قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [٢]: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ ذَا الْحَجَّةِ وَالْمُحَرَّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ، وَخَرَجَ فِي جُمَادَى الْأُولَى عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ فَتْحِ قُرَيْظَةَ، إلَى بَنِي لِحْيَانَ يَطْلُبُ بِأَصْحَابِ الرَّجِيعِ: خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ وَأَصْحَابَهُ، وَأَظْهَرَ أَنَّهُ يُرِيدُ الشَّامَ، لِيُصِيبَ مِنْ الْقَوْمِ غِرَّةً [٣] .
(اسْتِعْمَالُهُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ):
فَخَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ ﷺ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.
(طَرِيقُهُ إلَيْهِمْ ثُمَّ رُجُوعُهُ عَنْهُمْ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَسَلَكَ عَلَى غُرَابٍ، جَبَلٍ بِنَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِهِ إلَى الشَّامِ، ثُمَّ عَلَى مَحِيصٍ [٤]، ثُمَّ عَلَى الْبَتْرَاءِ، ثُمَّ صَفَّقَ [٥] ذَاتَ الْيَسَارِ، فَخَرَجَ عَلَى بَيْنٍ [٦]، ثُمَّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ [٧]، ثُمَّ اسْتَقَامَ بِهِ الطَّرِيقُ عَلَى الْمَحَجَّةِ مِنْ طَرِيقِ مَكَّةَ، فَأَغَذَّ [٨] السَّيْرَ
[٢] كَذَا فِي أ، ط. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك ابْن هِشَام قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ» .
[٣] الْغرَّة: الْغَفْلَة.
[٤] كَذَا فِي شرح الْمَوَاهِب ومعجم الْبلدَانِ. وَفِي الْأُصُول: «مخيض» وَهُوَ تَصْحِيف.
[٥] صفق: عدل.
[٦] بَين (بِالْكَسْرِ) كَمَا ضَبطه ياقوت فِي مُعْجَمه، وبالفتح أَو التحريك، كَمَا ضَبطه الزرقانى نقلا عَن غَيره: وَاد قرب الْمَدِينَة.
[٧] صخيرات اليمام: منزل رَسُول الله ﷺ إِلَى بدر. وَهُوَ بَين السيالة وقريش.
وَقد ذكر فِي مُعْجم الْبلدَانِ «صخيرات الثمام، بالثاء، وأشير فِيهِ إِلَى هَذِه الرِّوَايَة. وَذكر الزرقانى بالثاء وَلم يشر إِلَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة» وَفِي رِوَايَة بشرح الْقَامُوس: «صحيرات» .
[٨] أغذ: أسْرع.
(مَقَالَةُ الرَّسُولِ فِي رُجُوعِهِ):
فَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ حِينَ وَجه رَاجعا: آئبون تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، أَعُوذُ باللَّه مِنْ وَعْثَاءِ [٣] السَّفَرِ، وَكَآبَةِ [٤] الْمُنْقَلَبِ، وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ.
(شِعْرُ كَعْبٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ):
وَالْحَدِيثُ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ:
لَوْ أَنَّ بَنِي لِحْيَانَ كَانُوا تَنَاظَرُوا … لَقُوا عُصَبًا فِي دَارِهِمْ ذَاتَ مَصْدَقِ [٥]
لَقُوا سَرَعَانًا يَمْلَأُ السَّرْبَ رَوْعُهُ … أَمَامَ طَحُونٍ كَالْمَجَرَّةِ فَيْلَقِ [٦]
(عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٢] وَذكر ابْن سعد أَنه حِين نزل رَسُول الله ﷺ عسفان بعث أَبَا بكر مَعَ عشرَة فوارس لتسمع بهم قُرَيْش فيذعرهم، فَأتوا كرَاع الغميم وَلم يلْقوا كيدا. قَالَ الزرقانى: «وَيُمكن الْجمع بِأَنَّهُ بعثهما ثمَّ بعث أَبَا بكر فِي الْعشْرَة، أَو عَكسه» .
[٣] وعثاء السّفر: مشقته وشدته.
[٤] الكآبة: الْحزن.
[٥] تنَاظرُوا: انتظروا. والعصب: الْجَمَاعَات
[٦] السرعان: أول الْقَوْم. والسرب (بِفَتْح السِّين): الطَّرِيق. والسرب (بِكَسْر السِّين): النَّفس وكلا الْمَعْنيين مُحْتَمل. والروع: الْفَزع. والطحون: الكتيبة تطحن كل مَا تمر بِهِ. والمجرة: نُجُوم كَثِيرَة يخْتَلط ضوءها فِي السَّمَاء، وَالْفَيْلَق: الكتيبة الشَّدِيدَة.