١ – عن المغيرة بن شعبة:
أنّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا ذهب المَذْهبَ أبعد.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي والنووي).
إسناده: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي: ثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد- عن محمد -يعني: ابن عمرو- عن أبي سلمة عنه.
وهذا إسناد حسن عندي:
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة عابد؛ احتج به الشيخان.
وعبد العزيز بن محمد: هو الدراوردي؛ ثقة يخطئ واحتج به مسلم، وروى له البخاري مقرونًا.
ومحمد بن عمرو: هو ابن علقمة الليثي؛ وهو صدوق له أوهام، روى له البخاري مقرونًا، ومسلم متابعة.
وأبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري؛ ثقة حجة عند الشيخين وغيرهما، ولم يسمع من أبيه.
والحديث أخرجه النسائي أيضًا، والترمذي والدارمي وابن ماجة وابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ١٠ / ١)، والحاكم، وعنه البيهقي في «سننه الكبرى» (١/ ٩٣)
«حديث حسن صحيح». والحاكم:
«صحيح على شرط مسلم»؛ ووافقه الذهبي!
وهو من أوهامهما؛ لا علمت من أن مسلمًا إنما أخرج لمحمد بن عمرو متابعة.
لكن الحديث صحيح، فقد ورد من طريق أخرى عند الدارمي، وأحمد (٤/ ٢٤٤) عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة … به نحوه.
وهذا إسناد صحيح:
محمد بن سيرين؛ أشهر من أن يذكر.
وعمرو بن وهب؛ وثقه النسائي وابن حبان والعجلي وابن سعد.
ولهذا قلت فيه: «إسناده حسن صحيح»؛ فهو حسن باعتبار الطريق الأولى، وصحيح بالنظر إلى الطريق الأخرى.
٢ – عن جابر بن عبد الله:
أنّ النبي ﷺ كان إذا أراد البَرَاز انطلق حتى لا يراه أحد.
(قلت: حديث صحيح).
إسناده: أخرجه من طريق إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عنه.
وهذا إسناد ضعيف:
إسماعيل بن عبد الملك صدوق كثير الوهم، وهو ابن أبي الصُّفَيْراء -بالفاء-.
وأبو الزبير مدلس، وقد عنعنه.
لكن الحديث صحيح لشواهده الكثيرة؛ منها الذي قبله.
ومنها: عن عبد الرحمن بن أبي قُرَاد: عند النسائي وغيره بسند صحيح.
والحديث قال في «المجموع» (٢/ ٧٧):
«فيه ضعف يسير، وسكت عليه أبو داود؛ فهو حسن عنده».
٢ – باب الرجل يتبوأ لبوله
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «للضعيف»)]
٣ – باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء
٣ – عن أنس بن مالك قال:
كان رسول الله ﷺ إذا دخل الخلاء قال:
«اللهم! إني أعوذ بك (وفي رواية: أعوذ بالله) من الخُبُثِ والخبائث».
قال أبو داود: «وقال وُهَيْب (١): فليتعوذ بالله».
«تغير وهيب بن خالد، وكان ثقة». وقال يحيى بن سعيد:
«إسماعيل أثبت من وهيب».
وإسماعيل: هو ابن علية، أحد رواة الحديث، وهو رواه من فعله عليه الصلاة والسلام، =
إسناده: ثنا مسدد بن مسرهد: ثنا حماد بن زيد وعبد الوارث عن عبد العزيز ابن صهيب عنه.
قال حماد: «اللهم! إني أعوذ بك».
نعم؛ تابعه عليها عبد العزيز بن المختار عن عبد العزيز بن صهيب بلفظ الأمر؛ قال: «إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث».
قال الحافظ في «الفتح» (١/ ١٩٦):
«رواه العمري، وإسناده على شرط مسلم، وفيه زيادة التسمية، ولم أرها في غير هذه الرواية»!
قلت: وهي رواية شاذة؛ لمخالفتها لجميع روايات الثقات المتقدمة، وعبد العزيز بن المختار وإن كان ثقة؛ فقد قال ابن حبان:
«إنه كان يخطئ». حتى بالغ ابن معين فقال:
«ليس بشيء»!
والحق أنه حجة إذا لم يخالف.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح بالرواية الأولى، دون سائر الروايات فإنها شاذة. وأما قول الحافظ عن التسمية: «إنه لم يرها في غير هذه الرواية»! فهو ذهول؛ فقد رواها ابن السني من طريق قتادة عن أنس؛ لكنها معلولة أيضًا كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في الحديث الآتي.
ورواها أبو معشر نجيح عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس مرفوعًا به مثل حديث الباب، وزاد التسمية.
رواه ابن أبي شيبة. ونجيح ضعيف، وفيها حديث آخر، فانظر «المشكاة» (٣٥٨).
قال أبو داود:»رواه شعبة عن عبد العزيز: «اللهم! إني أعوذ بك». وقال مرة: «أعوذ بالله»«.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجاه في»الصحيحين«من طرق عن عبد العزيز.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في»صحيحه«(١/ ٢١٦)، والترمذي، والدارمي من طرق عن حماد بن زيد بلفظه.
وتابعه عليه هشيم عن عبد العزيز: أخرجه مسلم، وأحمد (٣/ ٩٩)، وابن أبي شيبة (١/ ١).
وسعيد بن زيد: عند البخاري في»الأدب المفرد«(ص ١٠٠)، وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وحماد بن سلمة: عند ابن السني في»اليوم والليلة«(رقم ١٦)، وهو صحيح أيضًا.
وشعبة في إحدى الروايتين عنه؛ أخرجه البخاري في»الدعوات”، وأبو عوانة وابن السني.
وأما رواية عبد الوارث (١)؛ فتابعه عليها إسماعيل ابن عُلَيَّة: عند مسلم وابن ماجة، وأحمد (٣/ ١٠١)، ورواه النسائي لكن بلفظ حماد بن زيد.
وأما رواية شعبة باللفظين؛ فأخرجه الترمذي (١/ ١٠)، وأخرجه أحمد (٣/ ٢٨٢) باللفظ الآخر، والبخاري وغيره باللفظ الأول كما سبق.
«حماد بن زيد أثبت من عبد الوارث وابن علية والثقفي وابن عيينة».
٤ – عن زيد بن أرقم عن رسول الله ﷺ قال:
«إن هذه الحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ، فإذا أتى أحدُكم الخلاءَ فليقلْ: أعوذ بالله من الخُبُثِ والخبائث».
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي).
إسناده: ثنا عمرو بن مرزوق: نا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد ابن أرقم.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، فقد أخرج لعمرو بن مرزوق في «صحيحه» وبقية الرجال ثقات مشهورون من رجال الشيخين.
وقد أخرجه الطيالسي في «مسنده» (رقم ٦٧٩): ثنا شعبة عن قتادة سمع النضر بن أنس به.
وهذا صحيح على شرطهما، وفيه فائدة؛ وهي تصريح قتادة بسماعه من النضر.
ومن هذا الوجه: رواه ابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٤/ ٣٦٩ و٣٧٣).
ولقتادة فيه شيخ آخر، رواه سعيد بن أبي عروبة عنه عن القاسم بن عوف
أخرجه ابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٤/ ٣٧٣)، وابن أبي شيبة (١/ ١).
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٨٧) من الوجهين، ثمّ قال:
«كلا الإسنادين من شرط»الصحيح«…» ووافقه الذهبي.
والحديث أشار إليه الترمذي في «سننه» (١/ ١١) وأعله بقوله:
«في إسناده اضطراب: روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم. وقال هشام: عن قتادة عن زيد بن أرقم. ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس. فقال شعبة: عن زيد بن أرقم. وقال معمر: عن النضر بن أنس عن أبيه عن النّبيّ ﷺ».
قال الترمذي:
«سألت محمدًا -يعني: البخاري- عن هذا؟ فقال: يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعًا».
قلت: وهذا الذي أجاب به البخاري رحمه الله احتمالًا: هو الذي نجزم به ونطمئن إليه؛ وذلك أن قتادة ثقة حافظ ثبت، فليس بكثير عليه أن يكون له في حديث واحد إسنادان فأكثر؛ كما يقع ذلك كثيرًا لأمثاله من الحفاظ، كالزهري وغيره، كما يشهد بذلك من له ممارسة واضطلاع بهذا الشأن.
ولذلك فإننا لا نرى إعلال الترمذي بما ذكر صوابًا!
على أننا نقول: إن مجرد الاختلاف في إسناد حديث لا يستلزم إعلاله أو الحكم عليه بالاضطراب؛ ذلك لأن شرط المضطرب من الحديث أن تستوي
وإذا كان لا بد من الترجيح بين الروايات السابقة؛ فرواية من قال: عن قتادة عن القاسم بن عوف عن زيد بن أرقم؛ هي أرجح لدينا؛ وذلك لأن سعيد بن أبي عروبة وهشامًا الدستوائي أثبت الناس في الرواية عن قتادة، كما قال ابن أبي خيثمة وغيره.
ثمّ إن رواية سعيد مقدمة على رواية هشام؛ لما فيها من الزيادة في الإسناد، وهي من ثقة، فيجب قبولها. على أن أبا داود الطيالسي قال في سعيد:
«كان أحفظ أصحاب قتادة».
وقد صرح الإمام البيهقي في رواية معمر -التي ذكرها الترمذي- أنها وهم؛ كما في «سننه». وقتادة بصري وفيما حدث معمر -وهو ابن راشد- بالبصرة شيء من الضعف، كما ذكر الحافظ في «التقريب»، فروايته لا تقاوم رواية أوثق الناس في قتادة عند الاختلاف، فلم يبق ما يقوم للمعارضة إلا رواية شعبه، وهو ثقة حافظ متقن؛ ولذلك فالرأي عندي ثبوت روايته مع رواية سعيد؛ كما جريت عليه في صدر الكلام.
لكني؛ أقول: إن كان لا بد من الترجيح؛ فرواية سعيد مقدمة عليه؛ ومعه متابع له في الجملة كما سبق بيانه؛ والله تعالى أعلم.
ثمّ إن الحديث رواه بعض الضعفاء عن قتادة على وجه آخر بلفظ:
«هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: بسم الله».
«قال العقيلي: في حديثه اضطراب، وعنه قطن بن نسير». زاد الحافظ في «اللسان»:
«وذكره ابن حبان في»الثقات«. وقال: روى عنه القاسم بن عيسى الطائي والبصريون. قلت: ومن أغلاطه أنه روى عن قتادة عن أنس في القول عند دخول الخلاء. وإنما رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم. وقيل: عن النضر بن أنس عن أبيه. والأول أصح».
(تنبيه): قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٦١) -أن الحديث-:
«أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما»! وذكر في مكان آخر منه (٥٣٠) أنه في «السنن الأربعة»! وسكت عليه.
وفي هذا الإطلاق تساهل أو ذهول، وذلك أن الحديث ليس عند النسائي في «سننه الصغرى» المعروف بـ «المجتبى»، وإنما هو في «سننه الكبرى»؛ كما قيّده صاحب «عون المعبود»، كما أنه ليس عند الترمذي ثاني الأربعة، وإنما أشار إليه إشارة كما سبق أن ذكرنا. والله تعالى هو الموفق.
٤ – باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة
٥ – عن سلمان قال: قيل له:
لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخِرَاءَةَ؟ قال:
أجل؛ لقد نهانا ﷺ أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن لا نستنجي
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وصححه الترمذي والدارقطني).
إسناده: ثنا مسدد بن مسرهد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن سلمان.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ فقد احتج بمسدد بن مسرهد، وبقية رواته متفق عليهم.
والحديث أخرجه مسلم والنسائي والترمذي والدارقطني والبيهقي، وأحمد (٥/ ٤٣٩) كلهم عن أبي معاوية به.
وأخرجه مسلم والنسائي والدارقطني، وكذا أبو عوانة في «صحيحه»، وابن ماجة، وأحمد (٥/ ٤٣٧ – ٤٣٨) من طرق أخرى عن الأعمش ومنصور عن إبراهيم به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». والدارقطني:
«إسناد صحيح».
٦ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدُكم الغائطَ؛ فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه».
(قلت: إسناده حسن. وقد أخرجه أبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في «صحاحهم». وروى مسلم بعضه).
إسناده: ثنا عبد الله بن محمد النُّفَيْليُّ: ثنا ابن المبارك عن محمد بن عجلان عن القَعْقَاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وهذا إسناد حسن، رجاله رجال «الصحيح»؛ غير أن ابن عجلان إنما أخرج له مسلم متابعة.
والحديث أخرجه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه» (١/ ٢٠٠)، والنسائي والدارمي وابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٢/ ٢٤٧ – ٢٥٠) من طرق عن ابن عجلان به.
ورواه ابن خزيمة وابن حجان (١٢٨ – ١٣٠) في «صحيحيهما» كما في «التلخيص» (١/ ٤٥٦).
وروى بعضه مسلم (١/ ١٥٥) من طريق سهيل عن القعقاع به بلفظ:
«إذا جلس أحدكم على حاجته؛ فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها».
والحديث صححه النووي (٢/ ٩٥ و١٠٩).
٧ – عن أبي أيوب -روايةً-[قلت: يعني: عن النّبيّ ﷺ] قال:
«إذا أتيتم الغائط؛ فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا».
(قلت: إسناده على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: ثنا مسدد بن مُسَرْهَد: ثنا سفيان عن الزُّهْري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب.
وهذا إسناد على شرط البخاري.
وقد أخرجه في «صحيحه» (١/ ٣٩٦): ثنا علي بن عبد الله قال: ثنا سفيان به.
وكذلك أخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ١٩٩)، والنسائي والترمذي والدارمي والبيهقي، وأحمد (٥/ ٤٢١) من طرق عن سفيان بن عيينة به. وقال الترمذي -أنّه-:
«أحسن شيء في هذا الباب».
ثمّ أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة، وأحمد (٥/ ٤١٦ و٤١٧ و٤٢١) من طرق أخرى عن الزهري به.
وللحديث إسنادان آخران عن أبي أيوب:
أخرج أحدهما مالك (١/ ١٩٩)، ومن طريقه النسائي، وأحمد عنه (٥/ ٤١٤) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق -مولى لآل الشفاء- عنه.
وقد تابعه همام: أنا إسحاق ابن أخي أنس عن رافع بن إسحاق به:
أخرجه أحمد (٥/ ٤١٥)؛ وهو صحيح أيضًا.
والآخر: أخرجه الدارقطني في «سننه» (٢٣) من طريق ورقاء عن سعد بن سعيد عن عمر بن ثابت عن أبي أيوب مرفوعًا.
وهذا إسناد حسن صحيح.
وللنهي عن الاستقبال شاهد من حديث عبد الله بن الحارث:
أخرجه ابن ماجة (٣١٧) بسند صحيح، وابن حبان (١٣٣) بسند آخر صحيح أيضًا.
٨ – عن مروان الأصفر قال:
رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثمّ جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن! أليس قد نُهي عن هذا؟ ! قال:
بلى؛ إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك؛ فلا بأس.
(قلت: إسناده حسن، ورجاله رجال «الصحيح». وقد حسنه الحازمي، والحافظ في «الفتح»، وصححه الدارقطني والحاكم والذهبي).
إسناده: ثنا محمد بن يحيى بن قارس: ثنا صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذَكوان عن مروان الأصفر.
وصفوان بن عيسى ثقة من رجال مسلم.
والحسن بن ذكوان ثقة من رجال البخاري، لكن فيه كلام، ولذلك أورده الذهبي في «الميزان»؛ وحكى أقوال الأئمة فيه، واعتمد هو على أنه صالح الحديث. وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق يخطئ».
قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى؛ ما لم يظهر خطأه.
وأما مروان الأصفر؛ فثقة من رجال الشيخين.
والحديث أخرجه الدارقطني أيضًا (٢٢)، والحاكم (١/ ١٥٤)، والبيهقي (١/ ٩٢) -من طريقه، ومن طريق أبي داود-؛ كلهم عن صفوان به. وقال الدارقطني:
«هذا صحيح، كلهم ثقات». وقال الحاكم:
«صحيح على شرط البخاري؛ فقد احتج بالحسن بن ذكوان»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر من وجهين، يعرفان مما سبق من الكلام على الحديث.
والحديث سكت عليه المنذري. وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ١٩٩):
«سنده لا بأس به». ونقل الشوكاني عن «الفتح» أيضًا أنه قال:
«إسناده حسن». وسكت عليه في «التلخيص». وأخرجه الحازمي في «الاعتبار» (ص ٢٦) وقال:
٥ – باب الرخصة في ذلك
٩ – عن عبد الله بن عمر قال:
لقد ارتقيت على ظهر البيت، فرأيت رسول الله ﷺ على لَبِنَتَيْنِ مستقبلَ بيت المقدس لحاجته.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»، وصححه الترمذي).
إسناده: ثنا عبد الله بن مَسْلَمَة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبّان عن عمه واسع بن حَبَّان عن عبد الله بن عمر.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٢٠٠). وأخرجه البخاري (١/ ١٩٨)، والنسائي، والبيهقي عنه.
ورواه مسلم وكذا البخاري وأبو عوانة والدارمي وابن ماجة، وأحمد (٢/ ١٣، ٤١) من طرق أخرى عن يحيى بن سعيد به.
وتابعه عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حبان عند الشيخين، وأبي عوانة والترمذي، وأحمد (٢/ ١٢). وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
وللحديث إسنادان آخران عن ابن عمر:
أخرجه أحمد (٢/ ٩٦ و٩٩ و١١٤).
وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات: رافع بن حنين؛ وثقه ابن حبان. وقال الدارقطني:
«ولا أعلمه أسند إلا حديثًا واحدًا، ولم يروه غير فليح بن سليمان عن عبد الله ابن عكرمة عنه».
قلت: وعبد الله بن عكرمة؛ ذكره ابن حبان في «الثقات» أيضًا، وروى عنه -غيرَ فليح- أسامة بن زيد.
وفليح بن سليمان؛ روى له الشيخان، وفيه كلام.
والآخر: من طريق أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عنه.
وهذا كالذي قبله: أيوب بن عتبة ضعيف لسوء حفظه؛ فإذْ قد روى ما وافق فيه الثقات؛ فقد حفظ.
وبقية رجاله رجال الشيخين.
١٠ – عن جابر بن عبد الله قال:
نهى نبي الله ﷺ أن نستقبل القبلة بول، فرأيته قبل أن يُقبض بعام يستقبلها.
(قلت: إسناده حسن، وحسنه الترمذي والبزار وكذ االنووي، وصححه البخاري وابن السكن والحاكم ووافقه الذهبي. ورواه ابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما»).
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات، وفي محمد بن إسحاق -صاحب «المغازي»- كلام لا يضر؛ ولا ينزل حديثه عن درجة الحسن.
والحديث أخرجه الترمذي أيضًا، وابن ماجة والحاكم والبيهقي، وأحمد (١/ ٣ / ٣٦٠) من طرق عن محمد بن إسحاق به.
وفي رواية أحمد تصريح ابن إسحاق بالتحديث، وكذا في رواية الحاكم، وقال:
«صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وهو من تساهلهما كما سبق. وقال الترمذي:
«حديث حسن». ونقل عنه ابن القيم في «تهذيب السنن» (١/ ٢٢) أنه قال:
«سألت محمدًا عنه؟ فقال: حديث صحيح».
وكذا نقله الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٦٠).
قلت: ورواه الدارقطني أيضًا (٢٢) من هذا الوجه، وقال:
«رجاله كلهم ثقات».
ورواه أيضًا البزار -وحسنه-، وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان، وصححه أيضًا ابن السكن. قال الحافظ:
“وتوقف فيه النووي؛ لعنعنة ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في رواية
(تنبيه): ذكر ابن القيم -وتبعه الحافظ- أن الحديث لا حجة فيه؛ لأنه حكاية فعل لا عموم لها، ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان؟ وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختيارًا؟ فلا يجوز أن يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة في المنع.
٦ – باب كيف التكشُّف عند الحاجة؟
١١ – عن ابن عمر:
أنّ النّبيّ ﷺ كان إذا أراد حاجة؛ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض.
(قلت: حديث صحيح؛ رواه البيهقي بإسناد صحيح عنه، وصححه السيوطي).
إسناده: ثنا زهير بن حرب: ثنا وكيع عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر.
قال أبو داود:
«رواه عبد السلام بن حرب عن الأعمش عن أنس بن مالك؛ وهو ضعيف».
قلت: وهذا؛ قد وصله الترمذي (١/ ٢١)، والدارمي (١/ ١٧١)، وللبيهقي (١/ ٩٦) من طرق عن عبد السلام به.
وإنما ضعفه أبو داود من الوجهين؛ لأن في الأول: الرجلَ الذي لم يسم، وفي الثاني انقطاعًا؛ فقال الترمذي:
«وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك، وابن أبي أوفى وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور».
قلت: لكن الحديث صحيح إن شاء الله تعالى؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق أحمد بن محمد بن أبي رجاء المِصيصِي -شيخ جليل-: ثنا وكيع: ثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر مرفوعًا بلفظ:
كان إذا أراد الحاجة تنحى، ولا يرفع ثيابه … إلخ.
وهذا إسناد صحيح: القاسم بن محمد: هو ابن أبي بكر الصديق؛ وهو ثقة حجة لا يسأل عن مثله.
والمصيصي هذا: هو ابن عبيد الله بن أبي رجاء؛ وهو ثقة، كما قال النسائي.
وقال مرة:
«لا بأس به».
وذكره ابن حبان في «الثقات».
وقد أشار السيوطي في «الجامع» لصحته، كما قال المناوي.
(تنبيه): قال في «عون المعبود»: «يوجد في بعض النسخ -بعد قول المؤلف:»وهو ضعيف«- هذه العبارة:»قال أبو عيسى الرملي: حدثناه أحمد بن الوليد: ثنا عمرو بن عون: أخبرنا عبد السلام … به”.
قلت: أبو عيسى: هو إسحاق -ورّاق أبي داود-، وهذه إشارة من الرملي إلى
قلت: وهذه العبارة وردت في النسخة التازية في صلب الكتاب؛ كأنها من كلام أبي داود!
٧ – باب كراهية الكلام عند الخلاء
١١ / م (*) – عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عِيَاض قال: ثني أبو سعيد قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لا يخرجِ الرجلان يضربان الغائط، كاشفين عن عورتهما يتحدثان؛ فإن الله عز وجل يَمْقُتُ على ذلك».
قال أبو داود: «لم يسنده إلا عكرمة بن عمار».
(قلت: يشير بذلك إلى ضعف الحديث؛ فقد قال الآجُرِّيُّ عن أبي داود: «عكرمة بن عمار ثقة، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب» (١).
وأعلَّه المنذري وابن التركماني بجهالة هلال بن عياض هذا).
(١) نقله الحافظ في «التهذيب»، ونقل مثله عن الأئمة المحققين، كأحمد وابن معين والبخاري وغيرهم. واعتمد عليه في «التقريب»، فقال:
«صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب؛ ولم يكن له كتاب». =
والحديث أخرجه ابن ماجة أيضًا (١/ ١٤٢)، والحاكم (١/ ١٥٧ – ١٥٨)، والبيهقي (١/ ٩٩ – ١٠٠) من طرق عن عكرمة، فقال بعضهم: هلال بن عياض -كما في رواية أبي داود-، وقال بعضهم: عياض بن هلال -على القلب-، وبعضهم قال: عياض بن عبد الله.
وهذا اضطراب شديد؛ مما يوهن الحديث؛ وإن كان البيهقي روى عن ابن خزيمة أن الصحيح من ذلك قول من قال: عياض بن هلال. قال ابن خزيمة:
«وأحسب الوهم فيه عن عكرمة بن عمار حين قال: عن هلال بن عياض»! فقد تعقبه ابن التركماني في «الجوهر النقي» بقوله:
«وعكرمة: هو أبو عمار عكرمة بن عمار العِجْلي اليمامي، وقد احتج به مسلم في»صحيحه«، وضعّف بعض الحفاظ حديث عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقد أخرج مسلم حديثه عن يحيى بن أبي كثير، واستشهد البخاري بحديثه عن يحيى بن أبي كثير»!
قلت بأنه لا طائل تحته؛ لأنه إذا ثبت بأنه مضطرب الحديث عن ابن أبي كثير -بشهادة أولئك الأئمة-؛ فما ينفعه احتجاج مسلم به؛ لأسباب كثيرة، منها: أنه يحتمل أنه لم يثبت ذلك عند مسلم، فاحتج به. وأما بعد ثبوته فلا يجوز الاحتجاج به، كما لا يخفى!
على أن المنذري رحمه الله قد انشغل ذهنه بالتعقب؛ فذهل بذلك عن علة أخرى في الحديث، قادحة في الاحتجاج به، تنبه هو لها في كتاب آخر، ألا وهو «الترغيب»، فقال فيه -بعد أن عزاه لأبي داود وابن ماجة وابن خزيمة في «صحيحه»-:
«رووه كلهم من رواية هلال بن عياض -أو عياض بن هلال- عن أبي سعيد، وعياض هذا روى له أصحاب»السنن«؛ ولا أعرفه بجرح ولا بعدالة، وهو في عداد المجهولين». وكذلك قال الذهبي في «الميزان»:
«لا يُعرف، ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي كثير». وقال الحافظ فما «التقريب»: إنه «مجهول».
«وبقي فيه علل لم يذكرها؛ منها: أنه سكت عن عكرمة هنا، وتكلم فيه كثيرًا في (باب مس الفرج بظهر الكف)، وفي (باب الكسر بالماء). ومنها: أن راوي الحديث عن الخدري لا يعرف، ولا يحصل من أمره شيء. ومنها: الاضطراب في متن الحديث، كما هو مبين في كتاب ابن القطان. وأخرجه النسائي من حديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة».
قلت: ومن حديث أبي هريرة: رواه الطبراني في «الأوسط». وزعم الهيثمي في «المجمع» (١/ ٢٠٧): أن «رجاله موثقون»!
وصرَّح المنذري في «الترغيب» (١/ ٨٥): بأن «إسناده لين».
فأصاب؛ لأنه -كما ترى- مداره على عكرمة عن ابن أبي كثير؛ وهو ضعيف عنه، كما سبق.
وقد خالفه الأوزاعي -وهو الثقة الحجة-؛ فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن رسول الله ﷺ … مرسلًا معضلًا.
وبالجملة؛ فالحديث ضعيف لا يصح؛ لاضطرابه وجهالة راويه موصولًا، وانقطاعه وتجرده عن شاهد يقويه.
(تنبيه): قال في «عون المعبود»: «وفي بعض النسخ -بعد قوله:»إلا عكرمة«- هذه العبارة:»ثنا أبان: ثنا يحيى … بهذا؛ يعني: حديث عكرمة بن عمار«انتهى. قلت: ليست هذه العبارة للمؤلف أصلًا؛ لأن أبا داود ذكر أنه لم يسنده إلا عكرمة، فلم يقف عليه أبو داود مسندًا من غير رواية عكرمة، فأراد ملحق هذه العبارة الاستدراك على أبي داود؛ بأنه قد أسنده عن يحيى بن أبي كثير: أبان بن يزيد العطار. ولكن لم أقف على نسبة هذه العبارة لأحد من الأئمة»!
قلت: قد سبق نسبتها إلى صاحب «الإمام»؛ وهو ابن دقيق العيد رحمه الله.
وقد جاءت هذه العبارة في النسخة المطبوعة في المطبعة التازية بمصر.
ومما يدل على أنها ليست من أبي داود: أن أبان بن يزيد ليس من شيوخه؛ بل إنما يروي عنه أبو داود بالواسطة.
(تنبيه ثانٍ): ينبغي أن لا تغترَّ بتصحيح الحاكم للحديث؛ لما عُرف من تساهله؛ لا سيما بعد بيان ما فيه من العلل! ولا بموافقة الذهبي له، بعد أن نقلنا لك عنه أن بعض رواته لا يعرف!
وكثيرًا ما ترى الذهبي يوافق الحاكم في تصحيحه؛ خطأ منهما، وفيها كثير مما يصرّح الذهبي نفسه في «الميزان» وغيره بضعفه! ولو أردنا أن نتتبع ذلك عليه؛ لجاء
٨ – باب أيَرُدُّ السلامَ وهو يبول؟
١٢ – عن ابن عمر قال:
مرَّ رجل على النبي ﷺ وهو يبول؛ فسلّم عليه؛ فلم يردَّ عليه.
(قلت: إسناده حسن. وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وصححه الترمذي).
قال أبو داود: «وروي عن ابن عمر وغيره: أنّ النّبيّ ﷺ تيمم ثمّ رد على الرجل السلام».
(قلت: سيأتي في (باب التيمم في الحضر) (رقم ٣٥٦ و٣٥٧».
إسناده: أخرجه من طريقين عن عمر بن سعد عن سفيان عن الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر.
وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم؛ لكن في الضحاك بن عثمان كلام
«بلى (الصحيح)»! ولم يبيِّن سبب نقله ها هنا!
لكن قد قال في «صحيح الترغيب والترهيب» (١/ ١٧٥ – الطبعة الأخيرة) -بعد أن نقل تجهيل المنذري لراويه-:
«لكن له شاهد من غير طريقه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ خرّجته -من أجله- في»الصحيحة«(٣١٢٠)، ولذلك أوردته في هذا»الصحيح«…»؛ فاقتضى البيان. (الناشر).
وقد أخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحيهما»، والنسائي، والترمذي -وصححه- وابن ماجة من طرق عن سفيان به.
١٣ – عن المهاجر بن قُنْفُذٍ:
أنه أتى النّبيّ ﷺ وهو يبول، فسلّم عليه، فلم يردَّ عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال:
«إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طُهْرٍ -أو قال: على طهارة-».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (٨٠٠)، والحاكم والذهبي والنووي).
إسناده: ثنا محمد بن الثنى: ثنا عبد الأعلى: ثنا سعيد عن قتادة عن الحسن عن حُضَين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الشيخين؛ غير الحضين هذا؛ فمن أفراد مسلم؛ فهو على شرطه.
وقد أخرجه النسائي أيضًا، والدارمي (٢/ ٢٧٨)، وابن ماجة والحاكم، وعنه البيهقي، وأحمد (٥/ ٨٠) من طرق عن قتادة به. وليس عند النسائي والدارمي قوله: «إني كرهت …» إلخ. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر من وجهين:
الأول: ما علمت من حال أبي ساسان: أن البخاري لم يخرج له.
«كان الحسن البصري كثير التدليس؛ فإذا قال في حديث: عن فلان ضعف احتجاجه؛ ولا سيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع».
لكن الظاهر من سياق كلامه أنه يريد حديثه عن الصحابة دون غيرهم من التابعين؛ فقد أكثر الحافظ من النقول عن العلماء في أن الحسن يروي عمن لم يلقه من الصحابة، فلم يذكر ولا نقلًا واحدًا أنه روى عمن لم يلقه من التابعين، ويشهد لهذا إطباق العلماء تقريبًا على الاحتجاج بحديث الحسن عن غيره من التابعين، بحيث إنني لا أذكر أنه مرَّ عليَّ حديث واحد من هذا القبيل -لم يصرح فيه الحسن بالسماع- فأعلوه بذلك.
هذا ما ظهر لي في هذا المقام؛ والله سبحانه وتعالى أعلم (١).
على أنَّ للحديث شاهدًا من حديث ابن عمر، رواه المصنف في (التيمم في الحضر) بإسناد حسن؛ لكن فيه جملة مستنكرة؛ أوردناه من أجلها في للكتاب الآخر رقم (٥٨).
والحديث صححه النووي (٢/ ٨٨).
٩ – باب في الرجل يذكر الله على غير طُهْرٍ
١٤ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يذكر الله عز وجل على كل أحيانه.
إسناده: ثنا محمد بن العلاء: ثنا ابن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة -يعني: الفأفاء- عن البهِيِّ عن عروة عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم.
وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما»، والترمذي وابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٦/ ٧٠ و١٥٣) من طرق عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة».
قلت: بلى؛ قد عرفناه من طريق غيره، وهو الوليد بن القاسم بن الوليد الهَمْداني، وهو ثقة حسن الحديث:
أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٢٧٨): ثنا الوليد: ثنا زكريا قال: ثنا خالد بن سلمة … به. وهذا السند فيه فائدة كبرى، وهي تصريح زكريا بسماعه من خالد؛ فإنه قد قيل في زكريا: إنه يدلس عن الشعبي، وبعضهم -كالمصنف وغيره- أطلق ولم يقيده بالشعبي، والله أعلم. فبهذا السند زالت شبهة تدليسه. والله الموفق لا رب سواه.
١٠ – باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
١٥ – عن ابن عباس قال:
مرَّ رسول الله ﷺ على قبرين فقال:
«إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير: أما هذا فكان لا يستنزه (وفي رواية: يستتر) من البول. وأما هذا فكان يمشي بالنميمة». ثمّ دعا بعَسِيبٍ رَطْبٍ، فشقه باثنين، ثمّ غرس على هذا واحدًا وعلى هذا واحدًا، وقال:
«لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وأبو عوانة في «صحاحهم»، وصححه الترمذي).
إسناده: ثنا زهير بن حرب، وهَنَّاد بن السَّريِّ قالا: ثنا وكيع: ثنا الأعمش قال: سمعت مجاهدًا يحدث عن طاوس عن ابن عباس.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجاه.
ثمّ قال أبو داود: «قال هناد:»يستتر«مكان:»يستنزه«. حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي ﷺ بمعناه قال:»… كان لا يستتر من بوله«. وقال أبو معاوية:»يستنزه«…».
والحديث أخرجه النسائي: أخبرنا هنّاد بن السري عن وكيع … به؛ إلا أنه قال: «يستنزه» مثل رواية زهير.
«وهي مفسرة للمراد».
وتابعه عبد الواحد بن زياد عن الأعمش … به باللفط الأول: أخرجه مسلم والدارمي.
ومحمد بن خازم … باللفظ الثاني: عند البخاري.
وقد خالف الأعمش: منصور؛ فرواه عن مجاهد عن ابن عباس … بإسقاط طاوس من بينهما.
وكذلك رواه البخاري من طريق جرير كما رواه الصنف.
وإيرادهما على الوجهين -دون أي ترجيح- دليل على صحتهما عندهما.
ويؤيد ذلك: أن الطيالسي رواه (رقم ٢٦٤٦) عن شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس … مثل رواية جرير عن منصور.
وشعبة ثقة حجة؛ فروايته تؤيد أن الأعمش رواه على الوجهين معًا؛ كما قال بعض المحققين المتأخرين.
١٦ – عن عبد الرحمن ابن حسَنَة قال:
انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النّبي ﷺ؛ فخرج ومعه دَرَقَةٌ، ثمّ استتر بها ثم بال، فقلنا: انظروا إليه يبول كما تبول المرأة! فسمع ذلك فقال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه الحاكم والذهبي على شرطهما؛ وهو كما قالا).
إسناده: ثنا مسدد: ثنا عبد الواحد بن زياد: ثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن ابن حسنة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (٤/ ١٥٨)، ومن طريقه ابن ماجة والحاكم والبيهقي وأحمد من طرق عن الأعمش به. وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين». ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا.
ورواه ابن حبان أيضًا في «صحيحه» كما في «الترغيب» (١/ ٨٧ – رقم ٧)، وسكت عليه في «مختصره»، وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٦١):
«وهو حديث صحيح، صححه الدارقطني وغيره».
١٧ – قال أبو داود: «قال منصور عن أبي وائل عن أبي موسى في هذا الحديث قال: جلد أحدهم …».
قلت: هذا معلق وموقوف، وقد وصله مسلم (١/ ١٥٧): ثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا جرير عن منصور عن أبي وائل قال:
كان أبو موسى يشدد في البول ويبول في قارورة ويقول: إن بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه بالمقاريض. فقال حذيفة: لوددت أن صاحبكم
ورواه البخاري (١/ ٢٦٣) من طريق شعبة عن منصور بلفظ: «ثوب أحدهم»؛ وهي مفسرة لرواية مسلم.
ورواه أحمد (٥/ ٣٨٢ و٤٠٢) من الوجهين بلفط: «أصاب أحدهم»؛ وهي على إطلاقها تشمل اللفظين كما لا يخفى.
قال الحافظ في «الفتح»:
«قوله:»ثوب أحدهم«؛ وقع في رواية مسلم:»جلد أحدهم«. قال القرطبي: مراده بالجلد واحد الجلود التي كانوا يلبسونها، وحمله بعضهم على ظاهره، وزعم أنه من الإصر الذي حملوه. ويؤيده رواية أبي داود؛ ففيها:»كان إذا أصاب جسد أحدهم«؛ لكن رواية البخاري صريحة في للثياب؛ فلعل بعضهم رواه بالمعنى».
قلت: يشير الحافظ برواية أبي داود إلى لفظ آخر في الحديث عن أبي موسى ذكره بعد هذا، لكني جرّدته من هنا، وأودعته في الكتاب الآخر المختص بالأحاديث الضعيفة؛ لأنه منها بهذا اللفظ، فانظر رقم (٥).
١٢ – باب البول قائمًا
١٨ – عن حذيفة قال:
أتى رسول الله ﷺ سُباطة قوم فبال قائمًا، ثم دعا بماء فمسح على خفيه (زاد في رواية: قال: فذهبت أتباعد، فدعاني حتى كنت عند عقبه).
إسناده: حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم قالا: ثنا شعبة. (ح)، وثنا مسدد: ثنا أبو عوانة -وهذا لفظ حفص- عن سليمان عن أبي وائل عن حذيفة.
قال أبو داود عقبه: «قال مسدد: قال: فذهبت …» إلخ.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأما الرواية الأخرى؛ فهي على شرط البخاري وحده؛ وإن كان مسلم قد أخرجها دون صاحبه من طريق أخرى عن سليمان؛ وهو الأعمش.
والحديث أخرجه الشيخان، وبقية الأربعة والدارمي، وأبو عوانة في «صحيحه»، والبيهقي، وأحمد (٥/ ٣٨٢ و٤٠٢) من طرق عن الأعمش به؛ وليست عند ابن ماجة والدارمي الزياده، وكذا البخاري كما سبق.
وقد تابعه منصور عن أبي وائل بدونها أيضًا: أخرجاه في «الصحيحين»؛ وقد سبق لفظه في التعليق قريبًا.
ورواه أبو عوانة أيضًا في «صحيحه» (١/ ١٩٧) من طريق الطيالسي؛ وهو في «مسنده» (رقم ٤٠٧).
وللحديث طريق أخرى مختصرًا دون قوله: ثمّ دعا … إلخ.
أخرجه أحمد (٥/ ٣٩٤) عن نَهِيك بن- وفي الأصل: عن! وهو خطأ- عبد الله السلولي: ثنا حذيفة.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير نهيك هذا، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقد حكى في «التعجيل» أنه روى عنه يونس بن أبي
«قلت: ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن أبا إسحاق السبيعي روى عنه».
قلت: هذا الحديث من روايته عنه؛ فكأن الحافظ ذهل عنه فلم يستحضره عند الكتابة!
١٣ – باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثمّ يضعه عنده
١٩ – عن حُكَيمة بنت أُميمة بنت رُقيقة عن أمها أنها قالت:
كان للنبي ﷺ قدح من عَيْدان تحت سريره، يبول فيه بالليل.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان).
إسناده: ثنا محمد بن عيسى: ثنا حجاج عن ابن جريج عن حُكيمة.
وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حكيمة هذه، وقد ذكرها ابن حبان في «الثقات»، وقد قال الذهبي في (فصل النسوة المجهولات) من «الميزان»:
«وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها».
وغير محمد بن عيسى -وهو ابن نجيح الطباع أبو جعفر-؛ وهو ثقة فقيه، وقد توبع كما يأتي الإشارة إلى ذلك.
والحديث أخرجه النسائي أيضًا، والحاكم والبيهقي من طرق عن حجاج به؛ وصرَّح ابن جريج بالتحديث في رواية النسائي. ثمّ قال الحاكم:
«صحيح الإسناد»! ووافقه الذهبي!
وللحديث شاهد من حديث عائشة بسند صحيح بنحوه. أخرجه النسائي وغيره.
١٤ – باب المواضع التي نهى النبي ﷺ عن البول فيها
٢٠ – عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله ﷺ قال:
«اتقوا اللاعِنَيْن».
قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ ! قال:
«الذي يتخلَّى في طريق الناس أو في ظلهم».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة والحاكم في «صحاحهم»).
إسناده: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وبه أخرجه في «صحيحه» فقال (١/ ١٥٦): ثنا يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حُجر -جميعًا- عن إسماعيل بن جعفر … به.
وتابعه سليمان بن بلال قال: ثنا العلاء … به.
«صحيح على شرط مسلم».
ورواه ابن الجارود بلفظ: «أو مجالسهم (١)».
وابن حبان: «وأفنيتهم»؛ كما في «التلخيص».
٢١ – عن حَيْوَة بن شريح: أن أبا سعيد الحميري حدثه عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله ﷺ:
«اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل».
(قلت: إسناده ضعيف (*) للانقطاع بين معاذ بن جبل وبين الحميري، وأعله المصنف وغيره، ولجهالة الحميري هذا وضعفه المنذري وابن حجر).
إسناده: أما الانقطاع فنقل المنذري في «الترغيب» (١/ ٨٣) عن المصنف رحمه الله أنه قال: «هو مرسل. يعني أن أبا سعيد لم يدرك معاذًا»، ونقله الحافظ أيضًا في «تهذيب التهذيب» عنه ثم قال:
«وقال -يعني المصنف- في كتاب التفرد عقب حديثه -يعني هذا- ليس هذا بمتصل».
وأما الجهالة: فقال أبو الحسن القطان:
«أبو سعيد هذا شامي مجهول الحال». وقال الذهبي:
والحديث رواه أحمد أيضًا (٢/ ٣٧٢).
(*) انظر نهاية تخريج هذا الحديث (ص ٥٧). (الناشر).
«مجهول، وروايته عن معاذ مرسلة».
والحديث أخرجه ابن ماجة أيضًا والحاكم وعنه البيهقي من طريق حيوة عن أبي سعيد به. وقال الحاكم:
«صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي! وكذا صححه ابن السكن. قال الحافظ في التلخيص (١/ ٤٦١):
«وفيه نظر لأن أبا سعيد لم يسمع من معاذ، ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد. قاله ابن القطان». فقول النووي في «المجموع» (٢/ ٨٦):
«إسناده جيد» غير جيد.
وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعًا: بلفظ:
قيل: ما الملاعن يا رسول الله؟ قال:
«أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء».
أخرجه الإمام أحمد (١/ ٢٩٩): ثنا عتاب بن زياد ثنا عبد الله قال: أنا ابن لهيعة قال: ثني ابن هبيرة قال: أخبرني من سمع ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم.
وقال الحافظ في «بلوغ المرام» (١/ ١٠٢) بعد أن ذكر الحديث من رواية معاذ وابن عباس:
«وفيهما ضعف»، وبين سبب ذلك في هذا بقوله في «التلخيص»:
«وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة. والراوي عن ابن عباس مبهم».
«ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما».
وهذا الحديث من رواية ابن المبارك عنه فإنه هو عبد الله الذي لم ينسب فيه، وعليه فعلة الحديث جهالة التابعي، ولولا ذلك لأوردت الحديث بسبب شاهده هذا في «صحيح المصنف» وقد روى عن أبي هريرة نحوه دون ذكر الموارد، فانظر رقم (٢٠) من «الصحيح».
ثم بدا لي نقل الحديث إلى «صحيح السنن» [هنا] لشواهد أخرى أوردتها في «تخريج منار السبيل» (١/ ١٠٠).
١٥ – باب في البول في المستحمِّ
٢٢ – عن حُميد الحِمْيَرِيِّ -وهو ابن عبد الرحمن- قال:
لقيت رجلًا صحب النّبيّ ﷺ كما صحبه أبو هريرة قال:
نهى رسول الله ﷺ أن يمتشط أحدنا كلَّ يوم، أو يبول في مُغْتسله.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي والعسقلاني والعراقي).
إسناده: ثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري.
وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير داود بن عبد الله الأودي؛ وهو ثقة باتفاق النقاد.
والحديث أخرجه النسائي أيضًا (١/ ٤٧ و٢/ ٢٧٦)، والحاكم (١/ ١٦٨)، والبيهقي (١/ ١٩٠) من طرق عن داود بن عبد الله الأودي عنه. وقال البيهقي:
«رواته ثقات؛ إلا أن حميدًا لم يسم الصحابي الذي حدثه؛ فهو بمعنى المرسل»!
وتعقبه ابن التركماني فأصاب، حيث قال:
«قد قدمنا أن هذا ليس بمرسل، بل هو متصل؛ لأنّ الصحابة كلهم عدول، فلا تضرهم الجهالة».
ولذلك قال النووي في «المجموع» (٢/ ٩١)، والعراقي في «التقريب» (٢/ ٤٠)، والحافظ في «بلوغ المرام» (١/ ٢٢ من شرحه):
«وإسناده صحيح». وقال في «الفتح» (١/ ٢٤٠):
«رجاله ثقات، ولم أقف لمن أعله على حجة قوية، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة؛ لأنّ إبهام الصحابي لا يضر، وقد صرح التابعي بأنه لقيه. ودعوى ابن حزم أن داود -راويه عن حميد بن عبد الرحمن- هو ابن يزيد الأودي، وهو ضعيف: مردودة؛ فإنه ابن عبد الله الأودي، وهو ثقة، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره».
والحديث سكت عليه المنذري (رقم ٢٦).
وله شاهد بسند حسن عن عبد الله بن يزيد، خرّجته في «الصحيحة» (٢٥١٦) في التبوُّل.
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
١٧ – باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء
٢٣ – عن عائشة رضي الله عنها:
أنَّ النبي ﷺ كان إذا خرج من الغائط قال: «غُفْرانَك».
(قلت: إسناده صحيح، وصححه أبو حاتم وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم والنووي والذهبي).
إسناده: حدثنا عمرو بن محمد الناقد: ثنا هاشم بن القاسم: ثنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بُردة عن أبيه: حدثتني عائشة.
وهذ إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير يوسف هذا؛ وقد وثقه ابن حبان والعجلي والحاكم.
والحديث أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (١٠٠)، وعنه الترمذي والدارمي وابن ماجة، وابن السني (رقم ٢٢) من طريق النسائي، وابن خزيمة (١/ ١٥ / ١)، والحاكم (١/ ١٥٨)، والبيهقي من طرق عن إسرائيل بن يونس به.
وقال الترمذي:
«حديث حسن». والحاكم:
«حديث صحيح؛ فإن يوسف بن أبي بردة من ثقات آل أبي موسى»؛ ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «البلوغ»:
قلت: ونقل ابنه في «العلل» (١/ ٤٣ / رقم ٩٣) أنه:
«أصح حديث في هذا الباب».
وهذا لا يفيد صحة الحديث، كما هو مقرر في المصطلح، وإنما يفيد صحة نسبيَّة. وقال المناوي:
«وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والنووي في»مجموعه«…».
قلت: وعزاه النووي فيه (٢/ ٧٥) للنسائي في «اليوم والليلة»، وصححه أيضًا في «الأذكار» (ص ٣٥).
وعزاه المنذري (رقم ٢٨) إلى النسائي أيضًا، ولكنه أطلق ولم يقيد! فاعترض عليه صاحب «العون» بقوله:
«ما أخرجه النسائي في»السنن المجتبى«، بل أخرجه في كتاب»عمل اليوم والليلة«، فإطلاقه من غير تقييد لا يناسب».
وقد أصاب.
وعزاه الحافظ في «التلخيص» (١/ ٥٣٠) إلى «السنن»، وذكر أنه أشهر ما في الباب.
ورواه أحمد أيضًا (٦/ ١٥٥).
١٨ – باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء
٢٤ – عن أبي قتادة قال: قال رسول الله ﷺ:
“إذا بال أحدُكم فلا يمسَّ ذكرَهُ بيمينه، وإذا أتى الخَلاءَ فلا يَتَمَسَّحْ
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه وأبو عوانة وابن خزيمة في «صحاحهم»، وصححه الترمذي).
إسناده: ثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا أبان: ثنا يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه الشيخان والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجة، وأبو عوانة في «صحيحه»، وابن خزيمة (٧٨ و٧٩)، والبيهقي، وأحمد (٥/ ٢٩٥ و٢٩٦ و٣٠٠ و٣٠٩ و٣١١) من طرق عن يحيى -وهو ابن أبي كثير- … به، وقد صرح يحيى بالتحديث عند بعضهم.
وليس عند الدارمي وابن ماجة الجملة الأخيرة، وليس عند الترمذي إلا الأولى من الثلاث.
وهي عند ابن حبان (١٣٦)، وأبي عوانة (٥/ ٣٥٨) من حديث جابر.
٢٥ – عن حفصة زوج النبي ﷺ:
أنَّ النبي ﷺ كان يجعل يمينه لِطعامه وشرابه وثيابه، ويجعل شماله لما سوى ذلك.
(قلت: حديث صحيح، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد»).
إسناده: ثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي: ثنا ابن أبي زائده قال: ثني أبو أيوب -يعني: الإفريقي- عن عاصم عن المسيب بن رافع ومعبد عن حارثة بن
وهذا إسناد حسن: محمد بن آدم المصيصي؛ وثقه النسائي وغيره.
وعاصم: هو ابن بهدلة، وهو حسن الحديث.
وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي أيوب الإفريقي -واسمه عبد الله ابن علي-؛ قال أبو زرعة:
«لين، في حديثه إنكار، ليس بالمتين».
وذكره ابن حبان في «الثقات». وقال ابن معين:
«ليس به بأس»، ولخص ذلك الحافظ في «التقريب» فقال:
«صدوق يخطئ».
وأمّا المنذري فقال في «مختصره»:
«فيه مقال»! فما صنع شيئًا.
والحق أن مثل هذا لا ينزل حديثه عن درجة الحسن إذا لم يخالف.
والحديث أخرجه الحاكم أيضًا (٤/ ١٠٩) من طريق معلى بن منصور: ثنا أبو أيوب الإفريقي … به، لكن ليس في إسناده (معبد) المقرون مع المسيب بن رافع؛ ووقع فيه تحريف في بعض الأسماء. ثمّ قال الحاكم:
«صحيح الإسناد»! ورده الذهبي بقوله:
«قلت: في سنده مجهول»! !
كذا قال! وليس بصواب؛ فإن رواته كلهم معروفون، ولعله أشكل عليه بعض
وأخرجه البيهقي (١/ ١١٢ – ١١٣) من طريق أخرى عن يحيى … به مثل رواية الكتاب.
والحديث رواه ابن حبان أيضًا؛ كما في «التلخيص» (١/ ٥١٨) (١).
ثمّ تبين لي أن فيه اختلافًا على عاصم:
فرواه عنه أبو أيوب هكذا.
ورواه أبان بن يزيد العطار فقال: ثنا عاصم عن معبد بن خالد عن سواء الخزاعي عن حفصة … فأسقط من الإسناد (المسيب) قرين (معبد)؛ وجعل (سواءً الخزاعي) مكان (حارثة بن وهب الخزاعي)، وهذا صحابي؛ وذاك تابعي وثقه ابن حبان، وأخرج له ابن خزيمة في «صحيحه».
ورواه حماد بن سلمة: ثنا عاصم بن بهدلة عن سواء الخزاعي عن حفصة … فأسقط من الإسناد (المسيب) وقرينه؛ وهما الواسطة بين (عاصم) عن (حارثة) أو (سواء).
ورواه زائدة عن عاصم عن المسيب عن حفصة … فأثبت (المسيب)، وأسقط الواسطة بينه وبين حفصة رضي الله عنها.
وهذا اضطراب شديد، والظاهر أنه من عاصم؛ فإنه غير قوي في حفظه، وقد أخرج هذه الرويات عنه: أحمد في «مسنده» (٦/ ٢٨٧ – ٢٨٨).
وعلى كل حال؛ فالحديث صحيح بما بعده.
كانت يد رسول الله ﷺ اليمنى لطُهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى.
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي، وهو على شرط مسلم).
إسناده: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثني عيسى بن يونس عن ابن أبي عَرُوبة (*) عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي معشر -وهو زياد بن كليب-؛ وهو من رجال مسلم وحده. لكن قال المنذري رقم (٣١):
«إبراهيم لم يسمع من عائشة؛ فهو منقطع»؛ وكذا قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٥١٨).
ولذلك فقد ساقه المؤلف موصولًا عقب هذا؛ فقال: ثنا محمد بن حاتم بن بزيع: ثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة عن النّبيّ ﷺ … بمعناه.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال العرافي في «طرح التثريب» (٢/ ٧١):
«إسناده صحيح».
والحديث أخرجه الإمام أحمد (٦/ ٢٦٥): ثنا عبد الوهاب … به.
ورواه محمد بن أبي عدي عن سعيد عن رجل عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة: أخرجه أحمد أيضًا (٦/ ٢٦٥)، والبيهقي (١/ ١١٣).
والصواب عندي الرواية الموصولة؛ لأنها زيادة من ثقة، وهما مقبولة.
والحديث قال النووي في «المجموع» (٢/ ١٠٨):
«رواه أحمد وأبو داود بإسناد صحيح».
ورواه مسروق عنها بنحوه؛ وسيأتي إن شاء الله رقم (…) في (اللباس) [باب في الانتعال].
١٩ – باب الاستتار في الخلاء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٢٠ – ومن «باب ما يُنهى عنه أن يُستنجى به»
٢٧ – عن شَيْبان القِتْبانيّ:
أن مَسلمة بن مُخَلَّد استعمل رُوَيفع بن ثابت على أسفل الأرض، قال شيبان: فَسِرْنا معه من كُومِ شَرِيك إلى عَلْقَمَاء، أو من علقماء إلى كوم شريك -يريد عَلْقَام-، فقال رُويفع:
إن كان أحدنا في زمن رسول الله ﷺ لَيأخذُ نِضْوَ أخيه؛ على أنَّ له النصف مما يُغنمُ ولنا النصف، وإن كان أحدنا لَيطير له النَّصْلُ والرِّيش، ولِلآخرِ القِدْحُ، ثمّ قال: قال لي رسول الله ﷺ:
(قلت: حديث صحيح، وقال النووي: إسناده جيد).
إسناده: ثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهَب الهمداني: ثنا المُفَضَّلُ -يعني: ابن فَضَالة المصري- عن عياش بن عباس القِتْبَاني أن شِيَيْم بن بَيْتان أخبره عن شيبان القتباني.
وهذا سند رجاله كلهم ثقات؛ غير شيبان القتباتي؛ فهو مجهول، كما في «التقريب».
لكن قد سمع الحديث شييم بن بيتان من رويفع بن ثابت مباشرة أيضًا، كما يأتي؛ كما أن له فيه إسنادًا آخر.
والحديث أخرجه البيهقي (١/ ١١٠) من طريق المؤلف بهذا الإسناد، وكذلك أخرجه أحمد (٤/ ١٠٩) قال: ثنا يحيى بن غيلان قال: ثنا المفضل … به.
وتابعه ابن لهيعة فقال: ثنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان قال: ثنا رويفع بن ثابت قال:
كان أحدنا في زمان رسول الله ﷺ … الحديث.
أخرجه أحمد (٤/ ١٠٨)، وابن لهيعة ثقة يخشى من سوء حفظه.
لكن تابعه على روايته هكذا حيوة بن شريح؛ وهو ثقة حجة من رجال الشيخين: أخرجه النسائي (٢/ ٢٧٧): أخبرنا محمد بن سلمة قال: ثنا ابن وهب عن حيوة بن شريح -وذكر آخر قبله- عن عياش.
«يا رويفع! لعل الحياة …» إلخ.
والحديث سكت عليه الحافظ في «التلخيص» (١/ ٤٩٩ – ٥٠٠). وقال النووي (٢/ ١١٦):
«رواه أبو داود والنسائي بإسناد جيد».
وقد رواه الطحاوي في «شرح المعاني» (١/ ٧٤) من طريق أصبغ بن الفرج قال: ثنا ابن وهب … به.
وسكت عليه المنذري أيضًا (رقم ٣٣).
٢٨ – قال أبو داود: «ثنا يزيد بن خالد: ثنا مُفَضَّلٌ عن عياش أن شِيَيْم ابن بَيْتَان أخبره … بهذا الحديث أيضًا عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله ابن عمرو … يذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب (أليُونَ)».
قال أبو داود: «حصن (أليون) على جبل بالفسطاط».
قال أبو داود: «وهو شيبان بن أمية؛ يكنى أبا حذيفة».
(قلت: صحيح الإسناد).
٢٩ – عن جابر:
نهانا رسول الله ﷺ أن نَتَمَسَّحَ بعَظْمٍ أو بَعْر.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو، وأبو عوانة في
إسناده: ثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا روح بن عبادة: ثنا زكريا بن إسحاق: ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهو في «المسند» (٣/ ٣٤٣، ٣٨٤) بهذا السند، ورواه البيهقي عن المؤلف به.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة من طرق عن روح … به.
وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير: أخرجه أحمد (٣/ ٣٣٦).
٣٠ – عن عبد الله بن مسعود قال:
قَدِمَ وفد الجن على رسول الله ﷺ، فقالوا: يا محمد! انْهَ أمَّتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حُمَمَة؛ فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقًا. قال: فنهى النّبيّ ﷺ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن التركماني).
إسناده: ثنا حَيْوة بن شُرَيْح الحِمصي: ثنا ابن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود.
وهذا إسناد صحيِح رجاله كلهم ثقات، وابن عياش: هو إسماعيل الحمصي وشيخه حمصي أيضًا، وابن عياش -إذا روى عن الشاميين- حجة عند البخاري وأحمد وابن معين، وإذا روى عن الحجازيين؛ فهو ضعيف، وقد بين السبب في ذلك محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين؛ قال:
“هو ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز؛ فإن كتابه
ومن ذلك تعلم أن قول المنذري (رقم ٣٥):
«في إسناده إسماعيل بن عياش؛ وفيه مقال»! لا يروى ولا تحقيق فيه.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف، وأخرجه الدارقطني (٢١) من طريق هشام بن عمار: نا إسماعيل بن عياش … به. وقال الدارقطني -وتبعه البيهقي-:
«إسناد شامي ليس بثابت»!
وقد رد ذلك عليهما ابن التركماني فقال في «الجوهر النقي»:
«قلت: ينبغي أن يكون هذا الإسناد صحيحًا؛ فإن عبد الله بن فيروز الديلمي وثقه ابن معين والعجلي، ويحيى بن أبي عمرو وثقه يعقوب بن سفيان، وقال ابن حنبل: ثقة ثقة. وهو حمصي، ورواية ابن عياش عن الشاميين صحيحة، كذا ذكر البيهقي في (باب ترك الوضوء من الدم)، وحيوة الحمصي أخرج عنه البخاري».
وللحديث طريق أخرى عندهما: عن ابن وهب: ثني موسى بن عُلَيٍّ عن أبيه عن ابن مسعود … به.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
وأما هما؛ فأعلّاه بأن عُلَيَّ بن رباح لم يثبت سماعه من ابن مسعود! ورده ابن التركماتي أيضًا بأن هذا ليس بشرط عند مسلم والجمهور، بل يكفي إمكان اللقاء والسماع؛ وعُلَيّ هذا؛ ولد سنة خمس عشرة، كذا ذكر أبو سعيد بن يونس، فسماعه من ابن مسعود ممكن بلا شك؛ لأن ابن مسعود توفي سنة (٣٢)، وقيل: (٣٣).
قلت: وهو لم يذكر بتدليس؛ فلا تضرّ عنعنته.
وله شاهد في «مسند البزار» (ص ٣١ – زوائده) عن عبد الله بن الحارث بن جَزْءٍ … مرفوعًا مختصرًا.
وطريق آخر عند النسائي (١/ ٣٥ – ٣٦ – دار القلم).
٢١ – باب الاستنجاء بالحجارة
٣١ – عن عائشة: أنّ رسول الله ﷺ قال:
«إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهنّ؛ فإنها تجزئ عنه».
(قلت: حديث حسن، وقال النووي: «صحيح»، وحسن إسناده الدارقطني).
إسناده: حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: ثنا يعقوب بن عبد للرحمن عن أبي حازم عن مسلم بن قُرْطٍ عن عروة عن عائشة.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسلم بن قرط؛ قال الذهبي في «الميزان»:
«لا يعرف، روى عنه أبو حازم الأعرج». وقال السيوطي في «حاشيته على النسائي»:
«قال الزركشي في»التخريج”: قرط: بضم القاف وسكون الراء وطاء مهملة؛ لم يرو عنه غير أبي حازم، ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد، ولا ذكر لابن قرط في غيره، ولم يتعرضوا له بمدح ولا قدح، وقال الشيخ ولي للدين: ذكره ابن
يخطيء. ولا نعرفه بأكثر من أنه روى عن عروة». وقال الحافظ في «تهذيب التهذيب» -بعد أن نقل قول ابن حبان فيه: «يخطيء»-:
«هو مقل جدًّا، وإذا كان مع قلة حديثه يخطيء؛ فهو ضعيف».
قلت: لكن الحديث له شاهد من رواية أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه بلفظ:
«إذا تغوط أحدكم فليتمسح بثلاثة أحجار؛ فإن ذلك كافيه». قال في «مجمع الزوائد» (١/ ٢١١):
«رواه الطبراني في»الكبير«و»الأوسط«؛ ورجاله موثقون، إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلًا ولا جرحًا».
فالحديث -بهذا الشاهد- حسن إن شاء الله تعالى، بل هو صحيح؛ فإنه بمعنى حديث سلمان المتقدم رقم (٥):
«ولا يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار».
والحديث أخرجه الدارمي وأحمد (٦/ ١٣٣) قالا: ثنا سعيد بن منصور … به.
وأخرجه النسائي قال: أخبرنا قتيبة … به.
وأخرجه الدارقطني (٢٠)، وكذا أحمد (٦/ ١٠٨) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم: نا أبي … به. وقال الدارقطني:
«إسناد حسن». وفي نسخة:
ونقل الحافظ في ترجمة ابن قرط عنه أنه حسنه. والزيلعي (١/ ٢١٤ و٢١٥) أنه قال:
«إسناد صحيح».
وظاهر أن هذا من اختلاف النسخ.
وأما النووي فجمع بين النسختين؛ فقال (٢/ ٩٣ و٩٦):
«حديث صحيح، قال الدارقطني: إسناده حسن صحيح»!
٣٢ – عن خزيمة بن ثابت قال:
سئل رسول الله ﷺ عن الاستطابة؟ فقال:
«بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع».
(قلت: حديث حسن أو صحيح).
إسناده: حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي: ثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير عمرو بن خزيمة؛ قال في «الميزان»:
«لم يرو عنه سوى هشام بن عروة، لكنه قد وثق».
قلت: وثقه ابن حبان على قاعدته! وفي «التقريب» أنه مقبول، يعني: إذا توبع؛ وإلا فضعيف.
والحديث سكت عليه المنذري (رقم ٣٧).
وقد أخرجه ابن ماجة (١/ ١٣٢)، وأحمد (٥/ ٢١٣ – ٢١٥)، والطبراني (٤/ ١٠٠ / ٣٧٢٥) من طرق عن هشام … به. وأخرجه البيهقي من طريق المصنف. ثمّ قال -أعني: المصنف-:
«كذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام». قال البيهقي:
«وكذلك رواه محمد بن بشر العبدي ووكيع وعبدة بن سليمان عن هشام.
ورواه ابن عيينة عن هشام عن أبي وجزة عن عمارة. وكان علي بن المديني يقول: الصواب رواية الجماعة عن هشام عن عمرو بن خزيمة».
٢٢ – باب في الاستبراء
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٢٣ – باب في الاستنجاء بالماء
٣٣ – عن أنس بن مالك:
أن رسول الله ﷺ دخل حائطًا ومعه غلام معه مِيضَأَةٌ -وهو أصغرنا-، فوضعها عند السدرة، فقضى حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو والبخاري وأبو عوانة في «صحاحهم»).
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.
وقد أخرجه في «صحيحه» كما سيأتي.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ١٩٥) عن المصنف، فقال: ثنا أبو داود السِّجْزِيُّ قال: ثنا وهب بن بقية … به.
و(السِّجْزِيُّ): نسبة إلى سجستان؛ قال المنذري (١/ ١٢):
«وهو من عجيب التغيير في النسب، وقد نسب أبو داود وغيره كذلك».
والحديث أخرجه مسلم: ثنا يحيى بن يحيى: أخبرنا خالد بن عبد الله … به.
ثمّ أخرجه هو والبخاري والنسائي وللدارمي وأبو عوانة أيضًا، والطيالسي (رقم ٢١٣٤)، وعنه البيهقي، وأحمد (٣/ ١٧١) من حديث شعبة عن عطاء … به. والشيخان، وأحمد (٣/ ١١٢)، ومن طريقه أبو عوانة عن روح بن القاسم عنه … به.
٣٤ – عن أبي هريرة عن النّبيّ ﷺ قال:
«نزلت هذه الآية في أهل قُباء: ﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾؛ قال: كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية».
(قلت: حديث صحيح، وصححه النووي والحافظ ابن حجر).
إسناده: ثنا محمد بن العلاء: أخبرنا معاوية بن هشام عن يونس بن الحارث عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة.
وشيخه إبراهيم بن أبي ميمونة مجهول؛ قال الذهبي: «ما روى عنه سوى يونس بن الحارث».
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة والبيهقي عن المصنف … بهذا الإسناد. وقال الترمذي:
«حديث غريب من هذا الوجه». وقال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٥٢٥) -وسبقه النووي في «المجموع» (٢/ ٩٩) -:
«إسناده ضعيف».
قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الصحيح:
فمنها: ما عند أحمد (٣/ ٤٢٢) من طريق أبي أويس: ثنا شُرَحْبِيلُ عن عُوَيْمِ ابن ساعدة الأنصاري أنه حدثه:
أنّ النّبيّ ﷺ أتاهم في مسجد قباء، فقال:
«إنّ الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطُّهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطُّهور الذي تطهرون به؟».
قالوا: والله يا رسول الله! ما نعلم شيئًا؛ إلا أنه كان لنا جيران من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط؛ فغسلنا كما غسلوا.
وهذا إسناد حسن.
رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (١/ ١٤ / ٢).
ثم رأيته في «المستدرك» (١/ ١٥٥)؛ وصححه، ووافقه الذهبي.
﴿فيه رجال يحبون أن يتطهروا﴾؛ قال: لما نزلت هذه الآية؛ بعث رسول الله ﷺ إلى عُوَيْمِ بن ساعدة فقال:
«ما هذا الطهور الذي أثنى الله عليكم به؟». قالوا: يا نبي الله! ما خرج منا رجل ولا امرأة من الغائط إلا غسل دبره -أو قال: مقعدته-، فقال النّبي ﷺ:
«ففي هذا». وقال الحاكم:
«هذا حديث صحيح على شرط مسلم»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر من وجهين:
الأول: أن مسلمًا إنما روى لابن إسحاق مقرونًا بغيره.
وثانيًا: هو مدلس؛ وقد عنعنه.
وله شاهد ثالث من حديث جابر وأبي أيوب وأنس جميعًا:
رواه ابن ماجة وغيره، وقد صححه النووي (٢/ ٩٩)، وسوف نخرجه ونتكلم على إسناده في «صحيح ابن ماجة» -إن شاء الله تعالى- رقم (…).
(تنبيه أول): قد تبين لك أنه ليس في شيء من هذه الأحاديث ذكر الحجارة مع الماء، وقد اشتهر على الألسنة أنهم كانوا يجمعون بينهما؛ بل جاء الحديث في «المهذب» بلفظ:
«قالوا: نتبع الحجارة الماء»! فقال النووي:
“كذا يقوله أصحابنا وغيرهم في كتب الفقه والتفسير، وليس له أصل في
ولعله أراد ليس له أصل صحيح؛ وإلا فقد رواه البزار بلفظ «المهذب»؛ لكن إسناده ضعيف، كما قال الحافظ في «البلوغ»، و«التلخيص».
وأقول: إنه منكر؛ لمخالفته لجميع من روى هذا الحديث من الثقات.
(تنبيه ثان): وهم في حديث أبي هريرة -هذا- عالمان فحلان:
أحدهما: ابن العربي؛ حيث قال في «تفسيره» (١/ ٤١٥):
«وهذا حديث لم يصح»!
وهذا فيه إسراف ظاهر، فالحديث صحيح لا شك فيه؛ لما سبق من الشواهد وغيرها، ولو قال: (إسناده لم يصح)؛ لصدق.
والآخر: الحافظ ابن حجر؛ حيث قال في «الفتح» (٧/ ١٩٥): إن «إسناده صحيح»!
وهو غير صحيح إ! بل ضعيف بشهادة الحافظ نفسه؛ كما نقلناه عنه.
٢٤ – باب الرجل يَدْلُكُ يده بالأرض إذا استنجى
٣٥ – عن أبي هريرة قال:
كان النبي ﷺ إذا أتى الخلاء؛ أتيته بماء في تَور أو رَكوة، فاستنجى ثمّ مسح يدَه على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ”.
(قلت: حديث حسن، وصححه ابن حبان).
إسناده: أخرجه من طريقين عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن
وأزيد عليها وجهًا خامسًا: أن البيهقي أخرج الحديث في «سننه» (١/ ١٠٦ و١٠٧) عن المصنف من الوجهين … هكذا على الصواب دون ذكر: (عن المغيرة)؛ وكذلك هو عند كل من أخرج الحديث كما يأتي.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ إلا أن شريكًا -وهو ابن عبد الله القاضي- سيئ الحفظ، قال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق يخطيء كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع».
وقد توبع عليه؛ كما يأتي، فالحديث حسن؛ إن شاء الله تعالى.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة، وأحمد (٢/ ٣١١ و٤٥٤)، وابن حبان في «صحيحه» (١٣٨ و١٤٠٢) من طرق عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة.
وتابعه أبان بن عبد الله بن أبي حازم؛ إلا أنه خالفه في إسناده فقال: حدثنا إبراهيم بن جرير بن عبد الله عن أبيه … مثله.
أخرجه النسائي والدارمي وابن ماجة والبيهقي. وقال النسائي:
«هذا أشبه بالصواب من حديث شريك»! وتعقبه ابن التركماني بقوله:
“قلت: أبان هذا؛ قال ابن حبان: كان ممن فحش خطأه وانفرد بالمناكير. وشريك القاضي ممن استشهد به مسلم. وحديثه هذا؛ أخرجه ابن حبان في
قلت: ويؤيد أنه ليس أشبه بالصواب: أن أبان قد اضطرب فيه: فمرة رواه هكذا عن إبراهيم عن أبيه. ومرة أخرى قال: ثني مولى لأبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة.
أخرجه الدارمي والبيهقي، وأحمد (٢/ ٣٥٨).
وهذا مما يدل على سوء حفظه الذي وصفه به ابن حبان، وكذلك قال الحافط في «التقريب»:
إنه «صدوق في حفظه لين».
والحديث قال النووي (٢/ ١٠٢):
«إسناده صحيح؛ إلا أن فيه شريكًا، وقد اختلفوا في الاحتجاج به».
قلت: وللحديث شاهد من حديث عائشة وميمونة رضي الله عنهما في حديث غسل الجنابة:
أنه ﷺ بعد غسله فرجه؛ ضرب بيده الأرض فغسلها.
وسيأتيان في الكتاب برقم (٢٤٣ و٢٤٤).
٢٥ – باب السواك
٣٦ – عن أبي هريرة -يرفعه- قال:
«لولا أن أشق على المؤمنين؛ لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجا بعضه كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه»، (١/ ١٩١)، والبيهقي (١/ ٣٧) من طرق عن سفيان بن عيينة … به.
ومن هذا الوجه: أخرجه مسلم، والدارمي دون الأمر بتأخير العشاء.
وكذلك أخرجه مالك، وعنه البخاري وكذا النسائي عن أبي الزناد … به.
وهذا القدر له طرق أخرى: عند البخاري ومالك والترمذي -وصححه-، وابن ماجة وأبي عوانة أيضًا، والطيالسي (رقم ٢٣٢٨)، وأحمد (٢/ ٢٨٧ و٣٩٩ و٤٠٠ و٤٢٩ و٤٦٠ و٥١٧).
كما أن له -بتمامه- طرقًا أخرى. فقال أحمد (٢/ ٢٥٠ و٤٣٣): ثنا يحيى: أنا عبيد الله: حدثني ابن أبي سعيد عن أبي هريرة بلفظ:
«بالسواك مع الوضوء، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل -أو شطر الليل-».
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة (١).
«صحيح على شرطهما»! ووافقه الذهبي!
وفيه نظر، وإنما هو على شرط مسلم وحده؛ كما بينته في «التعليق الرغيب».
ورواه الطحاوي (١/ ٢٦ – ٢٧) من طريق عبيد الله.
فزاد في الإسناد (عطاءً) هذا؛ ولا يعرف كما قال الذهبي.
طريق ثالث: أخرجه أحمد أيضًا (٢/ ٢٥٨ – ٢٥٩): ثنا أبو عبيدة الحداد -كوفي ثقة- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:
«عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء سواك».
وهذا إسناد حسن؛ كما قال المنذري في «الترغيب» (١/ ٩٩ / رقم ٣).
ثمّ إن الحديث؛ قال النووي في «المجموع» (٣/ ٥٦):
«رواه أبو داود بإسناد صحيح» ثمّ قال:
«وأما الحديث المذكور في»النهاية«و»الوسيط«:»لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة، ولأخرت العشاء إلى نصف الليل«: فهو -بهذا اللفظ- حديث منكر لا يعرف، وقول إمام الحرمين: إنه حديث صحيح؛ ليس بمقبول، فلا يغتر به»! !
قلت: إن كان يعني بقوله: إنه منكر؛ لأنّ فيه: «إلى نصف الليل» -وهو ليس في حديث الباب-؛ فقوله هو المنكر؛ لأنّ هذه الزيادة صحيحة ثابتة؛ فهي عند أحمد على الشك بلفظ:
«إلى ثلث الليل -أو شطر الليل-»، كما سبق.
وهي عند الحاكم في روايته المذكورة آنفًا من طريق عبد الرحمن الأعرج عن سعيد بن أبي سعيد بلفظ: «إلى نصف الليل» بدون شك.
«لولا ضعف الضعيف وسقم السقيم؛ لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل».
وإسناده صحيح، كما سيأتي في الكتاب (رقم ٤٤٩).
٣٧ – عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن زيد بن خالد الجُهَنِيّ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لولا أن أشق على أمتي؛ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة».
قال أبو سلمة: فرأيت زيدًا يجلس في المسجد؛ وإن السواك من أذنه مَوْضِعَ القلم من أذن الكاتب؛ فكلما قام إلى الصلاة استاك.
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال الترمذي).
إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن يونس: ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه؛ إلا أنه قد توبع كما يأتي؛ فالحديث صحيح.
وقد أخرجه الترمذي أيضًا، والبيهقي من طريق المصنف، وأحمد (٤/ ١١٤ و١١٦ و٥/ ١٩٣) من طرق عن محمد بن إسحاق … به، وزادا:
«ولأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل». وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح».
ثم إن له طريقًا أخرى عن أبي سلمة؛ فقال أحمد (٤/ ١١٦): ثنا عبد الصمد
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث علقه البخاري في (الصيام)، ووصله الطحاوي (١/ ٢٦) من الوجه الأول.
٣٨ – عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال:
قلت: أرأيت تَوَضُّؤَ ابن عمر لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر؛ عَمّ ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب: أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها:
أن رسول الله ﷺ أُمر بالوُضوء لكل صلاة طاهرًا وغيرَ طاهر، فلما شَقَّ ذلك عليه؛ أُمر بالسِّواك لكل صلاة.
فكان ابن عمر يرى أن به قوةً؛ فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة.
(قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسنه الحازمي، وصححه ابن خزيمة وابن حَبان).
إسناده: ثنا محمد بن عوف الطائي: ثنا أحمد بن خالد: ثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حَبان.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن فيه عنعنة ابن إسحاق؛ بيد أنه قد صرح بالتحديث في غير هذه الرواية، فصح بذلك الحديث.
وقد أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
«حديث صحيح على شرط مسلم». ووافقه الذهبي!
وفيه ما سبق التنبيه عليه قريبًا.
وأخرجه الطحاوي أيضًا (١/ ٢٦)، وابن خزيمة وابن حبان في «صحيحيهما» -كما في «التلخيص» (١/ ٣٧٨) -، والدارمي (١/ ١٦٨)، والحازمي في «الاعتبار» (ص ٣٦ – ٣٧)، وقال:
«حديث حسن».
وهو في «المسند» (٥/ ٢٢٥) بتصريح ابن إسحاق بالتحديث.
٢٦ – باب كيف يستاك؟
٣٩ – عن أبي بُردة عن أبيه [يعني: أبا موسى] قال:
أتينا رسول الله ﷺ نَسْتَحْمِلُهُ؛ فرأيته يستاك على لسانه.
وفي رواية: قال:
دخلت على النبي ﷺ وهو يستاك، وقد وضع السواك على طَرَفِ لسانه وهو يقول: إه إه (١)؛ يعني: يَتَهَوَّعُ.
(قلت: إسناد الرواية الأولى صحيح على شرط البخاري، والأخرى على
إسناده: حدثنا مُسدَّد وسليمان بن داود العَتَكِيُّ قالا: حدثنا حماد بن زيد عن غَيلان بن جرير عن أبي بُردة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثمّ قال أبو داود عقب الحديث:
«قال مسدد: فكان حديثًا طويلًا اختصره». كذا في بعض النسخ! وفي عامة النسخ:
«اختصرته».
وهو الصحيح، كما في «عون العبود»، وسيأتي بعض الحديث في «النذور» رقم (…).
والحديث أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ١٩٢)، والنسائي، وأحمد (٤/ ٤١٧) من طرق عن حماد بن زيد … به. وكذلك أخرجه البيهقي.
وليس عند مسلم وأحمد قوله:
وهو يقول … إلخ.
وزاد أحمد: يستن إلى فوق؛ فوصف حماد كأنه يرفع سواكه، قال حماد: ووصفه لنا غيلان قال: كان يستن طولًا.
وإسناده صحيح على شرطهما.
وتابعه حميد بن هلال عن أبي بردة بلفظ:
رأيت النّبيّ ﷺ يستاك، فكأنما أنظر إلى السواك قد قلص وهو يستاك.
أخرجه أبو عوانة والنسائي، وهو عنده أتم، ويأتي في أول «الحدود».
٤٠ – عن عائشة قالت:
كان رسول الله ﷺ يَسْتَنُّ وعنده رجلان أحدُهُما أكبرُ من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك أنْ كبِّر: أعْطِ السواك أكبرهما.
(قلت: إسناده صحيح، وحسنه الحافظ).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن عيسى -وهو ابن نَجِيحٍ الطباع-، وشيخه عنبسة بن عبد الواحد، وهما ثقتان اتفاقًا.
وقد تساهل الحافظ ابن حجر في «الفتح» (١/ ٢٨٤)، وفي «التلخيص» (١/ ٣٨١)؛ فقال:
«إسناده حسن»!
وللحديث شاهد من حديث ابن عمر قال:
رأيت رسول الله ﷺ وهو يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثمّ قال:
«إن جبريل أمرني أن أكبِّر».
أخرجه أحمد (٢/ ١٣٨)، والبيهقي (١/ ٤٠) من طريق أسامة بن زيد: أخبرني نافع عنه.
وهذا إسناد حسن؛ وهو على شرط مسلم. وقد علقه البحاري (١/ ٢٨٤).
«أراني في المنام أتسوك بسواك، فجذبني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّر، فدفعته إلى الأكبر».
وعلقه البخاري أيضًا، ووصله البيهقي.
(فائدة): قال الحافظ:
«قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس؛ فإذا ترتبوا؛ فالسنّة حينئذٍ تقديم الأيمن، وهو صحيح؛ وسيأتي الحديث فيه في الأشربة».
قلت: وهو الحديث رقم (…) [كتاب الأشربة / باب في الساقي متى يشرب].
٤١ – وعن شُرَيْحٍ قال: قلت لعائشة: بأي شيء كان يبدأ رسول الله ﷺ إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة وابن حبان في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا أبو داود: ثنا إبراهيم بن موسى الرازي: أخبرنا عيسى بن يونس عن مسعر عن المقدام بن شريح عن أبيه.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه كما يأتي.
(تنبيه): أبو داود: هو المصنف رحمه الله، والقائل: ثنا أبو داود؛ هو أبو علي محمد بن عمرو اللؤلؤي، أحد رواة «السنن» عن المصنف.
والحديث أخرجه مسلم في «صحيحه»، وأبو عوانة والنسائي والبيهقي كلهم عن مسعر … به.
وقد تابعه سفيان عن المقدام: أخرجه مسلم وأبو عوانة، وأحمد (٦/ ١٨٨ – ١٩٢) بلفظ:
«كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك».
وبهذا اللفظ: أورده الحافظ في «التلخيص» (١/ ٣٨١)؛ وقال:
«رواه ابن حبان في»صحيحه«، وأصله في»مسلم«…»!
فذهل عن كونه عنده بهذا اللفط، وفد عزاه إليه النووي في «المجموع» (١/ ٢٧٣).
هذا؛ وتابعه شريك بن عبد الله أيضًا: عند ابن ماجة، وأحمد (٦/ ١٨٢).
٢٨ – باب غَسْلِ السواك
٤٢ – عن عائشة أنها قالت:
كان نبي الله ﷺ يستاك، فيعطي السواك لأغسله؛ فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه.
(قلت: إسناده حسن، وحسنه النووي).
وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات معروفون؛ غير كثير -وهو ابن عُبَيْدٍ رضيع عائشة-، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع كثير من الثقات.
والحديث قال النووي في «المجموع» (١/ ٢٨٣) أنه:
«حديث حسن، رواه أبو داود بإسناد جيد».
وسكت عليه الحافظ في «التلخيص» (١/ ٣٨١)، واحتج به في «الفتح» (١/ ٢٨٤) على استحباب غسل سواك الغير؛ إذا أراد أن يستعمله.
والحديث رواه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرج البخاري، والحاكم (١/ ١٤٥)، وأحمد (٦/ ٢٠٠) من طريقين عن هشام بن عروة: أخبرتي أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله ﷺ، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن! فأعطانيه. فقضمته ثمّ مَضَغْتُهُ، فأعطيته رسول الله ﷺ؛ فاستن به وهو مستند إلى صدري.
أخرجه البخاري من طريق إسماعيل قال: ثني سليمان بن بلال قال: قال هشام.
فقال الحافظ: «(فائدة): رجال الإسناد مدنيون، وإسماعيل شيخ البخاري: هو ابن أبي أويس، ولم أره في شيء من الروايات من غير طريق البخاري عنه»! !
قلت: فقد خفيت عليه رواية الحاكم هذه؛ وهو أخرجها من طريقين آخرين عن إسماعيل بن أبي أويس: ثنا سليمان بن بلال: ثنا هشام … به.
وأخرجه البيهقي (١/ ٣٩) من طريقين آخرين عن إسماعيل … به.
٢٩ – باب السواك من الفطرة
٤٣ – عن عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ:
«عَشْرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل الْبَرَاجم، ونتف الإبْط، وحلق العانة، وانتقاص الماء»؛ يعني: الاستنجاء بالماء.
قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة؛ إلا أن تكون المضمضة.
(قلت: حديث حسن، وكذا قال الترمذي. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»، وصححه الحافظ).
إسناده: حدثنا يحيى بن معين: ثنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب ابن شيبة عن طَلْق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة.
وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ لكن مصعب بن شيبة هذا؛ تكلموا في حفظه، كما قال ابن عدي. وقال أحمد:
«روى أحاديث مناكير». وقال أبو حاتم:
«لا يحمدونه؛ وليس بقوي». وقال ابن سعد:
«كان قليل الحديث». وقال النسائي:
«منكر الحديث». وقال الدارقطني:
«ثقة». وقال الحافظ في «التقريب»:
«لين الحديث».
لكن الحديث حسن إن شاء الله تعالى بشواهده التي منها حديث عمار الذي أورده المصنف عقب هذا، وغيره مما سنذكره إن شاء الله تعالى تقويةً له.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ١٩١)، والبيهقي (١/ ٥٢) من طريق المؤلف.
وأخرجه مسلم، والنسائي (٢/ ٢٧٤)، والترمذي (٢/ ١٢٦ – طبع بولاق)، وابن ماجة والدارقطني، وابن خزيمة (١/ ١٤ / ٢)، والطحاوي في «المشكل» (١/ ٢٩٧)، والعقيلي في «الضعفاء» (٤١٧) من طرق عن وكيع … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن».
وهو في «مسند أحمد» (٦/ ١٣٧): ثنا وكيع … به.
وقد تابعه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه … به: أخرجه مسلم.
ثمّ رواه النسائي من طريق المعتمر عن أبيه، ومن طريق أبي بشر كلاهما عن طلق بن حبيب قال: عشرة من الفطرة … إلخ. وقال: إنه «أشبه بالصواب من حديث مصعب بن شيبة». قال الحافظ في «الفتح» (١٠/ ٢٧٧):
“ورجح النسائي الرواية المقطوعة على الموصولة المرفوعة. والذي يظهر لي أنها
وقال المناوي -بعد أن حكى أقوال بعض الأئمة الذين سبق ذكرهم في مصعب هذا-:
«لكن له شاهد صحيح مرفوع»! !
ولم أجد هذا الشاهد الصحيح المرفوع؛ وإنما وجدت له شاهدًا صحيحًا، ولكنه موقوف على ابن عباس كما يأتي في الذي بعده، وشاهدًا مرفوعًا، ولكنه ضعيف وهو الآتي.
نعم؛ لبعضه شاهد بل شاهدان صحيحان من حديث ابن عمر: أخرجه النسائي (١/ ٧) بسند صحيح، وابن حبان (١٤٨٢) نحو، وكذا البخاري (١٠/ ٢٩٥)، وابن سعد (١/ ٤٤٣).
وأبي هريرة، وسيأتي هذا في «الترجل» (رقم …) [باب في أخذ الشارب].
(تنبيه): في كل طرق أبي هريرة جاء فيها بلفظ:
«قص الشارب»؛ إلا في طريق للنسائي -ذكره الحافظ وغيره، ولم أرها في «الصغرى» له (١/ ٧ و٢/ ٢٧٥)، فالظاهر أنها في «الكبرى» له-؛ فإنها بلفظ:
«حلق الشارب»! ! وقد ذكرها السيوطي أيضًا في «الزيادة على الجامع الصغير»!
٤٤ – عن عمار بن ياسر: أن رسول الله ﷺ قال:
«إن من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق …»، فذكر نحوه، ولم يذكر: «إعفاء اللحية». وزاد: «والختان». قال: «والانتضاح»؛ ولم يذكر: «انتقاص الماء»؛ يعني: الاستنجاء.
(قلت: حديث حسن).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب قالا: ثنا حماد عن علي ابن زيد عن سلمة بن محمد بن عمار بن ياسر -قال موسى: عن أبيه. وقال داود- عن عمار بن ياسر.
وهذا إسناد ضعيف من الوجهين، وذلك لأمرين:
الأول: ضعف علي بن زيد بن جُدْعان.
والثاني: جهالة شيخه سلمة بن محمد بن عمار؛ فإنه مجهول كما في «التقريب». وأما الذهبي فقال في «الميزان»:
«صدوق في نفسه. روايته عن جده مرسلة. روى عنه علي بن جدعان وحده. قال ابن حبان:
»لا يحتج به«! !».
قلت: فلا أدري من أين جاء بشهادة الصدق له؛ مع أنه يعترف أنه لم يرو عنه غير ابن جدعان؟ !
وعلى رواية داود: منقطع؛ لأن سلمة لم يسمع من جده؛ كما أفاده ابن معين وغيره.
والحديث أخرجه ابن ماجة والبيهقي، والطيالسي (رقم ٦٤١)، وأحمد (٤/ ٢٦٤) من طرق عن حماد بن سلمة … به مثل رواية داود المنقطعة.
ولفظ الحديث بتمامه:
«من الفطرة: المضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، والاستحداد، وغسل البراجم، والانتضاح، والاختتان».
وهو حديث حسن بما قبله وبما بعده، كما أشار إلى ذلك النووي (١/ ٢٨٣).
٤٥ – قال أبو داود: «وروي نحوه عن ابن عباس؛ وقال: خمس كلها في الرأس … وذكر فيها: الفرق، ولم يذكر إعفاء اللحية».
(قلت: هو موقوف صحيح على شرط الشيخين، وكذا صححه الحاكم والذهبي، وصححه الحافظ).
وصله عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: ﴿وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ﴾؛ قال:
ابتلاه بالطهارة: خمس في الرأس وخمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. وفي الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء.
قلت: وهو على شرط الشيخين؛ وكذلك صححه الحاكم (٢/ ٢٦٦)، ووافقه الذهبي.
٤٦ – قال أبو داود: «وروي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب، ومجاهد، وعن بكر المزني … قولَهم، ولم يذكروا إعفاء اللحية».
(قلت: موقوفات كلها، وهو عن طلق صحيح الإسناد).
قلت: أما الرواية عن طلق بن حبيب؛ فقد وصلها النسائي كما سبقت الإشارة إلى ذلك، قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا المعتمر عن أبيه قال: سمعت طلقًا يذكر:
عشرة من الفطرة: السواك، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، وغسل البراجم، وحلق العانة، والاستنشاق، وأنا شككت في المضمضة.
وهذا إسناد موقوف صحيح على شرط مسلم؛ لكنها سبعةٌ بالمضمضة فينقصها ثلاثة تمام العشرة.
وقد رواها النسائي من طريق أخرى فقال: أخبرنا قتيبة قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن طلق بن حبيب قال:
عشرة من السنة … فذكر هذه السبعة وفيها المضمضة إلا أنه قال: الدبر بدل: البراجم، وزاد: وتوفير اللحية، ونتف الإبط، والختان.
وإسناده صحيح أيضًا على شرط الشيخين.
وأما الرواية عن مجاهد وبكر المزني؛ فلم أقف عليها! لكن قال الحافظ ابن كثير -بعد أن ساق حديث ابن عباس الذي نقلناه عنه سابقًا-:
«قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي والنخعي وأبي صالح وأبي الجلد نحو ذلك».
٤٧ – وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي ﷺ فيه: «وإعفاء اللحية».
(قلت: صحيح، ولم أقف عليه بهذه الرواية).
قلت: حديث أبي هريرة سيأتي في «الترجل» [باب في أخذ الشارب] (رقم …) من رواية سعيد بن المسيب عنه؛ وليس فيه ما ذكر، ولم أقف على هذه الرواية الآن، ولم يوصلها المزي في «التحفة»!
نعم؛ رواه محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب معًا.
أخرجه أبو الشيخ؛ كما في «الفتح» (١٠/ ٢٧٦)، ولم يذكر أنَّ فيه هذه الجملة.
وابن أبي مريم هذا ثقة من رجال أحمد.
٤٨ – وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر، إعفاء اللحية والختان.
(قلت: موقوف صحيح).
انظر كلام ابن أبي حاتم المذكور آنفًا.
٤٩ – عن حذيفة:
أن رسول الله ﷺ كان إذا قام من الليل؛ يَشُوصُ فاه بالسواك.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم»).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
وقد أخرجه البخاري في «صحيحه» (٢/ ٣٠٠) … بهذا الإسناد.
وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي وابن ماجة والبيهقي وأحمد (٥/ ٣٣٢ و٣٩٠ و٣٩٧ و٤٠٢ و٤٠٧) من طرق عنهما؛ إلا النسائي: فعن منصور وحده، والدارمي: عن حصين وحده.
وقد تابعهما الأعمش: عند مسلم وابن ماجة وأحمد.
٥٠ – عن عائشة:
أن النبي ﷺ كان يوضع له وَضُوؤُهُ وسِواكُه، فإذا قام من الليل؛ تخلَّى ثمّ استاك.
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا حماد: أخبرنا بهز بن حكيم عن زُرَارَةَ
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير بهز بن حكيم؛ وهو ثقة، والحديث مختصر الحديث الآتي رقم (١٢١٦).
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة وغيرهم من طريق قتادة عن زرارة … به نحوه.
وأصله عند المصنف كما سيأتي هناك (رقم ١٢١٣).
وله شاهد من حديث أنس بسند حسن: رواه ابن نصر (ص ٤٤).
٥١ – عن عائشة:
أنّ النّبيّ ﷺ كان لا يرقد من ليل ولا نهار فيستيقظ؛ إلا تسوك فبل أن يتوضأ.
(قلت، حديث حسن؛ دون قوله: «ولا نهار»؛ فإنه ضعيف).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا همام عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة.
وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن زيد -وهو ابن جدعان-.
وأم محمد: هما زوجة أبيه، وليست بأمه، واسمها أمية بنت عبد الله؛ وكأنها مجهولة؛ فلم يذكر توثيقها أحد.
لكن الحديث حسن بما قبله، وله شواهد سنذكر بعضها.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه أحمد (٦/ ١٢١ و١٦٠) من طرق عن همام … به.
أن رسول الله ﷺ كان لا ينام إلا والسواك عنده؛ فإذا استيقظ بدأ بالسواك.
وهذا إسناد حسن.
ورواه الطبراني في «الكبير» (٣/ ٢٠٧ / ٢) من طرق أخرى عن ابن عمر.
وقد أخرج المصنف حديثًا بهذا الإسناد، سيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى (رقم ١١٥٤).
٥٢ – عن عبد الله بن عباس قال: بتُّ ليلة عند النبي ﷺ، فلما استيقظ من منامه؛ أتى طَهوره، فأخذ سواكه فاستاك، ثم تلا هذه الآيات: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾؛ حتى قارب أن يختم السورة أو ختمها، ثم توضأ، فأتى مُصلّاه فصلّى ركعتين، ثمّ رجع إلى فراشه، فنام ما شاء الله، ثمّ استيقظ، ففعل مثل ذلك، ثمّ رجع إلى فراشه فنام، ثمّ استيقظ ففعل مثل ذلك، ثم رجع إلى فراشه فنام ثم استيقظ ففعل مثل ذلك؛ كلَّ ذلك يستاك ويصلّي ركعتين، ثمّ أوتر. (وفي رواية: قال: فتسوك وتوضأ؛ وهو يقول: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ حتى ختم السورة).
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما»).
إسناده: حدثنا محمد بن عيسى: ثنا هشيم (*): أخبرنا حُصَيْن عن حبيب ابن أبي ثابت عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله
قال أبو داود: «رواه ابن فُضَيْل عن حصين قال: فتسوك ..» إلخ الرواية الأخرى.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن عيسى -وهو ابن الطباع-، وهو ثقة كما مرَّ.
غير أن حبيبًا هذا قد رمي بشيء من التدلس، وهو من ثقات التابعين، ولحديثه هذا طرق أخرى، سيأتي بعضها في الكتاب (رقم …).
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة (٢/ ٣٢٠ – ٣٢١)، وابن نصر في «قيام الليل» (٤٩)، وأحمد (١/ ٣٧٣) من طرق عن حصين … به.
ورواه النسائي أيضًا (١/ ٢٤٩) من هذا الوجه لكن باختصار.
وكذلك أخرجه من طرق أخرى عن حبيب.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ١٢٤) من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مختصرًا بلفظ:
كان رسول الله ﷺ يصلّي بالليل ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك.
وإسناده هكذا: حدثنا سفيان بن وكيع: ثنا عَثَّام بن علي عن الأعمش …
وزعم العراقي في «التقريب» (٢/ ٦٦ – ٦٧) أن إسناده صحيح، وتبعه الحافظ في «الفتح»! مع أنه قال في ترجمة سفيان بن وكيع من «التقريب»:
«كان صدوقًا؛ إلا أنه ابتلي بورَّاقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه».
والرواية الأخرى ستأتي موصولة (رقم ١٢٢٤).
٥٣ – عن أبي المَلِيح عن أبيه [أسامة الهذلي] عن النبي ﷺ قال: «لا يقبل الله عر وجل صدقة من غُلول، ولا صلاة بغير طهور».
(قلت: إسناده صحيح. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا مسلم بن إبراهيم: ثنا شعبة عن قتادة عن أبي المليح.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي المليح -وهو ابن أسامة بن عمير-؛ وهو ثقة.
والحديث رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (رقم ١٣١٩): ثنا شعبة … به، وصرح قتادة بسماعه من أبي المليح عنده.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٣٥)، والنسائي وابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٥/ ٧٤ و٧٥) من طرق عن شعبة … به.
وتابعه خالد الحذاء عن أبي المليح، لكن الراوي عنه ضعيف: أخرجه الطبراني في «معجمه الصغير» (١٩).
وله شاهد من حديث ابن عمر: عند مسلم، وأبي عوانة وغيرهما.
ومن حديث أنس: عند أبي عوانة وابن ماجة.
٥٤ – عن أبي هريره قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبِّه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو في «المسند» (٢/ ٣٠٨ – ٣١٨) بهذا الإسناد.
والحديث أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في«صحاحهم»، والترمذي -وصححه- من طرق عن عبد الرزاق … به.
وله عند أبي عوانة أربعة طرق عن أبي هريرة … بمثل حديث أسامة قبله.
وروى له شاهدين من حديث أبي بكر وأبي سعيد؛ وهما ضعيفان.
٥٥ – عن علي رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مِفتاحُ الصلاة الطُّهورُ، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم».
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الحاكم وابن السكن وكذا الحافظ، وحسّنه النووي، وأورده المقدسي في «الأحاديث المختارة»).
إسناده: حدثنا عثمان بن أبي شيبة: ثنا وكيع عن سفيان عن ابن عَقيل عن محمد ابن الحنفية عن علي.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن عقيل -وهو عبد الله بن محمد بن عقيل-؛ وقد تكلم فيه من قِبل حفظه، وهو صدوق. وقد قال الذهبي:
«حديثه في مرتبة الحسن، كان أحمد وإسحاق يحتجان به». وقال الحافظ
«صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة».
والحديث أعاده المصنف رحمه الله في «باب الإمام يحدث بعدما يرفع رأسه من الصلاة»، وسوف لا نعيده في «مختصرنا» هذا؛ لأنه بهذا السند.
والحديث أخرجه الترمذي أيضًا؛ والدارمي وابن ماجة والطحاوي والدارقطني، والبيهقي (٢/ ١٧٣ و٣٧٩)، وأحمد (٢ / رقم ١٠٠٦ – ١٠٧٢)، والخطيب في «تاريخه» (١٠/ ١٩٧) من طرق عن سفيان … به.
ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبزار في «مسانيدهم» -كما في «نصب الراية» (١/ ٣٠٧) -. ثمّ قال الترمذي:
«هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وعبد الله بن محمد بن عقيل صدوق، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قِبل حفظه، وسمعت محمد ابن إسماعيل يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل. قال محمد: وهو مقارب الحديث». وقال النووي في «المجموع» (٣/ ٢٨٩):
«رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بإسناد صحيح؛ إلا أن فيه عبد الله بن محمد ابن عقيل، قال الترمذي …».
قلت: فذكر ما نقلناه عنه آنفًا. ونقل الزيلعي عنه أنه قال في «الخلاصة»:
«هو حديث حسن». وقال الحافظ:
«وصححه الحاكم وابن السكن». وقال في «الفتح» (٢/ ٢٥٧):
«أخرجه أصحاب»السنن«بسند صحيح»!
وأما تصحيح الحاكم له؛ فلم أقف عليه! وهو إنما أورد الحديث في «المستدرك» (١/ ١٣٢) تعليقًا بدون تصحيح؛ فلعله صححه في بعض كتبه الأخرى.
وأخرجه الضياء في «المختارة» (١/ ٢٤٣).
٣٢ – باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث
[ليس تحته حديث على شرط كتابنا هذا. (انظر «الضعيف»)]
٣٣ – باب ما ينجس الماء
٥٦ – عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال:
سُئل رسول الله ﷺ عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال ﷺ:
«إذا كان الماء قُلَّتَيْنِ لم يحمل الخَبَثَ».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال ابن منده: إنه على شرط مسلم، وصححه أيضًا الطحاوي وابن خزيمة وابن حبان والنووي والحافظ).
إسناده: حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي وغيرهم قالوا: ثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن
كذا قال المصنف رحمه الله! وخالفه غيره فقال: الصواب: عن محمد بن جعفر بن الزبير.
وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك، وأن الراجح لدينا صواب الروايتين.
وعلى كل حال؛ فالإسناد صحيح، رجاله -على الوجهين- ثقات رجال الشيخين.
والحديث أخرجه النسائي والدارمي والطحاوي والدارقطني والحاكم، والبيهقي (٢/ ٢٦٠) من طرق عن أبي أسامة حماد بن أسامة … به مثل رواية ابن العلاء.
ثمّ أخرجه الدارقطني والحاكم والبيهقي من طرق أخرى كثيرة عن أبي أسامة … به؛ إلا أنهم قالوا: عن محمد بن عباد بن جعفر.
وصوّب هذه الرواية المؤلف كما سلف.
وخالفه أبو حاتم الرازي فرجح الأولى، فقال ابنه عبد الرحمن في «العلل» (١/ ٤٤ / رقم ٩٦) -بعد أن ساق الحديث على الوجه الثاني-:
«فقال أبي: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة، والحديث لمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه». وقال ابن منده -كما في «نصب الراية» (١/ ١٠٦) -:
«إن هذا هو الصواب؛ لأنّ عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر».
وصحح الروايتين: الدارقطني والحاكم والبيهقي؛ بدليل ما أخرجوه من طريق
«قد ظهر بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا؛ فإن شعيب بن أيوب الصّرِيفيني ثقة مأمون، وكذلك الطريق له».
وبذلك يزول الاضطراب الذي به أعل بعضهم الحديث فلا تلتفت إليه.
والحديث صححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي. وقال ابن منده: إنه «صحيح على شرط مسلم».
وصححه أيضًا الطحاوي -كما قال ابن القيم في «تهذيب السنن» (١/ ٥٦) -، وابن خزيمة وابن حبان -كما في «البلوغ»-، وصححه النووي في «المجموع» (١/ ١١٣)، والحافظ في «الفتح» (١/ ٢٧٧).
ولأبي أسامة -هذا- حديث آخر يعارض عمومه مفهم هذا الحديث؛ فانظر (رقم ٥٩).
والحديث أخرجه الدارقطني (٨) من طريق محمد بن وهب السلمي: نا ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة عن النبي ﷺ:
«أنه سُئل عن القَلِيبِ يلقى فيه الجيف، ويشرب منه للكلاب والدواب؟ فقال:
»ما بلغ الماء قلتين فما فوق ذلك؛ لم ينجسه شيء”. وقال:
قلت: وابن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها، وقد زاد في متن الحديث ما ليس فيه:
«فما فوق ذلك».
٥٧ – عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه:
أنّ رسول الله ﷺ سئل عن الماء يكون في الفلاة … فذكر معناه.
(قلت: إسناده حسن صحيح).
إسناده: حدثنا موسى بن إسمماعيل: ثنا حماد. (ح) وثنا أبو كامل: ثنا يزيد بن زُرَيْعٍ عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر -قال أبو كامل: – ابن الزبير.
وهذا إسناد حسن صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون، وعبيد الله بن عبد الله: هو أخو عبد الله بن عبد الله المذكور في السند السابق، وكلاهما ثقة.
والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة والدارمي والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي، وأحمد (٢/ ١٢ و٢٦ – ٢٧، ٣٨) من طرق عن ابن إسحاق … به؛ وصرح ابن إسحاق بسماعه من محمد بن جعفر في رواية للدارقطني.
وقد تابعه عاصم بن المنذر عن عبيد الله؛ وهو:
«إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال البيهقي، وقال ابن معين إنه: «جيد الإسناد»، وصححه النووي).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرنا عاصم بن المنذر.
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير عاصم بن المنذر؛ وهو ثقة بلا خلاف.
والحديث أخرجه ابن ماجة والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي، والطيالسي (رقم ١٩٥٤)، وأحمد (٢/ ٢٣ و١٠٧) من طرق عن حماد … به.
وقال الدارقطني:
«في هذه الرواية قوة لرواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر». وكذا قال البيهقي.
ونقل النووي (١/ ١١٢) عنه وعن غيره أن إسنادها صحيح، وصححها هو أيضًا (١/ ١١٥).
وزاد بعض الرواة عن حماد -بعد قوله: «قلتين»-:
«أو ثلاثًا»! قال الحاكم:
«وقد رواه عفان بن مسلم وغيره من الحفاظ عن حماد بن سلمة؛ ولم يذكروا فيه:»أو ثلاثًا«…».
نعم؛ أعل الحديثَ المصنفُ بقوله عقبه:
«قال أبو داود: حماد بن زيد وقفه عن عاصم»! قال الدارقطني:
«وكذلك رواه إسماعيل ابن علية عن عاصم بن المنذر عن رجل لم يسمه عن ابن عمر موقوفًا …»! ثمّ ساق إسناده بذلك. قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ١١٥):
«وسئل ابن معين عن هذه الطريق؟ فقال: إسنادها جيد. قيل له: فإن ابن علية لم يرفعه فقال: وإن لم يحفظ ابن علية؛ فالحديث جيد الإسناد».
قلت: وذلك لأنّ الرفع زيادة، وهي من ثقة، فيجب قبولها، لا سيما وأنه قد جاء مرفوعًا من وجه آخر، كما في الإسناد قبله.
ومما ينبغي التنبه له: أن الحديث يرويه عن ابن عمر ولداه عبد الله وعبيد الله. ورواه عنهما محمد بن جعفر بن الزبير.
وتابعه عن الأول منهما: محمد بن محمد بن عباد بن جعفر.
وتابعه عن الآخر: عاصم بن المنذر. وهذا خلاصة ما تقدّم في التخاريج السابقة.
(فائدة): مفهوم الحديث على أن الماء ينجس إذا كان أقل من القلتين، وهو معارض لعموم الحديث الآتي في الباب الذي بعد هذا؛ فلذلك -ولأمور أخرى ذكرها ابن القيم رحمه الله في «التهذيب»-: الأرجح عندنا العمل بهذا العموم وترك هذا المفهوم. والله أعلم.
٥٩ – عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خَديج عن أبي سعيد الخدري:
أنه قيل لرسول الله ﷺ: أنتوضأ من بئر بُضاعة؟ وهي بئر يُطرح فيها الحِيَض ولحم الكلاب والنَّتْن؟ فقال رسول الله ﷺ:
«الماء طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ».
قال أبو داود: «وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع».
(قلت: حديث صحيح، وكذا قال النووي، وقال الترمذي: «حسن»، وصححه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين).
إسناده: أخرجه من طرق ثلاث عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد ابن كعب عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال للشيخين؛ غير عبيد الله بن عبد الله هذا، وقد قيل في اسمه خمسة أقوال؛ هذا أحدها، وبقيتها تراجع في «نصب الراية» (١/ ١١٣)؛ وهو كما قال ابن القطان:
«لا يعرف له حال ولا عين». وقال الحافط في «التقريب»: إنه «مستور».
لكن الحديث صحيح ثابت؛ بما له من الطرق والشواهد كما يأتي.
والحديث أخرجه النسائي أيضًا، والترمذي والدارقطني والبيهقي، وأحمد
«وقال أبو أسامة مرة: عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج».
قلت: وهي رواية النسائي. وقال الترمذي:
«هذا حديث حسن. وقد جوّد أبو أسامة هذا الحديث؛ فلم يرو أحد حديث أبي سعيد في بئر بضاعة أحسن مما روى أبو أسامة. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي سعيد».
وكأنه من أجل هذه الطرق التي أشار إليها الترمذي حسّنه هو، وصححه أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين؛ كما في «التلخيص» (١/ ٩٠)، واحتج به ابن حزم (١/ ١٥٥). وقال النووي في «المجموع» (١/ ٨٢ و١١٣): إنه «حديث صحيح».
ومن طرق الحديث: ما أخرجه النسائي والطحاوي والبيهقي، وأحمد (٣/ ١٥)، وأبو يعلى في «مسنده» (ق ٨٣/ ١) عن عبد العزيز بن مسلم عن مُطَرِّف ابن طَرِيف عن خالد بن أبي نوف عن سَلِيط -وليس عند الطحاوي وأحمد: عن سَلِيط- عن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال:
مررت بالنبي ﷺ وهو يتوضأ من بئر بضاعة. فقلت: أتتوضأ … الحديث.
وخالد بن أبي نوف؛ قيل: إنه ابن كثير الهَمْدَاني؛ فإن كان كذلك فهو لا بأس به؛ وإلا فهو مقبول.
وشيخه سَلِيط -بفتح أوله- مقبول أيضًا.
وقد رواه عنه ابن إسحاق أيضًا، لكن خالف في الإسناد، كما ستراه في الكتاب بعد هذا.
كنا مع رسول الله ﷺ، فأتينا على غدير فيه جيفة، فتوضأ بعض القوم، وأمسك بعض القوم، حتى يجيء النّبيّ ﷺ، فجاء النّبيّ ﷺ في أخريات الناس؛ فقال:
«توضَّأوا واشربوا؛ فإن الماء لا ينجسه شيء». قال البيهقي:
«طريف: هو أبو سفيان، وليس بالقوي؛ إلا أني أخرجته شاهدًا لما تقدّم».
قلت: وهو عند الطحاوي من طريق شريك عنه … به عن جابر أو أبي سعيد … على الشك.
وهو عند ابن ماجة (١/ ١٨٦ – ١٨٧) عن جابر … بدون شك.
ولأبي سعيد عنده حديث آخر في الباب: رواه البيهقي وضعفه.
ومن شواهده: ما أخرجه الطحاوي، والبيهقي من طريق حاتم بن إسماعيل: ثنا محمد بن أبي يحيى عن أمه قالت:
دخلت على سهل بن سعد الساعدي في نسوة فقال: لو أني أسقيكم من بضاعة لكرهتم ذلك، وقد -والله- سقيت رسول الله ﷺ بيدي منها. وقال البيهقي: «وهذا إسناد حسن موصول»! وتعقبه ابن التركماتي بقوله:
«أم محمد بن أبي يحيى لم نعرف حالها ولا اسمها بعد الكشف التام».
قلت: وقد أوردها الذهبي في (فصل النسوة المجهولات)؛ فيمن لم تسم، وذكر أن لها رواية عن أم بلال. وقد سبق أن نقلنا عنه قوله:
ورواه الدارقطني (١٢) من هذا الوجه مختصرًا:
شرب رسول الله ﷺ من بئر بضاعة.
وله طريق أحسن من هذه، فقال ابن حزم (١/ ١٥٥): حدثنا حُمَامٌ قال: ثنا عباس بن أصبغ: ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن: ثنا محمد بن وضاح: ثنا أبو علي عبد الصمد بن أبي سكينة -وهو ثقة-: ثنا عبد العزيز بن أبي حازم أبو تمام عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي قال:
قالوا: يا رسول الله! إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وفيها ما ينجي الناس والمحايضُ والجِيَفُ؟ فقال رسول الله ﷺ:
«الماء لا ينجسه شيء».
احتج به ابن حزم. وأورده الحافظ في «التلخيص» (١/ ٩٠) فقال عقب الطريق الأولى:
«قال ابن القطان: وله طريق أحسن من هذه؛ قال قاسم بن أصبغ في»مصنفه«: ثنا محمد بن وضاح … به. وقال محمد بن عبد الملك بن أيمن في»مستخرجه على سنن أبي داود«: حدثنا محمد بن وضاح … به. قال ابن وضاح: لقيت ابن أبي سكينة بحلب … فذكره. وقال قاسم بن أصبغ: هذا من أحسن شيء في بئر بضاعة. وقال ابن حزم: عبد الصمد ثقة مشهور. قال القاسم: ويروى عن سهل بن سعد في بئر بضاعة من طرق هذا خيرها. قلت: ابن أبي سكينة الذي زعم ابن حزم أنه مشهور؛ قال ابن عبد البر وغير واحد: إنه مجهول، ولم تجد له راويًا إلا محمد بن وضاح»!
وتعقبه بعض الأفاضل من المعاصرين بأنه قد عرفه قاسم بن أصبغ وابن حزم،
«فدلت هذه الأسانيد على أن للحديث عن سهل أصلًا صحيحًا».
قلت: وحديث سهل هذا؛ عزاه الحافط (١/ ١٠٠) للدارقطني أيضًا، وسكت عليه، مع أن الراوي عن الفضيل: هو علي بن أحمد الجرجاني؛ تركه الحاكم، كما قال الذهبي، وأقره الحافط.
ثمّ ذكر له شاهدًا آخر من حديث عائشة بلفظ:
«إن االماء لا ينجسه شيء».
رواه الطبراني في «الأوسط»، وأبو يعلى والبزار، وأبو علي بن السكن في «صحيحه» من حديث شريك. وقال الهيثمي (١/ ٢١٤):
«ورجاله ثقات»!
قلت: وقد صح عن عائشة موقوفًا، كما سنذكره في الباب الآتي.
(تنبيه): جاء في بعض طرق الحديث زيادة في آخره:
«إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه»!
وهي زيادة ضعيفة لا تصح باتفاق المحدثين، كما قال النووي؛ وإن كان الإجماع على العمل بها.
ووهم ابن الرَّقعْة حيث عزا هذا الاستثناء إلى المصنف؛ فقال:
«ورواية أبي داود:»خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه شيء؛ إلا ما غير طعمه
«ووهم في ذلك؛ فليس هذا في»سنن أبي داود«أصلًا!».
٦٠ – عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ثمّ العدوي عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله ﷺ وهو يقال له:
إنه يُستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر يلقى فيها لحوم الكلاب والمحايض وعَذِر الناس؟ فقال رسول الله ﷺ:
«إن الماء طهور لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ».
(قلت: حديث صحيح).
قال أبو داود: «سمعت قتيبة بن سعيد قال: سألت قَيمَ بئر بُضاعة عن عمقها؟ قال: أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة. قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة».
قال أبو داود: «وقدّرت أنا بئر بُضَاعة بردائي؛ مددته عليها ثمّ ذرعته؛ فإذا عرضها ستة أذرع. وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه: هل غُيّر بناؤها عمّا كانت عليه؟ قال: لا. ورأيت فيها ماءً متغير اللون» (١).
إسناده: أخرجه من طريقين عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سَلِيط بن أيوب عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري.
فابن إسحاق قال: عنه عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن أبي سعيد.
وخالد قال: عنه عن ابن أبي سعيد عن أبي سعيد.
وقد سبقت هذه الرواية في الذي قبله مع بيان حال عبيد الله هذا، مع الإشارة إلى الاختلاف في اسمه.
وفي هاتين الروايتين عند المصنف نوعان من ذلك:
ففي الأولى: أنه عبيد الله بن عبد الله بن رافع.
وفي هذه: عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع، وإليها أشار المؤلف بقوله عقب الرواية السابقة: «قال أبو داود: وقال بعضهم: عبد الرحمن بن رافع»؛ يعني: في اسم أبي عبيد الله … ثم ساق هذه الرواية بيانًا لذلك.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وأخرجه الطحاوي والدارقطني، وأحمد (٣/ ٨٦) من طرق عن ابن إسحاق … به، وصرح ابن إسحاق بسماعه من سليط: عند الدارقطني.
ودلسه مرة؛ فرواه حماد بن سلمة عن ابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الرحمن ….. به.
ومرة أخرى قال: حدثني عبد الله بن أبي سلمة أن عبيد الله بن عبد الله بن رافع حدثه … به.
أخرجه الدارقطني (١٢)، وعلقه البيهقي.
وقد تابعه على ذلك الوليد بن كثير؛ إلا أنه خالفه في اسم تابعيه فقال: ثني عبد الله بن أبي سلمة أن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع حدثه … به.
أخرجه أحمد (٣/ ٨٦).
وعبد الله بن أبي سلمة هذا: هو الماجشون؛ وهو ثقة.
ولكن مدار الحديث على عبيد الله هذا؛ وهو مجهول، كما سبق؛ وهذا الاختلاف في اسمه يشعر بذلك.
لكن الحديث صحيح لطرقه وشواهده، وقد ذكرنا شيئًا منها فيما سلف؛ فراجعها إن شئت.
(تنبيه): الوليد بن كثير هذا؛ له شيخ آخر في هذا الحديث، قال في الاسم المختلف فيه: عبيد الله بن عبد الله بن رافع، راجع إسناد الحديث السابق؛ فقد اتفقت رواية شيخيه على أنه عبيد الله، واختلفا في اسم أبيه كما ترى، والله تعالى أعلم.
٣٥ – باب الماء لا يُجْنِبُ
٦١ – عن ابن عباس قال:
اغتسل بعضُ أزواج النّبيّ ﷺ في جَفْنَةٍ، فجاء النبي ﷺ لِيتوضأ منها أو يغتسل، فقالت له: يا رسول الله! إني كنت جنبًا؟ فقال رسول الله ﷺ:
(قلت: إسناده صحيح، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والحاكم ووافقه الذهبي والنووي وابن حجر).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو الأحوص: ثنا سِمَاك عن عكرمة عن ابن عباس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ وأبو الأحوص: هو سلام بن سُليم الحنفي الكوفي.
إلا أن سماكًا -وهو ابن حرب- وإن كان من رجال مسلم؛ فقد تُكُلِّم فيه من قبل حفظه؛ لا سيما في روايته عن عكرمة: فقالوا: إنه يضطرب فيها.
والذي يتلخص عندي فيه من مجموع كلامهم: أنه حسن الحديث في غير هذا الإسناد، صحيح الحديث برواية سفيان وشعبة عنه مطلقًا. وقد أطال في ترجمته في «الميزان» وقال هو: إنه «صدوق صالح من أوعية العلم». ثمّ نقل عن العجلي أنه قال فيه:
«جائز الحديث؛ كان الثوري يضعفه قليلًا». وقال ابن المديني:
«روايته عن عكرمة مضطربة، فسفيان وشعبة يجعلونها عن عكرمة، وأبو الأحوص وإسرائيل يجعلونها عن عكرمة عن ابن عباس». وفي «التهذيب»:
«قال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح وليس من المتثبتين. ومن سمع منه قديمًا مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم».
قلت: فإذا اتفق أبو الأحوص وسفيان في إسناد الحديث عنه عن عكرمة عن
والحديث أخرجه البيهقي (٢/ ١٨٩) من طريق المؤلف.
ثمّ أخرجه (٢/ ٢٦٧)، والترمذي -وقال: «حسن صحيح»-، وابن ماجة من طرق عن أبي الأحوص … به.
ثم أخرجه أيضًا (٢/ ١٨٨ و٢٦٧)، وكذا النسائي (١/ ٦٢)، وابن الجارود في «المنتقى» (٢٧/ ٤٨)، والحاكم (١/ ١٥٩)، وأحمد (١/ ٢٣٥ و٢٨٤ و٣٠٨) من طريق سفيان عن سماك … به؛ إلا أنه قال: «لا ينجس».
وكذلك رواه ابن حبان في «صحيحه» -كما في «نصب الراية» (١/ ٩٥) -.
وتابعه شعبة أيضًا عن سماك: عند الحاكم، والبزار (١/ ١٣٢ / ٢٩٠).
وشريك: عند الدارقطني (١٩)، وأحمد (٦/ ٣٠٠)، ووهم فيه شريك فقال: عن ابن عباس عن ميمونة زوج النّبي ﷺ قالت: أجنبت … الحديث؛ فجعله من مسندها! وإنما هو من مسند ابن عباس، كما رواه الجماعة. ثمّ قال الحاكم:
«قد احتج البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأحاديث سماك بن حرب، وهذا حديث صحيح في الطهارة، ولا يحفظ له علة»! ووافقه الذهبي! وقال الحافط في «الفتح» (١/ ٢٤٠):
«وقد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة؛ لأنه كان يقبل التلقين، لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم». ولذلك قال الحافط في مكان آخر (١/ ٢٧٣):
قلت: ومنهم الطحاوي في «شرح المعاني» (١/ ١٥) -عن سفيان-، والدارمي (١/ ١٨٧) -عنه وعن يزيد بن عطاء-.
وله شاهد موقوف: أخرجه أحمد (٦/ ١٧٢)، والبيهقي (٢/ ١٨٧) عن شعبة عن يزيد الرِّشك عن معاذة قالت:
سألت عائشة عن الغسل من الجنابة؟ فقالت: إن الماء لا ينجسه شيء، قد كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد، يبدأ فيغسل يديه.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
والحديث صححه النووي أيضًا (٢/ ١٩٠).
ورواه الطبراني في «الأوسط» (٢٠٩٣) من طريق آخر عن عائشة … مرفوعًا، وفيه شريك؛ وهو القاضي.
٣٦ – باب البول في الماء الراكد
٦٢ – عن محمد [هو ابن سيرين] عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «لا يبولَنّ أحدُكم في الماءِ الدائم، ثمّ يغتسلُ منه».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه، وكذا أبو عوانة في «صحاحهم» من طرق كثيرة عنه. وصححه الترمذي، وابن حبان (١٢٥١».
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة في حديث هشام عن محمد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه كما يأتي.
وأخرجه مسلم والطحاوي، وأحمد (٢/ ٣٦٢) من طرق عن هشام … به.
وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٧٦)، والنسائي (١/ ٢٠)، وأحمد أيضًا (٢/ ٢٦٥ و٤٩٢ و٥٢٩) من طرق أخرى عن محمد بن سيرين … به.
وله طرق أخرى كثيرة عن أبي هريرة:
فأخرجه البخاري، والطحاوي -عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج- ومسلم وأبو عوانة والترمذي -وصححه- وأحمد (٢/ ٣١٦) -عن همام بن منبه-، ومسلم أيضًا وأبو عوانة، وابن ماجة (٦٠٥)، والطحاوي -عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة-، والنسائي (١/ ٤٦)، والطحاوي، وأحمد (٢/ ٣٩٤ و٤٦٤) -عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه- كلهم عن أبي هريرة … به.
وله عند الطحاوي، وأحمد (٢/ ٢٥٩ – ٢٨٨ – ٣٤٦ – ٥٣٢) طرق أخرى غير هذه عن أبي هريرة. ولفط همام عند الترمذي:
«ثمّ يتوضأ منه» مكان: «ثمّ يغتسل منه».
وهو لفظ حديث ابن سيرين: عند أبي عوانة، وكذا النسائي وأحمد في رواية.
٦٣ – عن محمد بن عَجْلان قال: سمعت أبي يحدّث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا يولَنّ أحدُكم في الماء الدائمِ، ولا يغتسل فيه من الجنابة».
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن محمد بن عجلان قال: سمعت أبي يحدث.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح»؛ إلا أن مسلمًا روى لابن عجلان متابعة.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ٤٣٣): ثنا يحيى … به.
وقد تابعه أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان … به دون الجملة الأخرى: أخرجه ابن ماجة (١/ ١٤٣).
وخالفهما حيوة بن شُرَيْحٍ فقال: سمعت ابن عجلان يحدث عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة: أخرجه الطحاوي من طريق أبي زرعة وهب الله بن راشد عنه.
وأبو زرعة هذا؛ فيه ضعف، فلا يحتج به.
لكن رواه البيهقي (١/ ٢٣٨) من طريق أخرى عن ابن عجلان … به.
فالظاهر أن لابن عجلان فيه شيخين.
وللحديث عن أبي هريرة طرق كثيرة بالشطر الأول فقط؛ وقد سبق ذكر أكثرها.
أما الشطر الآخر؛ فقد رواه أبو السائب -مولى هشام بن زهرة- عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:
«لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب»؛ فقال: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ !
أخرجه مسلم وغيره ممن قرن فيه فيما سبق.
وأخرجه ابن ماجة (١/ ٢١٠)، والدارقطني أيضًا (١٩)، وقال: «إسناد صحيح».
فهذا شاهد قوي لحديث ابن عجلان.
وقد رواه بنحوه إدريس بن يحيى قال: ثنا عبد الله بن عياش عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا: أخرجه الطحاوي.
وإدريس هذا: هو الخولاني؛ قال أبو زرعة:
«صالح، من أفاضل المسلمين؛ صدوق».
رواه عنه إبراهيم بن منقذ العُصْفُريُّ؛ قال ابن يونس:
«ثقة»؛ كما في «كشف الأستار» للسِّندهي.
فالإسناد صحيح.
٣٧ – باب الوضوء بسؤر الكلب
٦٤ – في حديث هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
«طُهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب: أن يُغسل سبع مرات، أولاهن بتراب».
قال أبو داود: «وكذلك قال أيوب وحبيب بن الشهيد عن محمد».
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زائدة في حديث هشام.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما. وقد أخرجاه كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٠٧) من طريق معاوية بن عمرو قال: ثنا زائدة عن هشام بن حسان … به.
ثمّ أخرجه هو ومسلم، وأحمد (٢/ ٢٦٥ و٤٢٧ و٥٠٨) من طرق عن هشام … به، وليس عند أحمد -في رواية- قوله: «أولاهنّ بالتراب».
والرواية الأخرى له؛ أخرجها البيهقي عنه (١/ ٢٤١).
وأما رواية أيوب التي أشار إليها المؤلف؛ فأخرجها أبو عوانة والطحاوي والبيهقي وأحمد (٢/ ٢٨٩) من طرق عنه … به.
وتابعه الأوزاعي: عند البيهقي والدارقطني؛ وقال:
«الأوزاعي دخل على ابن سيرين في مرضه، ولم يسمع منه».
وأما رواية ابن الشهيد؛ فلم أقف عليها الآن.
٦٥ – عن المعتمر بن سليمان وحماد بن زيد جميعًا عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة … بمعناه، لم يرفعاه، زاد: وإذا ولغ الهِرّ غُسل مرة.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما؛ وهو موقوف. وقد وردد مرفوعًا بإسناد على شرطهما أيضًا. وصححه الترمذي والدارقطني والحاكم والذهبي وكذا الطحاوي).
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وهو موقوف؛ لكن صح رفعه عن أيوب من طرق، كما ذكرنا آنفًا؛ فهو أولى.
بل صح رفعه عن المعتمر بن سليمان نفسه؛ فقال الترمذي (١/ ١٥١):
حدثنا سَوَّار بن عبد الله العنبري: حدثنا المعتمر بن سليمان … به مرفوعًا؛ وفيه الزيادة، وقال:
«حديث حسن صحيح».
وسوار هذا ثقة، غلظ من تكلم فيه، كما في «التقريب».
وقد تابعه المُقَدَّمي -وهو محمد بن أبي بكر الثقفي البصري-: أخرجه الطحاوي.
وقد تابعه على هذه الزيادة مرفوعًا: قرة بن خالد قال: ثنا محمد بن سيرين … به؛ إلا أنه قال:
«والهرة مرة أو مرتين». أخرجه الحاكم (١/ ١٦٠ – ١٦١) -وقال: «صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي-، والدارقطني (٢٤)، وقال:
«قرة يشك. هذا صحيح».
واحتج به ابن حزم في «المحلّى» (١/ ١١٧)؛ فهو منه تصحيح له.
وأخرجه الطحاوي (١/ ١١)، وقال: إنه
وأعل هذه الزيادة: المنذري في «مختصره» (رقم ٦٥) بقوله:
«وقال البيهقي: أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النّبيّ ﷺ، ووهموا فيه، والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع، وفي ولوغ الهرة موقوف»! وفي «نصب الراية» (١/ ١٣٦):
«قال في»التنقيح«: وعلة الحديث: أن مسددًا رواه عن معتمر … فوقفه: رواه عنه أبو داود. قال في»الإمام«: والذي تلخص أنه مختلف في رفعه. واعتمد الترمذي في تصحيحه على عدالة الرجال عنده، ولم يلتفت لوقف من وقفه. والله أعلم». قال العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على «الترمذي» -بعد أن نقل هذا الكلام-:
«وهذا الذي قال العلامة ابن دقيق العيد في»الإمام«صحيح جيد، وأزيد عليه: أن مسددًا روى الحديث كله موقوفًا في ولوغ الكلب وفي ولوغ الهر. فلو كان هذا علة؛ لكان علة في الحديث كله، ولكنه ليس علة ولا شبيهًا بها؛ بل الرفع من باب زيادة الثقة، وهي مقبولة. فما صنعه الترمذي من تصحيح الحديث: هو الصواب».
٦٦ – عن قتادة أن محمد بن سيرين حدثه عن أبي هريرة: أن نبي الله ﷺ قال:
«إذا ولغ الكلب في الإناء؛ فاغسلوه سبع مرات، السابعة بالتراب».
فرواه مرة هكذا: عند الطحاوي.
ومرة قال: «والهرّة مثل ذلك»؛ بدل: «مرّة أو مرتين»: أخرجه الحاكم -وصححه-! وهو شاذ مخالف لرواية الجماعة.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما، وصححه الدارقطني، لكن قوله: «السابعة بالتراب» شاذ، والأرجح -كما قال الحافظ- الرواية الأولى: «أولاهن بالتراب»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا أبان: ثنا قتادة.
وهذا سند صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من حديث قتادة؛ وإنما أخرجه مسلم من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين بلفظ:
«أولاهن بالتراب»؛ وقتادة يقول عنه -كما ترى-:
«السابعة بالتراب»!
فقد اختلفا عليه؛ والأصح الرواية الأولى؛ لمتابعة أيوب والأوزاعي لهشام عليها
ثمّ إن حديث أبي صالح وأبي رزين: عند مسلم وأبي عوانة، وأحمد (٢/ ٢٥٣ و٤٨٠) عنهما معًا.
وعند ابن ماجة، وكذا أحمد (٢/ ٤٢٤) عن أبي رزين وحده.
وحديث الأعرج: في «الصحيحين».
وثابت الأحنف: في «المسند» (٢/ ٢٧١)، وهو على شرطهما.
وهمام: عند مسلم وأبي عوانة، وأحمد (٢/ ٣١٤).
وله عنده طريقان آخران (٢/ ٣٦٠ و٣٩٨ و٤٨٢).
الأول: أن قتادة نفسه قد اختلف عليه فيها؛ فقد قيل عنه: «الأولى بالتراب».
والآخر: أن قتادة روى ذلك بإسناد آخر عن أبي هريرة، ويأتي ذلك كله.
وهذا يقتضي ترجيح رواية: «أولاهن»؛ لموافقته للجماعة؛ كما قال العراقي في «التثريب» (٢/ ١٣٠). وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٢١):
«ورواية:»أولاهن«أرجح؛ من حيث الأكثرية والأحفظية، ومن حيث المعنى أيضًا؛ لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه، وقد نص الشافعي في (حرملة) على أنّ الأُولى أوْلى. والله أعلم».
والحديث أخرجه الدارقطني (٢٤) بهذا الإسناد، ثمّ قال:
«وهذا صحيح».
ثمّ أخرجه من طريق الحكم بن عبد الملك عن قتادة … بإسناده مثله.
ثمّ أخرجه من طريق سعيد بن بشير عن قتادة … بإسناده نحوه؛ إلا أنه قال: «الأولى بالتراب». ثمّ قال الدارقطني: «هذا صحيح».
وأخرجه الطحاوي (١/ ١٢) من طريق عبد الوهاب بن عطاء قال:
سئل سعيد عن الكلب يلغ في الإناء؟ فأخبرنا عن قتادة عن ابن سيرين … به مثله؛ غير أنه قال: «أولاها -أو السابعة- بالتراب»، شك سعيد.
قلت: وسعيد هذا؛ ليس هو ابن بشير؛ بل هو ابن أبي عروبة؛ فقد عُرف
وقد أخرجه النسائي (١/ ٦٣) من طريق عبدة بن سليمان عن ابن أبي عروبة عن قتادة … به وقال:
«أولاهنّ بالتراب» بدون شك.
فظهر من هذه الرواية أن قتادة كان يضطرب في هذه اللفظة على ثلاثة وجوه عنه: إحداها على الجادة الوافقة لرواية الجماعة؛ فالزمها.
ولقتادة فيه إسنادان آخران عن أبي هريرة … به على الصواب:
الأولى: أخرجه النسائي والدارقطني: عنه عن خِلَاس عن أبي رافع … به.
والآخر: أخرجه الدارقطني: عنه عن الحسن … به.
كلاهما عن أبي هريرة مرفوعًا.
وإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين.
٦٧ – عن [عبد الله] ابن مُغَفَّل:
أنّ رسول الله ﷺ أمر بقتل الكلاب، ثمّ قال:
«ما لهم ولها؟ !»؛ فرخّص في كلب الصيد وفي كلب الغنم، وقال: «إذا ولغ الكلب في الإناء؛ فاغسلوه سبع مِرَارٍ، والثامنة عفِّروه بالتراب».
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما. وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما» وقال ابن منده: إنه مجمع على صحته).
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم كما يأتي.
وأخرجه أبو عوانة من طريق المؤلف.
وهو في «المسند» (٤/ ٨٦) بهذا السند.
والحديث أخرجه مسلم وأبو عوانة والنسائي والدارمي وابن ماجة والطحاوي والدارقطني والبيهقي، وأحمد أيضًا (٥/ ٥٦) من طرق عن شعبة … به. قال ابن التركماني:
«وأخرجه ابن منده من طريق شعبة وقال: إسناد مجمع على صحته».
(تنبيه): في هذا الحديث زيادة غسلة على حديث أبي هريرة الذي قبله؛ فينبغي الأخذ بالزائد من الحديث -كما هي القاعدة-. وقد ثبت القول بذلك عن الحسن البصري، وبه قال أحمد.
وحاول بعضهم الجمع بين الحديثين بما فيه تكلف طاهر! ولذلك رده بعض المحققين؛ وتجد شرح ذلك في «الفتح» (١/ ٢٢٢ – ٢٢٣).
٣٨ – باب سؤر الهرة
٦٨ – عن كَبْشةَ بنت كعب بن مالك -وكانت تحت ابن أبي قتادة-:
أنّ أبا قتادة دخل، فسكبت له وَضُوءًا، فجاءتْ هِرّةٌ فشرِبتْ منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت. قالت كبشة: فرآني أنظر إِليه. فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ ! فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله ﷺ قال:
(قلت: إسناده حسن صحيح، وصححه الترمذي والبخاري والدارقطني والعقيلي وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي والحاكم ووافقه الذهبي والنووي).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عن حُميدة بنت عبيد بن رقاعة عن كبشة بنت كعب بن مالك.
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حميدة هذه، وقد ذكرها ابن حبان في «الثقات»، وقد أشار إلى توثيقها من صحح حديثها هذا، كما يأتي ذكرهم، وهما زوجة إسحاق بن عبد الله هذا؛ وقد روى عنها ابنها يحيى أيضًا.
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٤٥ – ٤٦).
وأخرجه بقية أصحاب «السنن الأربعة»، وكذا الدارمي والطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي، وأحمد (٥/ ٣٠٣ و٣٠٩) كلهم عن مالك … به. وقال الترمذي:
«حديث حسن صحيح». قال:
«وقد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، ولم يأت به أحد أتم من مالك». وقال الحاكم:
«حديث صحيح، وهو مما صححه مالك، واحتج به في»الموطأ«…»، ووافقه الذهبي.
وصححه أيضًا النووي في «المجموع» (١/ ١٧١)، ثمّ نقل عن البيهقي أنه قال: «إسناده صحيح»!
ولم أجد هذا صريحًا في «سننه الكبرى».
«قال الشيخ تقي الدين في»الإمام«: ورواه ابن خزيمة وابن منده في»صحيحيهما«؛ لكن ابن منده قال: وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث، ومحلهما محل الجهالة، ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه. قال الشيخ: وإذا لم يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث؛ فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتها؛ مع شهرته بالتثبت».
قلت: وأيضًا؛ فإن حميدة قد وثقها ابن حبان كما سبق؛ وهو وإن كان معروفًا بالتساهل في التوثيق؛ غير أنه قد أيده في ذلك تصحيح من صحح الحديث من الأئمة الفحول، كالبخاري وغيره ممن سبق ذكرهم.
وأما كبشة فقد قال ابن حبان:
«لها صحبة»؛ وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى؛ كما في «تهذيب التهذيب».
ثمّ إن للحديث طرقًا وشاهدًا من طرق، لا يبقى معها مجال للشك في صحة الحديث.
فمن طرقه: ما قاله الشافعي في «المسند» (ص ٣) -بعدما ساق الحديث من طريق مالك-: أنبأنا الثقة عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن النبيّ ﷺ … مثله أو مثل معناه.
والثقة هذا الذي لم يسم: هو همام بن يحيى أبو بكر البصري؛ وهو ثقة، كما قال الشافعي؛ احتج به الشيخان: أخرجه البيهقي (١/ ٢٤٦) من طريق عفان عن همام: ثنا يحيى بن أبي كثير. .. به.
وهذا إسناد صحيح على شرطهما؛ إذا كان يحيى سمعه من عبد الله بن أبي قتادة.
«السّنَّوْرُ من أهل البيت، وإنه من الطّوّافين أو الطّوّافات عليكم».
أخرجه أحمد (٥/ ٣٠٩).
قلت: ورجاله ثقات؛ إلا أن الحجاج -وهو أبن أرطاة- مدلس.
ومنها: ما عند الطحاوي من طريق قيس بن الربيع عن كعب بن عبد الرحمن عن جده أبي قتادة قال:
رأيته يتوضأ، فجاء الهر فأصغى له حتى شرب من الإناء، فقلت: يا أبتاه! لم تفعل هذا؟ ! فقال: كان النّبيّ ﷺ يفعله أو قال: «هي من الطّوّافين عليكم».
ورجاله موثقون؛ غير كعب هذا فلم أجد من ذكره (١).
وله عند البيهقي طريقان آخران أحدهما موقوف، ثمّ قال:
«وكل ذلك شاهد لصحة رواية مالك».
وأما الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه؛ فهو:
٦٩ – عن داود بن صالح بن دينار التَّمَّار عن أمه:
أنّ مولاتها أرسلتْها بهرِيسةٍ إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، فوجدتْها تصلّي، فأشارت إليَّ: أن ضعيها، فجاءت هرة فأكلتْ منها، فلما انصرفت؛ أكلت من حيث أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله ﷺ قال:
فالإسناد حسن؛ إن شاء الله تعالى.
(قلت: حديث صحيح، وقد صحح بعضه ابن خزيمة والحاكم ووافقه الذهبي والحافظ).
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة: ثنا عبد العزيز عن داود بن صالح بن دينار التمار.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير أم داود بن صالح؛ أوردها الذهبي في «فصل من لم تسم من فصل النسوة المجهولات».
وقد أغفلها الحافظ في «تهذيب التهذيب»، وفي «التقريب»، والخزرجي في «الخلاصة»، فلم يوردوها في (الكنى)، ولا أعلم اسمها!
لكن الحديث صحيح بشاهده الذي قبله، وبطرقه الآتية.
والحديث أخرجه الدارقطني، والبيهقي من طريقين آخرين عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي … به، وقال الدارقطني:
«رفعه الدراوردي عن داود بن صالح. ورواه عنه هشام بن عروة موقوفًا على عائشة».
قلت: لكن قد جاء عنها مرفوعًا من طرق أخرى؛ مما يدل على أن الحديث مرفوع في الأصل، قصر به بعض الرواة فوقفه:
فمن طرقه: ما أخرجه ابن ماجة والدارقطني والطحاوي عن حارثة بن أبي الرِّجال عن عمرة عن عائشة قالت:
وحارثة هذا ضعيف.
ومنها: ما عند ابن خزيمة (١٠٣)، والدارقطني والبيهقي وكذا الحاكم من طريق سليمان بن مسافع بن شيبة الحَجَبِيِّ قال: سمعت منصور ابن صفية بنت شيبة يحدث عن أمه صفية عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال في الهرة:
«إنها ليست بنجَس؛ هي كبعض أهل البيت». وقال الحاكم: إنه «شاهد بإسناد صحيح لحديث أبي قتادة السابق»!
ووافقه الذهبي؛ مع أنه قال في ترجمة مسافع هذا في «الميزان»:
«لا يعرف؛ وأتى بخبر منكر»!
ورد عليه الحافظ في «اللسان»؛ فقال بعد أن ساق الحديث:
«وأخرجه ابن خزيمة في»صحيحه«؛ وليس فيه نكارة، كما زعم المصنف».
ومنها: ما عند الطحاوي من طريق خالد بن عمرو الخُرَاساني قال: ثنا صالح ابن حيان قال: ثنا عروة بن الزبير عن عائشة:
أن رسول الله ﷺ كان يُصْغِي الإناء للهر، ويتوضأ بفضله.
وله طريق أخرى عن عروة: عند الدارقطني؛ وكلاهما ضعيف.
وهذه الطرق وإن كان لا يخلو كل منها على انفرادها من مقال؛ فمجموعها مما يقوي الحديث، ولا سيما أن شاهده قوي؛ كما سبق بيانه. والله أعلم.
٧٠ – عن عائشة قالت:
كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ من إناء واحد، ونحن جنبان.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه هو ومسلم وأبو عوانة في «صحاحهم»، وله عندهم طرق كثيرة عنها).
إسناده: ثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري؛ ولم يخرجه بهذا الإسناد.
والحديث أخرجه أحمد (٦/ ١٩١) أيضًا قال: ثنا يحيى … به.
ثمّ أخرجه هو (٦/ ١٨٩ – ٢١٠)، والطحاوي (١/ ١٥) من طرق عن سفيان … به.
وهو عند النسائي (١/ ٤٧) من طريق يحيى عن سفيان.
وتابعه عنده عَبِيدة بن حُمَيد عن منصور … نحوه.
وأخرجه الشيخان، وأبو عوانة في «صحيحه»، وبقية أصحاب «السنن الأربعة» والدارمي والدارقطني والطحاوي أيضًا، والبيهقي، وأحمد (٦/ ٣٠ و٣٧ و٤٣ و٦٤ و٩١ و١٠٣ و١١٨ و١٢٣ و١٢٧ و١٢٩ و١٥٣ و١٥٧ و١٦١ و١٦٨ و١٧٠ و١٧١ و١٧٢ و١٧٣ و١٩٢ و١٩٣ و١٩٩ و٢٣٠ و٢٣١ و٢٣٥ و٢٥٥ و٢٦٥ و٢٨١)، وكذا الطيالسي (رقم ١٤١٦ و١٤٢١ و١٤٣٨ و١٥٧٣) من طرق كثيرة عن عائشة رضي الله عنها … به.
(فائدة): في سبب رواية عائشة رضي الله عنها للحديث؛ قال الحافظ في
«واستدل به الداودي على جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته وعكسه، ويؤيده ما رواه ابن حبان من طريق سليمان بن موسى: أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته؟ فقال: سألت عطاءً؟ فقال: سألت عائشة؟ … فذكرت هذا الحديث بمعناه. وهو نص في المسألة».
قلت: ويؤيد ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:
«احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك …» الحديث.
وإسناده ثابت، كما سيأتي في الكتاب (رقم …) [كتاب الحمام / ما جاء في التعري].
ثمّ إن النظر يشهد لذلك عند من تأمل، ولا يتسع المقام لتوضيحه وبيانه.
وأما ما أخرجه الخطيب في «تاريخه» (١/ ٢٢٥)، وكذا الطبراني في «معجمه الصغير» (ص ٢٧)، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (٨/ ٢٤٧) عن عائشة أيضًا قالت:
ما رأيت عورة رسول الله ﷺ قط.
فقال الطبراني: «تفرد به بركة بن محمد».
وهو لا بركة فيه؛ فإنه وضاع كذاب، وهذا الحديث من أباطيله؛ كما قال الحافط في «اللسان».
٧١ – عن أم صُبَيَّةَ الجُهَنِيَّة قالت:
اختلفتْ يدي ويدُ رسول الله ﷺ في الوضوء من إناءٍ واحد.
(قلت: إسناده حسن صحيح، وحسنه الحافظ العراقي).
وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، وفي أسامة بن زيد -وهو الليثي- كلام لا يضر ولا ينزل حديثه من رتبة الحسن؛ على أنه لم يتفرد به، كما يأتي، فالحديث صحيح.
وابن خرّبوذ -بفتح الخاء المعجمة، وشدة الراء المهملة مفتوحة، وضم الموحدة، وسكون الواو، ثمّ الذال المعجمة-؛ اسمه: سالم بن سَرْج أبو النعمان، وبعض الرواة يقول فيه: سالم بن النعمان؛ وقد وثقه ابن معين وغيره.
والحديث أخرجه ابن ماجة والطحاوي والبيهقي من طرق أخرى عن أسامة ابن زيد … به.
وكذلك أخرجه أحمد (٦/ ٣٦٧).
ثمّ أخرجه هو، والبخاري في «الأدب المفرد» (ص ١٥٣) -من طريق خارجة ابن الحارث بن رافع بن مَكِيث الجُهَني-، والدارقطني (ص ٢٠) -عن خارجة بن عبد الله؛ قال الأول: عن سالم بن سرج، وقال الأخر: نا سالم أبو النعمان- … به.
وخارجة بن الحارث هذا ثقة اتفافًا.
وأما خارجة بن عبد الله -وهو ابن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري-؛
فمختلف فيه.
قال ابن ماجة: سمعت محمدًا يقول: أم صُبية: هي خولة بنت قيس.
فذكرت لأبي زرعة؟ فقال: صدق.
والحديث حسنه العراقي في «التثريب» (٢/ ٣٩).
٧٢ – عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال:
كان الرجال والنساء يتوضَّأُون في زمان رسول الله ﷺ (زاد في رواية عن نافع: من الإناء الواحد) جميعًا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه بدون الزيادة؛ وهي على شرط البخاري).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا حماد عن أيوب عن نافع. (ح)، وثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك.
قال مسدد: من الإناء الواحد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ إلا الزيادة -زيادة مسدد-؛ فعلى شرط البخاري؛ وقد أخرجه بدونها كما يأتي.
والحديث في «الموطأ» (١/ ٤٦ – ٤٧) بهذا السند.
والحديث أخرجه البخاري والنسائي وابن ماجة وكذا الإمام محمد في «موطئه» (ص ٦٠)، والبيهقي، وأحمد (٢/ ١١٣) كلهم عن مالك … به، وزاد فيه ابن ماجة الزيادة التي عند مسدد عن حماد عن أيوب.
وقد أخرجها أحمد أيضًا (٢/ ٤) من طريق إسماعيل: أنا أيوب … به.
وهي عند عبيد الله عن نافع، كما في الرواية الآتية:
كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله ﷺ من إناء واحد؛ نُدْلي فيه أيدينا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن عبيد الله.
وهذا سند صحيح على شرط البخاري؛ ولم يخرجه من هذا الوجه بهذا اللفط.
والحديث أخرجه أحمد (٢/ ١٠٣ و١٤٣) من طريق محمد بن عبيد وابن نمير كلاهما عن عبيد الله … به دون قوله:
ندلي فيه أيدينا، لكن معناه عند ابن نمير بلفظ:
ويشرعون فيه جميعًا.
وهو على شرط الشيخين.
ثم رأيته في «المستدرك» (١/ ١٦٢) من طريق أبي خالد عن عبيد الله … به نحوه؛ دون الزيادة.
وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي.
٤٠ – باب النهي عن ذلك
٧٤ – عن حُميد الحِمْيَرِيِّ قال:
لقيت رجلًا صحب النبي ﷺ أربع سنين -كما صحبه أبو هريرة- قال:
نهى رسول الله ﷺ أن تغتسل المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل
(قلت: إسناده صحيح، كما قال الحافظ، وهو تمام الحديث (رقم ٢٢)، وذكرنا هناك من صححه).
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير عن داود بن عبد الله. (ح) وحدثنا مسدد: ثنا أبو عَوانة عن داود بن عبد الله عن حُميد الحِمْيري- زاد مسدد: «وليغترفا جميعًا»-.
وهذا سند صحيح، كما قال الحافظ في «بلوغ المرام»، وهو تمام الحديث المتقدم (برقم ٢٢)، وقد خرجناه هناك، فراجعه.
وهذا القدر؛ أخرجه الطحاوي أيضًا (١/ ١٤) عن مسدد.
وتابعه قتيبة -عند النسائي-، وسُرَيْج -عند أحمد (٥/ ٣٦٩) – بالزيادة؛ فلم يتفرد بها؛ فلو قال المؤلف:
(زاد أبو عوانة)؛ لكان أقرب إلى الصواب!
٧٥ – عن الحكم بن عمرو -وهو الأقرع-:
أنّ النبي ﷺ نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طَهور المرأة.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه ابن حبان، وحسنه الترمذي).
إسناده: حدثنا ابن بشار: ثنا أبو داود -يعني: الطيالسي-: ثنا شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أبي حاجب -واسمه
والحديث رواه البيهقي (١/ ١٩١) من طريق المؤلف.
وهو في «مسند الطيالسي» -رواية يونس بن حبيب عنه- برقم (١٢٥٢)، لكن ليس في روايته تسمية الحكم بن عمرو؛ بل فيه: سمعت أبا حاجب يحدث عن رجل من أصحاب النبيّ ﷺ … ثمّ قال يونس: هكذا حدثنا أبو داود! قال عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن عاصم عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو.
قلت: ورواه البيهقي عن يونس … به كما في «المسند».
وخالفه جمع من الثقات؛ فرووه كما رواه المصنف عن ابن يشار.
وكذلك رواه الترمذي، وابن ماجة عن محمد بن بشار، وكذا البيهقي.
ثمّ أخرجه النسائي (١/ ٦٤)، والترمذي أيضًا، وأحمد (٥/ ٦٦) من طرق عن أبي داود … به.
فلعل أبا داود الطيالسي كان أحيانًا يصرح باسم الصحابي، وأحيانًا يبهمه.
ثمّ أخرجه أحمد (٤/ ٢١٣)، والطحاوي (١٤)، والبيهقي من طرق أخرى عن شعبة … به مصرحًا باسم الصحابي.
وتابعه -عن عاصم-: قيس بن الربيع: عند الطحاوي.
وتابع عاصمًا -عن أبي حاجب-: سليمان التيمي؛ إلا أنه لم يُسَمِّ الصحابي؛ بل قال: عن رجل من أصحاب النبيّ ﷺ من بني غفار:
أخرجه البيهقي، والترمذي، وقال:
وأما البيهقي؛ فيظهر أنه حاول إعلاله بما رواه عن البخاري أنه قال: «سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي؛ يعد في البصريين؛ ويقال: الغفاري، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو».
وصرح الترمذي في «العلل» عن البخاري أنه قال عن هذا الحديث: «ليس بصحيح»!
قلت: وهذا من الإمام جرح مبهم؛ فلا يقبل، ولعل سوادة لم تثبت عنده عدالته، أو لقاؤه للحكم؛ فقد ثبت ذلك عند غيره كما سبق؛ وإنما يشترط التصريح باللقاء عند الجمهور من المدلس فقط؛ خلافًا البخاري، كما مضى.
ثم روى البيهقي الحديث من طرق أخرى عن سوادة العنزي عن الحكم … موقوفًا عليه.
وهذا ليس بعلة؛ فقد رفعه عنه ثقتان، وهي زيادة يجب قبولها ولا يجوز هدرها.
ولذلك لم يلتفت الحافظ إلى تضعيف الحديث، بل رد على من فعل ذلك، فقال في «الفتح» (١/ ٢٤٠):
«أما حديث الحكم بن عمرو؛ فأخرجه أصحاب»السنن«، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، وأغرب النووي فقال: اتفق الحفاظ على تضعيفه».
(فائدة): قد روى عاصم هذا الحديث عن عبد الله بن سَرْجِس أيضًا: أخرجه ابن ماجة والطحاوي، والدارقطني (ص ٤٣)، والبيهقي من طريق عبد العزيز بن المختار عن عاصم الأحول … به بزيادة؛ ولفظه:
وإسناده صحيح على شرطهما؛ وليس عند البيهقي الشطر الثاني منه.
وكذلك رواه ابن حزم (١/ ٢١٢)، وجعل ذلك حجة في النهي عن استعمال الرجل فضل المرأة لا العكس!
وهذه الروايات ترد عليه؛ لكن عذره أنه لم يقف عليها.
وقد أعِل حديث عاصم هذا بما أُعِل به سابقه؛ وهو أن شعبة رواه عن عاصم … موقوفًا. وقال الدارقطني -وتبعه البيهقي-: إنه «أولى بالصواب»!
والجواب ما سبق.
٤١ – باب الوضوء بماء البحر
٧٦ – عن مالك عن صفوان بن سُلَيْمٍ عن سعيد بن سَلَمة -من آل ابن الأزرق- أن المغيرة بن أبي بُرْدة -وهو من بني عبد الدار- أخبره: أنه سمع أبا هريرة يقول:
سأل رجل النّبيّ ﷺ، فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا؛ أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله ﷺ:
«هو الطَّهورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتته».
إسناده: حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك.
وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير سعيد بن سلمة وشيخه المغيرة بن أبي بردة؛ وهما ثقتان؛ وثقهما النسائي وابن حبان. وقال الآجري عن المؤلف:
«المغيرة بن أبي بردة معروف».
والحديث في «موطأ مالك» (١/ ٤٤ – ٤٥) بإسناده هذا.
وعنه: أخرجه محمد في «موطئه» (ص ٦٧)، وبقية أصحاب «السنن الأربعة»، والدارمي والدارقطني والحاكم والبيهقي، وأحمد (٢/ ٢٣٧ و٣٩٣). وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
وصححه الحاكم، وروى له متابعات لمالك عن صفوان.
وتابعه -عن المغيرة بن أبي بردة-: الجلاح أبو كثير: أخرجه أحمد (٢/ ٣٧٨)، والحاكم، وزاد هو والبيهقي في أوله:
«فاغتسلوا». وقال:
«وقد احتج مسلم بالجلاح أبي كثير». وفي «التلخيص» (١/ ٨٤):
«وصححه البخاري فيما حكاه الترمذي، وتعقبه ابن عبد البر بأنه لو كان صحيحًا عنده؛ لأخرجه في»صحيحه”! وهذا مردود؛ لأنه لم يلتزم الاستيعاب.
«وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن المنذر والخظابي والطحاوي وابن منده والحاكم وابن حزم والبيهقي وعبد الحق وآخرون».
قلت: ابن حزم قد صرح بضعفه في «المحلّى» فقال (١/ ٢٢١):
«الخبر:»هو الطهور ماؤه، الحل ميتته«لا يصح؛ ولذلك لم نحتج به»!
فلعله صح عنده بعد ذلك؛ فأورده في بعض كتبه الأخرى؛ وإلا فهو من أوهام الحافظ رحمه الله تعالى!
وقال النووي في «المجموع» (١/ ٨٢):
«هو حديث صحيح».
وله طرق وشواهد كثيرة، يطول الكلام بإيرادها والتكلم على أسانيدها، فراجعها في «التلخيص»، و«نصب الراية».
ومنها: حديث جابر: عند أحمد (٣/ ٣٧٣)، وعنه ابن ماجة (٣٨٨)، وابن حبان (١٢٠).
وسنده جيد.
٤٢ – ومن «باب الوضوء بالنبيذ»
٧٧ – عن علقمة قال: قلت لعبد الله بن مسعود:
من كان منكم مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ فقال:
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في «صحيحه». وصححه الترمذي والدارقطني والطحاوي).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا وُهَيْب عن داود عن عامر عن علقمة.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ وقد أخرجه كما يأتي.
والحديث أخرجه الطيالسي في «مسنده» (رقم ٢٨١) قال: حدثنا وهيب بن خالد ويزيد بن زُرَيْع عن داود بن أبي هند … به أتم منه، ولفظه: قال:
قلت لابن مسعود: إن الناس يتحدثون أنك كنت مع رسول الله ﷺ ليلة الجن؟ فقال: ما صحبه منا أحد، ولكنا فقدناه بمكة فطلبناه في الشعاب وفي الأودية؛ فقلنا: اغتيل، استطير! ! فبتنا بشر ليلة بات فيها قوم! فلما أصبحنا رأيناه مقبلًا فقلنا: يا رسول الله بتنا الليلة بشر ليلة بات فيها قوم، فقدناك؟ ! فقال:
«إنه أتاني داعي الجن، فانطلقت أُقْرِئُهم القرآن». فانطلق بنا؛ فأرانا بيوتهم ونيرانهم، وسألوه الزاد فقال:
«كل عظم لم (١) يذكر عليه اسم الله؛ يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم». فنهى رسول الله ﷺ أن يستنجى بهما وقال:
«هما زاد إخوانكم من الجن».
وأخرجه مسلم (٢/ ٣٦)، والترمذي (٢/ ٢١٩ طبع بولاق) -وقال: «حديث حسن صحيح»- والطحاوي (١/ ٥٧) -وصححه- والدارقطني (٢٨) والبيهقي
وتابعه أبو معشر -وهو زياد بن كُلَيْبِ- عن إبراهيم عن علقمة … به مختصرًا بلفظ:
لم أكن ليلة الجن مع رسول الله ﷺ، ووددت أني كنت معه.
أخرجه مسلم والطحاوي والبيهقي. ثمّ قال الدارقطني:
«هذا الصحيح عن ابن مسعود».
(تنبيه): قد يقول قائل: ما وجه المناسبة بين الباب والحديث؛ وليس فيه ما ترجم له المصنف؟ !
والجواب: أنه إنما أورده هنا؛ ليشير به إلى ضعف حديث آخر لابن مسعود ساقه قبيل حديثه هذا؛ ولفظه:
أنّ النّبي ﷺ قال له ليلة الجن:
«ما في إداوتك؟ . قال: نبيذ. قال:
»تمرة طيبة وماء طهور”؛ زاد غير المصنف:
فتوضأ به.
فبين المصنف أن هذا الحديث لا يصح؛ من أجل أن ابن مسعود لم يكن ليلة الجن مع النّبيّ ﷺ؛ كما شهد نفسه بذلك في هذا الحديث للصحيح؛ وقد أشار إلى ذلك أيضًا الدارقطني بكلامه الذي ذكرناه آنفًا.
ثمّ إن الحديث المشار إليه ضعيف من قبل إسناده أيضًا؛ ولذلك أوردناه في كتابنا الآخر، وذكرنا هناك اتفاق العلماء على تضعيفه، فراجعه (رقم ١١).
٧٨ – عن ابن جريج عن عطاء:
أنه كره الوضوء باللبن والنبيذ؛ وقال: إن التيمم أعجب إليَّ منه.
(قلت: إسناده ثقات؛ فهو أثر ثابت إذا كان ابن جريج سمعه منه).
إسناده: حدثنا محمد بن بشار: ثنا عبد الرحمن: ثنا بشر بن منصور عن ابن جريج.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ فهو صحيح؛ إذا كان ابن جريج سمعه من عطاء ولم يدلسه عنه.
وعبد الرحمن هذا -وفي الإسناد الذي بعده-: هو ابن مهدي.
وهذا الأثر؛ أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
وتابعه عبد الرزاق (١/ ١٧٩) عن ابن جريج … به دون قوله: والنبيذ … وعلق عليه المتعصب الأعظمي بقوله:
«روى ابن أبي شيبة عن علي وعكرمة جواز الوضوء بالنبيذ»! !
فأقول: لقد جمع الشيخ -هداه الله- في هذا التخريج: بين تحريف النص، وكتمان العلم!
أما الأول: فإن عكرمة لم يطلق ذلك؛ بل قيده بمن لا يجد الماء؛ فإنه قال: الوضوء بنبيذ لمن لم يجد الماء!
وهذا إسناد واهٍ بمرة:
الحارث: هو الأعور، ضعيف اتهمه بعضهم.
والحجاج -وهو ابن أرطاة-، وأبو إسحاق -وهو السبيعي- مدلسان، مع اختلاط السبيعي.
٧٩ – عن أبي خَلْدة قال:
سألت أبا العالية عن رجل أصابته جنابة، وليس عنده ماءٌ، وعنده نبيذ؛ أيغتسلُ به؟ قال: لا.
(قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري).
إسناده: حدثنا محمد بن يشار: ثنا عبد الرحمن: ثنا أبو خلدة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وأبو خلدة: اسمه خالد بن دينار.
وهذا الأثر؛ أخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ورواه ابن أبي شيبة (١/ ٢٦)، والدارقطني (٢٩) من طريق مروان بن معاوية: نا أبو خلدة … به، وزاد الدارقطني في آخره:
فذكرت له ليلة الجن؟ فقال: أَنْبِذَتُكُمْ هذه الخبيثةُ؟ ! إنما كان ذلك زبيب وماء.
قلت: يعني: أنه لم يكن خرج بذلك عن كونه ماءً مطلقًا. وقد قال الطحاوي:
وهو بذلك يرد على أبي حنيفة إمامه الذي قال بجواز الوضوء بالنبيذ إن لم يجد غيره! وتمام كلامه يراجع في «شرح المعاني» له.
٤٣ – ومن «باب أيصلي الرجل وهو حاقن؟»
٨٠ – عن زهير: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم:
أنه خرج حاجًّا أو معتمرًا، ومعَه الناس وهو يؤمّهم، فلما كان ذات يوم؛ أقام الصلاة -صلاة الصبح- ثمّ قال: لِيتقدّم أحدكم -وذهب الخلاءَ-؛ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إذا أراد أحدكم أن يذهب الخلاء وقامت الصلاة؛ فليبدأ بالخلاء».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك قال الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه الترمذي أيضًا، وكذا ابن خزيمة (٩٣٢)، وابن حبان (٢٠٦٨».
إسناده: حدثنا أحمد بن يونس: ثنا زهير.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إلى ابن الأرقم.
وزهير هذا: هو ابن محمد التميمي.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٦٨) عن زهير … به.
وكذلك رواه مالك (١/ ١٧٤)، ومن طريقه النسائي (١/ ١٣٧)، وابن خزيمة في «صحيحه» -عن حماد بن زيد (١/ ١ / ١٧٤) -؛ كلهم عن هشام … به.
وفي رواية معمر ما يشعر أنه سمع الحديث من عبد الله بن الأرقم؛ فإن لفظه: كنا مع عبد الله بن أرقم فأقام الصلاة … إلخ.
ومثلها رواية عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام بن عروة … به؛ بلفظ:
خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري، فأقام الصلاة … الحديث. قال ابن عبد البر -فيما نقله في «التعليق على الترمذي»-:
«فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه؛ متصلة؛ لتصريحه بأن عروة سمعه من عبد الله بن الأرقم، وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان».
وخالف هؤلاء بعضهم؛ فقال المصنف عقب الحديث:
«روى وهيب بن خالد وشعيب بن إسحاق وأبو ضمرة هذا الحديث: عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل حدثه عن عبد الله بن أرقم. والأكثر الذين رووه عن هشام قالوا كما قال زهير».
ورواية وهيب هذه؛ وصلها الطحاوي؛ وبها أعل الحديث، فقال عقبها:
ونحن نرى أن هذه الرواية لا تعل الأولى؛ بل كل منهما صحيح، والظاهر أن عروة رواه أولًا عن رجل عن ابن أرقم، ثم رواه عنه مباشرة بدون واسطة. ولهذا أمثلة كثيرة في الأسانيد؛ كما لا يخفى على المشتغل بهذا العلم الشريف. ولذلك نرى الترمذي الذي نقل إعلال البخاري له لم يأخذ هو به، بل صحح الحديث بقوله:
«حديث حسن صحيح». وقال الحاكم.
«صحيح على شرط الشيخين»؛ ووافقه الذهبي.
٨١ – عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر -أخي القاسم بن محمد- قال:
كنا عند عائشة، فجيء بطعامها، فقام القاسم يصلّي فقالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«لا يُصلّى بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان».
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق المؤلف. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه مسلم في «صحيحه»، وكذا ابن حبان (٢٠٧٠ و٢٠٧١».
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
والحديث أخرجه أبو عوانة (١/ ٢٦٨) عن المصنف.
وهو في «المسند» (٦/ ٤٣ – ٥٤) بهذا المسند.
وأخرجه الحاكم (١/ ١٦٨) من طريقه ومن طريق مسدد أيضًا شاهدًا لحديث عبد الله بن الأرقم الذي قبله، وصححه هو، والذهبي.
وأخرجه مسلم (١/ ٧٨ – ٧٩)، وأبو عوانة أيضًا، وأحمد (٦/ ٧٣) عن إسماعيل ابن جعفر قال: أخبرني أبو حزرة القاص عن عبد الله بن أبي عتيق عن عائشة … المرفوع منه فقط.
وعبد الله بن أبي عتيق هذا: هو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، يعرف بابن أبي عتيق، وأبو عتيق كنية أبيه محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق وهو ابن عم القاسم بن محمد وأخيه عبد الله هذا.
فقد اختلف على أبي حزرة في اسم شيخه.
فيحيى -وهو ابن سعيد- يقول: عنه عن عبد الله بن محمد.
وإسماعيل يقول: عنه عن عبد الله بن أبي عتيق. قال الحافظ في «التهذيب»:
«وهو المحفوظ»! كذا قال!
والثالث: هو القاسم أخو عبد الله:
أخرجه الطحاوي في «المشكل» (٢/ ٤٠٤) من طريق يحيى بن أيوب عن يعقوب بن مجاهد أن القاسم بن محمد وعبد الله بن محمد نبأه عن عائشة … به
وتابعه عنده: حسين بن علي الجعفي عن أبي حزرة عن القاسم وحده.
٤٤ – باب ما يجزئ من الماء في الوضوء
٨٢ – عن عائشة:
أن النّبيّ ﷺ كان يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمُدِّ.
(قلت: إسناده صحيح على شرطهما).
إسناده: حدثنا محمد بن كثير: ثنا همام عن قتادة عن صفية بنت شيبة عن عائشة.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد قال المصنف عقبه:
«رواه أبان عن قتادة فال: سمعت صفية».
فهو متصل.
والحديث أخرجه ابن ماجة، وأحمد (٦/ ١٢١ و٢٣٤ و٢٣٨ – ٢٣٩) من طرق عن همام … به.
وأخرجه النسائي (١/ ٦٤)، والدارقطني (٣٥)، وأحمد (٦/ ٢٣٤) من طريقين
ورواية أبان؛ وصلها أحمد (٦/ ١٢١ و٢٤٩)، والبيهقي (١/ ١٩٥) من طريق عفان: ثنا أبان: ثنا قتادة قال: حدثني صفية.
ولقتادة فيه إسناد آخر: أخرجه النسائي، وأحمد (٦/ ٢٨٠) من طريق شيبان عنه عن الحسن عن أمه عن عائشة … به.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وأم الحسن -وهو البصري-؛ اسمها خيرة.
وللحديث إسناد ثالث: أخرجه أحمد (٦/ ١٣٣) من طريق ابن أبي ليلى عن عطاء قال: قالت عائشة … فذكره.
وهذا إسناد صحيح بما قبله: عطاء: هو ابن أبي رباح.
وابن أبي ليلى: هو محمد بن عبد للرحمن، وهو ثقة، لكنه سيئ الحفظ مع فقهه وجلالته.
٨٣ – عن جابر قال:
كان رسول الله ﷺ يغتسل بالصاع، ويتوضأ بالمد.
(قلت: حديث صحيح، وصحح إسناده الحافظ، وصححه ابن القطان أيضًا).
إسناده: حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل: ثنا هشيم: أخبرنا يزيد بن أبي زياد عن سالم بن أبي الجعد عن جابر.
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير يزيد بن أبي زياد -وهو الهاشمي
«ضعيف، كبر فتغير، وصار يتلقن». وقال المنذري في «مختصره»:
«يعد في الكوفيين، ولا يحتج به».
ومنه تعلم أن قول الحافظ في «الفتح» (١/ ٢٤٤): إن «إسناده صحيح»! غير صحيح.
نعم؛ الحديث صحيح باعتبار طرقه وشواهده؛ التي منها حديث عائشة قبله، ومنها عن سفينة مثله: عند مسلم وغيره.
وإنما الكلام على خصوص هذا الإسناد، وقد خولف في لفظه يزيد بن أبي زياد كما يأتي.
والحديث في «مسند أحمد» (٣/ ٣٠٣) بهذا السند.
وأخرجه الطيالسي في «مسنده» (رقم ١٧٣٢): حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن أبي زياد … به.
فقد اتفق أبو عوانة وهُشيم على روايته عن يزيد هكذا، وهما ثقتان.
وخالفهما -في اللفظ والمعنى- علي بن عاصم عنه؛ فرواه بلفظ: عن النّبيّ ﷺ وقال:
«يُجْزىُ من الوضوء المد من الماء، ومن الجنابة الصاع». فقال رجل: ما يكفيني! فقال جابر: قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرًا: رسولَ الله ﷺ.
أخرجه أحمد (٣/ ٣٧٠).
فجمع عاصم عنه بين قوله عليه الصلاة السلام وفعله، وهو وإن كان سيئ
والصواب من ذلك رواية علي بن عاصم؛ فقد رواه هكذا محمد بن فضيل عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ:
«يجزيء من الوضوء المد، ومن الجنابة الصاع».
فقال له رجل … الحديث مثل رواية علي بن عاصم.
أخرجه الحاكم (١/ ١٦١)، والبيهقي (١/ ١٩٥)، وقال الحاكم:
«صحيح على شرط الشيخين»، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
وفي «البخاري» و«النسائي» و«البيهقي» أيضًا بإسناد آخر؛ فيه اغتسال النبي ﷺ بالصاع.
وبالجملة؛ فالحديث صحيح مرفوعًا إلى النّبيّ ﷺ من قوله ومن فعله؛ فكان يزيد بن أبي زياد يروي أحيانًا كله وأحيانًا بعضه. فمتابعة حصين -وهو ابن عبد الرحمن- له في الكل دليل على أنه قد حفظ (١).
وللحديث عن جابر من فعله عليه السلام طريق آخر: عند ابن ماجة، فيه الربيع بن بدر؛ وهو متروك.
٨٤ – عن أم عمارة:
أنّ النّبيّ ﷺ توضأ؛ فأُتي بإناء فيه ماء قَدْرَ ثلثي المُدِّ.
(قلت: إسناده صحيح، وصححه أبو زرعة، وحسنه النووي والعراقي).
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حبيب الأنصاري -وهو ابن زيد-؛ وهو ثقة اتفاقًا.
والحديث أخرجه البيهقي من طريق المصنف؛ ثمّ قال:
«هكذا رواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة. وخالفه غيره في إسناده».
قلت: حديث محمد هذا؛ وصله النسائي (١/ ٥٨ – دار القلم).
ثمّ أخرج البيهقي من طريق الحاكم، وهذا في «المستدرك» (١/ ٦٦١) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: ثنا شعبة. عن حبيب بن زيد عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد:
أنّ النّبيّ ﷺ أتي بثلثي مد من ماء فتوضأ؛ فجعل يدلك ذراعيه.
ثم أخرج من طريق أبي خالد الأحمر: ثنا شعبة عن حبيب بن زيد الأنصاري عن عباد بن تميم عن ابن زيد الأنصاري:
أنّ النّبيّ ﷺ توضأ بنحو من ثلثي المد.
وكذلك رواه معاذ عن شعبة. قال أبو زرعة الرازي:
«الصحيح عندي حديث غندر».
وقول أبي زرعة هذا؛ رواه ابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٢٥ / رقم ٣٩) عنه.
ثمّ إن رواية أبي خالد الأحمر: هي عند البيهقي من طريق عبد الملك بن محمد: ثنا سليمان بن داود: ثنا أبو خالد الأحمر.
وأبو داود هذا معروف بكثرة روايته عن شعبة، فالظاهر أنه رواه عن شعبة بالواسطة أيضًا.
ثمّ إننا لا نرى مانعًا من صحة الحديث عن أم عمارة وابن زيد معًا؛ فإن الراوي عنهما ثقة حجة، وكذا من رواه عنه، فلا وجه لترجيح إحدى الروايتين على الأخرى.
وقد صحح كلًّا منهما بعض الأئمة؛ ففي «التلخيص» (٢/ ١٩٢): أن الحديث:
«أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من حديث عبد الله بن زيد، ورواه أبو داود والنسائي من حديث أم عمارة الأنصارية».
وكذلك عزاه للنسائي: النووي (٢/ ١٩٠)، والعراقي في «التثريب» (٢/ ٩٠)، وحسناه!
وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي!
فوهما؛ فإن حبيبًا الأنصاري لم يخرج له مسلم شيئًا.
٨٥ – عن أنس قال:
كان النّبيّ ﷺ يتوضأ بإناء يسع رطلين (وفي رواية: يتوضأ بمَكُّوك؛ ولم يذكر رطلين)، ويغتسل بالصاع.
(قلت: الرواية الثانية إسنادها صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاها
إسناده: حدثنا محمد بن الصَّبَّاح البزاز: ثنا شريك عن عبد الله بن عيسى عن عبد الله بن جبر عن أنس.
وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ إلا أنّ شريكًا -وهو ابن عبد الله القاضي- سيئ الحفظ، وقد أخطأ في قوله: رطلين! والصواب: مكوك؛ كما في الرواية الثانية ويأتي تخريجها.
وعبد الله بن عيسى: هو عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وهو ثقة من رجال الشيخين.
وعبد الله بن جبر: هو عبد الله بن عبد الله بن جبر، كما يأتي، نسبه شريك لجده.
والحديث أخرجه الترمذي (٢/ ٥٠٧)، وأحمد (٣/ ٥٠٦) من طريقين آخرين عن شريك … به. وقال الترمذي:
«حديث غريب».
قلت: ولفظه عنده:
«يجزيء في الوضوء رطلان من ماء»؛ وهو رواية لأحمد.
فقد اضطرب فيه شريك: فمرة يجعله من فعله عليه الصلاة والسلام، وتارة من قوله.
لكنه قد توبع عليه باللفظين؛ كما سترى.
ثمّ قال المؤلف عقب الحديث: “رواه يحيى بن آدم عن شريك قال: عن ابن
قلت: وكذلك قال أحمد عن وكيع عن شريك. ثمّ قال:
«ورواه سفيان عن عبد الله بن عيسى: حدثني جبر بن عبد الله».
قلت: يعني: على القلب. وقال الحافظ في «التهذيب»:
«هذا من مقلوب الأسماء».
قلت: ولعل هذا رواية عن سفيان؛ وإلا فقد أخرجه أبو عوانة (١/ ٢٣٣) من طريق معاوية بن هشام قال: ثنا سفيان [عن عبد الله بن عيسى] عن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنس بن مالك يقول سمعت النّبيّ ﷺ يقول: «يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل الصاع».
وما بين القوسين زيادة من عندنا، سقطت من الأصل المطبوع، وهي ضرورية؛ فإن الحديث من رواية سفيان عن عبد الله، لا من رواية سفيان عن ابن جبر.
ثمّ قال المصنف في بعض الروايات عنه:
«ورواه شعبة قال: حدثني عبد الله بن عبد الله بن جبر: سمعت أنسًا؛ إلا أنه قال: يتوضأ بمكوك، ولم يذكر: رطلين».
وقد وصل هذه الرواية: مسلم؛ وأبو عوانة في «صحيحيهما»، والنسائي والدارمي والبيهقي، والطيالسي (رقم ٢١٠٢)، وأحمد (٣/ ١١٢ و١١٦ و٢٥٩ و٢٨٢ و٢٩٠) من طرق عن شعبة … به بلفظ:
كان يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكوك.
ورواه مسعر قال: حدثني ابن جبر قال: سمعت أنسًا يقول:
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في «صحاحهم».
(تنبيه): رواية شعبة إنما هي في النسخة المطبوعة في مصر من رواية اللؤلؤي «للسنن»، وهي أيضًا في «مختصر المنذري» (رقم ٨٦)؛ وليست في نسخة «السنن» التي شرح عليها صاحب «العون»؛ بل فيها زيادة أخرى وهي:
قال أبو داود: «سمعت أحمد بن حنبل يقول: الصاع خمسة أرطال». قال أبو داود: «وهو صاع ابن أبي ذئب، وهو صاع النّبيّ ﷺ».
وسيأتي نحوه في «باب في مقدار الماء الذي يجزيه في الغسل» من النسختين (رقم ٢٣٩).
٤٥ – باب الإسراف في الماء
٨٦ – عن أبي نَعامة: أن عبد الله بن مغفَّل سمع ابنه يقول:
اللهم! إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتُها! فقال:
أي بُنَيَّ! سلِ الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُّهور والدعاء».
(قلت: إسناده صحيح، وكذا قال النووي، وصححه ابن حبان (٦٧٤٥)، والحاكم والحافظ، وقال ابن كثير: «إسناده حسن لا بأس به»).
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: ثنا سعيد الجريري عن أبي نعامة.
وحماد: هو ابن سلمة.
والحديث أخرجه الحاكم والبيهقي -من طريق موسى بن إسماعيل-، وأخرجه ابن ماجة (٢/ ٤٣٩ – ٤٤٠)، وابن حبان (١٧١)، وأحمد (٤/ ٨٧ و٥/ ٥٥) -من طرق- عن حماد بن سلمة … به. وقال الحاكم:
«صحيح».
وتعقبه الذهبي بقوله:
«فيه إرسال»! !
ولم يظهر لي وجهه؛ فإن أبا نعامة هذا لم يرم بتدليس؛ ولقاؤه لابن مغفل ممكن؛ فإن هذا مات نحو المستين من الهجرة، وذاك فيما بعد سنة عشر ومائة، فبين وفاتيهما نحو خمسين سنة، وليس لدينا دليل ينفي أن يكون أبو نعامة عاش أكثر من هذه المدة حتى لا يمكن له السماع من ابن مغفل! ولذلك صحح الحديث النووي في «المجموع»؛ (٢/ ١٩٠)، فقال:
«رواه أبو داود بإسناد صحيح». وقال الحافظ في «التلخيص» (٢/ ١٩١):
«وهو صحيح؛ رواه أحمد، وابن ماجة، وابن حبان، والحاكم وغيرهم».
قلت: وليس عند ابن ماجة فيه الاعتداء في الطهور.
وكذلك روي من طريق أخرى عن أبي نعامة، كما سيأتي في آخر الصلاة (١٣٣٠).
٨٧ – عن عبد الله بن عمرو:
أن رسول الله ﷺ رأى قومًا وأعقابُهم تلوح؛ فقال:
«ويل للأعقاب من النار! أسبغوا الوضوء».
(قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو وأبو عوانة في «صحيحيهما». وأخرجه البخاري في «صحيحه»؛ دون قوله: «أسبغوا الوضوء»).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا يحيى عن سفيان: حدثني منصور عن هلال بن يِسَاف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو.
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ غير مسدد؛ فإنه من رجال البخاري وحده.
وأبو يحيى: اسمه مِصْدع الأعرج.
والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة والبيهقي، وأحمد (٢/ ١٩٣) من طرق عن سفيان … به.
وأخرجه مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما» والدارمي والطحاوي، والطيالسي (رقم ٢٢٩٠)، وأحمد (٢/ ٢٠١) من طرق أُخر عن منصور … به.
وله عنه طريق آخر: أخرجاه في «الصحيحين»، وكذا أبو عوانة والطحاوي، وأحمد (٢/ ٢٠٥ و٢١١ و٢٢٦) من طريق أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو … به نحوه؛ دون قوله: «أسبغوا الوضوء».
٤٧ – باب الوضوء في أنية الصُّفْرِ
٨٨ – عن عائشة قالت:
كنت أغتسل أنا ورسول الله ﷺ في تَوْرٍ من شَبَهٍ.
(قلت: حديث صحيح”.
إسناده: حدثنا موسى بن إسماعيل: ثنا حماد: أخبرني صاحب لي عن هشام بن عروة أن عائشة قالت.
وهذا سند ضعيف؛ لجهالة صاحب حماد، وللانقطاع بين هشام بن عروة وعائشة؛ فإنه لم يدركها.
لكن وصله المصنف بعدُ من طريق إسحاق بن منصور عن حماد بن سلمة عن رجل عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النّبيّ ﷺ … نحوه.
وفيه الرجل الذي لم يسم.
أخرجه عن شيخه محمد بن العلاء -وهو أبو كريب- عنه.
وقصر به الحسين بن محمد بن زياد؛ فرواه عن أبي كريب … به؛ إلا أنه أسقط الرجل بين حماد وهشام؛ فصار ظاهر إسناده الصحة:
أخرجه الحاكم (١/ ١٦٩) شاهدًا للحديث الآتي بعده، ولم يصححه هو ولا الذهبي ولعله؛ للجهالة التي بيَّنتها الطرق الأخرى! لكن جَوَّدَهُ حَوْثَرَةُ بن أشْرَسَ فقال: ثنا حماد بن سلمة عن شعبة عن هشام … به.
وأخرجه الطبراني في «الصغير» (ص ١٢٣): ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل … به.
وحوثرة ثقة؛ فصح بذلك الإسناد.
٨٩ – عن عبد الله بن زيد قال:
جاءنا رسول الله ﷺ فأخرجنا له ماءً في تور من صُفر فتوضأ.
(قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وكذلك صححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه البخاري في «صحيحه»).
إسناده: حدثنا الحسن بن علي: ثنا أبو الوليد وسهل بن حماد قالا: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن عبد الله بن زيد.
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ وقد أخرجه البخاري كما يأتي.
والحديث أخرجه الحاكم (١/ ١٦٨) من طريق أبي عَتَّاب سهل بن حماد: ثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة … به. وقال:
«صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!
وفيه: أن سهل بن حماد لم يخرج له البخاري؛ فهو على شرط مسلم وحده بهذا السند، وإنما صححناه على شرطهما؛ لأن المصنف قرن به أبا الوليد -وهو الطيالسي-، وهو من رجالهما.
وقد أخرجه البخاري (١/ ٢٤١ – ٢٤٢)، وكذا ابن ماجة (١/ ١٧٤)، والبيهقي (١/ ٣٠) من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس قال: ثنا عبد العزيز بن أبي
وله عند البخاري والبيهقي تتمة بلفظ:
فغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه؛ فأقبل به وأدبر، وغسل رجليه.
وهذه الزيادة عند المصنف من طريق أخرى عن عمرو بن يحيى، تأتي في «باب صفة وضوء النّبي ﷺ» (رقم ١٠٩).
(فائدة): وأما حديث معاوية قال: أمرني رسول الله ﷺ أن لا آتي أهلي في غرة الهلال، وأن لا أتوضأ من النحاس، وأن أستن كلما قمت من سِنَتِي!
فضعيف جدًّا؛ بل موضوع: رواه الطبراني في «الكبير»؛ وفيه عبيدة بن حسان؛ وهو منكر الحديث، كما قال الهيثمي في «المجمع» (١/ ٢١٥).
والحديث قال المنذري في «مختصره» (رقم ٩٠):
«وأخرجه ابن ماجة»!
فقصَّر؛ حيث لم يعزه البخاري.
٤٨ – باب التسمية على الوضوء
٩٠ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه».
(قلت: حديث صحيح، وقواه المنذري، والحافظ العسقلاني، وحسنه ابن الصلاح، وقال الحافظ ابن كثير: إنه حديث حسن أو صحيح، وقال ابن أبي
إسناده: حدثنا قتيبة بن سعيد: ثنا محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة.
وهذا إسناد ضعيف؛ يعقوب بن سلمة: هو الليثي مولاهم؛ قال الذهبي في «الميزان»:
«شيخ ليس بعمدة، ووالده سلمة الليثي لا يعرف، ولا روى عنه سوى ولده هذا». وقال الحافظ في «التقريب»:
«يعقوب مجهول الحال، ووالده سلمة لين الحديث». وقال في «التهذيب»: «لا يعرف إلا في هذا الحديث».
والحديث أخرجه الحاكم و(١/ ١٤٦)، والبيهقي (١/ ٤٣)، وأحمد (٢/ ٤١٨) عن قتيبة … به.
وأخرجه ابن ماجة، والدارقطني (٢٩)، والحاكم أيضًا من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فُدَيْك عن محمد بن موسى عن يعقوب بن سلمة الليثي … به.
ووهم الحاكم في إسناده؛ فقال من الوجهين: «يعقوب بن أبي سلمة»! وبنى على ذلك فقال:
«هذا حديث صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بيعقوب بن أبي سلمة الماجشون، واسم أبي سلمة دينار»!
وقد اتفقوا على تخطئته في ذلك؛ فقال الذهبي في «تلخيصه»:
«والصواب أنه الليثي، قال البخاري: لا يعرف له سماع من أبيه، ولا لأبيه من أبي هريرة، وأبوه ذكره ابن حبان في»الثقات«وقال: ربما أخطأ، وهذه عبارة عن ضعفه؛ فإنه قليل الحديث جدًّا، ولم يرو عنه سوى ولده، فإذا كان يخطيء مع قلة ما روى؛ فكيف يوصف بكونه ثقة؟ ! قال ابن الصلاح: انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته بتخريجه له. وتبعه النووي. وقال ابن دقيق العيد: لو سُلِّمَ للحاكم أنه يعقوب بن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة دينار؛ فيحتاج إلى معرفة حال أبي سلمة، وليس له ذكر في شيء من كتب للرجال؛ فلا يكون أيضًا صحيحًا».
وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة:
أحدهما: عن عبد الرحمن بن حرملة أنه سمع أبا ثِفَالِ المُرِّيِّ يقول: سمعت رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب يقول: حدثتني جدتي أنها سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول … فذكره.
أخرجه الطحاوي (١/ ١٥)؛ ورجاله موثقون؛ لكن اختلف فيه على أبي ثفال؛ كما سوف نبينه إن شاء الله تعالى في «صحيح الترمذي».
والطريق الآخر: عن أيوب بن النجار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ:
«ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه، وما صلّى من لم يتوضأ».
أخرجه الدارقطني (٢٦)، ومن طريقه البيهقي، ثم قال:
“لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه،
وللحديث شواهد كثيرة: من حديث أبي سعيد الخدري، وسعيد بن زيد، وسهل بن سعد وعائشة وأبي سبرة وأم سبرة وعلي وأنس، ويطول الكلام جدًّا لو أردنا تخريجها، فنكتفي بالإحالة على «التلخيص»؛ فإنه قد استوفى الكلام عليها؛ ولا سيما أن أحاديث الثلاثة الأولين في «سنن الترمذي»، و«ابن ماجة»؛ وسوف نتكلم عليها في أماكنها من «صحاحهم» إن شاء الله تعالى.
وبالجملة؛ فالحديث -بطرقه وشواهده المشار إليها- تطمئن النفس إلى ثبوته وصحته؛ وقد جنح إلى ذلك الحافظ في خاتمة التخريج المشار إليه، فقال:
«والظاهر أن مجموع الأحاديث يَحْدُثُ منها قوة، تدل على أن له أصلًا. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثبت لنا أن النّبيّ ﷺ قاله». وقال المنذري في «الترغيب» (١/ ١٠٠):
«ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها -وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال-؛ فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة». وفي «العون»:
«قال ابن كثير: وقد روي من طرق أخر يشد بعضها بعضًا؛ فهو حديث حسن أو صحيح. وقال ابن الصلاح: يثبت لمجموعها ما يثبت بالحديث الحسن».
٩١ – عن الدراوردي قال: وذكر ربيعة أن تفسير حديث النبي ﷺ: «لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه»:
أنه الذي يتوضأ ويغتسل؛ ولا ينوي وُضوءًا للصلاة ولا غسلًا للجنابة.
إسناده: حدثنا أحمد بن عمرو بن السَّرْحِ: ثنا ابن وهب عن الدراوردي.
وهذا سند صحيح على شرط مسلم.
٤٩ – باب في الرجل يُدْخِلُ يده في الإناء قبل أن يغسلها
٩٢ – عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:
«إذا قام أحدكم من الليل؛ فلا يغمس يده في الإناء؛ حتى يغسلها ثلاث مرات (وفي رواية: مرتين أو ثلاثًا)؛ فإنه لا يدري أين باتت يده!».
(قلت: إسنادهما صحيح على شرط البخاري. والرواية الأولى أخرجها مسلم وأبو عوانة في «صحيحيهما». والأخرى صححها الترمذي، والأكثرون من الرواة على الأولى، وهو في «صحيح البخاري» بدون ذكر العدد؛ وهو ثابت).
إسناده: حدثنا مسدد: ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي رَزِين وأبي صالح عن أبي هريرة.
وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري.
وكذلك إسناد الرواية الأخرى: وإسنادها هكذا: حدثنا مسدد: ثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النّبيّ ﷺ -يعني بهذا الحديث-:
قال: «مرتين أو ثلاثًا»؛ ولم يذكر أبا رزين.
ثمّ أخرجه هو -من طريق أحمد بن عبد الجبار العُطَاردي-، ومسلم -من طريق أبي كريب-؛ كلاهما قالا: ثنا أبو معاوية … به.
ورواه أحمد (٢/ ٢٥٣) عن أبي معاوية … به؛ لكنه لم يذكر أبا رزين.
وتابعه وكيع عن الأعمش … به مثل رواية مسدد عن أبي معاوية.
أخرجه أحمد أيضًا (٢/ ٢٥٣ و٤٧١) قال: ثنا وكيع: ثنا الأعمش … به.
وكذلك أخرجه مسلم، وأبو عوانة في «صحيحه» (١/ ٢٦٤)، والبيهقي من طرق عنه.
وتابعه أبو شهاب أيضًا عن الأعمش … به؛ غير أنه قال:
«فليغسل يديه مرتين أو ثلاثًا».
أخرجه الطحاوي (١/ ١٣)؛ وأبو شهاب: هو عبد ربه بن نافع: وهو ثقة من رجال الشيخين.
وبالجملة؛ فذِكْر أبي رزين في الإسناد ثابت برواية هؤلاء الثقات عن الأعمش عنه، ولا يضر عدم وروده في رواية غيرهم عنه.
وأما رواية عيسى بن يونس؛ فتابعه عليها زائدة بن قُدَامة -عند الطحاوي-، وشعبة -عند الطيالسي (رقم ٢٤١٨) – بلفظ:
«مرتين أو ثلاثًا». وقال شعبة: «صَبًّا أو صبتين».
وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة.
فأخرجه مسلم وأبو عوانة، والنسائي (١/ ٤ و٣٧ و٧٥)، والترمذي والطحاوي
ورواه الدارمي والبيهقي عن أبي سلمة وحده؛ وهو عندهم بالروايتين؛ والأكثرون على الأولى.
ثمّ أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق بشر بن المُفَضَّلِ عن خالد الحَذَّاء عن عبد الله بن شقيق عنه.
وأخرجه الدارقطني (١٨) -من طريقين- والبيهقي -من طريق ابن خزيمة-؛ ثلاثتهم عن محمد بن الوليد: ثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن خالد … بهذا الإسناد مثله وقال:
«أين باتت يده منه؟». قال البيهقي:
«وقوله:»منه«تفرد به محمد بن الوليد البُسْرِيُّ وهو ثقة». قال الحافظ في «الفتح» (١/ ٢١٢):
«إن أراد عن محمد بن جعفر فمُسَلّم، وإن أراد مطلقًا فلا؛ فقد قال الدارقطني: تابعه عبد الصمد [ابن عبد الوارث] عن شعبة، وأخرجه ابن منده من طريقه»!
قلت: وما سلَّمه الحافظ غير مُسلّم أيضًا؛ فقد أخرجه أحمد (٢/ ٤٥٥) عن شيخه محمد بن جعفر هذا … بإسناده بهذه الزيادة؛ فهي زيادة صحيحة على شرط مسلم.
ثم أخرجه مسلم وأبو عوانة، والبيهقي (١/ ٤٧)، وأحمد (٢/ ٤٠٣) من حديث أبي الزبير عن جابر عن أبي هريرة.
وأخرجه أبو عوانة من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء عن أبي هريرة.
وفي حديث هؤلاء جميعًا عنه ذكر الثلاث.
ثمّ أخرجه مسلم، وأحمد (٢/ ٢٧١ و٣٩٥ و٥٠٠ و٥٠٧)، ومالك (١/ ٤٣ – ٤٤)، ومن طريقه البخاري، وأحمد (٢/ ٤٦٥)، ومحمد بن الحسن في «الموطأ» (ص ٤٨) من طرق أخرى عن أبي هريرة دون ذكر العدد، وهو ثابت في رواية الأكثرين عنه؛ فلا يضر تركهم له؛ لأنها زيادة من ثقات يجب قبولها.
وقد وجدت للحديث شاهدًا من حديث عائشة مرفوعًا بلفظ:
«من استيقظ من منامه؛ فلا يغمس يده في طَهوره حتى يُفْرِغَ على يده ثلاث غَرَفاتٍ». ولم يكن رسول الله ﷺ إذا استيقظ يفعل ذلك حتى يفرغ على يده ثلاثًا.
أخرجه الطيالسي (رقم ١٤٨٧): ثنا ابن أبي ذئب: حدثني من سمع أبا سلمة يحدث عن عائشة. وهذا سند صحيح؛ لولا الرجل الذي لم يسم.
٩٣ – عن أبي مريم قال: سمعت أبا هريرة يقول: . سمعت رسول الله ﷺ يقول:
«إذا استيقظ أحدكم من نومه؛ فلا يُدْخِلْ يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ ! أو أين كانت تطوف به؟ !».
(قلت: إسناده صحيح، وحسنه الدارقطني، وصححه ابن حبان (١٠٥٨».
وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي مريم -وهو الأنصاري الشامي-، وهو ثقة كما في «التقريب».
والحديث سكت عليه المنذري.
وأخرجه الدارقطني (١٩) من طريق بَحْرِ بن نَصْرٍ: نا عبد الله بن وهب … به؛ وقال:
«هذا إسناد حسن».
وأخرجه البيهقي من طريق المؤلف.
ثمّ أخرج من طريق الدارقطني، وهو في «سننه» (١٨)، وابن ماجة من طريق ابن وهب أيضًا عن ابن لهيعة وجابر بن إسماعيل الحضرمي عن عقَيْلٍ عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ … فذكره.
وهذا شاهد لا بأس به. وقال الدارقطني:
«إسناد حسن» قال البيهقي:
«لأن جابر بن إسماعيل مع ابن لهيعة في إسناده».
قلت: وجابر من رجال مسلم، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وأخرج ابن خزيمة حديثه في «صحيحه» مقرونًا بابن لهيعة، وقال:
«ابن لهيعة لا أحتج به، وإنما أخرجت هذا الحديث؛ لأن فيه جابر بن إسماعيل».
وله شاهد آخر عن أبي الزبير عن جابر بزيادة:
«ولا على ما وضعها». رواه الدارقطني وقال:
«إسناده حسن»؛ كذا قال! وفيه نظر؛ لأنه من رواية زياد البَكّائي عن عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير … به.
وهكذا رواه ابن ماجة (٣٩٥).
ووجه النظر: أن زيادًا البَكّائي -وهو ابن عبد الله- فيه لين في روايته عن غير ابن إسحاق؛ كما في «التقريب».
وشيخه عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام؛ كما قال الحافظ؛ وقد وهم هو أو البكائي في سنده ومتنه:
أما السند؛ فهو أنه جعله من (مسند جابر)! وإنما هو من مسند أبي هريرة: رواه عنه جابر.
كذلك رواه معقل عن أبي الزبير عن جابر عن أبي هريرة: أخرجه مسلم (١/ ١٦١)، وأبو عوانة (١/ ٢٦٣ – ٢٦٤).
وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: أخبرني جابر … به: أخرجه أحمد (٢/ ٤٠٣).
وأمّا المتن؛ فهو أنه زاد فيه: «ولا على ما وضَعَها».
فهي زيادة منكرة؛ لتفرد البَكّائي بها عن عبد الملك، ومخالفة معقل وابن لهيعة ولكل من روى الحديث عن أبي هريرة من الثقات.