وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله﴾. /البقرة: ١٩٦/.
أن رسول الله ﷺ قَالَ: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ له جزاء إلا الجنة).
(العمرة) هي في اللغة: الزيارة، وفي الشرع: زيارة البيت الحرام بشروط مخصوصة. (كفارة) ماحية، مشتقة من الكفر وهو التغطية والستر. (لما بينهما) لما وقع بينهما من الذنوب الصغيرة. (المبرور) المقبول، وهو الذي لا يخالطه إثم، مشتق من البر وهو الإحسان.
أن عكرمة ابن خَالِدٍ، سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ.
وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحق: حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ: مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ:
⦗٦٣٠⦘
سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما: مثله.
دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما، جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلَاةَ الضُّحَى، قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ. ثُمّ قَالَ لَهُ: كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ أَرْبَعًا: إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ، يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ، إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ. قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وَهُوَ شَاهِدُهُ، وما اعتمر في رجب قط.
(حجرة) غرفة، وهي في الأصل ما يحجر عليه من الأرض بحائط ونحوه. (المسجد) أي مسجد النَّبِيِّ ﷺ فِي الْمَدِينَةِ المنورة. (بدعة) البدعة هي إحداث ما لم يكن فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ومراد ابن عمر رضي الله عنه: أن اجتماع الناس في المسجد على صلاة الضحى بدعة، لا صلاة الضحى نفسها، فإنها سنة. (استنان عائشة) أي صوت سواكها وهي تتسوك به. (يا أماه) سماها أمه، وهي في الحقيقة خالته، لأن الخالة بمنزلة الأم، أو باعتبارها أم المؤمنين. (شاهده) حاضر معه، تعني في ذلك المبالغة في نسبة النسيان إلى ابن عمر رضي الله عنهما.
سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في رجب.
[٤٠٠٧]
سَأَلْتُ أَنَسًا رضي الله عنه: كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: أربعا: عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ،
⦗٦٣١⦘
وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ، وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ – أُرَاهُ – حُنَيْنٍ. قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: واحدة.
(الحديبية) هي قرية كبيرة على مرحلة من مكة مما يلي المدينة، سميت ببئر هناك. (صده المشركون) منعوه من دخول مكة في ذي القعدة عام ست من الهجرة، وجرى بينه وبينهم هدنة سميت صلح الحديبية، وسمي العام عام الحديبية. (الجعرانة) مكان بين مكة والطائف، وهي إلى مكة أقرب. (أراه) أظنه، وهو كلام معترض بين المضاف والمضاف إليه، وكأن الراوي طرأ عليه شك، فأدخل لفظ (أراه) بينهما. (حنين) غزوة حنين، وحنين واد بين مكة والطائف، وقعت فيه الغزوة في الخامس من شوال، سنة ثمان من الهجرة عام فتح مكة. (كم حج) أي بعد فرض الحج. (واحدة) هي حجة الوداع، واعتمر معها العمرة الرابعة التي لم تذكر في هذه الرواية وذكرت فيما بعدها.
اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ رَدُّوهُ، وَمِنَ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مع حجته.
حدثنا هدبة: حدثنا همام قال: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَتَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَمِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
[٢٩٠١، ٣٩١٧]
اعْتَمَرَ رسول الله ﷺ في ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ. وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ.
[١٧٤٧، ٢٥٥١ – ٢٥٥٣، ٣٠١٣، ٤٠٠٥]
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا: (مَا مَنَعَكِ أن تحجي مَعَنَا). قَالَتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ، لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا، وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: (فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ). أَوْ نَحْوًا مما قال.
[١٧٦٤]
(لامرأة من الأنصار) قيل: هي أم سنان الأنصارية. (ناضح) البعير الذي يستقى عليه. (لزوجها وابنها) أي ذكرت زوجها وابنها. (حجة) من حيث الثواب، لا أنها تنوب مناب حج الفريضة.
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ لَنَا: (مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ). قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: (ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ). فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التنعيم، فأهللت بعمرة مكان عمرتي.
[ر: ٢٩٠]
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. قَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، كَمْ سمعته من عمرو.
[٢٨٢٢، ٢٨٢٤]
(يردف عائشة) يركبها وراءه على ناقته. (سمعت عمرا) أي بدل: عن عمرو، والمراد به: عمرو بن دينار. (كم سمعته) أي ما أكثر ما سمعت هذا الحديث.
أن النبي ﷺ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ، وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ منهم هَدْيٌ غَيْرَ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ الله ﷺ، وأن النَّبِيَّ ﷺ أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا
⦗٦٣٣⦘
عُمْرَةً: يَطُوفُوا بالبيت، ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلَّا مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ، فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: (لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ). وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ، فَنَسَكَتِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بالبيت، قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ. وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا، فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (لَا، بل للأبد).
[ر: ١٤٨٢]
(طلحة) بن عبيد الله، أحد العشرة المبشرين بالجنة. (أهللت بما أهل به رسول الله) أي قال: لبيك بما أهل به رسول الله، وكان علي رضي الله عنه لا يعلم: بم أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أبحج أم بعمرة؟ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قد أهل بحج، فأمره أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ. (أن يجعلوها عمرة) أن يقلبوا إحرامهم بالحج عمرة. (يطوفوا) بدل من يجعلوا، ولذلك حذفت نونه على النصب. (وذكر أحدنا يقطر) أي بالمني. (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) أي لو علمت في الأول ما علمت في الآخر. (ما أهديت) ما سقت الهدي، ولأحللت وتمتعت. (فنسكت المناسك) أدت أعمال الحج كلها إلا الطواف بالبيت، لأنه تشترط له الطهارة. (وهو بالعقبة) عند جمرة العقبة، وهي الجمرة الكبرى التي ترمى يوم النحر، صبيحة العاشر من ذي الحجة. (ألكم هذه خاصة) أي جعل الحج عمرة، أو أداء العمرة في أشهر الحج، مخصوصة بكم في هذه السنة، أو لكم ولغيركم أبدا. (للأبد) هي مشروعة لكل الناس أبد الدهر.
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الحجة، فقال رسول الله ﷺ: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ). فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى رسول الله ﷺ فقال: (دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ). فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ، أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا، فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلَا صدقة ولا صوم.
[ر: ٢٩٠]
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ؟ فَقِيلَ لَهَا: (انْتَظِرِي، فَإِذَا طَهُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نفقتك أو نصبك).
[ر: ٣٩٠]
خرجنا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فنزلنا بسرف، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: (مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فلا). وكان النَّبِيِّ ﷺ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: (مَا يُبْكِيكِ). قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لِأَصْحَابِكَ مَا قُلْتَ، فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ: (وَمَا شَأْنُكِ). قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ: (فَلَا يَضِرْكِ، أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ، كُتِبَ عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجتك، عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا). قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى، فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: (اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ، فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا). فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ فَقَالَ: (فَرَغْتُمَا). قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ وَمَنْ طَافَ بالبيت قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، ثُمَّ خرج موجها إلى المدينة.
[ر: ٢٩٠]
(حرم الحج) الحالات والأماكن والأوقات التي للحج. (سرف) مكان بقرب مكة. (اخرج بأختك الحرم) أي من الحرم إلى الحل. (فلتهل بعمرة) فلتحرم بعمرة. (أنتظركما ها هنا) أي في المحصب.
⦗٦٣٥⦘
أُمَيَّةَ – يَعْنِي – عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ، أَوْ قَالَ: صُفْرَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ، وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النبي ﷺ وقد أنزل عَلَيْهِ الْوَحْيُ، فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ أنزل عَلَيْهِ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ – وَأَحْسِبُهُ قَالَ – كَغَطِيطِ الْبَكْرِ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ، قَالَ: (أَيْنَ السَّائِلُ عَنِ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كما تصنع في حجك).
[ر: ١٤٦٣]
قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها، زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أن يطوف بهما﴾. فَلَا أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا، لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ: كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا والمروة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فلا جناح عليه أن يطوف بهما﴾.
زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامٍ: مَا أتم الله حج امرئ، ولا عمرته، ما لم يطف بين الصفا والمروة.
[ر: ١٥٦١]
وَقَالَ عَطَاءٌ، عَنْ جابر رضي الله عنه: أمر النبي ﷺ أَصْحَابَهُ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا.
[ر: ١٥٦٨، ١٦٩٣]
اعتمر رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَاعْتَمَرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ طَافَ وَطُفْنَا مَعَهُ، وأتى الصفا والمروة وأتيناهما مَعَهُ، وَكُنَّا نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَرْمِيَهُ أَحَدٌ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبٌ لِي: أَكَانَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟. قَالَ: لَا.
قَالَ: فَحَدِّثْنَا مَا قَالَ لِخَدِيجَةَ؟. قَالَ: (بَشِّرُوا خَدِيجَةَ بِبَيْتٍ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ).
[ر: ١٥٢٣]
سألنا ابن عمر رضي الله عنهما، عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ فِي عُمْرَةٍ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟. فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.
قَالَ: وَسَأَلْنَا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، فَقَالَ: لَا يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا والمروة.
[ر: ٣٨٧]
قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بِالْبَطْحَاءِ، وَهُوَ مُنِيخٌ، فَقَالَ: (أَحَجَجْتَ). قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: (بِمَا أَهْلَلْتَ). قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: (أَحْسَنْتَ، طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ أَحِلَّ). فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ رَأْسِي، ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ، فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ حَتَّى كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنْ أَخَذْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ،
⦗٦٣٧⦘
وَإِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ فَإِنَّهُ لَمْ يحل حتى يبلغ الهدي محله.
[ر: ١٤٨٤]
أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بالحجون: صلى الله على مُحَمَّدٍ، لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَا هُنَا وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ خِفَافٌ، قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا، فَاعْتَمَرْتُ أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ وَالزُّبَيْرُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَلَمَّا مَسَحْنَا البيت أَحْلَلْنَا، ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنَ الْعَشِيِّ بالحج.
(بالحجون) موضع بمكة، يقال: هو مقبرة أهل مكة. (خفاف) متاعنا قليل. (ظهرنا) مراكبنا. (فلان وفلان) تعني بهم جماعة عرفتهم ممن لم يسق الهدي وتمتع. (مسحنا البيت) طفنا بالبيت.
أن رسول الله ﷺ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ، ثُمَّ يَقُولُ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وهزم الأحزاب وحده).
[٢٨٣٣، ٢٩١٨، ٣٨٩٠، ٦٠٢٢]
لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ، اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ،
⦗٦٣٨⦘
فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يديه وآخر خلفه.
[٥٦٢٠]
أن رسول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا خرج إلى مكة يصلي في مسجد الشجرة، وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي، وبات حتى يصبح.
[ر: ١٤٦٠]
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ، كَانَ لَا يَدْخُلُ إِلَّا غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً.
(لا يطرق أهله) من الطروق، وهو الإتيان بالليل، يعني أنه لا يدخل على أهله ليلا إذا قدم من سفر. (غدوة) من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس. (عشية) من زوال الشمس إلى غروبها، ويطلق أيضا على ما بعد الغروب إلى العتمة، والمراد هنا الأول.
نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يطرق أهله ليلا.
[٤٩٤٥، ٤٩٤٦]
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ، فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ الْمَدِينَةِ، أَوْضَعَ نَاقَتَهُ، وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: زَادَ الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ حُمَيْدٍ: حركها من حبها.
حدثنا قنيبة: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: جدرات.
⦗٦٣٩⦘
تابعه الحارث بن عمير.
[١٧٨٧]
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رضي الله عنه يَقُولُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِينَا، كَانَتْ الْأَنْصَارُ إِذَا حجوا فجاؤوا، لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أبوابها﴾.
[٤٢٤٢]
(فجاؤوا) إلى منازلهم. (عير) من التعيير وهو التعييب. (البر) اسم جامع لوجوه الخير والطاعة. (ظهورها) سقوفها، ويكون ذلك بنقبها وإحداث فتحة فيها، أو غير ذلك. (اتقى) بفعل ما أمر به وترك ما نهي عنه في شرع الله عز وجل. /البقرة: ١٨٩/.
عن النبي ﷺ قَالَ: (السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإِذَا قضى نهمته فليعجل إلى أهله).
[٢٨٣٩، ٥١١٣]
(قطعة من العذاب) جزء ونوع من العذاب، لما فيه من الألم الناشئ عن المشقة بسبب. (يمنع .. الخ) يؤخره عن وقته المألوف، ولا يحصل له منه القدر الكافي، أو اللذة المعتادة. (قضى نهمته) أنهى حاجته التي سافر من أجلها.
كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ الوجع، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ نَزَلَ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ، جَمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمّ قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ: إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وجمع بينهما.
[ر: ١٠٤١]