ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ

(الْخُرُوجُ إِلَى خَيْبَرَ):
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ [١]: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ، ذَا الْحَجَّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرَّمِ، وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجَّةَ الْمُشْرِكُونَ، ثُمَّ خَرَجَ فِي بَقِيَّةِ الْمُحَرَّمِ إلَى خَيْبَرَ.(اسْتِعْمَالُ نُمَيْلَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثَيَّ، وَدَفَعَ الرَّايَةَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ.

(ارْتِجَازُ ابْنِ الْأَكْوَعِ وَدُعَاءُ الرَّسُولِ لَهُ وَاسْتِشْهَادُهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَهُوَ عَمُّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، وَكَانَ اسْم الْأَكْوَع سِنَان: انْزِلْ يَا بن الْأَكْوَع، فَخذ لَنَا مِنْ هَنَاتِكَ [٢]، قَالَ:
فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ:
وَاَللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا … وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا
إنَّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا … وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا


[١] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ حَدثنَا أَبُو مُحَمَّد عبد الْملك بن هِشَام قَالَ حَدثنَا زِيَاد بن عبد الله البكائي عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق المطلبي قَالَ» . وَإِذا عرفنَا أَن الْجُزْء السَّادِس عشر من أَجزَاء السِّيرَة يبْدَأ بالْكلَام فِي هَذِه الْغَزْوَة لم ننكر على أَكثر الْأُصُول هَذِه الزِّيَادَة الَّتِي تستفتح بهَا كل جُزْء.
[٢] هناتك، أَي أخبارك وأمورك وأشعارك، وَهِي جمع هنة، ويكنى بهَا عَن كل شَيْء لَا تعرف اسْمه، أَو تعرفه فتكنى عَنهُ. وَأَرَادَ رَسُول الله ﷺ أَن يَحْدُو بهم، وَالْإِبِل تستحث بالحداء، وَلَا يكون الحداء إِلَّا بِشعر أَو رجز.
٢ ‏/ ٣٢٨
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا [١] … وَثَبِّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا [٢] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَجَبَتْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ! فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا، وَكَانَ قَتَلَهُ، فِيمَا بَلَغَنِي، أَنَّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ، فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا، فَمَاتَ مِنْهُ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكُّوا فِيهِ، وَقَالُوا: إنَّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ، حَتَّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النَّاسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنَّهُ لَشَهِيدٌ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، فَصَلَّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ.(دُعَاءُ الرَّسُولِ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُعَتِّبِ بْنِ عَمْرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ، وَأَنَا فِيهِمْ: قِفُوا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهمّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقَلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضَلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ. قَالَ: وَكَانَ يَقُولُهَا عليه السلام لِكُلِّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا.

(فِرَارُ أَهْلِ خَيْبَرَ لَمَّا رَأَوْا الرَّسُولَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ. فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا، فَبَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، فَرَكِبْتُ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاسْتَقْبَلْنَا عُمَّالَ خَيْبَرَ غَادِينَ، قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ [٣]، فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ،


[١] السكينَة: الْوَقار والتثبت.
[٢] ذكر الزرقانى هَذَا الرجز وَهُوَ يخْتَلف عَمَّا هُنَا فِي أَلْفَاظه وَيزِيد عَلَيْهِ.
[٣] الْمساحِي: جمع مسحاة، وَهِي المجرفة من الْحَدِيد. والمكاتل: جمع مكتل، وَهِي قفة كَبِيرَة.
٢ ‏/ ٣٢٩

ﷺ وَالْجَيْشَ، قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس [١] مَعَهُ! فَأَدْبَرُوا هُرَّابًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنَا هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ.

(مَنَازِلُ الرَّسُولِ فِي طَرِيقِهِ إلَى خَيْبَرَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عَصْرٍ [٢]، فَبَنَى لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ، ثُمَّ عَلَى الصَّهْبَاءِ [٣]، ثُمَّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِجَيْشِهِ، حَتَّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرَّجِيعُ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يُمِدُّوا أَهْلَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.

(غَطَفَانُ وَمُحَاوَلَتُهُمْ مَعُونَةَ خَيْبَرَ ثُمَّ انْخِذَالُهُمْ):
فَبَلَغَنِي أَنَّ غَطَفَانَ لَمَّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا [٤] يَهُودَ عَلَيْهِ، حَتَّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً [٥] سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسًّا، ظَنُّوا أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ، فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ، فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَخَلَّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ خَيْبَرَ.

(افْتِتَاحُ رَسُولِ اللَّهِ الْحُصُونَ):
وَتَدَنَّى [٦] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا، فَكَانَ أَوَّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنُ نَاعِمٍ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ،


[١] الْخَمِيس: الْجَيْش.
[٢] عصر (بِالْكَسْرِ، ويروى بِالتَّحْرِيكِ، وَالْأول أشهر وَأكْثر): جبل بَين الْمَدِينَة ووادي الْفَرْع. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٣] الصَّهْبَاء: مَوضِع بَينه وَبَين خَبِير رَوْحَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
[٤] ليظاهروا: ليعاونوا.
[٥] منقلة: مرحلة.
[٦] تدنى: أَي أَخذ الْأَدْنَى فالأدنى.
٢ ‏/ ٣٣٠
أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ رحى فَقَتَلَتْهُ، ثُمَّ الْقَمُوصُ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْهُمْ سَبَايَا، مِنْهُنَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَبِنْتَيْ عَمٍّ لَهَا، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَفِيَّةَ لِنَفْسِهِ.
وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَفِيَّةَ، فَلَمَّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمِّهَا، وَفَشَتْ السَّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ.(نَهَى الرَّسُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَشْيَاءَ):
وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مِنْ حُمُرِهَا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَنَهَى النَّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمَّاهَا لَهُمْ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضَمْرَةَ الْفَزَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلِيطٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَانَا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ، وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السَّبَايَا، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَعَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ، وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَلَّامُ بْنُ كِرْكِرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ نَهَى النَّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ، أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ، عَنْ حَنْشٍ الصَّنْعَانِيِّ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَغْرِبَ، فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا جِرْبَةٌ [١]، فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ، إنِّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاؤُهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السَّبَايَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ


[١] جربة (بِالْكَسْرِ): جَزِيرَة بالمغرب من نَاحيَة قابس. (عَن مُعْجم الْبلدَانِ)
٢ ‏/ ٣٣١

يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ السَّبْي حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يَقْسِمَ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَعْجَفَهَا [١] رَدَّهَا فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، أَنَّهُ حُدِّثَ عَنْ عُبَادَةَ ابْن الصَّامِتِ، قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفَضَّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَقَالَ: ابْتَاعُوا تِبْرَ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ، وَتِبْرَ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ الْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَدَنَّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ.

(شَأْنُ بَنِي سَهْمِ الْأَسْلَمِيِّينَ):
فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ: أَنَّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالُوا: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ جَهَدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ، فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيَّاهُ، فَقَالَ: اللَّهمّ إنَّكَ قَدْ عَرَفْتُ حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيَّاهُ، فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غَنَاءً، وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا، فَغَدَا النَّاسُ، فَفَتَحَ اللَّهُ عز وجل حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ.

(مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ، وَحَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا حَازَ، انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً.


[١] أعجفها: هزلها وأضعفها.
٢ ‏/ ٣٣٢
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ شَعَارُ أَصْحَابِ الرَّسُولِ ﷺ يَوْمَ خَيْبَرَ:
يَا مَنْصُورُ، أَمِتْ أَمِتْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيُّ مِنْ حِصْنِهِمْ، قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ، يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبْ … شَاكِي السِّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرَّبْ [١] أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبْ … إذَا اللُّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَحَرَّبْ [٢] إنَّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقَرَّبْ [٣] وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كَعْبُ … مُفَرَّجُ الْغَمَّى جَرِيءٌ صُلْبُ [٤] إذْ شَبَّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ … مَعِي حسام كالعقيق غضب [٥] نَطَؤُكُمْ حَتَّى يَذِلَّ الصَّعْبُ … نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النَّهْبُ
بِكَفِّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ:
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي كَعْبُ … وَأَنَّنِي مَتَى تُشَبُّ الْحَرْبُ
مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءٌ صُلْبُ … مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
بِكَفِّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ … نَدُكُّكُمْ حَتَّى يَذِلَّ الصَّعْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَمَرْحَبٌ مِنْ حِمْيَرَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ لِهَذَا؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَاَللَّهِ الْمَوْتُورُ الثَّائِرُ، قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ، فَقَالَ: فَقُمْ إلَيْهِ،


[١] شاكي السِّلَاح: حاد السِّلَاح.
[٢] تحرب: أَي مغضبة.
[٣] زَادَت (أ) بعد هَذَا الشّطْر:
يحجم عَن صولتي المجرب
[٤] الغمى: الكرب والشدة.
[٥] شبت الْحَرْب: أثيرت. والعقيق: شُعَاع الْبَرْق، شبه السَّيْف بِهِ.
٢ ‏/ ٣٣٣

اللَّهمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ. قَالَ: فَلَمَّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيَّةٌ [١] مِنْ شَجَرِ الْعُشَرِ [٢]، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ، كَلَّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا، حَتَّى بَرَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ، وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرَّجُلِ الْقَائِمِ، مَا فِيهَا فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَضَرَبَهُ، فَاتَّقَاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا، فَعَضَّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ، وَضَرَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتَّى قَتَلَهُ.

(مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ يُبَارِزُ؟
فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ، فَقَالَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: بَلْ ابْنُكَ يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ. فَخَرَجَ الزُّبَيْرُ فَالْتَقَيَا، فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ: أَنَّ الزُّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ: وَاَللَّهِ إنْ كَانَ سَيْفُكَ يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا، قَالَ: وَاَللَّهِ مَا كَانَ صَارِمًا، وَلَكِنِّي أَكْرَهْتُهُ.

(شَأْنُ عَلِيٍّ يَوْمَ خَيْبَرَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه بِرَايَتِهِ، وَكَانَتْ بَيْضَاءَ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، فَقَاتَلَ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ، وَقَدْ جَهَدَ، ثُمَّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقَاتَلَ، ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتَحَ، وَقَدْ جَهَدَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، لَيْسَ بِفَرَّارٍ. قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَرْمَدُ، فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الرَّايَةَ، فَامْضِ بِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ.


[١] عمرية. قديمَة.
[٢] الْعشْر: شجر أملس مستو ضَعِيف الْعود.
٢ ‏/ ٣٣٤

قَالَ: يَقُولُ سَلَمَةُ: فَخَرَجَ وَاَللَّهِ بِهَا يَأْنِحُ [١]، يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً، وَإِنَّا لَخَلْفَهُ نَتَّبِعُ أَثَرَهُ، حَتَّى رَكَزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ [٢] مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ، فَاطَّلَعَ إلَيْهِ يَهُودِيٌّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: يَقُولُ الْيَهُودِيُّ: عَلَوْتُمْ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَمَا رَجَعَ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِرَايَتِهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ، فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ، فَتَنَاوَلَ عَلِيٌّ عليه السلام بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرَّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ، فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي، أَنَا ثَامِنُهُمْ، نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ، فَمَا نُقَلِّبُهُ.

(أَمْرُ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبَ بْنَ عَمْرٍو):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: وَاَللَّهِ إنَّا لَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِخَيْبَرِ ذَاتُ عَشِيَّةٍ، إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ، وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ؟ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ: فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَافْعَلْ، قَالَ: فَخَرَجْتُ أَشْتَدُّ مِثْلَ الظَّلِيمِ [٣]، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُوَلِّيًا قَالَ: اللَّهمّ أَمْتِعْنَا بِهِ، قَالَ: فَأَدْرَكْتُ الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ، فَأَخَذْتُ شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ بِهِمَا أَشْتَدُّ، كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ، حَتَّى أَلْقَيْتهمَا


[١] يأنح: أَي بِهِ نفس شَدِيد من الإعياء فِي الْعَدو. قَالَ السهيليّ: «هُوَ من الأنيح، وَهُوَ علو النَّفس» .
[٢] الرضم: الْحِجَارَة المجتمعة.
[٣] الظليم: ذكر النعام.
٢ ‏/ ٣٣٥

عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ هَلَاكًا، فَكَانَ إذَا حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى، ثُمَّ قَالَ: أُمْتِعُوا بِي، لَعَمْرِي، حَتَّى كُنْتُ مِنْ آخِرِهِمْ هُلْكًا.

(أَمْرُ صَفِيَّةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْقَمُوصَ، حِصْنُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا، فَمَرَّ بِهِمَا بِلَالٌ، وَهُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِمَا عَلَى قَتْلَى مِنْ قَتْلَى يَهُودَ، فَلَمَّا رَأَتْهُمْ الَّتِي مَعَ صَفِيَّةَ صَاحَتْ، وَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَحَثَّتْ التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: أَعْزِبُوا [١] عَنِّي هَذِهِ الشَّيْطَانَةَ، وَأَمَرَ بِصَفِيَّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ، فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِبِلَالِ، فِيمَا بَلَغَنِي، حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيَّةِ مَا رَأَى: أَنُزِعَتْ مِنْكَ الرَّحْمَةُ يَا بِلَالُ، حِينَ تَمُرُّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا؟ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، أَنَّ قمرا وَقع فِي حِجْرُهَا، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا، فَقَالَ:
مَا هَذَا إلَّا أَنَّكَ تَمَنَّيْنَ مُلْكَ الْحِجَازِ مُحَمَّدًا، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضَّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا. فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ، فَسَأَلَهَا مَا هُوَ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ.

عن معز نوني

متحصّل على شهادة ختم الدروس للمعهد الأعلى لتكوين المعلمين بقفصة دفعة 2000، يعمل حاليًّا أستاذ مدارس إبتدائية

شاهد أيضاً

ذِكْرُ سَرْدِ النَّسَبِ الزَّكِيِّ مِنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، إلَى آدَمَ عليه السلام -2

ذِكْرُ وَلَدِ نِزَارِ بْنِ مَعَدٍّ (أَوْلَادُهُ فِي رَأْيِ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ): قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …