قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَقِيَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَوَّالًا وَذَا الْقَعَدَةِ، ثُمَّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ، لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجَّهُمْ، وَالنَّاسُ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
(نُزُولُ بَرَاءَةٍ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْمُشْرِكِينَ):
وَنَزَلَتْ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ، الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ: أَنْ لَا يُصَدَّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ، وَلَا يَخَافُ أَحَدٌ فِي الشَّهْرِ الْحِرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِصَ، إلَى آجَالٍ مُسَمَّاةٍ، فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُ فِي تَبُوكَ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ، فَكَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ، مِنْهُمْ مَنْ سَمَّى لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَنَا، فَقَالَ عز وجل:
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ٩: ١: أَيْ لِأَهْلِ
[٢] لَا يعضد: لَا يقطع.
ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ ٩: ٧ الَّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامِّ أَن لَا نحيفوكم وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ، وَلَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ «عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ٩: ٧»، وَهِيَ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلَّا هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهِيَ الدِّيلُ [١] مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. فَأُمِرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدَّتِهِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ٩: ٧ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ ٩: ٨: أَيْ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ الْعَامِّ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً ٩: ٨.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْإِلُّ: الْحِلْفُ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ، أَحَدُ بَنِي أُسَيِّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:
لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلُّ مَرْقَبَةٌ … وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشَّرَفُ [١] وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. وَجَمَعَهُ: آلَالَ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَلَا إلٌّ مِنْ الْآلَالِ بَيْنِي … وَبَيْنَكُمْ فَلَا تَأْلُنَّ جُهْدًا
وَالذِّمَّةُ: الْعَهْدُ. قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ، وَهُوَ أَبُو مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ:
وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمَّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا … مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ، وَجَمْعُهَا: ذِمَمٌ.
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ.
اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، إِنَّهُمْ ساءَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ. لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ٩: ٨- ١٠ أَيْ قَدْ اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ، وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٩: ١١
(اخْتِصَاصُ الرَّسُولِ عَلِيًّا بِتَأْدِيَةِ بَرَاءَةٌ عَنْهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ بَعَثْتُ بِهَا إلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: لَا يُؤَدِّي عَنِّي إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، ثُمَّ دَعَا عَلِيَّ ابْن أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٍ، وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى، أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ كَافِرٌ، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدَّتِهِ، فَخَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ
٣٥- سيرة ابْن هِشَام- ٢
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، وَأَهْلِ الْمُدَّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمَّى.
(مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ بِجِهَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ، مِمَّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخَاصِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِّ، بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الَّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلَّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ، فَيُقْتَلُ [٢] بِعَدَائِهِ، فَقَالَ: أَلا تُقاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ ٩: ١٣- ١٥: أَيْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ. أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ٩: ١٥- ١٦
[٢] فِي أ: «فَيقبل بعدائه» .
(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِيجَةً: دَخِيلٌ، وَجَمْعُهَا: وَلَائِجُ، وَهُوَ مِنْ وَلَجَ يَلِجُ:
أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ ٧: ٤٠:
أَيْ يَدْخُلُ، يَقُولُ: لَمْ يَتَّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرُّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ، نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ، يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ ٢: ١٤ قَالَ الشَّاعِرُ:
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ قَدْ جُعِلْتَ وَلِيجَةً … سَاقُوا إلَيْكَ الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ [١]
(مَا نَزَلَ فِي الرَّدِّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادِّعَائِهِمْ عُمَارَةَ الْبَيْتِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إنَّا أَهْلُ الْحَرَمِ، وَسُقَاةُ الْحَاجِّ، وَعُمَّارِ هَذَا الْبَيْتِ، فَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنَّا، فَقَالَ: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ٩: ١٨: أَيْ إنَّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَيْ مَنْ عَمَّرَهَا بِحَقِّهَا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ٩: ١٨: أَيْ [٢] فَأُولَئِكَ عُمَّارُهَا فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ٩: ١٨ وَعَسَى مِنْ اللَّهِ: حَقٌّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ ٩: ١٩.
(مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ):
ثُمَّ الْقِصَّةُ عَنْ عَدُوِّهِمْ، حَتَّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ حُنَيْنٍ، وَمَا كَانَ فِيهِ، وَتُوَلِّيهِمْ عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا أَنَزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ نَصْرِهِ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا، وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ٩: ٢٨ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: لَتَنْقَطِعَنَّ عَنَّا الْأَسْوَاقُ، فَلَتَهْلِكَنَّ التِّجَارَةُ، وَلَيَذْهَبَنَّ مَا كُنَّا
[٢] فِي أ: «أَلا فَأُولَئِك» .
(مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ):
ثُمَّ ذَكَرَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِمْ مِنْ الشَّرِّ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ، حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ ٩: ٣٤.
(مَا نَزَلَ فِي النَّسِيءِ):
ثُمَّ ذَكَرَ النَّسِيءَ، وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ. وَالنَّسِيءُ مَا كَانَ يُحِلُّ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الشُّهُورِ، وَيُحَرِّمُ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ٩: ٣٦:
أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا، وَلَا حَلَالهَا حَرَامًا: أَيْ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشِّرْكِ إِنَّمَا النَّسِيءُ ٩: ٣٧ الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ «زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما لِيُواطِؤُا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ، وَالله لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ٩: ٣٧
(مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ):
ثُمَّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوِ الرُّومِ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى جِهَادِهِمْ، وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ
يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ٩: ٣٩ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ٩: ٤٠.
(مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ):
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ ﷺ، يَذْكُرُ أَهْلَ النِّفَاقِ: لَوْ كانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ، وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ ٩: ٤٢: أَيْ إنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ، لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ ٩: ٤٣؟ … إلَى قَوْلِهِ:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا، وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ، يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ٩: ٤٧.
(تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ: سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ، فَالْإِيضَاعُ: ضَرْبٌ مِنْ السَّيْرِ أَسْرَعَ مِنْ الْمَشْيِ، قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الهمدانيّ:
يصطادك الْوَاحِد الْمُدِلَّ بِشَأْوِهِ … بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشَّدِّ وَالْإِيضَاعِ [٢]
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
(عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النِّفَاقِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ الَّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشَّرَفِ، فِيمَا بَلَغَنِي، مِنْهُمْ:
[٢] الْوَاحِد، بِفَتْح الْحَاء وَكسرهَا: الْمُفْرد. يُرِيد: فرسا. قَالَ أَبُو ذَر: والجيد رِوَايَة من روى الْوَاحِد المَال المنصب، ويعنى بِهِ الثور الوحشي، ويضمر فِي قَوْله «يصطاد» ضميرا يرجع إِلَى فرس مُتَقَدم الذّكر وشأوه: سبقه. والشريج: النَّوْع. يُقَال هما شريجان: أَي نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ. والشد: هُنَا الجرى.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ٩: ٤٨- ٤٩، وَكَانَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، فِيمَا سُمِّيَ لَنَا، الْجَدُّ بْنُ قِيسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى جِهَادِ الرُّومِ. ثُمَّ كَانَتْ الْقِصَّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ٩: ٥٧- ٥٨: أَيْ إنَّمَا نِيَّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسَخَطَهُمْ لِدُنْيَاهُمْ.
(مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصَّدَقَاتِ):
ثُمَّ بَيَّنَ الصَّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ، وَسَمَّى أَهْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها، وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، وَفي الرِّقابِ، وَالْغارِمِينَ وَفي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ٩: ٦٠.
(مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرَّسُولَ):
ثُمَّ ذَكَرَ غَشَّهُمْ وَأَذَاهُمْ النَّبِيَّ ﷺ، فَقَالَ: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ، قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ، وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٩: ٦١. وَكَانَ الَّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، فِيمَا بَلَغَنِي، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّمَا مُحَمَّدٌ أُذُنٌ، مَنْ حَدَّثَهُ شَيْئًا صَدَّقَهُ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ٩: ٦١: أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدِّقُ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ
ثُمَّ الْقِصَّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتَّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا، وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا، وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ٩: ٧٣- ٧٤ …
إلَى قَوْلِهِ: مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ٩: ٧٤. وَكَانَ الَّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدِ ابْن صَامِتٍ، فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ، يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ، فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ باللَّه مَا قَالَهَا، فَلَمَّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ، وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ، فِيمَا بَلَغَنِي.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٩: ٧٥، وَكَانَ الَّذِي عَاهَدَ اللَّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةَ بْنَ حَاطِبٍ، وَمُعَتِّبَ بْنَ قُشَيْرٍ، وَهُمَا من بنى عمر بْنِ عَوْفٍ.
ثُمَّ قَالَ: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ، وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ، سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ٩: ٧٩ وَكَانَ المطَّوّعون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَغَّبَ فِي الصَّدَقَةِ، وَحَضَّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَتَصَدَّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عدىّ، فتصدّق بِمِائَة وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا مَا هَذَا إلَّا رِيَاءٌ، وَكَانَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِجَهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ، أَتَى بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ، فَأَفْرَغَهَا فِي الصَّدَقَةِ، فَتَضَاحَكُوا بِهِ، وَقَالُوا: إنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ.
ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ، حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْجِهَادِ،
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ٩: ٨١- ٨٢ … إلَى قَوْلِهِ: وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ ٩: ٨٥.
(مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النَّبِيِّ عَلَى ابْنِ أَبَيٍّ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبَيٍّ، دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَيٍّ بن سَلُولَ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا؟ أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَبَسَّمُ حَتَّى إذَا أَكْثَرْتُ قَالَ: يَا عُمَرُ، أَخِّرْ عَنِّي، إنِّي قَدْ خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ، قَدْ قِيلَ لِي: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ٩: ٨٠، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ، لَزِدْتُ. قَالَ: ثُمَّ صلى الله عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ، حَتَّى فُرِغَ مِنْهُ. قَالَ: فَعَجِبْتُ لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَاَللَّهُ وَرَسُوله أعلم. فو الله مَا كَانَ إلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ ٩: ٨٤ فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
(مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ٩: ٨٦، وَكَانَ ابْنُ أَبَيٍّ مِنْ أُولَئِكَ، فَنَعَى اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ، رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ، وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٩: ٩٣ وَالْخَوَالِفُ: النِّسَاءُ. ثُمَّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ، فَقَالَ: فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ٩: ٩٥، إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ ٩: ٩٦.
(مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ):
ثُمَّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبُّصُهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: وَمن الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ ٩: ٩٨: أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ٩: ٩٨.
ثُمَّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: وَمن الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ ٩: ٩٩.
(مَا نَزَلَ فِي السَّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ):
ثُمَّ ذَكَرَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَفَضْلَهُمْ، وَمَا وَعَدَهُمْ اللَّهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابه إيَّاهُم، تمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ، فَقَالَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ٩: ١٠٠، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمن أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ٩: ١٠١: أَيْ لَجُّوا فِيهِ، وَأَبَوْا غَيْرَهُ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ٩: ١٠١، وَالْعَذَابُ الَّذِي أَوْعَدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَرَّتَيْنِ، فِيمَا
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ٩: ١٠٣ إلَى آخِرِ الْقِصَّةِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ٩: ١٠٦، وَهُمْ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَمْرَهُمْ حَتَّى أَتَتْ مِنْ اللَّهِ تَوْبَتُهُمْ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرارًا ٩: ١٠٧ … إلَخْ الْقِصَّةُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ٩: ١١١. ثُمَّ كَانَ قِصَّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسْمَى فِي زَمَانِ النَّبِيِّ ﷺ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ، لَمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النَّاسِ. وَكَانَتْ تَبُوكَ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.