وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ لِيَغْزُوهُ، فَقَتَلَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ: دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيَّ يَجْمَعُ لِي النَّاسَ لِيَغْزُونِي، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ، فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، انْعَتْهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ. قَالَ: إنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ أَذْكَرَكَ الشَّيْطَانَ، وَآيَةُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَنَّكَ إذَا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ لَهُ قُشَعْرِيرَةً [٢] . قَالَ:
فَخَرَجْتُ مُتَوَشِّحًا سَيْفِي، حَتَّى دُفِعْتُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ [٣] يَرْتَادُ لَهُنَّ مَنْزِلًا [٤]، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَجَدْتُ مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ، فَأَقْبَلْتُ نَحْوَهُ، وَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ، أُومِئُ بِرَأْسِي، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَيْهِ، قَالَ: مَنْ الرَّجُلُ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِكَ وَبِجَمْعِكَ لِهَذَا الرَّجُلِ، فَجَاءَكَ لِذَلِكَ.
[٢] قشعريرة: رعدة.
[٣] الظعن (ككتب): النِّسَاء فِي الهودج: جمع ظَعِينَة.
[٤] يرتاد لَهُنَّ منزلا: يطْلب لَهُنَّ موضعا.
(إهْدَاءُ الرَّسُولِ عَصًا لَابْنِ أُنَيْسٍ):
ثُمَّ قَامَ بِي، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ، فَأَعْطَانِي عَصًا، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ. قَالَ: فَخَرَجْتُ بِهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَالُوا: مَا هَذِهِ الْعَصَا؟
قُلْتُ: أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي. قَالُوا:
أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا؟
قَالَ: آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. إنَّ أَقَلَّ النَّاسِ الْمُتَخَصِّرُونَ [٢] يَوْمئِذٍ، قَالَ:
فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ، فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتَّى مَاتَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَضُمَّتْ فِي كَفَنِهِ، ثُمَّ دُفِنَا جَمِيعًا.
(شِعْرُ بْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ:
تَرَكْتُ ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ … نَوَائِحُ تَفْرِي كُلَّ جَيْبٍ مُقَدَّدِ [٣]
تَنَاوَلْتُهُ وَالظُّعْنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ … بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنَّدِ [٤]
عَجُومٍ لِهَامِ الدَّارِعِينَ كَأَنَّهُ … شِهَابٌ غَضًى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقِّدِ [٥]
أَقُولُ لَهُ وَالسَّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ … أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ [٦]
[٢] المتخصرون: المتكئون على المخاصر، وَهِي الْعَصَا، واحدتها مخصرة.
[٣] الحوار: ولد النَّاقة إِذا كَانَ صَغِيرا. وتفري: تقطع.
[٤] الْأَبْيَض: السَّيْف. والمهند: الْمَنْسُوب إِلَى الْهِنْد.
[٥] عجوم: عضوض. يُقَال: عجمه، إِذا عضه. والهام: الرُّءُوس. والشهاب: الْقطعَة من النَّار.
والغضى: شجر يشْتَد التهاب النَّار فِيهِ.
[٦] القعدد: اللَّئِيم.
تَمَّتْ الْغَزَاةُ، وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ [٣] .
(غَزَوَاتٌ أُخَرُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيُّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا. وَغَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ.
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !