قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ

(رِجَالُ الْوَفْدِ):
فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وُفُودُ الْعَرَبِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ ابْن حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ التَّمِيمِيُّ، فِي أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ، مِنْهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التَّمِيمِيُّ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يَزِيدَ [١] .

(شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْحُتَاتُ وَهُوَ الَّذِي آخَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ


[١] كَذَا فِي الْإِصَابَة، وَفِيمَا سَيَأْتِي فِي جَمِيع الْأُصُول. وَفِي م، ر: «زيد» .. وَفِي أ «وَعَمْرو بن الْأَهْتَم الْحباب» كَأَنَّهُمَا شخص وَاحِد.
٢ ‏/ ٥٦٠
بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ آخَى بَيْنَ نفر من أَصْحَابه مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْن عَوْفٍ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالزَّبِيرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِي وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيِّ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيِّ فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ، فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوَّةِ، فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ:
أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا … تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التُّرَاثَ أَقَارِبُهْ
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْتَهُ … وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَكَ ذَائِبُهْ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ.

(سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقِيسُ بْنُ عَاصِمٍ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ، فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ [١]، وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ ابْن عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَقِيسِ بْنِ عَاصِمٍ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيُّ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ.

(صِيَاحُهُمْ بِالرَّسُولِ وَكَلِمَةُ عُطَارٍدٍ):
فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ، فَلَمَّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ: أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمَّدُ، فَآذَى ذَلِكَ


[١] فِي م، ر: «أحد بنى مَالك بن دارم بن مَالك» .
٣٦- سيرة ابْن هِشَام- ٢
٢ ‏/ ٥٦١
رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ صِيَاحِهِمْ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، جِئْنَاكَ نُفَاخِرُكَ، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا، قَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ، فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ، فَقَالَ:
الْحَمْدُ للَّه الَّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنُّ [١]، وَهُوَ أَهْلُهُ، الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ، وَجَعَلَنَا أَعَزَّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا، وَأَيْسَرَهُ عِدَّةً، فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النَّاسِ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النَّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ؟
فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيُعَدِّدْ مِثْلَ مَا عَدَّدْنَا، وَإِنَّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ، وَلَكِنَّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا، وَإِنَّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ.
أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلنَا، وَأَمْرٍ أَفَضْلَ مِنْ أَمْرِنَا. ثُمَّ جَلَسَ.

(كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرَّدِّ عَلَى عُطَارِدٍ):
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ، أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ: قُمْ، فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ. فَقَامَ ثَابِتٌ، فَقَالَ:
الْحَمْدُ للَّه الَّذِي السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ، قَضَى فِيهِنَّ أَمْرَهُ، وَوَسِعَ كُرْسِيَّهُ عِلْمُهُ، وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطُّ إلَّا مِنْ فَضْلِهِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا، أَكْرَمَهُ نَسَبًا، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَأْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ، فَكَانَ خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ، فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ، أَكْرَمُ النَّاسِ حَسَبًا، وَأَحْسَنُ النَّاسِ وُجُوهًا، وَخَيْرُ النَّاسِ فِعَالًا. ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ الْخَلْقِ إجَابَةً، وَاسْتَجَابَ للَّه حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَحْنُ، فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ، نُقَاتِلُ النَّاسِ حَتَّى يُؤْمِنُوا باللَّه، فَمَنْ آمَنْ باللَّه وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنَّا مَالَهُ وَدَمَهُ، وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللَّهِ أَبَدًا، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ.

(شِعْرُ الزِّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ):
فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ:


[١] هَذِه الْكَلِمَة: «الْمَنّ» سَاقِطَة فِي أ.
٢ ‏/ ٥٦٢
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيَّ يُعَادِلُنَا … مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ [١] وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ … عِنْدَ النِّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزِّ يُتَّبَعُ
وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا … مِنْ الشِّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ [٢] بِمَا تَرَى النَّاسَ تَأْتِينَا سُرَاتُهُمْ … مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هُوِيًّا ثُمَّ تَصْطَنِعُ [٣] فَنَنْحَرُ الْكُوَمَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا … لِلنَّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا [٤] فَلَا تَرَانَا إلَى حَيٍّ نُفَاخِرُهُمْ … إلَّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ … فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ
إنَّا أَبَيْنًا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ … إنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نُرْتَفَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى:
مِنَّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرَّبَعُ [٥] ويروى:
من كلى أَرْضٍ هَوَانَا ثُمَّ نُتَّبَعُ
رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزِّبْرِقَانِ.

(شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزِّبْرِقَانِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ حَسَّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَقُولُ:
مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إذْ حَلَّ وَسْطَنَا … عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا … بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزُّهُ وَثَرَاؤُهُ … بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ [٦]


[١] البيع: مَوَاضِع الصَّلَوَات والعبادات، وَاحِدهَا بيعَة (بِكَسْر الْبَاء) .
[٢] القزع (بِالتَّحْرِيكِ): السَّحَاب الرَّقِيق. يُرِيد إِذا لم تمطرهم السَّمَاء، فأجدبت أَرضهم.
[٣] هويا: سرَاعًا.
[٤] الكوم: جمع كوماء، وَهِي الْعَظِيمَة السنام من النوق. وعبطا: أَي عَن غير عِلّة. وَفِي أرومتنا:
أَي هَذَا الْكَرم متأصل فِينَا.
[٥] وَفينَا تقسم الرّبع: أَي أننا رُؤَسَاء وسَادَة، وَذَلِكَ لِأَن الرئيس كَانَ يَأْخُذ ربع الْغَنِيمَة فِي الْجَاهِلِيَّة.
[٦] الْبَيْت الحريد: الفريد الّذي لَا يخْتَلط بِغَيْرِهِ لعزته. وجابية الجولان: بلد بِالشَّام. يُرِيد أَن النَّبِي
٢ ‏/ ٥٦٣
هَلْ الْمجد إِلَّا السّؤدد الْعَوْدُ وَالنَّدَى … وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ [١] قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ، فَقَالَ مَا قَالَ، عَرَضْتُ فِي قَوْلِهِ، وَقُلْتُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ، قَالَ رَسُول الله ﷺ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ يَا حَسَّانُ، فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِيمَا قَالُ. فَقَامَ حَسَّانٌ، فَقَالَ:
إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ … قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ [٢] يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ … تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلَّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ [٣] قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ … أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ … إنَّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ [٤] إنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمْ … فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْقَعُ النَّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفُّهُمْ … عِنْدَ الدَّفَّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا [٥] إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ … أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَتَعُوا [٦] أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْي عِفَّتُهُمْ … لَا يَنْطَبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ [٧] لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ … وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ [٨] إذَا نَصَبْنَا لِحَيِّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ … كَمَا يَدُبُّ إلَى الْوَحْشِيَّةِ الذَّرِعُ [٩]
[()] نزل وسط حَيّ من الْأَنْصَار ذوى مَنْعَة، وجاههم قديم، مُتَّصِل بجاه الغساسنة مُلُوك الشَّام. وَسَيَعُودُ الشَّاعِر إِلَى هَذَا الْمَعْنى فِي الْبَيْت الّذي بعد هَذَا.
[١] السؤدد الْعود: الْمجد الْقَدِيم الّذي يتَكَرَّر على الزَّمَان. وَهَذِه الأبيات من قصيدة لحسان عدَّة أبياتها أَرْبَعَة عشر.
[٢] الذوائب: السَّادة. وَأَصله من ذوائب الْمَرْأَة، وَهِي غدائرها الَّتِي تعلو الرَّأْس.
[٣] رِوَايَة الشّطْر الثَّانِي فِي الدِّيوَان: «
تقوى الْإِلَه وبالأمر الّذي شرعوا
» وسيرويه ابْن هِشَام بِهَذِهِ الرِّوَايَة بعد قَلِيل.
[٤] السجية: الطبيعة.
[٥] مَا أوهت: مَا هدمت.
[٦] متعوا: زادوا، يُقَال: متع النَّهَار، إِذا ارْتَفَعت شمسه.
[٧] لَا يطبعون: لَا يتدنسون.
[٨] الطَّبْع: الدنس.
[٩] نصبنا: أظهرنَا الْعَدَاوَة وَلم نسرها. والذرع: ولد الْبَقَرَة الوحشية.
٢ ‏/ ٥٦٤
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا … إذَا الزَّعَانُفُ مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا [١] لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوَّهُمْ … وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ [٢] كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ … أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ [٣] خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا … وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ الْأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا [٤] فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ … شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السَّمُّ وَالسَّلَعُ [٥] أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ … إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ
أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ … فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ [٦] فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ … إنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا [٧] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ:
يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ … تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الَّذِي شَرَعُوا

(شِعْرٌ آخَرُ لِلزِّبْرِقَانِ):
وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيم: أنّ الزبْرِقَان بن بَدْرٍ لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي ووفد بَنِي تَمِيمٍ قَامَ فَقَالَ:
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنَا … إذَا احْتَفَلُوا [٨] عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ [٩] بِأَنَّا فُرُوعُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ … وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ [١٠]


[١] نسمو: ننهض. والزعانف: أَطْرَاف النَّاس وأتباعهم. وخشعوا: تذللوا.
[٢] الخور: الضُّعَفَاء، والهلع (ككتب) الجازعون، الْوَاحِد: هلوع.
[٣] مكتنع: دَان. وَحلية: مأسدة بِالْيمن. والأرساغ: جمع رسغ، وَهُوَ مَوضِع الْقَيْد من الرجل.
وفدع: اعوجاج إِلَى نَاحيَة.
[٤] عفوا: من غير مشقة.
[٥] السّلع: نَبَات مَسْمُوم.
[٦] صنع: يحسن القَوْل ويجيده.
[٧] شمعوا: هزلوا. وأصل الشمع: الطَّرب وَاللَّهْو، وَمِنْه جَارِيَة شموع، إِذا كَانَت كَثِيرَة الطَّرب.
[٨] فِي أ: «اخْتلفُوا» .
[٩] المواسم: جمع موسم، وَهُوَ الْموضع الّذي يجْتَمع فِيهِ النَّاس مرّة فِي السّنة، كاجتماعهم فِي الْحَج، واجتماعهم بعكاظ وَذي الْمجَاز وأشباههما.
[١٠] دارم من بنى تَمِيم.
٢ ‏/ ٥٦٥
وَأَنَّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا … وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ [١] وَأَنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ … نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ [٢]

(شِعْرٌ آخَرُ لِحَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزِّبْرِقَانِ):
فَقَامَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَجَابَهُ، فَقَالَ:
هَلْ الْمجد إِلَّا السّؤدد الْعَوْدُ وَالنَّدَى … وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبِيَّ مُحَمَّدًا … عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ
بِحَيٍّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ … بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمَّا حَلَّ وَسْطَ دِيَارِنَا … بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتَنَا … وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النَّاسَ حَتَّى تَتَابَعُوا … عَلَى دِينهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ [٣] وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا … وَلَدْنَا نَبِيَّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ [٤] بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ … يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ [٥] هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ … لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ؟ [٦] فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ … وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا للَّه نِدًّا وَأَسْلِمُوا … وَلَا تَلْبَسُوا زِيًّا كَزِيِّ الْأَعَاجِمِ [٧]


[١] المعلمون: الَّذين يعلمُونَ أنفسهم فِي الْحَرْب بعلامة يعْرفُونَ بهَا، ويروى: «الْعَالمين» . وانتخوا من النخوة، وَهُوَ التكبر والإعجاب. والأصيد: المتكبر الّذي لَا يلوى عُنُقه يَمِينا وَلَا شمالا. والمتفاقم:
المتعاظم، من تفاقم الْأَمر: إِذا عظم وَاشْتَدَّ.
[٢] المرباع (بِكَسْر الْمِيم): أَخذ الرّبع من الْغَنِيمَة، يُرِيد أَنهم رُؤَسَاء. والنجد: مَا ارْتَفع من الأَرْض، وَيُرِيد بِنَجْد: بِلَاد الْعَرَب.
[٣] المرهفات الصوارم: السيوف القاطعة.
[٤] يُشِير بِهَذَا الْبَيْت إِلَى أَن أم عبد الْمطلب جد النَّبِي ﷺ كَانَت جَارِيَة من الْأَنْصَار.
[٥] الوبال: الثّقل.
[٦] هبلتم: فقدتم وثكلتم. والظئر: الَّتِي ترْضع ولد غَيرهَا، وَقد تَأْخُذ على ذَلِك أجرا، وَأَصله النَّاقة تعطف على ولد غَيرهَا.
[٧] الند: الْمثل والشبه.
٢ ‏/ ٥٦٦
(إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرَّسُولِ إيَّاهُمْ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ، قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي، إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤَتَّى لَهُ [١]، لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا، وَلِأَصْوَاتِهِمْ أَحْلَى [٢] مِنْ أَصْوَاتِنَا. فَلَمَّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا، وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ.

(شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قِيسٍ لِتَحْقِيرِهِ إيَّاهُ):
وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلَّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ [٣]، وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنًّا، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنَّا فِي رِحَالِنَا، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ، وَأُزْرَى بِهِ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِين بلغه أَن قيسا قَالَ ذَلِك يهجوه:
ظَلِلْتُ مَفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي … عِنْدَ الرَّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ [٤] سُدْنَاكُمْ سُوْدُدًا رَهْوًا وَسُوْدُدُكُمْ … بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذَّنَبِ [٥] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ، لِأَنَّهُ أَقْذَعَ فِيهِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ٤٩: ٤.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، إلَى آدَمَ عليه السلام -2

ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ (أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …