/ ٣٦٥) من طرق أخرى عن جعفر … به؛ وزاد البخاري -بعد قوله: «لأنه أسك»-:
«والأسك الذي ليس له أذنان».
(تنبيه): هنا في النسخة التي شرح عليها صاحب «عون المعبود» ما نصه:
«تم الجزء الأول، ويتلوه الجزء الثاني من تجزئة الخطيب البغدادي؛ وأوله (باب ترك الوضوء مما مست النار).
فلله الحمد والمنة».
١٨٢ – عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٤٨)، وأخرجه الشيخان، وأبو عوانة (١/ ٢٦٩)، ومحمد في «موطئه» (ص ٥٨)، والبيهقي، وأحمد (١/ ٢٢٦) كلهم عن مالك … به.
وقد تابعه هشام -وهو ابن سعد- ومعمر عن زيد بن أسلم: أخرجهما أحمد (١/ ٣٥٦ و٣٦٥).
وتابعه أيضًا: خارجة بن مصعب: عند الطيالسي (رقم ٢٦٦٢).
وتابعه عن عطاء بن يسار: محمد بن يوسف -وهو الأعرج- أخرجه النسائي (١/ ٤٠).
وللحديث في «المسند» طرق أخرى كثيرة عن ابن عباس؛ فانظر (١/ ٢٢٦ و٢٢٧ و٢٤١ و٢٤٤ و٢٥٣ و٢٥٤ و٢٥٨ و٢٦٤ و٢٦٧ و٢٧٢ و٢٨١ و٣٢٦ – ٣٢٧ و٣٣٦ و٣٥١ و٣٥٣ و٣٦١ و٣٦٣ و٣٦٦)؛ وبعضها عند مسلم وأبي عوانة.
ضِفْتُ النبي ﷺ ذات ليلة، فأمر بجَنْبِ فَشُوِيَ، وأخذ الشفرة فجعل يَحُزُّ لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال:
«ما له؟ تَرِبَتْ يداه!». وقام يصلي (زاد الأنباري:)، وكان شاربي وَفَى؛ فَقَصُّه لي على سواك -أو قال:
«أقصُّه لك على سواك؟»-.
(قلت: إسناده صحيح، وهو بدون الزيادة على شرط مسلم).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري -المعنى- قالا: ثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ إلا الزيادة؛ فإن محمد بن سليمان ليس من رجاله؛ ولكنه ثقة، فزيادته صحيحة، وقد توبع عليها كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٢ و٢٥٥) قال: ثنا وكيع … به مع الزيادة.
وأخرجه الترمذي في «الشمائل» (١/ ٢٥٨) قال: حدثنا محمود بن غيلان: أنبأنا وكيع … به.
ورواه الطبراني (٢٠/ ٤٣٥).
وتابعه على الزيادة: سفيان -وهو ابن عيينة- عن مسعر … به.
أخرجه الطحاوي (٢/ ٣٣٣) بلفظ:
ورواه للطبراني.
وتابعه عليها أبو عون الثقفي محمد بن عبيد الله عن المغيرة بن شعبة بلفظ:
أن النبي ﷺ رأى رجلًا طويل للشارب، فدعا بسواك وشفرة، فوضع السواك تحت الشارب، فقص عليه.
أخرجه الطيالسي (رقم ٦٩٨): حدثنا المسعودي قال: أخبرني أبو عون الثقفي … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ١٥٠) من طريق الطيالسي، والطحاوي عن عبد الله بن رجاء قال: ثنا المسعودي … به.
وهذا إسناد صحيح؛ فإن المسعودي ثقة؛ إنما تكلموا فيه من أجل حفظه.
وهذه الزيادة أوردها الغزالي في «الإحياء» (١/ ١٢٥)؛ فقال الحافظ العراقي في تخريجه:
«رواه أبو داود والنسائي والترمذي في»الشمائل«…»! وقال المنذري في «مختصره» (رقم ١٧٦):
«وأخرجه الترمذي وابن ماجة»!
قلت: ولم أجده عندهما ولا عند النسائي! ولم يعزه النابلسي في «الذخائر» إلا للمصنف؛ فلعله عند النسائي في «الكبرى».
أكل رسول الله ﷺ كتفًا، ثم مسح يده بِمِسْحٍ كان تحته، ثم قام فصلى.
(قلت: حديث صحيح، وصححه ابن حبان (١١٥٩».
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ إلا أنهم تكلموا في رواية سماك عن عكرمة؛ فذكروا أنها مضطربة، لكنهم استثنوا من ذلك رواية سفيان وشعبة عن سماك عن عكرمة، فصححوها، كما سبق بيانه في الكلام على هذا الإسناد نفسه لحديث آخر (رقم ٦١).
فهذا الحديث من صحيح حديثه؛ لأنه قد رواه سفيان أيضًا عنه كما يأتي.
والحديث أخرجه ابن ماجة أيضًا (١/ ١٧٨) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو الأحوص … به.
وأخرجه أحمد (١/ ٣٢٦) قال: ثنا عبد الله بن الوليد: ثنا سفيان عن سماك … به؛ بلفظ:
أن رسول الله ﷺ توضأ للصلاة؛ فقال له بعض نسائه: اجلس فإن القدر قد نضجت، فناولته كتفًا، فأكل، ثم مسح يده، فصلى ولم يتوضأ.
وهذا إسناد صحيح، وعبد الله بن الوليد: هو أبو محمد المكي المعروف بالعدني؛ وهو صدوق ربما أخطأ، كما قال الحافظ في «التقريب».
وقد تابعه أيوب عن عكرمة … به مختصرًا؛ ولفظه:
أخرجه أحمد (١/ ٢٧٣) قال: حدثنا حسين: ثنا جرير عن أيوب … به.
وهذا سند صحيح أيضًا، وهو على شرط البخاري، وحسين: هو ابن محمد بن بَهْرام أبو أحمد المؤدّب المروزي.
وجرير: هو ابن حازم.
وكذلك رواه زهير عن سماك بن حرب عن عكرمة … به مختصرًا.
أخرجه أحمد أيضًا (١/ ٢٦٧).
١٨٥ – عن ابن عباس:
أن رسول الله ﷺ انْتَهَسَ من كتفٍ، ثم صلى ولم يتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر النَّمَرِيُّ: ثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يَعْمَر عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (١/ ٣٦١): ثنا بهز: ثنا همام … به.
١٨٦ – عن جابر بن عبد الله قال:
قَرَّبتُ للنبي ﷺ خبزًا ولحمًا؛ فأكل، ثم دعا بوَضُوء فتوضأ، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه؛ فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ.
إسناده: حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي: ثنا حجاج: قال ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير إبراهيم بن الحسن الخثعمي، وهو ثقة، وقد توبع كما يأتي.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٣٢٢): ثنا عبد الرزاق: أنا ابن جريج. ومحمد ابن بكر: أخبرني ابن جريج: أخبرني محمد بن المنكدر … به أتم منه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه ابن حبان (٢٢١ – موارد).
وأخرجه الترمذي (١/ ١١٦ – ١١٧) عن سفيان بن عيينة قال: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل: سمع جابرًا. قال سفيان: وحدثنا محمد بن المنكدر عن جابر … به أتم منه. مع بعض مغايرة في اللفظ والمعنى.
وهو في «المسند» (٣/ ٣٠٧) عن سفيان … به نحوه مختصرًا.
وكذلك رواه في مكان آخر (٣/ ٣٨١) من طريق ابن عقيل، وكذلك أخرجه ابن ماجة (١/ ١٧٨ – ١٧٩) من طريق سفيان عن محمد بن المنكدر وعمرو بن دينار وعبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر … به.
وتابعه -عن ابن المنكدر-: علي بن زيد: عند أحمد (٣/ ٣٠٤).
وقد رواه ابن إسحاق عن عبد الله بن محمد بن عقيل … به، وهو أتم الروايات جميعها وأكملها.
ونحوه رواية زائدة عن ابن عقيل: أخرجه الطيالسي (رقم ١٦٧٠).
وأخرجه ابن حبان (٢٢٠) من طريق معمر عن ابن المنكدر؛ وفيه ذكر أبي بكر وعمر.
ورواه أبو الزبير عن جابر … مختصرًا: أخرجه الطيالسي (رقم ١٧٥٨).
١٨٧ – عن جابر أيضًا قال:
كان آخرَ الأمرين من رسول الله ﷺ تركُ الوضوء مما غيَّرت النار.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحهما») (١).
قال أبو داود: «هذا اختصار من الحديث الأول» (٢).
(٢) وبنحو هذا أعله أبو حاتم؛ كما ذكره ابنه في «العلل» (رقم ١٦٨ و١٧٤)! وردَّ ذلك ابن حزم فقال (١/ ٢٤٣):
«وقد ادعى قوم أن هذا الحديث مختصر من الحديث الذي حدثنا …»؛ ثم ساق الحديث الأول، ثم قال:
«القطع بأن ذلك الحديث مختصر من هذا؛ قول بالظن؛ والظن أكذب الحديث، بل هما حديثان كما وردا».
وهذا هو للظاهر؛ فإن توهيم الرواة الثقات بدون دليل أو برهان لا يجوز، وقد أيّد ما ذهب إليه ابن حزم: المحقق أحمد محمد شاكر في تعليقه على «الترمذي» (١/ ١٢١ – ١٢٢)، وأيَّد ذلك ببعض النقول؛ فراجعه فإنه نفيس.
إسناده: حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي: ثنا علي بن عياش: ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر.
وهذا إسناد صحيح؛ رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير موسى بن سهل أبي عمران الرملي، وهو ثقة، وقد توبع.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٤٠)، ومن طريقه ابن حزم (١/ ٢٤٣)، وكذا الحازمي (ص ٣٢)، والطحاوي (١/ ٤٠)، والطبراني في «الصغير» (ص ١٤٠)، والبيهقي (١/ ١٥٥) من طرق عن علي بن عياش … به. وقال الطبراني:
«لم يرو هذا الحديث عن محمد بن المنكدر إلا شعيب».
قلت: وهو ثقة اتفاقًا. وقال الخليلي:
«كان كاتب الزهري، وهو ثقة متفق عليه، حافظ، أثنى عليه الأئمة».
ولذلك قال النووي (٤/ ٥٧):
«حديث صحيح؛ رواه أبو داود والنسائي وغيرهم بأسانيد صحيحة»!
كذا قال! وليس له -بهذا اللفظ- إلا إسناد واحد؛ فتنبه!
وكثيرًا ما يطلق النووي رحمه الله مثل هذه العبارة على حديث وحيد الإسناد؛ فكن من ذلك على ذُكْرٍ وبينة! وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٦):
«رواه الأربعة وابن خزيمة وابن حبان»!
وقد سها في عزوه إياه للأربعة؛ فليس هو عند الترمذي وابن ماجة؛ وإنما لهما
١٨٨ – عن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ قال:
لقد رأيتُني سابعَ سبعة أو سادسَ ستة مع رسول الله ﷺ في دار رجل؛ فمرَّ بلال فنادى بالصلاة، فخرجنا فمررنا برجل وبُرْمَتُهُ على النار؛ فقال له رسول الله ﷺ:
«أطابت بُرْمَتُكَ؟».
قال: نعم بأبي أنت وأمي! فتناول منها بَضْعَةً فلم يزل يَعْلُكُها، حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه.
(قلت: إنما يصح من حديثه بلفظ: قال:
كنا يومًا عند رسول الله ﷺ في الصُّفَّةِ، فوُضِعَ لنا طعام؛ فأكلنا، فأقيمت الصلاة، فصلينا ولم نتوضأ. أخرجه أحمد بسند صحيح).
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْحِ: ثنا عبد الملك بن أبي كريمة -قال ابن السرح: ابن أبي كريمة من خيار المسلمين- قال: حدثني عبيد بن ثُمامة المرادي قال: قدم علينا مصرَ عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ من أصحاب النبي ﷺ فسمعته يحدث في مسجد مصر لمحال.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير عبيد بن ثمامة المرادي -ويقال: عتبة-؛ لم يرو عنه غير ابن أبي كريمة هذا -كما في «الميزان»-، ولم يوثقه أحد؛ فهو مجهول.
والحديث سكت عليه المنذري في «مختصره» (رقم ١٨١)!
ورواه ابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (٣٠٠) بسند المؤلف.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عقبة بن مسلم، وهو ثقة اتفاقًا.
وله إسنادان آخران عن عبد الله بن الحارث: رواهما ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران وسليمان بن زياد الحضرمي عنه بلفظ:
«أكلنا مع رسول الله ﷺ شِواءً في المسجد، ثم أقيمت الصلاة، فضربنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا فصلينا ولم نتوضأ».
أخرجه أحمد (٤/ ١٩١).
وأخرجه الطحاوي (١/ ٤٠) من هذا الوجه، لكنه لم يذكر خالد بن أبي عمران في الإسناد، وهو رواية لأحمد (٤/ ١٩٠).
وهذا إسناد صحيح في المتابعات.
ورواه ابن ماجة (٢/ ٣١٠) مختصرًا.
٧٦ – باب التشديد في ذلك
١٨٩ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«الوضوء مما أنضجت النار».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في
إسناده: حدثنا مسدد: قال: ثنا يحيى عن شعبة قال: حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغرِّ عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير مسدد؛ فهو من رجال البخاري، فهو على شرطه.
وأبو بكر بن حفص: اسمه عبد الله.
والأغر: اسمه سلمان أبو عبد الله.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٤٥٨): ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة … به.
وهذا على شرطهما.
وأخرجه مسلم (١/ ١٨٧)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٨ – ٢٦٩)، والطحاوي (١/ ٣٨)، والبيهقي، والحازمي، والطيالسي (رقم ٢٣٧٦)، وأحمد أيضًا (٢/ ٢٦٥ و٢٧١ و٤٢٧ و٤٧٠ و٤٧٩) من طريق إبراهيم بن عبد الله بن قارظ:
أنه وجد أبا هريرة يتوضأ على المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثْوارِ أَقِطٍ أكلتها؛ لأني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«توضأوا مما مست النار».
وأخرجه الترمذي (١/ ١١٤ – ١١٥)، وابن ماجة (١/ ١٧٨)، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٥٠٣) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة … به نحوه؛ وزاد الأولان:
قال: فقال له ابن عباس: يا أبا هريره! أنتوضأ من الدُّهن؟ ! أنتوضأ من الحميم؟ ! قال: فقال أبو هريرة: يا ابن أخي! إذا سمعت حديثًا عن رسول الله
وهذا إسناد حسن.
وهو عند الطحاوي من طريق الزهري عن أبي سلمة … به. وإسناده صحيح.
وللحديث شواهد كثيرة جدًّا، استوعب أكثرَها النسائي والطحاوي.
ومنها عن زيد بن ثابت: عند مسلم وأبو عوانة.
١٩٠ – عن أبي سفيان بن سعيد بن المغيرة:
أنه دخل على أم حبيبة، فسقته قدحًا من سَوِيقٍ، فدعا بماء فمضمض، قالت:
يا ابن أُختي! ألا توضأ؟ إن النبي ﷺ قال:
«توضأوا مما غيَّرت النار -أو قال: مما مَسَّتِ النار-».
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا أبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي سفيان هذا، فقال الذهبي:
«ما روى عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن».
قلت: ومع ذلك؛ وثقه ابن حبان على قاعدته! لكن الحديث صحيح بما قبله.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٢٦): ثنا يونس: ثنا أبان -يعني: ابن يزيد العطار- … به.
(تنبيه): في بعض النسخ عقب الحديث زيادة: «قال أبو داود: في حديث الزهري: يا ابن أخي!».
قلت: أخرجه أحمد (٦/ ٣٢٧ – ٣٢٨) من طريق معمر عن الزهري عن أبي سلمة … به.
والطيالسي (رقم ١٥٩٢) من طريق زمعة عن الزهري.
وخالفهما بكر بن سَوَادة، فرواه عن الزهري بلفظ: يا ابن أختي! أخرجه النسائي (١/ ٤٠)، والطحاوي.
ثم أخرجه من طريق عبد الرحمن بن خالد عن ابن شهاب … فذكر مثله بإسناده.
فقد اختلف على الزهري في هذه اللفظة، وكذلك اختلف فيها على يحيى بن أبي كثير، ففي رواية المصنف: يا ابن أختي!
وفي رواية أحمد والطحاوي المتقدمة: يا ابن أخي!
وخالف هؤلاء كلهم: ابنُ إسحاق؛ فقال عن الزهري: أَيْ بنَي!
٧٧ – باب في الوضوء من اللين
١٩١ – عن ابن عباس:
أن النبي ﷺ شرب لبنًا، فدعا بماء فتمضمض ثم قال:
(قلت: إسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا ابن حبان (١١٥٥)، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وقد رووه -إلا أبا عوانة- بإسناد المصنف).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا الليث عن عُقَيْل عن الزهري عن عبيد الله ابن عبد الله عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي كلهم عن قتيبة … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه الشيخان أيضًا وأبو عوانة وابن ماجة والبيهقي من طرق أخرى عن الزهري … به نحوه.
٧٨ – باب الرخصة في ذلك
١٩٢ – عن أنس بن مالك:
أن رسول الله ﷺ شرب لبنًا؛ فلم يمضمض ولم يتوضأ، وصلى.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال الحافظ، وقوّاه ابن شاهين).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحُبَاب عن مُطيع بن راشد عن تَوْبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك. قال زيد: دَلَّني شعبة على هذا الشيخ.
«فدلالة شعبة لزيد على مطيع بن راشد لأخذ الحديث منه؛ تدل على أن شعبة كان حسن الرأي في مطيع بن راشد؛ وإلا لم يدل على من كان مستور الحال أو ضعيفًا عنده. قال السيوطي: قال الشيخ ولي الدين: ومطيع بصري. قال الذهبي: إنه لا يعرف. لكن قال زيد بن الحباب: إن شعبة دلَّه عليه؛ وشعبة لا يروي إلا عن ثقة؛ فلا يدل إلا على ثقة، وهذا هو المقتضي لسكوت أبي داود عليه. انتهى».
قلت: ويؤيد ذلك ما نقلناه آنفًا عن «التهذيب» من ثناء شعبة عليه. ولذلك سكت المنذري عليه في «مختصره» (رقم ١٨٥). وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٥٠):
«إسناده حسن». والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأما سائر رواة الإسناد؛ فثقات مشهورون من رجال الشيخين.
وقد قوّاه ابن شاهين؛ حيث قال الحافظ:
«وأغرب ابن شاهين فجعل حديث أنس ناسخًا لحديث ابن عباس (يعني: الذي في الباب قبله)؛ ولم يذكر من قال فيه بالوجوب؛ حتى يحتاج إلى دعوى النسخ».
قلت: ولولا أن ابن شاهين يرى أن الحديث قوي ثابت؛ لما ادّعى أنه ناسخ؛ وهذا بَيِّنٌ لا يخفى!
١٩٣ – عن جابر قال:
خرجنا مع رسول الله ﷺ؛ يعني: في غزوة ذات الرِّقَاع، فأصاب رجلٌ امرأةَ رَجل من المشركين؛ فحلف أن: لا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد، فخرج يتَّبع أثر النبي ﷺ، فنزل النبي ﷺ منزلًا؛ فقال:
«من رجل يكلأُنا؟»، فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال:
«كونا بِفَمِ الشِّعْبِ».
قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعْب؛ اضطجع المهاجريُّ وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل؛ فلما رأى شخصه عرف أنه رَبِيئَةٌ للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه؛ حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نَذرُوا به هرب، فلما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟ ! قال: كنت في سورة أقرأها؛ فلم أحب أن أقطعها.
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وصححه ابن خريمة وابن حبان (١٠٩٣) والحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع فال: ثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق قال: حدثني صدقة بن يسار عن عَقِيل بن جابر عن جابر.
«فيه جهالة؛ ما روى عنه سوى صدقة بن يسار»!
كذا قال! وقد قال الحافظ في «التهذيب»:
«وقد روى جابر البياضيُّ عن ثلاثة من ولد جابر عن جابر؛ فيحصل لنا راوٍ آخر -وإن كان ضعيفًا عن عقيل مع صدقة؛ لأن جابرًا له ثلاثة أولاد رووا الحديث: هذا وعبد الرحمن ومحمد».
وعقيل وثقه ابن حبان وغيره ممن صحح حديثه؛ كما يأتي.
والحديث قال النووي في «المجموع» (٢/ ٥٥):
«رواه أبو داود بإسناد حسن، واحتج به أبو داود».
قلت: ومن طريقه: أخرجه البيهقي (١/ ١٤٠).
وأخرجه الإمام أحمد (٣/ ٣٤٣ – ٣٤٤) قال: ثنا إبراهيم بن إسحاق: ثنا ابن المبارك … به أتم منه.
ثم أخرجه أحمد (٣/ ٣٥٩): ثنا يعقوب: ثنا أبي عن محمد بن إسحاق: حدثني صدقة بن يسار … به.
وأخرجه الدارقطني (ص ٨٢ – ٨٣)، والحاكم (١١/ ٥٦ – ١٥٧)، وعنه البيهقي (٩/ ١٥٠) من طريق يونس بن بكير عن ابن إسحاق … به. وقال الحاكم:
“هذا حديث صحيح الإسناد؛ فقد احتج مسلم بأحاديث محمد بن إسحاق. فأما عقيل بن جابر بن عبد الله الأنصاري؛ فإنه أحسن حالًا من أخويه محمد
لكن ابن إسحاق لم يحتجَّ به مسلم، بل استشهد به في خمسة أحاديث، كما قال الذهبي نفسه في «الميزان».
والحديث ذكره البخاري في «صحيحه» تعليقًا (١/ ٢٢٥) مختصرًا؛ فقال الحافظ:
«وصله ابن إسحاق في»المغازي«قال: حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه مطولًا. وأخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم؛ كلهم من طريق ابن إسحاق. وشيخه صدقة ثقة. وعقيل -بفتح العين- لا أعرف راويًا عنه غير صدقة»!
قلت: قد عرف له الحافظ في «التهذيب» راويًا آخر كما سبق، ثم قال:
«وأخرجه البيهقي في»الدلائل«من وجه آخر؛ وسمى الأنصاري المذكور: عَبَّاد بن بشر، والمهاجري: عمار بن ياسر، والسورة: الكهف».
قلت: ولعل هذا الوجه هو من طريق أولاد جابر الثلاثة الذين ذكرهم الحافظ في كلامه السابق! وعليه؛ فالحديث يقوى به. والله أعلم.
ثم قلت: فيه عنده (٣/ ٣٧٨): الواقدي؛ وهو متروك! فالعمدة على ما تقدم. والله أعلم.
٨٠ باب الوضوء من النوم
١٩٤ – عن عبد الله بن عمر:
أن رسول الله ﷺ شُغِلَ عنها ليلةً؛ فأخَّرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا؛ فقال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا عبد الرزاق: ثنا ابن جريج قال: أخبرني نافع قال: ثني عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
والحديث في «مسند أحمد» (٢/ ٨٨) … بهذا السند.
وهو في «الصحيحين»، و«أبي عوانة» (١/ ٣٦٨) من طرق عن عبد الرزاق … به.
وأخرجه أبو عوانة، والنسائي (١/ ٩٣) من طريق منصور عن الحكم عن نافع … به نحوه؛ وكذلك رواه مسلم.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٢٦) من طريق فليح عن نافع، وزاد: وإنما حَبَسَنا لِوَفْدٍ جاءه.
وهو على شرطهما.
١٩٥ – عن قتادة عن أنس قال:
كان أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم؛ ثم يصلون ولا يتوضأون.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، والدارقطني ثم النووي: «صحيح»).
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير شاذ بن فياض، وهو ثقة؛ وتكلم فيه بعضهم من قِبَلِ حفظه.
والحديث رواه المصنف أيضًا في كتابه «مسائل الإمام أحمد»؛ فقال (ص ٣١٧): حدثنا هلال بن فياض -وهو يعرف بشاذ- قال … إلخ، وأخرجه البيهقي (١/ ١١٩) من طريق المؤلف.
وأخرجه الدارقطني (ص ٤٨) من طريق وكيع: نا هشام الدستوائي … به.
وقال:
«صحيح».
ورواه مسلم وأبو عوانة والترمذي -وصححه- من طريق شعبة عن قتادة … نحو، ويأتي بعده.
ورواه الشافعي في «مسنده» (ص ٣): أخبرنا الثقة عن حميد عن أنس بلفظ:
فينامون -أحسبه قال- قعودًا حتى تخفق … إلخ قال الحاكم:
«أراد بالثقة: ابن عُلَيَّة»؛ كذا في «التلخيص» (٢/ ٢٢).
قلت: وقد أخرجه المصنف في «المسائل» (ص ٣١٨) عن إسماعيل -وهو ابن علية-؛ إلا أنه لم يَسُق لفظه، ولكنه أحال على الحديث الآتي (رقم ١٩٧).
قلت: فهو إسناد آخر صحيح، والأول صححه النووي أيضًا (٢/ ١٣).
(قلت: وصله المصنف في كتابه «مسائل الإمام أحمد» بسند صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: ذكره معلقًا كما ترى؛ وقد وصله المؤلف في «المسائل» (ص ٣١٧) فقال: حدثنا ابن بشار قال: ثنا يحيى بن سعيد عن شعبة … به، ولفظه:
كان أصحاب النبي ﷺ ينامون، ثم يقومون فيصلون ولا يتوضأون على عهد النبي ﷺ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وبهذا الإسناد: أخرجه الترمذي (١/ ١١٣) بهذا اللفظ تمامًا؛ دون قوله: على عهد النبي ﷺ. وقال:
«حديث حسن صحيح».
وكذلك رواه أحمد (٣/ ٢٧٧): ثنا يحيى بن سعيد … به.
وكذلك أخرجه مسلم (١/ ١٩٦)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٦)، من طريق خالد بن الحارث وأبي عامر العقدي قالا: ثنا شعبة … به، دون الزيادة، وزاد خالد في آخره: قال: قلت: سمعته من أنس؟ قال: إي والله.
لكن أخرجه البيهقي من طريق تمتام: ثنا محمد بن يشار … به مثل رواية المصنف في «المسائل».
وتمتام؛ هذا لقبه، واسمه: محمد بن غالب بن حرب أبو جعفر الضبي، له
«وكان كثير الحديث صدوقًا حافظًا».
فالحديث إذن محفوظ بهذه الزيادة.
وفيه زيادة أخرى، رواها قاسم بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد السلام الخُشَنِيُّ: ثنا محمد بن بشار … به، ولفظه:
كان أصحاب النبي ﷺ ينتظرون الصلاة، فيضعون جنوبهم؛ فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة.
ذكره في «نصب الراية» (١/ ٤٧)، وفي «التلخيص».
وقد رواه ابن حزم (١/ ٢٢٤) بإسناده عن قاسم.
وقد تابعه عبد الأعلى عن شعبة … به: رواه البزار والخلال. وقال ابن القطان:
«هذا صحيح». وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٥١):
«إسناده صحيح».
قلت: وكذلك رواه عبد الأعلى عن ابن أبي عروبة؛ كما يأتي في الذي بعده، وهو:
١٩٧ – قال أبو داود: «ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة … بلفظ آخر».
(قلت: وصله المصنف في «المسائل»، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ولفظه:
ورواه شعبة أيضًا عن قتادة بهذا اللفظ، وصححه ابن القطان والحافظ).
إسناده: هو معلق كما ترى، وقد وصله المؤلف في «المسائل» (ص ٣١٨) فقال: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن أنس قال:
كان أصحاب النبي ﷺ يضعون جنوبهم فينامون؛ فمنهم من يتوضأ، ومنهم من لا يتوضأ.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
وقد تابعه شعبة عن قتادة في بعض الروايات عنه كما ذكرنا في الذي قبله.
وابن المثنى: هو محمد.
وقد رواه معمر أيصًا عن قتادة … به، ولفظه:
لقد رأيت أصحاب رسول الله ﷺ يُوقَظُون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يصلون ولا يتوضأون.
أخرجه الدارقطني (ص ٤٨)، والبيهقي (١/ ١٢٠)، من طريق محمد بن حُمَيد: نا ابن المبارك: أنا معمر.
ورجاله كلهم ثقات؛ غير محمد بن حميد -وهو الرازي- وهو ضعيف؛ لكن قال أحمد:
«حديثه عن ابن المبارك وجرير صحيح»!
وهذا من حديثه عن ابن المبارك؛ فهو عند أحمد صحيح .. والله أعلم.
وليس كذلك، فلم يروه غير من ذكرنا.
وذكر أن رواية تمتام عند البيهقي ليس فيها: يضعون جنوبهم!
وهو وهم؛ فإنها ثابتة عنده، كما سبق أن ذكرنا في الرواية الثانية (رقم ١٩٦).
وقلّده على الوهم الأول: الصنعاني (١/ ٨١)، وكذا الشوكاني (١/ ١٦٩).
وأما الوهم الآخر؛ ففي نقل الشوكاني ما يفيد أن الخظأ مطبعي؛ حيث قال: «وأخرجه بتلك الزيادة البيهقي والبزار والخلال».
وهو إنما نقل كلام الحافظ دون أن ينسبه إليه؛ كما هي عادته، فلست أدري هل هو تصرف منه حين رأى خطأ الحافظ، أم أنه نقل من نسخة صحيحة؟ فمن كان عنده علم بذلك؛ فليُبْدِهِ ونحن له من الشاكرين.
(فائدة): قال المصنف في «المسائل» (ص ٣١٧):
«سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: اختلف شعبة وسعيد وهشام في حديث أنس: كان أصحاب النبي ﷺ تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضأون في اللفظ-؛ وكلهم ثقات …». ثم ساق روايتهم على ما سبق.
وهو يدل على أن أحمد يرى صحتها جميعًا؛ وهو الصواب؛ ويدل مجموعها على أنهم كانوا ينامون مضطجعين ثم يصلون دون أن يجددوا الوضوء.
وعليه؛ فلا يجوز الاحتجاج بهذا الحديث على أن نوم الجالس لا ينقض كما هو ظاهر؛ لأنه ورد في (المضطجع).
أقيمت صلاة العشاء، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجةً، فقام يناجيه حتى نَعَسَ القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم .. ولم يذكر وُضوءًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحهما»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وداود بن شبيب من رجال البخاري؛ لكنه مقرون مع من هو من رجالهما.
والحديث أخرجه المصنف في «المسائل» (ص ٣١٨) … بهذا الإسناد، وأخرجه البيهقي (١/ ١٢٠) من طريق المصنف.
وأخرجه مسلم (٢/ ١٩٦)، وأبو عوانة (٢/ ٢٦٦)، وأحمد (٣/ ١٦٠ و٢٦٨) من طرق أخرى عن حماد … به، وليس عند مسلم: ولم يذكر وضوءًا.
وتابعه الزهري عن ثابت بلفظ:
كانت الصلاة تقام، فيكلم النبي ﷺ الرجلُ في حاجة تكون له، فيقوم بينه وبين القبلة، فما يزال قائمًا يكلِّمه، فربما رأيت بعض القوم لَيَنْعَسُ من طول قيام النبي ﷺ له.
أخرجه أحمد (٣/ ١٦١): ثنا عبد الرزاق: أنا معمر عن الزهري.
ورواه الترمذي (٥١٨) عن عبد الرزاق … به؛ إلا أنه لم يذكر الزهري؛ وقال: «حسن صحيح».
وأخرجه البخاري (٢/ ٩٨)، ومسلم وأبو عوانة، وأحمد (٣/ ١٢٩ – ١٣٠) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس … نحوه.
وكذلك أخرجه المصنف في «المسائل» (ص ٣١٨).
ثم أخرجه هو، والبخاري، وأحمد (٣/ ١١٤ و١٨٢ و١٩٩ و٢٠٥ و٢٣٢) من حديث حميد عن أنس … نحوه.
ورواه جرير بن حازم عن ثابت … به نحوه؛ ولكنه قال: في صلاة الجمعة!
وهو وهم؛ كما يأتي بيانه في الكتاب الآخر (٢٠٨).
١٩٩ – عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول ﷺ:
«وِكَاءُ السّهِ العينان؛ فمن نام فليتوضأ».
(قلت: إسناده حسن، وكذا قال النووي، وحسنه المنذري وابن الصلاح).
إسناده: حدثنا حيوة بن شُرَيح الحمصي -في آخرين- قالوا: ثنا بَقِيَّة عن الوَضِينِ بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب.
وهذا إسناد حسن؛ حيوة وبقية ثقتان تقدما؛ وإنما يخشى من بقية التدليس،
والوضين بن عطاء مختلف فيه؛ وقد وثقه أحمد وابن معين ودُحَيم وغيرهم.
وقال الآجري عن المؤلف: إنه «صالح الحديث». وضعفه ابن سعد والجوزجاني وغيرهما. وقال ابن عدي: «ما أرى بأحاديثه بأسًا».
قلت: فهو حسن الحديث على أقل الدرجات إذا لم يظهر خطأُه.
ومحفوظ بن علقمة وشيخه عبد الرحمن بن عائذ؛ وثقهما النسائي وابن حبان، ووثق الأول ابن معين أيضًا ودحيم وغيرهما.
والآخر قيل: إنه صحابي؛ لكن قال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٢٠):
«وهو تابعي معروف عن علي، لكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. وفي هذا النفي نظر؛ لأنه يروي عن عمر، كما جزم به البخاري».
والحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ١٧٦) عن محمد بن المُصَفَّى الحمصي، والدارقطني (ص ٥٩) عن سليمان بن عمر الأقطع، والبيهقي (١/ ١١٨) عن أبي عتبة -وأسمه أحمد بن الفرج (١) -، وكذا الحاكم في «علوم الحديث» (ص ١٣٣) عن إبراهيم بن موسى الفراء، وأحمد (١/ ١١١ / رقم ٨٨٧) عن علي بن بحر، كلهم عن بقية … به. ثم قال الحاكم:
«هذا حديث مروي من غير وجه؛ لم يَذْكُر فيه:»فمن نام فليتوضأ«غير إبراهيم بن موسى الرازي؛ وهو ثقة مأمون»!
«إسناده حسن»، وحسنه من قبلُ: المنذريُّ وابن الصلاح، كما ذكره الحافظ.
وأما قول الصنعاني (١/ ٨٢) فيه:
«حسنه الترمذي»!
فما أراه إلا وهمًا؛ لأنه لم يذكر ذلك أحد غيره، كالحافظ والزيلعي وغيرهما، وليس الحديث في «سنن الترمذي». والله أعلم.
وللحديث شاهد من حديث معاوية، سوف نتكلم عليه إن شاء الله في «صحيح الدارمي»، وقد قال أحمد: «حديث علي أثبت من حديث معاوية في هذا الباب».
٨١ – باب في الرجل يطأ الأذى
٢٠٠ – عن عبد الله [هو ابن مسعود] قال:
كنا لا نتوضأ من مَوْطِئ؛ ولا نكفُّ شعرًا ولا ثوبًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما، وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا هَنَّاد بن السَّرِيِّ وإبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية. (ح)
قال أبو داود: قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق -أو حدثه عنه- قال: قال عبد الله. وقال هناد: عن شقيق -أو حدثه عنه-[قال: قال عبد الله].
ومقصود المؤلف من ذلك بيان اختلاف وقع فيه على أبي معاوية:
فابنه إبراهيم يرويه عنه عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عن عبد الله؛ فأدخل بين شقيق وعبد الله: مسروقًا.
وخالفه هناد؛ فأسقطه من بينهما موافقًا في ذلك ابن أبي شيبة.
ثم اتفقا -أعني: إبراهيم وهنَّادًا- في الشك في التحديث بدل العنعنة لكنهما اختلفا في محله:
فإبراهيم جعله في رواية شقيق عن مسروق؛ أي: هل قال شقيق: حدثني مسروق، أم قال: عن مسروق؟ !
وهناد جعله في رواية الأعمش عن شقيق.
هذا هو الظاهر مما ذكره المصنف رحمه الله؛ وقد فهم صاحب «العون» خلاف ما بينا من تعيين مكان الشك!
وهو خطأ واضح لا حاجة لبيانه؛ فنكتفي بالإشارة إليه، فمن شاء التحقق؛ فليراجعه بنفسه، ثم ليقابله بما ذكرنا؛ يتبين له صواب ما ذهبنا إليه.
وقد تابع هنادًا: محمد بن حماد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن شقيق -أو حدثه عنه-.
والصواب رواية ابن أبي شيبة؛ لأنه لا اضطراب فيها، ولأنّ أبا معاوية قد وافقه عليها: في رواية أحمد بن مَنِيع وأحمد بن عبد الجبار كلاهما عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله.
أخرجه الحاكم (١/ ١٣٩ و١٧١).
وقد تابعه على الصواب: سفيان بن عيينة عن الأعمش … به.
أخرجه الحاكم، وعنه البيهقي.
فالحديث صحيح على شرط الشيخين؛ وكذلك صححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف.
وأخرجه الحاكم من طريق موسى بن إسحاق الأنصاري: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا شريك وجرير عن الأعمش … به.
ثم أخرجه، هو وابن ماجة (١/ ٣٢٣) من طريقين آخرين عن عبد الله بن إدريس … به؛ ولفظ ابن ماجة: قال: أمرنا أن لا نكف شعرًا ولا ثوبًا، ولا نتوضأ من موطئ.
ورواه الترمذي (١/ ٢٦٧) تعليقًا؛ بلفظ: قال:
كنا مع رسول الله ﷺ لا نتوضأ من المَوْطَأ.
قلت: وهذا لفظ ابن عيينة عند الحاكم والبيهقي.
(تنبيه): بعض أسانيد هذا الحديث عند الحاكم: من طريق عبد الله بن أحمد ابن حنبل، وليس الحديث في «مسند أبيه» ولا في «زوائده» عليه!
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٨٣ – باب في المذي
٢٠١ – عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
كنت رجلًا مَذَّاءً؛ فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي ﷺ -أو ذُكِرَ له-؟ فقال رسول الله ﷺ:
«لا تفعل؛ إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فَضَخْت الماء فاغتسل».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه النووي. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»، وهو في «صحيح البخاري» و«مسلم» و«أبي عوانة»؛ دون قوله: «فإذا فضخت …» إلخ).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا عَبِيدَةُ بن حُمَيْد الحَذَّاء عن الرُّكَيْنَ بن الربيع عن حصَيْنِ بن قَبِيصةَ عن علي رضي الله عنه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال «الصحيح»؛ غير حصين بن قبيصة؛ وهو ثقة بلا خلاف.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٦٩) من طريق المؤلف.
وأحمد (١/ ١٠٩ / رقم ٨٦٨): حدثنا عبيدة بن حميد التيمي أبو عبد الرحمن: حدثني ركين … به.
وتابعه زائدة عن الركين: أخرجه الطيالسي (رقم ١٤٥): حدثنا زائدة … به، ومن طريقه: أخرجه البيهقي (١/ ١٦٧).
وأخرجه الطحاوي (١/ ٢٨)، وأحمد (رقم ١٠٢٨ و١٠٢٩) من طرق أخرى عن زائدة.
وكذا أخرجه النسائي.
وتابعه أيضًا سفيان وشريك عن ركين: أخرجه أحمد (رقم ١٠٢٨ و١٢٣٨)؛ ولفظ شريك:
كنت رجلًا مَذَّاءً؛ فاستحييت أن أسأل رسول الله ﷺ من أجل ابنته، فأمرت المقداد، فسأل رسول الله ﷺ عن الرجل يجد المزي؟ فقال:
«ذلك ماء الفحل، ولكل فحل ماء، فليغسل ذكره وأنثييه، وليتوضأ وضوءه للصلاة».
فزاد فيه: «وأنثييه»! وهو سيئ الحفظ؛ لكنه قد توبع عليه من طريق أخرى يأتي بعد هذا بحديث.
وله شاهد من حديث عبد الله بن سعد الأنصاري وهو الآتي (رقم ٢٠٦).
والحديث أخرجه البخاري (١/ ١٨٥ و٢٢٧ و٣٠٢)، ومسلم (١/ ١٦٩ – ١٧٥)، وأبو عوانة (١/ ٢٧٢ – ٢٧٣)، والنسائي (١/ ٣٦ – ٣٧ و٧٥)، وابن ماجة (١/ ١٨٢ – ١٨٣)، والطحاوي، والبيهقي (١١٥)، والترمذي أيضًا (١/ ١٩٣)، والطيالسي (رقم ١٤٤)، وأحمد (رقم ٦١٨ و٦٦٢ و٨٤٧ و٨٥٦ و٨٩٠ و٩٧٧ و١٠٢٦ و١٠٧١ و١١٨٢)، وابنه عبد الله في «زوائده» (رقم ٦٠٦ و٨١١ و٨٢٣
»فإذا فضخت … إلخ«.
وفي رواية لأحمد:»فقال: «إذا خذفت فاغتسل من الجنابة، وإذا لم تكن خاذفًا فلا تغتسل».
وسنده حسن أو صحيح.
(فائدة): في حديث الباب عند أحمد زيادة: في الشتاء -بعد قوله: فجعلت أغتسل-.
وكذلك رواه ابن خزيمة -كما في «الفتح» (١/ ٣٠٢) -، وصححه النووي في «المجموع» (٢/ ١٤٣).
٢٠٢ – عن المقداد بن الأسود:
أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أمره أن يسأل رسول الله ﷺ عن الرجل إذا دنا من أهله، فخرج منه المذي؛ ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا أستَحيي أن أسأله!
قال المقداد: فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك؟ فقال:
«إذا وجد أحدكم ذلك؛ فلينضح فرجه، وليتوضأ وضوءه للصلاة».
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (١٠٩٨»
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود.
وقد اختلف في سماع سليمان بن يسار عن المقداد، كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٦٢ – ٦٣) … بهذا الإسناد.
وعنه: أخرجه محمد في «موطئه» (ص ٦٥)، وكذا الشافعي في «مسنده» (ص ٤)، والنسائي (١/ ٣٧ و٧٥)، وابن ماجة (١/ ١٨٢)، والبيهقي (١/ ١١٥)، وأحمد (٦/ ٤ – ٥)، وابن حزم (١/ ١٠٦) كلهم عن مالك …. به. قال المنذري في «مختصره»:
«وقال الشافعي: حديث سليمان بن يسار عن المقداد مرسل، لا نعلمه سمع منه شيئًا. قال البيهقي: هو كما قال». وقال ابن عبد البر:
«هذا إسناد ليس بمتصل؛ لأن سليمان بن يسار لم يسمع من المقداد ولا من علي، ولم ير واحدًا منهما؛ فإنه ولد سنة أربع وثلاثين؛ ولا خلاف أن المقداد توفي سنة ثلاث وثلاثين». قال:
«وبين سليمان وعلي في هذا الحديث: ابن عباس؛ أخرجه مسلم والنسائي».
وخالفهما ابن حبان؛ فإنه قال الحافط في ترجمة سليمان بن يسار من «التهذيب»:
«قال ابن حبان: وكان مولده سنة (٢٤). وأخرج في»صحيحه«حديثه عن المقداد؛ وقال: قد سمع سليمان من المقداد وهو ابن دون عشر سنين. وقال البيهقي: ولد سليمان سنة (٢٧) أو بعدها؛ فحديثه عن المقداد مرسل. قاله الشافعي وغيره».
قلت: فقد اختلفوا في سنة ولادة ابن يسار؛ فإذا صح ما ذكره ابن حبان؛
وعلى كل حال؛ قالحديث صحيح؛ لأنه قد جاء موصولًا -كما سبق عن ابن عبد البر-: أخرجه مسلم (١/ ١٧٠)، وأبو عوانة (١/ ٢٧٣)، والنسائي والبيهقي، وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (رقم ٨٢٣) من طريق مَخْرمة بن بُكَير عن أبيه عن سليمان بن يسار عن ابن عباس قال: قال علي بن أبي طالب:
أرسلنا المقداد بن الأسود إلى رسول الله ﷺ، فسأله عن المذي … الحديث نحوه.
وتابعه الليث بن سعد عن بكير بن الأشح عن سليمان: عند النسائي؛ لكنه أسقط: (ابن عباس) من الإسناد.
٢٠٣ – عن عروة: أن علي بن أبي طالب قال للمقداد … وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد؟ فقال: قال رسول الله ﷺ:
«ليغسل ذكره وأُنثييه».
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ وقد أعل بالإرسال والانقطاع؛ ففي «التهذيب»:
«قال ابن أبي حاتم عن أبيه: عروة بن الزبير عن عليٍّ مرسل».
«وهذا نقل خطأ؛ فليس موجودًا في»المراسيل«لابن أبي حاتم (ص ٥٥)! ثم هو في نفسه خطأ؛ لأن عروة ولد في خلافة عمر، وكان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة. وفي»التهذيب«عن مسلم بن الحجاج في كتاب»التمييز«:»حج عروة مع عثمان، وحفظ عن أبيه فمن دونهما من الصحابة«. وهذا الثبت».
قلت: أما كونه في نفسه خطأً؛ فهو الظاهر. وأما كون النقل خطأً؛ فغير ظاهر؛ لاحتمال وجوده في كتاب آخر لابن أبي حاتم؛ كـ «العلل» أو غيره مما لم يصل إلينا.
ثم قال المصنف عقب الحديث:
«قال أبو داود: ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي ﷺ»!
قلت: ولم أجد هذه الرواية موصولةً! وهي عندي شاذة؛ لمخالفتها لجميع الروايات السابقة واللاحقة التي فيها أن المقداد هو الذي أرسله علي رضي الله عنه؛ فسأل النبي ﷺ؛ فكيف يروي عن الذي أرسله؟ !
ثم إن الحديث أخرجه الإمام أحمد (١٠٣٥) قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن هشام: أخبرني أبي:
أن عليًّا قال للمقداد: سل رسول الله ﷺ عن الرجل يدنو من المرأة فيمذي؛ فإني أستحيي منه؛ لأن ابنته عندي؟ فقال رسول الله ﷺ:
«يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ».
ثم أخرجه أحمد (رقم ١٠٠٩): حدثنا وكيع: حدثنا هشام بن عروه عن أبيه
فقد اتفق زهير ويحيى بن سعيد ووكيع على رواية عن هشام عن أبيه عن علي: أنه أرسل المقداد. وكذلك رواه غير عروة عن علي: في «الصحيحين» وغيرهما.
وذلك كله يدل على شذوذ رواية سفيان ومن معه.
على أن سفيان قد رواه أيضًا على الصواب، كما سيذكره المؤلف معلقًا.
٢٠٤ – عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب قال: قلت للمقداد … فذكر بمعناه.
(قلت: إسناد صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال: ثنا أبي عن هشام بن عروة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مسلمة القعنبي -واسم أبيه قعنب-؛ قال المصنف في رواية الآجري:
«كان له شأن وقدر». وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال:
«مستقيم الحديث».
قلت: وقد تابعه زهير ويحيى بن سعيد ووكيع؛ كما سبق.
ثم قال المصنف عقب الحديث: «قال أبو داود: رواه المُفَضَّل بن فَضَالة والثوري وابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي».
قلت: لم أقف على رواية هؤلاء! والظاهر أنها مثل رواية زهير ومن معه ممن ذكرنا فيما سلف. إلا أن صاحب «عون المعبود» فهم منه أن المصنف يعني بذكره
قلت: وهذا محتمل، ولكنها لا تنفي ما استظهرناه؛ لأن الروايات السابقة يصح أن يقال فيها أيضًا: إنها عن علي رضي الله عنه؛ ولكنها عنه أنه أرسل المقداد … فيحتمل أن تكون هذه مثلها.
ويؤيده قول المصنف عقبها:
«ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي ﷺ … لم يذكر:»أنثييه«…».
فإنها لا تنفي أيضًا أن يكون علي قد أرسل المقداد؛ بل هذا مما ثبت في هذه الرواية نفسها؛ فقد وصلها أحمد (٤/ ٧٩ و٦/ ٢) فقال: حدثنا يزيد بن هارون: أنا محمد بن إسحاق … به؛ بلفظ: قال:
قال لي علي: سل رسول الله ﷺ عن الرجل يلاعب أهله؛ فيخرج منه المذي من غير ماء الحياة؛ فلولا أن ابنته تحتي لسألته! فقلت: يا رسول الله! الرجل يلاعب أهله … إلخ.
وأما عدم ذكر ابن إسحاق: «أنثييه»؛ فليس ذلك بعلة، بعد أن اتفق جماعة من الثقات الحفاظ على إثباتها في الحديث عن هشام بن عروة، كما أنها وردت من الطريق الأولى عن علي (رقم ٢٠١) في بعض الروايات كما بينا هناك.
وقد وجدت له طريقين آخرين: أخرج أحدهما: أبو عوانة (١/ ٢٧٣) من طريق عَبِيدة السلماني عن علي بن أبي طالب قال:
كنت رجلًا مَذَّاءً … الحديث وفيه: فقال النبي ﷺ: «يغسل أنثييه وذكره، ويتوضأ وضوءه للصلاة».
وأما الطريق الأخرى؛ فستذكر عند الكلام على الحديث (رقم ٢٠٦).
٢٠٥ – عن سهل بن حُنَيْف قال:
كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أُكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك؟ فقال: «إنما يجزئك من ذلك الوضوءُ».
قلت: يا رسول الله! فكيف بما يُصيب ثوبي منه؟ قال:
«يكفيك بأن تأخذ كفًّا من ماء؛ فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه».
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان (١١٠٠) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم- قال: نا محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عُبَيْدِ بن السباق عن أبيه عن سهل بن حُنَيْفٍ.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات؛ غير ابن إسحاق، وهو حسن الحديث؛ وقد صرّح بالتحديث.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ٤٨٥): قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم … به.
وأخرجه للبيهقي (٢/ ٤١٠) من طريق المؤلف.
وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
ورواه ابن خزيمة يعني في «صحيحه»؛ كما في «الفتح» (١/ ٣٠٢).
٢٠٦ – عن عبد الله بن سعد الأنصاري قال:
سألت رسول الله ﷺ عَمَّا يوجب الغُسْلَ، وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال:
«ذلك المذي؛ وكلُّ فَحْلٍ يُمْذِي؛ فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي.
وقد سقط من بعض الرواة -فيما يظهر- الجواب عما يوجب الغسل، ونصه -كما في «سنن البيهقي»-:
فقال رسول الله ﷺ:
«إن الله لا يستحيي من الحق -وعائشة إلى جنبه-: فأمّا أنا؛ فإذا كان مني وَطْءٌ جئت فتوضأت ثم اغتسلت»).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى قال: أخبرنا عبد الله بن وهب قال: ثنا معاوية -يعني: ابن صالح- عن العلاء بن الحارث عن حَرَامِ بن حكيم عن عَمِّه عبد الله بن سعد الأنصاري.
«ثقة». وكذا قال الحافظ في «التقريب».
وضعفه ابن حزم؛ فأخطأ! ويأتي كلامه في الذي بعده.
وكأن الحافظ اغتر به، فقال في «التلخيص» (١/ ١١٧):
«وفي إسناده ضعف»! وانظر كلامه الآتي في الرد على ابن حزم.
والحديث قال النووي في «المجموع» (٢/ ١٤٥):
«رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح».
وكأنه سقط من بعض الرواة الجواب عن السؤال الأول؛ وقد أخرجه البيهقي (٢/ ٤١١) كاملًا وأتم منه من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح: حدثني معاوية ابن صالح … به بلفظ:
سألت رسول الله ﷺ عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، وعن الصلاة في بيتي، وعن الصلاة في المسجد، وعن مؤاكلة الحائض؟ فقال رسول الله ﷺ:
«إن الله لا يستحيي من الحق -وعائشة إلى جنبه-: فأما أنا؛ فإذا كان مني وَطْءٌ؛ جئت فتوضأت ثم اغتسلت. وأما الماء يكون بعد الماء؛ فذلك المذي؛ وكل فحل يمذي؛ فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة. وأما الصلاة في المسجد والصلاة في بيتي؛ فقد ترى ما أقرب بيتي من المسجد؛ فلأن أصلي في بيتي أحب إليَّ من أصلي في المسجد؛ إلا أن يكون صلاة مكتوبة. وأما مؤاكلة الحائض فواكلها».
وأخرجه الإمام أحمد (٤/ ٣٤٢): ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية -يعني
وروى الترمذي (١/ ٢٤٠) منه، وكذا ابن ماجة (١/ ٢٢٤) مؤاكلة الحائض فقط؛ وهو رواية لأحمد (٤/ ٢٤٢ و٥/ ٢٩٣). وقال الترمذي:
«حديث حسن».
ثم أخرج هو في «الشمائل» (٢/ ١١٤ – ١١٥)، وابن ماجة أيضًا (١/ ٤١٦) قطعة أخرى منه؛ وهي الصلاة في البيت. وقال البوصيري في «الزوائد»:
«إسناده صحيح، ورجاله ثقات».
وللحديث شاهد من حديث علي رضي الله عنه قال:
كنت أجد مذيًّا، فأمرت المقداد أن يسأل النبي ﷺ عن ذلك؛ واستحييت أن أسأله؛ لأن ابنته عندي، فسأله؟ فقال:
«إن كل فحل يمذي؛ فإذا كان المني ففيه الغسل، وإذا كان المذي ففيه الوضوء».
أخرجه الطحاوي (١/ ٢٨) من طريق محمد ابن الحنفية عنه.
وإسناده صحيح.
ورواه أحمد من طريق أخرى عنه؛ وزاد فيه: «وأنثييه»؛ وقد ذكرناه بتمامه عند الكلام على حديثه في الكتاب (٢٠١).
٢٠٧ – وفي رواية عنه:
أنه سأل رسول الله ﷺ: ما يَحِلُّ لي من امرأتي وهي حائض؟ قال:
«لك ما فوق الإزار» … وذكر مؤاكلة الحائض … وساق الحديث.
إسناده: حدثنا هارون بن محمد بن بَكَّار: قال: ثنا مروان -يعني: ابن محمد- قال: ثنا الهيثم بن حميد قال: ثنا العلاء بن الحارث عن حَرَام بن حكيم عن عمه.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات؛ وفي الهيثم بن حميد كلام لا يضر؛ وفي «التقريب» أنه:
«صدوق».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٣١٢) من طريق المؤلف.
وأخرج الترمذي القَدْرَ المذكور في الأعلى، وكذا أخرجه ابن ماجة وأحمد، كما سبق في الكلام على الذي قبله.
والحديث ضعفه ابن حزم بغير حجة، فقال (٢/ ١٨٠ – ١٨١):
«لا يصح؛ لأن حرام بن حكيم ضعيف، وهو الذي روى غسل الأنثيين من المذي، وأيضًا؛ فإن مروان بن محمد ضعيف»! !
قلت: حرام بن حكيم؛ وثقه دحيم والعجلي كما سبق فيما قبل. وقال الحافظ في «التهذيب»:
«ونقل بعض الحفاظ عن الدارقطني أنه وثق حرام بن حكيم. وقد ضعفه ابن حزم في»المحلى«بغير مستند. وقال عبد الحق عقب حديثه: لا يصح هذا. وقال في موضع آخر: ضعيف. فكأنه تبع ابن حزم! وأنكر عليه ذلك ابن القطان الفاسي فقال: بل مجهول الحال. وليس كما قالوا: [بل هو] ثقة؛ كما قال العجلي وغيره».
«وضعفه ابن حزم فأخظأ؛ لأنا لا نعلم له سلفًا في تضعيفه؛ إلا ابن قانع، وقول ابن قانع غير مقنع».
٨٤ – باب في الإكسال
٢٠٨ – عن أبي بن كعب:
أن رسول الله ﷺ إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام؛ لقلة الثياب، ثم أمر بالغُسْل ونهى عن ذلك.
قال أبو داود: «يعني: الماء من الماء».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح». ورواه ابن خزيمة وابن حبان (١١٧٠) في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث- عن ابن شهاب قال: ثني بعض مَنْ أرضى: أن سهل بن سعد الساعدي أخبره أن أبي بن كعب أخبره.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير شيخ ابن شهاب الذي فيه؛ فإنه لم يسمّه؛ ولكنه قد رضيه الزهري، وما نظن أنه يرضيه غير ذي ثقة وحفظ. ومع ذلك؛ فقد ساقه المؤلف -فيما بعد- من طريق أبي حازم عن سهل بن سعد. ولذلك قال ابن خزيمة -كما في «التلخيص» (٢/ ١٢٢) -:
“هذا الرجل الذي لم يسمّه الزهري: هو أبو حازم -ثم ساقه من طريقه؛ كما
والحديث أخرجه الترمذي (١/ ١٨٣ – ١٨٤)، والدارمي (١/ ١٩٤)، وابن ماجة (١/ ٢١١ – ٢١٢)، والبيهقي (١/ ١٦٥)، وأحمد (٥/ ١١٥ – ١١٦) من طرق عن الزهري عن سهل بن سعد … به. وهو -عند الترمذي والبيهقي ورواية لأحمد- عن ابن المبارك عن يونس عنه. وعند ابن ماجة وأحمد أيضًا من طريق عثمان بن عمر: أنا يونس … به.
وكذلك رواه ابن جريج وشعيب عن الزهري: قال سهل.
فيظهر أن من قال فيه: ثني سهل؛ فقد شذ. والله أعلم. ثم قال الترمذي:
»حديث حسن صحيح”.
ثم أخرجه أحمد من طريق رِشْدين: حدثني عمرو بن الحارث … به مثل رواية الكتاب.
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
أن الفتيا التي كانوا يفتون: إن الماء من الماء؛ كانت رخصة رخصها رسول الله ﷺ في بدء الإسلام، ثم أمر بالاغتسال بعدُ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقال الإسماعيلي: «صحيح على شرط البخاري»، وصححه ابن خزيمة وابن حبان (١١٧٦) والبيهقي، وقال الحافظ: «هو إسناد صالح لأن يحتج به»، وصححه الدارقطني أيضًا وأبو حاتم الرازي؛ حيث جعله ناسخًا لحديث أبي سعيد الخدري الآتي (رقم ٢١١».
إسناده: حدثنا محمد بن مهران البزاز الرازي قال: ثنا مُبَشِّرٌ الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: ثني أُبي بن كعب.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات أثبات من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه بهذا الإسناد: الدارمي (١/ ١٩٤)، وابن خزيمة في «صحيحه» -كما سبق في الذي قبله-، وابن حبان أيضًا في «صحيحه» -كما في «نصب الراية» (١/ ٨٣) -.
وأخرجه البيهقي (١/ ١٦٦) من طريق المؤلف، ومن طريق موسى بن هارون: ثنا محمد بن مهران الجمال … به. وقال:
«إسناد صحيح موصول». وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٣١٦):
“صححه ابن خزيمة وابن حبان. وقال الإسماعيلي: هو صحيح على شرط البخاري. كذا قال؛ وكأنه لم يطلع على علته، فقد اختلفوا في كون الزهري سمعه من سهل. نعم؛ أخرجه أبو داود وابن خزيمة أيضًا من طريق أبي حازم عن سهل، ولهذا الإسناد أيضًا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم. وفي الجملة؛ هو إسناد صالح
قلت: وممن صححه أيضًا: الدارقطني، فقال بعد أن أخرجه (ص ٤٦) من الطريقين عن محمد بن مهران-:
«صحيح».
والعلة التي أشار إليها الحافظ؛ لعلها قول ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٤١ / رقم ٨٦):
«سمعت أبي قال: ذكرت لأبي عبد الرحمن الحبلي ابن أخي الإمام -وكان يفهم الحديث- فقلت له: تعرف هذا الحديث [قلت: فذكره بإسناد المصنف]؟ فقال لي: قد دخل لصاحبك حديث في حديث؛ ما نعرف لهذا الحديث أصلًا»! !
وهذا توهيم للثقات بدون حجة؛ فلا يقبل. ولذلك لم يجعلها الحافظ علة قادحة، فصرح بأن الحديث صالح يحتج به؛ بل أرى أن أبا حاتم نفسه لم يرفع إليها رأسًا، فقد قال ابنه فيما بعد (رقم ١١٤):
«سمعت أبي وذكر الأحاديث المروية في:»الماء من الماء«فقال: هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي بن كعب».
فلو لم يكن الحديث عنده صحيحًا؛ لما جعله ناسخًا، وهذا واضح والحمد لله.
٢١٠ – عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال:
«إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وكذا ابن حبان (١١٧٥)، وأبو عوانة في «صحاحهم»، وصححه عبد الحق في “الأحكام
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: ثنا هشام وشعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١٦٣) من طريق عثمان بن سعيد: ثنا مسلم ابن إبراهيم … به.
وأخرجه أبو داود الطيالسي (رقم ٢٤٤٩) قال: حدثنا شعبة وهشام عن قتادة … به بلفظ:
«إذا قعد الرجل بين شعبها الأربع، ثم اجتهد؛ فقد وجب الغسل». قال: وزاد حماد بن سلمة في هذا الحديث:
«أنزل أو لم ينزل».
ومن طريقه: أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» والحازمي في «الاعتبار».
وأخرجه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم» والدارمي وابن ماجة والطحاوي (١/ ٣٤)، والبيهقي من حديث هشام … به.
وأخرجه مسلم وكذا البخاري تعليقًا والنسائي والطحاوي والبيهقي من حديث شعبة … به.
وكذلك أخرجه أبو عوانة، وصرح قتادة بسماعه من الحسن في رواية النسائي، وكذا في رواية أخرى البخاري عن قتادة تعليقًا.
وأخرجه أحمد (٢/ ٣٤٧): ثنا عفان: ثنا همام وأبان قالا: حدثنا قتادة …
«أنزل أو لم ينزل».
وهي صحيحة على شرط الشيخين.
وهكذا أخرجه الطحاوي والبيهقي وابن أبي خيثمة أيضًا في «تاريخه» -كما في «الفتح» (١/ ٣١٤) – عن عفان. ورواه عنه الدارقطني في «سننه» (ص ٤٢)؛ لكنه لم يذكر أبان في الإسناد مع همام؛ وذكر الحافظ أنه صححه! وليس هذا في النسخة المطبوعة في الهند من «السنن»!
وتابعه على هذه الزيادة: سعيد بن أبي عروبة عن قتادة؛ ولفظه:
«إذا التقى الختان الختان؛ وجب الغسل؛ أنزل أو لم ينزل»: أخرجه البيهقي.
وتابع قتادة عليها: مطرٌ -وهو ابن طَهَمان الوَرَّاق- بلفظ: «وإن لم ينزل».
أخرجه مسلم وأبو عوانة والدارقطني والبيهقي.
٢١١ – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله ﷺ قال:
«الماء من الماء». وكان أبو سلمة يفعل ذلك.
(قلت: إسناده صحيح؛ كما قال الحافظ، وهو على شرط البخاري.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان (١١٦٥) في «صحاحهم» لكن قال أبو حاتم الرازي: «هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أُبي ابن كعب»، وهو (رقم ٢٠٨».
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وفي أحمد بن صالح -وهو المصري- كلام لا يضر؛ بل قال الذهبي فيه:
«هو الحافط الثبت، أحد الأعلام، آذى النسائي نفسه بكلامه فيه».
والحديث قال الحافط في «الفتح» (١/ ٣١٦):
«إسناده صحيح». وقال في «التلخيص» (٢/ ١١٣):
«رواه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان».
قلت: وأخرجه مسلم (١/ ١٨٦)، والطحاوي (١/ ٣٣)، وأحمد (٣/ ٢٩) من طرق عن عمرو بن الحارث … به.
وله طريقان آخران:
الأول: أخرجه مسلم، وأبو عوانة (١/ ٢٨٥ – ٢٨٦) عن شَريك بن أبي نَمِرٍ عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال:
خرجت مع رسول الله ﷺ يوم الاثنين إلى قُباء، حتى إذا كنا في بني سالم؛ وقف رسول الله ﷺ على باب عِتْبانَ فصرخ به، فخرج يجر إزاره، فقال رسول الله ﷺ:
«أعجلنا الرجل!».
فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يُعْجَلُ عن امرأته ولم يُمْنِ؛ ماذا عليه؟ قال رسول الله ﷺ:
وروى أحمد (٣/ ٣٦) الجملة الأخيرة منه.
الطريق الثاني؛ قال الطيالسي (رقم ٢١٨٥): حدثنا شعبة عن الحكم عن ذكوان أبي صالح عن أبي سعيد الخدري:
أن رسول الله ﷺ مَرَّ على رجل من الأنصار، فأرسل إليه، فخرج ورأسه يقطر فقال:
«لعلنا أعجلناك؟». قال: نعم يا رسول الله! فقال رسول الله ﷺ:
«إذا أعجلت أو قحطت؛ فلا غُسْلَ عليك، وعليك الوضوء».
وأخرجه البخاري (١/ ٢٢٧)، ومسلم وأبو عوانة وابن ماجة والطحاوي من طرق عن شعبة.
ورواه الأعمش عن ذكوان … به مختصرًا، ولفظه:
«إذا عَجِلَ أحدكم أو أُقحط؛ فلا يغتسلن».
أخرجه أحمد (٣/ ٩٤)؛ وإسناده صحيح على شرطهما.
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٤٩ / رقم ١١٤):
«سمعت أبي -وذكر الأحاديث المروية في:»الماء من الماء«؛ حديث هشام ابن عروة- يعني: عن أبيه. زياد عن أبي أيوب عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ. وحديث شعبة عن الحكم عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ في:»الماء من الماء«؟ فقال: هو منسوخ، نسخه حديث سهل بن سعد عن أبي ابن كعب».
وحديث سهل بن سعد عن أُبي بن كعب؛ سبق في أول الباب (رقم ٢٠٨).
٨٥ – باب في الجنب يعود
٢١٢ – عن حميد الطويل عن أنس:
أن رسول الله ﷺ طاف على نسائه ذات يوم في غُسْلٍ واحد.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا مسدد قال: ثنا إسماعيل قال: ثنا حميد الطويل.
وهذا سند صحيح على شرط البخاري.
لكن ذكر غير واحد من الأئمة أن حميدًا كان يدلس عن أنس؛ قالوا: إنما رواها عن ثابت عن أنس، واختلفوا هل سمع من أنس شيئًا أم لا؟ !
والصواب الأول؛ فقد صرح حميد بسماعه من أنس بشيء كثير؛ وفي «صحيح البخاري» من ذلك جملة، كما قال الحافظ في «التهذيب».
وينتج من ذلك: أنه صحيح الحديث عن أنس على كل حال؛ سواءً صرح بسماعه أو عنعن.
أما على الأول فواضح؛ لأنه ثقة اتفاقًا.
وأما على الثاني؛ فلأنه إن لم يكن سمعه من أنس؛ فقد سمعه من ثابت
«فعلى تقدير أن تكون أحاديث حميد مدلسة؛ فقد تبين الواسطة فيها؛ وهو ثقة محتج به».
وقد صح من حديث ثابت، كما نذكره قريبًا.
والحديث أخرجه أحمد (٣/ ١٨٩): ثنا إسماعيل … به.
وأخرجه للنسائي (١/ ٥١ – ٥٢)، والبيهقي (١/ ٢٠٤) من طرق أخرى عن إسماعيل … به.
وقد تابعه هشيم عن حميد.
أخرجه أحمد (٣/ ٩٩)، والطحاوي (١/ ٧٧).
وقد رواه ثابت عن أنس.
أخرجه أحمد (٣/ ١١١) -عن معمر-، وهو (٣/ ١٣٥ و١٦٠ و٢٥٢)، والطحاوي -عن حماد- كلاهما عن ثابت … به.
(تنبيه): قوله: (ذات يوم) ليست في بعض النسخ، ولا في «مختصر المنذري»؛ وهي ثابتة في نسخة «العون».
٢١٣ – قال أبو داود: «وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس».
(قلت: وصله مسلم في «صحيحه» بلفظ:
كان يطوف على نسائه بِغُسْلٍ واحد.
ورواه أبو عوانة في «صحيحه» أيضًا).
وكذا أخرجه الطحاوي.
٢١٤ – قال: «ومعمر عن قتادة عن أنس».
(قلت: وصله أحمد بلفظ:
كان يُطِيفُ على نسائه في غسل واحد.
وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهو في «صحيح البخاري» من طريق سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عن قتادة … به، ولفظه:
كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة. وقال الترمذي عن طريق معمر: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: هو معلق أيضًا؛ وقد وصله الترمذي (١/ ٢٥٩)، وابن ماجة (١/ ٢٠٦)، وكذا النسائي، وأحمد (٣/ ١٦١، ١٨٥) من طرق عن معمر … به.
وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وقد تابعه سعيد -وهو ابن أبي عروبة- عن قتادة … به.
أخرجه البخاري (١/ ٣١١، ٩/ ٢٥٩) باللفظ المذكور أعلاه.
ورواه أحمد (٣/ ١٦٦)؛ دون قوله: وله يومئذ تسع نسوة.
لكنه أخرجه هو (٣/ ٢٩١)، والبخاري (٥/ ٣٠١) من طريق معاذ بن هشام
أن النبي ﷺ كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار؛ وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس: وهل كان يطيق ذلك؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين.
ورواية سعيد أرجح؛ لأنه لم يجتمع عنده ﷺ من الزوجات أكثر من تسع؛ كما بينه الحافظ في «الفتح»؛ فراجعه.
٢١٥ – قال: «وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري؛ كلهم عن أنس عن النبي ﷺ».
(قلت: وصله الطحاوي، وكذا ابن ماجة، ولفظه: قال:
وضعت لرسول الله ﷺ غِسْلًا؛ فاغتسل من جميع نسائه في ليلة. وابن أبي الأخضر سيئ الحفظ).
إسناده: معلق؛ وقد وصله ابن ماجة والطحاوي ولفظه:
أن رسول الله ﷺ طاف على نسائه بغسل واحد.
ولفظ ابن ماجة هو المذكور في الأعلى، وذكر فيه أن أنسًا وضع له ﷺ غِسلًا.
وهو غريب؛ وصالح بن أبي الأخضر ضعيف من قبل حفظه.
وقد تابعه على اللفظ الأول -الموافق لرواية الجماعة عن أنس-: معمر عن الزهري.
أخرجه الطبراني في «الصغير» (ص ١٤٣).
٨٦ – باب الوضوء لمن أراد أن يعود
٢١٦ – عن أبي رافع:
أن النبي ﷺ طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلًا واحدًا؟ قال:
«هذا أزكى وأطيب وأطهر».
قال أبو داود: «حديث أنس أصح من هذا».
(قلت: وهو كما قال؛ فإن هذا إسناده حسن، ولكن لا تعارض بينهما؛ بل كان يفعل تارة هذا، وتارة ذلك، كما قال النسائي وغيره. والحديث قوّاه الحافظ ابن حجر).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى؛ سلمى عمة عبد الرحمن بن أبي رافع؛ روى عنها أيضًا أيوب بن الحسن بن علي بن أبي رافع وزيد بن أسلم والقعقاع بن حكيم، وذكرها ابن حبان في «الثقات»؛ فهي حسنة الحديث إن شاء الله.
وكذلك ابن أخيها عبد الرحمن بن أبي رافع؛ قال في «التهذيب»:
“روى عن عبد الله بن جعفر، وعن عمه عن أبي رافع. وعن عمته سلمى عن أبي رافع. وعنه حماد بن سلمة. قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح. له
قلت: حديثه في دعاء الكرب؛ راجعته في (كتاب الدعاء) عند الترمذي؛ فلم أجده!
وأما حديثه في التختم في اليمين؛ فأخرجه في (١/ ٣٢٤ – طبع بولاق) باب (ما جاء في لبس الخاتم في اليمين) من (كتاب اللباس) ثم قال عقيبه:
«وقال محمد بن إسماعيل: هذا أصح شيء روي في هذا الباب».
فقول البخاري هذا -مع العلم أن في الباب أحاديث أخرى صحيحة الأسانيد، بعضها في «صحيح مسلم»- يفيد أن ابن رافع هذا ثقة عنده.
وقد قوى الحديثَ الحافظُ ابن حجر في «الفتح» (١/ ٢٩٩)؛ حيث استدل به على استحياب الغسل بعد كل جماع. وقول المصنف:
«حديث أنس أصح منه»! ليس بطعن فيه؛ لأنه لم ينفِ الصحة عنه؛ كما قال في «عون المعبود»؛ خلافًا لما صرح به الحافظ في «التلخيص» (٢/ ١٥٩)! ثم قال في «العون»:
«قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف؛ بل كان يفعل هذا، وذلك أخرى. وقال النووي في»شرح مسلم«: هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين. والذي قالاه حسن جدًّا، ولا تعارض بينهما؛ فمرة تركه رسول الله ﷺ؛ بيانًا للجواز وتخفيفًا على الأمة، ومرة فعله؛ لكونه أزكى وأطهر».
ثم إن الحديث أخرجه ابن ماجة (١/ ٢٠٦)، والطحاوي (١/ ٧٧)، والبيهقي (١/ ٢٠٤)، وأحمد (٦/ ٨ و٩ – ١٠) من طرق عن حماد … به.
٢١٧ – عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال:
«إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يعاود؛ فليتوضأ بينهما وضوءًا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان (١٢٠٨)، والحاكم في «صحاحهم». وقال الحاكم: «صحيح على شرطهما»، وأقره الذهبي. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا عمرو بن عون: أخبرنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه مسلم منهما.
وأبو المتوكل: اسمه علي بن داود -ويقال: دواد بضم الدال- الناجي البصري.
والحديث أخرجه مسلم (١/ ١٧١)، والترمذي (١/ ٢٦١)، والبيهقي (١/ ٢٠٣)، وابن أبي شيبة (١/ ٥١ / ٢)، وأبو نعيم في «الطب» (٢/ ١٢ / ١) من حديث حفص بن غياث … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ثم أخرجه مسلم، والنسائي (١/ ٥١)، وابن ماجة (١/ ٢٠٥)، والطحاوي (١/ ٧٧)، وابن حبان، والحاكم (١/ ١٥٢)، والبيهقي أيضًا، والطيالسي (رقم ٢٢١٥)، وأحمد (٣/ ٧ و٢١) من طرق عن عاصم الأحول … به نحوه، وزاد الحاكم والبيهقي في آخره:
«وضوءه للصلاة». وإسناده هكذا قال (٣/ ٢٨): ثنا محاضر بن المورِّع: ثنا عاصم بن سليمان … به.
وهذا على شرط مسلم.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٨٠).
٨٧ – باب الجنب ينام
٢١٨ – عن عبد الله بن عمر أنه قال:
ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله ﷺ أنه تصيبه الجنابة من الليل؟ فقال رسول الله ﷺ:
«توضأ واغسل ذكرك؛ ثُمَّ نَمْ».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٦٧ – ٦٨) … بهذا الإسناد.
وعنه: أخرجه محمد في «موطئه» (ص ٧١)، وكذا الشيخان والنسائي
وأخرجه الدارمي (١/ ١٩٣)، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٥٦) من طريق سفيان -وهو الثوري- عن عبد الله بن دينار … به، ولفظه: قال:
سأل عمر رسول الله ﷺ؛ قال: تصيبني الجنابة من الليل؟ فأمره أن يغسل ذكره، ويتوضأ، ثم يرقد.
وتابعه شعبة عن ابن دينار:
أخرجه الطيالسي (رقم ١٧ و١٨٧٨)، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٧٨).
وأخرجاه في «الصحيحين»، وابن ماجة في «سننه» (١/ ٢٠٥)، وأحمد (٢/ ١٧ و٣٦ و١٠٢) والطحاوي، والبيهقي من حديث نافع عن ابن عمر … به نحوه؛ دون قوله: «واغسل ذكرك».
٨٨ – باب الجنب يأكل
٢١٩ – عن عائشة قالت:
إن النبي ﷺ كان إذا أراد أن ينام وهو جنب؛ توضأ وضوءه للصلاة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم وابن حبان (١٢١٤)، وأبو عوانة في «صحيحيهما». وصححه الدارقطني. والبخاري معناه).
إسناده: حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٦) قال: ثنا سفيان … به.
ثم أخرجه هو (٦/ ١١٩ و٢٠٠ و٢٧٩)، ومسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما» والنسائي وابن ماجة والطحاوي والبيهقي وكذا الدارقطني من طرق عن الزهري … به. وقال الدارقطني:
«صحيح»؛ وفيه عنده زيادة كما في الرواية الآتية في الكتاب.
وتابعه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة … به نحوه.
أخرجه البخاري، والطيالسي (رقم ١٤٨٥)، والطحاوي، وأحمد (٦/ ١٢١).
وتابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة، ولفظه، قال:
قلت لعائشة: أي أُمَّه! أكان رسول الله ﷺ ينام وهو جنب؟ قالت: نعم؛ لم يكن ينام؛ حتى يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة.
أخرجه الطحاوي، وأحمد (٦/ ٢١٦ و٢٣٧)؛ وإسناده حسن.
وله في «الصحيحين» و«أبي عوانة» والنسائي والدارمي (١/ ١٩٣)، والطحاوي والبيهقي وأحمد (٦/ ٩١ و١٢٠ و٢٢٤ و٢٣٥ و٢٦٠ و٢٧٣) طرق كثيرة عن عائشة.
٢٢٠ – وفي رواية … بإسناده ومعناه؛ زاد:
وإذا أراد أن يأكل وهو جنب؛ غسل يديه.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقال الدارقطني والبغوي: «صحيح»).
وهذا إسناد صحيح أيضًا على شرطهما.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٥٠)، والدارقطني (٤٦)، وأحمد (٦/ ١١٨ – ١١٩ و٢٧٩)، والبغوي في «شرح السنة» (٢/ ٣٤) من طرق عن عبد الله بن المبارك … به إلا أنه قال:
وإذا أراد أن يأكل ويشرب.
وليس عند الدارقطني: ويشرب؛ بل عنده:
غسل كفيه ومضمض فاه، ثم طَعِمَ. وقال هو والبغوي:
«صحيح». ثم قال المصنف:
«قال أبو داود: ورواه ابن وهب عن يونس؛ فجعل قصة الأكل قولَ عائشة مقصورًا. ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك؛ إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة. ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن للنبي ﷺ كما قال ابن المبارك».
قلت: رواية الأوزاعي هذه، ورواية ابن وهب قبلها؛ لم أقف على من أخرجهما.
وأما رواية صالح بن أبي الأخضر؛ فأخرجها أحمد (٦/ ١٩٢) قال: حدثنا وكيع قال: ثنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عروة وأبي سلمة عن عائشة:
أن النبي ﷺ كان إذا أراد أن يأكل وهو جنب؛ غسل يديه.
وأرى أنها رواية صحيحة؛ فقد أخرجه الدارقطني (٤٦) من طريق أبي ضمرة عن يونس عن ابن شهاب عن عروة وأبي سلمة … به.
وأبو ضمرة: هو أنس بن عياض، وهو ثقة من رجال «الصحيحين». وقد قال الدارقطني عقيبه: «صحيح».
نعم؛ خالفه طلحة بن يحيى؛ فرواه عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة أو عروة … هكذا على الشك.
لكن طلحة بن يحيى -وهو ابن النعمان الزُّرَقِي الأنصاري- وإن كان من رجال الشيخين؛ فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه؛ فرواية أنس بن عياض مقدمة على روايته.
ومما يقوي ذلك: أن لحديث عروة عن عائشة أصلًا في «صحيح البخاري» (١/ ٣١٢) وغيره؛ وإن كان ليس فيه الوضوء للأكل؛ فهذا زيادة من ثقة، وهي مقبولة، كما في الحديث الثاني من الباب.