وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ، وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النَّضِيرِ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ، فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنِّي رَأَيْتُ كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلَّ غَدَاةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِكِنَانَةَ:
(مُصَالَحَةُ الرَّسُولِ أَهْلَ خَيْبَرَ):
وَحَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسُّلَالِمِ، حَتَّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ [١] وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ، فَفَعَلَ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ حَازَ الْأَمْوَالَ كُلَّهَا: الشَّقَّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ. فَلَمَّا سَمِعَ بِهِمْ أَهْلُ فَدَكَ قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا، بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيِّرَهُمْ، وَأَنَّ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ، وَيُخَلُّوا لَهُ الْأَمْوَالَ، فَفَعَلَ. وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ، فَلَمَّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى ذَلِكَ، سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النِّصْفِ، وَقَالُوا: نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَأَعْمَرُ لَهَا، فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى النِّصْفِ، عَلَى أَنَّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخْرَجْنَاكُمْ، فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَكَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ.
(أَمْرُ الشَّاةِ الْمَسْمُومَةِ):
فَلَمَّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَهْدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ، امْرَأَةُ سَلَّامِ بْنِ مِشْكَمٍ، شَاةً مَصْلِيَّةً [٢]، وَقَدْ سَأَلَتْ أَيَّ عُضْوٍ مِنْ الشَّاةِ أَحَبُّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقِيلَ لَهَا: الذِّرَاعُ، فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السُّمِّ،
[٢] مصلية: مشوية.
٢٢- سيرة ابْن هِشَام- ٢
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، وَدَخَلَتْ أُمُّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ: يَا أُمَّ بِشْرٍ، إنَّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْتُ فِيهِ [١] انْقِطَاعَ أَبْهَرِي [٢] مِنْ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مَعَ أَخِيكَ بِخَيْبَرِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَاتَ شَهِيدًا، مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ النُّبُوَّةِ
(رُجُوعُ الرَّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى، فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ.
(مَقْتَلُ غُلَامِ رِفَاعَةَ الَّذِي أَهْدَاهُ لِلرَّسُولِ):
قَالَ ابْنُ إِسْحَاق: فَحَدثني ثَوْر بْنُ زَيْدٍ، عَنْ سَالِمٍ، مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُول الله ﷺ من خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غُلَامٌ لَهُ [٣]، أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ، ثُمَّ الضَّبِينِيُّ [٤] .
[٢] الْأَبْهَر: عرق إِذا انْقَطع مَاتَ صَاحبه. وهما أبهران يخرجَانِ من الْقلب، ثمَّ يتشعب مِنْهُمَا سَائِر الشرايين. (رَاجع لِسَان الْعَرَب مَادَّة بهر) .
[٣] اسْم هَذَا الْغُلَام: مدعم، (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .
[٤] كَذَا فِي المشتبه والاستيعاب، فِي إِحْدَى روايتيهما، وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: «الضبيبى» –
قَالَ: فو الله إنَّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ [١] فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كَلَّا، وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إنَّ شَمْلَتَهُ [٢] الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ، كَانَ غَلَّهَا [٣] مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ. قَالَ: فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي، قَالَ: فَقَالَ:
يُقَدُّ [٤] لَكَ مِثْلَهُمَا مِنْ النَّارِ.
(ابْنُ مُغَفَّلٍ وَجِرَابُ شَحْمٍ أَصَابَهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ، قَالَ:
أَصَبْتُ مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ [٥] شَحْمٍ، فَاحْتَمَلْتُهُ عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي.
قَالَ: فَلَقِيَنِي صَاحِبُ الْمَغَانِمِ الَّذِي جُعِلَ عَلَيْهَا، فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ: هَلُمَّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاَللَّهِ لَا أُعْطِيكَهُ، قَالَ: فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ. قَالَ: فَرَآنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ. قَالَ:
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ضَاحِكًا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ: لَا أَبَا لَكَ، خَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. قَالَ: فَأَرْسَلَهُ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي، فَأَكَلْنَاهُ.
(بِنَاءُ الرَّسُولِ بِصَفِيَّةَ وَحِرَاسَةُ أَبِي أَيُّوبَ لِلْقُبَّةِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَفِيَّةَ، بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، وَكَانَتْ الَّتِي جَمَّلَتْهَا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَشَّطَتْهَا
[١] سهم غرب: هُوَ الّذي لَا يعلم من رَمَاه أَو من أَيْن أَتَاهُ.
[٢] قَالَ أَبُو ذَر: الشملة: كسَاء غليظ يلتحف بِهِ.
[٣] غلها: اختانها من الْمغنم.
[٤] يقد: يقطع (بِالْبِنَاءِ للْمَجْهُول فيهمَا) .
[٥] الجراب: المذود.
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، خِفْتُ عَلَيْكَ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلْتَ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا، وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، فَخِفْتهَا عَلَيْكَ. فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: اللَّهمّ احْفَظْ أَبَا أَيُّوبَ كَمَا بَاتَ يَحْفَظُنِي.
(تَطَوُّعُ بِلَالٍ لِلْحِرَاسَةِ وَغَلَبَةُ النُّوُمُ عَلَيْهِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ خَيْبَرَ، فَكَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ: مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلَّنَا نَنَامُ؟ قَالَ بِلَالٌ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْكَ. فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَنَزَلَ النَّاسُ فَنَامُوا، وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلِّي، فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ عز وجل أَنْ يُصَلِّيَ. ثُمَّ اسْتَنَدَ إلَى بَعِيرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ، فَنَامَ، فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلَّا مَسُّ الشَّمْسِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَوَّلَ أَصْحَابِهِ هَبَّ، فَقَالَ: مَاذَا صَنَعْتَ بِنَا يَا بِلَالُ؟ قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ، قَالَ: صَدَقْتُ، ثُمَّ اقْتَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعِيرَهُ [٣] غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ أَنَاخَ فَتَوَضَّأَ، وَتَوَضَّأَ النَّاسُ، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «إذَا نَسِيتُمْ الصَّلَاةَ فَصَلُّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا، فَإِنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى يَقُولُ: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ٢٠: ١٤.
(شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فِيمَا بَلَغَنِي، قَدْ أَعْطَى
[٢] اخْتلف فِي اسْمهَا، فَقيل سهلة، ورميلة، ورميثة، ومليكة، والفيصاء، والرميصاء.
(رَاجع الِاسْتِيعَاب) .
[٣] هَذِه الْكَلِمَة سَاقِطَة فِي أ.
رُمِيَتْ نَطَاةٌ مِنْ الرَّسُولِ بِفَيْلَقٍ … شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبَ وَفَقَارِ [٣] وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذُّلِّ لَمَا شُيِّعَتْ … وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ [٤] صَبَّحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غُدْوَةً … وَالشَّقُّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ [٥] جَرَّتْ بِأَبْطَحِهَا [٦] الذُّيُولُ [٧] فَلَمْ تَدَعْ … إلَّا الدَّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ [٨] وَلِكُلِّ حِصْنٍ شَاغِلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ … مِنْ عَبْدِ أَشْهَلَ أَوْ بَنِي النَّجَّارِ [٩] وَمُهَاجِرِينَ قَدْ اعْلَمُوا سِيمَاهُمْ … فَوْقَ المغافر لم ينْو الْفِرَار [١٠] وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَيَغْلِبَنَّ مُحَمَّدٌ … وَلَيَثْوِيَنَّ بِهَا إلَى أَصْفَارِ [١١] فَرَّتْ [١٢] يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى … تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ [١٣] الْأَبْصَارِ
[٢] قَالَ أَبُو ذَر: «كَانَ ابْن لقيم العبسيّ يعرف بلقيم الدَّجَاج» .
[٣] نطاة: حصن بِخَيْبَر، وَقيل عين بهَا. وَالْفَيْلَق: الكتيبة. والشهباء: الْكَثِيرَة السِّلَاح تلمع فِيهَا السيوف والأسنة وَذَات مناكب وفقار: أَي شَدِيدَة.
[٤] شيعت: فرقت. وَأسلم وغفار: قبيلتان.
[٥] الشق (بِالْفَتْح وبالكسر): من حصون خَيْبَر. وَيُرِيد «بإظلام أَهله»: مَا أَصَابَهُم من شدَّة وَسُوء حَال.
[٦] الأبطح: الْمَكَان السهل.
[٧] كَذَا فِي أ. وَفِي سَائِر الْأُصُول: «الذيول» .
[٨] فِي أ: «بالأشجار» .
[٩] عبد أشهل وَبَنُو النجار: من الْأَنْصَار.
[١٠] المغافر: مَا يكون على الرَّأْس وقاية لَهَا فِي الْحَرْب، الْوَاحِد: مغفر.
[١١] ليثوين: ليقيمن. وأصفار: جمع صفر، وَهُوَ الشَّهْر الْمَعْرُوف.
[١٢] الوغى: الْحَرْب. والعجاج: الْغُبَار.
[١٣] كَذَا فِي أَكثر الْأُصُول. قَالَ أَبُو ذَر: «الغمائم، بالغين الْمُعْجَمَة، جفون الْعين. قَالَ ابْن سراج: وَيصِح أَن تكون عمائم، بِالْعينِ الْمُهْملَة: جمع عِمَامَة، وَتَكون الْأَنْصَار بالنُّون» . وبهذه الرِّوَايَة وَردت فِي أ. وَقَالَ السهيليّ: «وَهُوَ بَيت مُشكل، غير أَن فِي بعض النّسخ، وَهِي قَليلَة، عَن ابْن هِشَام، أَنه قَالَ: فرت: فتحت، من قَوْلك: فرت الدَّابَّة، إِذا فتحت فاها، وغمائم الْأَبْصَار، هِيَ مفعول فرت وَهِي جفون أَعينهم. هَذَا قَول. وَقد يَصح أَن يكون فرت من الْفِرَار، وغمائم الْأَبْصَار، من صفة العجاج
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَرَّتْ: كَشَفَتْ، كَمَا تُفَرُّ الدَّابَّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا، يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ، يُرِيدُ الْأَنْصَارَ [١] .
(شُهُودُ النِّسَاءِ خَيْبَرَ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيَّةِ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَرَضَخَ لَهُنَّ [٢] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْفَيْءِ، وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنَّ بِسَهْمٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، قَدْ سَمَّاهَا لِي، قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَكَ إلَى وَجْهِكَ هَذَا، وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ، فَنُدَاوِي الْجَرْحَى، وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا، فَقَالَ: عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا مَعَهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدَثَةً، فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْله. قَالَت: فو الله لَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى الصُّبْحِ وَأَنَاخَ، وَنَزَلْتُ عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ، وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنِّي، وَكَانَتْ أَوَّلَ حَيْضَةٍ حِضْتَهَا، قَالَتْ: فَتَقَبَّضْتُ إلَى النَّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْتُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا بِي وَرَأَى الدَّم، قَالَ: مَالك؟ لَعَلَّكَ نُفِسْتُ [٣]، قَالَتْ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِكَ، ثُمَّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ، فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا، ثُمَّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدَّمِ، ثُمَّ عُودِي لِمَرْكَبِكَ.
قَالَتْ: فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ، رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ،
بمنجرد قيد الأوابد هيكل
» .
[١] كَذَا وَردت هَذِه الْعبارَة فِي أَكثر الْأُصُول. وَهِي فِي أكما يأتى: «قَالَ ابْن هِشَام فرت، يُرِيد كشفت الجفون عَن الْعين، كَمَا تَفِر الدَّابَّة بالكشف عَن أسنانها» .
[٢] رضخ لَهُنَّ: أعطاهن عَطاء يَسِيرا، لم يصل إِلَى نصيب السهْم.
[٣] نفست: حِضْت.
وَكَانَتْ لَا تَطَهَّرَ مِنْ حَيْضَةٍ إلَّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا، وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ.
(شُهَدَاءُ خَيْبَرَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، ثُمَّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ: رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ [١] بْنِ عَمْرِو بْنِ بُكَيْرِ [٢] بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ، وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو، وَرِفَاعَةُ ابْن مَسْرُوحٍ.
(مِنْ بَنِي أَسَدٍ):
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْهُبَيْبِ، وَيُقَالُ: ابْنُ الْهَبِيبِ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، ابْنُ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غِيرَةَ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ، حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ.
(مِنَ الْأَنْصَارِ):
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمَّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ: بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ، مَاتَ مِنْ الشَّاةِ الَّتِي سُمَّ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَفُضَيْلُ بْنُ النُّعْمَانِ. رَجُلَانِ.
(مِنْ زُرَيْقٍ):
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ: مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ.
(مِنَ الْأَوْسِ):
وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ: مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ.
[٢] كَذَا فِي الِاسْتِيعَاب. وَفِي الْأُصُول: «لكيز» .
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَبُو ضَيَّاحِ [١] بْنُ ثَابِتِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ [٢] امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ مُرَّةَ ابْن سُرَاقَةَ، وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ، وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ، وَثَابِتُ بْنُ أَثَلَةَ، وَطَلْحَةُ [٣] .
(مِنْ غِفَارٍ):
وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ: عِمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ، رُمِيَ بِسَهْمِ.
(مِنْ أَسْلَمَ):
وَمِنْ أَسْلَمَ: عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ، وَالْأَسْوَدُ الرَّاعِي، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأَسْوَدُ الرَّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ.
(مِنْ بَنِي زُهْرَةَ):
وَمِمَّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ، مِنْ بَنِي زُهْرَةُ: مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ.
(مِنَ الْأَنْصَارِ):
وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ.
أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ
(إِسْلَامُهُ وَاسْتِشْهَادُهُ):
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ الرَّاعِي، فِيمَا بَلَغَنِي: أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَعَرَّضَهُ عَلَيْهِ، فَأَسْلَمَ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَا يَحْقِرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ، وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ- فَلَمَّا أَسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي كُنْتُ أَجِيرًا لِصَاحِبِ
[٢] اسْمه النُّعْمَان، وَقيل عُمَيْر. (رَاجع الِاسْتِيعَاب) .
[٣] هُوَ طَلْحَة بن يحيى بن مليل بن ضَمرَة. (رَاجع شرح السِّيرَة) .
يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ أَعَرَضْتُ عَنْهُ؟ قَالَ: إنَّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ: أَنَّ الشَّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلَّتْ (لَهُ) [٢] زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ، وَتَقُولَانِ: تَرَّبَ اللَّهُ وَجْهَ مَنْ تَرَّبَكَ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَكَ.
أخبار تونس نور العقيدة، أساس العلم، وحقائق الكون !