١ – كتاب الطهارة -2

٥٠ – باب صفة وضوء النّبيّ ﷺ
٩٤ – عن عطاء بن يزيد الليثي عن حُمران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال:
رأيت عثمان بن عفان توضأ؛ فأفرغ على يديه ثلاثًا، فغسلها ثم مضمض واستنثر، ثمّ غسل وجهه ثلاثًا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثًا، ثمّ اليسرى مثلَ ذلك، ثمّ مسح رأسه، ثئم غسل قدمه اليمنى ثلاثًا، ثم اليسرى مثلَ ذلك، ثمّ قال:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ مثل وضوئي هذا ثمّ قال:
«من توضأ مثل وضوئي هذا، ثمّ صلّى ركعتين لا يُحَدثُ فيهما نفسه؛ غفر الله له ما تقدّم من ذنبه».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي الحُلْوَاني: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين؛ وأخرجاه.
١ ‏/ ١٧٨
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٣٩ – ٢٤٠)، والبيهقي (١/ ٥٧ – ٥٨) عن عبد الرزاق … به.
وأخرجه أحمد أيضًا (١/ ٥٩ / رقم ٤٢١): حدثنا عبد الرزاق … به.
وأخرجه البخاري (٤/ ١٢٨)، والبيهقي أيضًا (١/ ٥٦) من طريق عبد الله -وهو ابن المبارك-: أخبرنا معمر … به نحوه.
وأخرجه البخاري (١/ ٢٠٨ و٢١٠ و٢١٤)، ومسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي، والدارقطني (٣٥)، والبيهقي أيضًا (١/ ٤٨ و٤٩ و٥٣ و٨٦)، وأحمد (١/ ٣٣٩ رقم ٤١٨ و٤٢٨) من طرق عن الزهري … به نحوه.
وله عندهم طرق أخرى أخصر منه عن عثمان.

٩٥ – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: حدثني حُمْران قال:
رأيت عثمان بن عفان توضأ … فذكر نحوه؛ ولم يذكر المضمضة والاستنشاق؛ وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثًا، ثمّ غسل رجليه ثلاثًا، ثم قال:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ هكذا وقال:
«من توضأ دون هذا كفاه»؛ ولم يذكر أمر الصلاة.
(قلت: إسناده حسن صحيح، ومال ابن الجوزي إلى تصحيحه، وقال ابن الصلاح: إنه حديث حسن، وقال النووي: إسناده حسن، وربما ارتفع من الحسن إلى الصحة بشواهده وكثرة طرقه، وصححه ابن خزيمة، وقواه الحافظ).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: ثنا الضحاك بن مَخْلَدٍ: ثنا عبد الرحمن بن وَرْدَان: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن.

١ ‏/ ١٧٩
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير عبد الرحمن بن وردان؛ قال ابن معين:
«صالح». وقال أبو حاتم:
«ما بحديثه بأس».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الدارقطني: «ليس بقوي».
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ثمّ أخرجه هو والدارقطني (٣٤) من طريقين آخرين عن الضحاك بن مخلد … به.
ورواه البزار في «مسنده» بإسناد المصنف هذا، وقد ساقه الزيلعي في «نصب الراية» (١/ ٣٢). وقال النووي في «المجموع» (١/ ٤٣٤):
«رواه أبو داود بإسناد حسن، وقد ذكر أيضًا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله أنه حديث حسن، وربما ارتفع من الحسن إلى الصحة بشواهده وكثرة طرقه؛ فإن البيهقي وغيره رووه من طرق كثيرة غير طريق أبي داود».
وللحديث طريق أخرى عن حمران؛ فقال الحافظ في «التلخيص» – (١/ ٤١١) بعد أن ذكره من هذا الوجه-:
«وتابعه هشام بن عروة عن أبيه عن حمران: أخرجه البزار. وأخرجه أيضًا من طريق عبد الكريم عن حمران؛ وإسناده ضعيف. ورواه أيضًا من حديث أبي علقمة مولى ابن عباس عن عثمان؛ وفيه ضعف».
قلت: وله طريق أخرى عن عثمان؛ ستأتي في الكتاب قريبًا رقم (٩٨)؛ وقد صححها ابن خزيمة، كما في «الفتح» (١/ ٢٠٩)؛ ونصه:
١ ‏/ ١٨٠
«وقد روى أبو داود من وجهين؛ صحح أحدهما ابن خزيمة وغيره؛ في حديث عثمان بتثليث مسح الرأس، والزيادة من الثقة مقبولة».
وسيأتي هناك أن ابن خزيمة رواه من ذلك الوجه. ثمّ قال الحافظ في «التلخيص»:
«ومال ابن الجوزي في»كشف المشكل«إلى تصحيح التكرير».

٩٦ – عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي قال: سئل ابن أبي مُليكة عن الوضوء؟ فقال:
رأيت عثمان بن عفان سئل عن الوضوء؟ فدعا بماء؛ فأُتي بميضأة فأصغاها على يده اليمنى، ثمّ أدخلها في الماء؛ فتمضمض ثلاثًا، واستنثر ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثمّ غسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده اليسرى ثلاثًا، ثمّ أدخل يده فأخذ ماءً؛ فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثمّ غسل رجليه؛ ثمّ قال:
أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ.
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا محمد بن داود الإسكندراني: ثنا زياد بن يونس: حدثني سعيد بن زياد المؤذن عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مشهورون؛ غير سعيد بن زياد المؤذن؛ فوثقه ابن حبان وحده، لكن روى عنه جمع من الثقات؛ وقد توبع عليه كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٦٤) من طريق المؤلف.

١ ‏/ ١٨١
وللحديث طرق أخرى: فرواه ابن ماجة (١/ ١٦٧) مختصرًا من طريق حجاج عن عطاء عن عثمان قال:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ؛ فمسح رأسه مرة.
وهذا إسناد ضعيف.
وأخرجه أحمد (١/ ٢٦٤ / رقم ٤٧٢)؛ لكن ليس فيه: (مرةً).
وكذلك رواه ابنه عبد الله في «زوائد» (رقم ٥٢٧).
وأخرج الدارقطني (٣٤) من طريق زيد بن الحُبَاب: حدثني عمر بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي: حدثني جدي:
أن عثمان بن عفان خرج في نفر، من أصحابه حتى جلس على المقاعد، فدعا بوَضوء … الحديث نحو رواية ابن أبي مليكة؛ وفيه:
ومسح برأسه مرة واحدة، ولم يذكر الأذنين. وقال المعلق عليه الشيخ شمس الحق:
«هذا إسناد صالح؛ ليس فيه مجروح»!
قلت: لكن فيه مجهول؛ وهو عمر بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي؛ فإني لم أجد له ذكرًا في شيء من الكتب التي عندي، ولم يذكره الحافظ في الرواة عن أبيه عبد الرحمن بن سعيد، ولا في الرواة عن جده سعيد! وفي هذا إشارة إلى أنه غير مشهور؛ وإلا لاشتهر بالرواية عن أبويه. والله أعلم.
ثمّ أخرج الدارقطني (٣١)، وأحمد (١/ ٣٧٢ / رقم ٤٨٩) من طريق محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن معاذ بن عبد الرحمن التيمي عن حُمْران بن أبان مولى عثمان بن عفان قال:
١ ‏/ ١٨٢
رأيت عثمان بن عفان دعا بوَضوء … الحديث نحو حديث الزهري المتقدم عن عطاء بن يزيد الليثي، وفيه:
ثمّ غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات، ثمّ مسح برأسه وأَمَرَّ بيديه على ظاهر أذنيه، ثمّ مر بهما على لحيته … الحديث.
وهذا إسناد حسن، رجاله رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق؛ وهو حسن الحديث. وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٣٤):
«إسناده حسن».
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٢٣) من طريق زيد بن أسلم عن حمران … به نحوه بلفظ:
ومسح برأسه وأذنيه.
وإسناده صحيح على شرطهما، وأصله في «مسلم».
والحديث إنما ساقه المؤلف؛ ليشير به إلى ضعف رواية أبي سلمة السابقة، التي فيها أنه مسح رأسه ثلاثًا؛ وليدل به على صحة ما عقَّبه بقوله:
«أحاديث عثمان رضي الله عنه الصحاح؛ كلها تدل على مسح الرأس أنه مرة؛ فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثًا، وقالوا فيها: ومسح رأسه، لم يذكروا عددًا كما ذكروا في غيره»!
وقد أجاب النووي رحمه الله عن قول المصنف هذا من وجهين؛ قال:
«أحدهما: أنه قال:»الأحاديث للصحاح”؛ وهذا حديث حسن -يعني: الذي قبل هذا- غير داخل في قوله.
١ ‏/ ١٨٣
والثاني: أن عموم إطلاقه مخصوص بما ذكرناه من الأحاديث الحسان وغيرها».
وقد سبق جواب الحافظ أن زيادة الثلاث زيادة من ثقة؛ يعني: فيجب قبولها.
ويؤيد ذلك: أن حديث عثمان هذا قد جاء من طرق كثيرة؛ وفي بعضها ما ليس في الأخرى من المعاني.
ألا ترى فيما سبق أن بعضهم روى المسح على الأذنين، وبعضهم روى كيفية ذلك، فلم يلزم من ترك الآخرين من الرواة وإعراضهم عن ذلك ضعفه؛ ما دام الرواة ثقات؛ فكذلك الأمر فيما نحن فيه. والله أعلم.

٩٧ – عن أبي علقمة:
أن عثمان دعا بماء فتوضأ؛ فأفرغ بيده اليمنى على اليسرى؛ ثمّ غسلهما إلى الكوعين، قال: ثمّ مضمض واستنشق ثلاثًا، وذكر الوضوء ثلاثًا، قال: ومسح برأسه، ثمّ غسل رجليه، وقال:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ مثل ما رأيتموني توضأت … ثمّ ساق نحو حديث الزهري وأتم.
(قلت: إسناده حسن صحيح وحسنه (*).
إسناده: حدثثا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى: أخبرنا عبيد الله -يعني: ابن أبي زياد- عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي علقمة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبيد الله بن أبي زياد -وهو القَدَّاح أبو الحصين المكي-؛ وهو حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد وافق


(*) كذا الأصل، لم يكمل الشيخ رحمه الله العبارة. (الناشر).
١ ‏/ ١٨٤
في هذا الحديث غيره من الثقات.
وعيسى: هو ابن يونس.
وأبو علقمة هو المصري مولى بني هاشم؛ لا يعرف اسمه.
والحديث؛ أخرجه الدارقطني (٣١) من طريق محمد بن بكر: نا عبيد الله بن أبي زياد القداح … به بتمامه.

٩٨ – عن شَقيق بن سلمة قال:
رأيت عثمان بن عفان غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا ثمّ قال: رأيت رسول الله ﷺ وفعل هذا.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وحسنه البخاري، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، والضياء في «المختارة»).
إسناده: حدثنا هارون بن عبد الله: ثنا يحيى بن آدم: ثنا إسرائيل عن عامر ابن شقيق بن جمرة عن شقيق بن سلمة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عامر بن شقيق بن جمرة، وهو مختلف فيه، كما قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤١٠). وهذه أقوال الأئمة فيه: قال ابن معين:
«ضعيف الحديث». وقال أبو حاتم:
«ليس بقوي وليس من أبي وائل بسبيل». وقال النسائي:
«ليس به بأس».

١ ‏/ ١٨٥
وذكره ابن حبان في «الثقات».
قلت: ووثقه من صحح حديثه؛ ويأتي ذكرهم؛ فأقل أحوال حديثه أن يكون حسنًا إذا لم يظهر فيه علة قادحة؛ ولم يَرْوِ في هذا الحديث شيئًا مستنكرًا؛ فكان حجة.
والحديث أخرجه الدارقطني (٣٢ و٣٤)، والبيهقي (١/ ٦٣)، والطحاوي أيضًا (١/ ١٩)، والحاكم (١/ ١٤٩)، والضياء في «المختارة» (٣٢٥ – ٣٢٩ بتحقيقي) عن إسرائيل … به أتم منه.
والظاهر أن المصنف اختصره؛ فإنه عند الدارقطني في بعض الروايات من طريق هارون بن عبد الله -شيخ المصنف فيه- بلفظ:
رأيت عثمان بن عفان توضأ؛ فمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، وخلل لحيته ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح رأسه ثلاثًا، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثمّ قال: رأيت رسول الله ﷺ فعل هذا. وزاد البيهقي بلفظ:
ومسح برأسه ثلاثًا، وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
وهو رواية الحاكم، ورواية للدارقطني.
وعند الطحاوي هذا القدر منه فقط.
وسيأتي له شاهد برقم (١١٤).
والحديث رواه ابن خزيمة أيضًا؛ كما في «التلخيص» (١/ ٤١١).
وروى منه الترمذي (١/ ٤٦)، والدارمي (١/ ١٧٨ – ١٧٩)، وابن ماجة (١/ ١٦٥): تخليل اللحية فقط.
١ ‏/ ١٨٦
وكذلك رواه ابن حبان في «صحيحه» (رقم ١٥٤ – موارد الظمآن). ثمّ قال الترمذي:
«هذا حديث حسن صحيح». وقال في «العلل الكبير»:
«قال محمد -يعني: البخاري-: أصح شيء في التخليل عندي حديث عثمان. قلت: إنهم يتكلمون في هذا؟ فقال: هو حسن». نقله الحافظ في «التهذيب». ثم قال:
«وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيرهم». ونص الحاكم:
«وهذا إسناد صحيح، قد احتجا بجميع رواته؛ غير عامر بن شقيق؛ ولا أعلم فيه طعنًا بوجه من الوجوه»! وتعقبه الذهبي بقوله:
«ضعفه ابن معين»!
قلت: لكن وثقه من سبق ذكرهم! ومن ضعفه لم يبين سببه، وكفى بالبخاري حجة في توثيقه وتحسين حديثه.
وقد جاءت أحاديث كثيرة في تخليل اللحية شاهدة له؛ كما سيأتي (برقم ١٣٣).
كما أن له طريقًا أخرى عن عثمان؛ فيه مسح الرأس ثلاثًا؛ وقد مضى (برقم ٩٥).
وله طريق ثالثة أخرجها أحمد (رقم ٤٣٦): “حدثنا صفوان بن عيسى عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم قال: دخلت على ابن دارة مولى عثمان، قال: فسمعني أُمَضمِض قال: فقال: يا محمد! قال: قلت: لبيك، قال: ألا أخبرك عن وضوء رسول الله ﷺ؟ قال: رأيت عثمان وهو بالقاعد دعا بوَضوء فمضمض …
١ ‏/ ١٨٧
الحديث وفيه:
ومسح برأسه ثلاثًا. ثمّ قال: من أحب أن ينظر إلى وضوء رسول الله ﷺ؛ فهذا وضوء رسول الله ﷺ.
وكذلك أخرجه الدارقطني (٣٤)، والطحاوي (١/ ٢١)، والبيهقي (١/ ٦٢ – ٦٣).
وهذا إسناد حسن: صفوان بن عيسى ثقة من رجال مسلم.
ومحمد بن عبد الله بن أبي مريم ثقة؛ وقد مضى له في الكتاب حديث معلق (رقم ٤٧).
وابن دارة؛ سماه البخاري زيدًا، وكذلك وقع عند الطحاوي مسمى، وروى عنه جمع من الثقات؛ ووثقه ابن حبان، ونقل الحافظ في «التعجيل» (رقم ١٤٥٠): أن الدارقطني قال عقب الحديث:
«إسناده صالح».
وليس هذا في نسختنا من «سننه»، فلعله في بعض النسخ!

٩٩ – قال أبو داود: «رواه وكيع عن إسرائيل قال: توضأ ثلاثًا فقط».
(قلت: إسناده حسن أيضًا، وهو مختصر الذي قبله).
وصله الإمام أحمد (١/ ٥٧ / برقم ٤١٣) قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان:
أن رسول الله ﷺ توضأ ثلاثًا ثلاثًا.
وهذا إسناد حسن أيضًا؛ وقد اختصره وكيع.

١ ‏/ ١٨٨
١٠٠ – عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير قال: أتانا علي رضي الله تعالى عنه وقد صلّى فدعا بطَهور، فقلنا: ما يصنع بالطَّهور وقد صلّى؟ ! ما يريد إلا لِيُعَلِّمنا! فأتي بإناء فيه ماء، وَطَسْتٍ، فأفرغ من الإناء على يمينه، فغسل يده ثلاثًا، ثمّ تمضمض واستنثر ثلاثًا، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثمّ غسل وجهه ثلاثًا، ثمّ غسل يده اليمنى ثلاثًا، وغسل يده الشمال ثلاثًا، ثمّ جعل يده في الإناء؛ فمسح برأسه مرة واحدة، ثمّ غسل رجله اليمنى ثلاثًا، ورجله الشمال ثلاثًا، ثمّ قال:
من سرّه أن يعلم وضوء رسول الله ﷺ؛ فهو هذا.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي).
إسناده: حدثنا مسدد. ثنا أبو عوانة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير خالد بن علقمة وعبد خير؛ وهما ثقتان اتفاقًا. وقال النووي (١/ ٣٤٧ و٣٥٢):
«إسناده صحيح».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٥٠) من طريق المؤلف.
ثم أخرجه (١/ ٦٨) من طريق أخرى عن مسدد.
وأخرجه النسائي (١/ ٢٧)، وأحمد (١/ ١٥٤ / رقم ١٣٢٤)، وابنه في «زوائد المسند» (١/ ١٤١ / رقم ١١٩٨) من طرق أخرى عن أبي عوانة … به.
وله في «ابن ماجة» (٤٠٤)، وفي «المسند» طرق أخرى عن خالد بن علقمة،
١ ‏/ ١٨٩
بعضها مختصر، فانظر (رقم ٩٢٨ و٩٤٣ و٩٤٥ و٩٩٨ و١٠٢٥ و١٠٢٧ و١١٩٧). وفي بعضها التصريح أيضًا بأنه مسح رأسه مرة واحدة.
وخالف أبو حنيفة فقال: عن خالد:
ومسح برأسه ثلاثًا.
أخرجه الدارقطني (٣٣)، والبيهقي (١/ ٦٣)، وضعفاه بسبب مخالفته لرواية الجماعة عن خالد. قال البيهقي:
«وكذلك رواه الجماعة عن علي؛ إلا ما شذ منها».
وكأنه يشير إلى ما وقع في بعض الروايات في حديث أبي إسحاق عن أبي حية؛ كما سيأتي ذكره عند الكلام عليه (رقم ١٠٥)، وانظر (١٠٨).

١٠١ – عن زائدة: ثنا خالد بن علقمة الهَمْدَاني عن عبد خير قال:
صلّى عليٌّ رضي الله تعالى عنه الغداه، ثمّ دخل الرَّحْبة. فدعا بماء، فأتاه الغلام بإناءٍ فيه ماءٌ وطَستٍ، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى وغسل كفيه ثلاثًا، ثمّ أدخل يده اليمنى في الإناء، فمصمص ثلاثًا واستنشق ثلاثًا … ثمّ ساق قريبًا من حديث أبي عَوانة، ثمّ مسح رأسه مُقَدَّمهُ ومُؤخَّره مرة … ثمّ ساق الحديث نحوه.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الدارقطني، وابن حبان (١٠٧٦».
إسناده: حدثنا الحسن بن علي الحلواني: ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة.
وهذا سند صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير خالد وعبد خير؛ وهما ثقتان

١ ‏/ ١٩٠
كما سبق.
والحديث أخرجه الدارقطني (٣٣ و٣٥)، والبيهقي (١/ ٤٨) من طريق شعيب ابن أيوب: ثنا حسين بن علي الجعفي … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٢٧) مختصرًا: أخبرنا موسى بن عبد الرحمن قال: حدثنا حسين بن علي … به.
وأخرجه الدارمي (١/ ١٧٨)، والطحاوي (١/ ١٧ و٢١)، والدارقطني أيضًا، والبيهقي (١/ ٤٧ و٥٩)، وأحمد (١/ ١٣٥ / رقم ١١٣٣) من طرق أخرى عن زائدة … به. وهو عند أحمد أتم وأكمل من جميع الروايات. وقال الدارقطني إنه:
«صحيح».
ثمّ أخرجه البيهقي (١/ ٥٨) من طريق الحسن بن علي بن عفان: ثنا الحسين الجعفي.
وابن عفان غير الحلواني.
قلت: وقد تابع زائدة: أبو عوانة كما سبق، وقد أحال المصنف عليه في بعضه.
وتابعه أيضًا حسن بن عقبة المرادي -عند الدارمي-؛ ولم أجد له ترجمة.
وتابعه آخرون كما سبقت الإشارة إليه في الذي قبله.
وتابعه شعبة، لكنه أخطأ في اسم خالد بن علقمة؛ فسماه: مالك بن عُرْفُطَةَ! وهو:
١ ‏/ ١٩١
١٠٢ – عن شعبة قال: سمعت مالك بن عُرْفُطَةَ [قلت: وهو خالد بن علقمة؛ أخطأ فيه شعبة]: سمعت عبد خير قال:
رأيت عليًّا رضي الله تعالى عنه أتي بكرسي فقعد عليه، ثمّ أتي بكُوزٍ من ماء، فغسل يديه ثلاثًا، ثمّ تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد … وذكر الحديث.
(قلت: إسناده صحيح أيضًا).
إسناده: حدثنا محمد بن المثنى: حدثني محمد بن جعفر: حدثني شعبة.
وهذا إسناد صحيح كسابقه؛ لكن وهم فيه شعبة فقال: مالك بن عرفطة! وإنما هو خالد بن علقمة، كما في رواية زائدة وأبي عوانة المتقدمتين، وكما في رواية كل من رواه عنه غيرهما ممن سبقت الإشارة إليه؛ وقد اتفق الحفاظ -كأحمد والبخاري والترمذي وابن حبان وأبي حاتم وغيرهم- على توهيمه في ذلك؛ وحاول بعض الأفاضل المعاصرين تخطئتهم؛ ولكنه لم يأت بحجة قوية في ذلك فيُعْتَمدَ عليها!
وفي»عون المعبود«ما نصه:
»واعلم أنه ذكر الحافط المزي في «الأطراف» ها هنا [أي: في آخر الحديث] عبارات من قول أبي داود، ليست موجودة في النسخ الحاضرة عندي؛ لكن رأينا إثباتها لتكميل الفائدة، وهي هذه:
قال أبو داود: «ومالك بن عرفطة؛ إنما هو خالد بن علقمة، أخطأ فيه شعبة».
قال أبو داود: “قال أبو عوانة يومًا: حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير، فقال له عمرو الأغضف: رحمك الله أبا عوانة! هذا خالد بن علقمة؛ ولكن شعبة مخطيء فيه، فقال أبو عوانة: هو في كتابي: خالد بن علقمة؛ ولكن قال شعبة:
١ ‏/ ١٩٢
هو مالك بن عرفطة».
قال أبو داود: «حدثنا عمرو بن عون قال: حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة».
قال أبو داود: «وسماعه قديم».
قال أبو داود: «حدثنا أبو كامل قال: حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة؛ وسماعه متأخر، كأنه بعد ذلك رجع إلى الصواب. انتهى».
قال المزي في آخر الكلام: «من قول أبي داود: (مالك بن عرفطة) إلى قول: (رجع إلى الصواب): في رواية أبي الحسن بن العبد، ولم يذكره أبو القاسم. انتهى».
قلت: ورواية أبي الحسن بن العبد هذه؛ ذكرها الحافظ أيضًا في ترجمة خالد ابن علقمة من «التهذيب».
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٢٧)، والطيالسي (رقم ١٤٩)، وعنه البيهقي (١/ ٥٠ – ٥١)، وأحمد (٢ / رقم ٩٨٩ و١١٧٨) من طرق عن شعبة … به.
وللحديث طرق أخرى عن عبد خير، انظرها في «المسند» (رقم ٧٣٧ و٨٧٦ و٩١٠ و٩١٨ و١٢٦٣)، وفي «زيادات ابنه عبد الله» عليه (رقم ١٠٠٧ و١٠٠٨ و١٠١٣ و١٠١٤ – ١٠١٦ و١٠٤٧)، وسيأتي بعضها في الكتاب (رقم ١٥٣).

١٠٣ – عن زِرِّ بن حُبَيْشٍ: أنه سمع عليًّا رضي الله تعالى عنه وسئل عن وضوء رسول الله ﷺ … فذكر الحديث، وقال:
ومسح على رأسه؛ حتى لَمَّا يَقْطُرْ، وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثمّ قال:

١ ‏/ ١٩٣
هكذا كان وضوء رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح، وقواه ابن القيم، ورواه الضياء في «المختارة»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا أبو نُعيم: ثنا ربيعة الكِنَاني عن المنهال بن عمرو عن زِرِّ بن حُبيش.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير ربيعة الكناني -وهو ابن عتبة؛ ويقال: ابن عبيد-، وهو ثقة اتفاقًا.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٧٤) من طريقين آخرين عن أبي نعيم الفضل ابن دُكَين … به.
وأخرجه أحمد (٢ / رقم ٨٧٣) من طريق غيره فقال: حدثنا مروان بن معاوية الفَزَارِي: حدثنا ربيعة بن عتبة الكناني … به مختصرًا. وقال ابن القيم في «التهذيب»:
«ولا أعلم لهذا الحديث علة».

١٠٤ – عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
رأيت عليًّا رضي الله تعالى عنه توضأ؛ فغسل وجهه ثلاثًا، وغسل ذراعيه ثلاثًا، ومسح برأسه واحدة، ثمّ قال:
هكذا توضأ رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال الحافظ).
إسناده: حدثنا زياد بن أيوب الطُّوسِيُّ: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا فِطْر عن أبي فروة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى.

١ ‏/ ١٩٤
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير أن فطرًا -وهو ابن خليفة- هو عنده مقرون بآخر.
وأبو فروة هذا: هو مسلم بن سالم النَّهْدِي الكوفي.
والحديث صحح إسناده الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٠٢).

١٠٥ – عن أبي حَيَّة قال:
رأيت عليًّا رضي الله تعالى عنه توضأ … فذكر وضوءه كله ثلاثًا ثلاثًا. قال: ثمّ مسح رأسه، ثمّ غسل رجليه إلى الكعبين، ثمّ قال:
إنما أحببت أن أريَكم طُهور رسول الله ﷺ.
(قلت: حديث صحيح، وقال الترمذي: «حسن صحيح»).
إسناده: حدثنا مسدد وأبو توبة قالا: ثنا أبو الأحوص. (ح): وثنا عمرو بن عون: أخبرنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن أبي حية.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي حية هذا -وهو ابن قيس الوادعي-؛ قال الذهبي:
«لا يعرف، تفرد عنه أبو إسحاق. قال أحمد: شيخ. وقال ابن المديني. وأبو الوليد الفرضي: مجهول». وقال ابن القطان: وثقه بعضهم. وصحح حديثه ابن السكن وغيره. وقال ابن الجارود في «الكنى»: وثقه ابن نمير«. وفي»التقريب«: أنه»مقبول”؛ أي: إذا توبع. وقد تابعه جمع من الثقات، كما سبق؛ فحديثه صحيح.

١ ‏/ ١٩٥
وأبو الأحوص: هو سَلَّام بن سُليم.
وأبو إسحاق: هو السُّبيعي.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٢٨)، والترمذي (١/ ٦٧ – ٦٨)، والببهقي (١/ ٧٥) من طرق عن أبي الأحوص … به.
وكذلك أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (رقم ١٠٤٦ و١٣٥١).
ورواه النسائي (١/ ٣١ و٣٣) من طرق أخرى عن أبي إسحاق.
ورواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق … به مختصرًا: أخرجه أحمد (رقم ٩٧١ و١٢٠٤ و١٢٧٢)، وابنه (رقم ١٣٤٤).
ورواه ابن ماجة (١/ ١٦٧) أخصر منه من طريق هَنَّادِ بن السِّرِيِّ: ثنا أبو الأحوص … به بلفظ: عن رسول الله ﷺ:
مسح رأسه مرة.
وله طريق ثالثة عن أبي إسحاق فيه زيادة منكرة:
أخرجه عبد الله في «زوائده» (رقم ١٣٥٩) من طريق العلاء بن هلال الرّقِّيِّ: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق … به وفيه: ومسح برأسه ثلاثًا.
وعلته: العلاء بن هلال الرقي؛ وهو ضعيف جدًّا.
واعلم أن المصنف رحمه الله قد جمع أكثر طرق الحديظ عن علي رضي الله عنه.
وله طرق أخرى عنه:
١ ‏/ ١٩٦
منها: عن النزَّال بن سَبْرة … وفيه الشرب بعد الوضوء قائمًا: عند البخاري (١٠/ ٦٧)، والبيهقي (١/ ٧٥)، والطيالسي (رقم ١٤٨)، وأحمد (٢ / رقم ٥٨٣ و١٠٠٥ و١١٧٣ و١٢٢٢ و١٣١٥ و١٣٦٦)، وسيأتي عند المصنف مختصرًا في «الأشربة» (رقم …) [باب في الشرب قائمًا].
ومنها: الحسين بن علي رضي الله عنه: عند النسائي (١/ ٢٧ – ٢٨) بسند صحيح.
ومنها عن أبي مطر: عند أحمد (رقم ١٣٥٥):
ثلاثتهم عن علي رضي الله عنه، وفي حديث الأخيرين عنه:
ثم مسح برأسه مسحة واحدة.
وحديث الحسن يأتي في الكتاب معلقًا (رقم ١٠٧).

١٠٦ – عن ابن عباس قال:
دخل عليَّ عليٌّ -يعني: ابن أبي طالب- وقد أهراق الماء، فدعا بوَضوء، فأتيناه بتَور فيه ماء، حتى وضعناه بين يديه، فقال:
يا ابن عباس! ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله ﷺ؟ قلت: بلى.
قال: فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثمّ أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثمّ غسل كفَّيه، ثمّ تمضمض واستنثر، ثمّ أدخل يديه في الإناء جميعًا؛ فأخذ بهما حَفْنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثمّ ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثمّ الثانية، ثمّ الثالثة مثل ذلك، ثمّ أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء؛ فصبها على ناصيته، فتركها تُسْتَنُّ على وجهه، ثمّ

١ ‏/ ١٩٧
غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثًا ثلاثًا، ثمّ مسح رأسه وظهور أذنيه، ثمّ أدخل يديه جميعًا، فأخذ حَفْنَة من ماء، فضرب بها على رجله وفيها النعل فَفَتَلها بها، ثمّ الأخرى مثلَ ذلك.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين.
(قلت: إسناده حسن. ورواه مختصرًا ابن حبان في «صحيحه» (١٠٧٥».
إسناده: حدثنا عبد العزيز بن يحيى الحَرَّاني: ثنا محمد -يعني: ابن سلمة- عن محمد بن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن رُكَانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس.
وهذا إسناد حسن، وابن إسحاق قد سمعه من ابن طلحة، كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٥٣) عن المؤلف.
ثم أخرجه هو (١/ ٧٤)، والطحاوي (١٩ و٢٠ – ٢١)، وأحمد (٢ / رقم ٦٢٥) من طرق عن ابن إسحاق … به، وصرح ابن إسحاق بسماعه في رواية أحمد، وابن حبان (١٠٧٥). ثمّ قال البيهقي:
«وقال أبو عيسى الترمذي: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث؟ فقال: لا أدري ما هذا الحديث؟ !». وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٠٢):
“رواه أبو داود مطولًا والبزار وقال: لا نعلم أحدًا روى هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني، ولا نعلم أن أحدًا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن
١ ‏/ ١٩٨
ركانة. وقد صرّح ابن إسحاق بالسماع فيه، وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرًا. وضعّفه البخاري فيما حكاه الترمذي».
قلت: وليس في هذه الحكاية ما يبين أن تضعيف البخاري للحديث إنما هو من قبل إسناده؛ كيف وابن إسحاق حسن الحديث عنده؟ وابن طلحة ثقة اتفاقًا؟ وعبيد الله الخولاني من رجال «صحيحه»؟ ! بل فيها إشارة إلى أن تضعيفه إنما هو من قبل متنه؛ وهو قوله:
فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل!
فإنه يشعر أنه مسح عليها ولم يغسلها، وليس ذلك بمراد؛ لقوله بعد ذللك: ففتلها بها؛ يعني: لِيَسيلَ الماء فيعم القدم.
وبالجملة؛ فليس في الحديث -في متنه أو سنده- ما يقتضي تضعيفه، لا سيما وقد ثبت الرش على الرِّجل في «صحيح البخاري» من حديث ابن عباس، وسيأتي في الكتاب بعد باب (رقم ١٢٦). وثبت التوضؤ في النعلين.
أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، وسيأتي في الكتاب في «باب وقت الإحرام» من «الحج» (رقم ١٥٥٤).
فمثل ما أولوا وفسروا هذين الحديثين يفسر حديث ابن عباس عن علي، وبيان ذلك في المطولات كـ «الفتح» وغيره، كـ «تهذيب السنن» لابن القيم؛ وقد أطال النَّفَسَ فيه وأجاد بما لا يوجد مجموعًا في كتاب؛ فراجعه.

١٠٧ – قال أبو داود: «وحديث ابن جريج عن شيبة يشبه حديث علي؛ لأنه قال فيه حجاج بن محمد عن ابن جريج: ومسح برأسه مرة واحدة».

١ ‏/ ١٩٩
(قلت: وصله النسائي بإسناد صحيح).
وصله النسائي (١/ ٢٧) قال: أخبرنا إبراهيم بن الحسن المِقْسَمِيُّ قال: أنبأنا حجاج قال: قال ابن جريج: حدثني شيبة أن محمد بن علي أخبره قال: أخبرني أبي علي أن الحسين بن علي قال:
دعاني أبي علي بوَضوء، فقرَّبته، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وَضوئه، ثمّ مضمض ثلاثًا واستنثر ثلاثًا، ثمّ غسل وجهه ثلاث مرات، ثمّ غسل يده اليمنى إلى الرفق ثلاثًا، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ مسح برأسه مسحة واحدة، ثمّ غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاثًا، ثمّ اليسرى كذلك، ثمّ قام قائمًا فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه، فشرب من فضل وضوئه قائمًا، فعجبت! فلما رآني قال: لا تعجب؛ فإني رأيت أباك النّبيّ ﷺ يصنع مِثلَما رأيتني صنعت؛ يقول؛ لوضوئه هذا وشُرْبِ فضلِ وَضوئه قائمًا.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وشيبة هذا: هو ابن نَصَّاح؛ فإن أبا قره موسى بن طارق روى هذا الحديث عن ابن جريج فقال: حدثني شيبة بن نصاح -كما في «التهذيب»-؛ وهو ثقة.

١٠٨ – وقال ابن وهب فيه: عن ابن جريج: ومسح برأسه ثلاثًا.
(قلت: وصله البيهقي بإسناد صحيح؛ وذكر أنه شاذ بهذا اللفظ، وأن الصواب قول حجاج الذي قبله).
وصله البيهقي (١/ ٦٣) من طريق إبراهيم بن المنذر: ثنا ابن وهب عن ابن جريج … بإسناده السابق بلفظ: ثلاثًا. ثم قال:
“هكذا قال ابن وهب:

١ ‏/ ٢٠٠
ومسح برأسه ثلاثًا». وقال فيه حجاج عن ابن جريج:
ومسح برأسه مرة.
قلت: وقد ذكر البيهقي أنه أحسن ما روي عن علي في المسح على الرأس ثلاثًا، لكنه شاذ؛ لمخالفتها لرواية حجاج عن ابن جريج، ولرواية الجماعة عن علي؛ وقد سبق ذكرهم، فكلهم لم يذكروا: ثلاثًا، وبعضهم صرح بأنه مسح مرة واحدة كما سبق.
لكن ثبت المسح عليه ثلاثًا من حديث عثمان رضي الله عنه؛ كما تقدّم برقم (٩٨).

١٠٩ – عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه (١): أنه قال لعبد الله ابن زيد بن عاصم -وهو جدّ عمرو بن يحيى المازني-:
هل تستطيع أن تُرَيني كيف كان رسول الله ﷺ يتوضأ؟
فقال عبد الله بن زيد: نعم؛ فدعا بوَضوء، فأفرغ على يديه فغسل يديه، ثمّ تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثمّ غسل وجهه ثلاثًا، ثمّ غسل يديه


(١) هو يحيى بن عمارة بن أبي حسن -واسمه تميم- ابن عبد بن عمرو. ولجده أبي حسن صحبة. ثمّ الظاهر أنه هو القائل لعبد الله بن زيد، وأن عبد الله جد يحيي هذا.
وكلاهما غير مراد:
أما الأول؛ فلما في رواية البخاري عنه: أن رجلًا قال لعبد الله بن زيد. وفي رواية أخرى له من طريق وهيب عن عمرو عن أبيه: شهدت عمرو بن أبي حسن سأل عبد الله بن زيد عن وضوء النّبيّ ﷺ.
وأما الآخر؛ فلأن عبد الله بن زيد ليس جد يحيى؛ لا حقيقة ولا مجازًا، كما في «الفتح»، وتمام للبحث يراجع فيه.
١ ‏/ ٢٠١
مرتين مرتين إلى المرفقين، ثمّ مسح رأسه بيديه؛ فأقبل بهما وأدبر؛ بدأ بمقدَّم رأسه ثمّ ذهب بهما إلى قفاه، ثمّ ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثمّ غسل رجليه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وأبو عوانة في «صحاحهم». وقال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب وأحسن؛ يعني: باب المسح على الرأس).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ وقد أخرجاه.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٣٩ – ٤٠)، وعنه أخرجه الشيخان، وأبو عوانة والنسائي والترمذي وابن ماجة، وابن خزيمة (١٥٧)، والبيهقي، وأحمد (٤/ ٣٨)، ومحمد (٤٧) كلهم عن مالك … به، وقال الترمذي: إنه «أصح شيء في الباب وأحسن».
وله عن عمرو بن يحيى طرق أخرى، سيأتي في الكتاب بعضها.
(تنبيه): روى سفيان بن عيينة هذا الحديث مختصرًا عن عمرو بن يحيى … به وقال:
وغسل رجليه مرتين.
أخرجه الترمذي (١/ ٦٦ – تحقيق أحمد شاكر). وقال المحقق: «قال الشارح: أخرجه البخاري ومسلم مطولًا»!
فأقول: أولًا: روايتهما كرواية المؤلف؛ ليس فيها: مرتين.
١ ‏/ ٢٠٢
ثانيًا: هذه الزيادة شاذة؛ لمخالفة ابن عيينة لرواية مالك ومن وافقه من أصحاب عمرو بن يحيى المازني؛ وهم: وهيب بن خالد بن عجلان، وسليمان بن بلال، وخالد بن عبد الله -عند الشيخين-، وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون -عند أحمد (٤/ ٤٠) -؛ فكلهم لم يذكر في الرِّجلين: مرتين.
وأيضًا؛ فابن عيينة كان يضطرب فيها:
فمرة يذكرها، كما في رواية الترمذي هذه، وهي عند ابن خزيمة أيضًا (١٧٢)، وابن الجارود (٧٠).
وتارة لا يذكرها، وهي رواية الحميدي في «مسنده» (٤١٧).
وتارة كان يذكرها في المسح فيقول: ومسح برأسه مرتين: رواه أحمد (٤/ ٤٠)؛ وقال: سمعته من سفيان ثلاث مرات يقول: غسل رجليه مرتين. وقال مرة: مسح برأسه مرة. وقال مرتين: مسح برأسه مرتين.
وهذا اضطراب شديد من سفيان؛ يدل على أنه لم يحفظ هذا الحرف من الحديث، ولم يضبطه.
(تنبيه آخر): زعم الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٩١): أنّ مالكًا خالف الحفاظ في قوله في اليدين: مرتين؛ وهم وهيب ومن ذكر معه آنفًا فقالوا: ثلاثًا!
وهو وهم منه رحمه الله؛ فإنهم جميعًا قالوا: مرتين؛ كما قال مالك.
نعم؛ رواه مسلم بهذا اللفظ: ثلاثًا؛ من طريق أخرى عن عبد الله بن زيد، وهي عند أحمد (٤/ ٤١).
فلعلها سبب الوهم، وإسناده الأول أصح. والله أعلم.
١ ‏/ ٢٠٣
١١٠ – عن خالد عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن عبد الله بن زيد بن عاصم … بهذا الحديث قال:
فمضمض واستنشق من كفٍّ واحدة؛ يفعل ذلك ثلاثًا … ثمّ ذكر نحوه.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في «صحيحه» عن شيخ المؤلف ومسلم وأبو عوانة).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا خالد.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه في «صحيحه» (١/ ٢٣٧ – ٢٣٨) بهذا الإسناد.
وخالد: هو ابن عبد الله الواسطي الطحان.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٤٢) عن المؤلف.
وأخرجه البيهقي (١/ ٥٠) من طريق أخرى عن مسدد.
ثم أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة والدارمي (١/ ١٧٧)، وأحمد (٤/ ٣٩ و٤٢) من طرق أخرى عن خالد … به.
وتابعه وهيب عن عمرو بن يحيى: عند الشيخين وأبي عوانة والبيهقي.
وله متابعات أخرى بنحوه عند مسلم والدارمي وأحمد وغيرهم.
وأخرجه الحاكم أيضًا (١/ ١٨٢) عن خالد؛ وقال:
«صحيح على شرطهما». ووافقه الذهبي.
١ ‏/ ٢٠٤
١١١ – عن حَبَّان بن واسع: أن أباه حدثه: أنه سمع عبد الله بن زيد ابن عاصم المازني يذكر:
أنه رأى رسول الله ﷺ … فذكر وضوءه؛ وقال:
ومسح رأسه بماءٍ غير فَضْلِ يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه» عن شيخ المصنف، ورواه أبو عوانة في «صحيحه»، وقال البيهقي: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن حبان بن واسع حدثه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في «صحيحه» (١/ ١٤٦) بهذا السند.
وابن السرح: كنيته أبو الطاهر.
وأخرجه البيهقي (١/ ٦٥) من طريق المؤلف، وقال:
«إسناد صحيح». وكذا قال النووي (١/ ٤١٤).
والحديث أخرجه مسلم أيضًا، وأبو عوانة (١/ ٢٤٩) وأحمد (٤/ ٤١) من طرق عن ابن وهب … به.
وتابعه عن عمرو: حجاج بن إبراهيم الأزرق عند أبي عوانة، وإسناده صحيح، وتابعه عن حبان بن واسع: ابن لهيعة: عند أحمد (٤/ ٣٩ و٤٠ و٤١ و٤٢).
وإسناده صحيح؛ فإن من الرواة عنه عبد الله بن المبارك، وهو صحيح الحديث عن ابن لهيعة.
١ ‏/ ٢٠٥
وخالف الهيثم بن خارجة؛ فرواه عن ابن وهب بلفظ:
فأخذ لأذنيه ماءً خلاف الماء الذي أخذ لرأسه: أخرجه البيهقي، وقال:
«إسناده صحيح. وكذلك روي عن عبد العزيز بن عمران بن مقلاص وحرملة ابن يحيى عن ابن وهب …»؛ ثمّ ساق لفظ الكتاب من طريق المؤلف، ثمّ قال: «وهذا أصح». وقال الحافظ:
«وهو المحفوظ»؛ أي: وخلافه شاذ؛ وهو الصواب.

١١٢ – عن المقدام بن مَعْدِيكَرِبَ الكِنْدِي قال:
أُتِيَ رسول الله ﷺ بوَضوء؛ فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثمّ غسل ذراعيه ثلاثًا ثلاثًا، ثمّ تمضمض واستنشق ثلاثًا، ثمّ مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما.
(قلت: إسناد صحيح، وقال النووي والعسقلاني: حسن، والشوكاني: صالح، وأخرجه الضياء في «المختارة»).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل قال: ثنا أبو المغيرة قال: ثنا حَرِيز قال: حدثني عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي قال: سمعت المقدام بن معديكرب الكندي.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الرحمن بن ميسرة؛ وهو ثقة. قال المصنف:
«شيوخ حريز كلهم ثقات». وقال العجلي:
«شامي تابعي ثقة».

١ ‏/ ٢٠٦
والحديث في «المسند» (٤/ ١٣٢) بهذا السند واللفظ؛ وزاد في آخره: وغسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا.
والحديث قال النووي (١/ ٤١١) والحافظ (١/ ٤٢٧):
«وإسناده حسن». وقال الشوكاني (١/ ١٢٥):
«إسناده صالح، وقد أخرجه الضياء في»المختارة«…».
(تنبيه): يلاحظ أن المضمضة في هذا الحديث وقعت بعد غسل الذراعين.
نعم؛ وقعت في النسخة التازية -المطبوعة في مصر- بعد غسل الكفين؛ كما في سائر الأحاديث، لكن الصواب في هذا الحديث: الأول؛ لأمرين:
الأول: أنه كذلك وقع في النسخة التي عليها شرح «عون المعبود».
الثاني: أن الحديث في «المسند» كما سبق، وقد جاءت فيه المضمضة بعد الذراعين؛ وعلى هذا قال السيوطي -كما في «العون»-:
«احتج به من قال: الترتيب في الوضوء غير واجب؛ لأنه أخر المضمضة والاستنشاق عن غسل الذراعين وعطف عليه بـ (ثمّ). قلت: هذه رواية شاذة، لا تعارض الرواية المحفوظة التي فيها تقديم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه»!
قلت: إن كان يعني بالرواية المحفوظة من هذا الحديث كما هو الظاهر؛ فإني لم أقف عليها فيما عندي من كتب السنة؛ غير ما علمت من اختلاف نسخ «السنن»؛ فلعل السيوطي وقف على النسختين؛ فرجّح النسخة الأولى؛ لموافقتها لسائر الأحاديث.
وقد رأيت الزيلعي نقل الحديث (١/ ١٢) عن المصنف موافقًا لها، فدل ذلك على أن النسخ مختلفة، لكن الراجح النسخة الأخرى؛ لما ذكرنا من موافقتها
١ ‏/ ٢٠٧
لـ «المسند». والله أعلم.

١١٣ – وفي رواية قال:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ، فلما بلغ مسح رأسه؛ وضع كفيه على مقدم رأسه؛ فأمَرَّهما حتى بلغ القفا، ثمّ ردَّهما إلى المكان الذي منه بدأ.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا محمود بن خالد ويعقوب بن كعب الأنطاكي -لَفْظُهُ- قالا: ثنا الوليد بن مسلم عن حَرِيز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة … به. قال محمود: أخبرني حريز.
وهذا سند صحيح كسابقه؛ قد صرح الوليد بالتحديث في رواية محمود هذه، وفي رواية غيره كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٥٩) من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٩) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي قال: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا حريز بن عثمان … به وزاد في آخره:
ومسح بأذنيه: طاهرهما وباطنهما مرة واحدة.
وهذا إسناد صحيح، ومحمد بن عبد الله بن ميمون البغدادي: هو أبو بكر الإسكندراني، له ترجمة في «تاريخ بغداد» (٥/ ٤٢٦)، وقال:
«قال ابن أبي حاتم: هو صدوق ثقة».
وأما اللفظ الآخر وهو:

١ ‏/ ٢٠٨
١١٤ – وفي لفظ قال:
ومسح بأذنيه: ظاهرهما وباطنهما (زاد في رواية)، وأدخل أصابعه في صِمَاخِ أذنيه.
(قلت: إسناده صحيح).
فإسناده هكذا: حدثنا محمود بن خالد وهشام بن خالد -المعنى- قالا: ثنا الوليد … بهذا الإسناد قال: زاد هشام:
وأدخل أصابعه … إلخ.
وهشام ثقة؛ وكذلك محمود.
وتابعهما هشام بن عمار قال: ثنا الوليد: ثنا حريز بن عثمان … به.
أخرجه ابن ماجة (١/ ١٦٨).
وأخرجه البيهقي (١/ ٦٥) من طريق المؤلف.

١١٥ – عن أبي الأزهر المغيرة بن فروة وبزيد بن أبي مالك:
أن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله ﷺ يتوضأ، فلما بلغ رأسه؛ غرف غرفة من ماء؛ فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه؛ حتى قطر الماء أو كاد يقطر، ثمّ مسح من مقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا مُؤَمَّل بن الفضل الحَرَّاني: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا عبد الله

١ ‏/ ٢٠٩
ابن العلاء: ثنا أبو الأزهر المغيرة بن فروة ويزيد بن أبي مالك.
وهذا إسناد صحيح: مؤمل بن الفضل؛ قال الآجُرِّي عن المصنف:
«أمرني النفيلي أن أكتب عنه».
وبقية رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير المغيرة بن فروة؛ وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات، وحديثه هنا مقرون بـ (يزيد بن أبي مالك) -نسب إلى جده؛ واسمه هاني، واسم أبي يزيد عبد الرحمن-، وهو ثقة.
(تنبيه): أشار الحافظ في ترجمة المغيرة بن فروة أنه من أفراد المصنف، ثمّ قال:
«له في»السنن«حديثه عن معاوية في الوضوء ثلاثًا ثلاثًا، ولم يسم ثَمَّ»!
وهذا من أوهامه؛ فإنه مسمى كما ترى.
وكذلك رواه البيهقي (١/ ٥٩) من طريق المؤلف.
وله حديث آخر في «الصيام»؛ سيأتي إن شاء الله في «باب التقدّم» في الكتاب الآخر (رقم ٣٩٧).
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٩٤): ثنا علي بن بحر: ثنا الوليد بن مسلم قال: ثنا عبد الله بن العلاء عن أبي الأزهر وحده … نحوه.
وكذلك أخرجه الطحاوي (١/ ١٨).

١١٦ – وفي رواية: قال:
فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وغسل رجليه بغير عدد.
(قلت: إسنادها صحيح).

١ ‏/ ٢١٠
إسناده: حدثنا محمود بن خالد: ثنا الوليد … بهذا الإسناد. قال:
«وهذا صحيح أيضًا».
وقد تابعه علي بن بحر عن الوليد: ثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع يزيد -يعني: ابن أبي مالك- وأبا الأزهر يحدثان عن وضوء معاوية قال: يريهم وضوء رسول الله ﷺ؛ فتوضأ … إلخ.
أخرجه أحمد أيضًا.

١١٧ – عن الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ ابن عفراء قالت:
كان رسول الله ﷺ يأتينا، فحدثتنا أنه قال:
«اسكبي لي وَضوءًا»؛ فذكرت وضوء رسول الله ﷺ؛ قالت فيه: فغسل كفيه ثلاثًا؛ ووضَّأ وجهه ثلاثًا، ومضمض واستنشق مرة، ووضَّأ يديه ثلاثًا ثلاثًا، ومسح برأسه مرتيها: يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، وبأذنيه كلتيهما: ظهورهما وبطونهما، ووضَّأ رجليه ثلاثًا ثلاثًا.
(قلت: إسناده حسن، وقال الترمذي: حديث حسن، وقواه الحاكم والذهبي).
إسناده: حدثنا مُسَدَّد: ثنا بشر بن المُفَضَّل: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ ابن عفراء.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن محمد ابن عقيل، وقد تُكلم فيه من قِبل حفظه، وهو حسن الحديث كما ذكرنا فيما سلف (رقم ٥٥).

١ ‏/ ٢١١
والحديث روى الحاكم (١/ ١٥٢) منه، والبيهقي (١/ ٦٤) -عنه-: مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما … أخرجاه عن شيخ المصنف.
وأخرجه الترمذي (١/ ٤٨) من طريق قتيبة بن سعيد: حدثنا بشر بن المفضل … به مختصرًا بلفظ:
أن النّبيّ ﷺ مسح برأسه مرتين … الحديث إلى قوله: وبطونهما.
وأخرجه البيهقي (١/ ٦٤) بتمامه من طريق محمد بن يحيى الزماني: ثنا بشر بن المفضل … به؛ إلا أنه قال:
يبدأ بمؤخر رأسه ثم بمقدمه، كرره مرتين.
فأفسد حديث مسدد ومن تابعه؛ لأن حديثهم يوافق حديث عبد الله بن زيد المتقدم (برقم ١١٠) في الإقبال والإدبار مرة مرة.
وأما الزِّمَّاني؛ فجعل كلًّا منهما مرتين! ولذلك قال البيهقي عقبه:
«ورواه غيره عن بشر … لم يذكر قوله: ثم مؤخر رأسه ثم مقدمه».
قلت: والزِّماني ثقة، فالزيادة التي تفرد بها شاذة.
ثمّ قال الترمذي:
«حديث حسن، وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود إسنادًا».
وهو كما قال، لكن لا تعارض بينهما؛ لأنهما في حادثتين مختلفتين، فيجوز البدء بمؤخر الرأس على هذا الحديث، ويجوز البدء بمقدمه على حديث ابن زيد السابق؛ وكل سنة. وقال الحاكم:
«ابن عقيل مستقيم الحديث مقدم في الشرف»! ووافقه الذهبي!
١ ‏/ ٢١٢
قلت: ولكنه قد جاء بزيادة منكرة في آخر الحديث:
أخرجه ابن ماجة (٤٥٨) والبيهقي (١/ ٧٢) من طريقين عنه عن الربيع قالت: أتاني ابن عباس، فسألني عن هذا الحديث؟ [تعني: حديثها الذي ذكرت أن رسول الله ﷺ توضأ وغسل رجليه] فقال ابن عباس: إن الناس أبَوا إلا الغَسْل، ولا أجد في كتاب الله إلا المسح؟ !
وأشار البيهقي إلى عدم صحته بقوله:
«إن صح».

١١٨ – وفي لفظ مغاير لبعض ما سبق: قال فيه:
وتمضمض واستنثر ثلاثًا.
(قلت: إسناده حسن أيضًا، لكن قوله في المضمضة، والاستنثار: ثلاثًا؛ شاذ).
إسناده: حدثنا إسحاق بن إسماعيل: ثنا سفيان عن ابن عقيل … بهذا الحديث يغير بعض معاني بشر. قال فيه:
وتمضمض واستنثر ثلاثًا.
وهذا إسناد حسن أيضًا؛ وإسحاق بن إسماعيل: هو أبو يعقوب الطَّالْقَانِي؛ وهو ثقة. وسفيان:
هو ابن عيينة، ثقة حجة من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٥٨): ثنا سفيان بن عيينة قال: حدثني عبد الله ابن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال:

١ ‏/ ٢١٣
أرسلني علي بن حسين إلى الرُّبيِّع بنت معوذ ابن عفراء، فسألتها عن وضوء رسول الله ﷺ؟ فأخِرجت له -يعني- إناءً يكون مُدًّا أو نحو مُدٍّ وربع -قال سفيان: كأنه يذهب إلى الهاشمي- قالت:
كنت أخرج له الماء في هذا؛ فيصب على يديه ثلاثًا -وقال مرة: يغسل يديه قبل أن يدخلهما-، ويغسل وجهه ثلاثًا، ويمضمض ثلاثًا، ويستنشق ثلاثًا، ويغسل يده اليمنى ثلاثًا، واليسرى ثلاثًا، ويمسح برأسه، وقال: مرة أو مرتين؛ مقبلًا ومدبرًا، ثمّ يغسل رجليه ثلاثًا … الحديث.
وأخرجه البيهقي في (١/ ٧٢) من طريق العباس بن يزيد: ثنا سفيان بن عيينة … به. لكنه لم يسق لفظه.
لكن قوله: وتمضمض واستنثر ثلاثًا؛ قد خالف فيه بشر بن المفضل -كما في الرواية السابقة-، وسفيان الثوري -كما سنذكره في الرواية الآتية (رقم ١٢١) -. فهو شاذ؛ والصواب قولهما.

١١٩ – وعنها:
أن رسول الله ﷺ توضأ عندها، فمسح الرأس كله: من قرن الشعر، كل ناحية لِمُنْصَبِّ الشَّعر، لا يحرِّك الشعر عن هيئته.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد الهَمْداني قالا: ثنا الليث عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الرُّبيع بنت معوذ ابن عفراء.
وهذا إسناد حسن؛ وليث: هو ابن سعد المصري، ثقة حجة.
وابن عجلان: هو محمد؛ وهو حسن الحديث.

١ ‏/ ٢١٤
وابن عقيل كذلك كما سبق.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٥٩) قال: ثنا يونس قال: ثنا ليث … به.
وكذلك أخرجه البيهقي (١/ ٦٠) عن يحيى بن بكير: ثنا الليث … به.
ولفظهما مثل لفظ الكتاب سواءً؛ غير أنهما قالا: فوق، بدل: قرن. وقد أشار البيهقي إلى هذه الرواية.

١٢٠ – وعنها قالت:
رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ؛ قالت: فمسح رأسه؛ ومسح ما أقبل منه وما أدبر، وصُدْغَيْهِ وأذنيه مرة واحدة.
(قلت: إسناده حسن. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا بكر -يعني: ابن مضر- عن ابن عجلان عن عبد الله بن محمد بن عقيل أن ربيع بنت معوذ ابن عفراء أخبرته.
وهذا إسناد حسن كسابقه.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ٣٦٠) والترمذي (١/ ٤٩) قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٩) من طريق أبي الأسود قال: حدثني بكر بن مضر … به، ولم يسق لفظه.
وأبو الأسود: هو المرادي المصري، مشهور بكنيته، واسمه النضر بن عبد الجبار، وهو ثقة.

١ ‏/ ٢١٥
(تنبيه): وقع في النسخة التازية: (عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبيه أن رُبيع بنت معوذ … إلخ)!
فأدخل بينها وبين عبد الله: والده! وليست هذه الزيادة في النسخة الصحيحة من الكتاب، ولا هي مذكورة في شيء من الروايات التي وقفنا عليها.

١٢١ – وعنها:
أنّ النّبيّ ﷺ مسح برأسه من فضل ماء كان في يده.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عبد الله بن داود عن سفيان بن سعيد عن ابن عقيل عن الرُّبيع.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم رجال البخاري؛ غير ابن عقيل.
وعبد الله بن داود: هو ابن عامر الهَمْداني.
والحديث رواه البيهقي (١/ ٢٣٧) من طريق المؤلف.
ورواه الدارقطني (٣٢) من طريقين آخرين عن عبد الله بن داود.
وتابعه وكيع عن سفيان … به أتم منه نحو رواية سفيان بن عيينة التي ذكرناها قريبًا رقم (١١٨)؛ إلا أنه قال:
ومضمض واستنشق مرة مرة، ثمّ قال:
ومسح رأسه بما بقي من وَضوئه في يديه مرتين؛ بدأ بمؤخره … إلخ.
وروى ابن ماجة (١/ ١٦٧) منه مسح الرأس مرتين.

١ ‏/ ٢١٦
١٢٢ – وعنها:
أنّ النّبيّ ﷺ توضأ فأدخل أصبعيه في حُجْرَيْ أذنيه.
(قلت: إسناده حسن).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا وكيع: ثنا الحسن بن صالح عن عبد الله ابن محمد بن عقيل عن الربيع بنت معوذ.
وهذا إسناد حسن أيضًا، رجاله -غير ابن عقيل- رجال مسلم.
وابن سعيد: هو الجوهري.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٦٥) من طريق المؤلف.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٦٨) من طريقين آخرين عن وكيع … به.

١٢٣ – عن أبي أمامة- وذكر وضوء النّبيّ ﷺ قال:
كان رسول الله ﷺ يمسح المَأْقَيْن. قال: وقال:
«الأذنان من الرأس».
قال سليمان بن حرب (أحد رواته عن حماد): يقولها أبو أمامة.
وقال حماد: لا أدري هو من قول النّبيّ ﷺ أو أبي أمامة؟ يعني: قصة الأذنين.
(قلت: حديث صحيح دون (مسح المأقين)، وحسنه الترمذي في بعض نسخ «السنن»، وقواه المنذري وابن دقيق العيد وابن التركماني والزيلعي).

١ ‏/ ٢١٧
إسناده: حدثنا سليمان بن حرب: ثنا حماد. (ح) وثنا مسدد وقتيبة عن حماد بن زيد عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة.
قال المصنف عقبه: قال سليمان بن حرب: يقولها أبو أمامة. قال قتيبة: قال حماد: لا أدري هو من قول النّبيّ ﷺ أو أبي أمامة؟ ! يعني: قصة الأذنين. قال قتيبة: عن سنان أبي ربيعة. قال أبو داود: وهو ابن ربيعة؛ كنيته أبو ربيعة.
قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد. سنان بن ربيعة أبو ربيعة وشيخه شهر بن حوشب مختلف فيهما.
والأول؛ أخرج له البخاري مقرونًا. وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق فيه لين».
وشهر؛ صدوق كثير الإرسال، وروى له مسلم مقرونًا أيضًا؛ كما في «الترغيب» (٤/ ٢٨٤).
وبقية رجال الإسناد رجال الشيخين، وقد مَروا مِرارًا.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٦٦) من طريق مسدد وأبي الربيع قالا: حدثنا حماد … به بلفظ:
توضأ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال:
«الأذنان من الرأس»؛ وكان يمسح المأقين.
ثمّ أخرجه من طريق يوسف بن موسى القطان: ثنا سليمان بن حرب … به بلفظ:
“أنه وصف وضوء رسول الله ﷺ، فقال:
١ ‏/ ٢١٨
كان إذا توضأ مسح مأقيه بالماء.
وقال أبو أمامة: الأذنان من الرأس.
قال سليمان بن حرب: الأذنان من الرأس؛ إنما هو من قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا؛ فقد بدل؛ أو كلمة قالها سليمان؛ أي: أخطأ.
أخرجه من طريق الدارقطني، وهو في «سننه» (٣٨).
وأخرجه الترمذي (١/ ٥٣): حدثنا قتيبة … به ولفظه:
توضأ النّبي ﷺ؛ فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ومسح برأسه، وقال: «الأذنان من الرأس».
قال قتيبة: قال حماد: لا أدري … إلخ. وقال:
«هذا حديث [حسن]، ليس إسناده بذاك القائم».
ولفظة: «حسن» ثبتت في بعض النسخ، كما ذكر المحقق أحمد محمد شاكر.
وقد تابعه على هذا السياق بتمامه: يونس: ثنا حماد -يعني: ابن زيد- .. به. وفي آخره قول حماد: فلا أدري … إلخ.
ورواه عفان بن حماد عن زيد بلفظ: عن أبي أمامة قال: وصف وضوء رسول الله ﷺ … فذكر ثلاثًا ثلاثًا، ولا أدري كيف ذكر المضمضة والاستنشاق، وقال: «والأذنان من الرأس». قال:
وكان رسول الله ﷺ يمسح المأقين، وقال بأصبعيه -وأرانا حماد- ومسح مأقيه.
١ ‏/ ٢١٩
أخرجه أحمد (٥/ ٢٥٨).
ثمّ أخرجه (٥/ ٢٦٨) من طريق يحيى بن إسحاق: أنا حماد بن زيد بلفظ:
توضأ فمضمض ثلاثًا، واستنشق ثلاثًا، وغسل وجهه، وكان يمسح المأقين من العين، قال: وكان النّبيّ ﷺ يمسح رأسه مرة واحدة، وكان يقول:
«الأذنان من الرأس».
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٩) عن يحيى بن حسان عن حماد … به مختصرًا بلفظ:
توضأ فمسح أذنيه مع الرأس، وقال:
«الأذنان من الرأس».
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٦٨)، والدارقطني من طريق محمد بن زياد الزيادي: أخبرنا حماد بن زيد بلفظ: أن رسول الله ﷺ قال:
«الأذنان من الرأس»، وكان يمسح رأسه مرة، وكان يمسح المأقين.
ثمّ أخرجه الدارقطني عن الهيثم بن جميل ومحمد بن أبي بكر وأبي عمر كلهم عن حماد … به مرفوعًا مقتصرين على قوله عليه الصلاة والسلام:
«الأذنان من الرأس». وقال الدارقطني:
«أسنده هؤلاء عن حماد، وخالفهم سليمان بن حرب؛ وهو ثقة حافظ».
قلت: هؤلاء الذين رفعوه: أبو الربيع -وهو سليمان بن داود العَتَكي-، ويحيى ابن إسحاق ويحيى بن حسان ومحمد بن زياد والهيثم بن جميل ومحمد بن أبي بكر وأبو عمر -وهو حفص بن عمر الحوضي- كلهم ثقات محتج بهم في
١ ‏/ ٢٢٠
«الصحيح»؛ فتخطئتهم وردُّ روايتهم -وهم بهذه الكثرة والمنزلة في الثقة والعدالة- لمجرد جزم سليمان بن حرب بوقفه، أو لتوقف غيره في رفعه؛ مما لا ينشرح له الصدر، ولا تقبله قواعد هذا الفن الشريف؛ بل الظاهر من مجموع هذه الروايات عن حماد: أن حمادًا نفسه كان تارة يرفع الحديث، وتارة يوقفه، وتارة يتردد في ذلك، فروى كل عنه ما سمعه منه.
فكل الروايات عنه صحيحة ثابتة، لكن يبقى النظر في أصل الحديث؛ هل هو مرفوع أم موقوف؟
ويترجح عندنا الأول؛ وذلك لأمور:
الأول: ما قاله ابن التركماني في رده على البيهقي -بعد أن ذكر شيئًا من الخلاف السابق في رفعه ووقفه- قال:
«وإذا رفع أحد حديثًا ووقفه آخر، أو فعلهما شخص واحد في وقتين؛ يرجح الرافع؛ لأنه أتى بزيادة، ويجوز أن يسمع الإنسان حديثًا فيوقفه في وقت، ويرفعه في وقت آخر، وهذا أولى من تغليط الرافع».
وذكره الزيلعي (١/ ١٩) بتصرف يسير في بعض الألفاظ؛ دون أن ينسبه إلى ابن التركماني، وقد لاحظت ذلك منه غير مرة، وليس بجيد؛ فإن من أمانة العلم نسبةَ كل قول إلى قائله!
الأمر الثاني: أن قوله عليه الصلاة السلام: «الأذنان من الرأس»؛ روي عن أبي أمامة من وجهين آخرين: أخرجهما الدارقطني (٣٨ – ٣٩) وضعفهما.
الثالث: أن الحديث ورد مرفوعًا عن جمع كثير من الصحابة؛ وهم:

٢ – عبد الله بن زيد ٣ – عبد الله بن عباس ٤ – أبو هريرة ٥ – أبو موسى ٦ – عبد الله بن عمر ٧ – عائشة ٨ – أنس.

١ ‏/ ٢٢١
وذكرها الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٣١ – ٤٣٢)، وخرجها؛ وجُلُّها عند الدارقطني؛ وأعلها كلها. لكنه قد نوزع في بعضها، كحديث عبد الله بن زيد؛ وهو عند ابن ماجة، وقد ذكر الحافظ نفسه أنه قواه المنذري، وابن دقيق العيد، وكذلك قواه ابن التركماتي، والزيلعي؛ بل ذكرا أنه أمثل إسناد في هذا الباب. وسوف نتكلّم عليه إن شاء الله تعالى في «صحيح ابن ماجة».
وبالجمله؛ فالحديث عندنا صحيح بهذه الطرق والشواهد للكثيرة؛ التي منها ما يأتي بعد باب من حديث ابن عباس في مسح الرأس والأذنين بماء واحد، انظر (رقم ١٢٦)، وأصرح منه ما سأذكره في الحديث (١٢٩).

٥١ – باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
١٢٤ – عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عبد الله بن عمرو بن العاص]:
أن رجلًا أتى النّبيّ ﷺ فقال: يا رسول الله! كيف الطُّهور؟
فدعا بماء في إناء، فغسل كفيه ثلاثًا، ثمّ غسل وجهه ثلاثًا، ثمّ غسل ذراعيه ثلاثًا، ثمّ مسح برأسه، فأدخل أصبعيه السَّبَّاحتين في أذنيه، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثمّ غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال:
«هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص؛ فقد أساء وظلم -أو ظلم وأساء-».
(قلت: إسناده حسن صحيح. وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه».

١ ‏/ ٢٢٢
وصححه النووي. غير أن قوله: «أو نقص» شاذ، بل هو وهم من بعض الرواة، كما عليه المحققون، ويعارضه ما يأتي في البابين التاليين من وضوئه ﷺ مرة مرة، ومرتين مرتين).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو عوانة عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب.
وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عمرو بن شعيب، وأبيه شعيب -وهو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي-؛ قال الذهبي:
«قلت: شعيب والده لا مغمز فيه، ولكن ما علمت أحدًا وثقه، بل ذكره ابن حبان في»تاريخ الثقات«. وقد روى عن جده عبد الله، وعن معاوية، وعن والده محمد بن عبد الله إن كان ذلك محفوظًا. وقد ذكر البخاري وأبو داود وغير واحد أنه سمع من جده، وهذا لا ريب فيه. أمّا رواية شعيب عن أبيه محمد بن عبد الله؛ فما علمتها صحت؛ فإن محمدًا قديم الوقاة؛ وكأنه مات شابًّا».
قلت: ورواية شعيب عن أبيه ستأتي في «البيوع» [باب الرجل يبيع ما ليس عنده].
وأمّا عمرو بن شعيب؛ فوثقه الجمهور، كما صرح به الحافظ في «تهذيب التهذيب»، وقال في «التقريب»: إنه:
«صدوق».
قلت: لكنهم اختلفوا في الاحتجاج بروايته عن أبيه عن جده: فقال ابن عدي:
«عمرو بن شعيب في نفسه ثقة؛ إلا إذا روى عن جده عن النّبيّ ﷺ يكون مرسلًا؛ لأنّ جده عنده محمد بن عبد الله بن عمرو؛ ولا صحبة له»! قال
١ ‏/ ٢٢٣
الذهبي:
«قلت: هذا لا شيء؛ لأنّ شعيبًا جده عبد الله فإذا قال:»عن أبيه«ثمّ قال:»عن جده«؛ فإنما يريد بالضمير في جده أنه عائد إلى شعيب».
وذكر ابن حبان في «الضعفاء» نحو ما ذكر ابن عدي؛ وزاد:
«وإن أراد جده عبد الله بن عمرو؛ فيكون الخبر منقطعًا؛ فإن شعيبًا لم يلق عبد الله»! ورده الذهبي أيضًا بقوله:
«قلت: قد مر أنّ محمدًا قديم الموت، وصح أيضًا أن شعيبًا سمع من معاوية، وقد مات معاوية قبل عبد الله بن عمرو بسنوات، فلا ينكر له السماع من جده؛ سيما وهو الذي رباه وكفله» (١).
قلت: فثبت بذلك أن شعيبًا سمع من جده عبد الله بن عمرو، وأن الإسناد ليس بمنقطع ولا بمرسل.
بيد أنه قد مرت الإشارة إلى أنّ شعيبًا قد روى عن أبيه محمد أيضًا، فإذا قال في الإسناد:
عن أبيه عن جده؛ فلقائل أن يقول: يحتمل أن يكون الضمير في (أبيه، جده) يعود إلى عمرو، وحينئذٍ فجده هو محمد بن عبد الله بن عمرو؛ وعليه يكون


(١) قلت: ويؤيد هذا ما روى المصنف في «باب الملتزم» من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: طفت مع عبد الله … الحديث.
وروى الحاكم (٢/ ٦٥) قصة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، فيها التصريح باجتماعه بابن عمرو. ثم قال الحاكم:
«هذا حديث ثقات رواته حفاظ، وهو كالأخذ باليد في صحة سماع شعيب بن محمد عن جده عبد الله بن عمرو».
١ ‏/ ٢٢٤
الحديث مرسلًا؛ كما قال ابن عدي!
لكنا نقول: إن هذا احتمال بعيد؛ لقلة رواية شعيب عن أبيه محمد، حتى إن الحافظ ليقول في «التهذيب»:
«ولم يأت التصريح بذكر محمد بن عبد الله بن عمرو في حديثه؛ إلا في هذين الحديثين».
يعني بأحدهما: ما سبقت الإشارة إليه أنه يأتي في «البيوع».
والآخر: عند النسائي في النهي عن الحمر الأهلية.
وأيضًا؛ فإني قد تتبعت أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في «مسند أحمد» وفي هذا الكتاب؛ فوجدتها على أربعة أنواع:
الأول: ما إسناده على نسق إسناد هذا الحديث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ مما ليس فيه التصريح بما يلزم منه الوصل؛ وأن جده عبد الله بن عمرو.
وهذا النوع هو الأكثر؛ وسيأتي في الكتاب منه نحو عشرين حديثًا أو أكثر.
الثاني: مثله؛ إلا أن فيه التصريح بمثل قوله: سمعت رسول الله ﷺ، أو رأيته، ونحو ذلك مما يلزم منه الصحبة والمشاهدة، ويلزم منه دفع الاحتمال السابق.
ومن أمثلته: ما سيأتي في «باب الصلاة في النعل» (رقم ٦٦٠)، وانظر «المسند» (٢/ ١٨١ و١٨٥ و١٨٦ و٢٠٣ و٢٠٥ و٢١٥ و٢١٦)، و(رقم ٧٠١) من هذا الكتاب.
الثالث: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو؛ وهذا فيه بيان أن جده هو عبد الله بن عمرو؛ ليس هو ابنه محمد بن عبد الله.
١ ‏/ ٢٢٥
ومن أمثلته ما سيأتي في «اللقطة» (رقم ١٥٠٤)، وفي «الطلاق» (رقم ١٩٦٨)، وفي «الفرائض» (رقم ٢٥٨٦)، وفي «الحدود» (باب ما لا قطع فيه).
النوع الرابع: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو.
ومن أمثلته ما يأتي (رقم ٣٧٥)، وفي «الجمعة» (رقم ١٠١٩)، وفي «العيدين» (رقم ١٠٤٥)، وفي «البيوع»، (رقم … و…) [في خيار المتبايعين، والرجوع في الهبة]، وفي «الحدود» (رقم …)] العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان]، وفي «الديات» (رقم …) [ديات الأعضاء]، وفي «الأدب» (رقم …).
فهذه الأنواع الثلاثة الأخيرة تشير إلى أن المراد من الجد المطلق في النوع الأول: إنما هو عبد الله بن عمرو؛ حملًا للمطلق على المقيد.
ولذلك ساق الإمام أحمد أحاديث هذا النوع في (مسند عبد الله بن عمرو) إشارةً إلى أنها موصولة. وكذلك فعل يونس بن حبيب في روايته لـ «مسند الطيالسي» (٢٩٨ – ٢٩٩). وبذلك جزم الحافظ فقال:
«وأمّا روايته عن أبيه عن جده؛ فإنما يعني بها الجد الأعلى عبد الله بن عمرو، لا محمد بن عبد الله، وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله في أماكن، وصح سماعه منه كما تقدّم، وكما روى حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو … فذكر حديثًا. أخرجه أبو داود من هذا الوجه».
قلت: لا يوجد عند المصنف بهذا الإسناد غير حديث واحد؛ سيأتي إن شاء الله تعالى في «الأطعمة» (رقم …) [الأكل متكئًا]؛ لكن ليس فيه التصريح بالسماع من عبد الله؛ بل هو معنعن، وكذلك رواه أحمد (٢/ ١٦٥ و١٦٦)، وروى به حديثًا آخر.
فلعل ما ذكره الحافظ هو رواية عن المصنف، أو هو في بعض النسخ من «السنن».
١ ‏/ ٢٢٦
هذا؛ وقد بقي علينا الجواب عن علة أخرى أُعل بها هذا الإسناد مع ثبوت سماع شعيب من جده عبد الله؛ فقال الترمذي (١/ ١٤٠) -عقب حديث يأتي (برقم ٩٩١) -:
«ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب؛ إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده، كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده»! وقال ابن معين:
«وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو، فكان يرويها عن جده إرسالًا، وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو، غير أنه لم يسمعها»! قال الحافظ:
«فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح؛ غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها؛ فغاية الباقي أن يكون وجاده صحيحة؛ وهو أحد وجوه التحمل».
قلت: وجواب الحافظ هذا؛ خير من جواب الذهبي؛ حيث قال:
«أما كونها وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة؛ فهذا محل نظر، ولسنا نقول: إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح؛ بل هو من قبيل الحسن»!
فقد تبين بهذا التحرير صلاحية الاحتجاج بالأحاديث المروية بهذا الإسناد.
وأمّا اشتراط بعضهم أن يكون الراوي عن عمرو ثقة؛ فمما لا حاجة إلى التنبيه عليه؛ لأنه شرط ضروري في جميع الرواة، لا يختص به عمرو؛ كما قال الحافظ.
من ذلك: قال البخاري في «تاريخه»: “رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن
١ ‏/ ٢٢٧
شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين». قال البخاري:
«من الناس بعدهم؟» (١).
وبالغ بعض المتقدمين فقال: «إذا كان الراوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ثقة؛ فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر»!
وقد أخرج له ابن خزيمة في «صحيحه». والبخاري في «جزء القراءة خلف الإمام» على سبيل الاحتجاج.
ومن رام زيادة توسع في «هذه الترجمة؛ فليراجع»التهذيب«، و»الميزان«، وتحقيق أحمد محمد شاكر في تعليقه على»سنن الترمذي«(١/ ١٤٠ – ١٤٤)؛ وقد أجاد.
ثمّ إن الحديث أخرجه البيهقي (١/ ٧٩) من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٢٢) من طريق شيخه أحمد بن داود قال: ثنا مسدد … به؛ دون قوله في آخره:
»أو ظلم وأساء«.
وأحمد بن داود: هو ابن موسى السدوسي؛ وثقه ابن يونس؛ فلعل الشك جاء من المصنف.
وأخرجه أحمد (٢/ ١٨٠): ثنا يعلى [قلت: هو ابن عُبَيْدٍ الطَّنَافِسي]: ثنا


(١) وقال ابن القيم في»إعلام الموقعين«(١/ ١١٦):»وقد احتج الأئمة الأربعة والفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه؛ كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما”.
١ ‏/ ٢٢٨
سفيان عن موسى بن أبي عائشة … به؛ ولفظه:
جاء أعرابي إلى النّبيّ ﷺ يسأله عن الوضوء؟ فأراه ثلاثًا ثلاثًا، قال: «هذا الوضوء؛ فمن زاد على هذا؛ فقد أساء وتعدى وظلم».
وكذا أخرجه النسائي (١/ ٣٣)، وابن ماجة (١/ ١٦٣ – ١٦٤) من حديث يعلى … به، ليس فيه: «أو نقص».
فقد اختلف فيها سفيان وأبو عوانة -واسمه الوضاح- فأثبتها هذا، ولم يذكرها سفيان؛ والقول قوله؛ لأمور ثلاثة.
الأول: أنه أحفظ من أبي عوانة، قال الدوري: «رأيت يحيى بن معين لا يقدم على سفيان في زمانه أحدًا في الفقه والحديث والزهد وكل شيء».
وقال المصنف: «بلغني عن ابن معين قال: ما خالف أحد سفيان في شيء؛ إلا كان القول قول سفيان».
وأبو عوانة تكلم في حفظه؛ على ثقته وجلالته، فقال أحمد:
«إذا حدث من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم». وذكر نحوه أبو حاتم؛ إلا أنه قال:
«وإذا حدث من حفظه غلط كثيرًا».
ثمّ وجدت في «مصنف ابن أبي شيبة» ما يعكر على هذا، فقال (١/ ٨ – ٩): حدثنا أبو أسامة عن سفيان … بزيادة «أو نقص».
لكن أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة- وإن كان ثقة ثبتًا؛ فقد قال الحافظ: «ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره».
١ ‏/ ٢٢٩
الأمر الثاني: أنني وجدت للحديث شاهدًا من حديث ابن عباس … مثل رواية سفيان عن موسى:
أخرجه الطبراني في «الكبير» (١١/ ٧٥ / ١١٠٩١)؛ وفيه سويد بن عبد العزيز؛ قال الهيثمي (١/ ٢٣١):
«وضعفه أحمد ويحيى وجماعة، ووثقه دحيم».
الأمر الثالث: إذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام الوضوء مرتين مرتين، والوضوء مرة مرة -كما في البابين التاليين- فكيف يكون ذلك ظلمًا وإساءة! ولذلك قال المحقق السندي في «حاشيته على ابن ماجة»:
«وقد جاء في بعض روايات هذا الحديث:»أو نقص«، والمحققون على أنه وهم؛ لجواز الوضوء مرة مرة، ومرتين مرتين».
قلت: وأما جواب النووي رحمه الله في «المجموع» (١/ ٤٤٠) بقوله:
«إِن ذلك الاقتصار منه عليه الصلاة والسلام كان لبيان الجواز؛ فكان في ذلك الحال أفضل؛ لأن البيان واجب»!
وهذا عندي لا شيء؛ فإنه إذا كان لبيان الجواز؛ فمن فعل الجائز اتباعًا له عليه الصلاة والسلام كيف يقال فيه: «فقد أساء وظلم»؟ !
ثمّ هل يستوي هذا مع الذي يزيد فوق الثلاث؛ الذي لم يفعله عليه الصلاة والسلام ألبتة؛ مع أنه قال في كليهما: «فقد أساء وظلم»؟ !
اللهم! إنهما لا يستويان؛ فذاك متبع وهذا مبتدع، وهو المراد بهذا الوعيد!
وقوله: «أو نقص»؛ شاذ ووهم من أبي عوانة؛ وسبحان من لا ينسى ولا يسهو!
١ ‏/ ٢٣٠
«قال الشيخ تقي الدين في»الإمام«: وهذا الحديث صحيح عند من يصحح حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ لصحة الإسناد إلى عمرو»؛ كذا في «نصب الراية» (١/ ٢٩).
قلت: وممن صححه من المتقدمين: ابن خزيمة؛ حيث أخرجه -أعني: في «صحيحه»؛ كما في «التلخيص» (١/ ٤٠٨) -، ومن التأخرين النووي في «المجموع» (١/ ٤٣١ – ٤٣٨)، وهو -كما قال- باعتبار شاهده المذكور آنفًا عن ابن عباس.

٥٢ – باب الوضوء مرتين
١٢٥ – عن أبي هريرة:
أنّ النّبيّ ﷺ توضأ مرتين مرتين.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وكذا قال الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء: ثنا زيد بن الحُبَاب: ثنا عبد الرحمن بن ثوبان: ثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الأعرج عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الرحمن بن ثوبان؛ وهو جده؛ واسم أبيه ثابت؛ وهو حسن الحديث، وقد تكلم فيه من قبل حفظه، وأعدل الأقوال فيه قول المصنف:
«كان فيه سلامة، وليس به بأس، وكان مجاب الدعوة».
قلت: وقد صحح له الحافط العراقي حديثًا، سيأتي في الكتاب (رقم …)،

١ ‏/ ٢٣١
وحسنه الحافط وغيره؛ كما سنبينه هناك إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه الترمذي (١/ ٦٢) قال: حدثنا أبو كُرَيب [وهو محمد بن العلاء] ومحمد بن رافع قالا: حدثنا زيد بن حباب.
وأخرجه أحمد (٢/ ٢٨٨ و٦٤٤): ثنا زيد بن الحباب … به.
وأخرجه الدارقطني (٣٤)، والبيهقي (١/ ٣٩) عن زيد. وقال الترمذي:
«حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن ثوبان عن عبد الله بن الفضل، وهو إسناد حسن صحيح».
وصححه ابن حبان، كما في «الفتح» (١/ ٢٠٨).
ثم رأيت الحاكم أخرج الحديث في «المستدرك» (١/ ١٥٠) من هذا الوجه، وقال:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
فوهما.
وله شاهد من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري بهذا اللفظ:
أخرجه البخاري، والدارقطني (٣٥)، وأحمد (٤/ ٤١)، وهو حديث آخر لعبد الله غير حديثه المتقدّم (رقم ١١٠)؛ وإسناده غير إسناده.

١٢٦ – عن عطاء بن يسار قال: قال لنا ابن عباس:
أتحبُّون أن أُريَكم كيف كان رسول الله ﷺ يتوضأ؟
فدعا بإناء فيه ماء، فاغترف غرفة بيده اليمنى، فتمضمض واستنشق،

١ ‏/ ٢٣٢
ثمّ أخذ أخرى، فجمع بها يديه، ثمّ غسل وجهه، ثمّ أخذ أخرى، فغسل بها يده اليمنى، ثمّ أخذ أخرى فغسل بها يده اليسرى، ثمّ قبض قبضة من الماء، ثمّ نفض يده، ثمّ مسح رأسه وأذنيه، ثمّ قبض قبضة أخرى من الماء، فرشّ على رجله اليمنى وفيها النعل؛ ثمّ مسحها بيديه: يد فوق القدم ويد تحت النعل، ثمّ صنع باليسرى مثل ذلك.
(قلت: إسناده حسن. وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»، يوافقه الذهبي. لكن ذكر مسح النعلين من فوقهما ومن تحتهما شاذ في هذه الرواية. وقد أخرجه ابن حبان في «صحيحه» بدون المسح على النعلين، وصححه ابن خزيمة، وابن منده، وروى الترمذي منه -مسح الرأس والأذنين- وصححه أيضًا، ورواه البخاري في «صحيحه» دون مسح الأذنين).
إسناده: ثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا محمد بن بشر: ثنا هشام بن سعد: ثنا زيد عن عطاء.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير هشام بن سعد؛ فمن رجال مسلم وحده؛ لكن قال الذهبي في «الميزان»:
«قال الحاكم: أخرج له مسلم في الشواهد»!
وهو ثقة؛ لا سيما في روايته عن زيد بن أسلم. فقد قال الآجري عن المؤلف: «هشام بن سعد أثبت الناس في زيد بن أسلم»!
لكن قد تكلموا فيه من قبل حفظه؛ ولذلك فهو حجة إذا لم يخالف، وهو كما قال العجلي:
«حسن الحديث». وقال الحافظ في «التقريب»: إنه
١ ‏/ ٢٣٣
«صدوق له أوهام».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٤٧) من طريق خلاد بن يحيى السُّلَمِيّ: ثنا هشام بن سعد … به، لكنه لم يذكر مسح النعل من فوق؛ بل قال:
ومسح أسفل النعلين. وقال:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
كذا! مع أنه نقل عنه كما سلف أن مسلمًا إنما أخرج لابن سعد في الشواهد؛ فإذا صح هذا؛ فلا يصح قولهما.
وإن صح هذا؛ فلا يصح ذاك.
ثم إنني أرى أن ذكر المسح على النعلين -من فوقهما ومن تحتهما- لا معنى له مع رش الرجلين الذي هو كناية عن غسلهما، بل ذلك من أوهام هشام بن سعد؛ فقد تابعه على هذا الحديث جمع من الثقات، فلم يذكر أحد منهم المسح على النعلين.
لا أقول هذا إنكارًا لثبوت المسح على النعلين؛ كلًّا؛ فذلك ثابت عن النّبي ﷺ؛ لكن في غير هذا الحديث، كما سيأتي في الكتاب (برقم ١٤٧، وغيره).
وقال الحافظ في «الفتح»:
«وأما ما وقع عند أبي داود والحاكم: فرش على رجله اليمنى … إلخ؛ فالمراد بالمسح تسييل الماء حتى يستوعب العضو، وقد صح أنه ﷺ كان يتوضأ في النعل؛ كما سيأتي من حديث ابن عمر. وأما قوله: تحت النعل؛ فإن لم يحمل على التجوز عن القدم؛ وإلا فهي رواية شاذة، وراويها هشام بن سعد لا يحتج بما تفرد به؛ فكيف إذا خالف»!
١ ‏/ ٢٣٤
كذا قال! وفي كلامه في ابن سعد مبالغة لا تخفى! ثم هي لا تتفق مع ما نقلناه آنفًا عن كتابه «التقريب»؛ فتأمل!
والوضوء في النعل سبق من حديث ابن عباس عن علي رضي الله عنه في الكتاب (رقم ١٠٧)؛ وإليك أسماء الذين تابعوا هشامًا؛ دون الزيادة المشار إليها:
فمنهم: سليمان بن بلال؛ بلفظ: عن ابن عباس:
أنه توضأ فغسل وجهه، ثمّ أخذ غرفة من ماء، فمضمض واستنشق، ثمّ أخذ غرفة من ماء فجعل هكذا؛ أضافها إلى يده الأخرى، فغسل بهما وجهه، ثمّ أخذ غرفة من ماء، فغسل بها يده اليمنى، ثمّ غرف غرفة من ماء، فغسل بها يده اليسرى، ثمّ مسح برأسه، ثمّ أخذ غرفة من ماء، فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثمّ أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله -يعني: اليسرى-، ثمّ قال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يتوضأ.
أخرجه البخاري (١/ ١٩٤)، وأحمد (١/ ٢٦٨)، ومن طريقه البيهقي (١/ ٥٣).
ومنهم: محمد بن عجلان؛ بلفظ:
توضأ رسول الله ﷺ، فغرف غرفة، فمضمض واستنشق … الحديث نحو رواية هشام؛ إلا أنه قال:
ثمّ مسح برأسه وأذنيه: باطنهما بالسباحتين، وظاهرهما بإبهاميه، ثمّ غرف غرفة؛ فغسل رجله اليمنى، ثمّ غرف غرفة؛ فغسل رجله اليسرى.
أخرجه النسائي (١/ ٢٩)، والبيهقي (١/ ٥٥ و٦٧)، وابن حبان في «صحيحه». قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٣٠):
«وصححه ابن خزيمة وابن منده».
١ ‏/ ٢٣٥
قلت: وروى منه الترمذي (١/ ٥٢) -وصححه-، وابن ماجة (١/ ١٦٧) مسح الرأس والأذنين.
ومنهم: عبد العزيز بن محمد الدراوردي؛ ولفظه:
رأيت رسول الله ﷺ توضأ؛ فغسل يديه، ثمّ تمضمض واستنشق من غرفة واحدة، وغسل وجهه، وغسل يديه مرة مرة، ومسح رأسه وأذنيه مرة -قال عبد العزيز: وأخبرني من سمع ابن عجلان يقول في ذلك-، وغسل رجليه.
أخرجه النسائي، وإسناده صحيح.
وأخرجه الدارمي (١/ ١٧٧)، وابن ماجة (٤٠٣)، والحاكم (١/ ١٥٠)، والبيهقي (١/ ٥٠) مختصرًا دون قوله: وغسل وجهه … إلخ. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وصححه النووي في «المجموع» (١ / …).
ومنهم: ورقاء -وهو ابن عمر اليَشْكُرِيُّ-؛ بلفظ:
ألا أريكم وضوء رسول الله ﷺ؟ قال: فغسل يديه مرة مرة، ومضمض مرة، واستنشق مرة، وغسل وجهه مرة، وذراعيه مرة مرة، ومسح رأسه مرة، وغسل رجليه مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء رسول الله ﷺ.
أخرجه البيهقي (١/ ٦٧)، وقال:
«هذا إسناد صحيح».
(تنبيه): ظاهر حديث الباب: أنه عليه الصلاة والسلام مسح أذنيه بماء الرأس، فهو شاهد قوي لحديث أبي أمامة المتقدّم (رقم ١٢٣):
١ ‏/ ٢٣٦
«الأذنان من الرأس».
ثمّ إنّ الحديث لا مناسبة له بالباب، بل محله في الباب الذي يليه؛ فلو أورده المصنف فيه؛ لأصاب!

٥٣ – باب الوضوء مرة مرة
١٢٧ – عن ابن عباس قال:
ألا أخبركم بوضوء رسول الله ﷺ؟ فتوضأ مرة مرة.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه، وقال الترمذي: إنه أحسن شيء في الباب وأصح).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٢٥)، والترمذي (١/ ٦٠)، وابن ماجة (١/ ١٦١) من طرق عن يحيى بن سعيد القطان. .. به.
وأخرجه البخاري (١/ ٢٠٧)، والترمذي أيضًا، والدارمي (١/ ١٧٧)، والطحاوي (١/ ١٧)، وأحمد (١/ ٢٣٣ و٣٦٥) عن سفيان … به.
وتابعه معمر وداود بن قيس: عند البيهقي (١/ ٨٠)، وأحمد (١/ ٣٣٢ و٣٣٦).
وأخرجه الحاكم (١/ ١٥٠ – ١٥١) عن داود وقال: إنه

١ ‏/ ٢٣٧
«صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
وله متابعات أخرى عن زيد؛ فانظر الذي قبله. ثمّ قال الترمذي: إنه «أحسن شيء في هذا الباب وأصح».
وتابعه عمرو بن دينار عن عطاء … به: رواه الطبراني (٣/ ١٢٠ / ١).
ورواه (٣/ ٩٩ / ٢) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن إسماعيل بن إبراهيم عن يعقوب بن خالد عن ابن عباس عن النّبي ﷺ؛ قال: «الوضوء مرة مرة»!
هكذا جعله من قوله ﷺ؛ وهو منكر تفرد به ابن لهيعة بهذا السند؛ وهو ضعيف سيئ الحفط.
ويعقوب بن خالد؛ الظاهر أنه ابن المسيب، لكنهم لم يذكروا له رواية عن الصحابة، انظر «الجرح والتعديل» (٤/ ٢ / ٢٠٧).

٥٤ – باب في الفرق بين المضمضة والاستنشاق
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]

٥٥ – باب في الاستنثار
١٢٨ – عن أبي هريرة: أنّ رسول الله ﷺ قال:
«إذا توضأ أحدكم؛ فليجعل في أنفه ماء، ثمّ لْيَنْثُرْ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة

١ ‏/ ٢٣٨
في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٤١ – ٤٢) بهذا الإسناد. وعنه: أخرجه البخاري وأبو عوانة في «صحيحيهما»، والنسائي والبيهقي وأحمد (٢/ ٢٧٨)، ومحمد في «موطئه» (٤٣) كلهم عن مالك … به وزادوا:
«من استجمر فليوتر».
وتابعه سفيان الثوري عن أبي الزناد.
أخرجه مسلم وأحمد (٢/ ٢٤٢).
وتابعه ابن شهاب: أخبرني أبو إدريس الخولاني أنه سمع أبا هريرة وأبا سعيد الخدري يقولان: قال رسول الله ﷺ … فذكره بالزيادة.
أخرجه ابن حبان (٢/ ٣٥٢ / ١٤٣٥).
وله في «المسند» (٢/ ٢٧٧ و٣٠٨ و٣١٦ و٣٥٢) وكذا في «مسلم» طرق أخرى.
وله عند أحمد (٢/ ٢٨٩) طريق أخرى من فعله عليه الصلاة والسلام؛ قال: ثنا عتاب بن زياد: ثنا عبد الله بن مبارك: أنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ:
أنه كان إذا استنشق؛ أدخل الماء منخريه.
١ ‏/ ٢٣٩
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير عَتَّاب بن زياد، وهو ثقة.

١٢٩ – عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثًا».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام» (٢/ ١٥٦ / ١)، وقال الحافظ: «إسناده حسن»).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى: ثنا وكيع: ثنا ابن أبي ذئب عن قارظ عن أبي غطفان عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال مسلم؛ غير قارظ -وهو ابن شيبة-؛ قال النسائي:
«ليس به بأس».
وذكره ابن حبان في «الثقات».
والحديث أخرجه ابن ماجة عن وكيع … به.
ثمّ أخرجه هو والبخاري في «التاريخ» (٤/ ١ / ٢٠١)، والحاكم (١/ ١٤٨)، وأحمد (١/ ٣١٥) من طريق أخرى عن ابن أبي ذئب … به.
ورواه عنه الطيالسي قال (رقم ٢٧٢٤): ثنا ابن أبي ذئب … به؛ ولفظه: عن أبي غطفان قال:
رأيت ابن عباس توضأ، فمضمض واستنشق مرتين مرتين، وقال: قال رسول الله ﷺ:
«إذا مضمض أحدكم واستنثر؛ فليفعل ذلك مرتين بالغتين أو ثلاثًا».

١ ‏/ ٢٤٠
وعنه أخرجه البيهقي (١/ ٤٩).
وأورده الحاكم شاهدًا لحديث (لَقِيط) الذي بعده؛ وسكت عليه، وصححه ابن القطان، كما في «التلخيص» (١/ ٤٠٥). وقال في «الفتح» (١/ ٢١٠):
«وإسناده حسن». وقال في «التهذيب» في ترجمة (قارظ):
«له عندهما حديث ابن عباس في الطهارة. قلت: أخرجه النسائي أيضًا، ولم يذكر ذلك المزي»!
قلت: ولم أره في «سننه الصغرى»! وهو نفسه لم يعزه في «التلخيص» للنسائي؛ بل جعل مكانه: ابن الجارود، فالظاهر أنه يعني «السنن الكبرى» له!
ورواه الطبراني في «الكبير» (٣/ ٩٨ / ١)، وزاد:
«والأذنان من الرأس».
وسنده صحيح؛ وهو من شواهد حديث أبي أمامة المتقدم برقم (١٢٣).

١٣٠ – عن لَقِيطِ بن صَبِرَةَ قال:
كنت وافد بني المُنْتَفِق -أو في وفد بني المنتفق- إلى رسول الله ﷺ.
قال: فلما قدمنا على رسول الله ﷺ، فلم نصادفه في منزله، وصادفنا عائشة أم المؤمنين، قال: فأمرت لنا بخَزيرة فصنعت لنا، قال: وأتينا بقناع -والقناع: الطبق- فيه تمر، ثمّ جاء رسول الله ﷺ فقال:
«هل أصبتم شيئًا أو أُمِرَ لكم بشيء؟».
قال: قلنا: نعم يا رسول الله! قال: فبينا نحن مع رسول الله ﷺ

١ ‏/ ٢٤١
جلوس؛ إذ دفع الراعي غنمه إلى المُراح؛ ومعه سخلة تَيْعِر. فقال: «ما وَلّدْتَ يا فلان؟ !». قال: بَهمة. قال: «فاذبح لنا مكانها شاة». ثمّ قال:
«لا تحْسِبَنَّ -ولم يقل: لا تحسَبَنَّ- أنَّا من أجلك ذبحناها، لنا غنم مائة لا نريد أن تريد، فإذا وَلَّد الراعي بَهمة ذبحنا مكانها شاة».
قال: قلت: يا رسول الله! إن لي امرأة، وإن في لسانها شيئًا-يعني: البَذاء؟ – قال: «فطلقْها إذًا». قال: قلت: يا رسول الله! إنّ لها صحبة ولي منها ولد؟ ! قال:
«فمرها -يقول: عِظها-؛ فإن يك فيها خير فستفعل، ولا تضرب ظعينتك كضربك أُمَيِّتَكَ».
فقلت: يا رسول الله! أخبرني عن الوضوء؟ قال:
«أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق؛ إلا أن تكون صائمًا».
(قلت: إسناده صحيح. وروى بعضه الترمذي، والحاكم، وصححاه، وكذا صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والبغوي وابن القطان والنووي والذهبي).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: ثنا يحيى بن سُلَيْم عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة عن أبيه لَقِيط بن صَبِرة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير إسماعيل بن كثير، وعاصم بن لقيط، وهما ثقتان بلا خلاف.
١ ‏/ ٢٤٢
والحديث أخرجه النسائي (١/ ٢٦) بهذا الإسناد مختصرًا مقتصرًا على قوله في آخره: أخبرني عن الوضوء … إلخ.
وأخرجه الترمذي (١/ ١٥٠ – طبع بولاق)، وابن ماجة (١/ ١٦٠)، والحاكم (١/ ١٤٨)، وعنه البيهقي (١/ ٧٦) من طرق أخرى عن يحيى بن سليم … به مختصرًا. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وتابعه على هذا القدر: الحسن بن علي أبو جعفر: عند الطيالسي (رقم ١٣٤١) وزاد في آخره:
«ولا تضرب ظَعِينتَك كما تضرب أمتك».
وداود بن عبد الرحمن العطار: عند الحاكم (١/ ١٤٨) … مثله، كلاهما عن إسماعيل بن كثير.
وتابعهم سفيان الثوري … قال:
أتيت النّبيّ ﷺ فذبح لنا شاة وقال: «لا تحسبن …» الحديث. إلى قوله:
«فإذا بلغت مائة ذبحنا شاة»: أخرجه أحمد (٤/ ٣٣).
ثمّ روى من طريقه بإسناده قوله عليه الصلاة والسلام:
«إذا توضأت فأبلغ الاستنشاق؛ ما لم تكن صائمًا».
وروى منه الترمذي (١/ ٥٦ / رقم ٣٨):
«إذا توضأت فخلل الأصابع». وقال:
«حديث حسن صحيح».
١ ‏/ ٢٤٣
وصححه ابن خزيمه وابن الجارود وابن حبان -كما في «التهذيب»-، والبغوي وابن القطان، والنووي في «المجموع».
والأمر بإسباغ الوضوء؛ ورد من حديث ابن عمرو عند مسلم والنسائي وأحمد.
ومن حديث ابن عباس عند الدارمي (١/ ١٧٨) بسند صحيح.

١٣١ – وفي رواية: ذكر معناه … قال:
فلم ينْشَبْ أنْ جاء رسول الله ﷺ يَتقلَّعُ يتكفَّأ … وقال: عَصيدة، مكانَ: خَزِيره.
(قلت: إسناده صحيح).
إسناده: حدثنا عقبة بن مُكرَم: ثنا يحيى بن سعيد: ثنا ابن جريج: حدثني إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه وافد بن المنتفق: أنه أتى عائشة … فذكر معناه، قال: فلم ننشب … إلخ.
وهذا إسناد صحيح أيضًا.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢١١): ثنا يحيى بن سعيد … به؛ وقال: على يده شملة.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٤٨)، وعنه البيهقي من طريق مسدد عن يحيى، ومن طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج … به ببعضه اختصارًا.
وأحمد أيضًا (٤/ ٣٣).

١ ‏/ ٢٤٤
١٣٢ – وفي أخرى … بهذا الحديث قال فيه:
«إذا توضأت فمضمض».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الحافظ).
إسناده: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس: ثنا أبو عاصم: ثنا ابن جريج … بهذا الحديث.
وهذا إسناد صحيح أيضًا، وكذلك قال الحافظ في «فتح الباري» (١/ ٢١١).
والحديث أخرجه الدارمي (١/ ١٧٩) مختصرًا: أخبرنا أبو عاصم … به بلفظ:
«إذا توضأت؛ فأسبغ وضوءك، وخلِّل بين أصابعك».

٥٦ – باب تخليل اللِّحية
١٣٣ – عن أنس [يعني: ابن مالك]:
أنّ رسول الله ﷺ كان إذا توضأ؛ أخذ كفًّا من ماء؛ فأدخله تحت حَنَكه، فخلَّل به لحيته، وقال:
«هكذا أمرني ربي عز وجل».
(قلت: حديث صحيح، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن القطان أيضًا).

١ ‏/ ٢٤٥
إسناده: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا أبو المَلِيح عن الوليد بن زوران عن أنس -يعني: ابن مالك-.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير الوليد بن زَوْرَان؛ قال المصنف عقب الحديث:
«ابن زوران روى عنه حجاج بن حجاج، وأبو المليح الرقي».
قلت: وروى عنه جعفر بن برقان أيضًا، وعبد الله بن مُعَيَّة الجَزَرِي، وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال الآجُرِّي عن المصنف:
«لا ندري سمع من أنس أو لا؟». وقال الذهبي في «الميزان»:
«ليس بحجة؛ مع أن ابن حبان وثقه». وقال الحافط في «التقريب»: إنه «لين الحديث». وأما في «التلخيص» (١/ ٤١٥) فقال:
«مجهول الحال».
وتبع في ذلك ابن القطان؛ فقد قال ابن القيم في «التهذيب» (١/ ١٠٧):
«قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن زوران، وهو مجهول. وكذا أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال. وفي هذا التعليل نظر؛ فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان وحجاج بن منهال وأبو المليح الحسن بن عمرو الرقي وغيرهم؛ ولم يعلم فيه جرح».
فكأنه مال إلى تقوية هذا الإسناد! وهو محتمل.
والحديث صحيح على كل حال؛ لطرقه وشواهده كما يأتي.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٥٤) من طريق المؤلف.
١ ‏/ ٢٤٦
وله طرق أخرى عن أنس؛ فقال ابن القيم:
»وقد روى هذا الحديث: محمدُ بن يحيى الذهلي في كتاب «علل حديث الزهري» فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار -من أصله، وكان صدوقًا-: حدثنا محمد بن حرب: حدثنا الزُّبَيْدِي عن الزهري عن أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ توضأ، فأدخل أصابعه تحت لحيته، فخللها بأصابعه، ثم قال: «هكذا أمرني ربي عز وجل». وهذا إسناد صحيح«!
هكذا ذكره ابن القيم -بعد كلامه السابق في رده على ابن القطان-، فأوهمني أن هذا كلام ابن القيم نفسه، وأن التصحيح منه! ثمّ تبين لي أنه ليس كذلك؛ فقد قال بعد صفحة (١٠٩):
»قلت: وتصحيح ابن القظان لحديث أنس من طريق الذهلي؛ فيه نظر! فإن الذهلي أعله فقال في «الزهريات»: وحدثا يزيد بن عبد ربه: حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك … فذكره. قال الذهلي: هذا هو المحفوظ. قال ابن القطان: وهذا لا يضره؛ فإنه ليس من لم يحفظ حجةً على من حفظ، والصفار قد عيَّن شيخ الزبيدي فيه، وبين أنه الزهري، حتى لو قلنا: إن محمد بن حرب حدث به تارة فقال فيه: عن الزبيدي: بلغني عن أنس … لم يضره ذلك، فقد يُراجع كتابه؛ فيعرف منه أن الذي حدث به الزهري فيحدث به عنه، فأخذه عنه الصفار هكذا«. قال ابن القيم:
»وهذه التجويزات لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات”!
ونحن نرى أن الحق مع ابن القطان؛ لأن الاحتمال الذي أبداه؛ إنما هو في سبيل الجمع بين روايات الثقات؛ وإلا لزم توهيم الثقة بدون دليل؛ بل بمجرد
١ ‏/ ٢٤٧
الذوق! وهذا ليس من العلم في شيء! ويدلك على ما ذهبنا إليه أمران:
الأول: أن محمد بن عبد الله الصفار إنما روى الحديث من أصل كتابه، وهذا مما يبعد الظن بخطئه.
الثاني: أنه قد تابعه على وصله: محمد بن وهب بن أبي كريمة -وهو ثقة بلا خلاف-: أخرجه الحاكم (١/ ١٤٩)، وقال: إنه «صحيح». ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤١٦) – بعد أن ساقه-:
«رجاله ثقات؛ إلا أنه معلول …»؛ ثمّ ساقه عن الذهلي من الوجه المنقطع، ثم قال:
«وصححه الحاكم قبل ابن القطان؛ ولم تقدح هذه العلة عندهما فيه».
وللحديث طرق أخرى: عند ابن ماجة والحاكم والبيهقي عن أنس.
وله شواهد منها:
عن عثمان رضي الله عنه:
أن النّبيّ ﷺ كان يخلل لحيته.
أخرجه الترمذي، وصححه؛ وهو عند البخاري أصح شيء في الباب، وقد تقدّم تخريجه والكلام على إسناده في الحديث (رقم ٩٨).
ومنها: عن عائشة رضي الله عنها:
أنّ النّبيّ ﷺ كان إذا توضأ خلل لحيته بالماء.
أخرجه الحاكم (١/ ١٥٠)، وأحمد (٦/ ٢٣٤)، وأبو عبيد في كتاب «الطهور»
١ ‏/ ٢٤٨
من طرق أربعة عن عمر بن أبي وهب الخُزَاعي: حدثني موسى بن ثروان عن طلحة ابن عبيد الله بن كَرِيزٍ الخُزَاعي عنها.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عمر بن أبي وهب الخزاعي؛ ولم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال (١)! والظاهر أنه في «ثقات ابن حبان»؛ فقد قال الهيثمي في «المجمع» (١/ ٢٣٥):
«رواه أحمد، ورجاله موثقون».
فقد لاحظنا أن الهيثمي كثيرًا ما يقول هذه العبارة: «ورجاله موثقون» في إسناد فيه بعض من تفرد ابن حبان بتوثيقه. والله أعلم. وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤١٦):
«رواه أحمد؛ وإسناده حسن»!
وسكت عليه ابن القيم في «التهذيب» (١/ ١٠٨ و١١٢).
ومنها: عن ابن عمر … نحوه.
رواه ابن ماجة (٤٣٢) بسند فيه ضعف؛ وصحح بعضهم وقفه. وأعله ابن أبي حاتم (١/ ٣١) بالإرسال.
وللحديث شواهد أخرى كثيرة؛ وفيما ذكرنا كفاية، فمن أراد الزيادة؛ فليرجع إلى المصدرين الآخرين لابن القيم والحافظ.


(١) ولم يورده الحافظ في «التعجيل» مع أنه من شرطه!
ثم رأيت ابن أبي حاتم قد نقل (٣/ ١ / ١٤٠) توثيقه عن ابن معين وغيره.
فالحديث صحيح.
١ ‏/ ٢٤٩
٥٧ – ومن «باب المسح على العِمَامة»
١٣٤ – عن ثوبان قال:
بعث رسول الله ﷺ سَرِيَّةً؛ فأصابهم البَرْدُ، فلما قدموا على رسول الله ﷺ؛ أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي، وصححه الحاكم والذهبي والزيلعي).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال البخاري؛ غير راشد بن سعد؛ وهو ثقة. وكذلك قال النووي (١/ ٤٠٨):
«إسناده صحيح». وأعله الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٢٦) بقوله:
«وهو منقطع»!
وكأن مستنده في ذلك ما ذكره في ترجمة راشد هذا من «التهذيب»؛ فقال:
«وقال أبو حاتم والحربي: لم يسمع من ثوبان. وقال الخلال عن أحمد: لا ينبغي أن يكون سمع منه».
ونقل الزيلعي (١/ ١٦٥) قول أحمد هذا، وزاد في آخره:
«لأنه مات قديمًا». ثمّ تعقبه بقوله:
“وفي هذا القول نظر؛ فإنهم قالوا: إن راشدًا شهد مع معاوية صفين؛ وثوبان
١ ‏/ ٢٥٠
مات سنة أربع وخمسين، ومات راشد سنة ثمان ومائة. ووثقه ابن معين وأبو حاتم والعجلي ويعقوب بن شيبة والنسائي. وخالفهم ابن حزم فضعفه. والحق معهم».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٦٠) -من طريق المؤلف-، والحاكم (١/ ١٦٩) من طريق -أحمد بن حنبل، وهو في «المسند» (٥/ ٢٧٧) بهذا السند-. ثمّ قال الحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وقد وهما. قال الزيلعي؛ متعقبًا الحاكم:
«وفيه نظر؛ فإن ثورًا لم يرو له مسلم، بل انفرد به البخاري، وراشد بن سعد لم يحتج به الشيخان».
وللحديث عند أحمد (٥/ ٢٨١) طريق آخر عن ثوبان؛ فيه عتبة أبو أمية الدمشقي؛ قال الحسيني:
«مجهول؛ كما في (الكنى) من»التعجيل«».

٥٨ – باب غسل الرِّجْلَيْنِ
١٣٥ – عن المُسْتَوْرِدِ بن شَدَّاد قال:
رأيت رسول الله ﷺ إذا توضأ يَدْلُكُ أصابع رجليه بخِنصره.
(قلت: حديث صحيح، وقال مالك: «حديث حسن»، وصححه ابن القطان).
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيّ عن المستورد بن شداد.

١ ‏/ ٢٥١
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أن ابن لهيعة سيئ الحفظ؛ لكنه قد توبع عليه؛ فهو بذلك حديث صحيح.
ثمّ استدركت فقلت: حديث قتيبة عنه صحيح أيضًا؛ كما أفاده الذهبي.
والحديث أخرجه الترمذي (١/ ٥٧) بهذا السند.
وأخرجه ابن ماجة، والطحاوي (١/ ٢١)، والبيهقي (١/ ٧٦)، وأحمد (٤/ ٢٢٩) من طريق أخرى عن ابن لهيعة … به. ثمّ قال الترمذي:
«هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة»!
كذا قال! وهو ما وصل إليه علمه، وبناءً على ذلك قال النووي في «المجموع» (١/ ٤٢٤):
«وهو حديث ضعيف؛ فإن ابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث»!
وذكر نحوه المنذري في «مختصره» (رقم ١٣٥)! قال الحافط (١/ ٤٣٦):
«لكن تابعه الليث بن سعد وعمرو بن الحارث: أخرجه البيهقي وأبو بشر الدَّوْلابي والدارقطني في»غرائب مالك«من طريق ابن وهب عن الثلاثة.
وصححه ابن القطان».
قلت: وهو عند البيهقي من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: سمعت عمي يقول: سمعت مالكًا يُسْأل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس. فقلت له: يا أبا عبد الله! سمعتك تفتي في مسألة تخليل أصابع الرجلين: زعمت أن ليس ذلك على الناس، وعندنا في ذلك سنة! فقال: وما هي؟ فقلت:
ثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المَعَافري
١ ‏/ ٢٥٢
عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال:
رأيت رسول الله ﷺ يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه.
فقال: إن هذا حديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة! ثمّ سمعته يُسْأل بعد ذلك؟ فأمر بتخليل الأصابع.
قال عمي: ما أقل من يتوضأ إلا ويحيطه الخط الذي تحت الإبهام في الرجل؛ فإن الناس يثنون إبهامهم عند الوضوء؛ فمن تفقد ذلك سَلِمَ.
قال ابن التركماني:
«أحمد ابن أخي ابن وهب وإن أخرج عنه مسلم؛ فقد قال أبو زرعة: أدركناه ولم نكتب عنه. وقال ابن عدي: رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين على ضعفه»!
قلت: وتمام كلام ابن عدي -كما في «التهذيب» وغيره-:
«ومن ضعفه أنكر عليه أحاديث، وكثرة روايته عن عمه، وكل ما أنكروه عليه محتمل -وإن لم يروه غيره عن عمه، ولعله خصه به …»، ثمّ ذكر الحافظ أحاديث مما أنكرت عليه ورجع عنها؛ وليس هذا منها. والله أعلم.

٥٩ – باب المسح على الخفين
١٣٦ – عن عَبَّاد بن زياد: أن عروة بن المغيرة بن شعبة أخبره: أنه سمع أباه المغيرة يقول:
عَدَل رسول الله ﷺ وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدَلت معه، فأناخ النّبيّ ﷺ فتبرَّز، ثمّ جاء، فسكبت على يده من الإداوة؛ فغسل

١ ‏/ ٢٥٣
كفيه، ثمّ غسل وجهه، ثمّ حسر عن ذراعيه؛ فضاق كُمَّا جُبَّته، فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة، فغسلها إلى المرفق، ومسح برأسه، ثمّ توضأ على خفيه؛ ثمّ ركب، فأقبلنا نَسِيرُ حتى نَجِد الناس في الصلاة قد قدّموا عبد الرحمن بن عوف، فصلّى بهم حين كان وقت الصلاة؛ ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر، فقام رسول الله ﷺ؛ فصفّ مع المسلمين فصلّى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية، ثمّ سلّم عبد الرحمن، فقام رسول الله ﷺ في صلاته، ففزِع المسلمون؛ فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سَبقوا النّبيّ ﷺ بالصلاة، فلما سلّم رسول الله ﷺ قال لهم:
«قد أصبتم -أو قد أحسنتم-».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحيهما».
وقال أبو حاتم: إنه أصح حديث في الباب).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب: حدثني عباد بن زياد.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ غير أحمد بن صالح؛ فهو على شرط البخاري وحده؛ وقد ذكر ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٣٣ / رقم ٦٥) أنه أصح حديث في الباب.
والحديث أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (٣/ ٣٢٠ / ٢٢٢١ – الإحسان) من طريق حرملة بن يحيى قال: ثنا ابن وهب … به.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وكذا ابن خزيمة (٣/ ٩ / ١٥١٥)،
١ ‏/ ٢٥٤
والبيهقي (١/ ٢٧٤ و٢٩٥ – ٢٩٦)، وأحمد (٤/ ٢٥١)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٢٠/ ٣٧٦ / ٨٨٠) من طريق ابن جريج: حدثني ابن شهاب … به؛ وزاد في آخره:
يغبطهم؛ أن صلوا الصلاة لوقتها.
وكذلك رواه صالح عن ابن شهاب؛ أخرجه أبو عوانة، وأحمد (٤/ ٢٤٩)، وزادوا أيضًا في رواية لهم:
قال المغيرة: فأردت تأخير عبد الرحمن، فقال النّبيّ ﷺ: «دعه».
ورواه مالك (١/ ٥٧ – ٥٨) عن ابن شهاب؛ لكنه أخطأ في إسناده كما بينه الحافظ وغيره.
وكذلك أخطأ فيه جعفر بن برقان، فقال: عن الزهري عن حمزة وعروة ابني المغيرة بن شعبة عن أبيهما المغيرة … فذكره نحوه؛ وزاد في آخره:
«قد أصبتم وأحسنتم! إذا احتبس إمامكم وحضرت الصلاة؛ فقدموا رجلًا يؤمكم».
أخرجه ابن حبان (٣/ ٣٢١ / ٢٢٢٢).
قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكنه معلول! وقد كشف عن علته: ابن حبان بنفسه، فقال عقبه:
«قصَّر جعفر بن برقان في سند هذا الخبر؛ فلم يذكر (عباد بن زياد) فيه؛ لأن الزهري سمع هذا الخبر من عباد بن زياد عن عروة بن المغيرة بن شعبة، وسمعه عن حمزة بن المغيرة عن أبيه».
١ ‏/ ٢٥٥
قلت: أما رواية الزهري عن عباد؛ فقد رواها عنه يونس بن يزيد وابن جريج، كما تقدم.
وأما روايته عن حمزة بن المغيرة؛ فلم أرها إلا مختصرة جدًّا: عند الطبراني في «المعجم الكبير» (٢٠/ ٣٧٧ / ٨٨١) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث: حدثني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن حمزة بن المغيرة عن أبيه قال:
رأيت النبي ﷺ توضأ ومسح على خفيه.
وأخرجه أحمد (٤/ ٢٥١) من طريق عبد الرزاق، وهذا في «المصنف» (١/ ١٩١ – ١٩٢) من طريق ابن جريج المتقدمة: حدثني ابن شهاب عن عباد بن زياد … بإسناده فساقه بطوله.
قال ابن شهاب: فحدثني إسماعيل بن محمد بن سعد عن حمزة بن المغيرة … مثل حديث عباد بن زياد.
ومن هذا الوجه: هو عند مسلم (٢/ ٢٦ – ٢٧) وغيره.
والمقصود: أن (ابن برقان) خالف الثقات في إسقاطه (عبادًا) من الإسناد؛ فلا غرابة -إذن- في تضعيف أحمد وابن معين وغيرهما روايته عن الزهري خاصة.
ومن هنا: نستطيع أن نحكم على زيادته في آخر الحديث بالشذوذ والنكارة؛ لمخالفته الثقات!

١٣٧ – عن يحيى بن سعيد عن التيمي: ثنا بكر عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة: عن المغيره بن شعبة:
أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح ناصيته، وذكر فوق العمامة.

١ ‏/ ٢٥٦
(إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». وصححه الترمذي).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى بن سعيد. (ح) وثنا مسدد: ثنا المعتمر عن التيمي: ثنا بكر عن الحسن … به. قال عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن … باللفظ الذي بعده. قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقول بكر هذا؛ هو في الروايتين -رواية يحيى بن سعيد، ورواية المعتمر- كلاهما عن التيمي.
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحهيما»، والنسائي (١/ ٢٩ – ٣٠)، والترمذي (١/ ١٧٠)، وأحمد (٤/ ٢٥٥) عن يحيى بن سعيد القطان … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».

١٣٨ – (وفي رواية): عن المعتمر: سمعت أبي يحدث عن بكر بن عبد الله عن الحسن عن ابن المغيرة بن شعبة عن المغيرة:
أن نبي الله ﷺ كان يمسح على الخفين، وعلى ناصيته على عمامته.
قال بكر: وقد سمعته من ابن المغيرة.
(إسناده صحيح على شرط البخاري أيضًا. وأخرجه مسلم).
إسناده: سبق في الذي قبله.

١ ‏/ ٢٥٧
والحديث أخرجه مسلم أيضًا عن المعتمر … به.
وقد تابعه عن أبيه: يحيى بن سعيد القطان؛ كما في الرواية الأولى.
وتابعه أيضًا يزيد بن هارون: عند أبي عوانة والبيهقي؛ ولم يقع عندهم جميعًا تسمية ابن المغيرة.
وقد سماه غير التيمي -وهو حميد الطويل- قال: ثنا بكر بن عبد الله المزني عن حمزة بن المغيرة بن شعبة … به أتم منه، وفيه قصة صلاة النّبيّ ﷺ مؤتمًا وراء عبد الرحمن بن عوف.
أخرجه أبو عوانة والنسائي، والبيهقي (١/ ٥٨ – ٦٠)، وأحمد (٤/ ٢٤٨) من طرق عن حميد.
وهو عند مسلم من هذا الوجه؛ لكن قال: عروة بن المغيرة!
وهي وهم من مسلم أو شيخه محمد بن عبد الله بن بزيع؛ كما بينه النووي.
نعم روى الحديث عن المغيرة ابنه عروة أيضًا؛ وهو:

١٣٩ – عن الشَّعْبي قال: سمعت عروة بن المغيرة بن شعبة يذكر عن أبيه قال: كنا مع رسول الله ﷺ في رَكْبِهِ؛ ومعي إداوة، فخرج لحاجته ثمّ أقبل، فتلقيته بالإداوة؛ فأفرغت عليه، فغسل كفيه ووجهه، ثمّ أراد أن يُخرج ذراعيه -وعليه جُبّة من صوف من جِبَابِ الروم ضيقةُ الكمين- فضاقت؛ فادَّرعهما ادِّراعًا، ثمّ أهويت إلى الخفين لأنزعهما، فقال لي:
«دع الخفين؛ فإني أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان». فمسح

١ ‏/ ٢٥٨
عليهما.
قال الشعبي: شهد لي عروة على أبيه، وشهد أبوه على رسول الله ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا عيسى بن يونس: ثني أبي عن الشعبي.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٥) قال: ثنا وكيع: ئنا يونس بن أبي إسحاق: سمعته من الشعبي … به.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٥٦) من طريقين آخرين عن يونس … به.
ثمّ رواه من طريق ابن عيينة عن حصين وزكريا ويونس عن الشعبي … به مختصرًا.
وحديث زكريا -وهو ابن أبي زائدة-: عند البخاري (١٠/ ٢٢٠)، ومسلم (١/ ١٥٨)، وأبي عوانة أيضًا (١/ ٢٥٥)، والدارمي (١/ ١٨١)، والبيهقي (١/ ٢٨١)، وأحمد أيضًا (٤/ ٢٥٥) من طرق عنه … به تامًّا غير مختصر، لكن البخاري اختصره في «الطهارة» (١/ ٢٤٧).
وصرح زكريا بالتحديث في رواية أبي عوانة؛ ولم يقف عليها -أو لم
١ ‏/ ٢٥٩
يستحضرها- الحافظ حين الكلام على الحديث فقال:
«وزكريا مدلس، ولم أره من حديثه إلا بالعنعنة. لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا، والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين إلا ما كان مسموعًا لهم؛ صرح بذلك الإسماعيلي»!
وتابعه عمر بن أبي زائدة عن الشعبي؛ وهو أخو زكريا: أخرجه مسلم وأبو عوانة.
وإسماعيل بن أبي خالد: عند البيهقي، وزاد -بعد قوله: «إني قد أدخلتهما طاهرتين»-:
«لم أجنب بعد».
ورجاله رجال الشيخين؛ غير أن الراوي عن يحيى بن صالح -وهو عيسى بن غيلان-؛ لم أجد له ترجمة.
وتابعه مجالد عن الشعبي؛ وزاد -مكان: «لم أجنب بعد»-:
«ثمّ لم أمش حافيًا».
وهذه زياده منكرة؛ لتفرد مجالد -وهو ابن سعيد- بها دون جميع من رواه عن للشعبي، ودون من رواه غيره عن عروة وغيره؛ إلا ما سيأتي التنبيه عليه في الباب الذي يليه (رقم ١٤٥).

١٤٠ – عن الحسن وعن زرارة بن أوفى أن المغيرة بن شعبة قال:
تخلف رسول الله ﷺ … فذكر هذه القصة، قال:
فأتينا الناس وعبد الرحمن بن عوف يصلّي بهم الصبح، فلما رأى

١ ‏/ ٢٦٠
النّبيّ ﷺ أراد أن يتأخر؛ فأومأ إليه أن يَمضي، قال: فصليت أنا والنبيّ ﷺ خلفه ركعة، فلما سلّم؛ قام النبيّ ﷺ فصلّى الركعة التي سُبِقَ بها، ولم يزد عليها شيئًا.
(إسناده صحيح، وكذا قال الشوكاني).
إسناده: حدثنا هُدْبة بن خالد: ثنا همَّام عن قتادة عن الحسن وعن زرارة بن أوفى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وهذا من طريق زرارة.
وأما من طريق الحسن عنه؛ فإنه منقطع؛ كما في «التلخيص» (٢/ ٢٩٤).
وصحح إسناده الشوكاني أيضًا، ولكنه جعله لحديث للمصنف آخر، إسناده ضعيف كما بينت ذلك في الكتاب الآخر (رقم ٢١).
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ٣٥٢) من طريق المؤلف.

١٤١ – قال أبو داود: «أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون:
من أدرك الفرد من الصلاة؛ عليه سجدتا السهو».
(قلت: لم أقف على أسانيدها).
قال في «عون المعبود»: «وهذه الآثار قد تتبعت في تخريجها؛ لكن لم أقف [على] من أخرجها موصولًا».
قلت: قال البيهقي عقبها:

١ ‏/ ٢٦١
«وحديث رسول الله ﷺ أولى أن يتبع».
وذلك لتصريحه أنه لم يزد على الركعة شيئًا. قال ابن رسلان:
«وبه قال أكثر أهل العلم. ويؤيد ذلك قوله ﷺ:»وما فاتكم فأتموا«. وفي رواية:»فاقضوا«. ولم يأمر بالسهو».

١٤٢ – عن أبي عبد الرحمن:
أنه شهد عبد الرحمن بن عوف يسأل بلالًا عن وضوء رسول الله ﷺ؟ فقال:
كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء، فيتوضأ ويمسح على عمامته ومُوقيه.
(قلت: حديث صحيح. أخرج منه أحمد، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة»: المسح على الموقين والخمار. وأخرجه ابن خزبمة أيضًا في «صححه»).
إسناده: حدثنا عبيد الله بن معاذ: ثنا أبي: ثنا شعبة عن أبي بكر -يعني: ابن حفص بن عمر بن سعد- سمع أبا عبد الله عن أبي عبد الرحمن.
قال أبو داود: «هو أبو عبد الله مولى بتي تيم بن مرة».
قلت: وهو كشيخه أبي عبد الرحمن؛ كلاهما مجهول لا يعرف؛ كما قال ابن عبد البر.
وتبعه الذهبي في «الميزان». والحافظ في «التقريب».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٧٠) من طريق يحيى بن محمد: ثنا عبيد الله

١ ‏/ ٢٦٢
ابن معاذ العنبري … به.
ثم أخرجه من طريق آدم بن أبي إياس: ثنا شعبة … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٢٨٨) من طريقه، ثمّ قال الحاكم:
«حديث صحيح؛ فإن أبا عبد الله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول»! ووافقه الذهبي!
فذهل عما ذكره في «الميزان» من الجهالة في بعض رجال إسناده، كما أشرنا إليه آنفًا.
والحديث رواه ابن جريج أيضًا عن أبي بكر، لكن قلب إسناده فقال: أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر: أخبرني أبو عبد الرحمن عن أبي عبد الله أنه سمع عبد الرحمن بن عوف … به. وقال: خفية بدل: موقيه!
أخرجه أحمد (٦/ ١٢).
وأبو بكر بن حفص: اسمه عبد الله؛ قال الحافظ في «التهذيب»:
«وأخرج النسائي أيضًا حديثه في الطهارة، ولم يرقم له المزي؛ وهو ثابت في رواية ابن الأحمر وابن حيوة».
قلت: وليس هو في النسخة المطبوعة في مصر. ولذلك لم يعزه النابلسي (١/ ١١٦) في الذخائر إلا للمصنف وحده.
والحديث بهذا الإسناد ضعيف.
لكني وجدت له طريقًا أخرى قوية؛ وهي ما أخرجه أحمد (٦/ ١٥) قال: ثنا عفان: ثنا حماد -يعني: ابن سلمة-: ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي إدريس عن
١ ‏/ ٢٦٣
بلال قال:
رأيت رسول الله ﷺ يمسح على الموقين والخمار.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأبو إدريس: هو عائذ الله بن عبد الله.
وأبو قلابة: اسمه عبد الله بن زيد؛ وهما ثقتان من رجال الشيخين.
وأخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» -كما في «النَيل» (١/ ١٥٨) -، وابن خزيمة في «صحيحه» -كما في «نصب للراية» (١/ ١٨٣) -.
وهو في «صحيح مسلم»، و«أبي عوانة» وغيرهما من طريق أخرى عن بلال بلفظ:
مسح على الخفين والخمار.
وهو كذلك في «المسند»، و«الطبراني الكبير».
وأما تقديم الماء إليه ﷺ؛ فهو شيء معهود في السنة؛ فانظر ما سبق (رقم ٣٣ و٣٥).
ولذلك؛ فالحديث صحيح ثابت.
ثم وجدت لحديث أبي إدريس عن بلال شاهدًا من حديث أنس بن مالك: أن رسول الله ﷺ كان يمسح على الموقين والخمار.
أخرجه البيهقي قال: وأخبرنا أبو زكريا بن أبي إسحاق: ثنا أبو جعفر محمد ابن محمد بن نصير الصوفي: ثنا علي بن عبد العزيز: نا الحسن بن الربيع: ثنا أبو شهاب الحناط عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك.
١ ‏/ ٢٦٤
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معرفون؛ غير الصوفي والراوي عنه؛ فإني لم أجد لهما الآن ترجمة فيما عندي من كتب الرجال!

١٤٣ – عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير:
أن جريرًا بال ثمّ توضأ؛ فمسح على الخفين، وقال: ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله ﷺ يمسح؟ ! قالوا:
إنما كان ذلك قبل نزول المائدة! قال:
ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة.
(قلت: حديث حسن، وصححه ابن خزيمة والحاكم، ووافقه الذهبي).
إسناده: حدثنا علي بن الحسين الدِّرْهَمِيُّ: ثنا ابن داود عن بُكَيْرِ بن عامر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير.
وهذا إسناد حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات؛ غير بكير بن عامر؛ وهو مختلف فيه. وقد قال الآجري عن المؤلف:
«ليس بالمتروك». وقال ابن عدي:
«ليس كثير الرواية، ورواياته قليلة، ولم أجد له متنًا منكرًا، وهو ممن يكتب حديثه».
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٦٩) من طريق جعفر بن أحمد بن نصر: ثنا علي بن الحسين الدرهمي: ثنا عبد الله بن داود … به.
ثمّ أخرجه، ومن طريقه البيهقي (١/ ٢٧٠) من طريق أبي الحسن محمد بن غسان القزاز: ثنا عبد الله بن داود … به. وقال الحاكم:

١ ‏/ ٢٦٥
«حديث صحيح؛ وبكير بن عامر العجلي كوفي ثقة عزيز الحديث، يجمع حديثه في ثقات الكوفيين»! ووافقه الذهبي. قال الزيلعي (١/ ١٦٢):
«بهذا السند والمتن؛ رواه ابن خزيمة في»صحيحه«…».
وللحديث طريق أخرى: عند الدارقطني (٧١)، والبيهقي (١/ ٢٧٣ و٢٧٤) عن شهر بن حوشب عن جرير بن عبد الله … به.
فهذا مما يقوّي الطريق الأولى؛ فيكون الحديث حسنًا. وهو في «الصحيحين» وغيرهما بنحوه؛ دون قوله: قالوا … إلخ.

١٤٤ – عن ابن بريدة عن أبيه:
أن النجاشي أهدى إلى رسول الله ﷺ خفين أسودين ساذجين، فلبسهما، ثم توضأ ومسح عليهما.
(قلت: حديث حسن، وكذا قال الترمذي).
إسناده: حدثنا مسدد وأحمد بن أبي شعيب الحَرَّاني قالا: ثنا وكيع: ثنا دَلْهَم بن صالح عن حُجَيْر بن عبد الله عن ابن بريدة.
وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير دلهم بن صالح؛ فضعفوه؛ غير المصنف فقال:
«ليس به بأس». وقال أبو حاتم:
«هو أحب إليَّ من بكير بن عامر وعيسى بن المسيب».
وشيخه حجير بن عبد الله؛ قال ابن عدي:
«لا يعرف».

١ ‏/ ٢٦٦
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وحسَّن له الترمذيُّ هذا الحديث كما يأتي.
ثم قال المصنف عقبه:
«قال مسدد: عن دلهم بن صالح. قال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة»!
قلت: وقد تعقب السيوطي المصنف في قوله: «هذا مما تفرد به أهل البصرة»؛ بما حاصله -كما في «عون المعبود»-: أنه ليس في رواة هذا الحديث بصري؛ سوى مسدد، ولم يتفرد به، فنسبة التفرد إلى أهل البصرة وَهَمٌ من المؤلف الإمام رضي الله عنه! والله أعلم.
والحديث أخرجه أحمد (٥/ ٣٥٢): ثنا وكيع: ثنا دلهم بن صالح … به.
وكذلك أخرجه الترمذي في «سننه» (٢/ ١٣٤ – طبع بولاق)، وفي «الشمائل» أيضًا (١/ ١٥٦)، وابن ماجة (١/ ٩٥) عن وكيع.
وأخرجه البيهقي (١/ ٢٨٢ – ٢٨٣) من طريقين آخرين عن دلهم … به. وقال الترمذي:
«هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث دلهم».
وقد ساق له البيهقي شاهدًا من طريق الشعبي عن المغيرة بن شعبة:
أنَّ رسول الله ﷺ توضأ ومسح على خفيه. قال: فقال رجل عند المغيرة بن شعبة: يا مغيرة! ومن أين كان للنبي ﷺ خفان؟ قال: فقال المغيرة: أهداهما إليه النجاشي.
قال البيهقي:
«والشعبي إنما روى حديث المسح عن عروة عن المغيرة عن أبيه. وهذا شاهد لحديث دلهم بن صالح».
١ ‏/ ٢٦٧
وحديث الشعبي عن عروة مضى (برقم ١٣٩)؛ ليس فيه: يا مغيرة … بلخ.
لكن إسناد هذه الزيادة صحيح؛ فهو شاهد قوي لهذا الحديث. والله أعلم.

٦٠ – باب التوقيت في المسح
١٤٥ – عن خزيمة بن ثابت عن النّبي ﷺ قال:
«المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوم وليلة».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: «حديث حسن، وذكر عن يحيى بن معين أنه صححه». ورواه أبو عوانة وابن حبان في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر: ثنا شعبة عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن أبي عبد الله الجَدَلِيِّ عن خزيمة بن ثابت.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير أبا عبد الله الجدلي؛ وهو ثقة؛ غير أن فيه انقطاعًا، قال المصنف:
«إبراهيم -وهو النخعي- لم يسمع من أبي عبد الله الجدلي»! وحفص: هو ابن عمر بن الحارث الحوضي البصري.
وحماد: هو ابن أبا سليمان الكوفي؛ وفيه كلام من قبل حفظه؛ لكن حديثه هذا مقرون.
وقد جاء الحديث موصولًا، كما سنبينه؛ فهو حديث صحيح.
والحديث في «مسند الطيالسي» (رقم ١٢١٩): ثنا شعبة … به.

١ ‏/ ٢٦٨
وأخرجه الطحاوي (١/ ٤٩)، وأحمد (٥/ ٢١٤)، والطبراني في «معجمه الكبير»، وفي «الصغير» (ص ٢٣٨) من طرق عن شعبة … به؛ وقرن في «الصغير» -مع الحكم وحماد-: مغيرة ومنصورًا.
وقد تابعه سفيان -وهو الثوري- عن حماد ومنصور عن إبراهيم … به.
أخرجه أحمد.
وهشام الدَّسْتُوائي عن حماد وحده: أخرجه أحمد والطحاوي.
وأخرج البيهقي (١/ ٢٧٧) من طريق زائدة بن قدامة قال: سمعت منصورًا يقول: كنا في حجرة إبراهيم النَّخَعِيِّ، ومعنا إبراهيم التيمي، فذكرنا المسح على الخفين، فقال إبراهيم التيمي: تنا عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت قال:
جعل لنا رسول الله ﷺ ثلاثًا؛ ولو استزدته لزادنا -يعني: المسح على الخفين للمسافر-.
قلت: وإسناد هذه الرواية صحيح؛ وهي تشير إلى ما سبق عن المؤلف أن النخعي لم يسمعه من أبي عبد الله الجدلي.
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة والطحاوي والبيهقي والطيالسي (رقم ١٢١٨) وأحمد من طرق عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي … به.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٦٢).
وقال الترمذي:
«وذُكِر عن يحيي بن معين أنه صحح حديث خزيمة في المسح».
١ ‏/ ٢٦٩
ثم قال:
«هذا حديث حسن صحيح».
ورواه ابن حبان أيضًا -كما في «التلخيص» (٢/ ٣٩٦) -. وقال النووي: إنه «حديث صحيح».
قلت: وقد أُعل هذا الحديث بما لا يقدح؛ ولو أردنا بسط للكلام في ذلك لطال؛ فليراجع لذلك «نصب الراية» (١/ ١٧٥ – ١٧٧).
وللحديث شواهد كثيرة: من حديث علي بن أبي طالب -في «صحيح مسلم»، و«أبي عوانة»-، وصفوان بن عَسَّال وأبي بكرة والمغيرة بن شعبة -وهي عند الطحاوي والبيهقي وبعض أصحاب «السنن»-.
وفيها -ما عدا الأول- من الزيادات ما ليس في حديث الباب؛ فأرى من الفائدة ذكرها؛ مع التنبيه على ما لا يصح منها.
ففي حديث صفوان: «إلا من جنابة؛ ولكن من غائط وبول ونوم».
وفي حديث أبي بكرة: «إذا تطهر ولبس خفيه».
وفي حديث المغيرة: «ما لم يخلع». قال البيهقي:
«تفرد به عمرو بن رُدَيْحٍ؛ وليس بالقوي».
قلت: وفي معناها ما في بعض طرقه بغير هذا اللفظ عند أحمد بلفظ:
«ثمّ لم أمش حافيًا»؛ وهي ضعيفة أيضًا؛ لما سبق بيانه عند الحديث (رقم ١٣٩).
وقد صح عن علي رضي الله عنه:
١ ‏/ ٢٧٠
أنه مسح على نعليه، ثمّ خلعهما، ثم صلّى.
كما سيأتي في الكلام على الحديث (رقم ١٥٦).
وهذا يؤيد قول من قال: إنْ نَزَعَ الخفين بعد المسح عليهما لا يضره، ولا يلزمه إعادة وضوء، ولا غسل رجليه، بل هو طاهر كما كان، ويصلي كذلك.
وبه قال الحسن وابن أبي ليلى وجماعة؛ كما في «الفتح» (١/ ٢٤٨). وإليه ذهب ابن حزم (٢/ ١٠٥). وقال:
«وهذه قول طائفة من السلف …»؛ ثمّ روى ذلك عن هشام بن حسان، وعن إبراهيم النخعي.
وهذه فائدة تعرضنا لذكرها بالمناسبة، ولقِلَّة ما تراها في كتاب من كتب الفقه المشهورة.
(فائدة أخرى): ظاهر حديث الباب -ومثله الأ حاديث الأخرى-: أنَّ مدة المسح تبتدئ من حين يمسح بعد الحدث. وبه قال الأوزاعي وأبو ثور. قال النووي في «المجموع» (١/ ٤٨٧):
«وهو رواية عن أحمد وداود وهو المختار الراجح دليلًا. واختاره ابن المنذر؛ وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه».

١٤٦ – وفي رواية: ولو استزدناه لزادنا.
(قلت: إسناد صحيح، وصححه ابن حبان وأبو عوانة).
إسناده: علقه المصنف فقال: رواه منصور بن المعتمر عن إبراهيم التيمي … بإسناده: ولو استزدناه لزادنا.

١ ‏/ ٢٧١
وقد وصله الإمام أحمد (٥/ ٢١٣): ثنا أبو عبد الصمد العَمِّي: ثنا منصور: ثنا إبراهيم بن يزيد التيمي عن عمرو بن ميمون عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت الأنصاري أن رسول الله ﷺ قال:
«امسحوا على الخفاف ثلاثة أيام». ولو استزدنا لزادنا.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الجدلي؛ وهو ثقة كما سبق في الرواية الأولى.
ثم قال أحمد: ثنا سفيان عن منصور … به بلفظ:
سألنا رسول الله ﷺ عن المسح على الخفين؟ فرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يومًا وليلة.
قال أحمد: سمعته من سفيان مرتين يذكر:
للمقيم، ولو أطنب السائل في مسألته لزادهم.
وكذلك رواه الطحاوي، وأبو عوانة عن سفيان … به؛ لكن أبا عوانة لم يسق لفظه بتمامه.
وقد تابعه سعيد بن مسروق -والد سفيان- الثوري عن إبراهيم التيمي.
أخرجه ابن ماجة (١/ ١٩٦)، وأحمد (٥/ ٢١٤ و٢١٥) عن سفيان عن أبيه عن إبراهيم التيمي … به. ولفظه:
ولو مضى السائل على مسألته؛ لجعلها خمسًا.
فقد اتفق على هذه الزيادة -عن التيمي- ثقتان: منصور وسعيد بن مسروق؛ فهي زيادة صحيحه ثابتة؛ وإن كان لا يؤخذ منها حكم زائد على أصل الحديث.
١ ‏/ ٢٧٢
وقد سبق أن نقلنا عن النووي أنه صحح الحديث.
وأما بهذه الزيادة؛ فزعم (١/ ٤٨٥) أنه ضعيف بالاتفاق! وضعفه من وجهين:
أحدهما: أنه مضطرب.
والثاني: أنه منقطع؛ قال شعبة:
«لم يسمع إبراهيم من أبي عبد الله الجدلي». وقال البخاري:
«ولا يعرف للجدلي سماع من خزيمة»!
قلت: أما الاضطراب؛ فهو من النوع الذي لا يقدح، كما تجد تفصيله في «نصب الراية»؛ وليس هو في هذه الزيادة فقط؛ بل هو واقع في أصل الحديث أيضًا. ولو كان قادحًا؛ لا صححه من سبق ذكرهم، وفيهم النووي!
وأما الانقطاع؛ فإنما هو بالنسبة إلى سند المصنف في الرواية الأولى؛ لأنها من طريق إبراهيم النخعي عن أبي عبد الله الجدلي.
وأما الزيادة؛ فإنها من طريق إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي؛ وقد صرح التيمي بسماعه عن عمرو، كما سبق في الكلام على الرواية الأولى.
وأما قول البخاري المذكور؛ فإنما هو على قول من يشترط في الاتصال اللقاء والسماع؛ ولو مرة! والجمهور على خلافه؛ وهو أنه يكفي إمكان اللقاء، وهو ثابت هنا، فلا انقطاع.
ولو صح لما جاز للنووي أن يصحح أصل الحديث؛ لأنه من هذا الطريق أيضًا.
وبالجملة؛ فالنووي قد تناقض في هذا الحديث تناقضًا ظاهرًا، وأوقع غيره في الغلط عليه؛ فقد قال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ٣٩٦) -بعد أن ذكر أنّ هذه
١ ‏/ ٢٧٣
الزيادة رواها كأصلها ابن حبان-، قال:
«وادّعى النووي في»شرح المهذب«الاتفاق على ضعف هذا الحديث، وتصحيح ابن حبان له يَرُدُّ عليه، مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضًا؛ كما تقدّم»!
قلت: الترمذي إنما ذكر ذلك بعد أن ساق الحديث بدون الزيادة؛ فهو غير وارد على النووي؛ لأنه صرح بصحة الحديث بدون الزيادة كما سبق؛ بل إنه نقل قول الترمذي فيه:
«حديث حسن صحيح».
والحق والعدل: أن من صحح أصل الحديث يلزمه أن يصحح هذه الزيادة؛ لأنه من طريقه؛ وهو الذي نراه ونجزم به.
ومن ضعف الزيادة يلزمه أن يضعف الحديث من أصله، لا كما فعل النووي رحمه الله. والله تعالى هو الموفق.

٦١ – باب المسح على الجوربين
١٤٧ – عن هُزَيْلِ بن شُرَحْبيل عن المغيرة بن شعبة:
أنّ رسول الله ﷺ توضأ ومسح على الجوربين والنعلين.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه ابن حبان، وقال الترمذي: إنه «حديث حسن صحيح»، واحتج به ابن حزم).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان الثوري عن أبي قيس الآوْدِيِّ عن هزيل بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة.

١ ‏/ ٢٧٤
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه أحمد (٤/ ٢٥٢): ثنا وكيع … به.
وكذلك أخرجه الترمذي. وابن ماجة عن وكيع.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٥٨)، والبيهقي (١/ ٢٨٣) من طريق أبي عاصم عن سفيان الثوري. ثم قال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
واعلم أن هذا الحديث مما اختلفت فيه آراء علماء الحديث تصحيحًا وتضعيفًا: فصححه الترمذي وغيره كما يأتي، وضعفه البيهقي وغيره كالمصنف؛ حيث قال عقبه:
«كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي ﷺ مسح على الخفين»! وذكر البيهقي عن مسلم وغيره تضعيفه؛ بسبب ما أشار إليه المصنف عن ابن مهدي من المخالفة! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
«قلت: هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه؛ وصححه ابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان؛ وثقه ابن معين. وقال العجلي: ثقة ثبت. وهزيل؛ وثقه العجلي، وأخرج لهما معًا البخاري في»صحيحه«. ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة؛ بل رويا أمرًا زائدًا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض؛ فيحمل على أنهما حديثان. ولهذا صحح الحديث كما مر».
وذكر بعضَ هذا: ابنُ دقيق العيد رحمه الله؛ ففي «نصب الراية» (١/ ١٨٥):
١ ‏/ ٢٧٥
«قال الشيخ تقي الدين في»الإمام«: ومن يصححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس- على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفة معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه، ولا يعارضه؛ ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة؛ لم يشارك المشهورات في سندها».
وهذا هو التحقيق في هذا الحديث. وأوضح ذلك الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على «الترمذي»؛ فقال (١/ ١٦٨) -بعد أن ذكر بعض كلمات المضعفين-:
«وليس الأمر كما قال هؤلاء الأئمة؛ والصواب صنيع الترمذي في تصحيح هذا الحديث، وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء؛ فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر؛ إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة، والمغيرة صحب النبيّ ﷺ نحو خمس سنين؛ فمن العقول أن يشهد مع النّبيّ وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها؛ فيسمع بعض الرواة منه شيئًا، ويسمع غيره شيئًا آخر؛ وهذا واضح بديهي».
وللحديث شاهد وهو:

١٤٨ – قال أبو داود: «وروي هذا أيضًا عن أبي موسى الأشعري عن النّبيّ ﷺ: أنه مسح على الجوربين. وليس بالمتصل ولا بالقوي».
(قلت: انقطاعه غير مسلَّم، ثمّ هو قوي بما قبله).
إسناده: هو كما ترى معلق، وقد وصله ابن ماجة والطحاوي والبيهقي من طريق عيسى بن يونس عن أبي سنان عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن

١ ‏/ ٢٧٦
عن أبي موسى قال:
رأيت رسول الله ﷺ يمسح على الجوربين والنعلين.
وأعله المصنف بما تراه في الأعلى؛ وأوضح ذلك البيهقي فقال:
«الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى. وعيسى بن سنان ضعيف لا يحتج به»! قال ابن التركماني:
«قلت: هذا أيضًا كما تقدّم: أنه على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع، ثمّ هو معارض بما ذكره عبد الغني؛ فإنه قال في»الكمال«: سمع الضحاك من أبي موسى. وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره، وقد أخرج الترمذي في (الجنائز) حديثًا في سنده عيسى بن سنان هذا؛ وحسنه».
قلت: الحق: أن عيسى بن سنان ضعيف عند جمهور المحدثين من قبل حفظه؛ دون أن يتهم؛ فمثله قد يكون حسن الحديث إذا توبع أو كان له شاهد.
وأما سماع الضحاك من أبي موسى؛ فهو الظاهر؛ لأن المثبت مقدّم على النافي. وكأنه لذلك ذكر له المزي في «التهذيب» رواية عن أبي موسى، وتبعه الحافظ في «تهذيبه». ولو كانا يريان عدم سماعه منه؛ لقالا بعد أن ذكرا روايته عنه:
«ولم يسمع منه»! كما هي عادتهما في مثل ذلك. والله أعلم.
وبالجملة؛ فالحديث قوي يشاهده الذي قبله.

١٤٩ – قال أبو داود: «ومسح على الجوربين: علي بن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو ابن حُرَيْثٍ. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وابن عباس».

١ ‏/ ٢٧٧
(قلت: قد وقفنا على أثر علي بن أبي طالب؛ وفي سنده من لم نجد له ترجمة وعلى أثر أبي مسعود؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وعلى أثر البراء بن عازب؛ وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأنس بن مالك؛ وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأبي أمامة؛ وإسناده حسن. وعمر بن الخطاب؛ وإسناده ضعيف).
قلت: أما أثر علي؛ فوصله عبد الرزاق في «مصنفه» -كما في «نصب الراية» (١/ ١٨٦) – فقال: أخبرنا الثوري عن الزّبرِقَانِ عن كعب بن عبد الله قال:
رأيت عليًّا بال؛ فمسح على جوربيه ونعليه، ثمّ قام يصلّي.
وكذا أخرجه البيهقي (١/ ٢٥٨) من طريق إسرائيل عن الزبرقان.
وخالفهما شعبة فقال: عن أبي الورقاء سمع رجلًا من قومه -يقال له: عبد الله بن كعب- يقول … فذكره: أخرجه البيهقي.
فقلب اسم كعب بن عبد الله؛ فقال: عبد الله بن كعب. والصواب الأول، وقد بحثت عن ترجمته كثيرًا؛ فلم أجد من ذكره!
وأما أبو الورقاء؛ فإن كان هو فائد بن عبد الرحمن الكوفي العطار؛ فهو متروك.
وإن كان غيره؛ فلم أعرفه!
وأما أثر أبي مسعود؛ فوصله عبد الرزاق أيضًا قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال:
كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على جوربين له -من شعر- ونعليه.
أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن أبي مسعود … نحوه.
١ ‏/ ٢٧٨
وهذا إسناد صحيح. والذي قبله صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه البيهقي عن شعبة عن منصور.
(تنبيه): كذا في نسخة: «أبو مسعود».
وفي نسخة «عون المعبود»: «ابن مسعود»؛ وقد وصله عنه عبد الرزاق أيضًا: أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم:
أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه، ويمسح على جوربيه.
ورجاله ثقات رجال الستة؛ لكنه منقطع؛ فإن إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي- لم يلق ابن مسعود.
بيد أنه رواه الطبراني في «الكبير»؛ قال في «المجمع» (١/ ٢٥٨):
«ورجاله موثقون».
وأما أثر البراء؛ فقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسماعيل ابن رجاء عن أبيه قال:
رأيت البراء يمسح على جوربيه ونعليه.
وأخرجه البيهقي من طريق ابن نمير عن الأعمش.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأما أثر أنس؛ فله عنه طرق:
(١) قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك:
أنه كان يمسح على الجوربين.
١ ‏/ ٢٧٩
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(٢) أخرجه البيهقي من طريق الأعمش -أظنه- عن سعيد بن عبد الله قال:
رأيت أنس بن مالك أتى الخلاء، فتوضأ ومسح على قلنسوة بيضاء مزرورة، وعلى جوربين أسودين مِرْعَزّييْنِ.
وسعيد بن عبد الله؛ الظاهر أنه ابن عبد الله بن ضرار؛ قال أبو حاتم:
«ليس بقوي»؛ كما في «الميزان».
(٣) ذكر ابن حزم (٢/ ٨٥) من طريق الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري: حدثني عاصم الأحول قال:
رأيت أنس بن مالك مسح على جوربيه.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما.
(٤) ومن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك قالا جميعًا:
كان أنس بن مالك يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد أو إسنادان صحيحان على شرط مسلم.
وأما أثر أبي أمامة؛ فذكره ابن حزم عن حماد بن سلمة عن أبي غالب عن أبي أمامة الباهلي:
أنه كان يمسح على الجوربين والخفين والعمامة.
وهذا إسناد حسن.
١ ‏/ ٢٨٠
وأما أثر عمر؛ فذكره ابن حزم من طريق وكيع عن أبي جَنَابٍ عن أبيه عن خِلاس بن عمرو عن ابن عمر قال:
بال عمر بن الخطاب يوم الجمعة، ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين، وصلّى بالناس الجمعة.
وهذا إسناد ضعيف؛ أبو جناب: هو يحيى بن أبي حية، كان يحيى بن سعيد يتكلم فيه وفي أبيه.
وأما بقية الآثار -وهما عن سهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وابن عباس-؛ فلم أقف عليها!
نعم؛ ذكر المعلق على «نصب الراية» أن أثر سهل: عند ابن أبي شيبة (ص ١١٦)، لكن هذا الكتاب لم يصل إلينا بعد، وإنما وقفنا على الجزء الرابع منه.
وروى الطبراني في «الكبير» عن عمرو بن حريث:
أنه مسح على نعليه ثمّ قام فصلّى. قال في «المجمع» (١/ ٢٥٨):
«ورجاله ثقات».
(فائدة): لم يرد شيء يدل على اعتبار اشتراط الثخانة في الجوربين لجواز المسح عليهما، بل قال النووي في «المجموع» (١/ ٥٠٠):
«وحكى أصحابنا عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقًا، وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود».
قلت: وهو مذهب ابن حزم.
١ ‏/ ٢٨١
٦٢ – باب
١٥٠ – عن يعلى بن عطاء عن أبيه: أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي:
أنه رأى رسول الله ﷺ أتى كِظَامة قوم -وفي لفظ: رأيت رسول الله ﷺ أتى كظامة -يعني: الِميضأة-؛ فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه.
(قلت: حديث صحيح. وأخرجه ابن حبان في «صحيحه». وصححه ابن القطان من حديث ابن عمر).
إسناده: حدثنا مسدد وعباد بن موسى قالا: ثنا هشيم عن يعلى بن عطاء.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ غير عطاء والد يحيى؛ قال الحافظ في «التهذيب»:
«قال أبو الحسن بن القطان: مجهول الحال، ما روى عنه غير ابنه يعلى.
وتبعه الذهبي في»الميزان«. وأما ابن حبان فذكره في»الثقات«، وروى له هذا الحديث».
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ٢٨٦) من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (٤/ ٨): ثنا هشيم … به مختصرًا؛ بلفظ:
رأيت رسول الله ﷺ أتى كظامة قوم فتوضأ.
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (١) قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: نا عثمان بن أبي شيبة: نا هشيم … به؛ بلفظ:


(١) الجزء الأول، وهو في المكتبة الظاهرية تحت رقم (٢٨٢ – حديث).
١ ‏/ ٢٨٢
أتى كظامة -يعني: مطهرة-؛ فتوضأ ومسح على قدميه.
وهكذا أخرجه الحازمي في «الاعتبار» (ص ٤٢) من طريق سعيد بن منصور: أنا هشيم … به، وزاد:
بالطائف.
قال هشيم: كان هذا في أول الإسلام.
وقد تابعه شعبة عن يعلى: أخرجه الطبراني قال: حدثنا معاذ بن المثنى: نا مسدد: نا يحيى بن سعيد عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال:
رأيت النّبي ﷺ توضأ، ومسح على نعليه، وقام إلى الصلاة.
وأخرجه أحمد أيضًا قال: ثنا يحيى … به؛ لكن وقع في سنده تحريف مطبعي.
ثم قال الطبراني: حدثنا عبدان بن أحمد: نا زيد بن الحُريش: حدثني يحيى ابن سعيد … به.
وأخرجه الحازمي؛ لكن وقع في نسختنا: «يحيى بن سعيد عن يعلى بن عطاء»! فكأنه سقط منها شعبة من بينهما. ثمّ قال الحازمي:
«لا يعرف هذا الحديث مُجَوَّدًا متصلًا إلا من حديث يعلى بن عطاء، وفيه اختلاف أيضًا»!
والاختلاف الذي يشير إليه: هو أن حماد بن سلمة رواه عن يعلى بن عطاء عن أوس الثقفي:
أن رسول الله ﷺ توضأ ومسح على نعليه.
١ ‏/ ٢٨٣
أخرجه الطيالسي (رقم ١١١٣): ثنا حماد بن سلمة … به.
وأخرجه الطحاوي (١/ ٥٨)، وأحمد (٤/ ٩)، والطبراني من طرق عن حماد … به، لكنهم خالفوه فجعلوه من (مسند أبي أوس) لا من (مسند ابنه) فقالوا: عن أوس بن أبي أوس قال: رأيت أبي يومًا توضأ فمسح على النعلين. فقلت له: أتمسح عليهما؟ فقال: هكذا رأيت رسول الله ﷺ يفعل.
وكذلك رواه شريك عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال: كنت مع أبي على ماء من مياه العرب، فتوضأ ومسح على نعليه، فقيل له؟ فقال: ما أزيدك على ما رأيت رسول الله ﷺ يصنع.
أخرجه الطحاوي وأحمد والطبراني من طرق عنه.
فقد اتفق حماد -في رواية الأكثرين- وشريك على إسقاط عطاء من الإسناد، وعلى أن الحديث من (مسند أبي أوس) ليس من (مسند ابنه أوس)؛ خلافًا لرواية هشيم وشعبة، وهي عندي أصح وأولى؛ لأنهما أوثق وأحفظ من حماد وشريك.
وقد أخرجه البيهقي من طريق الطيالسي، ثم قال:
«وهذا الإسناد غير قوي»! فتعقبه ابن التركماني بقوله:
«الوجه الأول أخرجه الحازمي في»الناسخ والمنسوخ«وقال: لا يعرف مجودًا متصلًا إلا من حديث يعلى بن عطاء، وأخرجه أيضًا ابن حبان في»صحيحه«؛ قالاحتجاج به كافٍ»!
أقول: الإنصاف أن تقول: إن الاحتجاج به وحده لا يكفي؛ لأنه -وإن سلم من الاضطراب المخل-؛ فإنه من رواية عطاء أبي يعلى، وقد عرفت أنه مجهول الحال، وقد اشتهر ابن حبان بتوثيق أمثاله من المجهولين.
١ ‏/ ٢٨٤
لكن الحديث صحيح بما له من الشواهد التي منها: ما أخرجه أبو بكر البزار في «مسنده»: ثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا روح بن عبادة عن ابن أبي ذئب عن نافع:
أن ابن عمر كان يتوضأ ونعلاه في رجليه، ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان رسول الله ﷺ يفعل.
وقد قال ابن القطان: إنه حديث صحيح. كما في «شرح علوم الحديث» (ص ١٢) للحافظ العراقي.
قلت: وهو صحيح على شرط مسلم.
وابن سعيد هذا: هو الجوهري البغدادي، من شيوخ المصنف الذين تقدموا في الكتاب.
وبقية شواهده تراجع في «الجوهر النقي»؛ ويأتي بعضها في الباب الذي يلي.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

١ – كتاب الطهارة -5

١١٣ – باب من قال: المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر ٣١٩ – عن سُمَيٍّ …