قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً [١]، تَزَوَّجَ خَدِيجَةَ [٢] بِنْتَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، فِيمَا حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيِّ.
(خُرُوجُهُ ﷺ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَةِ خَدِيجَةَ، وَمَا كَانَ مِنْ بَحِيرَى):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً تَاجِرَةً ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ.
[٢] وَكَانَ عمر خَدِيجَة إِذْ ذَاك أَرْبَعِينَ سنة. وَقيل: خمْسا وَأَرْبَعين. وَكَانَت تدعى فِي الْجَاهِلِيَّة بالطاهرة، لشدَّة عفافها وصيانتها. وَكَانَت تَحت أَبى هَالة بن زُرَارَة التَّمِيمِي، وَمَات أَبُو هَالة فِي الْجَاهِلِيَّة، وَقد ولدت لَهُ خَدِيجَة هندا الصَّحَابِيّ. رَاوِي حَدِيث صفة النَّبِي ﷺ، وَقد شهد بَدْرًا، وَقيل أحدا.
وَقد روى عَنهُ الْحسن بن على، فَقَالَ: حَدثنِي خَالِي، لِأَنَّهُ أَخُو فَاطِمَة لأمها. وَكَانَ هِنْد فصيحا بليغا وصافا وَكَانَ يَقُول: أَنا أكْرم النَّاس أَبَا وَأما وأخا وأختا. أَبى رَسُول الله ﷺ، وأخى الْقَاسِم، وأختى فَاطِمَة، وأمى خَدِيجَة، رضى الله عَنْهُم، وَقتل هِنْد مَعَ على يَوْم الْجمل، وَقيل مَاتَ بِالْبَصْرَةِ فِي الطَّاعُون، وَيُقَال: إِن الّذي مَاتَ بالطاعون وَلَده، واسْمه هِنْد أَيْضا.
كَمَا ولدت خَدِيجَة أَيْضا لأبى هَالة: هَالة بن أَبى هَالة، وَكَانَ لَهُ صُحْبَة.
وَبعد أَن مَاتَ أَبُو هَالة عَن خَدِيجَة تزَوجهَا عَتيق بن عَابِد المَخْزُومِي، فَولدت لَهُ بِنْتا اسْمهَا هِنْد، وَقد أسلمت وصحبت. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، والاستيعاب) .
فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ [٢] مِنْ الرُّهْبَانِ، فَاطَّلَعَ الرَّاهِبُ إلَى مَيْسَرَةَ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ إلَّا نَبِيٌّ [٣] .
(رَغْبَةُ خَدِيجَةَ فِي الزَّوَاجِ مِنْهُ):
ثُمَّ بَاعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ. فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إذَا كَانَتْ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحُرُّ، يَرَى مَلَكَيْنِ يُظِلَّانِهِ مِنْ الشَّمْسِ- وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ. فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيجَةَ بِمَالِهَا، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ، فَأَضْعَفَ أَوْ قَرِيبًا [٤] .
[٢] وَكَانَ اسْم هَذَا الراهب نسطورا، وَلَيْسَ هُوَ بحيرى الْمُتَقَدّم ذكره.
[٣] يُرِيد مَا نزل تحتهَا هَذِه السَّاعَة إِلَّا نَبِي، وَلم يرد مَا نزل تحتهَا قطّ إِلَّا نَبِي، لبعد الْعَهْد بالأنبياء قبل ذَلِك. وَإِن كَانَ فِي لفظ الْخَبَر «قطّ» فقد تكلم بهَا على جِهَة التوكيد للنَّفْي، والشجرة لَا تعمر فِي الْعَادة هَذَا الْعُمر الطَّوِيل، حَتَّى يدرى أَنه لم ينزل تحتهَا إِلَّا عِيسَى أَو غَيره من الْأَنْبِيَاء عليهم السلام. وَيبعد فِي الْعَادة أَن تكون شَجَرَة تَخْلُو من أَن ينزل تحتهَا أحد حَتَّى يَجِيء نَبِي، إِلَّا أَن تصح رِوَايَة من قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث:
لم ينزل تحتهَا أحد بعد عِيسَى بن مَرْيَم عليه السلام، وَهِي رِوَايَة عَن غير ابْن إِسْحَاق، فالشجرة على هَذَا مَخْصُوصَة بِهَذِهِ الْآيَة. (رَاجع الرَّوْض الْأنف) .
[٤] وروى الزرقانى عَن الْوَاقِدِيّ وَابْن السكن فِي اخْتِيَار خَدِيجَة لرَسُول الله ﷺ: أَن أَبَا طَالب قَالَ: يَا بن أخى، أَنا رجل لَا مَال لي، وَقد اشْتَدَّ الزَّمَان علينا، وألحت علينا سنُون مُنكرَة، وَلَيْسَ لنا مَادَّة وَلَا تِجَارَة، وَهَذِه عير قَوْمك قد حضر خُرُوجهَا إِلَى الشَّام، وَخَدِيجَة تبْعَث رجَالًا من قَوْمك يتجرون فِي مَالهَا ويصيبون مَنَافِع، فَلَو جِئْتهَا لفضلتك على غَيْرك، لما يبلغهَا عَنْك من طهارتك، وَإِن كنت أكره أَن تأتى الشَّام، وأخاف عَلَيْك من يهود، وَلَكِن لَا نجد من ذَلِك بدا، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً شَرِيفَةً لَبِيبَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ بَعَثَتْ [١] إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ لَهُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- يَا بن عَمِّ. إنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِيكَ لِقَرَابَتِكَ، وَسِطَتِكَ [٢] فِي قَوْمِكَ وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ، وَصِدْقِ حَدِيثِكَ، ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا. وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا، كُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
(نَسَبُ خَدِيجَةَ):
وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ [٣] بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ حَجَرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فَهِرٍّ. وَأُمُّ فَاطِمَةَ: هَالَةُ بِنْتُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُنْفِذِ بْنِ عَمْرِو ابْن مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ. وَأُمُّ هَالَةَ: قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ ابْن سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
(زَوَاجُهُ ﷺ مِنْ خَدِيجَةَ):
فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ذكر ذَلِك لَا عِمَامَة فَخَرَجَ مَعَهُ
فَبلغ خَدِيجَة مَا كَانَ من محاورة عَمه لَهُ. ثمَّ كَانَ أَن أرْسلت إِلَيْهِ، لعلمها قبل هَذَا بِصَدقَة وأمانته.
[١] هَذَا قَول ابْن إِسْحَاق: أَنَّهَا عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا من غير وساطة، وَيذْهب غَيره إِلَى أَنَّهَا عرضت عَلَيْهِ نَفسهَا بوساطة، وَأَن ذَلِك كَانَ على يَد نفيسة بنت منية، وَالْجمع مُمكن، فقد تكون بعثت نفيسة أَولا لتعلم أيرضى أم لَا؟. فَلَمَّا علمت بذلك كَلمته بِنَفسِهَا. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب) .
[٢] كَذَا فِي أ. وَشرح الْمَوَاهِب، وَشرح السِّيرَة، وَالرَّوْض والطبري. وسطتك: شرفك.
مَأْخُوذَة من الْوسط مصدر، كالعدة والزنة، وَالْوسط من أَوْصَاف الْمَدْح والتفضيل. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«وسطتك»، وَهُوَ تَحْرِيف.
[٣] كَذَا فِي أوالطبري، وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بنت زَائِد» .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِشْرِينَ بَكْرَةً، وَكَانَتْ أَوَّلَ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَلَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا غَيْرَهَا حَتَّى مَاتَتْ، رضي الله عنها.
(أَوْلَادُهُ ﷺ مِنْ خَدِيجَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَدَهُ كُلَّهُمْ إلَّا إبْرَاهِيمَ الْقَاسِمَ، وَبَهْ كَانَ يُكَنَّى ﷺ، وَالطَّاهِرَ [٣]، وَالطَّيِّبَ، وَزَيْنَبَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ، عليهم السلام.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَكْبَرُ بَنِيهِ الْقَاسِمُ، ثُمَّ الطَّيِّبُ، ثُمَّ الطَّاهِرُ، وَأَكْبَرُ بَنَاتِهِ رُقَيَّةُ، ثُمَّ زَيْنَبُ، ثُمَّ أُمُّ كُلْثُومٍ، ثُمَّ فَاطِمَةُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمَّا الْقَاسِمُ، وَالطَّيِّبُ، وَالطَّاهِرُ فَهَلَكُوا [٤] فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَقيل: لعلهما خرجا مَعَه جَمِيعًا وخطب أَبُو طَالب الْخطْبَة، لِأَنَّهُ كَانَ أسن من حَمْزَة. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب وَالرَّوْض) .
[٢] وَذكر الزُّهْرِيّ أَن خويلد أبرم هَذَا الزواج، وَهُوَ سَكرَان، فَلَمَّا أَفَاق أنكر ذَلِك، ثمَّ رضيه وأمضاه وَفِي ذَلِك يَقُول راجز من أهل مَكَّة:
لَا تزهدى خديج فِي مُحَمَّد … نجم يضيء كإضاء الفرقد
وَذكر غير ابْن إِسْحَاق أَن خويلدا كَانَ إِذْ ذَاك قد هلك، وَأَن الّذي أنكح خَدِيجَة رضى الله عَنْهَا هُوَ عَمها عَمْرو بن أَسد. كَمَا يُقَال أَيْضا إِن الّذي أنْكحهَا هُوَ أَخُوهَا عَمْرو بن خويلد. (رَاجع شرح الْمَوَاهِب، وَالرَّوْض) .
[٣] يشْعر سِيَاق الحَدِيث هُنَا وَفِيمَا سَيَأْتِي، أَن الطَّاهِر وَالطّيب شخصان، وَالْمَعْرُوف أَنَّهُمَا لقبان لعبد الله، وَبِهِمَا كَانَ يلقب. (رَاجع زَاد الْمعَاد، وَالرَّوْض الْأنف، والمعارف) .
[٤] فِي موت الْقَاسِم فِي الْجَاهِلِيَّة خلاف، فقد ذكر السهيليّ عَن الزبير أَن الْقَاسِم مَاتَ رضيعها، وَأَن رَسُول الله ﷺ دخل على خَدِيجَة بعد موت الْقَاسِم، وَهِي تبكى، فَقَالَت: يَا رَسُول الله، لقد درت لبينة الْقَاسِم (اللبينة تَصْغِير لبنة، وَهِي قِطْعَة من اللَّبن) . فَلَو كَانَ عَاشَ حَتَّى يستكمل رضاعه لهون على، فَقَالَ: إِن شِئْت أسمعتك صَوته فِي الْجنَّة، فَقَالَت بل أصدق الله وَرَسُوله. وَفِيمَا روى الزبير دَلِيل على أَن الْقَاسِم لم يهْلك فِي الْجَاهِلِيَّة.
(أُمُّ إبْرَاهِيمَ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ فَأُمُّهُ مَارِيَةُ (الْقِبْطِيَّةُ) . حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ، قَالَ: أُمُّ إبْرَاهِيمَ: مَارِيَةُ سُرِّيَّةُ النَّبِيِّ ﷺ الَّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ مِنْ حَفْنَ مِنْ كُورَةِ أَنْصِنَا [١] .
(حَدِيثُ خَدِيجَةَ مَعَ وَرَقَةَ وَصِدْقُ نُبُوءَةِ وَرَقَةَ فِيهِ ﷺ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ قَدْ ذَكَرَتْ لِوَرَقَةَ [٢] بْنِ نَوْفَلِ ابْن أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى، وَكَانَ ابْنَ عَمِّهَا، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا قَدْ تَتَبَّعَ الْكُتُبَ وَعَلِمَ مِنْ عِلْمِ النَّاسِ- مَا ذَكَرَ لَهَا غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مِنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَمَا كَانَ يَرَى مِنْهُ إذْ كَانَ الْمَلَكَانِ يُظِلَّانِهِ، فَقَالَ وَرَقَةُ: لَئِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا يَا خَدِيجَةُ، إنَّ مُحَمَّدًا لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ كَائِنٌ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ يُنْتَظَرُ، هَذَا زَمَانُهُ، أَوْ كَمَا قَالَ.
(قَالَ) [٣]: فَجَعَلَ وَرَقَةُ يَسْتَبْطِئُ الْأَمْرَ وَيَقُولُ: حَتَّى مَتَى؟ فَقَالَ وَرَقَةُ فِي ذَلِكَ:
لَجَجْتُ وَكُنْتُ فِي الذّكْرَى لَجُوجًا … لِهَمٍّ طَالَمَا بَعَثَ النّشِيجَا [٤]
وَوَصْفٌ مِنْ خَدِيجَةَ بَعْدَ وَصْفٍ … فَقَدْ طَالَ انْتِظَارِي يَا خَدِيجَا
بِبَطْنِ الْمَكّتَيْنِ [٥] عَلَى رَجَائِي … حَدِيثَكَ أَنْ أَرَى مِنْهُ خُرُوجًا [٦]
[٢] أم ورقة: هِنْد بنت أَبى كَبِير بن عبد بن قصي. وَلَا عقب لورقة هَذَا، وَهُوَ أحد من آمن بالنبيّ ﷺ قبل الْبَعْث. (رَاجع الرَّوْض) .
[٣] زِيَادَة عَن أ.
[٤] النشيج: الْبكاء مَعَ صَوت.
[٥] ثنى «مَكَّة»، وَهِي وَاحِدَة لِأَن لَهَا بطاحا وظواهر، ومقصد الْعَرَب فِي هَذَا الْإِشَارَة إِلَى جَانِبي كل بَلْدَة، أَو الْإِشَارَة إِلَى أَعلَى الْبَلدة وأسفلها، فيجعلونها اثْنَتَيْنِ على هَذَا المغزى، وَقد قَالُوا: صدنَا بقنوين، وَهُوَ قِنَا: اسْم جبل. وَقَالَ عنترة:
شربت بِمَاء الدّحرضين
وَقد ورد مثل هَذَا كثير فِي شعر الْعَرَب.
[٦] الْهَاء فِي «منَّة»: رَاجِعَة على الحَدِيث. وحرف الْجَرّ مُتَعَلق بِالْخرُوجِ.
بِأَنَّ مُحَمّدًا سَيَسُودُ فِينَا … وَيَخْصِمُ مَنْ يَكُونَ لَهُ حَجِيجًا
وَيَظْهَرُ فِي الْبِلَادِ ضِيَاءُ نُورٍ … يُقِيمُ بِهِ الْبَرِيّةُ أَنْ تَمُوجَا [١] فَيَلْقَى مَنْ يُحَارِبُهُ خَسَارًا … وَيَلْقَى مَنْ يُسَالِمُهُ فلوجا [٢] فيا لَيْتَني إذَا مَا كَانَ ذاكم … شهِدت فَكنت أَوّلَهُمْ ولوجا [٣] ولوجا فِي الّذي كَرهُوا قُرَيْشٌ … وَلَوْ عَجّتْ بمكّتها عجيجا [٤] رجىّ بِاَلّذِي كَرِهُوا جَمِيعًا … إلَى ذِي الْعَرْشِ إنْ سَفَلُوا عُرُوجَا [٥] وَهَلْ أَمْرُ السّفَالَةِ غَيْرُ كُفْرٍ … بِمَنْ يَخْتَارُ مِنْ سَمَكِ الْبُرُوجَا
فَإِنْ يَبْقَوْا وَأَبْقَ تَكُنْ أُمُورٌ … يَضِجُّ الْكَافِرُونَ لَهَا ضَجِيجَا
وَإِنْ أَهْلَكَ فَكُلُّ فَتًى سَيَلْقَى … مِنْ الأقدار متلفة [٦] حروجا