قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، كَمَا حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ وَعَنْ إسْلَامِهِ حَيْنَ أَسْلَمَ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا، قَالَ: لَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَرَفْتُ صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذي كنّا تتوكّف [٢] لَهُ، فَكُنْتُ مُسِرًّا لِذَلِكَ، صَامِتًا عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ بقُباءٍ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ، وَأَنَا فِي رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعَمَلُ فِيهَا، وعمتي خالدة بنت الْحَارِثِ تَحْتِي جَالِسَةٌ، فَلَمَّا سَمِعْتُ الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَبَّرْتُ، فَقَالَتْ لِي عَمَّتِي، حَيْنَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي: خَيَّبَكَ اللَّهُ، وَاَللَّهِ لَوْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ قَادِمًا مَا زِدْتَ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ عَمَّةُ، هُوَ وَاَللَّهِ أَخُو مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَعَلَى دِينِهِ، بُعِثَ
[٢] نتوكف: نترقب ونتوقع.
ثُمَّ خَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَسْلَمْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إلَى أَهْلِ بَيْتِي، فَأَمَرْتُهُمْ فَأَسْلَمُوا.
(قَوْمُهُ يُكَذِّبُونَهُ وَلَا يَتَّبِعُونَهُ):
قَالَ: وَكَتَمْتُ إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ [٢]، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِكَ، وَتُغَيِّبَنِي عَنْهُمْ، ثُمَّ تَسْأَلُهُمْ عَنِّي، حَتَّى يُخْبِرُوكَ كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَإِنَّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي. قَالَ: فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُم بِهِ، فو الله إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، فَقَالُوا: كَذَبْتَ ثُمَّ وَقَعُوا بِي، قَالَ: فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ! قَالَ: فَأَظْهَرْتُ إسْلَامِي وَإِسْلَامُ أَهْلِ بَيْتِي، وَأَسْلَمَتْ عَمَّتِي خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَحَسُنَ إسْلَامُهَا.
وَكَأن النَّفس فِي هَذَا الحَدِيث عبارَة عَن الْفِتَن المؤذنة بِقِيَام السَّاعَة، وَكَانَ بدؤها حِين ولى أمته ظَهره خَارِجا من بَين ظهرانيهم إِلَى الله تَعَالَى، أَلا ترَاهُ يَقُول فِي حَدِيث آخر: أَنا أَمَان لأمتى، فَإِذا ذهبت أَتَى أمتى مَا يوعدون. فَكَانَت بعده الْفِتْنَة ثمَّ الْهَرج الْمُتَّصِل بِيَوْم الْقِيَامَة. وَنَحْو من هَذَا قَوْله عليه الصلاة والسلام: «بعثت أَنا والساعة كهاتين» يعْنى السبابَة وَالْوُسْطَى.
[٢] البهت: الْبَاطِل.
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !