قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مُؤْتَةَ جُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا.
ثُمَّ إنَّ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ: الْوَتِيرُ، وَكَانَ الَّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبَّادٍ- وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيِّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ [٢]- خَرَجَ تَاجِرًا، فَلَمَّا تَوَسَّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَالَهُ، فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ، فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ الدِّيلِيِّ- وَهُمْ مَنْخَرُ [٣] بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ- سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ- فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ [٤] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدِّيلِ، قَالَ: كَانَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ يُودَوْنَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ، وَنُودَى دِيَةً دِيَةً، لِفَضْلِهِمْ فِينَا.
[٢] وزن: يرْوى بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا، وَإِسْكَان الزاى وَفتحهَا، وَقَيده الدَّار قطنى بِفَتْح الرَّاء وَإِسْكَان الزاء لَا غير. (رَاجع شرح السِّيرَة) .
[٣] كَذَا فِي أ. وَيُرِيد بالمنخر: الْمُتَقَدِّمين، لِأَن الْأنف هُوَ الْمُقدم من الْوَجْه. وَفِي سَائِر الْأُصُول:
«مفخر» بِالْفَاءِ.
[٤] أنصاب الْحرم: حِجَارَة تجْعَل عَلَامَات بَين الْحل وَالْحرم.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدِّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النَّفَرِ الَّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ، فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدِّيلِيُّ فِي بَنِي الدِّيلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ، وَلَيْسَ كُلُّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ [٢] حَتَّى بَيَّتَ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ، مَاءٌ لَهُمْ، فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسِّلَاحِ، وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللَّيْلِ مُسْتَخْفِيًا، حَتَّى حَازُوا [٣] خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إلَيْهِ، قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ: يَا نَوْفَلُ، إنَّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ، إلَهَكَ إلَهَكَ، فَقَالَ: كَلِمَةً عَظِيمَةً، لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ، يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ، فَلَعَمْرِي إنَّكُمْ لَتَسْرِقُونَ [٤] فِي الْحَرَمِ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ، وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيَّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبِّهٌ وَكَانَ مُنَبِّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا [٥] خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ، وَقَالَ لَهُ مُنَبِّهٌ: يَا تَمِيمُ، اُنْجُ بِنَفْسِكَ، فَأَما أَنا فو الله إنِّي لَمَيِّتٌ، قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي، لَقَدْ انْبَتَّ [٦] فُؤَادِي، وَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأَفْلَتْ، وَأَدْرَكُوا مُنَبِّهًا فَقَتَلُوهُ، فَلَمَّا دَخَلَتْ
[٢] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر لأصول: «بَايعه» .
[٣] كَذَا فِي أ. وحازوهم: ساقوهم. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «حاوزوهم» .
[٤] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «لتسرفون» .
[٥] مفئودا: ضَعِيف الْفُؤَاد.
[٦] أنبت: انْقَطع.
(شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبِّهٍ):
لَمَّا رَأَيْتُ بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا … يَغْشَوْنَ كُلَّ وَتِيرَةٍ [١] وَحِجَابِ [٢]
صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ … يُزْجُونَ كُلَّ مُقَلَّصٍ خَنَّابِ [٣]
وَذَكَرْتُ ذَحْلًا [٤] عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا … فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ [٥]
ونَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ … وَرَهِبْتُ وَقْعَ مُهَنَّدٍ قَضَّابِ [٦]
وَعَرَفْتُ أَنْ مَنْ يَثْقَفُوهُ يَتْرُكُوا … لَحْمًا لِمُجْرِيَةٍ وَشِلْوَ غُرَابِ [٧]
قَوَّمْتُ رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا … وَطَرَحْتُ بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي [٨]
وَنَجَوْتُ لَا يَنْجُو نَجَائِي أحْقَبٌ … عِلْجٌ أَقَبُّ مُشَمِّرُ الْأَقْرَابِ [٩]
تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا … بَوْلًا يَبُلُّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ [١٠]
الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْتُ مُنَبِّهًا … عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَاسْأَلِي أَصْحَابِي
[٢] الْحجاب: مَا اطْمَأَن من الأَرْض وخفي.
[٣] لَا عريب: أَي لَا أحد، يُقَال: مَا بِالدَّار عريب وَلَا كنيع وَلَا ذبيح، فِي أَسمَاء غَيرهَا، وَكلهَا بِمَعْنى: مَا بهَا أحد. ويزجون: يسوقون. والمقلص: الْفرس المشمر. والخناب: الْفرس الْوَاسِع المنخرين.
ويروى: خباب، أَي مسرع، من الخبب، وَهُوَ السرعة فِي السّير.
[٤] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. والذحل: طلب الثأر. وَفِي أ: «دخلا» .
[٥] الأحقاب: السنون.
[٦] نشى: شم. والمهند القضاب: السَّيْف الْقَاطِع.
[٧] المجرية: اللبؤة الَّتِي لَهَا جراء، أَي أَوْلَاد. والشلو: بَقِيَّة الْجَسَد.
[٨] الْمَتْن: مَا ظهر من الأَرْض وارتفع. والعراء: الْخَالِي لَا يخفى فِيهِ شَيْء.
[٩] نجوت: أسرعت. وأحقب: أَي خمار وَحش أَبيض الْمُؤخر، وَهُوَ مَوضِع الحقيبة. وعلج:
غليظ. وأقب: ضامر الْبَطن. ومشمر الأقراب: منقبض الخواصر وَمَا يَليهَا. ويروى: «مقلص الأقراب»، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
[١٠] تلحى: تلوم. والمشافر: النواحي والجوانب. والقبقاب: من أَسمَاء الْفرج.
«وَذَكَرْتُ ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا
» عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَقَوْلُهُ «خناب» و«
علج أَقَبُّ مُشَمِّرُ الْأَقْرَابِ
» عَنْهُ أَيْضًا.
(شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الْأَخْزَرُ بْنُ لُعْطٍ الدِّيلِيُّ، فِيمَا كَانَ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ:
أَلَا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْأَحَابِيشِ أَنَّنَا … رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقِ نَاصِلِ [٢]
حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَةِ الْعَبْدِ رَافِعٍ … وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ [٣]
بِدَارِ الذَّلِيلِ الْآخِذ الضّيم بعد مَا … شَفَيْنَا النَّفُوسَ مِنْهُمْ بِالْمَنَاصِلِ [٤]
حَبَسْنَاهُمْ حَتَّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ … نَفَحْنَا لَهُمْ مِنْ كُلِّ شِعْبٍ بِوَابِلِ [٥]
نُذَبِّحْهُمُ ذَبْحَ التُّيُوسِ كَأَنَّنَا … أَسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِلِ [٦]
هُمْ ظَلَمُونَا واعَتَدَوْا فِي مَسِيرِهِمْ … وَكَانُوا لَدَى الْأَنْصَابِ أَوَّلَ قَاتِلِ
كَأَنَّهُمْ بِالْجِزْعِ [٧] إذْ يَطْرُدُونَهُمْ … بِفَاثُورَ [٨] حُفَّانُ النِّعَامِ الْجَوَافِلِ [٩]
[٢] قصوى: أبعد. والأحابيش: كل من حَالف قُريْشًا، وَدخل فِي عهدها من الْقَبَائِل. وَيُرِيد بقوله «بأفوق ناصل»: أَنَّهَا ردَّتْ خائبة، والأفوق (فِي الأَصْل): السهْم الّذي انْكَسَرَ فَوْقه، وَهُوَ طرفه الّذي يَلِي الْوتر. والناصل: الّذي زَالَ نصله، أَي حديدته الَّتِي تكون فِيهِ.
[٣] الدارة: الدَّار.
[٤] الضيم: الذل. والمناصل: جمع منصل، وَهُوَ السَّيْف.
[٥] نفحنا: وسعنا. والشعب: المطمئن بَين جبلين. والوابل: الْمَطَر الشَّديد، وَأَرَادَ بِهِ هُنَا دفْعَة الْخَيل.
[٦] يُرِيد «بالقواصل»: الأنياب.
[٧] الْجزع: مَا انعطف من الْوَادي.
[٨] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول-. وفاثور: مَوضِع بِنَجْد، قَالَ أَبُو ذَر: «ظَاهره أَنه اسْم مَوضِع وَمن رَوَاهُ: قفا ثَوْر، فثور: اسْم جبل بِمَكَّة، وَمنعه هَذَا الشَّاعِر الصّرْف، لِأَنَّهُ قصد بِهِ قصد الْبقْعَة.
وَقَفاهُ: وراؤه» . وَفِي أ: «فعاثور» .
[٩] حفان النعام: صغارها. والجوافل: المولية المسرعة.
فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَجَبِّ [١]، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ:
بُدَيْلُ بْنُ أُمِّ أَصْرَمَ، فَقَالَ:
تَفَاقَدَ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ وَلَمْ نَدَعْ … لَهُمْ سَيِّدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَافِلِ [٢] أَمِنْ خِيفَةِ الْقَوْمِ الْأُلَى تَزْدَرِيهِمْ … تُجِيزُ الْوَتِيرَ خَائِفًا غَيْرَ آئِلِ [٣] وَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَحْنُ نَحْبُو حِبَاءَنَا … لِعَقْلٍ وَلَا يُحْبَى لَنَا فِي الْمَعَاقِلِ [٤] وَنَحْنُ صَبَحْنَا بِالتَّلَاعَةِ دَارَكُمْ … بِأَسْيَافِنَا يَسْبِقْنَ لَوْمَ الْعَوَاذِلِ [٥] وَنَحْنُ مَنَعْنَا بَيْنَ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ … إلَى خَيْفِ رَضْوَى [٦] مِنْ مِجَرِّ الْقَنَابِلِ [٧] وَيَوْمَ الْغَمِيمِ قَدْ تَكَفَّتَ سَاعِيًا … عُبَيْسٌ فَجَعْنَاهُ بِجَلْدٍ حُلَاحِلِ [٨] أَأَنْ أَجْمَرَتْ فِي بَيْتِهَا أُمُّ بَعْضِكُمْ … بِجُعْمُوسِهَا تَنْزُونَ أَنْ لَمْ نُقَاتِلْ [٩] كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ مَا إنْ قَتَلْتُمْ … وَلَكِنْ تَرَكْنَا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ [١٠] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «غَيْرَ نَافِلِ»، وَقَوْلُهُ «إلَى خَيْفِ رَضْوَى» عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
[٢] يندوهم: يجمعهُمْ فِي الندى، وَهُوَ الْمجْلس.
[٣] الْوَتِير: اسْم مَاء بِأَسْفَل مَكَّة لخزاعة، وَغير آئل: غير رَاجع.
[٤] نحبو: نعطي. وَالْعقل: الدِّيَة.
[٥] التلاعة (بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف): مَاء لبني كنَانَة بالحجاز. ويسبقن لوم العواذل: يُشِير إِلَى الْمثل الْمَعْرُوف: «سبق السَّيْف العذل» .
[٦] بيض (بِالْفَتْح): من منَازِل بنى كنَانَة بالحجاز: وعتود (بِكَسْر أَوله وَسُكُون ثَانِيه وَفتح الْوَاو. وروى بِفَتْح أَوله): مَاء لكنانة أَيْضا. والخيف: مَا انحدر من الْجَبَل. ورضوى: جبل بِالْمَدِينَةِ.
[٧] كَذَا فِي أ. والقنابل: جمع قنبلة، وَهِي الْقطعَة من الْخَيل.
[٨] الغميم: مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة. وتكفت: حاد عَن طَرِيقه. وعبيس: رجل. وَالْجَلد:
القوى. والحلاحل: السَّيِّد.
[٩] الجعموس: الْعذرَة. و«أجمرت … إِلَخ»: أَي رمت بِهِ بِسُرْعَة، وَهُوَ كِنَايَة عَن ضرب من الْحَدث يسمج وَصفه: يُرِيد الْفَزع وَعدم الاطمئنان.
[١٠] البلابل: اخْتِلَاط الْهم ووساوسه.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ:
لَحَا اللَّهُ قَوْمًا لَمْ نَدَعْ مِنْ سَرَاتِهِمْ … لَهُمْ أَحَدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَاقِبْ [١] أَخُصْيَيْ حِمَارٍ مَاتَ بِالْأَمْسِ نَوْفَلًا … مَتَى كُنْتَ مِفْلَاحًا عَدُوَّ الْحَقَائِبِ [٢]
(شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيِّ لِلرَّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدُّهُ عَلَيْهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا تَظَاهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا، وَنَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ فِي عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ، خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا هَاجَ فَتْحَ مَكَّةَ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ النَّاسِ، فَقَالَ:
يَا رَبِّ إنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدًا … حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا [٣]
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنَّا وَالِدَا … ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا [٤]
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا … وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا [٥]
فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا … إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا [٦]
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا … إنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوكَ الْمَوْعِدَا [٧]
[٢] المفلاح: من الْفَلاح، وَهُوَ بَقَاء الْخَيْر، والحقائب: جمع حقيبة، وَهُوَ مَا يَجعله الرَّاكِب وَرَاءه إِذا ركب. (عَن أَبى ذَر) .
[٣] نَاشد: طَالب ومذكر. والأتلد: الْقَدِيم.
[٤] يُرِيد أَن بنى عبد منَاف أمّهم من خُزَاعَة، وَكَذَلِكَ قصي أمه فَاطِمَة بنت سعد الْخُزَاعِيَّة. وَالْولد (بِالضَّمِّ) بِمَعْنى الْوَلَد (بِالتَّحْرِيكِ) . وأسلمنا: من السّلم. قَالَ السهيليّ: «لأَنهم لم يَكُونُوا آمنُوا بعد، غير أَنه قَالَ: «ركعا وَسجدا» فَدلَّ على أَنه كَانَ فيهم من صلى للَّه فَقتل: (رَاجع الرَّوْض) .
[٥] أَعْتَد: حَاضر، من الشَّيْء العتيد، وَهُوَ الْحَاضِر، والمدد: العون.
[٦] تجرد: من رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه، غضب: وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه: شمر وتهيأ للحرب.
وسيم: طلب مِنْهُ وكلف. والخسف: الذل، وَتَربد: تغير إِلَى السوَاد.
[٧] الفيلق: الْعَسْكَر الْكثير.
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدًا … وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا [٢] (يَقُولُ: قُتِلْنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا [٣]) .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا:
فَانْصُرْ هَدَاكَ اللَّهُ نَصْرًا أَيِّدَا [٤] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى أَيْضًا:
(نَحْنُ وَلَدْنَاكَ فَكُنْتُ وَلَدًا [٣])
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نُصِرْتَ يَا عَمْرَو بْنُ سَالِمٍ [٥] . ثُمَّ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَنَانٌ [٦] مِنْ السَّمَاءِ، فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ السَّحَابَةَ لَتَسْتَهِلُّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ.
(ذَهَابُ ابْنِ وَرْقَاءَ إلَى الرَّسُولِ بِالْمَدِينَةِ شَاكِيًا وَتَعَرُّفُ أَبِي سُفْيَانَ أَمْرَهُ):
ثُمَّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ، وَبِمُظَاهَرَةِ [٧] قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَكَّةَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلنَّاسِ:
كَأَنَّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدَّ الْعَقْدَ، وَيَزِيدَ فِي الْمُدَّةِ. وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى لَقُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِعُسْفَانَ [٨]، قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى
[٢] الْوَتِير: اسْم مَاء بِأَسْفَل مَكَّة لخزاعة. والهجد: النيام، وَقد يكون «الهجد» أَيْضا: المستيقظين وَهُوَ من الأضداد. وَرِوَايَة هَذَا الشّعْر فِي الِاسْتِيعَاب تخَالف رِوَايَته هُنَا تَقْدِيمًا وتأخيرا وَزِيَادَة وحذفا.
[٣] مَا بَين القوسين سَاقِط فِي أ.
[٤] أيدا: قَوِيا، وَهُوَ من الأيد، وَهُوَ الْقُوَّة.
[٥] فِي الِاسْتِيعَاب: فَقَالَ رَسُول الله ﷺ: «لَا نصرني الله إِن لم أنْصر بنى كَعْب» .
[٦] عنان: سَحَاب.
[٧] المظاهرة: المعاونة.
[٨] عسفان: على مرحلَتَيْنِ من مَكَّة، على طَرِيق الْمَدِينَة. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ) .
وَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: تَسَيَّرْتُ فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السَّاحِلِ، وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي، قَالَ: أَوَ مَا جِئْتُ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا رَاحَ بُدَيْلِ إلَى مَكَّةَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَئِنْ جَاءَ بُدَيْلِ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النَّوَى، فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ، فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتَّهُ، فَرَأَى فِيهِ النَّوَى، فَقَالَ: أَحْلِفُ باللَّه لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلِ مُحَمَّدًا.
(خُرُوجُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الْمَدِينَة الصُّلْح وَإِخْفَاقُهُ):
ثُمَّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَوَتْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ، مَا أَدْرِي أَرَغِبْتُ بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْتُ بِهِ عَنِّي؟ قَالَتْ: بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجَسٌ، وَلَمْ أُحِبَّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكَ يَا بُنَيَّةُ بَعْدِي شَرٌّ. ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَكَلَّمَهُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَلَّمَهُ أَنْ يُكَلِّمَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلِ، ثُمَّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُول الله ﷺ؟ فو اللَّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا الذَّرَّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ. ثُمَّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرَضِيَ عَنْهَا، وَعِنْدَهَا حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، غُلَامٌ يَدِبُّ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إنَّكَ أَمَسُّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا، وَإِنِّي قَدْ جِئْتُ فِي حَاجَةٍ، فَلَا أَرْجِعَنَّ كَمَا جِئْتُ خَائِبًا، فَاشْفَعْ لِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! وَاَللَّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلِّمَهُ فِيهِ. فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: يَا بْنَةَ مُحَمَّدٍ، هَلْ لَكَ أَنْ تَأْمُرِي بُنَيَّكَ هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَكُونَ سَيِّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ؟ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا بَلَغَ بُنَيَّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: جِئْتُ مُحَمَّدًا فكلّمته، فو الله مَا رَدَّ عَلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا، ثُمَّ جِئْتُ ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَجَدْتُهُ أَدْنَى الْعَدُوِّ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَعْدَى الْعَدُوِّ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ جِئْتُ عَلِيًّا فَوَجَدْتُهُ أَلْيَنَ الْقَوْمِ، وَقَدْ أَشَارَ عَلَيَّ بِشَيْء صَنعته، فو الله مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا؟ قَالُوا: وَبِمَ أَمَرَكَ؟ قَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النَّاسِ، فَفَعَلْتُ، قَالُوا: فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: لَا، قَالُوا:
وَيْلَكَ! وَاَللَّهِ إنْ زَادَ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِكَ، فَمَا يُغْنِي عَنْكَ مَا قُلْتُ. قَالَ:
لَا وَاَللَّهِ، مَا وَجَدْتُ غَيْرَ ذَلِكَ.
(تَجْهِيزُ الرَّسُولِ لِفَتْحِ مَكَّةَ):
وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْجَهَازِ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهِّزُوهُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَهِيَ تُحَرِّكُ بَعْضَ جَهَازِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ: أَأَمَرَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُجَهِّزُوهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَتَجَهَّزْ، قَالَ: فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ؟ قَالَتْ: (لَا) وَاَللَّهِ مَا أَدْرِي. ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّهُ سَائِرٌ إلَى مَكَّةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدِّ وَالتَّهَيُّؤِ، وَقَالَ: اللَّهمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتَّى نَبْغَتَهَا [١] فِي بِلَادِهَا. فَتَجَهَّزَ النَّاسُ.
(شِعْرُ حَسَّانَ فِي تَحْرِيضِ النَّاسِ):
فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرِّضُ النَّاسَ، وَيَذْكُرُ مُصَابَ رِجَالِ خُزَاعَةَ:
فَلَا تَأْمَنَنَّا يَا بن أُمِّ مُجَالِدٍ … إذَا اُحْتُلِبَتْ صَرْفًا وَأَعْصَلَ نَابُهَا [٦] ولاَ تَجْزَعُوا مِنَّا فَإِنَّ سُيُوفَنَا … لَهَا وَقْعَةٌ بِالْمَوْتِ يُفْتَحُ بَابُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُ حَسَّانَ: «
بأيدي رِجَالٍ لَمْ يَسُلُّوا سُيُوفَهُمْ
» يَعْنِي قُرَيْشًا، «وَابْنُ أُمِّ مُجَالِدٍ» يَعْنِي عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ.
(كِتَابُ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ وَعِلْمُ الرَّسُولِ بِأَمْرِهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا، قَالُوا: لَمَّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَسِيرَ إلَى مَكَّةَ، كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إلَيْهِمْ، ثُمَّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً، زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ، وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنَّهَا سَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغَهُ قُرَيْشًا، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا، ثُمَّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا، ثُمَّ خَرَجَتْ بِهِ، وَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ، فَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنهما، فَقَالَ: أَدْرِكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ، يُحَذِّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا لَهُ فِي أَمْرِهِمْ
غبنا فَلم نشْهد ببطحاء مَكَّة … رُعَاة…………
إِلَخ» .
[٢] لم تجن ثِيَابهَا: لم تستر. يُرِيد أَنهم قتلوا وَلم يدفنوا. وَمَوْضِع هَذَا الْبَيْت مُتَأَخّر فِي الدِّيوَان.
[٣] كَذَا فِي الدِّيوَان.
[٤] الْعود: المسن من الْإِبِل.
[٥] كَذَا فِي الدِّيوَان. وَفِي م: «شعر استه» .
[٦] الصّرْف: اللَّبن الْخَالِص هُنَا. وأعصل: أَعْوَج، والعصل: اعوجاج الْأَسْنَان. وَرِوَايَة الدِّيوَان للشطر الثَّانِي: «
إِذا لقحت حَرْب وأعصل نابها
» وَابْن أم مجَالد: هُوَ عِكْرِمَة بن أَبى جهل.
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا وَاَللَّهِ إنِّي لَمُؤْمِنٌ باللَّه وَرَسُولِهِ، مَا غَيَّرْتُ وَلَا بَدَّلْتُ، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَمْرَأً لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ، فَصَانَعْتهمْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ نَافَقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَمَا يُدْرِيكَ يَا عُمَرُ، لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَاطِبٍ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ٦٠: ١ … إلَى قَوْلِهِ: قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ، إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ٦٠: ٤ … إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
(خُرُوجُ الرَّسُولِ فِي رَمَضَان واستخلافه أبارهم):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِسَفَرِهِ، وَاسْتَخْلَفَ على الْمَدِينَة أبارهم، كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ ابْن عُتْبَةَ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيَّ، وَخَرَجَ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، فَصَامَ رَسُولُ
(نُزُولُهُمْ مَرَّ الظَّهْرَانِ وَتَجُسُّسُ قُرَيْشٍ أَخْبَارَ الرَّسُولِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ مَضَى حَتَّى نَزَلَ مَرَّ الظَّهْرَانِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَسَبَّعَتْ سُلَيْمٌ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَلَّفَتْ [١] سُلَيْمٌ، وَأَلَّفَتْ مُزَيْنَةُ. وَفِي كُلِّ الْقَبَائِلِ عُدَدٌ وَإِسْلَامٌ، وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، فَلَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرَّ الظَّهْرَانِ، وَقَدْ عُمِّيَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَأْتِهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ، وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللَّيَالِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَتَحَسَّسُونَ الْأَخْبَارَ، وَيَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا أَوْ يَسْمَعُونَ بِهِ، وَقَدْ كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ.
(هِجْرَةُ الْعَبَّاسِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: لَقِيَهُ بِالْجُحْفَةِ مُهَاجِرًا بِعِيَالِهِ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ عَلَى سِقَايَتِهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ رَاضٍ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ.
(إسْلَامُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُمَيَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَيْضًا بِنِيقِ الْعُقَابِ، فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، فَالْتَمَسَا الدُّخُولَ عَلَيْهِ، فَكَلَّمَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ فِيهِمَا، فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ عَمِّكَ وَابْنُ عَمَّتِكَ وَصِهْرُكَ، قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا، أَمَا ابْنُ عَمِّي فَهَتَكَ عِرْضِي، وَأَمَّا ابْنُ عَمَّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذي قَالَ لي بِمَكَّةَ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ، وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بُنَيٌّ لَهُ. فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدَيْ بُنَيَّ هَذَا، ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ
(شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الِاعْتِذَارِ عَمَّا كَانَ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ):
وَأَنْشَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلَهُ فِي إسْلَامِهِ، وَاعْتذر إِلَيْهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ:
لَعَمْرُكَ إنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً … لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [١]
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ … فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [٢]
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي … مَعَ [٣] اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ … وَأُدْعَى (وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ) مِنْ مُحَمَّدِ [٤]
هُمْ مَا هُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمْ … وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدْ [٥]
أُرِيدُ لِأُرْضِيَهُمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ … مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [٦]
فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا … وَقُلْ لِثَقِيفِ تِلْكَ: غَيْرِي [٧] أَوْعِدِي [٨]
فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا … وَمَا كَانَ عَنْ جَرَّا لِسَانِي وَلَا يَدِي [٩]
قَبَائِلَ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ … نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ [١٠]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى «وَدَلَّنِي
عَلَى الْحَقِّ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ
» .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَوْلَهُ:
«وَنَالَنِي مَعَ اللَّهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ» ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي صَدْرِهِ، وَقَالَ: أَنْتَ طَرَّدْتَنِي كُلَّ مُطَرَّدٍ.
جيوش الْكفْر.
[٢] المدلج: الّذي يسير بِاللَّيْلِ.
[٣] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «ودلني على الله» وَقد آثرنا مَا فِي (أ) لإِجْمَاع الْأُصُول عَلَيْهَا بعد.
[٤] أنأى: أبعد.
[٥] يفند: يلام ويكذب.
[٦] لائط: ملصق. يُقَال: لَاطَ حبه بقلبي، أَي لصق بِهِ.
[٧] كَذَا فِي أ، وَفِي م، ر «غَيْرِي» .
[٨] أوعدى: هددى.
[٩] عَن جرا: من جراء.
[١٠] سِهَام (بِوَزْن سَحَاب)، وسردد (بِوَزْن جؤذر): موضعان من أَرض عك. (انْظُر الرَّوْض) ٢٦- سيرة ابْن هِشَام- ٢
فَلَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرَّ الظَّهْرَانِ، قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَقُلْتُ: وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ، وَاَللَّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَكَّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ، إنَّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ. قَالَ:
فَجَلَسْتُ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْبَيْضَاءِ، فَخَرَجْتُ عَلَيْهَا. قَالَ:
حَتَّى جِئْتُ الْأَرَاكَ، فَقُلْتُ: لَعَلِّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطَّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا حَاجَةٍ يَأْتِي مَكَّةَ، فَيُخْبِرَهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عنْوَة. قَالَ: فو الله إنِّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْتُ لَهُ، إذْ سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ، وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ، وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ كَاللَّيْلَةِ نِيرَانًا قَطُّ وَلَا عَسْكَرًا، قَالَ: يَقُولُ بُدَيْلِ:
هَذِهِ وَاَللَّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا [١] الْحَرْبُ. قَالَ: يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ: خُزَاعَةُ أَذَلُّ وَأَقَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا، قَالَ: فَعَرَفْتُ صَوْتَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَنْظَلَةَ، فَعَرَفَ صَوْتِي، فَقَالَ: أَبُو الْفَضْلِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نعم، قَالَ: مَا لَك؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ، وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللَّهِ. قَالَ: فَمَا الْحِيلَةُ؟ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: قُلْتُ:
وَاَللَّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِكَ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتَّى آتِيَ بِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَسْتَأْمِنَهُ لَكَ، قَالَ: فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ، قَالَ: فَجِئْتُ بِهِ، كُلَّمَا مَرَرْتُ بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا عَلَيْهَا، قَالُوا عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَغْلَتِهِ، حَتَّى مَرَرْتُ بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
وَقَامَ إلَيَّ، فَلَمَّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدَّابَّةِ، قَالَ: أَبُو سُفْيَانَ عَدُوُّ اللَّهِ! الْحَمْدُ للَّه الَّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ، ثُمَّ خَرَجَ يَشْتَدُّ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَكَضْتُ الْبَغْلَةَ، فَسَبَقَتْهُ بِمَا تَسْبِقُ الدَّابَّةُ الْبَطِيئَةُ الرَّجُلَ الْبَطِيءَ.
فَذَهَبْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي، فَبَاتَ عِنْدِي، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَوْتُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، أَلَمْ يَأْنِ [١] لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ، وَاَللَّهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللَّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنِّي شَيْئًا بَعْدُ، قَالَ: وَيْحَكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ! أَلَمْ يَأْنِ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَكَ وَأَوْصَلَكَ! أَمَّا هَذِهِ وَاَللَّهِ فَإِنَّ فِي النَّفْسِ مِنْهَا حَتَّى الْآنَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: وَيْحَكَ! أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُكَ. قَالَ: فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، فَأَسْلَمَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: قُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبُّ هَذَا الْفَخْرَ، فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا عَبَّاسُ، احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ [٢]، حَتَّى تَمُرَّ بِهِ جُنُودُ اللَّهِ فَيَرَاهَا. قَالَ:
[٢] خطم الْجَبَل. الخطم: أنف الْجَبَل. وَهُوَ شَيْء يخرج مِنْهُ، يضيق بِهِ الطَّرِيق. وَوَقع فِي البُخَارِيّ فِيهِ
(عَرْضُ جُيُوشِ الرَّسُولِ أَمَامَ أَبِي سُفْيَانَ):
قَالَ: وَمَرَّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَذِهِ؟ فَأَقُولُ: سليم، فَيَقُول: مَا لي وَلِسُلَيْمٍ، ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَأَقُولُ: مُزَيْنَةُ، فَيَقُول: مَا لي وَلِمُزَيْنَةَ، حَتَّى نَفِدَتْ الْقَبَائِلُ، مَا تَمُرُّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلَّا يَسْأَلُنِي عَنْهَا، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ بهم، قَالَ: مَا لي وَلِبَنِي فُلَانٍ، حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا الْخَضْرَاءُ لِكَثْرَةِ الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا.
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ الْيَشْكُرِيُّ:
ثُمَّ حُجْرًا أَعْنِي ابْنَ أُمِّ قَطَامٍ … وَلَهُ فَارِسِيَّةٌ خَضْرَاءُ
يَعْنِي الْكَتِيبَةَ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ:
لَمَّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ … بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ بَدْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، رضي الله عنهم، لَا يُرَى مِنْهُمْ إلَّا الْحَدَقُ مِنْ الْحَدِيدِ، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ: يَا عَبَّاسُ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: قُلْتُ:
هَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَالَ: مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ، وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ، لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ الْغَدَاةَ عَظِيمًا، قَالَ:
قُلْتُ: يَا أَبَا سُفْيَانَ، إنَّهَا النُّبُوَّةُ. قَالَ: فَنَعَمْ إذَنْ.
(رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُحَذِّرُهُمْ):
قَالَ: قُلْتُ: النَّجَاءَ [١] إلَى قَوْمِكَ، حَتَّى إذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ
[١] النَّجَاء: السرعة:. تَقول: نجا ينجو نجاء: إِذا أسْرع.
قَاتَلَكَ اللَّهُ! وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ، قَالَ: وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ.
(وُصُولُ النَّبِيِّ إلَى ذِي طُوَى):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا انْتَهَى إلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُعْتَجِرًا بِشُقَّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ [٣] حَمْرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِيَضَعَ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا للَّه حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ، حَتَّى إنَّ عُثْنُونَهُ لَيَكَادُ يَمَسُّ وَاسِطَةَ الرَّحْلِ.
(إسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدَّتِهِ أَسَمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: لَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذِي طُوَى قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةِ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ: أَيْ بُنَيَّةُ، اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ [٤]، قَالَتْ: وَقَدْ كُفَّ بَصَرُهُ، قَالَتْ: فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، مَاذَا تَرَيْنَ؟ قَالَتْ: أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا، قَالَ: تِلْكَ الْخَيْلُ، قَالَتْ: وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا، قَالَ: أَيْ بُنَيَّةُ، ذَلِكَ الْوَازِعُ [٥]، يَعْنِي الَّذِي يَأْمُرُ الْخَيْلَ وَيَتَقَدَّمُ إلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ وَاَللَّهِ انْتَشَرَ السَّوَادُ، قَالَتْ: فَقَالَ:
قَدْ وَاَللَّهِ إذَنْ دُفِعَتْ الْخَيْلُ، فَأَسْرِعِي بِي إلَى بَيْتِي، فَانْحَطَّتْ بِهِ، وَتَلَقَّاهُ الْخَيْلُ
[٢] الطليعة: الّذي يحرس الْقَوْم.
[٣] الاعتجار: التعمم بِغَيْر ذؤابة، والشقة: النّصْف والحبرة: ضرب من ثِيَاب الْيمن
[٤] اظهرى بى: اصعدي وارتفعى. وَأَبُو قبيس: جبل بِمَكَّة.
[٥] الْوَازِع: الّذي يرتب الْجَيْش ويسويه ويصفه، فَكَأَنَّهُ يكفه عَن التَّفَرُّق والانتشار.
هَلَّا تَرَكْتُ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا آتِيَهُ فِيهِ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْكَ مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ أَنْتَ، قَالَ: (قَالَتْ): فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَسَحَ صَدْرَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَسْلِمْ، فَأَسْلَمَ، قَالَتْ: فَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنَّ رَأْسُهُ ثَغَامَةً [٢]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: غَيِّرُوا هَذَا مِنْ شَعَرِهِ، ثُمَّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ، وَقَالَ: أُنْشِدُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ طَوْقَ أُخْتِي، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، قَالَتْ: فَقَالَ: أَيْ أُخَيَّةُ، احتسبي طوقك، فو الله إنَّ الْأَمَانَةَ فِي النَّاسِ الْيَوْمَ لَقَلِيلٌ.
(دُخُولُ جُيُوشِ الْمُسْلِمِينَ مَكَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ فَرَّقَ جَيْشَهُ مِنْ ذِي طُوَى، أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كُدَى، وَكَانَ الزُّبَيْرُ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كَدَاءٍ [٣] .
(تَخَوُّفُ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ سَعْدٍ وَمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ سَعْدًا حِينَ وُجِّهَ دَاخِلًا، قَالَ: الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ، فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، مَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْش صولة، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ
[٢] الثغامة: وَاحِدَة الثغام، وَهُوَ من نَبَات الْجبَال، وَأَشد مَا يكون بَيَاضًا إِذا أمحل، يشبهون بِهِ الشيب.
[٣] كداء (كسماء): جبل بِأَعْلَى مَكَّة، وَهِي الثَّنية الَّتِي عِنْد الْمقْبرَة وَتسَمى تِلْكَ النَّاحِيَة المعلاة. وَدخل النَّبِي ﷺ مَكَّة مِنْهَا. و(كقرى): جبل بِأَسْفَل مَكَّة، وَخرج مِنْهُ النَّبِي ﷺ. وَقيل غير ذَلِك. (رَاجع مُعْجم الْبلدَانِ والقاموس وَشَرحه) .
(طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ فِي حَدِيثِهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، فَدَخَلَ مِنْ اللِّيطِ، أَسْفَلَ مَكَّةَ، فِي بَعْضِ النَّاسِ، وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى، وَفِيهَا أَسْلَمُ وَسُلَيْمٌ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَقَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ. وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ بِالصَّفِّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصَبُّ لِمَكَّةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَذَاخِرَ، حَتَّى نَزَلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَضُرِبَتْ لَهُ هُنَالِكَ قُبَّتُهُ.
(تَعَرُّضُ صَفْوَانَ فِي نَفَرٍ مَعَهُ لِلْمُسْلِمِينَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو كَانُوا قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا، وَقَدْ كَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ، أَخُو بَنِي بَكْرٍ، يُعِدُّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَيُصْلِحُ مِنْهُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَته:
لماذَا تُعِدُّ مَا أَرَى؟ قَالَ: لِمُحَمَّدِ وَأَصْحَابِهِ، قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَرَاهُ [١] يَقُومُ لِمُحَمَّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ، قَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَكَ بَعْضَهُمْ، ثُمَّ قَالَ:
إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَا لِي عِلَّهْ … هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَّهْ [٢]
وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السَّلَّهْ [٣]
ثُمَّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَسُهَيْلٍ وَعِكْرِمَةَ، فَلَمَّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، فَقُتِلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ، أَحَدُ بَنِي مُحَارِبِ ابْن فِهْرٍ، وَخُنَيْسُ بْنُ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ، حَلِيفُ بَنِي مُنْقَذٍ، وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَشَذَّا عَنْهُ فَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ فَقُتِلَا جَمِيعًا، قتل حنيس
[٢] الألة: الحربة لَهَا سِنَان طَوِيل.
[٣] ذُو غرارين: سيف ذُو حَدَّيْنِ.
قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ … نَقِيَّةُ الْوَجْهِ نَقِيَّةُ الصَّدِرْ
لَأَضْرِبَنَّ الْيَوْمَ عَنْ أَبِي صَخِرْ [١] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ خُنَيْسٌ يُكْنَى أَبَا صَخْرٍ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ، مِنْ خُزَاعَةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، قَالَا: وَأُصِيبَ مِنْ جُهَيْنَةَ سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ، مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَاسٌ قَرِيبٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ انْهَزَمُوا، فَخَرَجَ حِمَاسٌ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ بَيْتَهُ، ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَغَلِقِي عَلَيَّ بَابِي، قَالَتْ: فَأَيْنَ مَا كُنْتُ تَقُولُ؟ فَقَالَ:
إنَّكِ لَوْ شَهِدْتُ يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ … إذْ فَرَّ صَفْوَانُ وَفَرَّ عِكْرِمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتَمَهْ … وَاسْتَقْبَلَتْهُمْ بِالسُّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ [٢] يَقْطَعْنَ كُلَّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ … ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلَّا غَمْغَمَهْ [٣] لَهُمْ نَهِيتٌ خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ … لَمْ تَنْطِقِي فِي اللَّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ [٤]
[٢] وَأَبُو يزِيد: قلب الْهمزَة ألفا سَاكِنة تَخْفِيفًا فِي ضَرُورَة الشّعْر. وَالْمرَاد بِأبي يزِيد: سُهَيْل بن عَمْرو خطيب قُرَيْش. والموتمة والموتم بِلَا همز، وَتجمع على مياتم، وَهِي الْمَرْأَة مَاتَ زَوجهَا وَترك لَهَا أيتاما.
وَقَالَ ابْن إِسْحَاق فِي غير هَذِه الرِّوَايَة: «المؤتمة» الأسطوانة، وَهُوَ تَفْسِير غَرِيب، وَهُوَ أصح من التَّفْسِير الأول، لِأَنَّهُ تَفْسِير رَاوِي الحَدِيث. وعَلى قَوْله هَذَا يكون لفظ المؤتمة من قَوْلهم: وَتمّ: وَأتم إِذا ثَبت، لِأَن الأسطوانة تثبت مَا عَلَيْهَا. وَيُقَال فِيهَا على هَذَا: مؤتمة بِالْهَمْز، وَتجمع على مآتم، وموتمة بِلَا همز، وَتجمع على مواتم. (انْظُر الرَّوْض الْأنف) .
[٣] الغمغمة: أصوات غير مفهومة لاختلاطها.
[٤] النهيت: صَوت الصَّدْر، وَأكْثر مَا يُوصف بِهِ الْأسد. والهمهمة: صَوت فِي الصَّدْر أَيْضا.
(شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ):
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ، شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ: يَا بَنِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ: يَا بَنِي عَبْدِ اللَّهِ، وَشِعَارُ الْأَوْسِ: يَا بَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ.
(عَهْدُ الرَّسُولِ إلَى أُمَرَائِهِ وَأَمْرُهُ بِقَتْلِ نَفَرٍ سَمَّاهُمْ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ عَهِدَ إلَى أُمَرَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ، أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ فِي نَفَرٍ سَمَّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ.
(سَبَبُ أَمْرِ الرَّسُولِ بِقَتْلِ سَعْدٍ وَشَفَاعَةُ عُثْمَانَ فِيهِ):
وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْوَحْيَ، فَارْتَدَّ مُشْرِكًا رَاجِعًا إلَى قُرَيْشٍ، فَفَرَّ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَكَانَ أَخَاهُ لِلرَّضَاعَةِ، فَغَيَّبَهُ حَتَّى أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنَّ النَّاسُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ: فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَمَتَ طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ عُثْمَانُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ: لَقَدْ صَمَتُّ لِيَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ: فَهَلَّا أَوْمَأْتُ إلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ لَا يَقْتُلُ بِالْإِشَارَةِ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ، فَوَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بَعْضَ أَعْمَالِهِ، ثُمَّ وَلَّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بَعْدَ عُمَرَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ: إنَّمَا أَمَرَ
(أَسَمَاءُ مَنْ أَمَرَ الرَّسُولُ بِقَتْلِهِمْ وَسَبَبُ ذَلِكَ):
وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ: فَرْتَنَى وَصَاحِبَتُهَا، وَكَانَتَا تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ.
وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ، وَكَانَ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَمَلَ فَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ، ابْنَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ مَكَّةَ يُرِيدُ بِهِمَا الْمَدِينَةَ، فَنَخَسَ بِهِمَا الْحُوَيْرِثُ ابْن نُقَيْذٍ، فَرَمَى بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَمِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ [٢]: وَإِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَتْلِهِ، لِقَتْلِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي كَانَ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً، وَرُجُوعُهُ إلَى قُرَيْشٍ مُشْرِكًا.
وَسَارَةُ، مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ. وَكَانَتْ سَارَةُ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ، فَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَهَرَبَ إلَى الْيَمَنِ، وَأَسْلَمْتُ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَّنَهُ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ إلَى الْيَمَنِ [٣]، حَتَّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَسْلَمَ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ، اشْتَرَكَا فِي دَمِهِ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ [٤] فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَقَالَتْ أُخْتُ مِقْيَسٍ فِي قَتْلِهِ:
لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْزَى نُمَيْلَةُ رَهْطَهُ … وَفَجَّعَ أَضْيَافَ الشِّتَاءِ بِمِقْيَسِ
[٢] كَذَا فِي الْقَامُوس وَشَرحه. وَفِي أ: «ضَبَابَة»، وَفِي م، ر: «صبَابَة» .
[٣] هَذِه الْكَلِمَة (إِلَى الْيمن) سَاقِطَة فِي أ.
[٤] رَاجع الْحَاشِيَة (رقم ٢ ص ٥٢) .
وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
(حَدِيثُ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَمَّنَتْهُمَا أُمُّ هَانِئٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ، مَوْلَى عَقِيلِ ابْن أَبِي طَالِبٍ، أَنَّ أمّ هَانِئ بنت أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَرَّ إلَيَّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَأَقْتُلَنَّهُمَا، فَأَغْلَقْتُ عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي، ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنَّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشَّحَ بِهِ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مِنْ الضُّحَى ثُمَّ انْصَرَفَ إلَيَّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمَّ هَانِئٍ، مَا جَاءَ بِكَ؟ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرَ الرَّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيٍّ، فَقَالَ: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ، وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتُ، فَلَا يَقْتُلْهُمَا. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَزُهَيْرُ بن أَبى أمّة بْنُ الْمُغِيرَةِ.
(طَوَافُ الرَّسُولِ بِالْبَيْتِ وَكَلِمَتُهُ فِيهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْن أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا نَزَلَ مَكَّةَ، وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ، خَرَجَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ، فَطَافَ بَهْ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنِ [٢] فِي يَدِهِ، فَلَمَّا قَضَى طَوَافَهُ، دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ، فَفُتِحَتْ لَهُ، فَدَخَلَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ، فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ
[٢] المحجن: عود معوج الطّرف، يمسِكهُ الرَّاكِب للبعير فِي يَده.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ، أَلَا كُلُّ مَأْثُرَةٍ [٢] أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَّعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ إلَّا سَدَانَةَ [٣] الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ، أَلَا وَقَتِيلُ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، فَفِيهِ الدّية مُغَلّظَة، مائَة مِنْ الْإِبِلِ، أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا. يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى، وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ٤٩: ١٣ … الْآيَةَ كُلَّهَا. ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، مَا تُرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ، وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ»
(إقْرَارُ الرَّسُولِ بن طَلْحَةَ عَلَى السَّدَانَةِ):
ثُمَّ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِفْتَاحُ الْكَعْبَةِ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ؟ فَدُعِيَ لَهُ، فَقَالَ: هَاكَ مِفْتَاحَكَ يَا عُثْمَانُ، الْيَوْمُ يَوْمُ بِرٍّ وَوَفَاءٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِعَلِيٍّ: إنَّمَا أُعْطِيكُمْ مَا تُرْزَءُونَ لَا مَا تَرْزَءُونَ [٤] .
[٢] المأثرة: الْخصْلَة المحمودة الَّتِي تتوارث ويتحدث بهَا النَّاس.
[٣] سدانة الْبَيْت: خدمته.
[٤] مَا ترزمون لَا مَا ترزمون: قَالَ أَبُو على: «إِنَّمَا مَعْنَاهُ: إِنَّمَا أَعطيتكُم مَا تمنون كالسقاية الَّتِي تحْتَاج إِلَى مُؤَن، وَأما السدَانَة فيرزأ لَهَا النَّاس بِالْبَعْثِ إِلَيْهَا، يعْنى كسْوَة الْبَيْت» .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْبَيْتَ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَرَأَى فِيهِ صُوَرَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَرَأَى إبْرَاهِيمَ عليه السلام مُصَوَّرًا فِي يَدِهِ الْأَزْلَامُ يَسْتَقْسِمُ بِهَا، فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ، جَعَلُوا شَيْخَنَا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ [١]، مَا شَأْنُ إبْرَاهِيمَ وَالْأَزْلَامِ! «مَا كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٣: ٦٧» . ثُمَّ أَمَرَ بِتِلْكَ الصُّوَرِ كُلِّهَا فَطُمِسَتْ [٢] .
(صَلَاةُ الرَّسُولِ بِالْبَيْتِ وَتَوَخِّي ابْنِ عُمَرَ مَكَانَهُ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَتَخَلَّفَ بِلَالٌ، فَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى بِلَالٍ، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ وَلَمْ يَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا دَخَلَ الْبَيْتَ مَشَى قِبَلَ وَجْهِهِ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ ظَهْرِهِ، حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ قَدْرُ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ، ثُمَّ يُصَلِّي، يَتَوَخَّى [٣] بِذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي قَالَ لَهُ بِلَالٌ.
(سَبَبُ إسْلَامِ عَتَّابٍ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، دَخَلَ الْكَعْبَةَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَعَهُ بِلَالٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَعَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ جُلُوسٌ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ لَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ أَسِيدًا أَلَّا يَكُونَ سَمِعَ هَذَا، فَيَسْمَعَ مِنْهُ مَا يَغِيظُهُ. فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ:
أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ أعلم أَنه محقّ لَاتَّبَعْتُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَا أَقُولُ شَيْئًا، لَوْ تَكَلَّمْتُ لَأَخْبَرَتْ عَنِّي هَذِهِ الْحَصَى، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ:
قَدْ عَلِمْتُ الَّذِي قُلْتُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَقَالَ الْحَارِثُ وَعَتَّابٌ: نَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا اطَّلَعَ عَلَى هَذَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا، فَنَقُولَ أَخْبَرَكَ.
[٢] طمست: غيرت.
[٣] يتوخى: يتحَرَّى يقْصد.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَنْدَرٍ الْأَسْلَمِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ: كَانَ مَعَنَا رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَحْمَرُ بَأْسًا [١]، وَكَانَ رَجُلًا شُجَاعًا، وَكَانَ إذَا نَامَ غَطَّ [٢] غَطِيطًا مُنْكَرًا لَا يَخْفَى مَكَانُهُ، فَكَانَ إذَا بَاتَ فِي حَيِّهِ بَاتَ مُعْتَنِزًا [٣]، فَإِذَا بُيِّتَ الْحَيُّ [٤] صَرَخُوا يَا أَحْمَرُ، فَيَثُورُ مِثْلَ الْأَسَدِ، لَا يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ. فَأَقْبَلَ غَزِيٌّ [٥] مِنْ هُذَيْلٍ يُرِيدُونَ حَاضِرَهُ، حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْحَاضِرِ [٦]، قَالَ ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيُّ: لَا تَعْجَلُوا عَلَيَّ حَتَّى أَنْظُرَ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَاضِرِ أَحْمَرُ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِمْ، فَإِنَّ لَهُ غَطِيطًا لَا يَخْفَى، قَالَ: فَاسْتَمَعَ، فَلَمَّا سَمِعَ غَطِيطَهُ مَشَى إلَيْهِ حَتَّى وَضَعَ السَّيْفَ فِي صَدْرِهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ أَغَارُوا عَلَى الْحَاضِرِ، فَصَرَخُوا يَا أَحْمَرُ وَلَا أَحْمَرَ لَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ، وَكَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، أَتَى ابْنُ الْأَثْوَعِ الْهُذَلِيُّ حَتَّى دَخَلَ مَكَّةَ يَنْظُرُ وَيَسْأَلُ عَنْ أَمْرِ النَّاسِ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، فَرَأَتْهُ خُزَاعَةُ، فَعَرَفُوهُ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَهُوَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ مَكَّةَ، يَقُولُونَ:
أَأَنْتَ قَاتِلُ أَحْمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا قَاتِلُ أَحْمَرَ فَمَهْ [٧]؟ قَالَ: إذْ أَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيَّةَ مُشْتَمِلًا عَلَى السَّيْفِ، فَقَالَ: هَكَذَا عَنْ الرَّجُلِ [٨]، وو الله مَا نَظُنُّ إلَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُفْرِجَ النَّاسَ عَنْهُ. فَلَمَّا انْفَرَجْنَا عَنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ، فَطَعَنَهُ بِالسَّيْفِ فِي بَطْنه، فو الله
[٢] الغطيط: مَا يسمع من صَوت الْآدَمِيّين إِذا نَامُوا.
[٣] معتنزا: أَي نَاحيَة من الْحَيّ. يُقَال: هَذَا بَيت معتنز: إِذا كَانَ خَارِجا عَن بيُوت الْحَيّ.
[٤] بَيت الْحَيّ: غزوا لَيْلًا.
[٥] الغزى: جمَاعَة الْقَوْم يغزون.
[٦] الحاصر: الَّذين ينزلون على المَاء.
[٧] فَمه: هِيَ بالاستفهامية، حذفت ألفها واجتلبت هَاء السكت فِي الْوَقْف، وَمَعْنَاهُ: فِي الّذي تُرِيدُونَ أَن تصنعوه؟
[٨] قَالَ أَبُو ذَر: «هَكَذَا: اسْم سمى بِهِ الْفِعْل، وَمَعْنَاهُ تنحوا عَن الرجل. وَعَن مُتَعَلقَة بِمَا فِي هَكَذَا من معنى الْفِعْل» . وَيفهم من قَول خرَاش «هَكَذَا» إِشَارَته بِيَدِهِ إِلَى النَّاس ليتنحوا عَن ابْن الأثوع، وَلَيْسَ يُرِيد أَنه من أَسمَاء الْأَفْعَال.
(مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي شُرَيْحٍ وَابْنِ سَعْدٍ حِينَ ذَكَّرَهُ بِحُرْمَةِ مَكَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ الزُّبَيْرِ [٤] مَكَّةَ لِقِتَالِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، جِئْتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا هَذَا، إنَّا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ عَدَتْ خُزَاعَةُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ فَقَتَلُوهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِينَا خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ، إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْم خلق السّماوات وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَامٌ مِنْ حَرَامٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ باللَّه وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا،
[٢] لترنقان: يُرِيد أَنَّهُمَا قريبان أَن تنغلقا.. يُقَال: رنقت الشَّمْس، إِذا دنت للغروب، ورنقه النعاس، إِذا ابتدأه قبل أَن تنغلق عينه. قَالَ الشَّاعِر:
وَسنَان أقصده النعاس فرنقت … فِي عينه سنة وَلَيْسَ بنائم
[٣] انجعف: سقط سقوطا ثقيلا. يُقَال: انجعفت الثَّمَرَة، إِذا انقلعت أُصُولهَا فَسَقَطت.
[٤] قَالَ السهيليّ: هَذَا وهم من ابْن هِشَام. وَصَوَابه: وَهُوَ عَمْرو بن سعيد بن الْعَاصِ بن أُميَّة، وَهُوَ الْأَشْدَق … وَإِنَّمَا دخل الْوَهم على ابْن هِشَام أَو على البكائي فِي رِوَايَته، من أجل أَن عَمْرو بن الزبير كَانَ معاديا لِأَخِيهِ عبد الله ومعينا لبني أُميَّة. هَذَا مَا ذهب إِلَيْهِ السهيليّ. وَقد نقل ابْن أَبى الْحَدِيد عَن المَسْعُودِيّ فِي شرح نهج البلاغة (ج ٤ ص ٤٩٥) مَا يثبت أَن قتالا كَانَ بَين عَمْرو بن الزبير وأخيه عبد الله، قَالَ:
«كَانَ يزِيد بن مُعَاوِيَة قد ولى الْوَلِيد بن عتبَة بن أَبى سُفْيَان الْمَدِينَة، فسرح مِنْهَا جَيْشًا إِلَى مَكَّة لِحَرْب عبد الله ابْن الزبير، عَلَيْهِ عَمْرو بن الزبير أَخُوهُ، وَكَانَ منحرفا عَن عبد الله، فَلَمَّا تصاف الْقَوْم انهزم رجال عَمْرو وأسلموه، فظفر بِهِ عبد الله فأقامه للنَّاس بِبَاب الْمَسْجِد مُجَردا، وَلم يزل يضْربهُ بالسياط حَتَّى مَاتَ» .
غَائِبَنَا، وَقَدْ أَبَلَغْتُكَ، فَأَنْتَ وَشَأْنُكَ.
(أَوَّلُ قَتِيلٍ وَدَاهُ الرَّسُولُ يَوْمَ الْفَتْحِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي أَنَّ أَوَّلَ قَتِيلٍ وَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْفَتْحِ جُنَيْدَبُ بْنُ الْأَكْوَعِ، قَتَلَتْهُ بَنُو كَعْب، فوداه بِمِائَة نَاقَةٍ.
(تَخَوُّفُ الْأَنْصَارِ مِنْ بَقَاءِ الرَّسُولِ فِي مَكَّةَ وَطَمْأَنَةُ الرَّسُولِ لَهُمْ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حِينَ افْتَتَحَ مَكَّةَ وَدَخَلَهَا، قَامَ عَلَى الصَّفَا يَدْعُو (اللَّهَ) [٣]، وَقَدْ أَحْدَقَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ، فَقَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: أَتُرَوْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، إذْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَرْضَهُ وَبَلَدَهُ يُقِيمُ بِهَا؟ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ دُعَائِهِ قَالَ: مَاذَا قُلْتُمْ؟ قَالُوا: لَا شَيْءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ حَتَّى أَخْبَرُوهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَعَاذَ اللَّهِ! الْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ، وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ.
(سُقُوطُ أَصْنَامِ الْكَعْبَةِ بِإِشَارَةِ مِنْ الرَّسُولِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الرِّوَايَةِ فِي إسْنَادٍ لَهُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ
[٢] زِيَادَة عَن أ.
[٣] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.
وَفِي الْأَصْنَامِ مُعْتَبَرٌ وَعِلْمٌ … لِمَنْ يَرْجُو الثَّوَابَ أَوْ الْعِقَابَا
(كَيْفَ أَسْلَمَ فَضَالَةُ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي: أَنَّ فَضَالَةَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ الْمُلَوَّحِ اللَّيْثِيَّ أَرَادَ قَتْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَامَ الْفَتْحِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَفَضَالَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَضَالَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَاذَا كُنْتُ تُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، كُنْتُ أَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ، ثُمَّ قَالَ:: اسْتَغْفِرْ اللَّهَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَسَكَنَ قَلْبُهُ، فَكَانَ فَضَالَةُ يَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي حَتَّى مَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ شَيْءٌ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْهُ. قَالَ فَضَالَةُ: فَرَجَعْتُ إلَى أَهْلِي، فَمَرَرْتُ بِامْرَأَةِ كُنْتُ أَتَحَدَّثُ إلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ، فَقُلْتُ: لَا، وَانْبَعَثَ فَضَالَةُ يَقُولُ:
قَالَتْ هَلُمَّ إلَى الْحَدِيثِ فَقُلْتُ لَا … يَأْبَى عَلَيْكَ اللَّهُ وَالْإِسْلَامُ
لَوْمَا رَأَيْتِ مُحَمَّدًا وَقَبِيلَهُ … بِالْفَتْحِ يَوْمَ تَكَسَّرَ الْأَصْنَامُ
لَرَأَيْتِ دِينَ اللَّهِ أَضْحَى بَيِّنًا … وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الْإِظْلَامُ
(أَمَانُ الرَّسُولِ لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ جُدَّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إلَى الْيَمَنِ، فَقَالُ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْكَ، لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَأَمِّنْهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ، قَالَ: هُوَ آمِنٌ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَعْطِنِي آيَةً يَعْرِفُ بِهَا أَمَانَكَ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا مَكَّة، ٢٧- سيرة ابْن هِشَام- ٢
أَيْ صَفْوَانُ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، أَفْضَلُ النَّاسِ، وَأَبَرُّ النَّاسِ، وَأَحْلَمُ النَّاسِ، وَخَيْرُ النَّاسِ، ابْنُ عَمِّكَ، عِزُّهُ عِزُّكَ، وَشَرَفُهُ شَرَفُكَ، وَمُلْكُهُ مُلْكُكَ، قَالَ:
إنِّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي، قَالَ: هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَاكَ وَأَكْرَمُ. فَرَجَعَ مَعَهُ، حَتَّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ قَدْ أَمَّنْتَنِي قَالَ: صَدَقَ، قَالَ: فَاجْعَلْنِي فِيهِ بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ، قَالَ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ لِعُمَيْرِ:
وَيْحَكَ! اُغْرُبْ عَنِّي، فَلَا تُكَلِّمْنِي، فَإِنَّكَ كَذَّابٌ، لِمَا كَانَ صَنَعَ بِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ يَوْمِ بَدْرٍ.
(إسْلَامُ عِكْرِمَةَ وَصَفْوَانَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ: أَنَّ أُمَّ حَكِيمِ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَفَاخِتَةَ بِنْتَ الْوَلِيدِ- وَكَانَتْ فَاخِتَةُ عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأُمُّ حَكِيمٍ عِنْدَ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ- أَسْلَمَتَا، فَأَمَّا أُمُّ حَكِيمٍ فَاسْتَأْمَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِعِكْرِمَةَ، فَأَمَّنَهُ، فَلَحِقَتْ بِهِ بِالْيَمَنِ، فَجَاءَتْ بِهِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ وَصَفْوَانُ أَقَرَّهُمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَهُمَا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ.
(إسْلَامُ ابْنِ الزِّبَعْرَى وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قَالَ: رَمَى حَسَّانُ بْنُ الزِّبَعْرَى وَهُوَ بِنَجْرَانَ بِبَيْتِ وَاحِدٍ مَا زَادَهُ عَلَيْهِ:
لَا تعد من رجلا أخلّك بُغْضُهُ … نَجْرَانَ فِي عَيْشٍ أَحَذَّ لَئِيمِ [١]
يَا رَسُولَ الْمَلِيكِ إنَّ لِسَانِي … رَاتِقٌ مَا فَتَقْتُ إِذْ أَنا بور [١] إذْ أُبَارِي الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَيِّ … وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ [٢] آمَنَ اللَّحْمُ وَالْعِظَامُ لِرَبِّي … ثُمَّ قَلْبِي الشَّهِيدُ أَنْتَ النَّذِيرُ
إنَّنِي عَنْكَ زَاجِرٌ ثَمَّ حَيَّا … مِنْ لُؤَيٍّ وَكُلُّهُمْ مَغْرُورُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى أَيْضًا حِينَ أَسْلَمَ:
مَنَعَ الرُّقَادَ بَلَابِلٌ وَهُمُومُ … واللَيْلُ مُعْتَلِجُ الرِّوَاقِ بَهِيمُ [٣] مِمَّا أَتَانِي أَنَّ أَحْمَدَ لَامَنِي … فِيهِ فَبِتُّ كَأَنَّنِي مَحْمُومُ
يَا خَيْرَ مَنْ حَمَلَتْ عَلَى أَوْصَالِهَا … عَيْرَانَةٌ سُرُحُ الْيَدَيْنِ غَشُومُ [٤] إنِّي لَمُعْتَذِرٌ إلَيْكَ مِنْ الَّذِي … أَسْدَيْتُ إذْ أَنَا فِي الضَّلَالِ أَهِيمُ [٥] أَيَّامَ تَأْمُرُنِي بِأَغْوَى خُطَّةٍ … سَهْمٌ وَتَأْمُرُنِي بِهَا مَخْزُومُ
وَأَمُدُّ أَسْبَابَ الرَّدَى وَيَقُودُنِي … أَمْرُ الْغُوَاةِ وَأَمْرُهُمْ مَشْئُومُ [٦] فَالْيَوْمَ آمَنَ بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ … قَلْبِي وَمُخْطِئُ هَذِهِ مَحْرُومُ
مَضَتْ الْعَدَاوَةُ وَانْقَضَتْ أَسْبَابُهَا … وَدَعَتْ أَوَاصِرُ بَيْنَنَا وَحُلُومُ [٧]
وفتقت: يعْنى فِي الدَّين، فَكل إِثْم فتق وتمزيق، وكل تَوْبَة رتق. وَمن أجل ذَلِك قيل للتَّوْبَة نصوح، من نصحت الثَّوْب إِذا خطته، والنصاح: الْخَيط. وبور: هَالك. يُقَال: رجل بور وبائر، وَقوم بور.
[٢] أبارى: أجارى وأعارض. وَالسّنَن بِالتَّحْرِيكِ: وسط الطَّرِيق. ومثبور: هَالك.
[٣] البلابل: الوساوس المختلطة وَالْأَحْزَان. معتلج: مُضْطَرب يركب بعضه بَعْضًا. والبهيم: الّذي لَا ضِيَاء فِيهِ.
[٤] عيرانة: نَاقَة تشبه العير فِي شدته ونشاطه. وَالْعير هُنَا: حمَار الْوَحْش. وسرح الْيَدَيْنِ:
خَفِيفَة الْيَدَيْنِ. وغشوم: لَا ترد عَن وَجههَا. ويروى: (سعوم) وَهِي القوية على السّير. ويروى أَيْضا (رسوم) وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ترسم الأَرْض وتؤثر فِيهَا، من شدَّة وَطئهَا.
[٥] أسديت: صنعت وحكيت، يعْنى مَا قَالَ من الشّعْر قبل إِسْلَامه وأهيم: أذهب على وَجْهي متحيرا.
[٦] الردى: الْهَلَاك.
[٧] الأواصر: جمع آصرة، وَهِي قرَابَة الرَّحِم بَين النَّاس.
وَعَلَيْكَ مِنْ عِلْمِ الْمَلِيكِ عَلَامَةٌ … نُورٌ أَغَرُّ وَخَاتَمٌ مَخْتُومُ
أَعْطَاكَ بَعْدَ مَحَبَّةٍ بُرْهَانَهُ … شَرَفًا وَبُرْهَانُ الْإِلَهِ عَظِيمُ
وَلَقَدْ شَهِدْتُ بِأَنَّ دِينَكَ صَادِقٌ … حَقٌّ وَأَنَّكَ فِي الْعِبَادِ جَسِيمُ
وَاَللَّهُ يَشْهَدُ أَنَّ أَحْمَدَ مُصْطَفًى … مُسْتَقْبَلٌ فِي الصَّالِحِينَ كَرِيمُ [١] قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانَهُ مِنْ هَاشِمٍ … فَرْعٌ تَمَكَّنَ فِي الذُّرَا وَأُرُومُ [٢] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ.
(بَقَاءُ هُبَيْرَةَ عَلَى كُفْرِهِ وَشِعْرُهُ فِي إسْلَامِ زَوْجِهِ أُمِّ هَانِئٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَمَّا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَاتَ كَافِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهَا هِنْدٌ، وَقَدْ قَالَ حِينَ بَلَغَهُ إسْلَامُ أُمِّ هَانِئٍ:
أَشَاقَتْكَ هِنْدٌ أَمْ أَتَاكَ سُؤَالُهَا [٣] … كَذَاكَ النَّوَى أَسْبَابُهَا وَانْفِتَالُهَا [٤]
وَقَدْ أَرَّقَتْ فِي رَأْسِ حِصْنٍ مُمَنَّعٍ … بِنَجْرَانَ يُسْرِي بَعْدَ لَيْلٍ خَيَالُهَا [٥]
وَعَاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُنِي … وَتَعْذِلُنِي بِاللَّيْلِ ضَلَّ ضَلَالُهَا [٦]
وَتَزْعُمُ أَنِّي إنْ أَطَعْتُ عَشِيرَتِي … سَأُرْدَى وَهَلْ يُرْدِينِ إلَّا زِيَالُهَا [٧]
فَإِنِّي لَمِنْ قَوْمٍ إذَا جَدَّ جِدُّهُمْ … عَلَى أَيِّ حَالٍ أَصْبَحَ الْيَوْمَ حَالُهَا
وَإِنِّي لَحَامٍ مِنْ وَرَاءِ عَشِيرَتِي … إذَا كَانَ مِنْ تَحْتِ الْعَوَالِي مَجَالُهَا [٨]
[٢] قرم: سيد، وَأَصله الْفَحْل من الْإِبِل. والذرا: الأعالي، جمع ذرْوَة. والأروم: الْأُصُول، جمع أرومة (بِفَتْح أَوله وضمه) .
[٣] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «نآك» . قَالَ أَبُو ذَر فِي شَرحه: «نآك» أَي بعد عَنْك.، والنأى:
الْبعد» .
[٤] وانفتالها: أَي تقلبها من حَال إِلَى حَال. ويروى: «وانتقالها» .
[٥] أرقت: أزالت النّوم. ونجران: بلد من الْيمن.
[٦] هبت: استيقظت. وضل ضلالها: دُعَاء عَلَيْهَا بالضلال.
[٧] سأردى: سأهلك. وزيالها: ذهابها.
[٨] العوالي: أعالى الرماح.
فَكُونِي عَلَى أَعْلَى سَحِيقٍ بِهَضْبَةٍ … مُلَمْلَمَةٍ غَبْرَاءَ يَبْسٍ بِلَالُهَا [٤] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُرْوَى: «
وَقَطَّعَتْ الْأَرْحَامَ مِنْكَ حِبَالُهَا
» .
(عِدَّةُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ.
مِنْ بَنِي سليم سبع مائَة. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلْفٌ، وَمِنْ بَنِي غفار أَربع مائَة، وَمِنْ أسلم أَربع مائَة، وَمِنْ مُزَيْنَةَ أَلْفٌ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ، وَسَائِرُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَحُلَفَائِهِمْ، وَطَوَائِفُ الْعَرَبِ مِنْ تَمِيمٍ وَقَيْسٍ وَأَسَدٍ.
(شِعْرُ حَسَّانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ):
وَكَانَ مِمَّا قِيلَ مِنْ الشِّعْرِ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ قَوْلُ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ [٥]:
عَفَتْ ذَاتُ الْأَصَابِعِ فَالْجِوَاءُ … إلَى عَذْرَاءَ مَنْزِلُهَا خَلَاءُ [٦]
[٢] قلاه: (كرماه ورضيه، قلى وقلاء ومقلية): أبغضه وَكَرِهَهُ غَايَة الْكَرَاهَة، فَتَركه.
ونفسها وعيالها: يُرِيد نَفسه وَعِيَاله.
[٣] كنهه: حَقِيقَته. والنصال: حَدِيد السِّهَام.
[٤] السحيق: الْبعيد. والهضبة: الكدية الْعَالِيَة. والململمة: المستديرة. والغبراء: الَّتِي علاها الغبور.
ويبس: يابسة.
[٥] وَردت هَذِه القصيدة فِي ديوَان حسان المطبوع بأوربا بِزِيَادَة بعض الأبيات وَاخْتِلَاف فِي تَرْتِيب بعض.
[٦] عفت: تَغَيَّرت ودرست. ذَات الْأَصَابِع والجواء: موضعان بِالشَّام، وبالجواء كَانَ منزل الْحَارِث ابْن أَبى شمر الغساني، وَكَانَ حسان كثيرا مَا يفد على مُلُوك غَسَّان بِالشَّام يمدحهم، فَلذَلِك يذكر هَذِه الْمنَازل. وعذراء: قَرْيَة على بريد من دمشق.
الرِّيَاح الَّتِي ترمس الْآثَار أَي تغطيها. وَالسَّمَاء: الْمَطَر. (عَن السهيليّ) .
[٢] النعم: المَال الرَّاعِي، وَهُوَ جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَأكْثر مَا يَقع على الْإِبِل. وَالشَّاة من الْغنم، يَقع على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَالْجمع شَاءَ وشياه.
[٣] الطيف: خيال المحبوبة يلم فِي النّوم. ويؤرقنى: يسهرني. يُرِيد أَن الطيف إِذا زَالَ عَنهُ وجد لَهُ لوعة تؤرقه.
[٤] شعثاء: اسْم امْرَأَة، قيل هِيَ بنت سَلام بن مشْكم الْيَهُودِيّ، كَمَا فِي السهيليّ، وَقيل هِيَ امْرَأَة من خُزَاعَة، كَمَا فِي نَوَادِر ابْن الْأَعرَابِي، وَقيل غير ذَلِك.
[٥] الخبيئة: الْخمر المخبوءة المصونة المضنون بهَا. وَبَيت رَأس: مَوضِع بالأردن مَشْهُور بِالْخمرِ الجيدة. وَبعد هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان المطبوع بأوربا:
على أنيابها أَو طعم غض … من التفاح هصره اجتناء
وعلق عَلَيْهِ السهيليّ فَقَالَ: الْبَيْت مَوْضُوع، لَا يشبه شعر حسان وَلَا لَفظه.
[٦] الأشربات: جمع الْأَشْرِبَة: والأشربة: جمع شراب. يُرِيد أَن الْأَشْرِبَة غير رَاح بَيت رَأس لَا تدانيها فِي اللَّذَّة.
[٧] نوليها الْمَلَامَة: نصرف اللوم إِلَيْهَا. إِن ألمنا: إِن فعلنَا مَا نستحق عَلَيْهِ اللوم. يُقَال: ألام الرجل فَهُوَ مليم. والمغث: الضَّرْب بِالْيَدِ. واللحاء: السباب.
[٨] ينهنهنا: يزجرنا ويردنا.
[٩] النَّقْع: الْغُبَار. وكداء (بِوَزْن سَحَاب): ثنية بِأَعْلَى مَكَّة (رَاجع الْحَاشِيَة الأولى ص ٤٠٦) .
[١٠] الأعنة: جمع عنان، وَهُوَ اللجام. والمصغيات: الموائل المنحرفات لِلطَّعْنِ. والأسل. الرماح.
والظماء: العطاش. ويروى: (يبارين الأسنة) بدل: (ينازعن الأعنة) . و(مصعدات) بدل مصغيات.
وَقَالَ اللَّهُ قَدْ سَيَّرْتُ جُنْدًا … هُمْ الْأَنْصَارُ عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ [٧] لَنَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ مَعَدٍّ … سِبَابٌ أَوْ قِتَالٌ أَوْ هِجَاءُ
فَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا … وَنَضْرِبُ حِينَ تَخْتَلِطُ الدِّمَاءُ [٨] أَلَا أَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ [٩] عَنِّي … مُغَلْغَلَةً [١٠] فَقَدْ بَرِحَ الْخَفَاءُ
بِأَنَّ سُيُوفَنَا تَرَكَتْكَ عَبْدًا … وَعَبْدُ الدَّارِ سَادَتُهَا الْإِمَاءُ [١١]
تضرب النِّسَاء وجوههن لتردهن. وَالْخمر: جمع خمار، وَهُوَ مَا تغطى بِهِ الْمَرْأَة رَأسهَا ووجهها، أَي أَن النِّسَاء كن يضربن وُجُوه الْخَيل بِخُمُرِهِنَّ يَوْم الْفَتْح. قَالَ السهيليّ: وَقَالَ ابْن دُرَيْد فِي الجمهرة:
كَانَ الْخَلِيل رحمه الله يرْوى بَيت حسان: (يطلمهن بِالْخمرِ) وينكر: (يلطمهن) ويجعله بِمَعْنى ينفض النِّسَاء بِخُمُرِهِنَّ مَا عليهنّ من غُبَار أَو نَحْو ذَلِك.
[٢] اعتمرنا: أدينا مَنَاسِك الْعمرَة، وَهِي زِيَارَة بَيت الله الْحَرَام.
[٣] الجلاد: الْقِتَال بِالسُّيُوفِ. ويروى: (يعز الله) بدل (يعين الله) .
[٤] كفاء: مثل.
[٥] الْبلَاء: الاختبار.
[٦] رِوَايَة الدِّيوَان: (وقومي) .
[٧] عرضتها اللِّقَاء: عَادَتهَا أَن تتعرض للقاء، فَهِيَ قَوِيَّة عَلَيْهِ.
[٨] نحكمه: نمنعه ونكفه، وَمِنْه سمى القَاضِي حَاكما، لِأَنَّهُ يمْنَع النَّاس من الظُّلم.
[٩] أَبُو سُفْيَان: هُوَ الْمُغيرَة بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب ابْن عَم النَّبِي، وَكَانَ هجا النَّبِي قبل أَن يسلم.
[١٠] مغلغلة: رِسَالَة ترسل من بلد إِلَى بلد. وَرِوَايَة هَذَا الْبَيْت فِي الدِّيوَان:
أَلا أبلغ أَبَا سُفْيَان عَنى … فَأَنت مجوف نخب هَوَاء
والمجوف: الْخَالِي الْجوف، يُرِيد بِهِ الجبان. وَكَذَلِكَ النخب والهواء.
[١١] يُرِيد أَن سيوف الْأَنْصَار جعلت أَبَا سُفْيَان كَالْعَبْدِ الذَّلِيل يَوْم فتح مَكَّة، وَأَن سادة بنى عبد الدَّار صَارُوا كالإماء فِي المذلة والهوان.
أَتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِكُفْءٍ … فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ
هَجَوْتَ مُبَارَكًا بَرًّا حَنِيفًا … أَمِينَ اللَّهِ شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ [١] أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْكُمْ … وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ؟
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي … لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَيْبَ فِيهِ … وَبَحْرِي لَا تُكَدِّرُهُ الدِّلَاءُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَهَا حَسَّانُ يَوْمَ الْفَتْحِ. وَيُرْوَى: «
لِسَانِي صَارِمٌ لَا عَتْبَ فِيهِ
» وَبَلَغَنِي عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ الْخَيْلَ بِالْخُمُرِ تَبَسَّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه.
(شِعْرُ أَنَسِ بْنِ زُنَيْمٍ فِي الِاعْتِذَارِ إِلَى الرَّسُول مِمَّا قَالَ ابْنُ سَالِمٍ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ أَنَسُ بْنُ زُنَيْمٍ الدِّيلِيُّ يَعْتَذِرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّا كَانَ قَالَ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيُّ:
أَأَنْتَ الَّذِي تُهْدَى مَعَدٌّ بِأَمْرِهِ … بَلْ اللَّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَكَ اشْهَدْ
وَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا … أَبَرَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِنُ مُحَمَّدِ
أَحَثَّ عَلَى خَيْرٍ وَأَسْبَغَ نَائِلًا … إذَا رَاحَ كَالسَّيْفِ الصَّقِيلِ الْمُهَنَّدِ
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ ابْتِذَالِهِ … وَأَعْطَى لِرَأْسِ السَّابِقِ الْمُتَجَرِّدِ [٢]
تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ مُدْرِكِي … وَأَنَّ وَعِيدًا مِنْكَ كَالْأَخْذِ بِالْيَدِ [٣]
تَعَلَّمْ رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قَادِرٌ … عَلَى كُلِّ صِرْمٍ مُتْهِمِينَ وَمُنْجِدِ [٤]
تَعَلَّمْ بِأَنَّ الرَّكْبَ رَكْبُ عُوَيْمِرٍ … هُمْ الْكَاذِبُونَ الْمُخْلِفُو كلّ موعد
ونبئوا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي هَجَوْتُهُ … فَلَا حَمَلَتْ سَوْطِي إلَيَّ إذَنْ يَدِي
[٢] الْخَال: ضرب من برود الْيمن، وَهُوَ من رفيع الثِّيَاب. وَالسَّابِق (هُنَا): الْفرس. والمتجرد:
الّذي يتجرد من الْخَيل فيسبقها.
[٣] تعلم: اعْلَم. والوعيد: التهديد.
[٤] صرم: بيُوت مجتمعة. ومتهمين: ساكنين فِي التهام، وَهِي المنخفض من الأَرْض. والمنجد من يسكن النجد، وَهُوَ الْمُرْتَفع.
فَإِنِّي لَا دِينًا فَتَقْتُ وَلَا دَمًا … هَرَقْتُ تَبَيَّنْ عَالِمَ الْحَقِّ وَاقْصِدْ
(شِعْرُ بُدَيْلٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ زُنَيْمٍ):
فَأَجَابَهُ بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُمِّ أَصْرَمَ، فَقَالَ:
بَكَى أَنَسٌ رَزْنًا فَأَعْوَلَهُ اُلْبُكَا … فَأَلَّا عَدِيًّا إذْ تُطَلُّ وَتُبْعَدُ [٥]
بَكَيْتَ أَبَا عَبْسٍ لِقُرْبِ دِمَائِهَا … فَتُعْذِرَ إذْ لَا يُوقِدُ الْحَرْبَ موقد
أَصَابَهُم يم الْخَنَادِمِ فِتْيَةٌ … كِرَامٌ فَسَلْ، مِنْهُمْ نفَيْل ومعبد [٦]
لَك إنْ تُسْفَحْ [٧] دُمُوعُكَ لَا تُلَمْ … عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ الْعَيْنُ فَاكْمَدُوا [٨]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
(شِعْرُ بُجَيْرٍ فِي يَوْمِ الْفَتْحِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ بُجَيْرُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى فِي يَوْمِ الْفَتْحِ:
نَفَى أَهْلَ الْحَبَلَّقِ كُلَّ فَجٍّ … مُزَيْنَةُ غُدْوَةً وَبَنُو خُفَافِ [٩]
[٢] تبلدي: تحيري. ويروى: تجلدي، أَي تصبرى:
[٣] أخفرت: نقضت الْعَهْد.
[٤] أكمد: من الكمد، وَهُوَ الْحزن.
[٥] العويل: رفع الصَّوْت بالبكاء. وتطل: يبطل دَمهَا وَلَا يُؤْخَذ بثأرها.
[٦] يَوْم الخنادم: أَرَادَ يَوْم الخندمة، فجمعها مَعَ مَا حولهَا، وَهِي جبل بِمَكَّة.
[٧] تسفح: تسيل.
[٨] فِي أ: فأكمد (بِكَسْر الدَّال) على أَنه أَمر للْوَاحِد، وبهذه الرِّوَايَة يكون فِي الْبَيْت إقواء.
[٩] قَالَ السهيليّ: «الحبلق» أَرض يسكنهَا قبائل من مزينة وَقيس. والحبلق: الْغنم الصغار. وَلَعَلَّه أَرَادَ بقوله: «أهل الحبلق» أَصْحَاب الْغنم. وَبَنُو خفاف: بطن من سليم.
فَأُبْنَا غَانِمِينَ بِمَا اشْتَهَيْنَا … وَآبُوا نَادِمِينَ عَلَى الْخِلَافِ
وَأَعْطَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ مِنَّا … مَوَاثِقَنَا عَلَى حُسْنِ التَّصَافِي
وَقَدْ سَمِعُوا مَقَالَتَنَا فَهَمُّوا … غَدَاةَ الرَّوْعِ مِنَّا بِانْصِرَافِ
(شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي فَتْحِ مَكَّةَ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ فِي فَتْحِ مَكَّةَ:
مِنَّا بِمَكَّةَ يَوْمَ فَتْحِ مُحَمَّدٍ … أَلْفٌ تَسِيلُ بِهِ الْبِطَاحُ مُسَوَّمُ [٦]
نَصَرُوا الرَّسُولَ وَشَاهَدُوا أَيَّامَهُ … وَشِعَارُهُمْ يَوْمَ اللِّقَاءِ مُقَدَّمُ [٧]
فِي مَنْزِلٍ ثَبَتَتْ بِهِ أَقْدَامُهُمْ … ضَنْكٍ كَأَنَّ الْهَامَ فِيهِ الْحَنْتَمُ [٨]
جَرَّتْ سَنَابِكَهَا بِنَجْدٍ قَبْلَهَا … حَتَّى اسْتَقَادَ لَهَا الْحِجَازُ الْأَدْهَمُ
اللَّهُ مَكَّنَهُ لَهُ وَأَذَلَّهُ … حُكْمُ السُّيُوفِ لَنَا وَجَدٌّ مزحم [٩]
[٢] بِسبع: أَي بِسبع مائَة. وَبَنُو عُثْمَان: هم مزينة.
[٣] كَذَا فِي م، ر. وَفِي أ: «أَكْنَافهم» بالنُّون. والأكناف: الجوانب.
[٤] نطا: أَرَادَ نَطَأ، فَخفف الْهمزَة. والرشق: الرَّمْي السَّرِيع، والمريشة: يعْنى السِّهَام ذَوَات الريش.
[٥] الحفيف: الصَّوْت. وانصاع: انْشَقَّ. والفواق هُنَا: الفوق، وَهُوَ طرف السهْم الّذي يَلِي الْوتر. والرصاف: جمع رصفة، وَهِي عصبَة تلوي على فَوق السهْم.
[٦] البطاح: جمع بطحاء، وَهِي الأَرْض السهلة المتسعة. ومسوم: أَي مُرْسل، أَو هُوَ الْمعلم بعلامة.
[٧] شعارهم: علامتهم فِي الْحَرْب.
[٨] ضنك: ضيق. والهام: الرُّءُوس: والحنتم. الحنظل.
[٩] مزحم: كثير الْمُزَاحمَة، يُرِيد أَن جدهم غَالب.
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !