وَهُوَ قَوْلٌ وَفِعْلٌ، وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ /الفتح: ٤/. ﴿وزنادهم هُدًى﴾ /الكهف: ١٣/. ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى﴾ /مريم: ٧٦/. ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ /محمد: ١٧/. ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ /المدثر: ٣١/. وَقَوْلُهُ: ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ /التوبة: ١٢٤/. وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا﴾ /آل عمران: ١٧٣/. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ /الأحزاب: ٢٢/. وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ مِنَ الْإِيمَانِ.
وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ: إن لٌيمان فَرَائِضَ وَشَرَائِعَ وَحُدُودًا وَسُنَنًا، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْهَا لَمْ يَسْتَكْمِلِ الْإِيمَانَ، فَإِنْ أَعِشْ فَسَأُبَيِّنُهَا لَكُمْ حَتَّى تَعْمَلُوا بِهَا، وإن مت فَمَا أَنَا عَلَى صُحْبَتِكُمْ بِحَرِيصٍ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام: ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ /البقرة: ٢٦٠/.
وقال معاذ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿شَرَعَ لَكُمْ﴾ /الشورى: ١٣/: أوصيناك يا محمد وإيام دِينًا وَاحِدًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ /المائدة: ٤٨/: سَبِيلًا وَسُنَّةً. ﴿دُعَاؤُكُمْ﴾ إِيمَانُكُمْ، لِقَوْلِهِ⦗١٢⦘
عز وجل: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ﴾ /الفرقان: ٧٧/. ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.
قال رسول الله ﷺ: (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رمضان).
[ر: ٤٢٤٣].
(بني الإسلام على خمس) أعمال الإسلام خمس، هي له عالدعائم بالنسبة للبناء، لا وجود له إلا بها.
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ والملائكة وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ /البقرة: ١٧٧/.
﴿قد أفلح المؤمنون﴾ /المؤمنون: ١/ الآية.
٩ – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عن النبي ﷺ
⦗١٣⦘
قَالَ:
(الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ من الإيمان).
(بضع) ما بين اثنين إلى عشرة. (ستون) عند مسلم (سبعون) ولا تعارض بين الروايتين، قال النووي: فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد في نفي ما سواه. (شعبة) خصلة، والشعبة واحدة الشعب، وهي أغصان الشجرة، وهو تشبيه للإيمان وخصاله بشجرة ذات أغصان، لا تتكامل ثمرتها إلا بتوفر كامل أغصانها. (الحياء) صفة في النفس، تحمل على فعل ما يحمد، وترك ما يذم عليه ويعاب.
(الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ).
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وقال مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا دَاوُد، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله عن النبي ﷺ. وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[٦١١٩].
(المسلم) أي الكامل الإسلام. (المهاجر) أي الحقيقي، اسم فاعل من الهجرة، وهي في الأصل: مفارقة الأهل والوطن في سبيل الله تعالى، وأريد بها هنا ترك المعاصي.
(يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لسانه ويده).
(قالوا) قيل: السائل هو أبو موسى الأشعري رضي الله عنه نفسه، وقيل هو وغيره. (أي الإسلام أفضل) أي الأعمال في الإسلام أعظم أجرا وأعلى مرتبة.
(تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى من عرفت ومن لم تعرف).
[٢٨، ٥٨٨٢].
(رجلا) هو أبي ذر رضي الله عنه. (أي الإسلام خير) أي أعمال الإسلام أكثر نفعا. (تقرأ السلام) تسلم.
(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يحب لنفسه).
(لا يؤمن أحدكم) الإيمان الكامل. (ما يحب لنفسه) من فعال الخير.
(فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أحب إليه من والده وولده).
(لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ والناس أجمعين).
[١٢، ٥٦٩٤، ٦٥٤٢].
(وجد حلاوة الإيمان) انشرح صدره للإيمان، وتلذذ بالطاعة وتحمل المشاق في الدين، والحلاوة في اللغة مصدر حلو يحلو، وهي نقيض المرارة. (لا يحبه إلا لله) لا يقصد من حبه غرضا دنيويا. (يقذف) يرمى.
١٧ – حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ قَالَ:
⦗١٥⦘
سَمِعْتُ أَنَسًا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:
(آيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).
[٣٥٣٧].
(آية) علامة. (الأنصار) جمع ناصر ونصير، وهم كل من آمن بالنبي ﷺ من الأوس والخزرج، سموا بذلك لنصرتهم له ﷺ. (النفاق) إظهار الإيمان وإضمار الكفر، والمنافق هو الذي يظهر خلاف ما يبطن.
(بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ). فَبَايَعْنَاهُ على ذلك.
[٣٦٧٩، ٣٦٨٠، ٣٧٧٧، ٤٦١٢، ٦٤٠٢، ٦٤١٦، ٦٤٧٩، ٦٧٨٧، ٧٠٣٠].
(شهد بدرا) حضر غزوة بدر. (النقباء) جمع نقيب، وهو عريف القوم وناظرهم، والمراد الذين اختارهم الأوس والخزرج نقباء عليهم، بطلب من النبي ﷺ وأقرهم على ذلك (ليلة العقبة) الليلة التي بايع فيها ﷺ الذين آمنوا من الأوس والخزرج على النصرة وهي بيعة العقبة الثانية، وكان ذلك عند جمرة العقبة بمنى، والعقبة من الشيء: الموضع المرتفع منه. (عصابة) الجماعة من الناس وهم ما بين العشرة إلى الأربعين. (بايعوني) عاهدوني. (بهتان) كذب فظيع يدهش سامعه. (تفترونه) تختلقونه. (بين أيديكم وأرجلكم) من عند أنفسكم. (ولا تعصوا في معروف) لا تخالفوا في أمر لم ينه عنه الشرع. (وفى) ثبت على العهد. (أصاب من ذلم شيئا) وقع في مخالفة مما ذكر. (فعوقب) نفذت عليه عقوبته من حد أو غيره. (ستره الله) لم يصل أمره إلى الفضاء.
(يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شغف الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ).
[٣١٢٤، ٣٤٠٥، ٦١٣٠، ٦٦٧٧، وانظر: ٥٨٤].
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قلوبكم﴾ /البقرة: ٢٢٥/.
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: (إِنَّ أَتْقَاكُمْ وأعلمكم بالله أنا).
(ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سواهما، ومن عَبْدًا لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ، بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ).
[ر: ١٦].
(يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدِ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَا، أَوِ الْحَيَاةِ – شَكَّ مَالِكٌ – فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ في جانب السيل، ألم أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً).
قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عمرو: الحياة، وقال: خردل من خير.
[٦١٢٩].
(مثقال) وزن. (خردل) نبات صغير الحب، يشبه به الشيء البالغ القلة. (نهر الحيا) المطر، لأنه تحصل به الحياة، ونهر الحياة هو الذي يحيي من انغمس فيه. (فينبتون) يخرجون. (الحبة) بذرة النبات من البقول والرياحين. (صفراء ملتوية) منثنية تسر الناظرين، والمعنى: أنهم يخرجون بوجوه نضرة، مسروين متبخترين.
(بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ). قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (الدين).
[٣٤٨٨، ٦٦٠٦، ٦٦٠٧].
(قمص) جمع قميص، وهو الثوب. (الثدي) جمع ثدي. (يجره) أي لطوله وزيادته. (أولت) عبرت وفسرت. (الدين) أي تمكنه من النفس، وظهور آثاره على الجوارح، من التزام أحكامه والوقوف عند حدوده.
(دعه فإن الحياء من الإيمان).
[٥٧٦٧].
(يعظ أخاه في الحياء) ينصحه ويعاتبه على كثرة حيائه. (دعه) اتركه على حيائه.
١٥ – بَاب: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فخلوا سبيلهم﴾ /التوبة: ٥/.
(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ، وَحِسَابُهُمْ على الله).
[٢٧٨٦].
(أقاتل الناس) أي بعد عرض الإسلام عليهم. (يشهدوا) يعترفوا بكلمة التوحيد، أي يسلموا، أو يخضعوا لحكم الإسلام إن كانوا أهل كتاب، يهودا أو نصارى. (عصموا) حفظوا وحقنوا، والعصمة الحفظ والمنع. (إلا بحق الإسلام) أي: إلا إذا فعلوا ما يستوجب عقوبة مالية أو بدنية في الإسلام، فإنهم يؤاخذون بذلك قصاصا. (وحسابهم على الله) أي فيما يتعلق بسرائرهم وما يضمرون.
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ /الزخرف: ٧٢/. وَقَالَ عِدَّةٌ مِنْ أهل العلم في قوله تعالى: ﴿فوربك لنسألهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ /الحجر: ٩٣/: عَنْ قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فليعمل العاملون﴾ /الصافات: ٦١/.
أن رسول الله ﷺ سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: (إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ). قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: (حج مبرور).
[١٤٤٧].
(أفضل) أكثر ثوابا عند الله تعالى. (مبرور) مقبول، وهو الذي لا يقع فيه ارتكاب ذنب.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ /الحجرات: ١٤/. فَإِذَا كَانَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَهُوَ عَلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ /آل عمران: ١٩/.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَى رَهْطًا وَسَعْدٌ جَالِسٌ، فَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا هُوَ أَعْجَبُهُمْ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: (أَوْ مُسْلِمًا). فَسَكَتُّ قَلِيلًا، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أعلم منه، فعدت لمقالتي⦗١٩⦘
فقلت: مالك عَنْ فُلَانٍ؟ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِنًا، فَقَالَ: (أَوْ مُسْلِمًا)، ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَعْلَمُ مِنْهُ فَعُدْتُ لِمَقَالَتِي، وَعَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ قَالَ: (يَا سَعْدُ إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ، وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُبَّهُ اللَّهُ فِي النَّارِ).
وَرَوَاهُ يُونُسُ وَصَالِحٌ وَمَعْمَرٌ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
[١٤٠٨].
(رهطا) ما دون العشرة من الرجال. (رجلا) هو جعيل بن سراقة الضمري. (أعجبهم إلي) أفضلهم وأصلحهم في اعتقادي. (ما لك عن فلان) ما سبب عدولك عنه إلى غيره، وفلان كناية عن اسم أبهم بعد أن ذكر، أو سمي به المحدث عنه الخاص. (أو مسلما) أي بل قل (مسلما) بدل (مؤمنا) لأنك تعلم ظاهر أمره، ولا تعلم حقيقة حاله، وليس لك أن تجزم بهذا. (غلبني) حملني على القول ثانية. (يكبه) يلقيه منكوسا على وجهه.
وَقَالَ عَمَّارٌ: ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ: الْإِنْصَافُ من نفسك، وبذل السلام للعلم، والإنفاق من الإقتار.
[ر: ١٢].
فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[ر: ٢٩٨].
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ). قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إلى إحداعن الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رأيت منك خير قط).
[٤٢١، ٧١٥، ١٠٠٤، ٣٠٣٠، ٤٩٠١].
(أريت) من الرؤية وهي الإبصار، والمعنى أراني الله تعالى. (يكفرن العشير) من الكفر وهو الستر والتغطية، أي ينكرن إحسانه. والعشير: الزوج، مأخوذ من المعاشرة وهي المخالطة والملازمة. (الدهر) مدة عمرك. (شيئا) لا يوافق مزاجها ولا يعجبها مهما كان قليلا. (قط) أي فيما مضى من الأزمنة.
لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ) وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لمن يشاء﴾ /النساء: ٤٨/.
(يَا أبا ذر، أعيرته بأمه، إنك امرو فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم).
[٢٤٠٧، ٥٧٠٣].
(الربذة) موضع قريب من المدينة. (حلة) ثوبان، إزار ورداء. (غلامه) عبده ومملوكه. (عن ذلك) عن سبب إلباسه عبده مثل ما يلبس، لأنه خلاف المعهود. (ساببت) شاتمت. (رجلا) هو بلال الحبشي رضي الله عنه. (فعيرته) نسبته إلى العار. (بأمه) بسبب أمه وكانت سوداء، فقال له: يا بن السوداء. (فيك جاهلية) خصلة من خصال الجاهلية، وهي التفاخر بالآباء. (إخوانكم خولكم) الذين يخولون أموركم – أي يصلحونها – من العبيد والخدم، هم إخوانكم في الدين أو الآدمية. (تحت أرجلكم) في رعايتكم وتحت سلطانكم. (يغلبهم) يعجزون عن القيام به.
فسماهم المؤمنين.
(إذا التقى المسلمان بسيفهما فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ). فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ⦗٢١⦘
الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صاحبه).
[٦٣٨١، ٦٦٧٢].
(هذا الرجل) هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه. (التقى المسلمان بسيفهما) أي بقصد العدوان. (في النار) أي يستحقان دخول النار. (فما بال المقتول) ما شأنه يدخل النار وقد قتل ظلما. (حريصا) عازما.
لَمَّا نَزَلَتْ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهم بظلم﴾. قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أينا لم يظلم؟ فأنزل الله: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾.
[٣١٨١، ٣٢٤٥، ٣٢٤٦، ٤٣٥٣، ٤٤٩٨، ٦٥٢٠، ٦٥٣٨].
(يلبسوا) يخلطوا. والآية من سورة الأنعام: ٨٢. (فأنزل الله: إن الشرك) أي فبين الله تعالى أن المراد بالظلم الشرك. والآية من سورة لقمان: ١٣.
(آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خان).
[٢٥٣٦، ٢٥٩٨، ٥٧٤٤].
(آية) علامة. (كذب) أخبر بخلاف الحقيقة قصدا. (اخلف) لم يف بوعده.
(أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ).
تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ.
[٢٣٢٧، ٣٠٠٧].
(منافقا خالصا) قد استجمع صفات النفاق. (خصلة) صفة. (يدعها) يتركها ويخلص نفسه منها. (غدر) ترك الوفاء بالعهد. (خاصم) نازع وجادل. (فجر) مال عن الحق واحتال في رده.
٣٥ – حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ،
⦗٢٢⦘
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: (مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غفر لله ما تقدم من ذنبه).
[١٨٠٢، ١٩١٠].
(من يقم ليلة القدر) يحييها بالصلاة وغيرها من القربات. (إيمانا) تصديقا بأنها حق. (واحتسابا) يريد وجه الله تعالى لا رياء، ويحتسب الأجر عنده ولا يرجو ثناء الناس.
(انتدب الله عز وجل لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا إِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي، أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ثُمَّ أحيا، ثم أقتل).
[٢٦٣٥، ٢٧٤١، ٢٩٥٥، ٧٠١٩، ١٠٢٥، وانظر: ٢٣٥، ٢٦٤٤].
(انتدب) تكفل، أو سارع بثوابه وحسن جزائه. (أن أرجعه) أي إلى بلده إن لم يستشهد. (بما نال) مع ما أصاب وأعطي. (أو أدخله الجنة) بلا حساب إن استشهد. (ما قعدت خلف سرية) ما تخلفت عن سرية، وهي القطعة من الجيش. (ولوددت) أحببت ورغبت.
(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه).
[١٩٠٤، ١٩٠٥].
(قام رمضان) أحيا لياليه بالعبادة والقربات. (إيمانا واحتسابا) مصدقا بثوابه، مخلصا بقيامه. (ما تقدم من ذنبه) من الصغائر.
(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه).
[١٨٠٢، ١٩١٠].
وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ: (أحب الدين إلى الله الحنيفة السمحة).
(إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ).
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وكان اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ /البقرة: ١٤٣/: يَعْنِي صَلَاتَكُمْ عِنْدَ البيت.
كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ، أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أو سبعة شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العصر، وصلى معه قوم، فخرج مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتْ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إِذْ كَانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ.
قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فيهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وكان الله ليضيع إيمانكم﴾.
[٣٩٠، ٤٢١٦، ٤٢٢٢، ٦٨٢٥].
(قبل) نحو. (يعجبه) يحب ويرغب. (قبل البيت) جهة الكعبة. (أول صلاة صلاها) أي إلى الكعبة بعد تحويل القبلة. (رجل) هو عباد بن بشر رضي الله عنه، وقيل غيره. (أشهد بالله) أحلف بالله. (فداروا كما هم) أي لم يقطعوا الصلاة، بل داروا على ما هم عليه وأتموا صلاتهم. (وأهل الكتاب) والنصارى كذلك. (ولى وجهه قبل البيت) توجه نحوه. (أنكروا ذلك) لم يعجبهم وطعنوا فيه.
(إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ زَلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ: الْحَسَنَةُ بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عنها).
(إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلى سبعمائة ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا).
أن النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: (مَنْ هَذِهِ). قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: (مَهْ، عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تملوا). وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه.
[١١٠٠، وانظر: ١٨٦٩].
(فلانة) كناية عن علم مؤنث، وقيل: هي الحولاء بنت تويت رضي الله عنها. (تذكر من صلاتها) كثرة صلاتها وأنها لا تنام الليل. (مه) اسم فعل بمعنى اكفف. (عليكم بما تطيقون) اشتغلوا بما تسطيعون المداومة عليه من الأعمال. (لا يمل الله حتى تملوا) لا يقطع عنكم ثوابه، إلا إذا انقطعتم عن العمل بسبب إفراطكم فيه. (إليه) إلى النبي ﷺ، وفي رواية (إلى الله).
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وزنادهم هُدًى﴾ /الكهف: ١٣/. ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ /المدثر: ٣١/.
وَقَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ /المائدة: ٣/. فَإِذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْكَمَالِ فَهُوَ نَاقِصٌ.
(يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ⦗٢٥⦘
النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبَانُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: (مِنْ إِيمَانٍ) مَكَانَ (مِنْ خير).
[٧٠٧١، ٧٠٧٢].
(برة) قمحة. (ذرة) النملة الصغيرة، وقيل: أقل شيء يوزن، وقيل غير ذلك.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تقرؤونها، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْـ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكم الإسلام دينا﴾. قَالَ عُمَرُ: قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ.
[٤١٤٥، ٤٣٣٠، ٦٨٤٠].
(رجلا من اليهود) هو كعب الأحبار، قال ذلك قبل أن يسلم. (معشر) الجماعة الذين شأنهم واحد. (عيدا) يوم سرور وفروح وتعظيم، سمي كذلك لأنه يعود كل عام فيعود معه السرور. (أي آية) هي التي تعنيها، وهي الآية الثالثة من المائدة. (أكملت لكم دينكم) بإرساخ قواعده وبيانها، وإظهاره على الأديان كلها. (وأتممت عليكم نعمتي) بالهداية والتوفيق، والنصر على الكفر وأهله، وهدم معالم الجاهلية. (قد عرفنا ذلك اليوم والمكان) أشار عمر رضي الله عنه إلى أن يوم نزولها يوم عيد عند المسلمين، فقد نزلت يوم الجمعة، وهو يوم عيد لنا، ويوم عرفة الذي يتحقق العيد بأوله.
وقوله عز وجل: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ /البينة: ٥/.
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ،⦗٢٦⦘
ثَائِرَ الرَّأْسِ، يُسْمَعُ دَوِيُّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ) فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ). قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَصِيَامُ رَمَضَانَ). قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قال: (لا إلا أن تطوع). قال: وذكر لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الزَّكَاةَ، قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: (لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ). قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أفلح إن صدق).
[١٧٩٢، ٢٥٣٢، ٦٥٥٦].
(رجل) قيل: هو ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه. (نجد) ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق. (ثائر الرأس) شعره متفرق. (دوي) شدة الصوت وبعده في الهواء. (يفقه) يفهم. (دنا) قرب. (يسأل عن الإسلام) عن خصاله وأعماله. (تطوع) تأتي بشيء زائد عما وجب عليك من نفسك. (أفلح إن صدق) فاز بمقصوده من الخير إن وفى بما التزم.
أَنَّ رسول الله ﷺ قال: (مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّه يَرْجِعُ مِنَ الْأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ).
تَابَعَهُ عُثْمَانُ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ، نحوه.
[١٢٦٠، ١٢٦١].
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: مَا عَرَضْتُ قَوْلِي عَلَى عَمَلِي إِلَّا خَشِيتُ أَنْ أكون مكذبا. وقال ابن أبي ملكية: أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، كُلُّهُمْ يَخَافُ النِّفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ، مَا مِنْهُمْ أَحَدٌ يَقُولُ: إِنَّهُ عَلَى إِيمَانِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَيُذْكَرُ عَنْ الْحَسَنِ: مَا خَافَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا أَمِنَهُ إِلَّا مُنَافِقٌ. وَمَا يُحْذَرُ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى النِّفَاقِ وَالْعِصْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ /آل عمران: ١٣٥/.
أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فسوق، وقتاله كفر).
[٥٦٩٧، ٦٦٦٥].
(المرجئة) الفرقة الملقبة بذلك، من الإرجاء وهو التأخير، سموا بذلك لأنهم يؤخرون العمل عن الإيمان يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية. (سباب المسلم) شتمه والتكلم في عرضه بما يعيبه ويؤذيه. (فسوق) فجور وخروج عن الحق. (كفر) أي إن استحله. والمراد: إثبات ضرر المعصية مع وجود الإيمان.
أن رسول الله ﷺ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: (إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمُ، الْتَمِسُوهَا في السبع والتسع والخمس).
[١٩١٩، ٥٧٠٢].
وَبَيَانِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: (جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ). فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ لِوَفْدِ عَبْدِ القيس من الإيمان [ر: ٥٣]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فلن يقبل منه﴾ /آل عمران: ٨٥/.
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جبريل فقال: ما الإيمان؟ قال: (أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بالعبث). قَالَ: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: (الْإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ الله ولا تشرك به، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ). قَالَ: مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: (أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يراك).⦗٢٨⦘
قال: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الْإِبِلِ الْبُهْمُ فِي الْبُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ). ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ ﷺ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ الساعة﴾ الآية، ثُمَّ أَدْبَرَ، فَقَالَ: (رُدُّوهُ): فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيلُ، جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ).
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِك كُلَّهُ من الإيمان.
[٤٤٩٩].
(بارزا) ظاهرا لهم وجالسا معهم. (فأتاه جبريل) أي في صورة رجل. (ما الإيمان) أي ما حقيقته، وكذلك (ما الإسلام) و(ما الإحسان). (كأنك تراه) تكون حاضر الذهن فارغ النفس مستجمع القلب كما لو كنت تشاهد الحضرة الإلهية. (متى الساعة) في أي زمن تقوم القيامة. (بأعلم من السائل) لا أعلم عنها أكثر مما تعلم، وهو الجهل بوقتها، لأن الله تعالى اختص بذلك. (أشراطها) علاماتها، جمع شرط. (تلد الأمة ربها) الأمة المملوكة، والرب السيد، والمراد: أنه يكثر العقوق، وتفسد الأمور، وتنعكس الأحوال، حتى يصبح السيد مسودا، والأجير الصعلوك سيدا. (تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان) تفاخر أهل البادية بالأبنية المرتفعة، بعد استيلائهم على البلاد وتصرفهم في الأموال، ومعنى البهم: السود، وهي أسؤوها عندهم. (في خمس) أي علم وقت الساعة داخل في أمور خمسة، وهي المذكورة في الآية: ﴿إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير﴾ /لقمان: ٣٤/. (الغيث) المطر. (ما في الأرحام) من ذكر وأنثى.
[ر: ٧].
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يقول: (الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى المشبها اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كراع يرعى حول الحمى أوشك أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألا وإن حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ،⦗٢٩⦘
أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهي القلب).
[١٩٤٦].
(بين) ظاهر بالنسبة إلى ما دل عليه. (كشبهات) موجودة بين الحل والحرمة، ولم يظهر أمرها على التعيين. (اتقى) حذرها وابتعد عنها. (استبرأ لدينه وعرضه) طلب البراءة في دينه من النقص وعرضه من الطعن، والعرض: هو موضع الذم والمدح من الإنسان. (الحمى) موضع حظره الإمام وخصه لنفسه ومنع الرعية منه. (يوشك) يقرب. (يواقعه) يقع فيه (مضغة) قطعة لحم بقدر ما يمضغ في الفم.
كُنْتُ أَقْعُدُ مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ، يُجْلِسُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: أَقِمْ عِنْدِي حَتَّى أَجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مَالِي، فَأَقَمْتُ مَعَهُ شَهْرَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (مَنِ الْقَوْمُ) أَوْ مَنِ الْوَفْدُ)؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ. قَالَ: (مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ، أَوْ بِالْوَفْدِ، غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى) فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَأْتَيِكَ إلا في شهر الْحَرَامِ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ فَصْلٍ، نُخْبِرْ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا، وَنَدْخُلْ بِهِ الْجَنَّةَ. وَسَأَلُوهُ عَنِ الْأَشْرِبَةِ: فَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ، أَمَرَهُمْ: بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، قَالَ: (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ). قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رمضان، وأن تعطوا من المغن الْخُمُسَ). وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ والنقير والمزقت. وَرُبَّمَا قَالَ: (الْمُقَيَّرِ. وَقَالَ: (احْفَظُوهُنَّ وَأَخْبِرُوا بِهِنَّ من وراءكم).
[٨٧، ٥٠٠، ١٣٣٤، ٢٩٢٨، ٣٣١٩، ٤١١٩، ٤١١١، ٥٨٢٢، ٦٨٣٨، ٧١١٧].
(سهما) نصيبا. (الوفد) اسم جمع لوافد بمعنى قادم، والوفد الجماعة المختارة من قومهم لينوبوا عنهم في الأمور المهمات. (غير خزايا ولا ندامى) غير أذلاء بمجيئكم، ولا نادمين على قدومكم. (فصل) واضح بحيث ينفصل به المراد عن غيره. (تعطوا من المغنم الخمس) تدفعوا خمس ما تغنمون في الجهاد للإمام ليصرفه في مصارفه الشرعية. (الحنتم) جرار كانت تعمل من طين وشعر ودم. (الدباء) اليقطين إذا يبس اتخذ وعاء. (النقير) أصل النخلة ينقر ويجوف فيتخذ منه وعاء. (المزفت) ما طلي بالزفت. (المقير) ما طلي بالقار، وهو نبت يحرق إذا يبس، وتطلى به الأوعية والسفن. والمراد بالنهي عن هذه الأوعية: النهي عن الانتباذ فيها، لأنها يسرع فيها الإسكار، فربما شرب ما انتبذ فيها دون أن ينتبه إليه فيقع في الحرام، ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر. ومعنى الانتباذ: أن يوضع الزبيب أو التمر في الماء، ويشرب نقيعه قبل أن يختمر ويصبح مسكرا. (من وراءكم) الذين بقوا في ديارهم من قومكم.
فَدَخَلَ فِيهِ الْإِيمَانُ، وَالْوُضُوءُ، وَالصَّلَاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّوْمُ وَالْأَحْكَامُ.⦗٣٠⦘
وَقَالَ الله تعالى: ﴿كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ /الإسراء: ٨٤/: عَلَى نِيَّتِهِ: (نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ يَحْتَسِبُهَا صَدَقَةٌ). وَقَالَ: (ولكن جهاد ونية).
[ر: ٣٠١٧].
إن رسول الله ﷺ قَالَ: (الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدنيا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هاجر إليه).
[ر: ١].
[٣٧٨٤، ٥٠٣٦].
(أهله) هم الزوجة والولد وغيرهما ممن هم في رعايته. (يحتسبها) يريد بها وجه الله تعالى.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي في امرأتك).
[١٢٣٣، ٢٥٩١، ٢٥٩٣، ٣٧٢١، ٤١٤٧، ٥٠٣٩، ٥٣٣٥، ٥٣٤٤، ٦٠١٢، ٦٣٥٢].
(في في امرأتك) في فم امرأتك، أي ثتاب على ما تنفقه على زوجتك، من طعام وغيره، أو المراد: ما تطعمه زوجتك بيدك مؤانسة وحسن معاشرة.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إذا نصحوا لله ورسوله﴾ /التوبة: ٩١/.
قال العيني: إن البخاري رحمه الله تعالى، ختم كتاب الإيمان بهذا الحديث، لأنه عظيم جليل حفيل، عليه مدار الإسلام، .. وقيل: يمكن أن يستخرج منه الدليل على جميع الأحكام.
(نصحوا) نصح له: تحرى ما ينبغي له وما يصلح، وأراد له الخير، وأخلص في تدبير أمره. ونصح العبد لله تعالى: وقف عند ما أمر وما نهى، وفعل ما يجب واجتنب ما يسخط. ونصح لرسوله ﷺ: صدق بنبوته، والتزم ما جاء به، وتخلق بأخلاقه بقدر طاقته.
بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.
عَلَيْكُمْ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالْوَقَارِ، وَالسَّكِينَةِ، حَتَّى يَأْتِيَكُمْ أَمِيرٌ، فَإِنَّمَا يَأْتِيكُمُ الْآنَ. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعْفُوا لِأَمِيرِكُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ يُحِبُّ الْعَفْوَ. ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ قُلْتُ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَشَرَطَ عَلَيَّ: (وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ). فَبَايَعْتُهُ عَلَى هَذَا، وَرَبِّ هَذَا الْمَسْجِدِ إِنِّي لَنَاصِحٌ لَكُمْ. ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَزَلَ.
[٥٠١، ١٣٣٦، ٢٠٤٩، ٢٥٦٥، ٢٥٦٦، ٦٧٧٨].