(إِسْلَامُهُ):
بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ، حَتَّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ، هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيُّ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ. وَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ:
اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَكُمْ مِنْ طَعَامٍ، فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ، وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ [٢] أَنْ يُغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ، فَيَقُولُ: إيْهَا [٣] يَا مُحَمَّدُ، إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْتُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمًا:
أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَلَمَّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ، فَتَطَهَّرَ فَأَحْسَنَ طُهُورَهُ، ثُمَّ
[٢] اللقحة.: وَاحِدَة اللقَاح من الْإِبِل، وَهِي النَّاقة الَّتِي لَهَا لبن.
[٣] إيها: حَسبك.
(خُرُوجُهُ إلَى مَكَّةَ وَقِصَّتُهُ مَعَ قُرَيْشٍ):
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَبَلَغَنِي أَنَّهُ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، حَتَّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَبَّى، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ يُلَبِّي، فَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا: لَقَدْ اخْتَرْتُ علينا، فَلَمَّا قديموه لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: دَعُوهُ فَإِنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ، فَخَلُّوهُ، فَقَالَ الْحَنَفِيُّ فِي ذَلِكَ:
وَمِنَّا الَّذِي لَبَّى بِمَكَّةَ مُعْلِنًا … بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَانَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمْ
وَحُدِّثْتُ أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حِينَ أَسْلَمَ، لَقَدْ كَانَ وَجْهُكَ أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيَّ، وَلَقَدْ أَصْبَحَ وَهُوَ أَحَبُّ الْوُجُوهِ إلَيَّ. وَقَالَ فِي الدِّينِ وَالْبِلَادِ مِثْلَ ذَلِكَ.
ثُمَّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالُوا: أَصَبَوْتُ يَا ثُمَامُ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُ خَيْرَ الدِّينِ، دِينَ مُحَمَّدٍ، وَلَا وَاَللَّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبَّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم. ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ، فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكَّةَ شَيْئًا، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: إنَّكَ تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِنَّكَ قَدْ قَطَعْتُ أَرْحَامَنَا وَقَدْ قَتَلْتُ الْآبَاءَ بِالسَّيْفِ، وَالْأَبْنَاءَ بِالْجَوْعِ [١]، فَكَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَيْهِ أَنْ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ.